الأفكار العامة:
– رغم أن القوى العاملة تُشكّل ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي في إفريقيا، فإن تسريع هذا النمو يتطلب تعزيز تدفقات رأس المال بشكلٍ فعّال ومستدام.
– في المراحل الأولى من التنمية، يعتمد النمو بدرجة كبيرة على وفرة الأيدي العاملة، يليها رأس المال والتكنولوجيا.
– وفقًا لتصنيفات البنك الدولي للفترة 2025- 2026م، لا تزال 22 دولة إفريقية تُصنَّف كدول منخفضة الدخل؛ حيث لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي 1.145 دولارًا.
– تسعى ثماني دول إفريقية مصنَّفة ضمن الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل إلى الارتقاء إلى مصاف الدول مرتفعة الدخل.
– بدعم من استثمارات أجنبية مباشرة تفوق المتوسط، يُتوقَّع أن تسجل دول مثل السنغال، أوغندا، رواندا، النيجر، جيبوتي، توغو، إثيوبيا، بنين، وكوت ديفوار معدلات نمو تتجاوز 6%، وهو ما يفوق المعدل العالمي.
– في سيناريو متفائل، قد ترتفع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 351 مليار دولار مقارنة بـ230 مليار دولار حاليًّا.
– لكن تبقى غالبية هذه الاستثمارات مُوجَّهة نحو القطاعات الاستخراجية، كالمعادن والغاز والنفط، مما يَحُدّ من تنوُّع قاعدة التنمية الاقتصادية.
بقلم: جاكي سيليرز
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
في الوقت الذي تساهم فيه القوى العاملة بشكلٍ فعَّال في دعم النمو الاقتصادي، تبقى الحاجة مُلِحَّة أمام إفريقيا لجَذْب مزيد من التدفقات المالية لتحقيق تنمية مستدامة.
ففي المراحل الأولى من التطور، يرتكز النمو الاقتصادي بالأساس على العمالة، يليها رأس المال فالتكنولوجيا. هذا النموذج التنموي اعتمدته الدول الآسيوية الصاعدة والصين، ويعكس التحوُّل الطبيعي في محركات النمو مع تقدُّم الدول نحو الازدهار.
وبحسب تصنيف البنك الدولي للفترة 2025 -2026م، تُصنَّف 22 دولة إفريقية كدول منخفضة الدخل؛ حيث لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي 1.145 دولارًا. ويُعزَى الجزء الأكبر من النمو في هذه الدول إلى تحسُّن كفاءة القوى العاملة من حيث المهارة، والصحة، والاستغلال.
أما الدول الإفريقية المصنَّفة ضمن الشريحة الدنيا من فئة الدخل المتوسط (23 دولة)، فتعتمد في هذه المرحلة على رأس المال لتوسيع قطاع الصناعة التحويلية؛ إذ يصبح أكثر تأثيرًا في النمو من العمل أو التكنولوجيا.
في المقابل، تسعى ثماني دول إفريقية من الشريحة العليا للدخل المتوسط إلى بلوغ مصافّ الدول مرتفعة الدخل؛ حيث تكتسي التكنولوجيا أهمية بالغة في تعزيز الخدمات ذات القيمة المضافة العالية.
ويُعزَى تعثُّر غالبية هذه البلدان في تجاوز “فخّ الدخل المتوسط” إلى نقص رأس المال اللازم لتطوير القطاع الصناعي والبنية التكنولوجية. ومن بين دول القارة، تُعدّ سيشيل الاستثناء الوحيد الذي تمكَّن من كسر هذا القيد.
تطوير قطاعَي الصناعة التحويلية والتكنولوجيا في إفريقيا:
يُعدّ رأس المال عنصرًا محوريًّا للتنمية؛ إذ يُسهم في تعزيز الاستثمارات في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، كما يدعم تنويع الاقتصادات ويُحفّز نموًّا مستدامًا، خصوصًا في مجالات الصناعة التحويلية.
وعلاوة على ذلك، تصبح ضرورة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر على نطاق واسع أولوية مُلِحَّة. ويتطلب تحقيق هذا الهدف دورًا فاعلًا من الحكومات من خلال تقديم حوافز ضريبية وتنظيمية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وتطوير البنية التحتية، إلى جانب إصلاح منظومات الحوكمة والإدارة.
بفضل هذا التوجُّه، يُتوقَّع أن تسجّل بلدان مثل السنغال، أوغندا، رواندا، النيجر، جيبوتي، توغو، إثيوبيا، بنين، وكوت ديفوار، نموًّا يفوق 6%، وهو معدل أعلى من المتوسط العالمي. وفي عام 2025م، كانت هذه الدول بالفعل من بين أسرع الاقتصادات نموًّا عالميًّا.
في المقابل، يُتوقَّع أن تحقق نيجيريا، رغم كونها أكبر اقتصاد في إفريقيا، نموًّا لا يتجاوز 3.2% في 2025م. ومع معدل نمو سكاني يبلغ 2.6% سنويًّا، يظل دخل الفرد شبه ثابت، وهو ما يعكس التحديات البنيوية التي تواجهها، من ضعف الحوكمة وانعدام الأمن، إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، التي لا تتجاوز 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما تعاني دول أخرى مثل غينيا الاستوائية، جنوب إفريقيا، تونس، ليسوتو، الغابون، أنغولا، وجمهورية إفريقيا الوسطى من ركود اقتصادي، مدفوع بنموّ ضعيف واستثمارات أجنبية محدودة أو سالبة. ويُستثنى من ذلك الغابون، التي ما زالت تجذب استثمارات متواضعة في قطاعَي النفط والغاز، رغم الانقلاب السياسي عام 2023م.
تعكس تجربة الغابون واقع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النفط والغاز بإفريقيا، على غرار ما تشهده دول مثل موزمبيق، تنزانيا، أوغندا وناميبيا؛ حيث تتركز هذه الاستثمارات غالبًا في سلاسل الإنتاج الأولية والنهائية المرتبطة بالزراعة والصناعة التحويلية.
وباستثناء الوقود الأحفوري، يتَّجه معظم الاستثمار الأجنبي المباشر نحو البلدان الإفريقية ذات الدخل المتوسط من الشريحة العليا، ما يجعل المساعدات الإنمائية الخارجية ذات أهمية، خاصةً للدول ذات الدخل المنخفض وتلك الواقعة في الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. في هذا السياق، كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمثل أحد أبرز المانحين؛ حيث قدمت نحو 26% من إجمالي المساعدات لإفريقيا.
وقد أدَّت التحديات الاقتصادية المتزايدة إلى تعزيز دور الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحويلات المغتربين، وتحسين تعبئة الموارد المحلية كمصادر تمويل حيوية. ويمكن للتكنولوجيا أن تساهم في توسيع القاعدة الضريبية، غير أن متوسط نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في القارة لا يتجاوز 16%، مقارنةً بـ19.1% في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و21.5% في أمريكا اللاتينية والكاريبي، و34% في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، مع تفاوت كبير بين البلدان الإفريقية نفسها.
يتناول تقرير صدر حديثًا عن منصة “التنبؤ الدولية للمستقبل” موضوع التدفقات المالية المستقبلية في إفريقيا، مركّزًا على تأثير زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، والتحويلات المالية، والمساعدات الإنمائية في مرحلة ما بعد دونالد ترامب، مقارنة بالتوقعات المرتبطة بسيناريو الوضع الراهن.
في عام 2023م، شكَّلت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة (GDP). وتشير التوقعات في حال استمرار الوضع الراهن إلى ارتفاع طفيف في هذه النسبة، لتصل إلى 3.6% بحلول عام 2043م، مدفوعة بالنمو السكاني واتساع السوق الإفريقية.
أما في سيناريو التدفقات المالية المحسّنة، فمن المتوقع أن ترتفع هذه التدفقات بشكل ملحوظ لتبلغ 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل نحو 351 مليار دولار أمريكي، مقارنة بـ230 مليار دولار في سيناريو الوضع الراهن.
وعلى الرغم من أن حجم التدفقات المالية في هذا السيناريو يفوق بكثير ما هو متوقع في الوضع الراهن؛ فإن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا بحلول عام 2043م سيظل دون مستوى أمريكا الجنوبية من حيث القيمة المطلقة، وأقل من نصفه تقريبًا عند احتسابه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
في هذا السياق، يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا زيادة قدرها 243.5 مليار دولار بحلول عام 2043م مقارنة بسيناريو الوضع الراهن، مع ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الناتج بـ160 دولارًا. كما يُنتظَر أن تُحقّق سيشيل وبعض الدول المتوسطة الدخل أداءً اقتصاديًّا لافتًا.
ومن بين مصادر التمويل الخارجية، يُعدّ الاستثمار الأجنبي المباشر الأداة الأنجع لتحسين الإنتاجية، لا سيما في البلدان التي تتمتع بعمالة مؤهلة، ومؤسسات فعَّالة، وأسواق مالية ناضجة. ومع ذلك، فإن تأثير هذا الاستثمار على الحد من الفقر المدقع يظل محدودًا؛ إذ يؤدي فقط إلى تراجع نسبته بنقطة مئوية واحدة مقارنة بالتوقعات الحالية.
تفوُّق الاستثمار الأجنبي المباشر:
تستفيد الدول الإفريقية ذات الدخل المتوسط الأعلى من الاستثمار الأجنبي المباشر بدرجة أكبر من نظيراتها الأفقر؛ إذ يُوجَّه معظم هذا الاستثمار نحو الصناعات الاستخراجية، مثل النفط والغاز والمعادن.
غير أن التنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAf) يُتيح آفاقًا أفضل، وفقًا للنماذج المختلفة المتاحة على منصة “إفريقيا المستقبلية”. وباستثناء المعونات، تشير التوقعات إلى وجود مؤشرات إيجابية لزيادة التدفقات المالية نحو القارة.
تشهد الاستثمارات البينية داخل إفريقيا، خصوصًا من كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا، نموًا متسارعًا في قطاعات التكنولوجيا، والخدمات المالية، والصناعة التحويلية. ومن المتوقع أن يزداد هذا الزخم مع تفعيل ZLECAf، والتي يرى البنك الدولي أنها قد تُسهم في رفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة تصل إلى 120%، والاستثمار البيني داخل القارة بنسبة قد تبلغ 85%.
كما تُكثّف الصين ودول الخليج والهند استثماراتها في مجالات الطاقة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، وهو ما يسهم في إعادة تشكيل ملامح المشهد الاقتصادي والجيوسياسي لإفريقيا.
ومع اشتداد المنافسة الدولية، تملك الدول الإفريقية فرصة للتفاوض على شروط استثمارية طويلة الأمد تحقق منافع حقيقية، خاصةً في مجالات التحول الزراعي، والطاقة المتجددة، والتصنيع، والبنية التحتية الرقمية، مما يعزز من فرص نقل التكنولوجيا، وخلق الوظائف، وبناء اقتصادات أكثر صمودًا.
لكن يتعين على إفريقيا السعي لتوفير بيئة استثمارية جاذبة من خلال ضمان الاستقرار السياسي وتسهيل مناخ الأعمال، لضمان استبقاء رأس المال وتحفيز تدفقاته. كما يجب أن تُوجَّه الاستثمارات لتخدم أولويات التحول الهيكلي في القارة، على غرار تجربة شرق آسيا، التي سخَّرت الاستثمار الأجنبي المباشر لتحديث التكنولوجيا وتحقيق التصنيع. وقد سجَّلت دول مثل مصر والسنغال والمغرب وإثيوبيا وزامبيا أداءً إيجابيًّا في هذا الإطار، بينما لا تزال دول أخرى تُواجه تحديات في تحقيق التقدُّم.
يُعدّ الاستثمار الأجنبي المباشر أداة فعَّالة عندما يُقرَن بإصلاحات محلية جادة ومستدامة. ويظل مسار التنمية في إفريقيا واعدًا، رغم ما يشوبه من تقلبات. فالعمالة تظل ركيزة مهمة للنمو، لكن لا بد من تعزيز تدفق رؤوس الأموال، ولا سيما عبر الاستثمار الأجنبي المباشر.
في الوقت ذاته، على الدول الإفريقية العمل على خفض تكاليف التحويلات المالية، ودعم الجهود الدولية الموجهة لدعم البلدان الفقيرة التي تجد صعوبة في جذب الاستثمارات الخارجية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://issafrica.org/fr/iss-today/les-enjeux-croissants-des-investissements-etrangers-en-afrique