تيكواج فيتر
باحث دكتوراه بجامعة القاهرة – متخصص في الدراسات الإفريقية
مقدمة:
تشهد فترة إدارة ترامب الثانية طَرْح سياسة صارمة ضد المهاجرين في الولايات المتحدة، والراغبين في السفر إليها بالطرق الشرعية وغير الشرعية؛ حيث ركَّزت هذه السياسة على وضع قيود على السفر إليها من جانب، وتتبُّع والقبض على المهاجرين غير الشرعيين ومراجعة السجون لتحديد المحكومين عليهم في السجون الأمريكية بغرض ترحيلهم لبلدانهم الأصلية من جانب آخر، وهو ما قُوبِلَ بردود أفعال متباينة من العديد من الدول، من بينها الدول الإفريقية.
ونتيجةً لرَفْض بعض الدول غير الإفريقية استقبال مُواطنيها المُرحَّلين بسبب طريقة ترحيلهم، بدأت الإدارة الأمريكية تبحث عن دول أخرى لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين والمحكومين بالسجن في الولايات المتحدة في إطار “سياسة الدولة الثالثة”.
تباينت المواقف الإفريقية تجاه هذه السياسة في شكل ثلاثة مواقف؛ الأولى: وافقت وبدأت تستقبل المُرحَّلين؛ إما استجابةً للضغوط الأمريكية أو بعد الوصول لتفاهمات واتفاقيات معها. والثانية: رفضت استقبال المُرحَّلين، بينما المجموعة الثالثة تحفَّظت دون أنْ تُبدِي الرأي بالموافقة أو الرفض رغم الإلحاح الأمريكي، وربما يرجع التحفظ إلى انتظار التوصُّل لتفاهمات مثلما حدث في حالة رواندا التي أبدت موافقة مبدئية قبل الموافقة.
وعليه تسعى هذه الورقة إلى تناول مواقف الدول الإفريقية من سياسة ترامب لترحيل المهاجرين؛ من خلال مناقشة سياسة إدارة ترامب تجاه المهاجرين ودوافعها من هذه السياسة، والطريقة التي تم من خلالها تنفيذ هذه السياسة، لا سيما ما ترتب على رفض بعض الدول استقبال مواطنيها من البحث عن دولة ثالثة لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين، ومِن ثَمَّ مواقف حكومات الدول الإفريقية من ترحيل مواطنين ذات أصول لا تنتمي لها، بالإضافة إلى ما ترتَّب على ذلك من تداعيات سياسية واقتصادية وإنسانية وقانونية.
أولاً: سياسة ترامب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين
حظيت قضية المهاجرين غير الشرعيين باهتمام كبير في سياسة إدارة ترامب الثانية خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبعدها، كواحدة من أبرز السياسات التي شرع في تنفيذها بعد الوصول إلى السلطة؛ إذ إنه كان قد أعلن أنه يسعى لتنفيذ أكبر عملية ترحيل للمهاجرين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ من خلال نشر قوات الجيش الأمريكي والحرس الوطني على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وزيادة طول السور الذي تم بناؤه بين البلدين خلال فترة إدارته الأولى لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين. بالإضافة إلى ذلك، أكد ترامب أنه سيلغي سياسة القبض والإفراج، التي تسمح لمن يتم القبض عليهم عند التسلل للحدود الأمريكية بالإفراج عليه والعيش في الولايات المتحدة، هذا إلى جانب تنفيذ عمليات اقتحام واسعة النطاق لأماكن العمل بحثًا عن المهاجرين غير الشرعيين، والرغبة في توسيع المعتقلات لاحتجاز الكثير من المهاجرين غير الشرعيين.([1])
لم تقتصر سياسة ترامب ضد المهاجرين، على المهاجرين غير الشرعيين فحسب، بل شملت استهداف الطلبة الأجانب في الجامعات الأمريكية، وبشكل خاص الذين يناصرون القضية الفلسطينية، والعمل على فَصْلهم من الجامعات، وإنهاء المِنَح الدراسية وتأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك، وضعت الإدارة الأمريكية قيودًا على إمكانية حصول الوالدين على الجنسية الأمريكية عبر ولادة طفل في الأراضي الأمريكية، وفرضت قيودًا على منح تأشيرة دخول للولايات المتحدة، بل وحظرت عددًا من الدول الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية من حق الحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الأمريكية.([2])
ثانيًا: دوافع سياسة ترحيل المهاجرين:
ترى إدارة ترامب أن الدوافع من ترحيل المهاجرين ترجع إلى العديد من الأسباب التي من بينها ما يلي:([3])
- ترى أن بعض المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية يُموِّلون الإرهاب، ولا بد من ترحيلهم لبلادهم أو دولة ثالثة.
- وترى أن المهاجرين مصدر للجرائم وتهديد للمواطن الأمريكي.
- وأن العديد من المهاجرين يتجاوزون مدة التأشيرة الممنوحة لهم، وهو ما يُعدّ مخالفةً للقانون الأمريكي.
- ترى أن بعض الدول تمنح وثائق غير موثوق بها وتبيع جنسيات لمواطني دول أخرى، لديهم سجلات إجرامية؛ لتمكينيهم من الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأمريكية.
- وضعت سياسة الدولة الثالثة بسبب رفض بعض الدول استقبال مواطنيها المُرحَّلين.
ثالثًا: طرق ترحيل المهاجرين:
- الترحيل الإجباري:
في هذه الطريقة قامت السلطات الأمريكية بشنّ حملات موسَّعة ضد المهاجرين على الحدود الأمريكية وفي بعض الولايات الأمريكية، بالإضافة إلى مراجعة السجون الأمريكية لترحيل المهاجرين إلى دولهم أو دولة ثالثة بعدما رفضت بعض الدول استقبال المهاجرين الذين ينتمون إليها. بعض الرفض كان بسبب الطريقة التي تم بها تنفيذ الترحيل؛ حيث استخدمت السلطات الأمريكية طائرات عسكرية وكان المُرحَّلين مقيدين بسلاسل في أرجلهم وأياديهم، وهو ما دفَع بعض الدول للرفض والاحتجاج.
- الترحيل الذاتي:
هو برنامج طرحته إدارة ترامب للمهاجرين المهدَّدين بالترحيل في حالة القبض عليهم؛ لعدم امتلاكهم المستندات التي تمنحهم حق الإقامة القانونية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعلنت أن مَن يلتزم بهذا البرنامج وتبليغ نفسه إلى السلطات المختصة سيتم منحه مكافأة مالية، وسيكون بامكانه الحصول على تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاحقًا.
- سياسة الدولة الثالثة:
في إطار سياسة إدارة ترامب بعد رفض العديد من الدول استقبال مواطنيها، لجأت الولايات المتحدة إلى البحث عن دولة ثالثة، أي غير الولايات المتحدة (الدولة الأولى) التي تمثل نقطة انطلاق عملية الترحيل، والدولة الثانية التي هي الدولة التي ينتمي اليها المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة الأمريكية. والدولة الثالثة هي دولة لا ينتمي لها المُرحَّلون، ويكون دورها استقبالهم بعد الاتفاق بينها وإدارة ترامب للموافقة على استقبال المُرحَّلين من جنسيات مختلفة؛ حيث إن معظمهم من دول آسيوية وأمريكا الجنوبية ومن أصول إفريقية.
رابعًا: موقف الحكومات الإفريقية من سياسة الدولة الثالثة:
لقد تباينت المواقف الإفريقية من السياسة إدارة ترامب حوّل “سياسة الدولة الثالثة” في مسألة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين والمحكوم عليهم في قضايا جنائية تتعلق بالقتل والاغتصاب والنهب والسطو في الولايات المتحدة الأمريكية، فمنها مَن وافقت، وبعضها رفضت، وبعضها تحفظت (دون تحديد موافقتها أو رفضها) على استقبال المُرحَّلين من جنسيات أخرى، وعلى سبيل المثال ما يلي:
- جنوب السودان:
تُعدّ هي الدولة الإفريقية الأولى التي وافقت على استقبال مهاجرين مُرحَّلين من الولايات المتحدة. جاءت هذه الموافقة بعد أن قبلت استقبال المُرحَّلين من جنوب السودان، ورفضت استقبال أحد المُرحَّلين ضمن الدفعة الأولى بعد أن أثبتت التحقيقات أنه من أصول كنغولية “جمهورية الكونغو الديمقراطية”. لكن بعد ضغوط أمريكية تمثلت في إلغاء منح التأشيرة الأمريكية لحاملي جواز سفر جنوب السودان، دفعت جنوب السودان للتراجع عن الموقف الرافض لاستقباله. وبررت وزارة خارجية جنوب السودان أن التراجع عن موقفها نابع من حرصها على علاقات الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.([4])
أما عند ترحيل الدفعة الأولى ضمن سياسة الدولة الثالثة، أي مُرحَّلين من جنسيات غير جنوب السودان بعد تفاهمات مع الإدارة الأمريكية واستقبال ثمانية أفراد من الذين تم ترحيلهم ضمن “سياسة الدولة الثالثة” لترحيل المهاجرين غير الشرعيين والمحكوم عليهم في قضايا جنائية في الولايات المتحدة إلى دولة غير دولهم الأصلية، من بينهم شخص واحد مواطن فقط ينتمي لجنوب سودان، بينما الآخرون من دول آسيوية وأمريكا الجنوبية. بررت وزارة خارجية جنوب السودان بأنها وافقت على استقبالهم لأسباب تتعلق بتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة والعلاقات الثنائية بين الدولتين، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية التي تربط جنوب السودان مع دول المهاجرين المُرحَّلين ضمن “سياسة الدولة الثالثة” من الولايات المتحدة إلى جنوب السودان.([5])
ولكن يمكن فَهْم سبب الموافقة في سياق الاستجابة لضغوط العقوبات الأمريكية، ومن اللافت للنظر في هذه المرة أن العقوبات شملت المواطنين بشكل مباشر أيضًا لأول مرة من الإدارة الأمريكية؛ حيث كانت العقوبات الأمريكية تقتصر على القادة السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال، لا سيما الذين يشتبه في تورطهم في تعزيز عدم الاستقرار السياسي والأمني في جنوب السودان، بالإضافة إلى التورط في الأنشطة التي ترتبط بالفساد.
- مملكة سواتيني:
هي الدولة الإفريقية الثانية التي وافقت على استقبال المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان عددهم خمسة من دول أمريكا الجنوبية (جامايكا، لاوس وكوبا)، واثنان من آسيا (فيتنام واليمن)، وبحسب حكومة سواتيني تم وضعهم في المعتقلات، ويبدو أن الموافقة جاءت بعد اتفاقية بين الإدارة الأمريكية وحكومة سوايني بعد فترة من الاجتماعات بين الطرفين للتوصل لهذه الاتفاقية.([6])
- رواندا:
أما رواندا فهي الدولة الإفريقية التي وافقت على استقبال المُرحَّلين من الولايات المتحدة، وكانت قد توصلت لاتفاقية مع بريطانيا لاستقبال المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في بريطانيا، بينما فيما يتعلق بالمُرحَّلين من الولايات المتحدة كانت قد أوضحت أنها مازالت تناقش مع إدارة ترامب لاختيارها ضمن سياسة الدولة الثالثة لاستقبال المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة من جنسيات مختلفة، وهذا ما اعتُبِرَ أنه مؤشر إلى وجود قبول مبدئي من جانب حكومة رواندا.([7]) حيث وافقت بعد التوصل إلى اتفاقية مع الولايات المتحدة على استقبال ما يزيد عن ٢٥٠ مهاجرًا مُرحَّلاً من الولايات المتحدة وفقًا للمتحدثة باسم الحكومة الرواندية يولاندا ماكولو، مبررةً ذلك بأن الموقف الرواندي يرجع لإدراك الأُسَر الرواندية مدى قسوة التهجير والقِيَم المجتمعية الرواندية التي تقوم على إعادة الإدماج والتأهيل.([8]) وأضافت أن الحكومة الرواندية ستُقدِّم لهم التدريب والرعاية والسكن. ومِن ثَمَّ، تعتبر هده الاتفاقية بديلاً للاتفاقية التي تم إلغاؤها بعد خسارة المحافظين في الانتخابات البريطانية في العام الماضي.([9])
- نيجيريا:
أكَّدت نيجيريا -عبر تصريح لوزير الخارجية النيجيري- رفضها قبول المهاجرين المُرحَّلين من السجون الأمريكية بقضايا جنائية؛ حيث حاولت الولايات المتحدة إرسال مهاجرين ينتمون إلى فنزويلا يُقدَّر عددهم بخمسمائة شخص من السجناء في السجون الأمريكية على خلفية ارتكاب جرائم مختلفة.
ويمكن تفسير تصريح وزير الخارجية النيجيري على أنه تأكيد على أن نيجيريا لن تكون ضمن “سياسة الدولة الثالثة”، لا سيما مع الإشارة إلى أن نيجيريا لديها الكثير من المشكلات التي لا تسمح لها باستقبال المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة الأمريكية والمحكومين بقضايا جنائية. يأتي هذا الرفض في سياق الضغط الأمريكية بفرض قيود على منح تأشيرة السفر إلى الولايات المتحدة لمواطني نيجيريا كما حدث مع جنوب السودان عندما رفضت استقبال أحد المهاجرين.([10])
- ليبيريا:
كانت ليبيريا من ضمن خمس دول (السنغال، موريتانيا، غينيا بيساو، الغابون وليبيريا)، اجتمعت مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض بعدما أُرْسِلَتْ لها دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وتضمنت عرضًا لتضمينها ضمن “سياسة الدولة الثالثة” لاستقبال المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة بعدما رفضت دولهم الأصلية استقبالهم، إلا أنه لم تكشف أيّ من هذه الدول عن موقفها الرسمي، سواء بالقبول أو الرفض، رغم تصريح مسؤول أمريكي عن وجود ترتيبات بين الولايات المتحدة وليبيريا بخصوص استقبال المهاجرين.([11])
خامسًا: تداعيات سياسة ترامب لترحيل المهاجرين:
هناك العديد من التداعيات التي بدأت تتشكل نتيجة لتطبيق سياسة ترامب التي تهدف إلى ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة؛ سواء كان إلى دولهم الأصلية أو الدولة الثالثة، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
- على المستوى السياسي:
لقد أظهرت حالة جنوب السودان محاولة توظيف “سياسة الدولة الثالثة الأمريكية” لتحقيق مكاسب سياسية كما كشف عنه تقرير صادر عن صحيفة بوليتيكو الإلكترونية، عن تقديم جنوب السودان طلبًا للولايات المتحدة لرفع العقوبات الأمريكية المفروضة على نائب رئيس جنوب السودان للشؤون الاقتصادية، الذي ظل يخضع للعقوبات الأمريكية بعد تجديده، ومحاولة استغلال هذه السياسة في سياق الأجندات السياسية الداخلية، لا سيما ضد النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية بمنزله؛ حيث كان طلب الحكومة فيما يخص هذا الملف أن يتم تقديمه للمحاكمة، ورفع حظر التأشيرة على مواطني جنوب السودان التي فرضتها الولايات المتحدة في أبريل ٢٠٢٥م، ورفع العقوبات الاقتصادية على جنوب السودان؛ بإعادة تنشيط حساب الدولة في البنك الفيدرالي الأمريكي، على أن يكون مقابل هذه الطلبات موافقة جنوب السودان على استقبال المزيد من المهاجرين في إطار “سياسة الدولة الثالثة”. وبالرغم من عدم موافقة إدارة ترامب على أيٍّ من هذه الطلبات([12])؛ إلا أنه قد تتجه العديد من الدول الإفريقية إلى توظيف هذه السياسية “سياسة الدولة الثالثة” مقابل تحقيق مكاسب سياسية مرتبطة بقضايا وملفات سياسية داخلية، لا سيما أن معظم الدول الإفريقية تعاني من تحديات وأزمات سياسية داخلية قد تستغل هذه السياسة للحصول على السند السياسي الأمريكي لفرض شرعية سياسية على المستوى الداخلي تعتمد على الدعم الأمريكي.
- على المستوى الإنساني:
مثلت عملية التتبع والقبض على المهاجرين ووضعهم في المعتقلات أحد أبرز التداعيات التي شكَّلت تحديًا كبيرًا وانتهاكًا لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد شرعت السلطات الأمريكية في انتهاك حقوق الإنسان عند تنفيذ السياسة التي أطلقتها إدارة ترامب لتنفيذ أكبر حملة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين؛ حيث قامت بتنفيذ اعتقالات عشوائية، وليس للمعتقلين الحق في الدفاع عن أنفسهم أو حق الحصول على محامٍ لدفاع عنهم أمام المحاكم الأمريكية، بل لا يتم تقديم معظمهم للمثول أمام القضاء لتحديد أوضاعهم القانونية. وما يحدث بحسب شكاوى أُسَر الذين تم اعتقالهم، بأنهم فوجئوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوصف ذويهم بالمجرمين والإرهابين دون محاكمات تثبت ذلك، كما تعدد الشكاوى عن حالات الاختفاء القسري دون الحصول على معلومات عن أماكن وجود ذويهم. بالإضافة إلى ذلك يتم ترحيلهم إلى دول لا ينتمون لها ضمن “سياسة الدولة الثالثة” بدون موافقتهم، ومعظم هذه الدول تمثل خطرًا على أوضاعهم الإنسانية؛ وذلك بسبب سجلاتها في انتهاك حقوق الإنسان والظروف القاسية في معتقلات هذه الدول.([13])
- على المستوى الاقتصادي:
لقد أظهرت التقارير حدوث العديد من الأضرار على القطاعات الاقتصادية جراء تنفيذ إدارة ترامب لحملات واسعة النطاق لتتبُّع المهاجرين غير الشرعيين والقبض عليهم وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية أو الدولة الثالثة؛ حيث يشكل المهاجرين نسبة كبيرة من العمال العاملين في مجالات البناء ورعاية الأطفال، وغيرها، ومِن ثَمَّ فإن في حال تنفيذ ترامب الخطة التي تهدف إلى ترحيل أربعة ملايين مهاجر خلال أربع سنوات على التوالي بمعدل واحد مليون سنويًّا، سيؤدي ذلك إلى فقدان العديد من الوظائف للعمال، نتيجة حدوث انخفاض كبير في المعروض من الأيدي العاملة، وأكثر الولايات تهديدًا بانخفاض نسبة العاملين في قطاع البناء ورعاية الأطفال هي؛ كاليفورنيا، فلوريدا، نيويورك وتكساس، بما يُقدَّر بـ٦.٢٪، و٥.١٪، و٤.٦٪، و٥.٨٪، على التوالي وهي انخفاضات كبيرة من شأنها أن تُحْدِث خللاً في القطاعين؛ حيث يحتل المهاجرين نسبة كبيرة من العاملين في القطاعين، ومِن ثَمَّ من المتوقع بحسب التقرير أن يحدث انخفاض في قطاع البناء ورعاية الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية بما يُقدَّر بـ ١٨.٨٪ و١٥.١٪ على التوالي.([14])
- على المستوى القانوني:
قام قاضي محكمة المقاطعة بتعطيل الرحلة التي كانت متجهة من القاعدة الأمريكية في جيبوتي إلى جنوب السودان؛ حيث طالب بناءً على ما تقدَّمت بها محامية الدفاع عن المُرحَّلين ترينا ريلموتو Trina Realmuto بضرورة التأكد من حصول المُرحَّلين على ضمانات من الدولة الثالثة أنها لن تُعرِّض حياة المُرحَّلين لخطر التعذيب أو الاضطهاد أو القتل، وأن الترحيل بهذا الشكل قد يُعرّض المُرحَّلين لظروف قاسية عند وضعهم في المعتقلات بعد أن أنهى بعضهم مدة العقوبة التي تم محاكمتهم بها، وهو ما قاد إلى حدوث نزاع قضائي بين إدارة ترامب ومحكمة المقاطعة District court، إلا أن المحكمة العليا الأمريكية التي تحظى بوجود أغلبية القضاة المحافظين، طالبت السلطات المعنية بالإسراع في تنفيذ هذه الرحلات. ومِن ثَم، فإن هذه الخطوة تعطي إدارة ترامب سندًا قانونيًّا لتنفيذ خطته التي تهدف لتنفيذ أوسع عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة.([15])
خاتمة:
مما سبق، يتضح أن إدارة ترامب الثانية في إطار سعيها لتفيذ أوسع عملية ترحيل المهاجرين في تاريخ الولايات المتحدة، ستضطر لفرض سياسة العصا والجزرة؛ الضغوطات/ العقوبات على الدول الإفريقية، أو الدخول في شركات تعتمد بشكل أساسي على الموافقة لقبول استقبال المُرحَّلين من جنسيات مختلفة، لا سيما بعدما ظهر رفض بعض الدول استقبال مواطنيها لأسباب ارتبط أبرزها بطريقة الترحيل وسوء معاملة المُرحَّلين، كأحد أبرز التحديات أمام نجاح إدارة ترامب لتنفيذ أوسع عملية ترحيل المهاجرين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كما يسعى.
كما أن المواقف الإفريقية الرافضة لاستقبال المهاجرين أو المتحفظة عن الإعلان عن موقفها ما بين القبول أو الرفض، يعتمد على مدى تأثير العقوبات الأمريكية عليها. بالإضافة إلى ذلك، قد تلجأ بعض الدول الإفريقية لاستغلال هذه السياسة لبناء علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الولايات المتحدة، لا سيما أن معظم الدول الإفريقية تواجه تحديات سياسية واقتصادية، ووقف الدعم الأمريكي زاد الأوضاع تعقيدًا في مجالات مثل الصحة والتعليم وغيرها، ومِن ثَمَّ فقد يتم ربط ضمان الحصول الدعم السياسي والاقتصادي الأمريكي بهذه السياسة أي “سياسة الدولة الثالثة” لقبول المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة الأمريكية، بجانب تقديم العروض الاقتصادية المغرية لإدارة ترامب.
………………………………
[1] Trump policy brief, Immigration Policy, BGR Group, November 2024
[2] Ibid
[3] Shola Lawal, “Is Trump planning an ‘Africa visa ban’?”, Aljazeera, 20 June 2025, accessible at: https://2u.pw/zrhlC, visited in 6 August 2025
[4]Ministry of Foreign Affairs and and International Cooperation, Decision on the individual deported by the United States of America to South Sudan, Press Statement, (Juba: Republic of South Sudan, 8 April 2025)
[5] Ministry of Foreign Affairs and and International Cooperation, Offical statement on the Arrival of Third-Country Nationals and South Sudanese deported from the United States of America to South Sudan, Press Statement, (Juba: Republic of South Sudan, 8 July 2025)
[6] The Guardian, “US deports migrants to Eswatini, African country with troubling human rights record”, 16 July 2025, accessible at: https://2u.pw/zhqgO, visited in 1 August 2025
[7] Carlos Mureithi, “Rwanda talks with US over deported migrants are chance to expand its influence”, The Guardian, 6 May 2025, accessible at: https://2u.pw/FA7eE, visited in 23 July 2025
[8] Aljazeera, “Rwanda agrees to accept “The Third Country” deportations from the US, Aljazeera, 6 August 2025, accessible at: https://2u.pw/vezCq, visited in 6 August 2025
[9] Guardian, “Rwanda agrees to take up to 250 migrants from the US”, Guardian, 5 August 2025, accessible at: https://2u.pw/3RTM0, visited in 5 August 2025
[10] Jon Shelton, “Nigeria rejects US pressure to accept deported Venezuelans”, DW, 11 July 2025, accessible at: https://2u.pw/eR5AG, visited in 1 August 2025
[11] Reuters, “Trump presses Africa leaders to take deported migrants, sources say”, 10 July 2025, accessible at: https://2u.pw/1cEyN, visited in 1 August 2025
[12] Felicia Schwartz & Myth Ward, “South Sudan took 8 migrants from the US. It wants something in return”, Politico, 30 July 2025, accessible at: https://2u.pw/9R3cg, visited in 2 August 2025
[13] UN, “US deportations raise serious human rights concerns”, UN News, 13 May 2025, accessible at: https://2u.pw/KaZ0p, visited in 2 August 2025
[14]Ben Zipperer, “Trump’s deportation agenda will destroy millions jobs”, Economic Policy Institute, 10 July 2025, accessible at: https://2u.pw/A0YYO, visited in 2 August 2025
[15] Maanvi Singh, “US Supreme Court clears way for deportations of eight men to South Sudan”, The Guardian, 3 July 2025, accessible at: https://2u.pw/CU2XS, visited in 2 August 2025