شهدت العاصمة الجزائرية الجزائر (30 نوفمبر -1 ديسمبر 2025) فعاليات المؤتمر الدولي حول جرائم الحرب في إفريقيا، والذي جرى عقده بناء على توصيات القمة الإفريقية الأخيرة (أديس أبابا فبراير 2025) وبمقتضى شعار قمة الاتحاد الإفريقي للعام الجاري بالمطالبة بتعويضات عن جرائم الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية. وشارك في المؤتمر دبلوماسيون وعلماء وخبراء قانونيون لمناقشة كيفية البدء عمليًا في هذا المسار الذي ضم ممثلون من إفريقيا ودول الكاريبي.
ويتناول المقال الأول تغطية لفعاليات المؤتمر وخطوط عمله العريضة؛ أما المقال الثاني فتناول مسألة تطبيقية مهمة للغاية وهي تجربة ناميبيا التي لا تزال تعاني حاليًا من خلل سكاني واضح نتيجة إقدام الاستعمار الألماني على إبادة مئات الالاف من سكان البلاد بشكل منهجي ومستدام، ويتعرض المقال لأفكار طرحتها وزيرة خارجية ناميبيا خلال مشاركتها في المؤتمر. ويتناول المقال الثالث والأخير خلاصات عامة حول المؤتمر.
المشاركون في مؤتمر الجزائر يدعون لاعتراف رسمي بجرائم الاستعمار([1]) :
جدد القادة الأفارقة المجتمعون في المؤتمر الدولي حول جرائم الحرب في إفريقيا، الذي افتتح أعماله في 30 نوفمبر الماضي في الجزائر العاصمة، مطلبهم باعتراف رسمي وصريح بالجرائم المرتكبة ضد شعوب بلادهم طوال قرون من الحكم الاستعماري.
وفي كلمته الافتتاحية في المؤتمر الذي عقد في مركز عبد اللطيف رحال الدولي للمؤتمرات برعاية رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، أكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن “لإفريقيا كل الحق في المطالبة باعتراف رسمي وصريح بالجرائم المرتكبة ضد شعوبها خلال العهد الاستعماري”. ووصف مثل هذا الاعتراف “بالحد الأدنى والخطوة الأولى الأساسية نحو ماوجهة أرث الاستعمار المستمر، والذي لا تزال الدول والشعوب الإفريقية تدفع ثمنًا باهظًا له عبر الإقصاء والتهميش والتخلف”.
وأكد وزير الخارجية أن لإفريقيا الحق الكامل في المطالبة بتجريم الاستعمار وفق القانون الدولي، مقتبسًا مقولة المفكر الثوري الجزائري فرانز فانون” أن الاستعمار ليس آلة فكرية، وليس جسدًا يتصرف بمنطق، إن عنف في حالته الطبيعية.”
ودعمًا لهذه الدعوة أكد المشاركون على أن أهداف المؤتمر الأساسية تتضمن تعميق الرؤية الجماعية من أجل دعم العمل الإفريقي الموحد بهدف تجريم الاستعمار والرق والتفرقة العرقية والأبارتهيد، وتصنيفها كجرائم ضد الإنسانية بما يتفق مع التوصيات ذات الصلة بالاتحاد الإفريقي.
وحث بانكول أديوي Bankole Adeoye، مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن “الأفارقة على توحيد جهودهم في هذه المبادرة”، لافتًا إلى وجوب “تقوية الوحدة بين الدول الإفريقية ومشاركة الأفارقة في الشتات”، مضيفًا أنه “من الضروري للغاية الإسراع في التحولات الإيجابية الجارية في القارة لبناء إفريقيا أكثر قوة”.
ومن جانبه دعا وزير الخارجية الأنجولي أنطونيو تيتي الدول الإفريقية لتبني مقاربة مشتركة نحو الآثار المستمرة للنظم الاستعمارية من أجل تفعيل أكبر للمطالبة بتعويضات عن قرون من الظلم.
وأكد تيتي: “يجب على الدول الإفريقية أن تضع أساسًا قويًا ومنصة موحدة من أجل التعويضات من القوى الاستعمارية السابقة بحيث تكون تعويضات ملزمة للدول المعنية”، وفي هذا الصدد أبرز أهمية تطوير مناهج مدرسية مشتركة، والاحتفاء بالتنوع الثقافي، وتطبيق سياسات تنمية حقيقية، وتقوية الصلات مع الشتات كعوامل تسريع رئيسة في هذا السياق.
أما ممثل جماعة دول الكاريبي Caribbean Community (CARICOM) إريك فيليبس فقد أكد على الآثار التي لا تزال محسوسة للاستعمار على مستويات متعددة، وتتطلب عملًا واضحًا لتحقيق العدالة”ن مؤكدًا أنه علين “التحرك من ان نكون ضحايا إلى أن نكون صانعون للعدالة”.
ناميبيا تطالب بالعدالة من جرائم الاستعمار([2]) :
دعت (وزيرة خارجية) ناميبيا إلى التجريم الدولي للاستعمار، قائلة أن القانون الدولي “قد تجاهل متعمدًا” الفظائع التي تم ارتكابها في إفريقيا وتركت فجوة محاسبية واسعة يجب سدها في نهاية المطاف.
وكانت سلمى أشيبالا- موسافيي Selma Ashipala-Musavyi، وزيرة العلاقات الدولية، قد قادت وفد بلادها في المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في الجزائر، حيث تدفع الدول الإفريقية والكاريبية تجاه تبني مقاربة موحدة من أجل التعويضات والعدالة.
ومثل المؤتمر الذي انعقد في 30 نوفمبر- 1 ديسمبر من العام الجاري خطوة هامة كونه انعقد تحت شعار “تحو إصلاح المظالم التاريخية عبر تجريم الاستعمار”.
وقالت الوزيرة الناميبية في حديثها لصحيفة نيو إرا New Era أن أولوية ناميبيا الرئيسة في المؤتمر هي دعم خطة إفريقيا لجمع قوانين إزاء جرائم الاستعمار ورفع المسألة للأمم المتحدة.
وأكدت “أننا ندعم وضع قوانين لمحاسبة جرائم الاستعمار. ويجب الاعتراف بجرائم الحرب هذه في القانون الدولي على نحو يشبه الاعتراف بالإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.
وأضافت أن الأداة القانونية القائمة كانت “عمياء تجاه الجرائم الاستعمارية، وتعاملها على أنها أحداث نائية، بل وتحولها إلى أحداث غير مرئية تقريبًا” رغم أن هذه الجرائم موثقة على نحو جيد للغاية.
وقالت الوزيرة أن المؤتمر يميز بداية جهد قاري لتعريف جرائم الحرب، والاتفاق على موقف موحد للاتحاد الأفريقي، وبناء قضية قانونية من اجل الاعتراف الدولي.
وقالت إن المؤتمر “أطلق عملية. ونعرف انها ستكون معركة محتدمة، لكننا سعداء أن إفريقيا تتحدث بشكل متناسق”.
ولاحظت أنه تم جمع العلماء والقانونيين والمؤرخين من إفريقيا والكاريبي معًا من أجل بناء أساس قانوني قوي قبيل إعلان الجزائر المرتقب.
تاريخ مؤلم:
وذكَرت الوزيرة الناميبية الوفود الحاضرة في المؤتمر بأن ناميبيا واحدة من أكثر الدول التي تأثرت بجرائم الاستعمار، وأنها قد شهدت إبادة مستمرة، ونزع ملكية الأراضي لصالح الاستعمار، والأبارتهيد.
وفي المؤتمر وصفت الوزيرة الناميبية الإبادة التي مارسها الاستعمار الألماني ضد جماعات الأوفاهيريرو Ovaherero والناما Nama في الفترة 1904-1908 باعتبارها “أول إبادة في القرن العشرين” والتي قتلت نحو 80% من الأوفاهيريرو و50% من الناما، مخلفة ضررًا اقتصاديًا وسيكولوجيًا مستمرًا.
واستطردت قائلة أن “جروح العنف الاستعمار تستمر من جيل لآخر. إن الأثر المعنوي واضح: على إفريقيا أن تكون غطارًا قانونيًا يحاسب المعتدين”.
وعندما سُئلت الوزيرة عن التعويضات المحددة التي قد تتوقعها ناميبيا من ألمانيا وقوى استعمارية أخرى قالت أشيبالا- موسافيي أنه على إفريقيا في المقام الأول أن تقوي موقفها القانوني قبل المطالبة بتعويضات.
وأضافت “نحن بحاجة لأن نرفع معًا دعوى قانونية. إن المبدأ محل اتفاق. أما الخطوة التالية فتمثل التحرك العملي”. أما على مستوى المحادثات الثنائية للتعويضات بين ألمانيا وناميبيا فقد قالت أن البلدين اقتربا من إتمام إعلان مشترك.
وأوضحت “لقد توصلنا بالفعل لذلك تقريبًا. لكن لا تزال هناك قضايا قليلة لتسويتها، لكننا متفائلون إزاءها. إن ما نقوم به هنا في الجزائر يتفق مع جهد غلق هذا الفصل المؤلم”.
فجوة المحاسبة:
وقالت أشيبالا- موسافيي أن الفجوة توجد بسبب أن القانون الدولي، كما حاله اليوم، يستبعد الجرائم الاستعمارية، رغم الأدلة المتعاظمة على أن الاستعمار يتعلق بعمليات قتل منهجية ونزع ملكية وعمالة إجبارية وتدمير ثقافي واضطهاد عرقي.
وأضافت أن ” القانون الدولي والعدالة الجنائية الدولية كانا يتجاهلان الجرائم الاستعمارية. فقد استبعدتها أدوات قانونية رئيسة، لكنهما كانتا تعاملان الجرائم على أنها أحداث نائية وتحويلها إلى أمور غير منظورة بالفعل”.
وكانت الجرائم الدولية المعترف بها حاليًا، مثل الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، قد تم تصنيفها بعد الحرب العالمية الثانية في وقت كانت فيه الكثير من القوى الوروبية تحكم الأراضي الإفريقية.
ونتيجة لذلك، كما قالت الوزيرة، فإن النظام كان مصممًا على نحو يحمي القوى الاستعمارية من المحاسبة، فيما يضع عبء الشكوى على المستعمرات السابقة.
وتضيف أن النظام الاقتصادي (العالمي) يضغط أيضًا على إفريقيا وأن “الدول الإفريقية مضطرة للالتزام بالقوانين التي لم تسهم في وضعها. وهذا جزء من إرث الاستعمار، ويجب تصحيحه”.
ويعتبر مؤتمر الجزائر أول خطوة رئيسة لتحقيق شعار الاتحاد الأفريقي للعام 2025 بوجوب تحقيق العادالة للأفارقة وذوي الأصول الإفريقية عبر التعويضات.
ويهدف المؤتمر إلى بناء موقف أفريقي مشترك والتمهيد لرفع القضية أمام الأمم المتحدة. وقالت الوزيرة الناميبية أن الاتحاد الأفريقي قد عين بالفعل مجموعة مرجعية من الخبراء القانونيين للبدء في عمل تقني من أجل تحديد الجرائم الاستعمارية وتطوير أدوات قانونية للتعزيضات.
وجمع المؤتمر عدد من الحكومات والمؤرخين والعلماء والقانونيين ووفود من البحر الكاريبي يعملون جميعًا على وضع خطة محددة. وأكدت أشيبالا- موسافيي بحسم أن الوقت لا يمحو المسئولية.
“إن المسألة ليس متى ارتكبت هذه الجرائم. بل المسألة أنه تم ارتكابها، وأنها وُثقت. يجب على القانون الدولي التحرك نحو الجرائم الاستعمارية إن كان حريصًا على إقامة العالمية والمساواة والعدالة”.
وقالت أن إصلاح المؤسسات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن والنظم المالية الدولية، مسألة ضرورية لأنه يعكس اختلالات توازن القوى في العصر الاستعماري، مضيفة “لا يمكن للنظام الدولي مواصلة إجبار الدول الإفريقية على اتباع القوانين التي لم تساعد في وضعها.”
الدول الإفريقية تدفع للحصول على تعويضات لضحايا الاستعمار([3]):
تكثف الدول الإفريقية جهودها لتأمين تعويضات عن جرائم العصر الاستعماري التي أحدثت دمارًا شائعًا في القارة وخارجها. وقد التقى في 30 نوفمبر الماضي دبلوماسيون وقادة أفارقة من أجل الدفع بقرار الاتحاد الإفريقي الذي تم إدخاله في وقت سابق من العام الجاري ويطالب بالعدالة والتعويضات عن أضرار الاستعمار. وذكر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف تجربة بلاده في ظل الحكم الاستعماري مؤكدًا على أن المحاسبة الحقيقية تتطلب تعويضًا وإعادة الأملاك المسروقة، وان هذا الحل ليس هدية ولا معروفًا.
وتمثل الدفعة التي قدمها مؤتمر الجزائر للمطالبة بالتعويضات بناء على مناقشات سابقة من قمة الاتحاد الإفريقي في فبراير 2025 حيث دعم القادة الأفارقة اقتراحًا باتخاذ موقف موحد حول مسالة التعويضات ومن أجل التصنيف الرسمي للاستعمار بأنه جريمة ضد الإنسانية.
ويعكس هذا الجهد القيم الدولية التي تجرم الرق والتعذيب والأبارتهيد وتمنع الاستيلاء على الأراضي بالقوة وفق ميثاق الأمم المتحدة.
بأي حال فإن الميثاق لم يعالج بوضوح مسألة الاستعمار. وفي قمة فبراير استكشف القادة خطة لبناء موقف موحد حول مسألة لاتعويضات والتصنيف الرسمي للاستعمار على أنه جريمة ضد الإنسانية.
وأكد القادة على على الخسارة الاقتصادية الكبيرة جراء الحكم الاستعماري، والتي تقدر بتريليونات الدولارات، لأن القوى الأوروبية قامت باستخراج ثروات كبيرة من الموارد الطبيعية الإفريقية عبر سبل الاستغلال العنيف ووترك المجتمعات في وضع مفقر تمامًا.
كما تتسق الدفعة التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي مع الدعوات المتصاعدة في أرجاء القارة لإعادة القطع الأثرية التي تم سلبها خلال العصر الاستعماري ولا تزال موجودة في المتاحف الأوروبية.
وأكد وزير الخارجية الجزائري عطاف على ان استضافة المؤتمر في الجزائر أمر كان مقصودًا في ضوء تاريخ البلاد في مواجهة الحكم الاستعماري الفرنسي المتوحش ونضالها الدموي من أجل نيل الاستقلال.
وذكر أن الجزائر طالما نادت بمعالجة مسألة الاستعمار في القانون الدولي، فيما واجهت بعناية التوتر مع فرنسا في هذا الملف، حيث لا يزال إرثها الحربي مسألة ذات حساسية سياسية.
…………………………………………………………………………..
[1] Latifa Ferial Naili, Algiers International Conference: Participants call for official acknowledgment of colonial crimes in Africa, AL24News, December 1, 2025 https://al24news.dz/en/algiers-international-conference-participants-call-for-official-acknowledgment-of-colonial-crimes-in-africa/
[2] Loide Jason, Namibia demands justice for colonial crimes, New Era, December 2, 2025 https://neweralive.na/namibia-demands-justice-for-colonial-crimes/
[3] Jeroslyn JoVonn, African Nations Push for Reparations for Victims of Colonialism, Black Enterprise, December 2, 2025 https://www.blackenterprise.com/african-nations-push-reparations-victims-colonialism











































