تمهيد:
بعد 25 عامًا، انتهى رسميًّا العمل بقانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا)، في 30 سبتمبر 2025م؛ تاركًا مستقبل التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في حالة من عدم اليقين.
منحت هذه الاتفاقية، متعددة الأطراف، آلاف المنتجات من الدول الإفريقية وصولًا معفيًا من الرسوم الجمركية إلى الأسواق الأمريكية منذ تطبيقها عام 2000م. ورغم محاولات التجديد، لم يُقِرّ الكونغرس أيّ تمديد رسمي، ولم يُوقِّع الرئيس دونالد ترامب عليه قبل الموعد النهائي.
قانون “أجوا” له ما له وعليه ما عليه، غير أن انتهاء العمل به، خلق ضبابية في مشهد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء، في ظل تبنّي إدارة ترامب نهجًا جديدًا في تلك العلاقة قائمة على الشراكة بدلًا من المساعدات.
أحاول من خلال المقال، تقييم ربع قرن من العمل بالقانون، بشكل مختصر، ثم التطرق إلى تداعيات وقف العمل به، ثم النظر في إستراتيجيات بلدان إفريقيا جنوب الصحراء والخطوات التي ستتخذها بعد توقف العمل به، وأخيرًا النظر في آفاق العلاقات التجارية بين أمريكا وإفريقيا جنوب الصحراء؛ من خلال النقاط التالية:
- أولًا: قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA)… نظرة عامة.
- ثانيًا: قانون (أغوا) التوقعات مقابل النتائج (2000- 2025م).
- ثالثًا: إخفاقات قانون (أغوا) ونجاعة نهج الصين.
- رابعًا: تداعيات وقف العمل بقانون (أغوا) في 30 سبتمبر 2025م.
- خامسًا: العلاقات التجارية الإفريقية الأمريكية بعد أغوا: الإستراتيجيات وفرص الاستفادة.
أولًا: قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA).. نظرة عامة
قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA) هو برنامج تفضيلات تجارية أمريكي غير متبادل، طُرح في مايو 2000م لدعم اقتصادات إفريقيا جنوب الصحراء. يمنح البرنامج وصولًا معفيًا من الرسوم الجمركية إلى السوق الأمريكية لأكثر من 1800 مُنتَج. تمتعت 32 دولة بمعاملة تفضيلية بموجبه، منها 21 دولة من “أقل البلدان نموًّا”، تحصل أيضًا على معاملة تفضيلية خاصة في قطاع المنسوجات/الملابس.
في عام 2023م، بلغ إجمالي واردات الولايات المتحدة بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا ما يقرب من 10 مليارات دولار. وبينما لم يُمثِّل هذا سوى جزء صغير من إجمالي واردات السلع الأمريكية، إلا أنه مثّل حصة كبيرة من صادرات الدول المؤهلة، مثل ليسوتو ومدغشقر.
استفادت الاقتصادات الإفريقية والولايات المتحدة على حدّ سواء من القانون. فقد عزز القدرة التنافسية للمُصدّرين الأفارقة، وكانت أهميتها كبيرة لبعض البلدان والقطاعات، ولا سيما قطاع الملابس. ومع ذلك، لم تنجح جميع الدول الإفريقية في تسخيره بنجاح لتنويع صادراتها بعيدًا عن السلع الأولية، وكان معدل الاستفادة من تفضيلاته متفاوتًا بين المستفيدين والمنتجات.
بما أن معظم واردات الولايات المتحدة بموجب القانون تتكون من الوقود والمعادن ومنتجات الملابس، فقد تمتعت الشركات الأمريكية بخيارات أوسع وأسعار أقل للمواد الخام والوسيطة المستوردة، مما يُعزّز القدرة التنافسية في الصناعات التحويلية.([1])
فمثلاً ارتفعت صادرات المنسوجات والملابس من كينيا إلى الولايات المتحدة من حوالي 50 مليون دولار عند تطبيق قانون النمو والفرص في إفريقيا لأول مرة إلى حوالي 500 مليون دولار في عام 2025م.([2])
مكَّن القانون من تصدير ما يقرب من 500 مليار دولار إلى الولايات المتحدة بين عامي 2002م و2022م. كما شكَّل ركيزةً أساسيةً من ركائز القوة الناعمة الأمريكية في القارة. وقد أسفرت الوعود المبكرة للبرنامج بالنمو الصناعي والشراكة الاقتصادية عن نتائج متفاوتة؛ فقد تركَّزت الصادرات على النفط، وانخفض إجمالي حجم التجارة. في غضون ذلك، برزت الصين كشريك تجاري رائد لإفريقيا؛ حيث أمَّنت موارد الطاقة والمدخلات الأساسية من خلال علاقات تجارية واستثمارية مُوسَّعة.([3])
كما لعب القانون دورًا فعالًا في تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في المنطقة الإفريقية، مما ساهم في إنشاء سلاسل توريد أكثر مرونة.([4])
ثانيًا: قانون (أغوا) التوقعات مقابل النتائج (2000- 2025م)
عندما أعلنت إدارة كلينتون عن (أغوا)، كانت أهداف الاتفاقية المعلنة واسعة النطاق: تعزيز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وتشجيع التنمية الاقتصادية في القارة، وتعزيز التحرر السياسي. كانت الإدارة تأمل أنه مع تطور الدول الإفريقية، ستتوسع الصناعات في القارة -وبالتالي الصادرات-، وتتيح للولايات المتحدة الوصول إلى المنتجات والموارد الحيوية خارج مراكز التصدير الآسيوية. بالنسبة للدول الإفريقية، ستؤدي شروط التجارة التفضيلية إلى الحد من الفقر، وتشجيع التقدُّم في سلسلة القيمة نحو التصنيع ذي القيمة المضافة الأعلى. لاحقًا، ومع بدء الصين في ممارسة نفوذها في إفريقيا، اعتُبِرَ القانون وسيلةً لتحقيق التوازن في علاقات الصين المتنامية مع الدول الإفريقية.
بعد 25 عامًا من تطبيقه فاقت التوقعات النتائج بكثير. فقد تخلَّف نموّ تجارة السلع بين الولايات المتحدة وإفريقيا عن جميع القارات الأخرى. فقد زادت تجارة السلع بين الولايات المتحدة وإفريقيا بنسبة 86% منذ إقرار القانون حتى عام 2024م، في حين زادت التجارة الإجمالية للولايات المتحدة مع العالم باستثناء إفريقيا بنسبة 168% في نفس الفترة. ([5]) وفقًا للشكل التالي:

شكل (1) معدل نمو التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا مقارنة بالمناطق الأخرى
المصدر: رسم الباحث من بيانات: United States Census Bureau. https://www.census.gov/foreign-trade/balance/
والأمر المدهش هو أن صادرات السلع الإفريقية المتجهة إلى الولايات المتحدة، والمشمولة بالقانون قد انخفضت بنسبة تقارب 6% بين عامي 2002 و2024م. وانخفضت حصة إفريقيا من إجمالي التجارة الأمريكية من 2% عام 2000م إلى 1.4% عام 2024م، مما يُبرز ضعف التقدم في القيمة التجارية المطلقة.
في حين أنها حقّقت نجاحًا مبكرًا في نموّ الصادرات الإفريقية بين عامي 2002 و2008م؛ حيث مثَّلت ما يقرب من 70% من إجمالي التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في ذروتها عام 2011م؛ إلا أن هذا النمو تركّز بشكل كبير في الموارد الطبيعية، وتحديدًا النفط. فمن عام 2002 إلى عام 2022م، مثّل النفط ما متوسطه 73% من إجمالي الصادرات بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا. وظلت نيجيريا وأنجولا، وهما من كبار منتجي النفط، تهيمنان على صادرات قانون النمو والفرص حتى بدأت حصتهما في الانخفاض في عام 2011م.
شكَّلت الأزمة المالية عام 2008م نقطة تحوُّل في الطفرة التجارية قصيرة الأمد في ظل القانون. في ذلك العام، انخفضت صادرات النفط بموجب القانون بأكثر من 50% وسط انخفاض أسعار النفط بنسبة 80% وانكماش الاستهلاك المحلي الأمريكي بنسبة 6.1%. وانتعشت الصادرات قليلًا بين عامي 2009 و2011م، لكنّها انخفضت أكثر بعد عام 2011م مع زيادة الولايات المتحدة إنتاجها المحلي من النفط خلال فترة طفرة النفط الصخري الأمريكي. ولم تَعُد قيمة صادرات قانون النمو والفرص في إفريقيا إلى مستوياتها المرتفعة السابقة منذ ذلك الحين.
في عام ٢٠٢٤م، بلغ إجمالي الصادرات أدنى مستوى له في تاريخ القانون (٨ مليارات دولار) خارج فترة الجائحة (٢٠٢٠- ٢٠٢١م)، وانخفض إجمالي الصادرات من إفريقيا إلى الولايات المتحدة إلى مستويات ما قبل عام ٢٠٠٤م. وانخفضت حصة منتجات الطاقة من صادرات القانون إلى ٢٥٪ فقط في عام ٢٠٢٤م، إلا أن هذا التحوُّل يُعزَى في المقام الأول إلى انخفاضات أكبر في صادرات الطاقة أكثر من كونه تنويعًا اقتصاديًا فعّالًا. في الواقع، لم تشهد الصادرات في القطاعات الأخرى ذات الصلة -معدات النقل، والملابس، والمنتجات الغذائية والزراعية- سوى نموّ طفيف. ومع توقف صادرات النفط عن التوجُّه إلى الولايات المتحدة، تراجع إجمالي صادرات قانون النمو والفرص في إفريقيا.([6])
ثالثًا: إخفاقات قانون (أغوا) ونجاعة نهج الصين
أخفق قانون (أغوا) أيضًا في الإضافة اللاحقة إلى ولايته: التنافس مع الصين. ففي حين سعى إلى ترسيخ مكانة الولايات المتحدة كشريك مُفضّل لإفريقيا، تجاوزتها الصين بشكل كبير في إفريقيا من حيث العلاقات التجارية. منذ عام 2000م، ارتفعت الصادرات الإفريقية إلى الصين بأكثر من عشرين مثلاً، وأصبحت أكبر شريك تجاري للقارة لمدة 16 عامًا متتالية. وفي عام 2024م، بلغ إجمالي التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا 104.9 مليار دولار، مقارنةً بـ295 مليار دولار في التجارة بين الصين وإفريقيا (شكل 2). ومن المتوقع أن يزداد تفوق الصين بعد العرض الذي قدَّمته بكين مؤخرًا بدخول جميع الدول الإفريقية الـ53 التي تربطها علاقات دبلوماسية معها إلى السوق الصينية دون رسوم جمركية.

شكل (2) تجاوزت صادرات دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى الصين صادراتها إلى الولايات المتحدة.
صادرات دول إفريقيا جنوب الصحراء حسب الوجهة (بالبليون دولار)
المصدر: رسم الباحث من: United States International Trade Commission, PRC General Administration of Customs, World Bank.
يختلف نهج بكين في التعامل مع القارة اختلافًا جوهريًّا عن نهج الولايات المتحدة. فالصين تُقدّم تعاملًا تجاريًّا دون أيّ شروط. في المقابل، يشترط قانون (أغوا) معايير حوكمة، ومراجعات أهلية دقيقة، وامتثالًا لأولويات السياسة الأمريكية. وقد علّقت الولايات المتحدة عضوية العديد من الدول الإفريقية في القانون بسبب سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، على الرغم من التشكيك في فعالية هذه الممارسة.
في العقد الماضي، أبدت الصين أيضًا رغبة أكبر في ربط تعاملها التجاري بالاستثمار التجاري. وقد سمح ذلك لها باستيراد حصة أكبر من المنتجات كثيفة رأس المال من إفريقيا، مثل المعادن الأساسية. وفي الفترة من عام 2000 إلى عام 2022م، ارتفعت حصة المعادن والفلزات من 10% من واردات الصين من إفريقيا إلى 45%.
ومن ناحية أخرى، لم تواكب الولايات المتحدة الاستثمارات الصينية في إفريقيا على مدى أغلب العقد الماضي، كما أن تجارتها في المعادن والفلزات مع إفريقيا تعادل 6% فقط من تجارتها مع الصين.
لقد واءمت الصين انخراطها مع ملف الصادرات الإفريقية لتعزيز أولوياتها الإستراتيجية والأمنية الاقتصادية. وبينما تراجعت أهمية قانون (أغوا) مع تراجع الطلب الأمريكي على النفط، فقد بنت الصين علاقة تجارية متينة تُعزّز أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية، مع الاستجابة لاحتياجات شركائها التجاريين الأفارقة.([7])
رابعًا: تداعيات وقف العمل بقانون (أغوا) في 30 سبتمبر 2025م
يقول الخبراء: “إن العديد من الاقتصادات الإفريقية من المرجح أن تُواجه الآثار السلبية لإلغاء قانون النمو والفرص، وفرض دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة. على المدى القصير، يبدو الأمر قابلًا للإدارة، ولكن على المدى البعيد، ستكون التحديات مدمرة وستمتد آثارها إلى دول أخرى”. من أهمها هذه التداعيات:
1-فقدان القدرة التنافسية في السوق الأمريكي:
منذ أبريل 2025م، أدت التعريفات الجمركية الأمريكية المتزايدة -وخاصة التعريفات الخاصة بكل بلد، والتي تم تطبيقها في 7 أغسطس 2025م وتدابير التجارة القطاعية الجديدة-، إلى زيادة الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من المنتجات، بغضّ النظر عن تفضيلات قانون النمو والفرص في إفريقيا.
ومع انتهاء صلاحيته في نهاية سبتمبر، ستواجه الاقتصادات المؤهلة تأثيرًا مركبًا. ستُطبق تعريفات جمركية خاصة بكل بلد وقطاع، بالإضافة إلى معدلات الدولة الأكثر رعاية (المطبقة بالتساوي على جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية)، بدلًا من المعاملة التفضيلية الحالية.
قد تُعطِّل هذه القفزة المفاجئة في التعريفات الجمركية العلاقات التجارية الراسخة وتُلْحِق ضررًا بالغًا بالمُصدِّرين الأفارقة، لا سيما في القطاعات شديدة الحماية مثل المنسوجات والملابس؛ حيث كان قد أتاح (أغوا) إمكانية الوصول إلى الأسواق الحيوية. فمثلاً؛ ستشهد كينيا ارتفاع متوسط تعريفاتها الجمركية الأمريكية المرجحة تجاريًا إلى ثلاثة أمثال تقريبًا، من 10% إلى 28%. أما مدغشقر، فستتضاعف إلى 23%. ومِن ثَم قد تتآكل القدرة التنافسية لصادرات إفريقيا في السوق الأمريكية بسرعة، في وقتٍ تشتد فيه المنافسة على أسواق تصدير بديلة عالميًّا.([8])
2-اضطرابات تجارية فورية:
تسبب انتهاء العمل بالاتفاقية في اضطرابات تجارية فورية. في دول مثل جنوب إفريقيا ومدغشقر وكينيا وليسوتو، تواجه صادرات رئيسية، بما في ذلك الملابس والحمضيات والفانيليا، رسومًا جمركية أمريكية أعلى. ويُواجه قطاعا النسيج والفانيليا في مدغشقر رسومًا جمركية تصل إلى 47%.
كما تواجه صادرات ليسوتو من الملابس، التي كانت معفاة من الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة، رسومًا جمركية بنسبة 15%، مما يهدّد الأمن الوظيفي لآلاف العمال. وتواجه صناعة الملابس في كينيا، التي صدرت أكثر من 600 مليون دولار أمريكي إلى الولايات المتحدة بموجب قانون (أغوا) في عام 2024م، رسومًا جمركية بنسبة 28%. ومن المتوقع أن تشهد صادرات جنوب إفريقيا من الحمضيات والسيارات انخفاضًا حادًّا، وفقدان عشرات الآلاف من الوظائف.([9])
وتشير التقديرات، في جميع القطاعات، إلى أن التدابير الجمركية التي فُرضت عام 2025م ستُخفِّض صادرات الدول المستفيدة من القانون بنحو 8% بحلول عام 2029م. ويُضيف انتهاء العمل بقانون (أغوا) انخفاضًا إضافيًّا قدره 0.6 نقطة مئوية، أي ما يعادل 189 مليون دولار. وسيُعزَى 138 مليون دولار من هذا الانخفاض إلى انخفاض صادرات الملابس والمنسوجات إلى الولايات المتحدة، والتي من المتوقع أن تُسجِّل انخفاضًا بنسبة 9.7% بحلول عام 2029م نتيجةً لإلغاء قانون النمو والفرص في إفريقيا، وهو ما يُمثِّل أكبر تأثير على أيّ قطاع. وتُعدّ الجلود ومنتجاتها والأحذية (-3.3%)، والأغذية المصنعة والأعلاف الحيوانية (-1.6%)، والمركبات (-1.3%)، من بين القطاعات الأكثر تضررًا.
وعلى المدى القصير، ستتضرر الشركات من فقدان السوق، ولكن على المدى البعيد، قد يُغيِّر ذلك من عادة التصدير إلى خارج القارة إلى التركيز على السوق الداخلية. ومع تغيير هذه العادة، ستصبح العديد من الأمور التي نراها كقيود، مثل البنية التحتية للنقل، فرصًا تجاريةً يمكن للآخرين الاستجابة لها.([10])
3- فقدان الوظائف في الصناعات التصديرية:
من المرجح أن تواجه بعض الاقتصادات الإفريقية “آثارًا سلبية ملحوظة”. يُفترض أن تكون الآثار الاقتصادية الكلية محدودة، ولكنها ربما تقلل من التأثير الكامل للرسوم الجمركية الأمريكية والآثار غير المباشرة لعوامل مثل انخفاض الاستثمار الأجنبي، وضعف سلاسل التوريد، وتزايد الفقر، وتراجع بناء القدرات. في الصناعات المعتمدة على قانون النمو والفرص، هناك ما يقرب من 1.3 مليون وظيفة مُعرَّضة للخطر في البلدان التي تكون فيها خيارات الناس محدودة في حالة البطالة المفاجئة. في كينيا، مثلاً، يعمل أكثر من 66000 شخص، كثير منهم نساء، في تصدير المنسوجات والملابس إلى السوق الأمريكية. ومن مصانع الملابس ومنتجي البستنة في كينيا إلى مصانع السيارات في جنوب إفريقيا، أصبحت 300000 وظيفة مباشرة ومليون وظيفة غير مباشرة مُعرَّضة للخطر مع انتهاء القانون. إن حماية هذه الوظائف ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي ضرورية لوقف أو الحد من انتقال الأشخاص إلى بلدان غالبًا ما يواجه فيها المهاجرون ردود فعل عنيفة لوجودهم.([11])
خامسًا: العلاقات التجارية الإفريقية الأمريكية بعد أغوا: الإستراتيجيات وفرص الاستفادة
تستغل العديد من الحكومات الإفريقية انتهاء العمل بقانون (أغوا) كفرصة لإعادة تركيز إستراتيجياتها التجارية. فمثلاً: تواصل كينيا مفاوضاتها بشأن اتفاقية تجارة حرة ثنائية مع الولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى اتفاق طويل الأجل بحلول نهاية عام 2025م. وتسعى جنوب إفريقيا إلى إعفاءات وحصص خاصة بقطاعات محددة للحفاظ على وصول صناعاتها إلى الأسواق الأمريكية. وتسعى ليسوتو ومدغشقر إلى اتخاذ تدابير انتقالية لدعم قطاعيهما النسيجيين، بينما تعمل زيمبابوي، غير المنضمة إلى القانون على تحرير نظامها الجمركي لتوسيع التجارة داخل المنطقة.
في جميع أنحاء القارة، يتجه الاهتمام إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 2021. ومع توقيع 54 دولة عليها وسوق يبلغ مجموع سكانها 1.5 مليار نسمة، تُعتبر الاتفاقية الآن إطارًا طويل الأجل لبناء تجارة بينية إفريقية مرنة.
كما تعمل الدول الإفريقية على توسيع علاقاتها التجارية مع الصين والهند وتركيا والاتحاد الأوروبي. في عام 2024م، بلغ حجم التجارة بين إفريقيا والصين 295 مليار دولار، متجاوزًا بشكل كبير حجم التجارة المرتبطة بقانون (أغوا) مع الولايات المتحدة، والذي بلغ 8 مليارات دولار في العام نفسه. كما ألغت الصين الرسوم الجمركية على الصادرات من 33 دولة إفريقية، مما زاد من دورها كشريك تجاري رئيسي.([12])
بينما لا يزال (أغوا) تشريعًا بالغ الأهمية، وله قيمة رمزية بالغة الأهمية في تأكيد التزام الولايات المتحدة بالتواصل مع القارة الإفريقية. وتُظهر أمثلة دول محددة، مثل مملكة ليسوتو، كيف يُمكن أن يُحدث تأثيرًا ملموسًا على التنمية الاقتصادية والحد من الفقر. فبدعم القانون ارتقت هذه المملكة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 2.3 مليون نسمة لتصبح واحدة من أكبر مُصدري الملابس الإفريقية إلى الولايات المتحدة، حيث تُورّد مُدخلاتٍ للعلامات التجارية الأمريكية الرائدة.
تزداد أهميته مع تطلع الولايات المتحدة إلى المستقبل. ستكون إفريقيا موطنًا لأكبر عدد من السكان في سنّ العمل في العالم بحلول عام 2050م، وتقع عند تقاطع الممرات البحرية الرئيسية، واحتياطيات المعادن الحيوية، وكتل التصويت الرئيسية في المؤسسات متعددة الأطراف. ومع اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وتفكك النظام الدولي، كان يمكن للولايات المتحدة إصلاح عيوب القانون وتكييفه مع احتياجات شركائها الأفارقة.
بصفة عامة، لقد كانت فعالية القانون محدودة بسبب عدم القدرة على التنبؤ بعملية تجديده السنوية. وهناك حاجة إلى بيئة سياسية أكثر استقرارًا لتحفيز الشركات على الاستثمار في القطاعات كثيفة رأس المال مثل التصنيع والمعادن الأساسية. من خلال تشجيع هذه الأنواع من الاستثمارات، يمكن لإصلاح القانون أن يساعد الولايات المتحدة على تحقيق أولوياتها الإستراتيجية المتعلقة بتنويع سلسلة التوريد، مع مساعدة الاقتصادات الإفريقية على الانتقال نحو صناعات ذات قيمة مضافة أعلى.
كما كان القانون يعاني من عيب مزمن؛ حيث لم يتمكن المستفيدون منه من الاستفادة من مزاياه؛ لأن السلع المشمولة بالاتفاقية غالبًا ما لا تتطابق مع ما تنتجه الدول فعليًّا. حيث يبلغ متوسط معدل استخدام المستفيدين من (أغوا) للمنتجات غير النفطية ما يزيد قليلًا عن 20%، مما يعني أن خُمس الصادرات غير النفطية فقط مُؤهَّلة لشروط التجارة التفضيلية التي يوفرها القانون. ويعود ذلك جزئيًّا إلى أن العديد من المنتجات التي يغطّيها القانون تتضمّن تصنيعًا متقدمًا نسبيًّا، مثل قِطَع غيار السيارات، والتي تفتقر العديد من الدول إلى رأس المال والخبرة اللازمة لإنتاجها على نطاق واسع.
وكان يمكن لإصلاح القانون أن يُسهم في معالجة هذا التباين؛ من خلال تقديم المساعدة الفنية للدول الإفريقية التي تسعى إلى دَمْج الشركات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل التوريد وزيادة معدلات الاستخدام في القطاعات غير النفطية.
كما يمكن للمساعدة الفنية أن تدعم تطوير إستراتيجيات الاستفادة منه في الدول الأربع عشرة المؤهلة له والتي لا تملك إستراتيجيات قائمة بالفعل. تساعد هذه الإستراتيجيات المُصدرين على تجاوز عوائق الحصول على شروط التجارة التفضيلية التي يُوفّرها القانون بما في ذلك عتبات قواعد المنشأ، ومعايير الصرف الصحي الأمريكية، وتكاليف اللوجستيات المرتفعة، وتدعم الاقتصادات التي تسعى إلى الارتقاء بسلاسل القيمة العالمية.
كان ينبغي دمج قانون النمو والفرص إستراتيجيًّا مع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتحقيق أقصى استفادة لكلا الطرفين؛ حيث يمثل هذا التكامل أكثر من مجرد تحسين إداري، بل هو فرصة لبناء شراكة إستراتيجية حقيقية تُقدّم قيمة فريدة للاقتصادات الإفريقية، مع تمييز الولايات المتحدة عن المنافسين الجيوسياسيين، بما في ذلك الصين. إن الالتزام المشترك بين الولايات المتحدة ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بإصلاحات تيسير التجارة، وحماية الملكية الفكرية، وإزالة الحواجز التقنية، وتدابير مكافحة الفساد، من شأنه أن يشير إلى مشاركة طويلة الأمد والتزام بالتنمية الاقتصادية. يمكن للمساعدة الفنية الأمريكية، المقدمة من خلال مؤسسات منطقة التجارة الحرة القارية، أن تُحسِّن بشكل كبير من سهولة ممارسة الأعمال التجارية في جميع أنحاء القارة وتجذب استثمارات جديدة.
كما يُمكن لتعميق المشاركة في تلك المنطقة الحرة أن يُتيح اتفاقيات “رسائل جانبية” ثنائية أو متعددة الأطراف، -وهي آلية تكميلية شائعة في مفاوضات التجارة-، بين الولايات المتحدة وتجمعات دولة إفريقية واحدة أو أكثر.([13])
خاتمة:
في حين أن تجميد (أغوا) يُمثل تحديات حقيقية على المدى القصير لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء المنضوية تحته، إلا أنه قد يُسرّع أيضًا من وتيرة تحوُّل أوسع نطاقًا. فذلك يتيح الفرصة للدول الإفريقية لإعادة تقييم إستراتيجياتها التجارية، وقد اتخذ بعضها بالفعل خطوات في هذا الاتجاه.
وقد مهَّدت الصين التي لعبت على إخفاقات القانون الطريق أمام ذلك، والذي ظهر جليًّا حتى قبل انتهاء العمل بالقانون. فبينما غيَّرت الولايات المتحدة في نَهْج تعاملها التجاري مع الإقليم (الشراكة بدلاً من المساعدات). إلا أن الصين وغيرها من الشركاء التجاريين، قدّموا نهجًا دون شروط، وتركوا الفرصة أمام بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من تنويع إستراتيجياتهم التجارية، وإمكانية تبادل النفع مع الجميع.
…………………………….
[1] ) unctad, Tariffs, trade and preferences: What if AGOA ends?. 29 September 2025.at: https://unctad.org/news/tariffs-trade-and-preferences-what-if-agoa-ends
[2]) africanews, After 25 years, US-Africa trade lifeline AGOA comes to an end.at: https://www.africanews.com/2025/09/30/after-25-years-us-africa-trade-lifeline-agoa-comes-to-an-end/
[3] ) Michael H. Gary and Hugh Grant-Chapman, What’s Next for AGOA?.6/11/2025.at: https://www.csis.org/analysis/whats-next-agoa
[4] ) unctad, Op.cit.
[5] ) Michael H. Gary and Hugh Grant-Chapman, Op.cit.
[6] ) Michael H. Gary and Hugh Grant-Chapman, Op.cit.
[7] ) Michael H. Gary and Hugh Grant-Chapman, Op.cit.
[8] ) unctad, Op.cit.
[9] ) Cynthia Ebot Takang, AGOA Expires After 25 Years: African Countries Navigate New Trade Landscape.30/9/2025.at: https://www.ecofinagency.com/news/3009-49144-agoa-expires-after-25-years-african-countries-navigate-new-trade-landscape
[10] ) Luke Kilian, Exporters urged to look beyond AGOA as renewal hopes fade.27/10/2025.at: https://african.business/2025/10/trade-investment/exporters-urged-to-look-beyond-agoa-as-renewal-hopes-fade
[11] ) Charles A. Ray, The African Growth and Opportunity Act is No More. October 7, 2025 .at: https://www.fpri.org/article/2025/10/the-african-growth-and-opportunity-act-is-no-more/
[12] ) Charles A. Ray, Op.cit.
[13] ) Michael H. Gary and Hugh Grant-Chapman, Op.cit.











































