قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
دعاية مجلة قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    انقسام حكومة جنوب إفريقيا بشأن اتفاقية تأشيرة أوكرانيا

    التوغُّل الأوكراني في إفريقيا: أدواته وتداعياته على منظومة الأمن والاستقرار في القارة

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    المعارضة الأوغندية: استقبال مرحّلي أميركا تفوح منه رائحة الفساد

    تدخُّل أوغندا في جنوب السودان وفرض حالة اللادولة

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    مقارنة في مسارات الانتقال السياسي بدول الساحل: النيجر دراسة حالة

    أسطول بحري للجيش الصيني يقوم بزيارة نادرة لـ نيجيريا

    هل تتَّجه الصين إلى توسيع نفوذها العسكري في إريتريا؟

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

    البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء

    التضخم في إفريقيا: أحدث توصيات البنك الدولي تحت المجهر

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    منظمة حقوقية تتهم شرطة أنجولا بارتكاب أعمال قتل وانتهاكات

    تصاعد الاحتجاجات في أنغولا تعكس تراجعًا تاريخيًّا في تأييد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    انقسام حكومة جنوب إفريقيا بشأن اتفاقية تأشيرة أوكرانيا

    التوغُّل الأوكراني في إفريقيا: أدواته وتداعياته على منظومة الأمن والاستقرار في القارة

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    المعارضة الأوغندية: استقبال مرحّلي أميركا تفوح منه رائحة الفساد

    تدخُّل أوغندا في جنوب السودان وفرض حالة اللادولة

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    مقارنة في مسارات الانتقال السياسي بدول الساحل: النيجر دراسة حالة

    أسطول بحري للجيش الصيني يقوم بزيارة نادرة لـ نيجيريا

    هل تتَّجه الصين إلى توسيع نفوذها العسكري في إريتريا؟

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

    البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء

    التضخم في إفريقيا: أحدث توصيات البنك الدولي تحت المجهر

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    منظمة حقوقية تتهم شرطة أنجولا بارتكاب أعمال قتل وانتهاكات

    تصاعد الاحتجاجات في أنغولا تعكس تراجعًا تاريخيًّا في تأييد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج

حين تُصبح الفوضى فرصة: كينيا الصاعدة وخطورتها على الإقليم

فاروق حسين أبو ضيفبقلم فاروق حسين أبو ضيف
أغسطس 27, 2025
في تقارير وتحليلات, سياسية, مميزات
A A
النائب السابق للرئيس الكيني ريغاثي غاتشاجوا يقود تحالفًا لإسقاطه

تمهيد:

دخلت كينيا في عهد الرئيس “وليام روتو” مرحلة جديدة من التوسع السياسي والاندفاع الإقليمي، ما جعلها تتحول من دولة يُنظَر إليها باعتبارها شريكًا للتنمية إلى لاعبٍ يثير القلق لدى جيرانها.

هذا التحوُّل لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات مرتبطة بقدرات اقتصادية متنامية، موقع جغرافي إستراتيجي يطل على طرق الملاحة العالمية، ورغبة في ملء الفراغ الذي تركته إثيوبيا بعد حرب تيجراي، كما أن “روتو” أعاد صياغة السياسة الخارجية لبلاده على أساس الانفتاح الصريح على الملفات الإقليمية، وتقديم نيروبي باعتبارها مركزًا لا غِنَى عنه لحلّ النزاعات وصياغة التوازنات، لكنّه في الوقت ذاته صعَّد من التدخلات المثيرة للجدل في دول مثل السودان والكونغو، الأمر الذي جعل كينيا بالنسبة للبعض قوة استقرار، وبالنسبة للبعض الآخر أصبحت خطرًا يُهدِّد توازنات المنطقة.

وفي هذا السياق، فإن الصعود الكيني في عهد الرئيس “وليام روتو” قد اتخذ طابعًا مركبًا يجمع بين الطموح الاقتصادي والاندفاع السياسي والأمني، وهو ما جعل هذا الصعود مثار جدل في شرق إفريقيا. فمن ناحية، اعتمدت كينيا على اقتصادها الديناميكي القائم على الليبرالية والانفتاح التجاري لتكريس نفسها بوابة للمنطقة نحو الأسواق العالمية، مدعومة بموانئ إستراتيجية مثل مومباسا ولامو، ومشروعات بنية تحتية ضخمة كممر لابسيت. ومن ناحية أخرى، تبنّت نيروبي سياسة خارجية أكثر جرأة تقوم على الانخراط المباشر في أزمات الجوار، كما حدث في السودان والكونغو، لتثبت نفسها لاعبًا لا يمكن تجاوزه. هذا التداخل بين الاقتصاد والسياسة والأمن جعل الصعود الكيني مختلفًا عن القوى الإقليمية التقليدية، فهو صعود قائم على فكرة “التفوق عبر الوساطة والتدخل”، الأمر الذي يمنح نيروبي نفوذًا واسعًا، لكنه في الوقت ذاته يثير المخاوف من تحوّلها إلى قوة مهيمنة تتجاوز حدود الشراكة إلى فرض الوصاية على جيرانها.([1])

اقرأ أيضا

عين على أفريقيا ( سبتمبر 2025) : إفريقيا وفلسطين: ماضٍ نضالي ومصير على المحك

ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

بين لعنة الموارد وفرص التنمية: قراءة في “التقرير الإفريقي لحوكمة الموارد الطبيعيّة لعام 2025م”

في السودان، شكّل انخراط كينيا تحت قيادة “روتو” علامة فارقة في مسار الصراع. استضافة نيروبي لاجتماعات المعارضة المتحالفة مع قوات الدعم السريع، وإعلان ما سُمِّي بـ”الحكومة الموازية”؛ اعتُبِرَ من جانب الخرطوم عداءً مباشرًا وتدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية. هذا التحرُّك يعكس انتقال كينيا من دور الوسيط التقليدي إلى شريكٍ مُنحاز يُراهن على طرف محدد من الصراع، وهو ما يُقوِّض صورة نيروبي كقوة حيادية، ويثير شكوكًا حول مصالحها الخفية. بالنسبة للخرطوم، لم تعد كينيا دولة جارة محايدة، بل أصبحت خصمًا سياسيًّا يستغلّ الحرب لصالح أجنداته، سواء لحماية مصالح اقتصادية مرتبطة بتجارة الذهب، أو لتعزيز نفوذها على حساب سيادة السودان.([2])

في الكونغو الديمقراطية، بدت كينيا أكثر جرأة؛ إذ أرسلت قوات عسكرية للمشاركة في مواجهة تمرُّد حركة “23 مارس” ضمن القوة الإقليمية لشرق إفريقيا. هذا التدخل، الذي رحَّب به المجتمع الدولي، فتح الباب أمام نيروبي لتعزيز صورتها كقائد عسكري إقليمي، لكنّه في الوقت ذاته أدخلها في مواجهة معقدة في ساحة مزدحمة بالمصالح الدولية والإقليمية. حضور القوات الكينية في الكونغو قد يُقرأ كخطوة لتعزيز النفوذ الاقتصادي وحماية الاستثمارات الكينية في بلد غني بالمعادن، بقدر ما يُقرأ كالتزام بالأمن الجماعي. وهنا تكمن الخطورة: كينيا لم تعد تكتفي بالوساطة السياسية، بل تجاوزت إلى استخدام القوة الصلبة في إدارة التوازنات، ما يجعلها فاعلًا مؤثرًا، لكنه أيضًا مقلقًا لجيرانها.

أما على الصعيد الأوسع، فإن مساعي كينيا إلى لعب دور محوري في القارة الإفريقية من خلال الاتحاد الإفريقي والتقارب مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وضعتها في موقع حساس. فهي تُقدّم نفسها بوصفها “شرطي الغرب” في شرق إفريقيا، قادرة على ضبط التوازنات ومواجهة الإرهاب والاضطرابات. هذا التموضع يُعزّز مكانة “روتو” الدولية، لكنه يفاقم الشكوك الإقليمية، خصوصًا من جانب دول مثل جنوب إفريقيا التي ترى في الحضور الكيني المتنامي محاولة لسحب البساط من تحت أقدامها في قيادة القارة. ومِن ثَم يتحول المشهد من تعاون إفريقي إلى منافسة على الزعامة القارية، بما يحمله ذلك من مخاطر على وحدة العمل الإفريقي.([3])

إزاء هذه التطورات، يظل التساؤل مفتوحًا: هل يمكن أن تتحول كينيا من قوة استقرار إلى عامل تهديد صريح لجيرانها؟

المؤشرات الحالية تُوحي بأن انخراطها في أزمات السودان والكونغو، ومَيْلها لمغازلة الغرب على حساب التوازنات الإقليمية، يضعها في مسار مزدوج؛ فهي تكسب نفوذًا سياسيًّا واقتصاديًّا متصاعدًا، لكنها في المقابل تدفع جيرانها إلى التعامل معها باعتبارها دولة خَطِرة تسعى إلى الهيمنة الإقليمية.

أولًا: الوساطة التقليدية إلى الطموح الإقليمي المثير للجدل

منذ وصول “وليام روتو” إلى السلطة عام 2022م، تغيَّر المسار العام للسياسة الكينية بشكل ملحوظ؛ حيث انتقل من مقاربة حذرة تقوم على الوساطة التقليدية إلى نَهْج اندفاعي يضع نيروبي في قلب أزمات الجوار. “روتو” لم يكتفِ بتقديم نفسه كزعيم وطني منتخب، بل اندفع نحو ترسيخ صورة القائد الإقليمي القادر على صياغة مستقبل شرق إفريقيا. هذا التحول لم يكن منفصلًا عن السياق الداخلي الكيني؛ إذ جاء بعد انتخابات صعبة ومناخ سياسي محتدم جعل “روتو” بحاجة إلى تعزيز شرعيته داخليًّا عبر لعب دور خارجي قوي. ومن هنا، بدا أن مشروعه الخارجي ليس مجرد امتداد طبيعي لمصالح كينيا التقليدية، وإنما إستراتيجية لتوظيف موقع بلاده الجغرافي وإمكاناتها الاقتصادية في رسم مشهد إقليمي جديد، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار العلاقات مع جيرانها.

وتحت قيادة “روتو”، اتجهت نيروبي لتوسيع نفوذها من خلال مزيج من الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، معتمدة على موقعها الحيوي المطل على المحيط الهندي وصلتها بممرات التجارة العالمية. غير أن الجديد في عهد “روتو” هو ربط هذه الأدوات مباشرة بالسياسة الخارجية؛ بحيث أصبحت الاستثمارات في الموانئ أو الانخراط في مبادرات البنية التحتية جزءًا من مشروع سياسي يرمي إلى جعل كينيا مركز ثقل إقليمي. هذا التحول جعل كينيا تتحرك بقوة أكبر داخل الاتحاد الإفريقي والإيغاد، محاولةً أن تفرض نفسها كواجهة إفريقيا أمام الغرب في قضايا مثل مكافحة الإرهاب أو التغيُّر المناخي. لكن في المقابل، أدخلها هذا المسار في احتكاكات غير مسبوقة مع دولٍ ترى في هذا التوسع محاولة هيمنة أكثر من كونه تعاونًا.([4])

على الصعيد الأمني، شكّل “روتو” علامة فاصلة في تغيير صورة كينيا؛ فبدلًا من الاكتفاء بالوساطة السياسية، بدأت نيروبي بالانخراط العسكري المباشر كما حدث في شرق الكونغو الديمقراطية؛ حيث أرسلت قوات ضمن البعثة الإقليمية لمواجهة التمرد. هذا التوجه لم يكن مجرد استجابة لنداء أمني، بل أيضًا يُعدّ جزءًا من إستراتيجية تعزيز صورة كينيا كقوة حامية للاستقرار، قادرة على التدخل متى ما عجز الآخرون. إلا أن هذه المقاربة ولَّدت حساسيات عميقة لدى جيرانها؛ إذ اعتبرتها بعض العواصم محاولة لتوسيع النفوذ عبر استغلال الفوضى في مناطق أخرى. وبهذا تحولت كينيا في أعين البعض من شريك محتمل لتحقيق الأمن إلى طرف يتسبب في إعادة تشكيل ميزان القوى بطرق مقلقة.

كما أن البعد الاقتصادي في سياسة “روتو” الخارجية لم يَعُد محصورًا في جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية الداخلية، بل اتسع ليشمل السعي إلى ربط اقتصادات الدول المجاورة بالاقتصاد الكيني. مشاريع مثل ممر لابسيت وميناء لامو لم تَعُد مجرد خطط تنموية، بل أدوات سياسية تُستخدَم لإعادة تشكيل خريطة الاعتماد المتبادل بين دول شرق إفريقيا. هذه السياسة منحت كينيا وزنًا إستراتيجيًّا كبيرًا، لكنها في الوقت نفسه رفعت منسوب القلق في عواصم مثل دار السلام وأديس أبابا التي تخشى من أن يتحوَّل هذا الربط الاقتصادي إلى أداة لفرض الهيمنة. بهذا، أصبح الاقتصاد ليس فقط أداة للنمو، بل أيضًا ورقة قوة يستخدمها “روتو” لتعزيز موقعه الإقليمي.

فضلًا عن ذلك، فإن الخلفية العامة لصعود كينيا تحت “روتو” تكشف عن معادلة معقَّدة: دولة تسعى إلى لعب دور قيادي إقليمي عبر الاقتصاد والدبلوماسية والأمن، لكنّها في الوقت ذاته يُنظَر إليها مِن قِبَل جيرانها باعتبارها دولة مقلقة، بل وخطرة أحيانًا. “روتو” يحاول أن يُوظِّف صورة “الزعيم الإقليمي” لإعادة تعريف مكانة بلاده في النظام الإفريقي والدولي؛ إلا أن اندفاعه قد يجعل من كينيا عنصرًا مثيرًا للانقسام بدلًا من أن تكون عاملًا جامعًا. وهنا يتضح أن خلفية التحول ليست فقط مرتبطة بطموحات نيروبي، بل أيضًا بالفراغ الإقليمي الناجم عن تراجع إثيوبيا، وبحاجة “روتو” إلى شرعية سياسية ممتدة، ما يجعل المشروع الكيني في عهده محاطًا بالفرص والمخاطر في آنٍ واحدٍ.([5])

ثانيًا: لماذا أصبحت كينيا خطرة على جيرانها؟

تدخُّل كينيا العسكري والأمني في محيطها الإقليمي أصبح أحد أبرز العوامل التي جعلتها مصدر تهديد لجيرانها؛ إذ إن مشاركتها تحت شعار “مكافحة الإرهاب” في الصومال عبر قوات الدفاع الكينية (KDF) لا تُقرأ فقط في إطار أمني بحت، بل يُنظَر إليها كجزء من مسعى لتأمين نفوذ اقتصادي غير مشروع. فعملياتها العسكرية ضد حركة الشباب ارتبطت باتهامات باستغلال الحدود الصومالية–الكينية لتأمين طرق التهريب وتجارة الفحم والموارد الطبيعية، مما أضعَف الثقة الإقليمية في نواياها. ومع وصول “وليام روتو”، لم يقتصر الأمر على الصومال، بل اتسع ليشمل أزمات أخرى مثل السودان والكونغو الديمقراطية؛ حيث وظَّفت نيروبي نفسها كوسيط مسلح يتجاوز دور الوسيط التقليدي إلى طرف يمتلك أدوات ضغط عسكرية واقتصادية معًا. هذا النمط يثير مخاوف جيرانها من أن يتحوَّل “السلام الكيني” إلى غطاء لتوسيع الهيمنة بدلًا من تثبيت الاستقرار، خصوصًا أن أيّ انخراط مسلح تحت شعار الوساطة يضع كينيا في مواجهة مباشرة مع حساسيات سيادية معقدة لدى الدول الأخرى.([6])

إضافة إلى التدخل العسكري المباشر، يبرز سلوك كينيا في استغلال هشاشة الدول المحيطة بها كعامل يزيد من حدة التوتر. ففي كل مرة تنهار فيها مؤسسات دولة مجاورة، تتحول نيروبي بسرعة إلى مركز مالي ولوجستي بديل، مستفيدة من انتقال رؤوس الأموال والبعثات الأممية والمنظمات الدولية إلى أراضيها. فعلى سبيل المثال، مع اشتداد الصراع في السودان، تحولت نيروبي إلى ملاذ للمفاوضات والمعاملات المالية المرتبطة باللاجئين والنفط والذهب. وفي الكونغو الديمقراطية، استفادت كينيا من العجز المزمن في الدولة المركزية لتوسيع نشاط شركاتها وتثبيت مكانتها كممر تجاري. بهذا المعنى، بدلاً من أن تدفع كينيا باتجاه استقرار جيرانها، فإنها تستفيد من حالة الفوضى بما يسمح لها بالظهور كوسيط ضروري أو حامٍ إقليمي. هذا السلوك يُرسّخ لدى القوى الإقليمية الانطباع بأن نيروبي تسعى لإدامة الأزمات بشكل غير مباشر؛ لأنها تُعزّز بذلك اعتماد الآخرين عليها اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا.

طموح “روتو” في تقديم كينيا كقوة إقليمية وقارية فاعلة يضيف طبقة أخرى من التوتر مع جيرانها. فهو يسعى لأن تكون نيروبي لاعبًا رئيسيًّا في مبادرات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، سواء عبر رئاسة اللجان أو عبر تصدير مبادرات سياسية ودبلوماسية تخص أزمات لا ترتبط بكينيا بشكل مباشر. هذا التوجُّه يُظهرها وكأنها تريد قيادة إفريقيا جنوب الصحراء، في مواجهة مع قوى تقليدية مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا التي ترى في نفسها صاحبة الثقل الأبرز على مستوى القارة. من هنا، تُقرأ تحركات “روتو” على أنها انتزاع لفرص القيادة من أطراف أخرى، وهو ما يُولِّد تنافسًا صلبًا يتجاوز شرق إفريقيا ليشمل الساحة القارية. وفي هذا السياق، يُخشى أن يتحول الانخراط الكيني إلى “مزايدة سياسية” على حساب بناء توافق إفريقي شامل، مما يزيد من تفتت النظام الإقليمي بدلًا من تعزيزه.

خطورة كينيا لا تتوقف عند حدود التدخل المباشر أو التنافس على الزعامة، بل تمتد إلى قدرتها على استثمار تحالفاتها مع القوى الكبرى لتعزيز موقعها على حساب جيرانها. فهي تُسوِّق لنفسها كحليف إستراتيجي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وكشريك اقتصادي محوري للصين في مبادرة الحزام والطريق، ما يمنحها مظلة دولية مزدوجة تحمي تحركاتها الإقليمية. هذا التوازن بين واشنطن وبكين يسمح لنيروبي بالحصول على موارد مالية وتقنية هائلة، لكنها في الوقت ذاته توظفها لتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في شرق إفريقيا. النتيجة أن جيرانها، الذين يفتقرون لمثل هذه التحالفات الدولية المتينة، وينظرون إليها بعين الريبة، معتبرين أن كينيا تستخدم غطاء “الشراكة مع القوى الكبرى” لفرض وقائع جديدة على الأرض، سواء عبر السيطرة على الممرات التجارية أو احتكار دور الوسيط في النزاعات الإقليمية.([7])

التجربة التاريخية بين كينيا وبعض جيرانها تُظْهِر أن الخلافات لم تكن عابرة، بل متجذرة في قضايا الحدود والسيادة والتجارة. النزاعات مع الصومال حول الحدود البحرية، والتوترات مع أوغندا حول المنافسة التجارية، والصراع المكتوم مع السودان بشأن دورها في ملف جنوب السودان، كلها مؤشرات على أن كينيا تبني سياستها الخارجية وفق منطق التنافس الصِّفري لا التعاون المتكافئ.

هذه القضايا القديمة تعود للواجهة كلما زادت طموحات نيروبي الإقليمية، ما يجعلها تبدو في نظر جيرانها دولة تسعى لإعادة رسم الخرائط السياسية والاقتصادية في المنطقة لصالحها، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار العلاقات التقليدية. ومن هنا، فإن صورة كينيا كقوة مهيمنة لا يمكن فَصْلها عن تاريخ طويل من النزاعات الحدودية والاقتصادية التي لم تُحَلّ جذورها بعدُ.

إلى جانب الأبعاد الأمنية والاقتصادية، تلعب كينيا على وتر القوة الناعمة عبر تقديم نفسها كموطن للمنظمات الدولية ومركز للوساطات الأممية. غير أن هذا الوجه الناعم يُخْفِي توظيفًا سياسيًّا متزايدًا؛ إذ يتيح لنيروبي التحكم في مسار النقاشات الإقليمية، وتحديد الأطراف الشرعية وغير الشرعية في النزاعات. وهذا ما حدث في أزمات مثل إثيوبيا والسودان؛ حيث تحوَّلت كينيا من مجرد وسيط إلى طرف يُتَّهَم بالانحياز أو باستغلال المفاوضات لتثبيت صورتها كقوة إقليمية لا غِنَى عنها. هذه الإستراتيجية قد تُعزّز حضور نيروبي دوليًّا، لكنها تُضعف شرعيتها في محيطها المباشر؛ إذ يشعر الجيران بأنها تختطف ملفاتهم الداخلية وتعيد هندستها وفق مصالحها الخاصة، الأمر الذي يزيد من حدة الارتياب الإقليمي.([8])

هذا، ولا يمكن تجاهل أن كينيا تسعى إلى بناء نموذج “الدولة الحارس” في شرق إفريقيا، لكنها تفعل ذلك بطريقة تجعلها مصدر قلق أكثر من كونها ضمانة استقرار. فهي تُقدّم نفسها للغرب باعتبارها الشرطي الموثوق القادر على مواجهة الإرهاب وضبط الفوضى، لكنّها في الوقت نفسه تتبنّى سياسات توسعية تجعلها في نظر جيرانها دولة منافسة ومُهدّدة. هذا التناقض بين صورتها الخارجية كفاعل استقرار وصورتها الداخلية كقوة هيمنة إقليمية يضاعف من خطورتها؛ لأنه يخلق فجوة في التوقعات: القوى الدولية ترى في نيروبي شريكًا موثوقًا، بينما المحيط الإقليمي يراها خصمًا متصاعدًا. ومع استمرار هذا التباين، يتوقع أن يتزايد الاحتقان حول الدور الكيني، وأن تصبح نيروبي محورًا للنزاع الإقليمي بدلًا من أن تكون مركزًا لحله.

ثالثًا: المكاسب الكينية من الإستراتيجية الإقليمية

تكسب كينيا من هذه الإستراتيجية أولًا نفوذًا إقليميًّا متصاعدًا يجعلها في قلب الحسابات السياسية والأمنية لشرق إفريقيا. فمع كل أزمة تتفجر في السودان أو الكونغو الديمقراطية، تجد القوى الدولية نفسها مضطرة للالتفات إلى نيروبي بوصفها وسيطًا موثوقًا أو قاعدة لوجستية يمكن الاعتماد عليها. هذا الموقع يمنحها قدرة أكبر على التأثير في مسارات التسويات السياسية وتحديد أولويات الأجندة الإقليمية، كما يُعزّز من قدرتها على فرض نفسها كصوت رئيسي داخل المنظمات الإقليمية مثل الإيغاد والاتحاد الإفريقي. وفي ظل تراجع الدور الإثيوبي بفعل الحرب الأهلية في تيغراي والاضطرابات الداخلية المستمرة، باتت كينيا المستفيد الأكبر من هذا الفراغ؛ حيث وجدت فرصة تاريخية للتمدد في ملفات السلم والأمن، وهو ما يُرسِّخ صورتها كقوة محورية لا غِنَى عنها، ويمنحها مكانة متقدمة في التوازنات الإستراتيجية بالمنطقة.

إلى جانب النفوذ السياسي، تُحقّق كينيا مكاسب اقتصادية واسعة من إستراتيجيتها التوسعية في الإقليم. فمع تزايد هشاشة الأوضاع في بلدان مجاورة مثل إثيوبيا أو السودان، تبرز نيروبي كمركز بديل للاستثمارات الأجنبية والشركات الدولية الباحثة عن بيئة مستقرة نسبيًّا. البنية التحتية المتطورة في ميناء مومباسا وميناء لامو، إلى جانب مشاريع الربط الإقليمي مثل ممر لابسيت، جعلت كينيا محطة لوجستية محورية لنقل السلع والطاقة من الدول الحبيسة إلى الأسواق العالمية. كذلك فإن انتقال مقار بعض المنظمات الإقليمية والدولية إلى نيروبي نتيجة الاضطراب في العواصم المجاورة، يُعزّز من مكانتها كمركز مالي واستثماري. هذه المكاسب تعني تدفق مزيد من العملات الصعبة، وتوسيع قاعدة الضرائب، وجذب شركات كبرى في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنوك، مما يُحوّل الطموح الكيني إلى واقع اقتصادي يُعزّز استقلاليتها عن الضغوط الخارجية.([9])

الإستراتيجية أيضًا تمنح الرئيس ويليام “روتو” مكاسب سياسية مباشرة على الصعيد الداخلي؛ إذ يقدّم نفسه للشعب الكيني كزعيم إقليمي قوي قادر على توسيع نفوذ البلاد خارج حدودها. في ظل الضغوط الاقتصادية المحلية وتنامي المديونية، يصبح تصدير صورة كينيا كلاعب إقليمي بارز وسيلة لتعويض الأزمات الداخلية وإعادة إنتاج الشرعية السياسية للنظام. فحين يظهر “روتو” في مشهد الوساطات الإقليمية، أو حين تتعامل القوى الدولية مع نيروبي بوصفها بوابة لشرق إفريقيا، فإن ذلك يُعزّز من شعبيته، ويمنحه هامشًا أوسع لإدارة التحديات الاقتصادية المعقدة داخليًّا. على هذا النحو، تتحوَّل السياسة الخارجية الكينية إلى أداة لإعادة صياغة التوازن السياسي الداخلي؛ حيث يتغذَّى الخطاب القومي على فكرة أن كينيا لم تَعُد مجرد دولة طرفية، بل باتت محورًا إستراتيجيًّا يعترف به العالم.

ومن زاوية أخرى، تترجم هذه المكاسب إلى توسع في قدرة كينيا على صياغة التحالفات الدولية بما يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجدان في نيروبي شريكًا يمكن الاعتماد عليه في مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، بينما ترى الصين فيها محطة أساسية لإنجاح مبادرة الحزام والطريق وربط الممرات التجارية بين آسيا وإفريقيا. هذا التعدُّد في الشراكات يُوفّر لكينيا مرونة دبلوماسية واسعة، تُتيح لها موازنة علاقاتها بين القوى الكبرى بما يُحقّق مصالحها الوطنية. وبذلك، تكسب نيروبي قدرة على المناورة الإستراتيجية؛ بحيث لا تتحوَّل إلى تابع لأيّ محور دولي، بل تظل لاعبًا مستقلًا قادرًا على استثمار التنافس الدولي لصالحها.([10])

في المقابل، تُعزّز كينيا عبر هذه الإستراتيجية دورها في شبكات التكامل الاقتصادي الإقليمي، خصوصًا ضمن جماعة شرق إفريقيا. فمع توسُّع الاستثمارات الكينية في أوغندا ورواندا والكونغو الديمقراطية، تتعمق المصالح الاقتصادية المشتركة التي تمنح نيروبي نفوذًا إضافيًّا يتجاوز الأبعاد العسكرية أو الأمنية. هذه التشابكات الاقتصادية تجعل من الصعب على الدول المجاورة تجاوز الدور الكيني؛ لأنها مرتبطة فعليًّا ببنيتها التحتية وبشركاتها المالية والتجارية. وهو ما يُكرّس كينيا ليس فقط كقوة سياسية، بل كقطب اقتصادي إقليمي يصعب إزاحته من المعادلة، خاصةً مع سعيها المستمر لتطوير الموانئ وشبكات الطرق والسكك الحديدية العابرة للحدود.

هذه الإستراتيجية تمنح كينيا فرصة لتكريس نموذجها كدولة ذات استقرار نسبيّ وسط إقليم مضطرب. فبينما تعصف الحروب الأهلية والانقلابات بدول الجوار؛ تحاول نيروبي أن تُقدّم نفسها كديمقراطية ناشئة توازن بين متطلبات الأمن والانفتاح الاقتصادي. هذا النموذج يجذب الثقة الدولية ويُعزّز تدفق المساعدات والاستثمارات، لكنّه في الوقت نفسه يُستخدم داخليًّا لإقناع الرأي العام بأن الصعوبات الاقتصادية مؤقتة، وأن المكاسب الكبرى ستأتي من المكانة التي حققتها البلاد في الإقليم. على هذا النحو، تكسب كينيا ليس فقط مكانة دولية وإقليمية، بل أيضًا خطابًا وطنيًّا يُوظّفه “روتو” لتعزيز استقرار حكمه داخليًّا، بما يجعل السياسة الخارجية أداة متقدمة في خدمة الشرعية الداخلية والاستقرار الوطني.([11])

رابعًا: التوترات الإقليمية بين كينيا ودول الجوار

في الحالة السودانية، لم تَعُد نيروبي مجرد وسيط تقليدي يسعى لتقريب وجهات النظر، بل تحوَّلت إلى طرف متَّهم بالانحياز. فمبادرة الرئيس “وليام روتو” لاستضافة المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدت في ظاهرها وساطة سلام، لكنّ الخرطوم قرأتها باعتبارها غطاءً سياسيًّا لدعم طرف متمرّد. الاتهامات لم تقف عند حدود الدبلوماسية، بل ارتبطت بشبكة مصالح اقتصادية وتجارية بين “روتو” و”حميدتي”، ما جعل السودان ينظر إلى كينيا كخصم مباشر يُهدّد أمنه القومي. هذا التصور يضرب في عمق جهود الوساطة، ويجعل أيّ تدخل كيني محفوفًا بفقدان المصداقية.

الأخطر أن هذه القناعة لدى الخرطوم يمكن أن تغلق الباب أمام أيّ جهد إقليمي جماعي تشارك فيه كينيا، ما يضعف من فاعلية منظمة الإيغاد ويكرّس اصطفافات متناقضة قد تُطيل أمد الحرب السودانية. بكلمات أخرى، دخول كينيا بهذا الشكل على خط الأزمة السودانية يضعها في موقع حساس، بين السعي لدور قيادي إقليمي وبين خطر الانزلاق إلى محور معادٍ في صراع داخلي معقّد.

أما في الكونغو الديمقراطية، فقد حاولت كينيا تقديم نفسها باعتبارها قوة داعمة للاستقرار عبر نشر قواتها ضمن بعثة شرق إفريقيا لمواجهة تمرد حركة “M23″. غير أن هذا التدخل العسكري حمل معه أبعادًا اقتصادية مثيرة للجدل؛ إذ ارتبط بملف الثروات المعدنية والتهريب عبر شبكات عابرة للحدود. مع الوقت، تلاشت صورة نيروبي كـ”حافظ للسلام” لتحلّ محلها اتهامات بالاستفادة من موارد الكونغو تحت غطاء التدخل العسكري. هذا التحول في الانطباعات يُضْعِف من شرعية الدور الكيني، ويُعزّز الانقسام داخل الكونغو نفسها حول طبيعة وجود هذه القوات. فإذا كانت نيروبي تراهن على أن التدخل سيُعزّز نفوذها كقوة إقليمية ضامنة للأمن، فإن الاتهامات الحالية قد تُقوِّض صورتها وتفتح الباب أمام منافسين إقليميين كأوغندا ورواندا لتشكيك المجتمع الدولي في نواياها. وهكذا يتحوَّل التدخل من أداة لبناء النفوذ إلى عامل يُفاقم الشكوك ويزيد تعقيد المشهد الأمني في البحيرات العظمى.([12])

من جهة أخرى، فإن الصراع غير المباشر مع جنوب إفريقيا يعكس مستوى آخر من التوترات الإقليمية، ليس في ساحة عسكرية أو نزاع حدودي، وإنما على صعيد قيادة الاتحاد الإفريقي وصورة “الممثل الشرعي” للقارة في المحافل الدولية؛ فـ”روتو” يسعى لإعادة صياغة صورة كينيا كصوت إفريقيا الجديد، خصوصًا في الملفات المرتبطة بالمناخ وإصلاح النظام المالي الدولي والديون. في المقابل، ترى “بريتوريا” أن هذا الطموح يمسّ موقعها التاريخي كقوة تقود أجندة إفريقيا داخل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين.

التنافس بين العاصمتين لا يقتصر على الرمزية الدبلوماسية، بل يتصل بجوهر التوازن القاري: هل يظل جنوب القارة ممثَّلًا بجنوب إفريقيا، أم يُزاح مركز الثِّقل شمالًا وشرقًا إلى كينيا؟ هذه المعضلة تضع الاتحاد الإفريقي أمام اختبار توزيع النفوذ؛ حيث قد يؤدي تصاعد الدور الكيني إلى خلق خطوط تصدُّع جديدة بين القوى الإقليمية الكبرى، بما يُهدّد وحدة الصوت الإفريقي في مواجهة التحديات الدولية.

إلى جانب السودان والكونغو وجنوب إفريقيا، يبرز البعد الرواندي كأحد الملفات الحساسة في شبكة علاقات كينيا الإقليمية. فرغم أن نيروبي حاولت احتواء التوترات بين كيجالي وكنشاسا عبر الوساطات، إلا أن طبيعة تدخلها العسكري في شرق الكونغو أوجدت شكوكًا لدى رواندا بأن كينيا قد تميل إلى طرف دون آخر. رواندا، التي اعتادت لعب دور أمني نشط في المنطقة عبر دعم جماعات مسلحة أو التدخل المباشر، تنظر بعين الريبة إلى أيّ محاولة كينية لتقديم نفسها كوسيط محايد. هذا التباين في التصورات قد يقود إلى سباق نفوذ أمني بين نيروبي وكيجالي؛ حيث يَستخدم كلّ طرف أدوات مختلفة: كينيا عبر بعثات إقليمية متعددة الأطراف، ورواندا عبر التدخل المباشر والدبلوماسية العسكرية. النتيجة المتوقعة هي تكثيف التنافس داخل البحيرات العظمى، ما يُضيف طبقة جديدة من التعقيد على جهود الاستقرار ويضع كينيا في مرمى مقاومة إقليمية مضادة.([13])

التوتر مع أوغندا يُشكّل بدوره ساحة إضافية للتنافس؛ حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والتجارية مع الحسابات السياسية. فالعلاقة بين نيروبي وكمبالا اتَّسمت تاريخيًّا بالتعاون المشوب بالتوتر، خصوصًا مع اعتماد أوغندا الكبير على ميناء مومباسا، مقابل رغبتها في تقليل هذا الاعتماد عبر خيارات بديلة في تنزانيا. الخلافات حول مشاريع البنية التحتية، كخطوط الأنابيب والسكك الحديدية، أفرزت حالة من الشكوك المتبادلة، زادها انخراط كينيا في قضايا إقليمية حساسة قد تراها كمبالا تجاوزًا للخطوط. أوغندا، التي تسعى إلى تعزيز استقلاليتها الإستراتيجية، لن تتردد في استثمار أيّ ثغرات لتقييد التمدد الكيني. وهكذا فإن المنافسة الكينية-الأوغندية ليست مجرد تنافس اقتصادي، بل صراع على من يمتلك الكلمة العليا في شرق إفريقيا.

أخيرًا، لا يمكن فصل هذه التوترات عن موقف إثيوبيا التي تمثل المنافس الأبرز لنيروبي في معركة الزعامة الإقليمية. ورغم تراجع الدور الإثيوبي بفعل حرب تيغراي وما تبعها من أزمات داخلية؛ إلا أن أديس أبابا تظل قوة وازنة بحكم موقعها السكاني والجغرافي واحتضانها لمقر الاتحاد الإفريقي. كينيا قد ترى أن اللحظة مواتية لتجاوز إثيوبيا وملء الفراغ الذي خلفه انكفاؤها الداخلي، لكنّ الواقع يشير إلى أن أديس أبابا لم تتخلَّ بعدُ عن طموحاتها في استعادة موقعها الإقليمي، وربما بدعم غربي أو أمريكي. هذا التداخل في الطموحات قد يخلق حالة تنافس مزمن بين العاصمتين؛ حيث تستخدم كينيا أدوات الوساطة والدبلوماسية الاقتصادية، فيما تراهن إثيوبيا على وزنها التاريخي وعمقها المؤسسي داخل الاتحاد الإفريقي. التوتر بينهما مرشَّح لأن يكون المحور الأبرز في معادلات شرق إفريقيا خلال العقد المقبل.([14])

خامسًا: مستقبل العلاقات الكينية مع دول الجوار

في ضوء التوجهات الجديدة لسياسة نيروبي، تبدو علاقاتها مع دول الجوار مرشَّحة لمزيد من التوتر، خصوصًا مع استمرار الانطباع بأنها دولة تسعى إلى فرض هيمنة إقليمية أكثر من كونها شريكًا متكافئًا. السودان والكونغو الديمقراطية يمثلان المثال الأوضح؛ ففي حين تَعتبر نيروبي نفسها وسيطًا ضروريًّا، ينظر إليها هذان البلدان كطرف مُنحاز أو قوة ذات مصالح خفية في ثرواتهما. هذا التباين في التصورات سيجعل أيّ وساطة كينية مثار جدل دائم، ويضعها في موقع الطرف غير المحايد، ما قد يدفع الخرطوم وكنشاسا إلى البحث عن بدائل إقليمية لتقليص نُفوذها.

التنافس مع القوى الإقليمية الكبرى يُضيف بُعدًا جديدًا لمستقبل علاقات كينيا. فجنوب إفريقيا، التي اعتادت أن تُقدِّم نفسها بوصفها الممثل الأبرز للقارة، ترى في تحركات “روتو” تهديدًا لمكانتها في الاتحاد الإفريقي والمحافل الدولية. كما أن إثيوبيا، رغم انكفائها الداخلي، لن تتخلَّى عن طموحها التاريخي في قيادة القرن الإفريقي، ما يجعلها خصمًا مباشرًا لنيروبي في سباق الزعامة. هذه المعادلة قد تُفْضِي إلى انقسام أوسع في العمل الإفريقي المشترك؛ إذ يتحول التنافس من خلافات ثنائية إلى صراع على تمثيل القارة نفسها، بما ينعكس سلبًا على وحدة الموقف الإفريقي في مواجهة القوى الدولية.

أما مع الدول الأصغر نسبيًّا كأوغندا ورواندا وتنزانيا، فإن العلاقات ستظل محكومة بالتوازن بين التعاون الاقتصادي والارتياب السياسي. أوغندا، مثلًا، قد تستمر في الاعتماد على ميناء مومباسا لكنها تسعى في الوقت نفسه إلى تنويع خياراتها عبر تنزانيا لتقليل النفوذ الكيني. رواندا، التي تراقب دور نيروبي العسكري في الكونغو بعين الريبة، قد تنخرط في سباق نفوذ موازٍ داخل منطقة البحيرات العظمى. حتى تنزانيا، التي تحاول تقديم نفسها كبديل تجاري ولوجستي، قد تستفيد من تنامي المخاوف الإقليمية تجاه نيروبي لتوسيع حضورها. وهذا يعني أن كينيا قد تجد نفسها في شبكة من المنافسات المتقاطعة، تجعل علاقاتها بجوارها مشوبة بالقلق أكثر من التعاون المستقر.

وفيما يبدو في الوقت الراهن فإن كينيا في عهد “وليام روتو” لا تبدو دولةً منشغلة فقط بإطفاء حرائق جوارها المضطرب، بل تظهر كقوة إقليمية صاعدة تعتبر أن الفوضى المحيطة بها تُشكِّل فرصة ذهبية لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية. فبدلًا من أن تدفع نحو الاستقرار بوصفه شرطًا لتكامل المنطقة، تتعامل مع النزاعات في السودان والكونغو، ومع التنافس داخل الاتحاد الإفريقي، باعتبارها مساحات يمكن استغلالها لتوسيع نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي. هذا المنظور يجعلها أكثر خطورة على جيرانها؛ إذ لا تتحرك كرد فعل على الأزمات فقط، بل تسعى أحيانًا إلى تغذيتها أو إعادة توجيهها بما يخدم طموحاتها القيادية. وهنا تتكشف مفارقة أساسية: فبينما ترفع نيروبي خطاب السلام والتنمية، فإن ممارساتها العملية قد تُفضي إلى إطالة أمد الصراعات أو إعادة إنتاجها في صِيَغ جديدة، الأمر الذي يضعها في موضع لاعب مُحفِّز للفوضى بقدر ما هي متأثرة بها.([15])

وختامًا، فإن خطورة كينيا في عهد “روتو” لا تكمن في كونها دولة هشّة تخشى ارتدادات الفوضى، بل في كونها لاعبًا يسعى لتحويل هذه الفوضى إلى أداة لتثبيت نفوذه. فهي تنظر إلى أزمات الجوار لا كتهديد وجودي بل كفرصة إستراتيجية؛ فالتصدعات في السودان تسمح لها بالظهور كوسيط إقليمي لا غِنَى عنه، والانقسامات في شرق الكونغو تمنحها مبررًا لتوسيع حضورها العسكري والاقتصادي، بينما التنافس الدولي على الموانئ والممرات يفتح أمامها مجالًا لتسويق نفسها كحلقة وصل مركزية في التجارة والاستثمار.

هذه العقلية تجعلها “خطرة” على محيطها؛ لأنها لا تكتفي بالتأثر بالتحولات، بل تسعى لامتلاك زمام إدارتها وتوجيهها نحو مصلحتها الوطنية. والنتيجة أن استقرار شرق إفريقيا لم يعد بالنسبة إليها غاية بحد ذاته، بل ورقة تفاوضية تستخدمها وفق حسابات الربح والخسارة. من هنا، يصبح مشروعها الإقليمي قائمًا على معادلة معقدة: كلما اشتد اضطراب الجوار، تعاظمت فرص نيروبي لتكريس زعامتها.

وفي ضوء المعطيات السابقة، يمكن القول: إن كينيا في عهد “وليام روتو” تتحرَّك وفق منطق مزدوج يجعلها أقرب إلى عامل تهديد منه إلى قوة استقرار. فهي من جهة تستثمر خطاب الوساطة والسلام لتعزيز شرعيتها الدولية، لكنها من جهة أخرى تُوظّف الفوضى في جوارها كوسيلة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري. هذا التناقض يُفسِّر قلق جيرانها؛ إذ يرون فيها قوة صاعدة تتغذَّى على هشاشتهم بدلاً من أن تساعد على تجاوزها. وبالتالي، فإن مستقبل الدور الكيني مرهون بمدى قدرته على الموازنة بين طموح الزعامة الإقليمية ومتطلبات بناء الثقة والاستقرار الحقيقي.

………………………….

[1]– هاني رسلان، “كينيا: تحولات الداخل وتداعيات الدور الخارجي”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 10 أغسطس 2023م. https://acpss.ahram.org.eg/News/17741.aspx

[2]– منى عبد الفتاح، “ما بين السودان وكينيا: صراع محاور وسيناريوهات محتملة”، إندبندنت عربية، 2024. https://shorturl.at/uRFcG

[3]– أحمد محمد اسماعيل، “الدور الكيني في الصراعات السياسية في إفريقيا”، منصة قراءات إفريقية، 2024. https://shorturl.at/o9dYh

[4]– المرجع السابق

[5]– “كينيا كقوة متوسطة فاعلة في السياسة الدولية”، موقع قراءات إفريقية، 2022. https://shorturl.at/lMCqg

[6]– الدور الإقليمي الكيني: الإستراتيجيات والتحديات، مركز القرن الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات. https://hornafrica.uk/2025/07/01/kenyan-role/

[7]– د. نادية عبد الفتاح، “كينيا: صورة الوسيط المحايد تتصدع”، مركز الدراسات الحقيقية (True Studies)، 2025. https://truestudies.org/1217/

[8]– “تهدئة مرجحة: نشر كينيا قوات في شرق الكونغو لمواجهة تمرد 23 مارس”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 2023. https://shorturl.at/YzWtS

[9]– عبد القادر محمد “كينيا تتحول شرقاً: قراءة في التوجهات الجديدة”، مركز الجزيرة للدراسات، 2014م. https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2014/04/2014427874296800.html

[10]– هايدي الشافعي، كينيا: سياسة خارجية براغماتية ومخاطر الانكشاف”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (ECSS)، 2024. https://ecss.com.eg/54544/

[11] David Kerich, Robina Abuya, Kenya’s Emergence as a Regional Power, Center for Strategic and International Studies. https://www.csis.org/events/kenyas-emergence-regional-power

[12] Kenya Says ‘Not at War,’ Amid Diplomatic Tensions With Neighbors, Voice of America English News. https://www.voanews.com/a/kenya-says-not-at-war-amid-diplomatic-tensions-with-neighbors/7450130.html

[13] Mvemba Phezo Dizolele, Nick Elebe, Kenya and the Democratic Republic of the Congo, Center for Strategic & International Studies. https://www.csis.org/analysis/kenya-and-democratic-republic-congo

[14] “كينيا بين الحضور الإقليمي والتحديات الداخلية”، مركز الجزيرة للدراسات، 2023. https://studies.aljazeera.net/ar/article/6247

[15]  Kenya and the Democratic Republic of the Congo, ibid.

كلمات مفتاحية: السياسة الخارجيةتوازناتوليام روتو
ShareTweetSend

مواد ذات صلة

الصحافة الإسرائيلية وجدل متزايد حول الأولويات والقرارات المتعلقة بإفريقيا

الصحافة الإسرائيلية وجدل متزايد حول الأولويات والقرارات المتعلقة بإفريقيا

سبتمبر 25, 2025
قراءة في كتاب “إفريقيا في الاقتصاد العالمي”:  رأس المال الهارب، التبعية المالية، وحدود التحرُّر

قراءة في كتاب “إفريقيا في الاقتصاد العالمي”: رأس المال الهارب، التبعية المالية، وحدود التحرُّر

سبتمبر 24, 2025
تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

سبتمبر 24, 2025
الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

سبتمبر 23, 2025
ساموري توري: بونابرت إفريقيا

ساموري توري: بونابرت إفريقيا

سبتمبر 23, 2025
تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

سبتمبر 22, 2025

ابحث في الموقع

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
يشغل حاليا

تويتر

Follow @qiraatafrican

الأكثر قراءة (أسبوع)

صمود الأبطال: ثورة الشيمورنجا الأولى ضد الاستعمار البريطاني في زيمبابوي خلال القرن التاسع عشر

صمود الأبطال: ثورة الشيمورنجا الأولى ضد الاستعمار البريطاني في زيمبابوي خلال القرن التاسع عشر

أكتوبر 20, 2024

حظر اتحاد “فيسي” الإيفواري.. واتارا يدهس “بيادق” غباغبو على رقعة الحرم الجامعي!

أكتوبر 22, 2024

الاتحاد الإفريقي والشراكات في مجال إصلاح قطاع الأمن

أكتوبر 22, 2024

صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء وعوامل دَفْعها

أكتوبر 6, 2024

الانتخابات التشريعية في السنغال: الرهانات في مبارزة عن بُعْد بين عثمان سونكو وماكي سال

أكتوبر 21, 2024

ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

سبتمبر 28, 2025

فيسبوك

‎قراءات إفريقية‎
  • قراءات تاريخية
  • متابعات
  • مكتبة الملفات
  • منظمات وهيئات
  • الحالة الدينية
  • حوارات وتحقيقات
  • أخبار
  • الحالة الدينية
  • المجتمع الإفريقي
  • ترجمات
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • ثقافة وأدب

الأقسام

  • المجلة
  • كتاب قراءات
  • الموسوعة الإفريقية
  • إفريقيا في المؤشرات
  • دراسات وبحوث
  • نظرة على إفريقيا
  • الصحافة الإفريقية

رئيس التحرير

د. محمد بن عبد الله أحمد

مدير التحرير

بسام المسلماني

سكرتير التحرير

عصام زيدان

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية. تطوير شركة بُنّاج ميديا.

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
  • الموسوعة الإفريقية
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • دراسات وبحوث
  • ترجمات
  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الأخبار
    • الحالة الدينية
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • مكتبة الملفات
    • منظمات وهيئات
    • نظرة على إفريقيا
    • كتاب قراءات إفريقية

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية بواسطة بُنّاج ميديا.