الأفكار العامة:
– تُجرى الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية في غينيا-بيساو بوتيرة مُكثّفة مع اقتراب موعد الاقتراع في 23 نوفمبر الجاري، وسط منافسة بين 12 مرشحًا يتسابقون لنَيْل ثقة أكثر من 860 ألف ناخب في استحقاق مفصلي.
– تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة في بلدٍ يُعاني من تاريخ حافل بالانقلابات السياسية وغياب الاستقرار المؤسساتي، ويشهد حاليًّا توترًا بين السلطة والمعارضة بسبب أزمة ثقة عميقة.
– يخوض الرئيس المنتهية ولايته، عمرو سيسوكو إمبالو، السباق لولاية ثانية، في مواجهة أبرز خصومه: الرئيس الأسبق خوسيه ماريو فاز، بينما تم استبعاد دومينغوس بيريرا، زعيم الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، من السباق بقرار قضائي، رغم عودته من المنفى.
– تسود الحملة أجواء مشحونة بعد اعتقالات طالت ضباطًا عسكريين على خلفية محاولة انقلاب فاشلة. وتشير تقارير أممية، بعضها صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن البلاد تحوّلت إلى نقطة عبور رئيسية لتجارة المخدرات، مما يزيد ارتباط الانقلابات بعوامل إجرامية عابرة للحدود.
– منذ أن حلّ الرئيس إمبالو الجمعية الوطنية في ديسمبر 2023م عقب محاولة الانقلاب في 30 نوفمبر، تعيش البلاد فراغًا تشريعيًّا، في ظل تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في نوفمبر 2024م، ما فاقم هشاشة النظام السياسي.
– تُظهر بيانات البنك الدولي أن أكثر من 64% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، في ظل غياب إصلاحات تنموية ملموسة، وضعف البنى الاجتماعية والاقتصادية رغم نِسَب النمو المعلنة.
– ويبقى السؤال الأبرز بعد هذا الاستحقاق: هل ستُحترم نتائج صناديق الاقتراع، أم ستُستخدم المؤسسات القضائية لإقصاء المنافسين، وفرض واقع سياسي أحادي يهدّد الانتقال الديمقراطي في البلاد؟
بقلم: إيزيدور كوونو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تشهد غينيا-بيساو حملة انتخابية نَشِطة استعدادًا للانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية، المقررة في 23 نوفمبر الجاري؛ حيث يتنافس 12 مرشحًا للفوز بثقة أكثر من 860 ألف ناخب، في استحقاقٍ بالغ الأهمية.
تكتسي هذه الانتخابات طابعًا حاسمًا في بلدٍ كان مستعمَرًا برتغاليًّا سابقًا في غرب إفريقيا، ويعاني من توتر سياسي متصاعد ناتج عن أزمة ثقة عميقة بين السلطة والمعارضة، في سياق تاريخي حافل بالانقلابات ومحاولات السيطرة العسكرية التي زادت من حدة عدم الاستقرار.
ويسعى الرئيس المنتهية ولايته، عمر سيسوكو إمبالو، لتجديد ولايته ويواجه تحديًا بارزًا من سَلفه، خوسيه ماريو فاز، في غياب شخصية معارضة قوية كدومينغوس سيموس بيريرا، الذي عاد من المنفى، لكنّ المحكمة العليا رفضت ترشُّحه. ويقود بيريرا الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، الحزب التاريخي الذي قاد البلاد إلى الاستقلال وظل فاعلًا أساسيًّا في المشهد السياسي، وكان يتمتع بأغلبية في البرلمان حتى تم حلّه بقرار من إمبالو في ديسمبر 2023م.
تجري الحملة في مناخ سياسي مضطرب، خاصةً بعد توقيف عدد من كبار ضباط الجيش على خلفية محاولة انقلابية، ما زاد من حدّة التوتر. كما تشير تقارير صادرة عن وكالات تابعة للأمم المتحدة، منها مكتب مكافحة المخدرات والجريمة، إلى تحوُّل غينيا-بيساو إلى نقطة عبور رئيسية لشبكات الاتجار بالمخدرات، وهو ما يربط بعض الانقلابات بهذه الأنشطة غير المشروعة.
مساعي غينيا-بيساو إلى ترسيخ الاستقرار السياسي وتعزيز البناء المؤسسي:
منذ أن قرر الرئيس عمر سيسوكو إمبالو حلّ المجلس الشعبي الوطني في ديسمبر 2023م، عقب محاولة انقلاب وقعت في 30 نوفمبر من العام نفسه؛ تعيش غينيا-بيساو في فراغ تشريعي، دون نواب منتخبين، في ظل تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر تنظيمها في نوفمبر 2024م.
ورغم استمرار الغموض حول موعد الانتخابات الجديد، تُؤكّد رئاسة الجمهورية واللجنة الوطنية للانتخابات (CNE) أن الاقتراع سيُجرَى في 23 نوفمبر 2025م كما هو مقرَّر، وسط تطلعات لاستعادة الاستقرار السياسي، وإعادة بناء مؤسسات قوية وفعّالة.
ويَعتبر الدكتور إيف إيكويه أمايزو، مدير مركز الدراسات الإفريقية في فيينا، أن احترام نتائج صناديق الاقتراع يُمثل شرطًا أساسيًّا لتحقيق هذا الاستقرار المنشود. ويشير إلى أن الانحراف عن مبادئ الدستور والتداول السلمي للسلطة هو ما يُكرِّس حالة عدم الاستقرار. ويتساءل “هل ستُحترم إرادة الناخبين فعلًا، أم سيتم إقصاء كلّ من يتجرأ على تحدّي الرئيس الحالي باستخدام القضاء؟”
ويحذّر “أمايزو” من أن تقويض التعددية السياسية من خلال منع بعض الاستحقاقات أو استبعاد مرشحين رئيسيين قد يُفْقِد العملية الانتخابية مشروعيتها. ويُضيف أن مثل هذا المناخ قد يُغذِّي مجددًا سيناريوهات الانقلابات، خاصةً في ظل تصاعُد التوترات عشية انطلاق الحملة الانتخابية.
كَسْب المعركة ضد تجارة المخدرات: الرهان الآخر
تُعدّ غينيا-بيساو، وفقًا للأمم المتحدة، إحدى البوابات الرئيسية لعبور الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا عبر إفريقيا، وقد وُصِفَتْ بـ”دولة مخدرات” خلال حكم الرئيس مالام باكاي سانها (2009- 2012م).
حيث شهدت البلاد ضبط عدة شحنات ضخمة من المخدرات، كان أبرزها في سبتمبر 2024م حين تم العثور على 2.6 طن من الكوكايين داخل طائرة خاصة في مطار بيساو، برفقة خمسة مواطنين من أمريكا اللاتينية.
ومنذ توليه الحكم عام 2020م، أكّد الرئيس عمر سيسوكو إمبالو تراجع نشاط شبكات الاتجار بالمخدرات، مشيرًا خلال زيارته إلى فرنسا عام 2021م إلى أن “الاتجار بالمخدرات في غينيا-بيساو أصبح من الماضي”، مستندًا إلى إستراتيجيات أمنية جديدة تبنّتها حكومته.
ورغم ذلك، لا تزال تقارير أممية تتحدَّث عن تورّط شخصيات مقربة من النظام في هذه الأنشطة.
وفي سياق أمني متوتر، أعلنت الرئاسة عن إحباط محاولَتَي انقلاب؛ الأولى في نوفمبر 2023م، وأدَّت إلى حل المجلس الشعبي الوطني، والثانية في أوائل نوفمبر 2025م، تزامنًا مع انطلاق الحملة الانتخابية.
تاريخيًّا، لم يتمكن أيّ رئيس من إنهاء ولايته باستثناء خوسي ماريو، والذي فاز في انتخابات عام 2019م، فيما أطاح العنف أو الانقلابات بالباقين، وكان آخرهم مالام باكاي سانها، الذي توفي في منصبه عام 2012م.
من جهة أخرى، أكّد الرئيس عمر سيسوكو إمبالو أن شبكات تهريب المخدرات تسعى إلى تقويض سلطته بسبب الإجراءات الصارمة التي اتخذها لمكافحة الاتجار بالمخدرات والفساد. وأوضح أن هذه المعركة جعلته هدفًا مباشرًا، قائلًا: “أرادوا اغتيالي أنا وكامل حكومتي”.
من ناحية أخرى، يرى الدكتور إيف إكوي أمايزو، المدير العام لمركز البحوث “أفروسنتريسيتي”، أن تكرار المحاولات الانقلابية في غينيا-بيساو يعكس هشاشة البنية السياسية وضعف المؤسسات، رغم إقراره بأن الفساد المرتبط بشبكات تهريب المخدرات يُشكّل عاملًا أساسيًّا في هذا الاضطراب.
أما بخصوص جهود مكافحة التهريب، فيُبْدِي أمايزو حذره، مشيرًا إلى أن تحسّن أرقام الضبطيات لا يكفي كمؤشر على تراجع الظاهرة. وقال: “السؤال الحقيقي هو: هل أصبح المتاجِرون فعلًا يواجهون صعوبات حقيقية في تمرير شحناتهم عبر البلاد؟”، وأضاف أن بعض الاعتقالات قد تُنفَّذ فقط لتحسين صورة الدولة دوليًّا، دون أن تعكس تحوّلًا جوهريًّا في ممارسات التهريب، خاصةً بالنسبة للكوكايين القادم من أمريكا اللاتينية.
وأكّد أن أيّ رئيس قادم مُطالَب بخوض مواجهة جادة مع شبكات التهريب، حتى وإن اقتضى الأمر محاسبة شخصيات من دائرته المُقرَّبة، مشددًا على أن نجاح هذا المسار سيُسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة توزيع الثروة لصالح الشعب، بما يُعزّز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في غينيا-بيساو.
تعزيز الاقتصاد لإعادة توزيع الثروة والحدّ من الفقر:
تُعدّ غينيا-بيساو ثالث أكبر مُنتِج لجوز الكاجو في غرب إفريقيا، بعد كوت ديفوار ونيجيريا. خططت لتصدير 200.000 طن في بداية موسم 2025م، لكن حصيلة منتصف الموسم بلغت 208.833 طنًّا، وفقًا لمدير التجارة الخارجية لاسانا فاتي. ويتوقع التحالف الإفريقي للكاجو إنتاجًا يصل إلى 260.000 طن، بزيادة 18.1% عن العام الماضي.
ويُعتَبر جوز الكاجو المُنتَج الرئيسي للتصدير، وهو مصدر رئيسي للثروة الوطنية؛ حيث ساهم في نمو الاقتصاد الوطني. ووفقًا لمؤشرات البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO)، فقد حقَّقت صادرات المواد الخام إيرادات بلغت 132.8 مليار فرنك إفريقي (219.3 مليون دولار) في عام 2023م، مما يمثل 93% من إجمالي إيرادات الصادرات.
ويُشكّل جوز الكاجو جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وقد أظهر الاقتصاد أداءً جيدًا نسبيًّا خلال السنوات الخمس الماضية، كما ذكر الدكتور أمايزو، مستندًا إلى تقرير صندوق النقد الدولي (IMF). ويشير التقرير إلى أن معدل النمو الاقتصادي استقر عند حدود 4.8 إلى 5% خلال السنوات الماضية، مع توقعات بارتفاعه إلى 7% في عامي 2025 و2026م.
ورغم أن الكاجو يُشكّل الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن الاقتصاد حقّق نموًّا مستقرًّا بنسبة 4.8- 5% على مدى السنوات الخمس الماضية، كما يُشير تقرير صندوق النقد الدولي (IMF)، وفقًا للدكتور أمايزو. يتوقع ارتفاع النمو إلى 7% في 2025- 2026م، مع إدارة حكومية قوية.
ومع ذلك، يعزو الرئيس المنتهي الولاية عمر سيسوكو إمبالو إنشاء هذه الثروة إلى فترة ولايته الأولى، إلا أنها لا تصل إلى الشعب الذي يعاني فقرًا مدقعًا. المشكلة الأساسية، كما يؤكد الدكتور إيف أمايزو، تكمن في إعادة توزيع الثروة لتعزيز القدرة الشرائية الضعيفة.
تفيد بيانات البنك الدولي بأن أكثر من 64% من سكان غينيا-بيساو يعيشون تحت خط الفقر، ما يعكس غيابًا حقيقيًّا للتنمية وضعفًا في البنية الاجتماعية؛ حيث تعجز العديد من الأُسَر عن تلبية احتياجاتها الأساسية، رغم مؤشرات النمو الاقتصادي المعلنة.
ويؤكد الخبير أن على الرئيس المقبل معالجة هذه الفجوة الاجتماعية بشكل جذري، إذا كانت البلاد فعلًا تشهد تحسنًا اقتصاديًّا. إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي دون ضمان توزيع عادل للثروات؛ لأن استمرار التفاوتات يُغذِّي بيئة الانقلابات والاضطرابات.
ويحذر المدير العام لمركز “أفروسنتريسيتي” من أن تفاقم الفقر قد يدفع الفئات المُهمَّشة، التي لا تملك ما تخسره، إلى التمرد، ما قد يُفْضِي إلى دعم عسكري لتحركات شعبية تؤدي إلى مزيد من الاضطراب.
ويُشدّد في الختام على أن الرئيس الجديد مُطالَب بمواجهة الفساد وسوء الحوكمة بجدية، باعتبارهما من أبرز المعوّقات التي تعرقل تطور البلاد وتعزّز هشاشتها.
الضامن للاستقرار في المنطقة؟
تلعب غينيا-بيساو، رغم تحدياتها الداخلية، دورًا محوريًّا في جهود تسوية الأزمات بغرب إفريقيا، خصوصًا في الأزمة الكازامنسية جنوب السنغال، جارتها المباشرة.
وقد أفضت وساطة الرئيس عمر سيسوكو إمبالو إلى توقيع اتفاق سلام في 25 فبراير الماضي بين حركة القوى الديمقراطية في كازامانس (MFDC) والحكومة السنغالية، مُمثَّلة برئيس الوزراء عثمان سونكو، ما يُشكّل خطوة متقدمة لتعزيز الاستقرار في المنطقة، استكمالًا للجهود السابقة.
ويؤكد الخبير إيف إكوي أمايزو أن استقرار السنغال وغينيا-بيساو مترابط، ولا يمكن لأيٍّ من الطرفين المغامرة بزعزعة استقرار الآخر، بغضّ النظر عمَّن يتولى الحكم في البلدين.
وأشار إلى أن غينيا-بيساو معنية بإنهاء أزمة كازامانس، خاصةً لما يسببه استمرارها من ضغوط على البلاد، مثل تدفق اللاجئين. ويرى أن الظرف السياسي الجديد في السنغال يمثل فرصة لتعزيز جهود السلام، وهو مسار يجب أن يستمر فيه إمبالو.
كما شدّد على أن غينيا-بيساو، بعد الانتخابات المقبلة، مُطالَبة بتعزيز حضورها الإقليمي من خلال استقرار داخلي فعلي، ما سيمكنها من التأثير في القرارات الإقليمية، في حال نجحت في فرض حد أدنى من الانسجام السياسي بعد الاستحقاق الانتخابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:











































