مقدمة:
تندر الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يُمثّل ظاهرة اقتصادية تُعرَف بـ “الوسط المفقود”؛ حيث يوجد عدد كبير من الشركات متناهية الصِّغر، وأخرى تعتبر من الشركات كبيرة الحجم. بينما يغيب ما هو في الوسط. وهذا يؤدي إلى هيكل ثنائي؛ يمتلك الأجانب الشركات الكبيرة، ويكافح رواد الأعمال المحليون للتوسع خارج نطاق الشركات متناهية الصغر.
ولشركات الوسط أهمية بالغة؛ فهي توفّر الوظائف، وتكافح الفقر، وغالبًا ما تُمثّل الرأسمالية الإفريقية. غير أن فجوة التمويل تنهشها، مما يُعرِّض الاقتصادات الوطنية في القارة الإفريقية للخطر. ومن خلال الكشف عن الارتباط بين “الوسط المفقود” وتقليص الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في بلدان جنوب الصحراء، يمكن للحكومات المبادرة بحوافز أقوى لفَرْض آليات اقتصادية من شأنها أن تُوفِّر التمويل لتلك الشركات.
ومن هذا المنطلق، أحاول استعراض أهمية شركات الوسط، والتعريف بالوسط المفقود، ومشكلات التمويل التي تعاني منها، وأخيرًا أُبرز حلول التمويل المقترحة، من خلال المحاور التالية:
- أولًا: الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا: الأهمية الاقتصادية.
- ثانيًا: الوسط المفقود: المفهوم وأهمية القياس.
- ثالثًا: نقص التمويل في شركات الوسط في إفريقيا جنوب الصحراء.
- رابعًا: حلول التمويل: التمويل المختلط نموذجًا.
أولًا: الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا: الأهمية الاقتصادية
تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة دورًا رئيسيًّا في معظم الاقتصادات، وخاصةً في البلدان النامية. وهي تُمثّل غالبية الشركات في جميع أنحاء العالم، وتساهم بشكلٍ مهمّ في خَلْق فرص العمل والتنمية الاقتصادية العالمية؛ حيث تُمثّل حوالي 90٪ من الشركات، وأكثر من 50٪ من العمالة. وتساهم الشركات الصغيرة والمتوسطة الرسمية بما يصل إلى 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الناشئة. هذه الأرقام أعلى بكثير عند تضمين غير الرسمية منها. ووفقًا للتقديرات، ستكون هناك حاجة إلى 600 مليون وظيفة بحلول عام 2030 لاستيعاب القوى العاملة العالمية المتنامية، مما يجعل تطوير تلك الشركات أولوية قصوى للعديد من الحكومات. في الأسواق الناشئة، يتم توليد معظم الوظائف الرسمية مِن قِبَل تلك الشركات التي تخلق 7 من أصل 10 وظائف.([1])
ويُقدِّر تقريرٌ للبنك الدولي أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة تُمثل 50% من الناتج المحلي وأكثر من 60% من العمالة في الاقتصادات المتقدمة، لكنّها في الدول منخفضة الدخل تُمثّل أقل من نصف هذه النسبة: 30% من العمالة و17% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يُشير إلى أن نموّها يُعدّ جانبًا مهمًّا من جوانب التنمية.([2])
في إفريقيا، تُوفّر الشركات الصغيرة والمتوسطة ما يُقدَّر بـ80% من فرص العمل. ويوجد في إفريقيا جنوب الصحراء وحدها 44 مليون مؤسسة متناهية الصِّغر وصغيرة ومتوسطة الحجم.([3])
يشهد الاستثمار في إفريقيا إقبالًا متزايدًا، ويبدو أن اقتصادات القارة قد تعافت من الركود الاقتصادي العالمي بوتيرة أسرع من اقتصادات الغرب، وتنمو الآن بمعدلات تتراوح بين 5% و8%، مقارنةً بـ 4% في دول مجموعة البريكس. وعادةً ما يكون نمو أرباح الاستثمارات في إفريقيا أعلى بكثير من بقية العالم، مما يُخفِّف من بعض المخاطر المرتبطة بهذه الاستثمارات. ومع ذلك، فبينما تَعُجّ القارة بالراغبين في الاستثمار، تُواجه شريحة واسعة من الشركات الصغيرة صعوبة في الحصول على التمويل. وقد أصبح هذا يُعرَف باسم “الوسط المفقود”.
في إفريقيا، تكثر الاستثمارات في نطاق الاستثمارات الكبرى (من 100 مليون دولار إلى مليار دولار)، وفي التمويل الأصغر (حتى 1000 دولار)، ولكن لا يزال النشاط في النطاق المتوسط (حتى 50 مليون دولار) محدودًا للغاية. يُعرّف البنك الدولي الشركات الصغيرة بأنها تلك التي تحتاج إلى قروض تتراوح بين 10000 و100000 دولار، والشركات المتوسطة بأنها تلك التي تحتاج إلى قروض تتراوح بين 100000 ومليون دولار للنمو. وتُمثّل هذه الشركات مجتمعةً الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة “الوسط المفقود”.([4])
ثانيًا: الوسط المفقود “missing middle“: المفهوم وأهمية القياس
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، يشير “الوسط المفقود” إلى “الفجوة في رأس المال، التي تفوق فجوة التمويل الأصغر، لكنّها أصغر من فجوة التمويل المؤسسي التقليدي في الأسواق الناشئة والواعدة”.([5])
فهو يشير إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة في دول الجنوب العالمي التي تحتاج إلى رأس مال (يتراوح بين 50 ألف ومليوني دولار) للنمو، لكنّها كبيرة جدًّا على التمويل الأصغر، وصغيرة جدًّا أو محفوفة بالمخاطر بالنسبة للقروض المصرفية التقليدية أو الأسهم. إن العقبات التي تعترض تمويل هذا القطاع من السوق موثقة جيدًا، بما في ذلك المخاطر العالية وتكاليف المعاملات.
وتُعرّفها شركةOikoCredit عام 2000، بأنها: “الفجوة بين مؤسسات التمويل الأصغر (التي تُقرض في الغالب الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر في القطاع غير الرسمي)، والبنوك التقليدية (التي تُقرض الأموال في الغالب)، ويُفضّل أن تكون للشركات الأكبر حجمًا، والتي، بالنظر إلى أحجامها ومعدلات دورانها الأعلى، كبيرة جدًّا بحيث لا يمكن اعتبارها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم. و”الوسط المفقود” يُمثّل فجوة رأس المال، وهي أكبر من التمويل الأصغر، ولكنّها أصغر من التمويل المؤسسي التقليدي من خلال البنوك (التجارية) في الأسواق النامية والناشئة. وبالتالي، فإن مجموعات الشركات في الوسط، أي في الفجوة، عادةً الشركات الصغيرة والمتوسطة، لا تمتلك نوعًا خاصًّا من المؤسسات المالية التي من شأنها أن تُقرضها الأموال التي تحتاجها لتطوير أنشطتها من خلال تطوير أعمال حقيقي.([6])
غالبًا ما يُفسَّر “الطبقة الوسطى المفقودة” على أنها قلة عدد “الشركات متوسطة الحجم”، وتُثير أحيانًا دعواتٍ لوضع سياسات تُركِّز على الشركات الصغيرة والمتوسطة. وبينما قد تكون هذه السياسات مفيدة، ينبغي تفسير مسألة “الطبقة الوسطى المفقودة” على نطاق أوسع، أي غلبة الشركات الصغيرة غير الرسمية والشركات الكبيرة التي تعجز عن استيعاب القوى العاملة. يشير مصطلح “الطبقة الوسطى المفقودة” إلى وجود مجالٍ لنقل العمال من الشركات الصغيرة إلى الشركات المتوسطة والكبيرة. ونظرًا لأن الشركات الكبيرة تميل إلى أن تكون أكثر إنتاجيةً بفضل وفورات الحجم، فإن هذا التحول يعني زيادةً في الإنتاجية.
تُعدّ “الطبقة الوسطى المفقودة” مقياسًا مفيدًا؛ لأنه يُظهر وجود إمكانات غير مُستغلَّة لإعادة توزيع العمالة بين الشركات. وهذا مُهِمٌّ بشكل خاص في اقتصادات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ حيث يوجد عددٌ قليلٌ من الشركات الرسمية الكبيرة والعديد من الشركات الصغيرة وغير الرسمية التي لا تنمو. ومِن ثَم، فإن السياسات الرامية إلى الحد من النشاط غير الرسمي من خلال خفض تكاليف التسجيل وتحسين التنفيذ والتدابير الرامية إلى التخفيف من التشوهات القائمة في نموّ الشركات على نحو أكثر عمومية تحتاج إلى أن تسير جنبًا إلى جنب.([7])
وقد ركّزت الدراسات الحديثة على الاختلافات بين البلدان في توزيع حجم الشركات. ومن التخمينات الراسخة أن توزيع حجم الشركات في البلدان النامية يُظهر غيابًا لوسطية التوزيع، مما يعكس احتكاكات السوق وتشوهات السياسات التي تُثبط الإنتاج. ومع ذلك، لم تكن الدراسات التي قَيَّمت هذه الفرضية قاطعة. وقد انقسمت إلى فرقتين، وجدت إحداها بأنه لا يُوجَد دليل على وجود ثنائية النمط في توزيع حجم الشركات –عند اتخاذ شركات التصنيع مثالًا-، بينما انتهى القسم الثاني إلى أن حصة العمالة في قطاع التصنيع في المصانع متوسطة الحجم منخفضة نسبيًّا مقارنةً بالاقتصادات المتقدمة. وعلى الرغم من أن دراسة توزيع حجم الشركة قد تبدو بسيطة، إلا أن توافر مثل هذه المعلومات يثبت أنه قيد ملزم للغاية في العديد من الاقتصادات النامية. تكمن صعوبة بالغة في الحصول على بيانات تغطي مجموعة كاملة من الشركات، بما في ذلك الشركات غير الرسمية. وفي هذا السياق يمكن الانتهاء إلى ثلاث نتائج في قطاع الصناعة: ([8])
- تُمثل الشركات متوسطة الحجم نسبة توظيف منخفضة نسبيًّا: وجدت أدلة على وجود “طبقة وسطى مفقودة” في توزيع حصص التوظيف. يعمل معظم العمال في شركات صغيرة أو كبيرة، ونسبة التوظيف في فئات الحجم المتوسطة أقل بكثير من نسبة التوظيف في فئات الحجم الأخرى. ويُعدّ نقص تمثيل الشركات متوسطة الحجم في إجمالي العمالة عاملًا قويًّا في تغيير حدود الحجم. ولا يُعزَى “طبقة وسطى مفقودة” إلى الشركات الأجنبية أو الشركات المملوكة للدولة، وهي شركات قليلة لكنها كبيرة الحجم.
- هيمنة الشركات غير الرسمية هي العامل الرئيسي وراء “غياب الطبقة الوسطى”: الشركات غير الرسمية هي السبب وراء ظهور “غياب الطبقة الوسطى” في توزيع العمالة في إفريقيا جنوب الصحراء والدول النامية عمومًا.
- لا ينشأ “الوسط المفقود” عند دخول السوق: لا يظهر نمط “الوسط المفقود” في توزيع حجم الشركات الداخلة، مما يشير إلى أنه نتيجة لتطور الشركات على مدار دورة حياتها. وتشير نتائجنا تحديدًا إلى أن “الوسط المفقود” ينشأ نتيجةً لركود الشركات غير الرسمية ونموّ المنتجين الرسميين المشروط باستمرارهم. تشهد الشركات الرسمية إعادة توزيع للوظائف نحو فئات أكبر حجمًا مع تقدم أعمار الشركات، بينما يظل توزيع حجم الشركة بين الشركات غير الرسمية مستقرًّا. من العناصر الرئيسية الأخرى في تفسير “الوسط المفقود” ودوافعه دور حواجز الدخول والتشوُّهات الفردية المرتبطة بالإنتاجية.
ثالثًا: نقص التمويل في شركات الوسط في إفريقيا جنوب الصحراء
يُمثّل الوصول إلى التمويل عائقًا رئيسيًّا أمام شركات الوسط، وهو ثاني أكثر العوائق التي تواجهها تلك الشركات؛ حيث تقل احتمالية حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على قروض مصرفية مقارنةً بالشركات الكبيرة؛ إذ تعتمد بدلًا من ذلك على التمويل الداخلي، أو النقد من الأهل والأصدقاء، لإطلاق مشاريعها وإدارتها في البداية. تُقدّر مؤسسة التمويل الدولية أن 65 مليون شركة، أو 40% من الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر الرسمية في البلدان النامية، لديها احتياجات تمويلية غير مُلبَّاة تبلغ 5.2 تريليون دولار سنويًّا، وهو ما يعادل 1.4 ضعف المستوى الحالي للإقراض العالمي لهذه الشركات.
تُمثّل منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ الحصة الأكبر (46%) من إجمالي الفجوة التمويلية العالمية، تليها منطقة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (23%)، ثم أوروبا وآسيا الوسطى (15%). يختلف حجم الفجوة بشكل كبير من منطقة إلى أخرى. تُسجِّل منطقتا أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على وجه الخصوص، أعلى نسبة من فجوة التمويل مقارنةً بالطلب المُحتمَل؛ حيث بلغت 87% و88% على التوالي. لا يحصل حوالي نصف الشركات الصغيرة والمتوسطة الرسمية على قروض رسمية. وتزداد فجوة التمويل بشكل أكبر عند أخذ الشركات الصغيرة والمتوسطة وغير الرسمية في الاعتبار.([9])
ويحتاج 51% من هذه الشركات إلى تمويل أكبر مما يُمكنها الحصول عليه حاليًّا. تُشكِّل قيود الائتمان تحديًا خطيرًا لها. فبدون مصادر موثوقة لرأس المال العامل، لا تستطيع القيام بالاستثمارات اللازمة للنمو، مما يُؤدي إلى ركودها.
وتواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة الإفريقية تحديَّيْن تمويليين كبيرين: سهولة الوصول والقدرة على تحمل التكاليف. يشير مصطلح “سهولة الوصول” إلى قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الحصول على التمويل. غالبًا ما تكون الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا غير رسمية -أي: أنها غير مسجَّلة رسميًّا كشركات-؛ مما يُصعِّب عليها الحصول على التمويل. حتى تلك المسجَّلة رسميًّا لا تزال تعاني في كثير من الأحيان من صعوبة الوصول. ولا يحصل سوى ما بين ثلث وخُمس الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا جنوب الصحراء على قرض مصرفي أو خط ائتمان. وتشير التقديرات إلى أن 28.3% من الشركات في المنطقة تعاني من قيود ائتمانية كاملة.
وتشير القدرة على تحمُّل التكاليف إلى تكلفة رأس المال، أو التكلفة التي تتحملها الشركة للحصول على قرض أو الحصول على استثمار. لا تشمل التكلفة الإجمالية للقرض تكلفة القرض الأصلي فحسب، بل تشمل أيضًا الفائدة المفروضة وتكاليف المعاملات، مثل أتعاب المحامين لإتقان الضمانات. ويُمثّل هذا تحديًا خطيرًا في إفريقيا؛ لأن أسعار الفائدة المحلية من البنوك غالبًا ما تكون في خانة العشرات، وأحيانًا أعلى من 20- 25%. ويمكن لمقدمي التمويل البديل، مثل مؤسسات التمويل الأصغر أو المقرضين الرقميين (مثل m-Shwari وBranch)، أن يفرضوا أسعار فائدة أعلى، تصل إلى 40-50%. وغالبًا ما تثني أسعار الفائدة المرتفعة الشركات الصغيرة والمتوسطة عن محاولة التقدم بطلب للحصول على تمويل. ويُشكّل هذا النقص في التمويل الميسور عائقًا كبيرًا أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا.([10])
ويبدو أن البنوك متردّدة في منح قروض تجارية للشركات الصغيرة والمتوسطة كما في وسط إفريقيا، على الرغم من أن مؤسسة التمويل الدولية (2007) أفادت بارتفاع متوسط دخل التشغيل بنسبة 28% وزيادة الأرباح التشغيلية بنسبة 35% لإقراض تلك الشركات مقارنةً بإقراض البنوك ككل.([11])
كشف مسح تنفيذي أُجري في الربع الرابع من عام 2021 في الكاميرون، أن شركة صغيرة ومتوسطة واحدة فقط من بين خمسين شركة تم إطلاقها باستخدام قرض مصرفي. ويمثل هذا 2٪ فقط من جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي شملها المسح. وعلى الرغم من أن المسح أظهر أن حصة الشركات الصغيرة والمتوسطة المُموَّلة من البنوك زادت إلى 22٪ خلال السنوات الخمس الأولى من الممارسة، وانخفضت إلى 12٪ بعد السنوات الخمس الأولى من الممارسة، إلا أن عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تُموّلها البنوك في الكاميرون لا يزال منخفضًا جدًّا مقارنة بالمناطق الأخرى على مستوى العالم. وهذا يُعيق بشكل كبير نموّها في هذه المنطقة الفرعية، مما يتسبَّب في تقزيمها؛ حيث إن 95٪ من الشركات التي شملها المسح لديها، على مدى سنوات من الممارسة، حجم شركة غير متزايد يتألف من 21 إلى 30 موظفًا فقط. وتُبيّن أن “الوسط المفقود” يحرمها من الدعم المالي الضروري لبدء أنشطة تطوير الأعمال وتعزيزها. إن سدّ فجوة تمويل الشركات الزراعية الصغيرة والمتوسطة وحدها، تبلغ 106 مليارات دولار، إلا أن قياس الأثر في “الوسط المفقود” أمرٌ صعب. يُقدّر أن هناك 220 ألف شركة صغيرة ومتوسطة تحتاج إلى تمويل.([12])
رابعًا: حلول التمويل.. التمويل المختلط نموذجًا
يُمكن للتمويل المُختلط أن يُساعد الشركات على سدّ هذه الفجوة الحرجة؛ حيث تُعدّ القروض، وحقوق الملكية، والضمانات، والمنح، والمساعدة الفنية خمس أدوات متاحة لمؤسسات التمويل الإنمائي ووكالات التنمية لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة. وسواءٌ استخدمت القروض، أو حقوق الملكية، أو أيّ نوع من الضمانات، فإن جوهر التمويل المختلط هو أن المُقدّم يتحمّل الجزء الأكثر خطورة من حصة رأس المال، وبالتالي يُخفّض مخاطر الاستثمار للآخرين الذين يرغبون في مخاطر أقل أو عائد أعلى.
والتمويل المختلط ليس مجرد مجموعة أدوات؛ بل هو إستراتيجية تُحسّن من ملفات تعريف مخاطر تلك الشركات لجعلها أكثر قبولًا لدى المستثمرين.
قليل من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة مُستعدة فورًا للحصول على قروض بشروط تجارية. بالنسبة للشركات في مرحلة مبكرة (مرحلة تجريبية أو تأسيسية)، قد يكون تمويل المِنَح هو الأنسب للمساعدة في إثبات نموذج أعمالها. فهو يأتي دون أيّ التزامات بالملكية أو السداد. ومع ذلك، مع مرور الوقت، سترغب جميع الشركات في الحصول على تمويل يُساعد على إثبات جاذبيتها في السوق. وتُعدّ المساعدة الفنية بالغة الأهمية لضمان تطوير موظفي هذه الشركات للمهارات اللازمة للنمو. وبحسب مرحلة النمو واحتياجاتها، قد تسعى الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضًا إلى النمو من خلال جمع تمويل رأس المال. ورغم أن قبول رأس المال ينطوي على تخفيض الملكية، إلا أن قدرته على توليد العوائد تجعله خيارًا أكثر جاذبية لمؤسسات التمويل التنموي والمستثمرين من القطاع الخاص على حدّ سواء. وتُعدّ القروض الميسرة أداة مهمة أخرى للتمويل المختلط لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة. فمع الحاجة إلى سداد دفعات دورية، تتطلب القروض مزيدًا من التطوير من جانب الشركة. ولكن كما هو الحال مع رأس المال، فإن هذا العبء يعني توسع نطاق التمويل المتاح. ويمكن للشركات الأكثر نضجًا الحصول على قروض أو رأس مال بشروط تجارية أو قريبة من الشروط التجارية بنجاح. وهذا هو هدف دعم التمويل المختلط. ويمكن لهذه الشركات بعد ذلك تلبية احتياجات نموّها بالكامل برأس مال خاص، دون الاعتماد على مؤسسات التمويل التنموي.
تُعدِّل أدوات تخفيف المخاطر في التمويل المختلط حساب نسبة المخاطرة إلى العائد لجذب تدفقات رأس المال الخاص. تُعدّ ضمانات تغطية الخسارة الأولى من أكثر آليات تخفيف المخاطر شيوعًا. كما أنها تجعل الاستثمارات الخاصة بنفس جاذبية عروض الديون الحكومية. تُتيح الشراكة مع المؤسسات المالية والصناديق والشركات لتقديم ضمانات الخسارة الأولى للشركاء تحمّل مخاطر قد لا يكونون مرتاحين لها لولا ذلك. وتتيح هذه الشراكات للجهات الفاعلة في مجال التنمية تحمُّل مسؤولية مخاطر إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتُعدّ هذه الضمانات مفيدة بشكل خاص خلال الأزمات؛ لأنها تضمن لتلك الشركات التي لديها قروض قائمة القدرة على الاحتفاظ بها. بالنسبة للمستثمرين الأجانب، يُعدّ تخفيف مخاطر تقلبات أسعار الصرف أمرًا مهمًّا أيضًا، لا سيما في البلدان التي تعاني من عدم استقرار اقتصادي كلي.([13])
كما يمكن إدخال الابتكارات في التمويل، مثل منصات الإقراض الإلكتروني، واستخدام البيانات البديلة لاتخاذ القرارات الائتمانية، والفوترة الإلكترونية، والتحصيل الإلكتروني، وتمويل سلسلة التوريد. ويمكن أيضًا توفير العمل في مجال السياسات، والعمل التحليلي، والخدمات الاستشارية الأخرى لدعم أنشطة تمويلها. فضلًا عن الدعوة لتمويل تلك الشركات عالميًّا من خلال المشاركة ودعم الشراكة العالمية لمجموعة العشرين للشمول المالي، ومجلس الاستقرار المالي، ولجنة الائتمان الدولية لإعداد التقارير الائتمانية بشأن القضايا المتعلقة بتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما تُوفّر خطوط الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة تمويلًا مصرفيًّا مخصصًا -غالبًا لفترات أطول من المتاحة عمومًا في السوق-؛ لدعمها في الاستثمار والنمو والتصدير والتنويع. مثل خطط ضمان الائتمان الجزئي (PCGs).([14])
خاتمة:
“الوسط المفقود” يُلْحِق ضررًا بالغًا بالشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم من ثبوت أهمية هذه المؤسسات الاقتصادية في التنمية الاقتصادية لهذه البلدان مرارًا وتكرارًا. فبعدم توفير التمويل لها، وإحجام البنوك عن إقراضها، يتوقف نموّها وتوسُّعها، مما ينعكس في النهاية على تعطيل آلية هامة لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتقليل نِسَب الفقر.
وهناك عدة آليات يمكن من خلالها توفير التمويل اللازم لتلك الشركات، كالتمويل المختلط، والتمويل الابتكاري، فضلًا عن القيام بحملات تقوم بها مؤسسات التمويل الدولية، كتلك التي يقوم بها البنك الدولي.
……………………
[1]) world bank, mall and Medium Enterprises (SMEs) Finance.16/10/2019.at: https://www.worldbank.org/en/topic/smefinance
[2] ) balloonventures, Lifting Businesses into the ‘Missing Middle’.at: https://balloonventures.com/blog/ballloon-ventures-lifting-businesses-into-the-missing-middle/
[3] ) Daniel F. Runde, Conor M. Savoy, and Janina Staguhn, Supporting Small and Medium Enterprises in Sub-Saharan Africa through Blended Finance.7/7/2021.at: https://www.csis.org/analysis/supporting-small-and-medium-enterprises-sub-saharan-africa-through-blended-finance
[4] ) https://www.criticaleye.com/inspiring/insights-detail-new.cfm?id=2501
[5] ) Idem.
[6] ) Ellie Turner, A missing middle for impact measurement?.at:
[7] ) Kaleb Abreha and et al, A Missing Middle or too much Informality?.12/1/2023.at: https://blogs.worldbank.org/en/developmenttalk/missing-middle-or-too-much-informality
[8] ) Kaleb Abreha and et al, Op.cit.
[9] ) world bank, Op.cit.
[10] ) Daniel F. Runde, Conor M. Savoy, and Janina Staguhn .Op.cit.
[11] ) Hermann Kana, The ‘Missing Middle’ | A Major Cause of Dwarfing of SMEs in Francophone Central Africa.9/7/2024.at: https://ligsuniversity.com/the-missing-middle-a-major-cause-of-dwarfing-of-smes-in-francophone-central-africa/
[12] ) Ellie Turner, Op.cit.
[13] ) Daniel F. Runde, Conor M. Savoy, and Janina Staguhn, Op.cit.
[14] ) world bank,Op.cit.