تمهيد:
تتطور التكنولوجيا بسرعة وتؤثر علينا؛ حيث تحل المنتجات وأساليب الإنتاج الجديدة محل القديمة في دورة لا تنتهي. هذا هو أساس النمو الاقتصادي المستدام، الذي يُفضي إلى تحسين مستوى المعيشة والصحة وجودة الحياة للناس.
على الرغم من عقدٍ من النمو القوي، لا تزال إفريقيا جنوب الصحراء تُواجه عددًا من التحديات الاجتماعية والاقتصادية. تتراوح بين الوصول إلى التعليم، والكهرباء، والمياه النظيفة، وخلق فرص العمل، والبنية التحتية العامة. فضلاً عن تحديات تغيُّر المناخ والأوبئة، وغيرها. وبينما لا يوجد حلٌّ سحري، فإن كلمة واحدة تُلْهِم الملايين: “الابتكار”. وقد تمحورت بحوث جائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام حول موضوع “النمو المستدام من خلال التدمير الخلاق”.
وقد أردت من خلال تلك المقالة التعرف على دور الابتكار في النمو المستدام في إفريقيا جنوب الصحراء، من خلال عدسة هذه النظرية، متناولاً النقاط التالية:
أولًا: نظرية النمو المستدام من خلال التدمير الخلاق.
ثانيًا: الابتكار والتنمية في إفريقيا جنوب الصحراء.
ثالثًا: التنمية والابتكار في إفريقيا جنوب الصحراء… التحديات والحلول المقترحة.
أولاً: نظرية النمو المستدام من خلال التدمير الخلاق
درات جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2025م حول كيفية تحفيز التكنولوجيا للنمو المستدام. على مدار القرنين الماضيين، ولأول مرة في التاريخ، شهد العالم نموًّا اقتصاديًّا مستدامًا. وقد أدى ذلك إلى انتشال أعداد هائلة من الناس من براثن الفقر، ووضع أُسُس الازدهار. وقد شرح الفائزون بجائزة هذا العام في العلوم الاقتصادية، جويل موكير، وفيليب أغيون، وبيتر هاويت، كيف يُوفِّر الابتكار الزخم لمزيد من التقدم.
استخدم جويل موكير المصادر التاريخية وسيلةً لكشف أسباب تحوُّل النمو المستدام إلى الوضع الطبيعي الجديد. وأوضح أنه إذا أردنا للابتكارات أن تتعاقب في عملية ذاتية التوليد، فإننا لا نحتاج فقط إلى معرفة أن شيئًا ما يعمل، بل نحتاج أيضًا إلى تفسيرات علمية لأسباب ذلك. وكان هذا التفسير غالبًا ما يَغيب قبل الثورة الصناعية، مما صعَّب البناء على الاكتشافات والاختراعات الجديدة. كما أكَّد على أهمية انفتاح المجتمع على الأفكار الجديدة والسماح بالتغيير.
كما درس فيليب أجيون وبيتر هاويت الآليات الكامنة وراء النمو المستدام. ففي مقال نُشِرَ عام ١٩٩٢م، وضعوا نموذجًا رياضيًّا لما يُسمَّى بالتدمير الإبداعي: عندما يدخل مُنتَج جديد ومُحسَّن السوق، تَخْسر الشركات التي تبيع المنتجات القديمة. يُمثِّل الابتكار شيئًا جديدًا، وبالتالي فهو إبداعي. ومع ذلك، فهو مُدمِّر أيضًا؛ حيث تُهزَم الشركة التي تُصبح تقنيتها قديمة في المنافسة.
بطرق مختلفة، يُظهر الفائزون بالجائزة كيف يُنشئ التدمير الإبداعي صراعات يجب إدارتها بطريقة بنَّاءة. وإلا، ستُعيق الشركات الراسخة وجماعات المصالح الابتكار، مما يُعرّضها لخطر التخلف.([1])
تُحدث الثورة الرقمية المستمرة تحولات في الاقتصادات وتُحفِّز الابتكار في جميع القطاعات. ويتطلب التحول الرقمي لجميع عناصر اقتصاد القارة حلولًا مُبتكَرة وإستراتيجيات تمويل شاملة. ولكي تُحقّق إفريقيا إمكاناتها الحقيقية، يجب تمكين شعبها بالكفاءات الرقمية اللازمة. والوصول إلى الأدوات والتقنيات الرقمية، مع العمل في بيئة تنظيمية تحمي سلامة ومصالح جميع الناس.
وعند النظر في تاريخ الإنترنت والابتكار الرقمي؛ نجد القليل من الكتابات عن دور إفريقيا. على الرغم من أن نسبة الأمية بين البالغين في إفريقيا جنوب الصحراء بلغت 34.7% في عام 2019م، إلا أن الابتكار اتخذ أشكالًا مختلفة بفضل ثراء ثقافتها وأسلوب حياتها.
يعود تاريخ الحوسبة في إفريقيا إلى عام ١٩٢١م عندما استلمت جنوب إفريقيا أول جهاز جدولة من شركة الحوسبة والجدولة والتسجيل آنذاك، والتي أصبحت فيما بعد شركة “آي بي إم”. وفي وقت لاحق، نُشرت عدة وحدات في البلاد، وبحلول عام ١٩٥٩م، قامت “آي بي إم” بتركيب أول نظام فِعْلي لمعالجة البيانات في جوهانسبرغ. وبعد بضع سنوات، استلم المركز الإفريقي للمعلوماتية في رواندا أول جهاز حاسوب في إفريقيا عام ١٩٨٠م، مما مهَّد الطريق لاعتماد الإنترنت.
تشهد أرقام اشتراكات خدمات الهاتف المحمول في إفريقيا اليوم ارتفاعًا هائلاً. ومن المتوقع أن يشترك ٦١٥ مليون مستخدم في إفريقيا جنوب الصحراء في خدمات الهاتف المحمول بنهاية عام ٢٠٢٥م.([2])
وعند النظر في موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في أحدث إصدارات مؤشر الابتكار العالمي نجد أنه على عكس أدائها في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024م، فقد تقدَّمت المنطقة بشكل عام، وأيضًا مقارنةً بالأداء العالمي، الذي تراجَع قليلاً، وقد كان هذا التحسُّن راجعًا إلى الفوارق التي أحدثتها بعض بلدان المنطقة، على مستوى الأداء الابتكاري، وفي ركائز المؤسسات وتطور السوق وتطور الأعمال على وجه الخصوص، فضلاً عن انضمام بلدان جديدة من بينها سيشيل التي تتمتع بمكانة مرموقة في المجال الابتكاري، ولتحسّن من درجات المنطقة. فضلاً عن تحسُّن الأداء الابتكاري في عشرة اقتصادات في المنطقة من بين (31) دولة شملها التقرير، أي تحسُّن نحو ثلث البلدان، مع تراجع القليل منها. إلا أن المنطقة لا تشمل أيًّا من التجمعات الابتكارية العالمية حتى الآن.
وقد جاءت موريشيوس وجنوب إفريقيا في المقدمة كالعادة، لتلتحق بهما سيشيل وبتسوانا والسنغال، مع تفرد بعض البلدان بالتفوق في بعض الركائز؛ حيث تبرز نيجيريا كواحدة من أسرع دول المنطقة تقدُّمًا في عام ٢٠٢٥م. وتحتل المرتبة الأولى عالميًّا في تقييم الشركات الناشئة (يونيكورن)، أما ناميبيا فقد سجَّلت أكبر تحسُّن في المنطقة، بتقدمها 11 مركزًا. غير أن هذا التقدم يتطلب الحفاظ على زخم الاكتشاف العلمي مع معالجة التوزيع غير المتكافئ للفوائد والتحديات البيئية المُلحة التي يجب أن يُساعد الابتكار في حلها.([3])
ثانيًا: الابتكار والتنمية في إفريقيا جنوب الصحراء
في العقود الأخيرة، أصبح الابتكار مُحرِّكًا رئيسيًّا للنمو الاقتصادي. وعند دراسة العلاقة بين الابتكار والنمو الاقتصادي في 32 دولة إفريقية من عام 2006م إلى عام 2017م. أظهرت النتائج وجود ارتباط إيجابي بين مؤشر الابتكار والنمو الاقتصادي. وظلت هذه النتيجة صحيحة حتى عند النظر في نفقات البحث والتطوير (المقياس التقليدي للابتكار) لعدد قليل من الدول. كما وُجد أن الاستثمار المحلي ورأس المال البشري شجَّعا النمو الاقتصادي. وبناءً على هذه النتائج، يجب أن تقدم الدول الإفريقية الدعم المالي والمادي للبحث والتطوير في المؤسسات العامة والخاصة من خلال التمويل، وغرس مواقف البحث الريادي في الأوساط الأكاديمية، وتوفير بيئة مواتية لمؤسسات الأعمال.([4])
وعند تقييم العلاقة المحتملة بين الابتكار والبطالة في نيجيريا بين عامي 1990 و2020م. أظهرت النتائج أن المتغيّر التفسيري، وهو ابتكار العمليات، المُقاس بطلبات براءات الاختراع، والمقيمين، يرتبط سلبًا بالمتغيّر التابع (معدل البطالة) على المدى الطويل، وكذلك في المدى القصير، مما يشير إلى تأثير متناقص. كما لُوحِظ أن ارتفاع معدل البطالة في الاقتصاد يَفْرض زيادة في دافع الابتكار، مما يشير إلى وجود علاقة سببية أحادية الاتجاه؛ حيث تُعزّز البطالة جهود الابتكار. وبناء على ذلك، فإن البطالة هي إحدى المشكلات التنموية التي تُواجه نيجيريا، مما يدعم الرأي القائل بأن الابتكار لا يزال عاملًا رئيسيًّا مطلوبًا لمعالجة وضع البطالة المقلق؛ حيث وصل معدلها في البلاد إلى 33.3٪ عام 2021م.([5])
وعند دراسة تأثير الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمة على قيمة الشركة، مع التركيز على الدور الوسيط للإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج والدور المُعدل للاستثمار في الابتكار في البحث والتطوير؛ وُجِد أنه يُعزّز قيمة الشركة بشكل مباشر وغير مباشر من خلال الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج؛ حيث يُعزّز الاستثمار في الابتكار في البحث والتطوير كلا التأثيرين، مما يُبرز التآزر بين إستراتيجيات الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمة والابتكار في تعظيم القيمة المُضافة. ويتجلى هذا التأثير بشكل أوضح في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والتصنيع، مما يُؤكد أهمية دمج مبادرات الأداء البيئي والاجتماعي والحوكمة مع الابتكار لتعزيز النمو المستدام.([6])
لقد تم بالفعل تنفيذ العديد من الابتكارات لتعزيز التحول الرقمي في بعض الدول الإفريقية. فقد أُحْرِزَ تقدُّم في دمج التكنولوجيا في مختلف القطاعات؛ فقد عزز إدخال منصات الاتصال التواصل وسهّل تبادل المعلومات. وظهرت مراكز تكنولوجية، تنتشر في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما في جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا. وقد تحققت ابتكارات مهمة في قطاعات الاتصالات، والحكومة الإلكترونية، والمعاملات المالية عبر الهاتف المحمول، والتجارة الإلكترونية؛ تُرجمت هذه التطورات إلى خدمات أكثر سهولة في الوصول، وحوكمة أفضل، وشمول مالي أوسع.
كما تُسهم مبادرات الحكومة الإلكترونية في كينيا، والتي تُجسّدها مشاريع مثل “المواطن الإلكتروني” و”النمو الذكي”، في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية، وتعزيز خدمات الحكومة الرقمية، وتعزيز التنقل المستدام. كما يتجلَّى التركيز على “المدن الذكية”؛ حيث تُنفَّذ مشاريع جارية غالبًا بدعم من وكالات مثل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل). في نيجيريا، يستخدم مشروع “المدن الذكية والابتكار من أجل حوكمة محلية مُحسّنة” أنظمة البيانات، ونظم المعلومات الجغرافية، والتكنولوجيا الرقمية لتحسين الحوكمة والتخطيط. وفي الصومال، يُطوّر مشروع “المدن الذكية” سياسات وأُطُرًا رقمية لتحسين جودة حياة المجتمعات الحضرية.
كما يُسهّل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا تبادل المعلومات، وهو أمرٌ مفيدٌ خاصةً في الحالات التي تخضع فيها وسائل الإعلام التقليدية لسيطرة الأنظمة الاستبدادية. وأخيرًا، بدأت الابتكارات في التكنولوجيا الزراعية تُحْدِث ثورةً في الممارسات الزراعية، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين الأمن الغذائي. ففي أوغندا، يعمل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) على تطوير مشروع يركز على أمن حيازة الأراضي، وتوسيع نطاق تسجيل الأراضي المجتمعي، ودعم تدخلات الأراضي الحضرية لتعزيز حوكمة الأراضي. وفي كينيا، تم بالفعل الانتهاء من مشروع “M-farm” الذي يوفّر خرائط رقمية للتربة تساهم في تحسين الممارسات الزراعية، مثل الزراعة والحصاد وبيع المنتجات الزراعية. إذ توفر الأدوات الرقمية المعرفة الأساسية، والوصول إلى الأسواق، ومعلومات عن الطقس والآفات والأمراض. وتتراوح هذه الأدوات بين الاستشارات المتنقلة والأجهزة المتطورة، مثل الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار، التي يمكنها سدّ فجوة المعلومات وزيادة الإنتاجية. ومع استمرار اتساع نطاق الوصول إلى شبكات الهاتف المحمول والإنترنت في المناطق الريفية، يمكن للمزارعين الاستفادة من هذه التقنيات لتحسين ممارساتهم الزراعية.([7])
ثالثًا: التنمية والابتكار في إفريقيا جنوب الصحراء… التحديات والحلول المقترحة
من بين التحديات التي تُبطئ الابتكار، محدودية الوصول إلى المعلومات والخدمات عبر الإنترنت بسبب عمليات قطع الإنترنت التي تفرضها الحكومات المحلية عائقًا ملموسًا، إلى جانب ارتفاع تكاليف الوصول إلى الإنترنت. علاوة على ذلك، يُمكن للاستعمار الرقمي الذي تُسببه الأنظمة الاستبدادية أن يُبطِّئ الابتكار، فضلًا عن انتهاكات الخصوصية وتهميش أو إهمال الفئات المُستضعفة.
ومن شأن إعطاء الأولوية للضروريات الأساسية كالسكن والرعاية الصحية وسبل العيش على تطوير الرقمنة أن يُبطِّئ تبنّي التقنيات الرقمية. وهناك عائق آخر يتعلق بفجوات الإنتاجية؛ فعوامل مثل محدودية فرص الحصول على الائتمان، وتحديات التأمين، وتفاوت المعلومات، وارتفاع تكاليف المعاملات، وعيوب أسواق العمل والأراضي تُعيق النمو الزراعي والكفاءة. كما تعتمد المنطقة بشكل كبير على هطول الأمطار لزراعة المحاصيل، مع وجود حدّ أدنى من الأراضي المُجهَّزة للري، مما يزيد من قابلية التأثر بتقلبات المناخ.([8])
في دول الجنوب العالمي، لم يُعالج دور الابتكار بشكل عام، وفي المساعدات الدولية للتنمية والتعاون بشكل كافٍ. تتغير سياسات التنمية الدولية بسرعة. وتظهر أدوات وجهات فاعلة وأدوات جديدة في مجال التعاون الإنمائي. ويجب معالجة مسألة إدماج وإقصاء السكان الأفارقة الناتجة عن التطورات الأخيرة.([9])
وينص الاتفاق النهائي لمؤتمر الأطراف الحادي والعشرين على أحقية الدول النامية في الحصول على دعم دولي لتطوير تقنيات جديدة. إذا تم الإيفاء بهذه الالتزامات، فستكون لدى المبتكرين فرصة أكبر بكثير لبناء أعمال مستدامة. وتطوير ابتكاراتهم المحلية. تُقلل هذه الابتكارات المحلية من الاعتماد على شراء التقنيات الأجنبية، كما أنها تخلق فرص عمل، وتساعد على إنشاء سلاسل توريد تُشكل اللبنات الأساسية لقطاع متنوّع من الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما يُلزم الاتفاق الدول المتقدمة بتجميع رأس المال لتوفير ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويًّا للدول الفقيرة بحلول عام 2020م.
في هذا السياق من الدعم، يُمكن للمبتكرين الشباب تحقيق إمكاناتهم، وهو أمر لا يقتصر على الزراعة أو البيئة. فقد ساعدت حلول الأموال عبر الهاتف المحمول ملايين الأفارقة غير المتعاملين مع البنوك على دخول النظام المصرفي. وفي قطاع الرعاية الصحية، تُبتكَر تقنيات جديدة ذات تأثير اجتماعي كبير في الوقاية من الأمراض وعلاجها.
غالبًا ما يتمثل التحدي الذي يُواجه هؤلاء المبتكرين في محدودية الوصول إلى رأس المال. فمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، التي تتميز بتفاوت اقتصاديات وأنظمة مالية، تفتقر إلى أسواق رأس المال اللازمة لدعم رواد الأعمال. ومع ذلك، فإن بعض الدول، مثل أنغولا، تمضي قدمًا في إصلاحات اقتصادية تشمل شراكات بين القطاعين العام والخاص. كما أطلقت صندوقًا فريدًا لرأس المال الاستثماري يعمل بمثابة حلقة وصل بين الشركات الأنغولية الناشئة والمستثمرين الأجانب.([10])
ومن هنا؛ يجب أن يقترن الوصول إلى التكنولوجيا بالرفاهية الاجتماعية والاقتصادية. ويجب أن تعالج الابتكارات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والتجارة مَواطن الضعف لدى أفراد المجتمع، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة. وهنا نسلط الضوء على بعض الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك:
1-رقمنة اللغات لتحسين مستويات معرفة القراءة والكتابة:
يُعدّ التواصل جوهر عملية التنمية. هناك أكثر من 2000 لغة منطوقة في إفريقيا. وتؤثر التفاعلات داخل المجتمعات. يجب على الحكومات الاستثمار في اللغات الأصلية لتحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة، وبالتالي، محو الأمية الرقمية. وينبغي أن تكون التكنولوجيا أيضًا أداةً تُمكّن من إتقان المعلومات. فالمعلومات المتاحة حول اتجاهات البحث الآنية في العديد من البلدان شحيحة، إن وُجدت. إن غياب البيانات على منصات البحث عن هذه المعلومات لا يعني عدم وجودها؛ فالخوارزمية التي تستخرج هذه المعلومات يجب أن تشمل البلدان الإفريقية.
2-تمويل البحث والتطوير في مؤسسات التعليم العالي:
ينبغي على الحكومات إعطاء الأولوية لاستثمارات البحث والتطوير، مع التركيز على إنتاج المعرفة العلمية وتسويقها تجاريًّا. في الدورة العادية الثامنة لمؤتمر الاتحاد الإفريقي عام ٢٠٠٦م، تعهَّدت الدول الأعضاء بالمساهمة بنسبة ١٪ من ناتجها المحلي الإجمالي في البحث والتطوير. واليوم، لا تُحقِّق سوى أربع دول إفريقية هذا الرقم.
وهناك نهج مختلف لسدّ الفجوة التمويلية في مجال البحث والتطوير يتمثل في قيام مؤسسات التعليم العالي بجمع التمويل من خلال آليات غير تقليدية، مثل المساهمات الصغيرة، والرسوم، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والمعاملات المالية القائمة على آليات السوق. ومن خلال آليات تمويل مُبتكَرة، ستُمكّن الأوقاف الجامعية مؤسسات التعليم العالي من تحقيق نتائج بحثية أفضل.
3-ترسيخ ثقافة الابتكار:
تُشكّل ثقافة الابتكار جزءًا أساسيًّا من الحياة في إفريقيا. ويمكننا تحديد كيفية الاحتفاء بالابتكار وتوسيع نطاقه، بدءًا من مجتمعات التعلم المهني في الزراعة (التعاونيات الزراعية) والتعليم، وصولًا إلى جماعات الأحياء.
مع ذلك، يَعجز تأريخ الابتكار في إفريقيا عن رَصْد الكثير من هذه النجاحات؛ حيث تنتقل الابتكارات من جيل إلى جيل من خلال المعرفة المحلية. مثلاً: تواصل العديد من المجتمعات التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ من خلال آليات تخفيف محلية عالية الكفاءة.
في الوقت نفسه، أظهرت الأبحاث أن ما يقرب من 90% من الجهود المبذولة في البحث والتطوير في الشركات الكبرى تفشل. ويُعدّ الوقت والموارد البشرية السبب الرئيسي في هذا الفشل. ينبغي أن يكون أهم ما تُصدره إفريقيا وشعوبها هو خلق ثقافة ابتكار مشتركة. كما أن إضفاء الطابع الديمقراطي على ثقافة الابتكار ونشرها سيُثير الرغبة في تطوير حلول لمشكلات مجتمعية محددة. وبالمثل، سيُمكّن الأفراد من تغيير مجتمعاتهم عن طريق الابتكار وتحقيق النمو الشامل.([11])
خاتمة:
يقول جون هاسلر، رئيس لجنة جائزة العلوم الاقتصادية في جائزة نوبل: “يُظهر عمل الفائزين بالجائزة أنه لا يُمكن اعتبار النمو الاقتصادي أمرًا مُسلَّمًا به. يجب أن ندعم الآليات التي تُشكّل أساس التدمير الإبداعي، حتى لا نعود إلى الركود”.
وتمر منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بمرحلة تحوُّل؛ حيث تتبنَّى الرقمنة والابتكار لمواجهة التحديات طويلة الأمد. ورغم استمرار العقبات، فإن المشاريع والإنجازات الجارية تُمهّد الطريق لمستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة. ومع تزايد سهولة الوصول إلى التقنيات الرقمية، فإنها تحمل في طياتها وعدًا بإحداث ثورة وتحسين جودة حياة الملايين. إلا أن هذا يتطلب إطلاق إمكانات النمو في إفريقيا إستراتيجيات شاملة تُمكِّن الجميع بغضّ النظر عن خلفيتهم الاقتصادية ومستوى تعليمهم. والاعتماد على القدرات الإبداعية على المستويين المحلي والاقليمي، واعتبار أن إفريقيا ليست مجرد مُستهلِك للابتكارات الأجنبية، بل لديها العديد من الحلول المحلية. ولكي يتحقق هذا الازدهار، عليها الاستثمار في البحث والتطوير، وتمكين كوادرها، وتوسيع نطاق اختراعاتها وابتكاراتها، فدائمًا الحاجة هي سيدة الاختراع. وعلى المجتمع الدولي؛ والحكومات الأجنبية والهيئات الدولية، أن تدعم هذا التوجُّه.
…………………………………….
[1] ) https://www.nobelprize.org/prizes/economic-sciences/2025/press-release/
[2] ) weforum, 3 ways tech and innovation can push Africa to the next level of economic growth. Feb 15, 2022 .at: https://www.weforum.org/stories/2022/02/3-ways-tech-and-innovation-can-push-africa-to-the-next-level-of-economic-growth/
[3] ) مجدي محمد محمود آدم، قراءة تحليلية لموقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2025م، متاح على الرابط: https://qiraatafrican.com/32825/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A8%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%AC%D9%86%D9%88-11/
[4] ) Kasongo, A., & Makamu, T. (2024). Innovation and economic growth: An empirical analysis for African countries. African Journal of Science, Technology, Innovation and Development, 16(6), 751–760. https://doi.org/10.1080/20421338.2024.2382612
[5] ) Fagbemi, F., Ajibike, J. O., & Adesanya, T. A. (2025). Unemployment in Nigeria: The significance of optimizing benefits of innovation. African Journal of Science, Technology, Innovation and Development, 17(3), 336–346. https://doi.org/10.1080/20421338.2025.2461820
[6] ) Mao, G., & Kongkaew, T. (2025). ESG’s path to value: the role of total factor productivity and R&D innovation investment. Journal of Chinese Economic and Business Studies, 1–24. https://doi.org/10.1080/14765284.2025.2480019
[7] ) Vittoria Acampora, Digitalization and Agricultural Innovation in Sub-Saharan Africa: Challenges and Hopes.27/9/2023.at: https://www.occam.org/post/digitalization-and-agricultural-innovation-in-sub-saharan-africa-challenges-and-hopes
[8] ) Vittoria Acampora, Op.cit.
[9] ) Jussi Jauhiainen and Lauri Johannes Hooli , Innovation for Development in Africa.2019.at: https://www.researchgate.net/publication/337265507_Innovation_for_Development_in_Africa
[10] ) https://blogs.worldbank.org/en/africacan/innovative-africa-for-a-better-tomorrow
[11] ) weforum, Op.cit.










































