بعد سلسلة من المفاوضات المعقَّدة والممتدة على مدار عدة أشهر؛ توصلت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف المتمردين المعروف بـ”تحالف نهر الكونغو” (AFC) بقيادة حركة 23 مارس (M23)، إلى توقيع “إعلان مبادئ” برعاية قطرية، وبدعم أمريكي، في العاصمة القطرية الدوحة، يوم السبت 19 يوليو الجاري([1]).
ويحمل “إعلان المبادئ” أول التزام مباشر من كلا الطرفين –منذ سيطرة المتمردين على مدينتي جوما وبوكافو في شرق الكونغو، خلال يناير وفبراير 2025م–، بوقف دائم لإطلاق النار، ما يُمثّل خطوة محورية في مسار جهود إحلال السلام والمصالحة الوطنية، وتهدئة أحد أكثر الصراعات دموية وتعقيدًا في منطقة البحيرات العظمى.
ومن المقرَّر توقيع “اتفاق سلام” نهائي، بحسب وثيقة إعلان الدوحة([2])، في موعد أقصاه 18 أغسطس المقبل، بما يتوافق مع اتفاق السلام المُبرَم بين الكونغو ورواندا برعاية أمريكية أواخر يونيو الماضي؛ حيث يتناول “إعلان المبادئ” معظم النقاط البارزة في اتفاق السلام بين كينشاسا وكيجالي([3])، بما في ذلك استعادة سلطة الدولة، وعودة ملايين النازحين ممن فرُّوا من مناطق الصراع المسلح.
وبالنظر إلى ما يمثله “إعلان المبادئ” من لحظة فارقة في مسار الصراع الكونغولي المزمن، وما يكتسبه من أهمية كونه يشير إلى انفتاح نادر في موقف الدولة والمتمردين، تفتح الباب أمام عملية سياسية كان يُنظَر إليها حتى وقت وقريب على أنها مستحيلة، نظرًا للتركيبة المعقَّدة للصراع وتعدُّد الفاعلين فيه؛ تسعى هذه الورقة إلى تفكيك بنود وثيقة “إعلان مبادئ”، وتقييم مدى واقعيتها كأداة للانتقال من حالة الحرب إلى السلام في شرق الكونغو الديمقراطية، وتحليل فرص وتحديات التوصل إلى تسوية شاملة بين الحكومة الكونغولية وتحالف المتمردين بقيادة حركة 23 مارس.
طريق السلام مفروش بالمعادن:
شهدت الأشهر الأخيرة حراكًا دبلوماسيًّا نشطًا ومبادرات في رعاية السلام بين الأطراف المنخرطة في صراع شرق الكونغو، مِن قِبَل الولايات المتحدة، وقطر، والاتحاد الإفريقي، ومجموعة دول شرق إفريقيا(EAC) ، ومجموعة التنمية للجنوب الإفريقي .(SADC)
وجاء هذا الحراك عقب انهيار مباحثات توسطت فيها أنجولا –أحد أبرز رعاة جهود السلام في الأزمة الكونغولية– بين كينشاسا والمتمردين، بعد أن انسحب تحالف المتمردين قبل ساعات من انطلاق المباحثات في مارس الماضي؛ ردًّا على فرض الاتحاد الأوروبي آنذاك عقوبات على عدد من قادة رواندا والمتمردين، بالتزامن مع ترحيب الحكومة الكونغولية بالمشاركة في “طاولة مباحثات لواندا” وكذا “العقوبات الأوروبية”([4]).
وبدعم من رواندا المجاورة، بحسب تقارير أممية، تُعدّ “23 مارس” أبرز حركة مسلحة من بين 266 حركة محلية وأجنبية تنشط في شرق الكونغو الغني بالمعادن([5])، واعتبارًا من أكتوبر 2023م، وصل عدد النازحين داخليًّا قرابة 7 ملايين نازح 81% منهم في المقاطعات الشرقية في شمال كيفو وجنوب كيفو وإيتوري وتنجانيقا، وأفادت المنظمات الأممية المعنية أن الصراع بين الحكومة والمتمردين هو السبب الرئيسي للنزوح.([6])
وإلى جانب “رواسب ومظالم إثنية تاريخية” تعود إلى زمن الإبادة الجماعية في رواندا التي راح ضحيتها قرابة مليون شخص معظمهم من أقلية “التوتسي” التي ينتمي إليها الرئيس الرواندي بول كاجامي، منتصف التسعينيات و”ادعاءات” حركة 23 مارس بأنها تُقاتل دفاعًا عن مجتمعات التوتسي في شرق الكونغو، أضافت ثروات المنطقة عاملاً محوريًّا في تعقيد الصراع، خاصةً مع تمتعها بحوالي 80% من احتياطيات معدن الكولتان في العالم، وهو معدن مُهِمّ في صناعة جميع الأجهزة الإلكترونية، إلى جانب الذهب والألماس والكوبالت والمعادن النادرة الأخرى.
وفي هذا السياق، برزت أبعاد دولية للصراع، لا سيما في ظل التنافس الأمريكي الصيني على الموارد؛ حيث لعبت الشركات الصينية دورًا رئيسيًّا في قطاع التعدين الكونغولي لسنوات، في حين تسعى واشنطن إلى تقليص هذا النفوذ من خلال اتفاقيات مثل “اتفاق المعادن” المزمع توقيعه مع الحكومة الكونغولية، في إطار أوسع لإعادة تشكيل خارطة النفوذ الاستراتيجي في إفريقيا.([7])
قراءة في بنود وثيقة “إعلان المبادئ”:
يُعد اتفاق المبادئ “وثيقة أولية غير ملزمة قانونًا بشكل كامل” للأطراف الموقّعة عليه، إلا أنه يبقى مؤشرًا على انفراجة حقيقية للأوضاع الأمنية في شرق البلاد، ووضع حدٍّ لأحد أخطر الصراعات التاريخية في منطقة البحيرات العظمى، علاوة على كونه جاء مدعومًا بتوصل كينشاسا وكيجالي لاتفاق سلام تاريخي، برعاية أمريكية.
وتحمل وثيقة “إعلان المبادئ” سبعة نقاط رئيسية:
1- المبادئ العامة.
2- وقف دائم لإطلاق النار.
3- إجراءات بناء الثقة.
4- استعادة السلطة الحكومية.
5- عودة النازحين واللاجئين.
6- بعثة الأمم المتحدة والآليات الإقليمية.
7- اتفاق السلام.
تُسلّط هذه النقاط، بما تتضمنه من تفاصيل، الضوء على الركائز التي يُبنَى عليها اتفاق السلام المزمع توقيعه في 18 أغسطس المقبل، وقد حملت بنود الوثيقة -في مجملها-، معظم بنود اتفاق السلام الكونغولي الرواندي، ما يُعزّز الارتباط الوثيق بينهما، سواء من حيث الأطراف المعنية والفاعلة أو الجهات الراعية، لذلك؛ يُعدّ الاتفاقان متكاملين، ويستلزم عند قراءة وتحليل أحدهما النظر في الآخر بصورة متزامنة.
وفي سياق تقديم قراءة نقدية لبنود وثيقة إعلان المبادئ، نستعرض أولاً نصّ كلّ نقطة رئيسية ببنودها التفصيلية، يليها تحليل يهدف إلى تفكيك مضمونها وتقييم أبعادها السياسية والأمنية.
1- المبادئ العامة
- يقر الطرفان بأن السلام الدائم يشكل الأساس الضروري لبناء أمة موحدة ومزدهرة وآمنة لصالح شعب جمهورية الكونغو الديمقراطية.
- استنادًا إلى المبادئ الأساسية لدستور جمهورية الكونغو الديمقراطية، وميثاق الاتحاد الإفريقي، وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، وكذلك القانون الدولي، يؤكد الطرفان التزامهما بحل النزاع بوسائل سلمية، مع الحرص على حماية المدنيين.
- يلتزم الطرفان بالتعاون الكامل مع المنظمات الإقليمية والدولية لضمان حماية المدنيين ودعم تنفيذ هذا الإعلان.
- يتفق الطرفان على تفضيل الحوار والتفاوض لتسوية الخلافات، بدلاً من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وفقًا للإطار المشترك لـ”مجموعة شرق إفريقيا” و”مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي”.
- يلتزم الطرفان بتجاوز أسباب النزاع، والعمل من أجل تجديد التفاهم المشترك، وتحقيق المصالحة وتعزيز الاستقرار الدائم.
- يتعهد الطرفان بتجاوز الانقسامات التي تضعف الوحدة الوطنية، والعمل على تحسين ظروف المعيشة ورفض جميع أشكال الخطاب التحريضي أو اللاإنساني، ضمن رؤية قائمة على السلام والمصالحة.
- يؤكد الطرفان التزامهما بوحدة الأراضي والسيادة الوطنية لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
- يُعيد الطرفان التأكيد على الالتزامات التي تم التعهد بها في “الإعلان المشترك” الصادر بتاريخ 23 أبريل 2025م.
تؤسِّس بنود النقطة الرئيسية الأولى من الوثيقة الأُطُر المرجعية التي تُشكِّل مرتكزات عملية السلام التفاوضية المزمع التوقيع عليها الشهر المقبل؛ حيث تُسلّط الضوء على مركزية السلام الدائم والسيادة وشرعية النظام واحترام الدستور والقوانين الدولية كشرط لبناء دولة موحدة وآمنة.
وتُعدّ عبارات “الشرعية” و”السيادة” و”ووحدة الأراضي” بمثابة ردٍّ استباقي على أيّ تأويلات تتعلق بمنح شرعية للسيطرة الفعلية التي قد تفرضها حركة 23 مارس على بعض المناطق، كما أنها تبدو رسالة ضمنية إلى رواندا بأن مبدأ السيادة الوطنية غير قابل للمساومة.
ويشير تعهد الطرفين بتجاوز أسباب النزاع، وتحقيق مصالحة وطنية، والعمل على تحسين الظروف المعيشة، ومواجهة خطابات الكراهية والتحريض، إلى وعي بأن النزاع ليس عسكريًّا، بل له جذور اجتماعية واقتصادية وثقافية، تتطلب معالجة متعددة الأبعاد، بما في ذلك إعادة بناء النسيج المجتمعي، ومعالجة المظالم الإثنية التاريخية.
2- وقف إطلاق نار دائم
- يقر الطرفان بأن السلام، والأمن، والاستقرار، شروط أساسية للتنمية، وتحسين ظروف المعيشة، وصون كرامة الإنسان.
- يؤكد الطرفان مجددًا التزامهما بوقف دائم لإطلاق النار، ويتضمن ذلك حظر الأعمال التالية:
– الهجمات الجوية، البرية، البحرية أو النهرية، من أيّ نوع، وكذلك أيّ أعمال تخريبية.
– نشر الدعاية الحاقدة أو الخطابات التحريضية التي تدعو إلى العنف.
– أي محاولة للغزو أو تغيير المواقع بالقوة على الأرض تُعتبر خرقًا لوقف إطلاق النار.
- يلتزم الطرفان بضمان تطبيق وقف إطلاق النار على جميع القوى المشاركة في النزاع، وسيتم وضع آلية مشتركة للمراقبة والتحقق لتحديد شروط وقف إطلاق النار وضمان تنفيذه الفعلي.
- يتعهد الطرفان بالامتناع عن أيّ عمل أو تصريح أو سلوك قد يعرقل حسن سير عملية وقف إطلاق النار.
تمثل بنود النقطة الرئيسية الثانية، خطوة إيجابية على مستوى النوايا المعلنة، وتَعكس توجهًا نحو تسوية الصراع بشكل سلمي، مع شمولية تدابير السلام؛ حيث لم تقتصر على حظر الأعمال العسكري فحسب، بل أيضًا الدعاية التحريضية التي تُؤجّج الصراع، وإن كانت صيغة مطاطة، قد تُستخدم لتقييد حرية التعبير، إلا أنها قد تبدو مناسبة في السياق الأمني الذي تعيشه الكونغو الديمقراطية حاليًّا.
ولتوضيح مدى أهمية حظر الدعاية التحريضية، يمكن الاستدلال بتجربة رواندا المجاورة، حين حظرت الحديث عن الإبادة الجماعية والتوترات العرقية بين “الهوتو” و”التوتسي”، باعتبار السلم الاجتماعي ضرورة قصوى لإعادة بناء المجتمعات التي تعاني من فترات طويلة من الانقسامات والمظالم الإثنية؛ إذ ساهم حظر الدعاية التحريضية -إلى جانب أمور أخرى-، في تحقيق نظام كاجامي درجة نادرة من الاستقرار والسلامة العامة في منطقة فرعية تعاني من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية.([8])
مع ذلك، فإن الصياغة العامة لهذه البنود، تطرح مخاوف من تكرار نمط الاتفاقات والمبادرات الشكلية السابقة، التي سرعان ما انهارت أمام أول اختبار ميداني حقيقي.
ومع عدم وضوح ضمانات تنفيذ وقف النار؛ بالنظر إلى غياب تفاصيل طبيعة “آلية المراقبة المشتركة” والجهة المخوّلة بالإشراف عليها، ونوعية العقوبات حال الإخلال بهذه البنود؛ ثمة ضرورة بأن تعمل الجهات المخوّلة بالتوصل إلى اتفاق السلام على ربطه بخطة تنفيذ مفصلة، وآليات مراقبة محايدة، وأطر قانونية تقيد تأويلاته، وتخضعه للمساءلة؛ لضمان فعالية الاتفاق مستقبلاً
3- إجراءات بناء الثقة
- يتعهد الطرفان باتخاذ مبادرات ملموسة لطمأنة سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية وتهيئة مناخ مناسب لحوار بنّاء بهدف الوصول إلى سلام دائم.
- يعترف الطرفان بأهمية وإلحاح تنفيذ كل إجراء من إجراءات بناء الثقة، مشددين على دورها الحاسم في تعزيز الثقة المتبادلة واستكمال مسار السلام.
- يتعهد الطرفان بتوفير الشروط اللازمة لتطبيق فعَّال لهذه الإجراءات، لا سيما: وضع آلية، بتيسير من اللجنة الدولية للصليب الأحمر (CICR) ووفقًا للقانون الكونغولي، تسمح بتنظيم إطلاق سراح السجناء أو المحتجزين ذوي الصلة والمحتجزين من أيّ من الطرفين.
تحمل هذه البنود تحولاً إيجابيًّا في إدراك أهمية الثقة كمدخل لاتفاق سلام؛ إلا أن غياب التحديد والاختزال وافتقار التنفيذ لضمانات مؤسسية مستقلة تُضْعِف فعاليته، كما أن الإجراءات المقترحة تبدو فضفاضة مقارنة بعمق الصراع وجذوره التاريخية.
4- استعادة السلطة الحكومية
- يعترف الطرفان بأن استعادة سلطة الدولة تُعدّ نتيجة منطقية لتسوية فعَّالة لأسباب النزاع، عبر اتفاق سلام دائم.
- يتفق الطرفان على أن إعادة فرض السلطة الكاملة للدولة على كامل التراب الوطني تُعدّ ركيزة أساسية لاتفاق السلام.
- يُحدّد هذا الاتفاق الوسائل والمراحل والجدول الزمني لهذه العملية.
تشير هذه البنود إلى توافق الطرفين على أن استعادة سلطة الدولة “نتيجة منطقية” لأيّ تسوية ناجحة، وهو ما يمثل قبولاً ضمنيًّا من حركة 23 مارس بشرعية حكومة كينشاسا وسيادتها على التراب الوطني، في مقابل مطالب الانفصال أو الحكم الذاتي، بما يُعدّ تطورًا سياسيًّا مهمًّا.
وفي حين تحمل البنود في ظاهرها خطوة مهمة نحو إعادة السيادة الوطنية ووحدة الدولة، ستوضح إجراءات المستقبل المنظور مدى قدرة الأطراف المعنية على تنظيم عملية تدريجية ومدروسة لاستعادة سلطة الدولة على مناطق الصراع.
5- عودة النازحين واللاجئين
- يلتزم الطرفان بتسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين والنازحين داخليًّا إلى مناطقهم الأصلية أو بلدانهم الأصلية، بما يتماشى مع الاتفاق الثلاثي بين جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودول اللجوء، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين .(UNHCR)
- ستُجرَى هذه العملية مع الالتزام التام بالقانون الدولي الإنساني والمعايير الخاصة بحماية النازحين.
ينص البندان صراحةً على الالتزام بتسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة للنازحين واللاجئين، وهو ما يتماشى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، لا سيما المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي وممارسات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وتمنح الإشارة إلى الاتفاق الثلاثي بين الكونغو الديمقراطية ودول اللجوء ومفوضية اللاجئين، إطارًا قانونيًّا وتنفيذيًّا جاهزًا، مما يفترض أن يقلل من فرص المماطلة أو الغموض في التطبيق، علاوة على ذلك يضفي الامتثال للقانون الدولي الإنساني طابعًا حقوقيًّا وأخلاقيًّا، ويفترض أن يمنع أيّ عمليات “توطين قسري” أو إقصاء جماعي على أُسُس عرقية أو سياسية.
مع ذلك، لم يوضح البند من هي الجهة المسؤولة عن التنفيذ أو المتابعة أو التقييم، ما يترك التنفيذ عرضة للتسويف أو الاستخدام السياسي، خصوصًا مِن قِبَل أطراف محلية فاعلة قد تعارض عودة فئات معينة، ولم تتضمن هذه البنود أيضًا أي ذِكْر لمشاركة المجتمعات المحلية في استقبال العائدين أو ضمان الأمن لهم، ما يُهدّد بإعادة إنتاج بؤر التوتر والصراع.
كما يغفل الأسباب الأصلية للنزوح؛ حيث لم يُشِر إلى الانتهاكات أو العنف الجماعي والتهجير القسري والتطهير العرقي، التي سبق أن تم توثيقها مِن قِبَل المنظمات الدولية والحقوقية، دون أن تُقدّم الوثيقة التزامًا بتوفير تعويضات أو مساعدات لإعادة الاندماج الوطني، ورغم ذِكْر “النازحين داخليًّا”، إلا أن الاتفاق لم يفرق بين النازحين الجدد بفعل العمليات المسلحة الأخيرة ونازحي المخيمات طويلة الأمد.
6- بعثة الأمم المتحدة والآليات الإقليمية
- يلتزم الطرفان، من حيث المبدأ، بحماية السكان المدنيين وتيسير تنفيذ وقف إطلاق النار، بدعم من بعثة الأمم المتحدة في الكونغو (MONUSCO) والآليات الإقليمية، عند الحاجة، من خلال آلية التحقق المتفق عليها.
يشير البند بوضوح إلى قبول الطرفين بوجود دور داعم للبعثة الأممية والآليات الإقليمية، مع ذلك، تضعف عبارة “من حيث المبدأ” من قوة الالتزام؛ فهي تُبقِي الباب مفتوحًا للتنصل بحجة السياق أو التقدير الذاتي.
ولم يُحدّد البند طبيعة “الآليات الإقليمية”، ولا من هي الدول أو الأطراف المعنية بها، مما قد يُؤدّي إلى خلافات لاحقة حول شرعية الدور الإقليمي، مثل مجموعتي الجنوب والشرق الإفريقي، أو أطراف مثل رواندا وأوغندا المتهمة بالتدخل، كما لم يتطرق إلى دور البعثة الأممية المثير للجدل، خصوصًا وأن البعثة عادة ما تعرَّضت لانتقادات شعبية وحكومية داخل الكونغو الديمقراطية، بسبب فشلها في حماية المدنيين ومحدودية تدخلها ضد المجموعات المسلحة.
7- اتفاق السلام
- يعترف الطرفان بأهمية اتفاق سلام يهدف إلى ضمان الأمن، والتنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان لشعب جمهورية الكونغو الديمقراطية.
- كما يشدّد الطرفان على أن هذا الاتفاق يجب أن يسمح بعودة اللاجئين الكريمة والآمنة، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاع.
- يلتزم الطرفان بتطبيق أحكام هذا الإعلان فور التوقيع عليه، وبحد أقصى في 29 يوليو 2025م.
- يتفق الطرفان على الشروع في مفاوضات مباشرة فورًا بعد تنفيذ الالتزامات الواردة في هذا الإعلان، بهدف بدء مناقشات حول اتفاق سلام، في موعد أقصاه 8 أغسطس 2025م.
- ستندرج هذه المفاوضات ضمن إطار اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا، الموقّع في واشنطن في 27 يونيو 2025م.
- يلتزم الطرفان بإجراء مفاوضات من أجل اتفاق سلام شامل بروح من المسؤولية والتعاون والتفاهم، بهدف الوصول إلى توافق وتوقيع الاتفاق في موعد أقصاه 17 أغسطس 2025م.
- يُعبِّر الطرفان عن عميق شكرهما لدولة قطر لدورها الحاسم في تيسير الحوار الذي أدَّى إلى إعلان المبادئ هذا.
- كما يُثمِّن الطرفان دعم الولايات المتحدة الأمريكية للعملية السلمية التي جرت في الدوحة.
- يُحيِّي الطرفان الجهود المتواصلة للاتحاد الإفريقي، المنخرط منذ بداية العملية، ويُجدّدان تقديرهما لالتزامه الدائم بدعم الاستقرار والمصالحة في المنطقة.
تُعدّ بنود النقطة السابعة والأخيرة من إعلان المبادئ جوهرية في رسم خارطة الطريق نحو التسوية، وهي من الناحية الشكلية متقدمة مقارنة ببنود اتفاقات سابقة، خصوصًا من حيث الجدول الزمني وربط العملية بالسياق الإقليمي والدولي، لكنها تبقى هشةً من حيث غياب ضمانات التنفيذ، وآليات التحقق، والتفاصيل الإجرائية، والتضمين الفِعْلي لكافة الفاعلين المحليين، كما تبدو صياغة عبارات مثل “بروح من المسؤولية والتفاهم والتعاون” أقرب إلى النوايا الحسنة منها إلى الالتزامات، مما قد يجعل هذه المبادئ غير قابلة للقياس أو المحاسبة.
وتحمل الإشارة إلى أن المفاوضات ستتم في إطار اتفاق السلام بين كيجالي وكينشاسا، اعترافًا بالدور الإقليمي لرواندا في الصراع، كما تُؤسِّس الإشادة بدور قطر والولايات المتحدة، والاتحاد الإفريقي، لشرعية دولية على عملية السلام، وضمان وجود رعاة أو ضامنين لأيّ اتفاق نهائي.
وثمة ملاحظة مهمة تتعلق بغياب الأطراف المحلية الأخرى عن أيّ دور في التوصل إلى سلام مستدام؛ حيث إن وثيقة المبادئ تتحدث بلغة ثنائية (الحكومة الكونغولية وتحالف المتمردين/ 23 مارس)، وتشيد بأدوار دولية، لكنها لم تذكر أيّ دور للمجتمع الكونغو المدني، أو الكنائس التي لها دور ونشاط سياسي لافت هناك، أو الجماعات المحلية الأخرى المتضررة من الصراع.
خاتمة:
إجمالًا، لم تخرج بنود وثيقة “إعلان المبادئ” في الدوحة كثيرًا عن إطار اتفاق السلام المُوقَّع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في واشنطن، بالنظر إلى تقاطع البنود الأساسية بين الوثيقتين، سواء فيما يتعلق بالاعتراف بأهمية إعادة سلطة الدولة، أو الالتزام بوقف النار، أو ترتيب عودة اللاجئين والنازحين، أو الانخراط في مفاوضات لاحقة من أجل سلام دائم.
وقد حافظ “إعلان المبادئ” على اللغة العامة ذاتها، التي تُشدّد على الأبعاد الإنسانية والسياسية دون أن يُقدّم جديدًا ملموسًا في طريقة إدارة الصراع، أو يَطْرح مقاربة مختلفة لطبيعة دور حركة 23 مارس وموقعها ضمن خارطة المشهد السياسي والأمني في شرق الكونغو.
ومع ذلك، فإن وثيقة الدوحة تُعبِّر عن تطور مُهِمّ فيما يخص الإقرار الدولي والإقليمي المتزايد بتداخل المسارات السياسية والأمنية بين الفاعلين المحليين والإقليميين، خصوصًا من خلال ربط المفاوضات الثنائية المستقبلية باتفاق سلام رواندا–الكونغو.
كما أن تأكيد الطرفين على التزامات زمنية محددة يعكس ضغطًا دوليًّا على التسريع بالحل، ما قد يُعدّ تقدمًا نسبيًّا مقارنةً بالاتفاقات السابقة التي افتقرت إلى مثل هذه المحددات، لكن يبقى نجاح هذه المبادئ مرهونًا بمدى توفر الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية والفاعلة، وفعالية الضمانات الدولية، وشمولية العملية التفاوضية لبقية الفاعلين في النزاع.
خلاصة القول: تُمثّل وثيقة “إعلان المبادئ” المُوقَّعة في الدوحة خطوة أولية وضرورية للسلام في شرق الكونغو، لكنّها غير كافية لتعزيز فرص تحقيق السلام؛ فعلى الرغم من أنها تُكرِّس عددًا من المبادئ المتكررة في الاتفاقات السابقة، مثل وقف النار، واستعادة سلطة الدولة، وضمان العودة الآمنة للنازحين، فإنها تظل مُقيَّدة بطابعها العام والإجرائي، من دون أن تُقدِّم معالجة تفصيلية للأسباب الجذرية للصراع، ولا سيما المظالم التاريخية المرتبطة بهوية حركة 23 مارس وعلاقتها بالدولة، كما لم تتضمَّن الوثيقة تصورًا واضحًا لإعادة دَمْج الجماعات المسلحة الأخرى مجتمعيًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، وهو ما يُضْعِف قدرتها على أن تُشكِّل أساسًا صلبًا لاتفاق سلام دائم.
وفي الأخير: قد يُشكِّل تزايد الاهتمام الدولي باستقرار شرق الكونغو في ضوء ثرواته الطبيعية، عنصر ضغط إيجابي لدفع الأطراف المتصارعة نحو حل تفاوضي شامل، وفي هذا السياق، فإن “إعلان المبادئ” يُعدّ فرصة سياسية تحتاج إلى استثمار ذكي مِن قِبَل الأطراف المعنية في المرحلة المقبلة؛ شريطة أن تتحول التعهدات العامة إلى آليات تنفيذية واضحة ترتبط بمساءلة وضمانات دولية فعَّالة.
…………………………
[1] – وزارة الخارجية القطرية، قطر تستضيف توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو/ حركة 23 مارس، الدوحة، 19 يوليو 2025م، على الرابط التالي: https://bit.ly/4f9hl4Y
[2] – نسخة من وثيقة “إعلان المبادئ” متاحة على الرابط التالي: https://x.com/DRCRefugee/status/1946718461012431285
[3] -U.S. Department of State, Peace Agreement Between the Democratic Republic of the Congo and the Republic of Rwanda, 27 June 2025 https://www.state.gov/peace-agreement-between-the-democratic-republic-of-the-congo-and-the-republic-of-rwanda/
[4]– ربيع محمد محمود، العقوبات الأوروبية على رواندا ومتمردي 23 مارس… لغم يفجّر طاولة لواندا!، موقع قراءات إفريقية، 23 مارس 2025م، على الرابط التالي: https://bit.ly/3IXrnd3
[5] Radio Okapi, Est de la RDC : 266 groupes armés locaux et étrangers recensés par le P-DDRCS, 18 April 2023.
Est de la RDC : 266 groupes armés locaux et étrangers recensés par le P-DDRCS | Radio Okapi
[6] International Organization for Migration, Record High Displacement in DRC at Nearly 7 Million, 30 October 2023
https://www.iom.int/news/record-high-displacement-drc-nearly-7-million
[7] – ربيع محمد محمود، الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية من منظور مقاربة مُرّكب الأمن الإقليمي، موقع قراءات إفريقية، 5 فبراير 2025م، ، على الرابط التالي: https://bit.ly/40vCyQr
[8] – ربيع أبو زامل، إشكالية التحول الديمقراطي في رواندا منذ التعديلات الدستورية 2015م.. الجذور والأنماط والمؤشرات، مجلة قراءات إفريقية (لندن: مركز أبحاث جنوب الصحراء، ع 59، يناير 2024م)، ص 41، وص49.