تتهيَّأ جمهورية بوروندي -وهي إحدى بلدان شرق إفريقيا ومنطقة البُحيرات العُظمى-، لإجراء انتخابات تشريعيَّة وبلديَّة بحلول الخامس من شهر يونيو الجاري، بعد مرور خمس سنوات على آخر انتخابات شهدتها البلاد، على أن تُجرَى انتخابات مجلس الشيوخ في 23 يوليو القادم، تليها الانتخابات القرويَّة في 25 أغسطس 2025م، بحسب الجدول الزمني المُعلَن عنه مِن قِبَل اللجنة الوطنيَّة المُستقلة للانتخابات.
وستُعقد الانتخابات التشريعيَّة هذا العام، لأول مرة، بشكل مُستقل عن الانتخابات الرئاسيَّة، المُقرر إجراؤها عام 2027م، نتيجة للتعديلات الدستوريَّة التي تم الاستفتاء عليها عام 2018م، والتي مدَّدت فترة الرئاسة من خمس إلى سبع سنوات، في حين أبقت على ولاية المجالس التشريعيَّة والمحليَّة لخمس سنوات دون تغيير.
أولًا: النظام الانتخابي للسُّلطة التشريعيَّة في بوروندي
تتألف السُّلطة التشريعيَّة في بوروندي من غرفتين؛ الجمعية الوطنيَّة وتُمثل المجلس الأدنى في البرلمان، وتتكون من 100 عضو يتم انتخابهم مباشرةً، بالإضافة إلى 20 عضوًا آخرين أو أكثر يتم اختيارهم عن طريق التعيين؛ لضمان توزيع المقاعد بين الهوتو والتوتسي وعرقية التوا، أمَّا مجلس الشيوخ، وهو الغرفة العُليا للبرلمان، فيُنْتَخب مِن قِبل هيئات المجالس المحليَّة، ويُلاحظ أنَّ انتخاب النواب يتم من خلال 17 دائرة انتخابيَّة باستخدام نظام التمثيل النسبي المُعتمِد على القوائم الحزبيَّة، ويُشترط للحصول على تمثيل في الجمعية الوطنيَّة أن تحصل الأحزاب السياسيَّة وقوائم المرشحين المُستقلين على أكثر من 2% من الأصوات على المستوى الوطني([1]).
وينص دستور بوروندي على أن يكون 60% من النواب من جماعة الهوتو العرقيَّة، و40% من جماعة التوتسي، وأن تُخصص ثلاثة مقاعد، على الأقل، لتمثيل جماعة التوا العرقيَّة، كما يقضي الدستور أن تشغل النساء ما لا يقل عن 30% من مقاعد الجمعية الوطنيَّة، ويجوز للجنة الانتخابيَّة الوطنيَّة المُستقلة تعيين مقاعد إضافية لضمان توازن التمثيل العرقي([2]).
وتُشير البيانات الرسميَّة إلى أنَّ أكثر من 6 ملايين ناخب، من أصل 13 مليون نسمة يُشكّلون مجموع السُكان، تم تسجيلهم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعيَّة والبلديَّة، من بينهم 5.9 مليون ناخب داخل البلاد، وحوالي 14000 ناخب يُقيمون خارجها، وتُمثل هذه الأرقام زيادةً كبيرةً قدرها مليون ناخب مقارنةً بالانتخابات السابقة في عام 2020م، كما تعكس هذه الأرقام هيمنة الأحزاب السياسيَّة، وعلى رأسها الحزب الحاكم، على العملية الانتخابية، وضعف فرص المرشحين المُستقلين في الاستحقاق الانتخابي([3]).
ثانيًا: الأوضاع السياسيَّة في بوروندي عشية الانتخابات
فيما يستعد الناخبون البورونديون للإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في البرلمان والمجالس المحليَّة، فإنَّ شعورًا بالاستياء والغضب الشديدين يُلْقِي بظلاله على الناخبين ومُنظمات المُجتمع المدني، وكذلك أحزاب المُعارضة، فالبلاد لا تزال تُعدّ أفقر دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحسب بيانات البنك الدولي، وتواصل السُّلطات البوروندية سياسة القمع والتقييد تجاه مُنظمات المُجتمع المدني، علاوةً على ذلك، تواجه البلاد ضغوطًا دوليَّة جراء سمعتها السيئة في مجال حقوق الإنسان، نتيجة أعمال الترهيب والمضايقة والاعتقالات التعسفية والاعتداءات الجسدية بحق رموز المُعارضة والنشطاء السياسيين، والتقييد المُمنهج لوسائل الإعلام في سياق سعي السُّلطات البوروندية لحجب أيّ معلومات تعتبرها حساسة أو مُعادية لها([4]).
ولا شك أنَّ هذه الأوضاع السياسيَّة والاجتماعيَّة المُضطربة، وكذلك المُمارسات الحكومية التي تُعزز ديكتاتورية السُلطة وتشجّع سياسة الإفلات من العقاب، ستكون لها تداعياتها السلبية والمُباشرة على المشهد الانتخابي في بوروندي، كونها ستُغذّي مناخًا واسعًا من الخوف، مما يُعيق فرص المُشاركة ويُضعف نزاهة ومصداقية العملية الانتخابيَّة برمتها، فالمناخ الديمقراطي لا يُمكن أن يزدهر إلا في ظل التعددية السياسيَّة، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء.
ثالثًا: الانتخابات التشريعيَّة البوروندية لعام 2020م
عُقدت الانتخابات التشريعيَّة وانتخابات المجالس المحليَّة الماضية في مايو 2020م، تزامنًا مع إجراء الانتخابات الرئاسيَّة وسط تجاهل تهديدات جائحة فيروس كورونا، وقد أجريت هذه الانتخابات في ظل أجواء مشحونة بالتوتر والعنف؛ حيث اتُّهِمَت الحكومة بارتكاب أعمال قمع واعتقالات تعسفية وترهيب بحق الناخبين، فضلًا عن حظرها لمواقع التواصل الاجتماعي، كما جرت الانتخابات دون وجود مراقبين دوليين مُستقلين؛ لذا وُصفت مِن قِبَل المُعارضة بالفشل والتحيز مِن قِبَل مسؤولي الانتخابات لصالح الحزب الحاكم.
في هذه الانتخابات، قدَّم 33 مرشحًا ينتمون إلى 13 حزبًا سياسيًّا وائتلافان، و18 مرشحًا مُستقلًا، ترشيحاتهم لهذه الانتخابات التشريعيَّة، قبلت منهم اللجنة الوطنيَّة المُستقلة للانتخابات 28 ترشيحًا، بعضها عن عموم البلاد، والبعض الآخر عن بعض المُحافظات والأقاليم، وتمكَّن الحزب الحاكم (المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطيَّة- “قوات الدفاع عن الديمقراطيَّة”) من الفوز بنسبة 68.02% بإجمالي 72 مقعدًا، ونال المؤتمر الوطني من أجل الحرية (CNL) 22.43% بواقع 27 مقعدًا، أمَّا الاتحاد من أجل التقدم الوطني (UPRONA) فحلَّ ثالثًا بنسبة 2.44%، وحصد مقعدًا واحدًا فقط([5])، وكذلك شهدت هذه الانتخابات هيمنة الحزب الحاكم على غالبية مقاعد مجلس الشيوخ، بحصده نحو 87.5% من المقاعد، يليه المؤتمر الوطني من أجل الحرية، والاتحاد من أجل التقدم الوطني، وحصل كل منهما على 2.5% من المقاعد.
وبحسب تقارير صادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش، فإنَّ الانتخابات التشريعيَّة البوروندية لعام 2020م شهدت حدوث مخالفات جسيمة، بما في ذلك حشو صناديق الاقتراع، وأفادت تلك التقارير أنَّ وكلاء الاقتراع أو المندوبين التابعين للمؤتمر الوطني من أجل الحرية مُنعوا من الوصول إلى مراكز الاقتراع، وفي بعض الحالات تعرضوا للاعتقال، وأضافت أنَّ بعض العناصر التابعة للحزب الحاكم كانت حاضرةً في مراكز الاقتراع، وشرعت في ترهيب الناخبين، بينما غضَّ مسؤولو الانتخابات والشرطة الطرف عن أعمال المُضايقات والترهيب بحق الناخبين([6]).
رابعًا: اتهامات بتقويض المنافسة وتحييد المعارضة
ومع بدء الانتخابات التشريعيَّة 2025، تواجه حكومة بوروندي والحزب الحاكم اتهامات مِن قِبَل المُعارضة بمُحاولة تقويض المُنافسة الحزبيَّة وتحييد المُعارضة، تأتي هذه الاتهامات نتيجة قرار اللجنة الانتخابيَّة الوطنيَّة المُستقلة في بوروندي (CENI)، في ديسمبر 2024م، رفض جميع المُرشحين من القوائم التي قدَّمها ائتلاف من أربعة أحزاب سياسيَّة، يُعرف باسم «بوروندي بوا بوس»، أو «بوروندي للجميع»، لخوض سباق الانتخابات التشريعيَّة، وأرجعت اللجنة الوطنيَّة المُستقلة للانتخابات قرارها إلى وجود ثلاثة نواب في الجمعية الوطنيَّة يُمثلون حزب المؤتمر الوطني من أجل الحرية، وأنَّ هذا الأخير ليس عضوًا في الائتلاف، الأمر الذي يُعد مخالفًا للمادة 112 من قانون الانتخابات والمادة 7 من قانون الأحزاب السياسيَّة في بوروندي([7]).
ويُعد أغاثون رواسا Agathon Rwasa من أبرز المُعارضين الذين استهدفهم قرار اللجنة الانتخابيَّة الوطنيَّة بالإبعاد من سباق الانتخابات التشريعيَّة، وكان “رواسا” رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني من أجل الحرية قبل أن يتمكن معارضون مدعومون من الحكومة من إقالته من قيادة الحزب في مارس 2024م بتهمة الفساد ليخلفه في قيادة الحزب نيستور جيروكويشاكا Nestor Girokewishaka، وخلال الانتخابات الرئاسيَّة الأخيرة عام 2020م، حلّ “رواسا” ثانيًا؛ حيث حصل على 24.19% من إجمالي الأصوات، في حين فاز مُرشح الحزب الحاكم إيفاريست ندايشيميي Évariste Ndayishimiye بأغلبية ساحقة.
جاء قرار اللجنة الوطنيَّة الانتخابيَّة، الذي أيدته المحكمة الدستوريَّة، بعد الإعلان عن مرسومٍ يُحظر بِموجبه على المُرشحين المُستقلين الترشح للانتخابات التشريعيَّة ما لم يكونوا أعضاءً في حزب سياسي لمدة عام على الأقل، وعليه لن يتمكن العضو السابق في الهيئة الإداريَّة لأيّ حزب من الترشح للانتخابات إلا بعد انقضاء عامين على استقالته أو فصله من حزبه السياسي([8]).
تعكس هذه القرارات التي اتخذتها اللجنة الوطنيَّة الانتخابيَّة وصادقت عليها المحكمة الدستوريَّة للبلاد رغبة الحزب الحكم في تحييد المُعارضة، والقضاء على أيّ شكل للمنافسة السياسيَّة أو الحزبيَّة قُبيل إجراء الانتخابات؛ خوفًا من القوة المُتنامية لأحزاب المُعارضة التي بات يُنظَر لها مِن قِبَل شريحة عريضة من المدنيين بوصفها البديل السياسي لتجاوز التحديات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي تُعاني منها البلاد.
خاتمة:
تحوَّلت الانتخابات في بوروندي من كونها السبيل الشرعي الوحيد لتحقيق الوصول الديمقراطي إلى السُّلطة وتجنب عودة الصراعات العرقيَّة بين الهوتو والتوتسي إلى أداةٍ بيد الحزب الحاكم لتوطيد قبضته على مفاصل الدولة وإقصاء المُعارضة بشكل دستوري، ولا يبدو أنَّ الانتخابات التشريعيَّة المُقرَّر عقدها في يونيو الجاري ستختلف نتائجها عما انتهت إليه الانتخابات الماضية؛ فمن المتوقع أن يُهيمن حزب المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية الحاكم على نتائج الانتخابات بصورة كبيرة، ويُكرّس وجوده على رأس السُّلطة كما اعتاد أن يفعل مُنذ إجراء أول انتخابات ديمقراطيَّة تلت انتهاء الحرب الأهليَّة عام 2005م، الأمر الذي يُثير تساؤلات جوهرية حول شفافية الانتخابات ونزاهتها السياسيَّة، لا سيَّما في ظل استبعاد العديد من مُرشحي المُعارضة الرئيسيين مِن قِبَل اللجنة الانتخابيَّة الوطنيَّة، واستمرار الحكومة في نَهْجها إزاء أحزاب المُعارضة، وتقييد كافة المُمارسات التي من شأنها أن تُوحي بوجود نظام ديمقراطي حتى وإن بدا شكليَّا.
………………………….
([1]) National Assembly of Burundi, Aziza Nigeria, 23 August 2023, available at: https://2u.pw/0ssqX
([2])Republic of Burundi: Election for Inama Nkenguzamateka, Election Guide, 24 July 2015, available at: https://2u.pw/vCdap
([3]) شمس التميمي، “الانتخابات التشريعية في بوروندي: بين الأولويات المحلية والتنافس الإقليمي”، نيلوتيك بوست، 24 مايو 2025م، متاح على https://2u.pw/cks53
([4]) هشام قدري أحمد، “عقدان من السلام: أين وصلت بوروندي اليوم بعد عشرين عامًا من نهاية الحرب الأهليَّة؟”، قراءات إفريقيَّة، 15 مايو 2025م، متاح على https://2u.pw/WmxKR
([5])Ndayizeye Jean Bosco, Assemblée Nationale du Burundi, 13 January 2022, available at: https://2u.pw/z49CM
([6]) Burundi: Intimidation, Arrests During Elections, Human Rights Watch, 1 June 2020, available at: https://2u.pw/i6Auc
([7]) Key opposition figures banned from upcoming elections in Burundi, Amjambo Africa, 20 February 2025, available at: https://2u.pw/q6ZcE