د.جيهان عبد السلام عباس
أستاذ الاقتصاد المساعد
كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة
مقدمة:
فاز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية يوم 6 نوفمبر 2024 ، بعد حصوله على ما يكفي من الأصوات الانتخابية ليعود إلى البيت الأبيض بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة؛ ليفتح الباب أمام الجدل مرة أخرى بشأن سياساته التى سبق وتبناها فى الفترة الرئاسية السابقة له.
واتفق معظم المحللين على أن العواقب المترتبة على فوز ترامب من المرجح أن تكون سيئة للغاية، خاصة بعد أن أدلى ترامب بتصريحات متعصبة ضد العديد من الشركاء الدوليين. وتشير هذه التصريحات إلى أنه ليس لديه سوى القليل من الفهم للجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية. وهذا يزيد من خطر وقوعه في أزمة خارجية، وتزداد انعكاسات سياساته سوءا فى ضوء تغير الظروف العالمية بشكل كبير مقارنة بفترة منذ تولى ترامب منصبه لأول مرة في عام 2017.
هذا مع كون العالم لا يزال يتعامل مع الآثار اللاحقة لفيروس كورونا، والحروب في أوكرانيا وغزة، وأعباء الديون الكبيرة، وارتفاع أسعار الفائدة والضغوط التضخمية.
من هذا المنطلق ، يتناول هذا المقال ردود بعض الأفعال الإفريقية تجاه فوز ترامب، كذلك أسباب التخوف الإفريقى من وجود ترامب فى الرئاسة الأمريكية، وطبيعة الانعكاسات السلبية التى قد تحققها سياساته على الاقتصاد الإفريقى، كذلك الفرص التى قد تتاح لأفريقيا أثناء فترة رئاسة ترامب .
أولًا– ردود الأفعال الإفريقية تجاه فوز ترامب:
من المؤكد أن سياسة الأمر الواقع قد هيمنت على رسائل التهنئة الصادرة عن رؤساء الدول الإفريقية، حيث سارع الزعماء الأفارقة الذين لديهم علاقات مرنة نسبيا مع إدارة ترامب إلى تهنئته، في حين كان البعض أكثر هدوءا. فسارعت مصر بتقديم التهنئة لترامب، كذلك من بين القوى الإفريقية الكبرى التى أظهرت رد فعلها، جنوب إفريقيا، التى هنأت ترامب أيضًا على فوزه. مع تطلع رئيس جنوب إفريقيا إلى “مواصلة الشراكة الوثيقة ومتبادلة المنفعة بين البلدين في جميع المجالات خاصة فى ظل رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين في عام 2025 “.
وتاريخيا، تزدهر العلاقات بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة في ظل البيت الأبيض الجمهوري، حيث أنه خلال فترة ولاية ترامب الأولى، عين امرأة ولدت في جنوب إفريقيا سفيرة للولايات المتحدة في جنوب إفريقيا. وان كان هناك شعور بالقلق من أن موقف جنوب إفريقيا الصارم تجاه إسرائيل بشأن غزة، بما في ذلك جر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية، قد يسبب اصطدام العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأعرب الرئيس النيجيري (بولا تينوبو) في بيان له عن تهانيه “الصادقة” للرئيس الأمريكي المنتخب، وسعيه إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، ووصف فوز ترامب بأنه انعكاس للثقة التي وضعها الشعب الأمريكي في قيادته، وسيسمح ذلك بالدخول في عصر من الشراكات الاقتصادية والتنموية الجادة والمفيدة والمتبادلة بين إفريقيا والولايات المتحدة.
أما أوغندا فقد كانت أكثر صراحة، حيث سرعان ما قالت رئيسة مجلس النواب الأوغندي (أنيتا أمونج)، الخاضعة لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية بسبب حملات القمع العنيفة على المعارضة: “أريد أن أؤكد للأعضاء أنه لا يمكن لأي قدر من الترهيب أن ينقلني من مكاني الحالي. والآن بعد أن فاز دونالد ترامب، انتهت العقوبات”.
أما الرئيس الكيني (ويليام روتو) فقد أبطأ في تهنئة ترامب، ثم جاءت من نائبه (ريجاثي جاتشاغوا) الذي هنأ الزعيم الأمريكي على “واحدة من أعظم أشكال العودة السياسية” كما وصفها، مؤكدا على الشراكة الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة والتي تمتد لأكثر من 60 عامًا.
ونظرا لكون القرن الإفريقي، نقطة ساخنة، لم يكن من المفاجئ أن نرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من بين أوائل الزعماء الأفارقة الذين هنأوا ترامب بفوزه. وربما ليس من المستغرب أن سارعت أرض الصومال، كذلك، إلى تهنئة ترامب. وتجدر الإشارة هنا الى أنه خلال فترة ولاية ترامب الأولى، سحب ترامب القوات الأمريكية من الصومال، ليقوم بايدن بإعادة نشرها. ويعتقد أنه في ولاية ترامب الثانية، “من المرجح أن يعيد ترامب النظر في هذا القرار”.
كما هنأ رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية (فيليكس تشيسيكيدي)، الذي نددت إدارة ترامب الأولى بفوزه المثير للجدل في الولاية الأولى، ترامب “باسم الشعب الكونغولي على انتصاره العظيم”، قائلًا إنه مستعد للعمل معًا.[1]
ثانيًا- أسباب التخوف الإفريقى من فوز ترامب:
أثارت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قلق بعض الأفارقة بشأن العديد من السياسات الأمريكية تجاه القارة خاصة فى ضوء أن الأيديولوجية الأساسية التي تكمن في قلب سياسات ترامب وتؤمن بالانعزالية في كل النواحي، فلم يقم ترامب بزيارة القارة ولو مرة واحدة خلال فترة ولايته الأولى. ولن يكون هذا مطمئنا للعديد من البلدان الإفريقية، فى ظل أنه من غير المتوقع أن يقوم ترامب بتوسيع سياسته الخارجية والتنموية مع إفريقيا[2].
ويمكن القول بأنه من المرجح أن يكون فوز ترامب سيئاً بالنسبة لإفريقيا لثلاثة أسباب كما يلى :-
- انحيازه إلى تدابير الحماية؛ وبالتالى ليس من المرجح أن يكون مؤيداً للسماح لإفريقيا بالوصول بشكل ملائم إلى أسواق الولايات المتحدة من خلال برامج مثل قانون فرص النمو في إفريقيا. ورغم أنه لا يجوز له إلغاء هذا القانون، إلا أنه سيكون عدوانيًا في الرد على أي دولة يعتقد أنها تستغله بشكل غير عادل.
- احتضانه للعنصريين في حملته الانتخابية، وبالتالى ليس هناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أنه سوف ينظر إلى إفريقيا بشكل إيجابي. ومن المرجح أنه ينظر إلى القارة في ضوء سلبي عموما، كمصدر للفقر والمشاكل وليس كمكان ديناميكي مليء بالفرص؛ ومن غير المرجح أن يتفاعل بشكل إيجابي مع المبادرات الإفريقية الرامية إلى جعل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي أكثر مسؤولية أمام إفريقيا وأكثر استجابة لاحتياجاتها واهتماماتها.
- نهج ترامب تحت شعار “أمريكا أولا“ يشير إلى أنه من غير المرجح أن يرى التعاون التنموي والدعم لإفريقيا في ضوء إيجابي. والنتيجة هي أن إفريقيا، وخاصة البلدان المتوسطة الدخل، من المرجح أن تجد قدرتها على الوصول إلى المساعدات ومبادرات التعاون المتعددة الأطراف من جانب الولايات المتحدة ومتعددة الأطراف أقل. ورغم أن هذا قد ينطوي على بعض الفوائد، إلا أنه سوف يترتب عليه انعكاسات اقتصادية مؤلمة في هذه البلدان خاصة منخفضة الدخل.[3]
ثالثًا – انعكاسات متوقعة على الاقتصاد الإفريقى فى ظل رئاسة ترامب :
-السياسات التجارية المقيدة والحرب مع الصين : يقوم “اقتصاد ترامب” على مبادئ واضحة ولكنها متناقضة. وغالبا سوف تهيمن الدوافع الحمائية والقومية، تماشيا مع شعار “أميركا أولا”. وهذا له آثار كبيرة على التجارة العالمية. وقد طرح ترامب فكرة فرض ضريبة بنسبة 10% على كل الواردات من كل البلدان، وضريبة تصل إلى 60% على جميع السلع القادمة من الصين؛ وبالتالى فإن حرباً تجارية أخرى تكاد تكون حتمية مع استمرار هذه السياسة . وسوف تصبح استراتيجيات (نقل سلاسل التوريد إلى بلدان ذات قيم مشتركة أو تحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة)، و”إعادة الإنتاج إلى الولايات المتحدة”، و”نقل الإنتاج بالقرب من الولايات المتحدة” استراتيجيات رئيسية. مما سيؤدى إلى ارتفاع تكاليف التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وربما تعطل سلاسل التوريد العالمية، ويتوقع بنك “يو بي إس” انخفاض النمو الصيني بمقدار 2.5 نقطة مئوية، في حين يؤكد على إن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي قد ينخفض ومن الممكن أن تجد الدول الإفريقية نفسها في مرمى نيران حرب تجارية يشارك فيها شركاؤها التجاريون الرئيسيون وهو ما ينعكس بشكل كبير على التجارة الإفريقية التى تعتمد بشكل كبير على اقتصادات الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والصين [4][5].
– التخوف من احتمالية الغاء قانون أجوا: يتوقف مستقبل الاتفاقية التجارية، التي كانت في جوهر مشاركة واشنطن التجارية مع إفريقيا منذ عام 2000، على قرارات دونالد ترامب، وهناك مخاوف بشأن استمرار قانون النمو والفرص في إفريقيا (أجوا) ــ وهو البرنامج الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق بِل كلينتون في عام 2000 والذي يوفر للدول المؤهلة من إفريقيا القدرة على الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة بدون رسوم جمركية، ويوفر لدول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المؤهلة الوصول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية لأكثر من 1800 منتج. بالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 5000 منتج مؤهل للوصول بدون رسوم جمركية بموجب برنامج نظام التفضيلات المعمم.
وتشمل قائمة منتجات أجوا المواد الخام ومنتجات المنسوجات والملابس. وتمنح الاتفاقية التجارية، التي تم تمديدها حتى عام 2025، إعفاءً جمركيًا على الواردات من أكثر من 30 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.ويعتبر احتمالية الغاء هذا القانون بمثابة معضلة كبيرة للتجارة الإفريقية ، حيث أنها قد لا تتمتع بنفس فرص الاستيراد والتصدير التي كانت متاحة في السابق بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا، فعلى سبيل المثال، وفقًا لقاعدة بيانات ComTrade التابعة للأمم المتحدة، كانت الولايات المتحدة ثاني أهم وجهة تصدير للسلع من جنوب إفريقيا في عام 2022 بعد الصين، بنسبة تقل قليلاً عن 9٪. وقد تواجه تجارة جنوب إفريقيا المزدهرة مع الولايات المتحدة بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا نقطة تحول كبرى فى حالة الغاؤه، حيث تعتمد الولايات المتحدة على جنوب إفريقيا للحصول على مجموعة من المعادن المهمة.
وفي عام 2021، استوردت الولايات المتحدة ما يقرب من 100% من احتياجاتها من الكروم من جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى أكثر من 25% من احتياجاتها من المنغنيز والتيتانيوم والبلاتين. وإن كان البعض يؤكد على أن الاستفادة من أجوا كشكل من أشكال الدبلوماسية الاقتصادية أمر أساسي لتشجيع أمن الإمدادات المعدنية الحيوية. فقد تؤمن سياسة ترامب لجنوب إفريقيا فترة للاحتفاظ بامتياز وصولها إلى الأسواق الأمريكية بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا.
ووفقاً لمعهد بروكينجز، وهو مركز أبحاث أمريكي وسطي، هناك جدل في الولايات المتحدة حول ما إذا كان ينبغي استبعاد جنوب إفريقيا من تجديد قانون النمو والفرص في إفريقيا في عام 2025 – إما لأسباب سياسية أو بسبب وضعها كدولة من الطبقة المتوسطة العليا. وأياً كانت النتيجة، فإن بيانات معهد بروكينجز تظهر أن الاستبعاد من قانون النمو والفرص في إفريقيا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الرسوم الجمركية اسمياً على صادرات جنوب إفريقيا إلى الولايات المتحدة، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.06% فقط. وستشهد خسارة كل من قانون النمو والفرص في إفريقيا ونافذة نظام الأفضليات المعمم انخفاضًا أعلى في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.11%. وعلى المستوى القطاعي، ستكون هناك درجة أعلى من انخفاض الصادرات بنحو 2.7%، مع أكبر الخاسرين هي صادرات الأغذية والمشروبات، التي من المرجح أن تنخفض بنسبة 16%، والنقل والمعدات بنسبة 13%. وسيكون الانخفاض 18% و14% على التوالي إذا تم أخذ نظام الأفضليات المعمم في الاعتبار. ومع ذلك، فإن فقدان جميع الوصول التفضيلي إلى سوق الولايات المتحدة يشهد أيضًا انخفاضًا كبيرًا في صادرات جنوب إفريقيا من الحبوب والمحاصيل (10%) والفواكه والخضروات (4.5%). %)، المنسوجات والجلود والملابس (11%)، الكيماويات (13%)، المعادن الأخرى (6.5%)، المعدات الكهربائية والإلكترونية[6].-
– اضعاف مستهدفات السياسة النقدية وارتفاع الضغوط التضخمية: سوف يخضع استقلال السياسة النقدية للتدقيق من جانب سياسة ترامب، فى ظل وصفه لرئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” بأنه عدو أكبر للأمريكيين من الرئيس الصيني شي جين بينغ ؛ لاستمراره في رفع أسعار الفائدة. وهذا المستوى من التدخل السياسي من شأنه أن يقوض مصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي ومعركته ضد التضخم. ومن المرجح أن تؤدي زيادة التعريفات الجمركية والتخفيضات الضريبية في الولايات المتحدة إلى تأثيرات تضخمية واضحة على اقتصادها، وهو ما من شأنه أن يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة رغما عن سياسات ترامب؛ وبالتالى فإن صناع السياسات الأفارقة، الذين تعاملوا مع التأثيرات غير المتناسبة للدولار في السنوات الأخيرة سوف يشعرون بالقلق من التأثير السلبي الذي قد يطلقه هذا على الاقتصاد العالمي. وهذا من شأنه أن يرفع تكاليف خدمة ديونها مرة أخرى. ومع تآكل الاحتياطيات المالية منذ كوفيد-19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، الى ارتفاع التضخم.[7]
– تجاهل قضية تغير المناخ، وحقوق الدول الإفريقية: سبق وأشار ترامب إلى أنه لا يهتم كثيرا بالقضية الأكثر أهمية في عصرنا ـوهى تغير المناخ. ويدعو إلى العودة إلى استخدام مصادر الطاقة الأكثر تلويثا للعالم – الفحم والنفط – كجزء من جهوده لجعل “أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وذلك بما يتناقض مع الدعوة نحو الحد من زيادة إنتاج الوقود الأحفوري مع الجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات الكربون. ومن الممكن أن يكون لذلك تأثيرًا كبيرًا أيضًا على البلدان الإفريقية التى تعانى من ارتفاع معدلات التلوث والانبعاثات الكربونية بفعل ممارسات الاقتصادات الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، فهى وغيرها من البلدان القوية تطلق كميات من ثاني أكسيد الكربون أكبر كثيراً من تلك التي تطلقها إفريقيا نفسها، ويتفق الخبراء على نطاق واسع على أن البلدان الفقيرة تتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ[8]
وهذا سيجعل من الصعب على العالم إبقاء تغير المناخ ضمن هدف الدرجتين المئويتين الذي حددته اتفاقية باريس، وتجنب الآثار المدمرة الناتجة على قارات مثل أفريقيا. كما يمكن لترامب الانسحاب من اتفاقية باريس (وهو القرار الذي تراجعت عنه إدارة بايدن).
إن انخفاض دعم الولايات المتحدة لمبادرات المناخ والتراجع عن السياسات “الخضراء” التقدمية يمكن أن يقوض أهداف المناخ العالمية ويزيد من تفاقم التدهور البيئي في المناطق المعرضة للخطر[9] .
– سياسات الهجرة الأكثر صرامة: وهى السياسات التى سبق وتبناها ترامب فى فترة ولايته الأولى، والتى من المتحتمل أن يعود اليها، مما يغلق فرص للهجرة الإفريقية ويؤثر على حال شبابها الذين يسعون نحو كسب لقمة العيش خارج القارة. فلم تكن فقط دول أوروبا هى الوجهة الأكثر استقبالا للمهاجرين الأفارقة، بل ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية فى الثلاث عقود الأخيرة كأحد أهم الوجهات أيضا، إذ أصبح يشكل المهاجرون الأفارقة عنصرًا متزايدًا وواضحًا بشكل متزايد من سكان الولايات المتحدة. حيث زاد عدد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى في الولايات المتحدة بمقدار 16 ضعفًا منذ عام 1980.[10] كما أقام ما يقرب من 2.1 مليون مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الولايات المتحدة في عام 2019، وهو ما يمثل 5 % من إجمالي السكان المولودين في الخارج البالغ عددهم 44.9 مليون نسمة. ويتوقع مكتب الإحصاء الأمريكي أن إجمالي عدد السكان الأفارقة المولودين من قبل المهاجرين غير الشرعيين الى الولايات المتحدة سوف يتضاعف بحلول عام 2060، ليصل إلى 9.5 مليون وتتكون هذه المجموعة المتنوعة للغاية من أفراد من 51 دولة. وكانت نيجيريا، إلى جانب إثيوبيا ومصر وجنوب إفريقيا وغانا والمغرب، من بين أكبر 10 دول للمهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة، ومعنى ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد تنوعًا كبيرًا فى طبيعة المهاجرين الأفارقة اليها، اذ يأتون من بلدان ومناطق متميزة ثقافيًا ولغويًا وسياسيًا. ويتوقع مكتب الإحصاء الأمريكي أن إجمالي عدد السكان الأفارقة المولودين من قبل المهاجرين غير الشرعيين الى الولايات المتحدة سوف يتضاعف بحلول عام 2060، ليصل إلى 9.5 مليون.[11]
– احتمالية ظهور ركود عالمى تطول أثاره القارة الإفريقية: يمكن أن نتوقع أن يستمر ردود الأفعال القلقة بشأن سياسات ترامب الاقتصادية، خاصة من جانب الأسواق المالية على المدى القصير، وأن يكون هناك فقدان عام لثقة المستثمرين وتراجع فى مناخ الاستثمارات عامة. وهذا بدوره سيؤدي إلى تفاقم التوترات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. وإذا استمرت هذه التأثيرات لأي فترة من الوقت فإنها قد تؤدي إلى ركود عالمي آخر.[12] ومن المرجح أن تشكل سياسات ترامب التجارية ضربة أخرى للتجارة العالمية وخطرًا هبوطيًا تنعكس آثاره على النمو الاقتصادى العالمى، وهناك احتمالات بأن يزيد الدين الأمريكي بمقدار 7.75 تريليون دولار حتى عام 2035، وكل انعكاسات ذلك يشير الى احتمالية أن يضرب الاقتصاد العالمي بشدة، وهو ما سوف يؤثر سلبا على القارة الإفريقية التى تعتمد بشكل كبير على الاقتصادات الكبرى فى جوانب مختلفة [13].
-تخفيض المساعدات والمنح: تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكثر دول العالم فى تقديم المنح والمساعدات الى إفريقيا؛ ونظرا للتركيز السياسي الضيق لترامب، فقد أصبح من الممكن مرة أخرى التراجع عن الاستثمار وخفض مساعدات المانحين للدول الإفريقية. وستكون مثل هذه التخفيضات ذات انعكاسات اقتصادية واجتماعية صعبة للقارة عامة والدول الأكثر فقرا خاصة، وتحديدا بالنسبة للمجالات ذات الأهمية الأمن الغذائى والرعاية الصحية.
-تراجع أسعار صرف العملات الإفريقية: مع اعلان فوز ترامب، أدت ما يسمى بـ “تجارة ترامب” إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنسبة 16% إلى 4.44%، في حين سجل مؤشر الدولار، الذي يتتبع أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسية، أكبر ارتفاع له في يوم واحد. مكاسب منذ نوفمبر 2022. وارتفع الدولار بما يصل إلى 1.5% مع ظهور النتائج في الساعات الأولى من الصباح. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تشهد رئاسة ترامب ارتفاع الدولار بشكل أكبر[14]. ومن الممكن أن يكون الدولار أقوى إلى حد ما خلال الفترة المقبلة مما يضع بعض الضغوط على عملات الأسواق الناشئة وأسعار الفائدة.[15] حيث أدى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل عملات مجموعة العشرة وعملات الأسواق الناشئة ، مما سيكون له تداعيات كبيرة على قيمة العملات الإفريقية أمام الدولار؛ وبالتالى على الاقتصاد الكلي للدول الإفريقية.
رابعًا – فرص محتملة لاستفادة إفريقيا من فوز ترامب:
على الرغم من التوقعات السلبية لما قد تعانى منه اقتصادات القارة الإفريقية فى ظل حكم ترامب للولايات المتحدة الأمريكية، الا أن ذلك لا يعنى عدم وجود فرص للظهور الاقتصاد الإفريقى، فمثلا الموقف القوي المناهض للصين قد يفتح الأبواب أمام الأسواق الإفريقية لملء الفراغ في سلاسل التوريد العالمية بشرط أن تتمكن من التصرف بسرعة وبشكل استراتيجي.
كما تظهر بعض التقييمات أن بعض عناصر ولاية ترامب الأولى كانت بناءة تجاه إفريقيا، منها مبادرة “ازدهار إفريقيا” لعام 2019 ، والتى تهدف إلى زيادة التجارة والاستثمار بين الجانبين. والتى تم صياغتها على أساس أجندة مناهضة للصين وروسيا لكنها أرست الأساس لشراكات محتملة مربحة، إذا تمكنت الدول الإفريقية من اجتياز عملية إعادة التنظيم الجيوسياسي وتحقيق الاستقرار. وسيكون الفائزون هم أولئك الذين يلعبون بشكل عملي على غرور ترامب ووضعه كصانع للصفقات من أجل الإبحار في مشهد جيواستراتيجي متزايد التعقيد.[16] كما يرى البعض أن تركيز واشنطن على الجيواستراتيجية والجهود المبذولة للاستثمار في أجزاء من القارة، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية في إفريقيا -سيستمر- بغض النظر عن أى توجهات لترامب، حيث أن النفوذ المتزايد للصين وروسيا ودول أخرى من شأنه أن يجبر ترامب وإدارته على أن يكونوا أقل انعزالية مما يعتقده الكثيرون. خاصة فى ضوء ظهور افاق جديدة أمام القارة الإفريقية لتنويع سلة عملاتها دون التركيز المفرط على الدولار، وهو الأمر الذى ظهر واضحا فى ممارسات مجموعة دول البريكس مع بعض الدول الإفريقية.
خاتمة:
على الرغم من السياسات التى سبق ونفذها الرئيس الأمريكى ترامب فى أثناء فترة ولايته الأولى والتى من المعتقد أنه سيظل عليها خلال الفترة الثانية، ومهما تعددت الانعكاسات السلبية لتلك السياسات على الاقتصاد العالمى عامة واقتصادات القارة الإفريقية خاصة، إلا أن المعركة من أجل النفوذ في إفريقيا، وحقوق استخراج المعادن، والتوسع لتحقيق المصالح سوف يستمر. وإذا كان هناك حافز واحد لترامب للانسحاب بشكل أقل والتعاون بشكل أكبر مع إفريقيا، فهو القوة الصاعدة للصين. وسيكون الفائزون الأفارقة هم الذين يلعبون بشكل عملي على وتر غرور ترامب ومكانته التي نصبت نفسها كصانعة للصفقات.
وفى النهاية، يتعين على إفريقيا أن تعمل على الحد من التبعية وتنويع التحالفات الاستراتيجية والعلاقات التجارية والاستثمارية تحسبا لاختلاف الظروف الدولية والتوجهات السياسية والاقتصادية لأصحابها.
……………………………
[1]) Carien du Plessis, Kanika Saigal, Nicholas Norbrook, Sheriff Bojang Jnr , “How is Africa greeting a Trump victory?” , November 6,2024 , at https://www.theafricareport.com/367454/how-is-africa-greeting-a-trump-victory/#:~:text=Posted%20on-,November%206%2C%202024,-15%3A53
[2]( Martina Schwikowski , “What Trump’s reelection could mean for Africa” , 02/01/2024February 1, 2024 , at:
https://www.dw.com/en/what-trumps-reelection-could-mean-for-africa/a-68125142
[3] )Steve Crook, “Trump’s victory is bad – for Africa and for global stability” November 10, 2016, at:
https://theconversation.com/trumps-victory-is-bad-for-africa-and-for-global-stability-68595
[4]) Ronak Gopaldas, “How would Trump 2.0 impact African economies? ” , Institute for Security Studies ,01 August 2024, at:
https://issafrica.org/iss-today/how-would-trump-2-0-impact-african-economies
[5]( Vin Weber , “What Africa can expect under a second Trump administration: A focus on the ‘numbers’ ” , October 29, 2024 , at:
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/africasource/what-africa-can-expect-under-a-second-trump-administration-a-focus-on-the-numbers/
[6] )ERICK KABENDERA , Harris or Trump? South Africa’s AGOA fate hangs in the balance , NOVEMBER 5, 2024 , at:
https://africanarguments.org/2024/11/harris-or-trump-south-africas-agoa-fate-hangs-in-the-balance/
Op.cit. [7])Ronak Gopaldas,
[8]Martina Schwikowski, Op.cit.
[9])Ronak Gopaldas, Op.cit.
[10] ) Jane Lorenzi and Jeanne Batalova , ” Sub-Saharan African Immigrants in the United States” , the Migration Policy Institute , MAY 11, 2022, available at:
https://www.migrationpolicy.org/article/sub-saharan-african-immigrants-united-states-2019
[11])Jane Lorenzi and Jeanne Batalova , ” Sub-Saharan African Immigrants in the United States” , the Migration Policy Institute , MAY 11, 2022, available at:
https://www.migrationpolicy.org/article/sub-saharan-african-immigrants-united-states-2019
[12])Danny Bradlow , “Trump’s victory is bad – for Africa and for global stability “, November 10, 2016 , at:
https://theconversation.com/trumps-victory-is-bad-for-africa-and-for-global-stability-68595
[13]) Balazs Koranyi , “Trump victory to reverberate through global economy”, Reuters , November 6, 2024 , at:
https://www.reuters.com/markets/us/trump-victory-reverberate-through-global-economy-2024-11-06/
[14] ) Harry Clynch , ” Dollar surges against emerging markets currencies after Trump win ” , November 6th, 2024 , at:
https://african.business/2024/11/finance-services/dollar-surges-against-emerging-markets-currencies-after-trump-win
[15]) BusinessTech , ” What Trump’s win means for South Africa” , 6 Nov 2024, at:
https://businesstech.co.za/news/business-opinion/798723/what-trumps-win-means-for-south-africa/
[16])Ronak Gopaldas, Opcit.