شهدت غينيا بيساو انقلابًا عسكريًا يوم الأربعاء الموافق 26 نوفمبر 2025م، وذلك عشية الموعد المحدد للإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي شهدتها البلاد يوم الأحد الموافق 23 نوفمبر 2025م، والتي كان أبرز المتنافسين فيها الرئيس المنتهية ولايته عمر سيسكو إمبالو، والمرشح المستقل فرناندو دياس دا كوستا المدعوم من الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC) الذي يتزعم منصة التحالف الشامل (PAI -Terra Ranka)، واللذان تم منعهما من خوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبجانبهم التحالفات والأحزاب السياسية ذات الثقل في المشهد السياسي، وهو ما جعل العملية الانتخابية محلّ شكّ كبير بعد هندستها سياسيًّا؛ من خلال إقصاء المعارضة بما يضمن فوز الرئيس سيسكو بولاية رئاسية ثانية، مع ضمان فوز التحالف الموالي له في الانتخابات التشريعية، ومع ارتفاع حالة التوتر قبيل إعلان النتائج الأولية مِن قِبَل اللجنة الوطنية للانتخابات في غينيا بيساو (CNE)، جاء هذا الانقلاب العسكري ليضع حدًّا للعملية الانتخابية، ويفتتح فصلًا جديدًا من تاريخ تدخُّل المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي في البلاد، التي كانت ولا زالت تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والانقسام المؤسسي على مدار تاريخها السياسي.
ومن خلال هذه الدراسة يمكن تناول أزمة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي شهدتها غينيا بيساو، وذلك بوصفها العامل الرئيسي والمباشر في حدوث هذا الانقلاب العسكري، مع عرض وتحليل الأسباب والتداعيات التي أسفر عنها هذا الانقلاب، فضلًا عن تناول مستقبل المشهد السياسي في غينيا بيساو خلال الفترة المقبلة، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولًا: أزمة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في غينيا بيساو 2025م:
حتى نستطيع فَهْم معالم الأزمة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية في غينيا بيساو لا بد أن نستعرض الأُطُر القانونية والتفاعلات السياسية المتعلقة بهذه الانتخابات، وهو ما يمكن عرضه فيما يلي:
1-النظام الانتخابي لاختيار رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان:
لقد حددت مواد دستور غينيا بيساو الصادر في عام 1984م، وقانون الانتخابات الصادر في 2013م النظام الانتخابي لاختيار الرئيس وأعضاء البرلمان، ويمكن عرضه فيما يلي:
أ-مدة ولاية الرئيس وطريقة الاقتراع ونظام الفوز:
وفقًا لنص المادة 66 من الدستور، فإن مدة ولاية الرئيس تكون محددة بخمس سنوات، ولا يجوز للرئيس أن يترشح لولاية رئاسية ثالثة متتالية، ولا خلال السنوات الخمس التالية لانتهاء مدة ولايته الثانية، وإذا استقال الرئيس من منصبه فلا يجوز له الترشح للانتخابات التالية ولا الانتخابات التي تُجرى خلال السنوات الخمس التالية لاستقالته.
وفيما يتعلق بطريقة الاقتراع ونظام الفوز؛ فقد نصت المادة 63 من الدستور على أنه يُنتَخب رئيس جمهورية غينيا بيساو بالاقتراع الحر المباشر والمتساوي والسري والدوري مِن قِبَل الناخبين المسجلين في البلاد، وأضافت المادة 64 من الدستور أن الرئيس يُنتَخب بالأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة، وفي حالة عدم حصول أيٍّ من المرشحين على الأغلبية المطلقة تجري جولة انتخابية ثانية خلال 21 يومًا يشارك فيها فقط المرشحان الحاصلان على أعلى عدد من الأصوات.([1])
ب-مدة ولاية أعضاء البرلمان وطريقة الاقتراع ونظام الفوز:
لقد نصت المادة 79 من الدستور، على أن مدة الدورة التشريعية للجمعية الوطنية الشعبية أربع سنوات تبدأ مع إعلان نتائج الانتخابات، وهو ما يعني أن مدة ولاية عضو البرلمان تكون 4 سنوات، وهو ما ذكرته أيضًا المادة 113 من قانون الانتخابات؛ حيث نصت على أن الجمعية الوطنية الشعبية تتألف من 102 نائب، يتم انتخابهم لمدة 4 سنوات.([2])
ومن وجهة نظرنا، تحتاج هذه المدة إلى تعديل بحيث تكون مدة عضوية البرلمان 5 سنوات لتكون متناسبة مع مدة ولاية رئيس الجمهورية؛ بحيث يتم عقد انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية ومحلية في وقت واحد، تسهيلًا للإجراءات وتوفيرًا للنفقات المطلوبة لعقد أكثر من عملية انتخابية.
وفيما يتعلق بطريقة الاقتراع فقد حددتها المادة 77 من الدستور؛ حيث نصت على أنه يُنتَخب أعضاء البرلمان من الدوائر الانتخابية التي يُحدّدها القانون عن طريق الاقتراع العام الحر المتساوي والمباشر والسري والدوري.
وفيما يخص النظام الانتخابي لانتخاب أعضاء البرلمان فقد حددته المواد 114، 120، 121، 122، 123 من قانون الانتخابات؛ حيث نصت المادة 114 من قانون الانتخابات على أنه يتم تقسيم البلاد إلى 29 دائرة انتخابية، منها 27 دائرة داخل البلاد مخصَّص لها 100 مقعد من مقاعد البرلمان، ودائرتين في الخارج يُخصّص لهما مقعدان يمثلان أبناء غينيا بيساو في الشتات؛ مقعد يمثل الشتات المقيم في أوروبا، ومقعد يمثل الشتات المقيم في إفريقيا. كما تم اختيار نظام التمثيل النسبي متعدد المقاعد في الدوائر الانتخابية الوطنية، وفقًا لطريقة هوندت للتمثيل النسبي، وبجانب ذلك فقد صدر قانون في 2018م فرض على الأحزاب تخصيص نسبة 36% من قوائمها المُقدَّمة للترشح في الانتخابات للنساء، بهدف تحقيق التمكين السياسي للمرأة.([3])
2-شروط الترشح لانتخابات الرئاسة والبرلمان:
فيما يتعلق بشروط الترشح للرئاسة فقد وردت في دستور غينيا بيساو في المادة 63 من الدستور، وقانون الانتخابات، وتتمثل هذه الشروط فيما يلي:
1-أن يكون المرشح غينيًّا من حيث الأصل، وأن يكون أبواه غينيي الأصل.
2-أن يبلغ من العمر 35 عامًا عند الترشح.
3-أن يكون راغب الترشح متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية.
4-أن يكون اسمه مسجلًا في القائمة الانتخابية.
5-أن يتم التصديق على ترشحيه مِن قِبَل اللجنة الانتخابية الوطنية (CNE).
6-أن يتم تقديم طلب الترشح بدعم من الأحزاب السياسية أو الائتلافات الحزبية المُشكَّلة بشكل قانوني، أو الترشح بصورة مستقلة بشرط تقديم توكيلات شعبية؛ بحيث لا يقل عددها عن 5000 توكيل صادرة من الناخبين المؤهلين للتصويت في الانتخابات، على أن تكون تلك التوكيلات تضم ناخبين من 5 مناطق على الأقل من مناطق البلاد، ولا يجوز للأحزاب والائتلافات والناخبين أن يدعموا أكثر من مرشح في وقت واحد، وذلك وفقًا لما نص عليه قانون الانتخابات في المادة 103.
وفيما يخص شروط الترشح للبرلمان؛ فقد نص قانون الانتخابات في مادته 118 على تلك الشروط والتي تتمثل فيما يلي:
1-أن يكون مواطنًا يحمل جنسية غينيا بيساو.
2-أن يكون بالغًا سن 21 عامًا.
3-أن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية.
4-أن يكون اسمه مسجلًا في القائمة الانتخابية.([4])
3- خريطة الانتخابات، وقائمة المرشحين، والحملة الانتخابية:
أ-خريطة الانتخابات:
-مواعيد الانتخابات:
لقد كان موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية محلًّا للخلاف والجدل بين القوى والأحزاب السياسية المختلفة في غينيا بيساو؛ حيث إنه بالنسبة لموعد إجراء الانتخابات الرئاسية فقد كانت القوى المعارضة للرئيس “سيسكو” ترى أن موعد انتهاء ولايته الرئاسية الأولى التي استمرت لمدة 5 سنوات، كان محددًا في تاريخ 27 فبراير 2025م، ولهذا كان هناك دعوات من هذه الأحزاب المعارضة للرئيس “سيسكو”، وعلى رأسها الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر (PAIGC)، والتحالف الوطني الشامل (API-Cabas Garandi)، ومنصة التحالف الشامل (PAI -Terra Ranka)، بإجراء انتخابات رئاسية في نوفمبر 2024م قبل حلول تاريخ 27 فبراير 2025م؛ لأنه الموعد الذي ستنتهي فيه فترة ولايته الأولى باعتبار أنه أدَّى اليمين الدستورية في حفل رمزي بفندق في بيساو في تاريخ 27 فبراير 2020، بينما كان الرئيس سيسكو يرى أن موعد انتهاء فترة ولايته في تاريخ 4 سبتمبر 2025م، باعتبار أن المحكمة العليا للعدل قد فصلت في النزاع الانتخابي المتعلق بانتخابات 2019م، وأعلنت حكمها النهائي الذي قضى بفوز “سيسكو” في تاريخ 4 سبتمبر 2020م، وهو التاريخ الذي يبدأ فيه احتساب مدة ولاية الرئيس في وجهة نظره.([5])
ونظرًا لرفض المعارضة لهذه الرؤية التي يراها الرئيس “سيسكو”، فقد قام البرلمان المنحل الذي تهيمن عليه المعارضة بعقد جلسة افتراضية في فبراير 2025م، وأعلنوا عن أن موعد انتهاء مدة ولاية الرئيس “سيسكو” محددة بتاريخ 27 فبراير 2025م، كما أعلنوا كافة المنظمات الدولية والإقليمية أن انتهاء ولاية الرئيس “سيسكو” محدد بهذا التاريخ، بجانب دعوة زعماء المعارضة إلى تنظيم إضراب وطني في هذا التاريخ مما جعل الحكومة تنشر قوات الأمن في العاصمة.
وردًّا على مواقف المعارضة فقد قام أنطونيو أفونسو رئيس الحزب الجمهوري من أجل الاستقلال والتنمية (PRID)، وهو أحد الأحزاب الداعمة والموالية للرئيس “سيسكو” بتقديم طلب إلى المحكمة العليا للعدل بصفتها المحكمة الدستورية لتحدد مدة انتهاء ولاية الرئيس “سيسكو”، وقد أعلنت المحكمة أن مدة ولايته تنتهي في 4 سبتمبر 2025م، كما يظل الرئيس في مهام عمله بعد انتهاء هذا التاريخ لحين انتخاب وتنصيب رئيس جديد ليتم تسليمه مقاليد السلطة في البلاد، ومن جهتها شكّكت المعارضة في قرار المحكمة الدستورية الذي وقَّعه رئيسها القاضي أندريه ليما، والذي يُعتبر مقربًا من الرئيس “سيسكو”؛ حيث قام بتعيينه رئيسًا للمحكمة العليا في نوفمبر 2023م خلفًا للقاضي خوسيه بيدرو سامبو، والذي استقال من منصبه في أعقاب إرسال رجال مسلحين بزي عسكري إلى منزله.([6])
وفيما يتعلق بموعد الانتخابات التشريعية فقد كان كذلك محلًا للخلاف؛ حيث إنه في أعقاب حلّ الرئيس “سيسكو” للبرلمان في 4 ديسمبر 2023م بعد محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها البلاد في هذا التاريخ، تم النقاش حول تنظيم انتخابات تشريعية جديدة تراعي المدة الدستورية المحددة بـ90 يومًا لإجراء الانتخابات بعد حلّ المجلس، وقد تم الحديث عن إمكانية عقدها في يونيو 2024م، لكن أُجِّلت الانتخابات إلى نوفمبر 2024م لاحقًا، غير أنه نظرًا للخلاف المستمر بين الأحزاب السياسية، فقد تم تأجيل موعد إجراء هذه الانتخابات لموعد غير محدد، بعد أن خلصت الحكومة إلى أنّ الظروف غير مناسبة لإجرائها في ذاك التوقيت بعد مشاورتها مع الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني.
ومع إعلان حكومة غينيا بيساو في يناير 2025م عن رغبتها في تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في وقتٍ واحد خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2025م، اعترضت أحزاب المعارضة كذلك على هذا الموعد، معتبرين اقتراح الحكومة غير قانوني وغير ملزم، غير أن الرئيس “سيسكو” بعد اجتماعه مع الأحزاب السياسية قام بإصدار مرسوم رئاسي في مارس 2025م حدَّد فيه موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يوم 23 نوفمبر 2025م، وذلك رغم رفض أحزاب المعارضة لهذا التاريخ ومقاطعتها اجتماع الرئيس وإصدارها بيانًا أعربت خلاله عن كون المرسوم الرئاسي باطلًا، رافضين المشاركة في عمليات الحوار التي يقوم بها الرئيس إلا من خلال الوساطة التي كانت تقوم بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)؛ حيث كانت الإيكواس قد أرسلت بعثة لمساعدة الطبقة السياسية للتوافق حول موعد الانتخابات وتحديد جدول زمني مناسب لعقدها يحظى بالإجماع، لكنّ الرئيس “سيسكو” هدَّد بطرد هذه البعثة بحجة أنها تجاوزت الصلاحيات المُحدَّدة لها، بعد عقدها اجتماعات مع أشخاص غير مدرجين في برنامج البعثة المتفق عليه مع الحكومة، وهو ما جعل فريق البعثة يغادر غينيا بيساو في مطلع مارس 2025م، وفي النهاية تم اعتماد التاريخ الذي حدده الرئيس ليكون موعدًا لإجراء الانتخابات؛ حيث أصدرت اللجنة الوطنية للانتخابات تقويمها الانتخابي وفقا لمرسوم الرئيس “سيسكو”.([7])
-الجهات المُنظِّمة للانتخابات:
تُعدّ اللجنة الوطنية للانتخابات في غينيا بيساو (CNE) هي الجهة الأساسية المسؤولة عن تنظيم العملية الانتخابية بداية من عملية تسجيل الناخبين، وانتهاءً بإعلان نتائج الانتخابات ونشرها، سواء الانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو البلدية، كما أن المحكمة العليا للعدل في غينيا بيساو (STJ) هي الجهة المسؤولة عن الفصل في النزاعات الانتخابية التي قد تحدث خلال الانتخابات، وكذلك هي المسؤولة عن البتّ في الطعون الانتخابية المتعلقة بنتائج الانتخابات، كما أن قرارات هذه المحكمة نهائية وغير قابلة للطعن.
ب-قائمة المرشحين:
لقد أعلنت المحكمة العليا للعدل في غينيا بيساو (STJ)، عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في الانتخابات الرئاسية، وذلك يوم 15 أكتوبر 2025م؛ حيث صادقت المحكمة بكامل هيئتها على قبول ملفات 12 مرشحًا للرئاسة من بين 15 مرشحًا؛ حيث تم رفض ملفات اثنين من المرشحين، وانسحب مرشح آخر من السباق، ويمكن عرض هؤلاء المرشحين المقبولين، وانتماءهم الحزبي، وخلفياتهم السياسية وفقًا للترتيب الذي ورد في القائمة التي أعلنتها المحكمة من خلال الجدول التالي:

المصدر: من إعداد الباحث وفقًا للقائمة النهائية التي أعلنتها المحكمة العليا للعدل في غينيا بيساو
وإذا أردنا تحليل الوزن النسبي لكل مرشح من هؤلاء المرشحين وفرص فوزه في الانتخابات بناء على خلفيته السياسية، والتحالفات الانتخابية والحزبية الداعمة له؛ نجد أن المنافسة تتركز في الأساس بين أربعة مرشحين وهم كل من:
1-“عمر سيسكو” إمبالو: وهو من مواليد سبتمبر 1972م، ويبلغ من العمر الآن 53 عامًا، وينتمي إلى مجموعة الفولاني الإثنية ثاني أكبر مجموعة إثنية في البلاد؛ حيث تمثل نحو 20% من السكان، ومن حيث الدين فهو يعتنق الإسلام السني، وعلميًّا فقد حصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة التقنية في لشبونة بالبرتغال، ثم حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من مدريد، وكذلك حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من مدريد، وكذلك درس في إسرائيل في مركز تل أبيب للدراسات الإستراتيجية الدولية، بجانب إجادته لعدة لغات؛ من بينها البرتغالية والفرنسية والإسبانية والعربية، ومهنيًّا فهو ضابط سابق في القوات المسلحة؛ حيث ترك الجيش في عام 2005م، وقد تولَّى منصب رئيس وزراء غينيا بيساو خلال الفترة من نوفمبر 2016م إلى يناير 2018م؛ حيث استقال من منصبه، ويُعدّ هو المرشح الذي كان متوقعًا فوزه بنسبة كبيرة وفقًا لاستطلاعات الرأي؛ وذلك لكونه الرئيس المنتهية ولايته، ويحظى بدعم قوي من تحالف المنصة الجمهورية “دعونا نبني غينيا” PRNKG))، وهو تحالف انتخابي مكون من 16 حزبًا سياسيًّا تم تأسيسه في 25 سبتمبر 2024م لخوض الانتخابات التشريعية بصورة مشتركة، وكذلك لدعم ترشح الرئيس “عمر سيسكو” لولاية رئاسية ثانية.
وتتمثل مكونات هذا التحالف في كلٍّ من حركة التناوب الديمقراطي (MADEM G-15) الجناح الداعم للرئيس بقيادة أدجا ساتو كامارا بينتو، وحزب التجديد الاجتماعي (PRS) الجناح الداعم للرئيس بقيادة فيليكس بلوتنا ناندونجي، وحزب حركة مقاومة غينيا بيساو (RGB)، وحزب الديمقراطية الجديدة (PND)، والمؤتمر الوطني الإفريقي (CNA)، والحزب الإفريقي من أجل الحرية والتنمية في غينيا (PALDG)، وحزب نور غينيا بيساو (PLGB)، والحزب الإفريقي من أجل السلام والاستقرار الاجتماعي (PAPES)، والحركة الوطنية (MP)، والحزب الجمهوري من أجل الاستقلال والتنمية (PRID)، والحزب الديمقراطي الاجتماعي المتحد (PUSD)، وحزب غينيا الديمقراطية الجديدة (PNGD)، والحزب الجمهوري الغيني (PRG)، وحزب البيان الشعبي (PMP)، وحزب المصالحة والعمل (PRT)، وأخيرًا حزب العمال الغيني (PTG). وبحسب الوثيقة التي وقَّعت عليها أحزاب هذا التحالف فقد أعلنوا أن هدف التحالف هو ضمان الاستقرار السياسي في غينيا بيساو، وضمان إعادة انتخاب الرئيس “سيسكو” لولاية رئاسية ثانية، وإنشاء قوة سياسية مستقرة تكون قادرة على تحقيق التنمية والإصلاح وتحديث البلاد، وقد تعهَّدت أحزاب التحالف بتشكيل حكومة ائتلافية تمثل الأحزاب التي تشكل التحالف في حالة إعادة انتخاب الرئيس “سيسكو”.([8])
وبجانب هذه الأحزاب المنضمة للتحالف استطاع الرئيس “سيسكو” الحصول على دعم بعض النخب السياسية ذات الثقل السياسي الكبير داخل المشهد السياسي الغيني، والتي كانت معارضة له بشدة مِن قبل؛ لكنه نجح في عقد صفقات سياسية معها وعلى رأسهم كل من:
-نونو جوميز نابيام: وهو مرشح رئاسي سابق في انتخابات 2014، 2019م، وشغل كذلك منصب رئيس الوزراء خلال الفترة من 28 فبراير 2020م إلى 7 أغسطس 2023م، كما أنه يتولَّى حتى الآن منصب رئيس حزب الشعب المتحد الديمقراطي لغينيا بيساو (APU-PDGB)، ورغم توليه منصب رئيس الحكومة سابقًا، ودعم حزبه للرئيس “سيسكو” في جولة الإعادة بانتخابات 2019م، لكنّه بعد تركه للحكومة أظهر معارضته للرئيس “سيسكو”، ووصفه بالاستبداد والاستيلاء على جميع السلطات في البلاد، مع اتهامه للرئيس بأنه هو السبب في جميع المشاكل التي تعيش فيها غينيا بيساو، غير أنه في تطور مفاجئ للأحداث أعلن نونو نابيام انسحابه من الترشح للانتخابات الرئاسية؛ حيث وجَّه رسالة إلى المحكمة العليا للعدل يُعلِن فيها انسحابه من الترشُّح بعد أن تقدَّم بأوراق ترشُّحه للانتخابات، كما أعلن كذلك انسحاب حزب الشعب المتحد الديمقراطي لغينيا بيساو (APU-PDGB)، الذي يتولى رئاسته من المنافسة في الانتخابات التشريعية المقبلة، وفي يوم 11 أكتوبر 2025م أعلن نونو نابيام خلال خطاب ألقاه في شمال غينيا بيساو عن دعمه لإعادة انتخاب الرئيس “سيسكو” لولاية رئاسية ثانية، داعيًا إلى تعبئة وطنية من أجل فوز “سيسكو” من الجولة الأولى، مضيفًا أن أعضاء التحالف الوطني الشامل (API-Cabas Garandi)، طعنوه في ظهره عندما ذهبوا إلى باريس سويًّا لتوقيع اتفاقية مع منصة التحالف الشامل (PAI – Terra Ranka)، وهو ما جعله يتراجع عن تحالفه معهم، متهمًا إياهم بالسعي لزعزعة استقرار البلاد، واختار بدلًا من ذلك دعم الرئيس “سيسكو” من جديد كما فعل في الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة 2019م، وقد أعلن المرشح الرئاسي فرناندو دا كوستا أن تغيُّر موقف رئيس الوزراء الأسبق نونو نابيام يرجع إلى فشله في الحصول على دعم التحالف في الترشح للرئاسة تحت رايته.([9])
-برايما كامارا: وهو رئيس وزراء غينيا بيساو منذ 7 أغسطس 2025م حتى قبل الانقلاب ضمن حكومة المبادرة الرئاسية، كما أنه كان منسِّقًا لحركة التناوب الديمقراطي (Madem G-15) حتى قامت مجموعة من كبار قادة الحركة المؤيدين للرئيس “سيسكو”، بعقد مؤتمر استثنائي للحركة دون علم بريما كامارا، وانتخبوا ساتو كامارا منسقًا وطنيًّا للحركة خلفًا لبريما كامارا، وهو ما أدى إلى حدوث انقسام داخل الحركة، أسفر عن إعلان معارضة برايما كامارا للرئيس “سيسكو”، واتهامه بأنه دكتاتور، متهمًا الرئيس كذلك بأنه سَعَى لقتله، رغم أن برايما كامارا يَعتبر نفسه أنه أحد الركائز الأساسية التي دعمت وصول “سيسكو” للرئاسة بسبب دعمه له في انتخابات 2019م، وقد استطاع الرئيس “سيسكو” بعد ذلك عقد مصالحة وصفقة سياسية مع برايما كامارا خلال زيارته للبرتغال، أسفرت عن تولي كامارا منصب رئيس الوزراء، وبالتالي استطاع “سيسكو” الحصول على دعمه في انتخابات الرئاسة الحالية.([10])
وتوضِّح هذه التحالفات السابقة أن النخب السياسية في غينيا بيساو يغلب عليها تقديم مصالحها الشخصية على مصالح الدولة الوطنية أو حتى الولاءات الحزبية، في ظل تبنّيها لإستراتيجية البقاء السياسي بغضّ النظر عن رأيها في الفصيل الذي تتحالف معه لتصل إلى غاياتها السياسية، وهو ما يُفسِّر التحالفات السياسية المتقلبة من حينٍ لآخر داخل المشهد السياسي الغيني، مع تأثر هذه التحالفات بالعوامل العرقية والدينية كذلك.
وفضلًا عما سبق توجد بعض الحركات الشبابية الداعمة للرئيس “سيسكو” من بينها “حركة الفتيان الخضر”، وهي حركة شبابية تدعم فوز الرئيس “سيسكو” بولاية رئاسية ثانية، وتلك الحركة يرتدي أعضاؤها ملابس خضراء كشعار لهم؛ حيث شاركوا في الحملة الانتخابية، ودعوا الناخبين إلى التصويت للرئيس “سيسكو” لولاية ثانية.
2-فرناندو دياس دا كوستا: وهو من مواليد 14 يوليو 1978م، ويبلغ من العمر 47 عامًا، وكان قد تولى منصب النائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية في 2023م، كما أنه كان زعيم حزب التجديد الاجتماعي (PRS) قبل انقسام الحزب، وهو يتولى الآن زعامة الجناح المعارض للرئيس “سيسكو” داخل الحزب، كما أنه تولى كذلك منصب وزير الإدارة الإقليمية والسلطات المحلية في غينيا بيساو خلال الفترة من 2020م إلى 2022م، وغيرها العديد من المناصب، ويترشح في هذه الانتخابات كمرشح مستقل، ولكنه مدعوم من التحالف الوطني الشامل (API-Cabas Garandi)، ومنصة التحالف الشامل (PAI – Terra Ranka)، وهي التحالفات الانتخابية التي يتزعمها دومينجوس سيمونز بيريرا رئيس الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر (PAIGC)؛ حيث تم إضفاء الطابع الرسمي لدعم هذا المرشح من هذه التحالفات في مطلع نوفمبر الجاري، كما وقعت هذه التحالفات الانتخابية وبصحبتهم عدة أحزاب سياسية ومرشحين مستقلين للرئاسة اتفاق انتخابي يتضمن عدة بنود أهمها توحيد الجهود من أجل هزيمة الرئيس المنتهية ولايته “عمر سيسكو” في الانتخابات ومنع إعادة فوزه بولاية رئاسية ثانية، مع اتفاقهم أيضًا على دعم أيّ مرشح منتمي للتحالف في حالة عقد جولة انتخابية ثانية للتغلب على الرئيس “سيسكو”، كما اتفقوا على تعبئة الناخبين للتصويت بكثافة لمرشح التحالف دا كوستا، وقد وقَّع على هذه الوثيقة المرشح دا كوستا، وزعيم الحزب الإفريقي ومنصة التحالف الشامل دومينجوس بيريرا، والمرشح خوسيه ماريو فاز الرئيس السابق للبلاد، والمرشح هيركولانو أرماندو بيكوينسا، وخورخي فرنانديز نائب رئيس ائتلاف التحالف الوطني الشامل (API-Cabas Garandi)، كما أعلنوا عن فتح التوقيع على هذا الاتفاق الانتخابي أمام أيّ مرشح يتقاسم معهم نفس الأفكار.([11])
ورغم استمرار الدعم القوي الذي يقوم به دومينجوس سيمونز بيريرا رئيس الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر (PAIGC) للمرشح دا كوستا، ورعايته لهذا التحالف، إلا أن هناك مجموعة من قادة الحزب الإفريقي (PAIGC)، يتزعمهم وزير الأشغال العامة الحالي، ووزير الخارجية الحالي وآخرون، تعترض على قرار بيريرا بدعم المرشح دا كوستا؛ وذلك لكونه من قادة حزب التجديد الاجتماعي (PRS)، وهو حزب معارض دائمًا للحزب الإفريقي، وأن قرار دعمه مِن قِبَل الحزب غير قانوني ومخالف للنظام الأساسي للحزب؛ لأن إجراءات التصويت على دعم دا كوستا كان يجب أن تتم من خلال الاقتراع السري وليس برفع الأيدي كما فعلت اللجنة المركزية للحزب، كما دعت هذه المجموعة إلى إلغاء قرار دعم دا كوستا، داعية رئيس الحزب بيريرا إلى الاستقالة من رئاسة الحزب بسبب تصرفاته هذه، مع اتهامه بعرقلة التجديد الداخلي في الحزب والهيمنة على الحزب ومنعه من التنفس، متطلعين إلى استقالة بيريرا من أجل تنظيم انتخابات داخلية جديدة للحزب، مستنكرين دعم الحزب لمرشح آخر لا ينتمي إليه، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الحزب التي يفشل فيها في تقديم مرشح قادر على المنافسة في انتخابات الرئاسة رغم وجود العديد من الكوادر السياسية الموجودة بداخله، والتي يتهم رئيس الحزب الحالي بيريرا بتهميشها.([12])
وقد رد المتحدث الرسمي باسم الحزب الإفريقي على هذه الانتقادات معلنًا أن مسألة دعم دا كوستا تمت بعد عرضها على هيئات الحزب ولجنته المركزية، كما شكَّك في معارضي قرار الحزب؛ لأنهم جزء من حكومة المبادرة الرئاسية الحالية المتحالفة مع الرئيس “سيسكو”، معتبرًا أنهم يدافعون عن مصالح الحكومة الحالية، وهذه الخطوة تهدف إلى تعزيز الانقسامات داخل الحزب الإفريقي لإضعافه ومحاولة التأثير عليه لوقف دعمه للمرشح دا كوستا المنافس القوي ضد الرئيس “سيسكو”.
3-خوسيه ماريو فاز: وهو من مواليد ديسمبر 1957م، ويبلغ من العمر 67 عامًا، ويُعرف باسم جوماف، وهو ينتمي إلى مجموعة مانجاكو الإثنية، كما أنه مسيحي كاثوليكي من حيث الديانة، وقد تولى منصب رئيس جمهورية غينيا بيساو خلال الفترة من يونيو 2014م إلى فبراير 2020م وهو أول رئيس في البلاد منذ عام 1994م يكمل فترة ولايته بصورة كاملة دون الانقلاب عليه، كما ترشح لولاية رئاسية ثانية في انتخابات الرئاسة 2019م، ولكنه حل في المركز الرابع، وترشح في الانتخابات الأخيرة مدعومًا من حزب التقارب الوطني من أجل الحرية والتنمية في غينيا بيساو (COLIDE-GB)، كما أن حزب الشعب (PDP) أعلن كذلك عن دعمه له في هذه الانتخابات؛ حيث أعلن جوماف أنه يترشح مجددًا في الانتخابات من أجل إكمال الانجازات التي بدأها خلال ولايته الأولى.([13])
4-باسيرو دجا: وهو من مواليد عام 1973م، ويبلغ من العمر الآن 52 عامًا، شغل منصب وزير الدفاع سابقًا، كما تولّى منصب رئيس وزراء غينيا بيساو خلال الفترة من 20 أغسطس حتى 17 سبتمبر في عام 2015م، ومن 27 مايو إلى 18 نوفمبر 2016م، كما ترشح في انتخابات الرئاسة 2019م، وجاء في المركز السادس، ويترشح في هذه الانتخابات مدعومًا من الجبهة الوطنية للإنقاذ الوطني (FREPASNA).
وفيما يتعلق بباقي المرشحين فهم يأتون في المراتب التالية بعد المنافسين السابقين، ولا توجد لديهم فرص جدية للوصول إلى كرسي الرئاسة رغم خلفيتهم السياسية وتمرس بعضهم داخل المشهد السياسي في البلاد مثل المرشح جواو برناردو فييرا، ابن شقيق رئيس غينيا بيساو الراحل برناردو فييرا، والذي سُمِّي على اسمه، وهو محامٍ، وكان يشغل منصب المتحدث باسم الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC) قبل أن ينشق عن الحزب، والذي يترشح في هذه الانتخابات مدعومًا من الحزب الإفريقي من أجل الحرية والتنمية في غينيا (PALDG)
وفيما يتعلق بالمرشحين في الانتخابات التشريعية فقد تم قبول ملفات 13 حزبًا سياسيًّا، بجانب ائتلاف انتخابي واحد للمشاركة في هذه الانتخابات، وتتمثل هذه الأحزاب المقبولة فيما يلي:

المصدر: من إعداد الباحث وفقًا للقائمة النهائية التي أعلنتها المحكمة العليا للعدل في غينيا بيساو
ج- المستبعدون من الانتخابات الرئاسية والتشريعية:
استبعدت المحكمة العليا للعدل في غينيا بيساو (STJ) عدة ملفات كانت قد تقدمت للترشح في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وقد كان يُنظَر لهذه الملفات المستبعَدة على أنها مُنافِس قوي للرئيس الحالي والتحالف الداعم له في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما يُمثّل إعادة تشكيل عميقة للمشهد السياسي والانتخابي في غينيا بيساو، ويمكن عرض هذه الملفات المستبعدة فيما يلي:
1-دومينجوس سيمونز بيريرا: وهو من مواليد أكتوبر 1963م، ويبلغ من العمر الآن 62 عامًا، وقد درس في الاتحاد السوفييتي وتخرج في تخصص الهندسة المدنية والصناعية، كما حصل على الماجستير في الهندسة المدنية من الولايات المتحدة، وكذلك حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة الكاثوليكية في البرتغال، وهو مسيحي كاثوليكي من حيث الديانة، وينتمي إلى مجموعة بالانتا الإثنية أكبر مجموعة إثنية في البلاد؛ حيث تمثل نسبتها نحو 30% من سكان البلاد، وقد انضم بيريرا إلى الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC)، وشغل عدة مناصب قيادية في الحزب أهَّلَته ليشغل بعض المناصب الوزارية في الحكومة، وفي فبراير 2014م تم انتخابه زعيمًا للحزب، وأُعيد انتخابه أيضًا في 2018م زعيمًا للحزب للمرة الثانية على التوالي، وخلال الفترة من يوليو 2014م إلى أغسطس 2015م شغل منصب رئيس وزراء غينيا بيساو خلال فترة حكم الرئيس خوسيه ماريو فاز، وقد ترشَّح لانتخابات الرئاسة في 2019م، وحلَّ في المرتبة الثانية بعد “عمر سيسكو”، وقد رفض نتائج الانتخابات وتسبَّب في أزمة سياسية عميقة لم يتم تسويتها إلا بعد تدخُّل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ECOWAS))، كما شغل كذلك منصب رئيس الجمعية الوطنية خلال الفترة من يوليو 2023م إلى ديسمبر 2023م، ومنذ صعود نجمه داخل المشهد السياسي في البلاد، يعتبر من الشخصيات الأساسية المتسببة في صناعة الأزمات السياسية، فخلال فترة رئاسته للوزراء اصطدم مع الرئيس خوسيه ماريو فاز، كما أنه في أثناء رئاسته للجمعية الوطنية كان مثيرًا للأزمات مع الحكومة بقيادة الرئيس “سيسكو” حتى تم حل البرلمان، واضطر بيريرا للخروج من البلاد؛ حيث استقر في البرتغال لمدة تسعة أشهر، بسبب ملاحقته قضائيًّا مِن قِبَل حكومة “سيسكو”؛ حيث تم اتهامه في عدة قضايا فساد، فضلًا عن وجود أحاديث عن ضلوعه في تمويل محاولات الانقلاب التي تمت ضد الرئيس “سيسكو”، وعقب عودته من البرتغال أعلن بيريرا عن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية وقيادة النضال السياسي وإنقاذ البلاد، وبالفعل قدم ترشيحه للانتخابات مدعومًا من منصة التحالف الشامل (PAI – Terra Ranka)، إلا أن ملف ترشحه للانتخابات تم رفضه وذلك بحجة تأخر تقديم أوراق ترشحه للانتخابات، وعدم وجود وقت لفحص ملف ترشحه، وهو ما اعتبر إقصاءً سياسيًّا ومنعًا له من المشاركة في الانتخابات، وقد طعن في هذا الرفض، غير أن المحكمة العليا للعدل رفضت طعنه، وهو ما جعل أنصاره يتهمون المحكمة بأن قرارها مُسيَّس، وأنها غير محايدة، وتابعة للحكومة، وقد دعا بيريرا إلى تنظيم مسيرة سلمية إلى مقر المحكمة العليا للعدل لكن تم إلغاؤها لاحقًا.([14])
وبجانب رفض ترشح بيريرا في انتخابات الرئاسة مِن قِبَل المحكمة؛ فقد تم رفض ترشح كلّ مِن سادنا مانغونا المدعوم من حزب التحرير الاجتماعي (PLS)، ومامادو إمبالو، وهو مرشح مستقل، بجانب انسحاب نونو جوميز نابيام رئيس حزب الشعب المتحد الديمقراطي لغينيا بيساو (APU-PDGB) من الترشح للانتخابات، واعلانه دعم الرئيس “سيسكو” كما ذكرنا أعلاه.
2-منصة التحالف الشامل(PAI) Terra Ranka : والتي تعني التحالف الشامل من أجل بداية جديدة لتقدم غينيا بيساو، وقد تم رفض ملف ترشح هذا التحالف ومنعه من المشاركة في الانتخابات التشريعية، وقد تأسس هذا التحالف في أبريل 2023م بزعامة الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAICG)، وعدة أحزاب أخرى أبرزها حزب الاتحاد من أجل التغيير (UM) وحزب التقارب الديمقراطي (PCD)، والحزب الاجتماعي الديمقراطي (PSD)، والحركة الديمقراطية الغينية (MDG)، وفي مايو 2023م وقَّع هذا التحالف اتفاقية ائتلافية ضمت 18 حزبًا سياسيًّا صغيرًا إليه؛ مِن أجل توسيع قاعدته الانتخابية، وعقب مشاركة التحالف في الانتخابات البرلمانية التي عُقِدَت في يونيو 2023م فاز التحالف بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية؛ حيث حصل على 54 مقعدًا من مقاعد الجمعية الوطنية، مما جعل التحالف يختار رئيس الوزراء وفقًا لنص المادة 98 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية يعين رئيس الوزراء مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج انتخابات الجمعية الوطنية بعد الاستماع للقوى السياسية الممثلة في الجمعية، وبالتالي مثَّل فوز هذا التحالف المعارض شوكة في حلق الرئيس “سيسكو”، وجعله يقبل بتقاسم السلطة معه، خاصةً في ظل هيمنة مُنافِسه الرئيسي بيريرا على هذا التحالف، وهو ما أسفر عن حلّ الجمعية الوطنية بعد انتخابها بستة أشهر بذريعة وجود محاولة انقلاب عسكري، رغم الحديث عن وجود موانع دستورية تمنع حل الجمعية الوطنية خلال فترة 12 شهرًا من تاريخ انتخابها.([15])
وقد بررت المحكمة العليا للعدل رفضها لملف ترشح هذا التحالف في الانتخابات التشريعية 2025م بأن ترشحه جاء متأخرًا، وأن المواعيد النهائية لم تكن تسمح لها بفحص أوراق ترشحه؛ حيث كان يجب أن يتم تقديم طلبات الترشح قبل 72 ساعة من الموعد النهائي للترشح المحدد في يوم 25 سبتمبر 2025م، وذلك رغم أن الموعد النهائي للترشح لم يكن قد انقضى بعدُ؛ حيث تم تقديم أوراق الترشح يوم 19 سبتمبر، لكن المحكمة رأت أنها لن يكون لديها الوقت الكافي لتحليل كومة الأوراق التي قُدِّمت متأخرة، كما صرحت المحكمة أن هذا التحالف ليس له شخصية قانونية وغير مُعتَرَف به قانونًا، وكذلك صرح منسق هذا التحالف بأن الجهات الإدارية ماطلت معهم خلال إصدار بعض الوثائق المطلوبة للترشح للانتخابات مثل صحيفة الحالة الجنائية، وغيرها من الوثائق المطلوبة للترشح.([16])
وبناء على قرار المحكمة فقد تم إقصاء أحزاب هذا التحالف من المشاركة في الانتخابات، وعلى رأسها الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAICG)، وهذه هي المرة الأولى التي يتم منعه فيها من المشاركة في الانتخابات منذ الاستقلال، وقد طعن الخبراء القانونيون والمحامون التابعون للحزب في قرار المحكمة محتجين بأن القانون يمنح المحكمة مدة 20 يومًا بعد انتهاء الموعد النهائي لتقديم الترشيحات لإصدار حكمها وإعلان القائمة النهائية للمرشحين، وهو ما لم تلتزم به المحكمة، لكنّ تلك الطعون لم تفلح في تراجع المحكمة عن رفض ترشح هذا التحالف في الانتخابات.
ومن وجهة نظرنا، فإنه رغم تعاطف بعض المحللين مع هذا الحزب بسبب منعه وإقصائه من المشاركة في الانتخابات باعتباره حزب المعارضة الرئيسي في البلاد؛ إلا أن المتعمّق في دراسة المشهد السياسي الداخلي في غينيا بيساو يُدرك أن هذا الحزب ظل هو الحزب المهيمن على الجمعية الوطنية وعلى كرسي الرئاسة منذ الاستقلال حتى الآن، ولم يفقد الحزب كرسي الرئاسة بصورة كاملة إلا بعد خسارته على يد الرئيس “سيسكو” في 2019م، كما أن السنوات التي تولَّى فيها أشخاص غير منتمين لهذا الحزب منصب الرئيس، كانوا عسكريين أو مدنيين تم اغتيالهم أو الانقلاب عليهم، بل إن غالبية الرؤساء الذين تولوا منصب الرئاسة في غينيا بيساو كانوا أعضاء في الحزب الإفريقي أو انشقوا عنه بعدما كانوا أعضاء سابقين فيه، وتربوا تحت رعايته، ولهذا فإن النخب السياسية التي تسيطر على هذا الحزب تسعى لاستعادة هيمنتها الكاملة على المؤسسات السياسية في البلاد، وعلى رأسها منصب الرئيس، بجانب هيمنتها على البرلمان، وإن معارضتها الآن للرئيس ليست معارضة وطنية، وإنما معارضة تعمل لمصالح النخب السياسية للحزب الإفريقي، الذي يستمد شرعيته من دوره التاريخي في استقلال البلاد. وإن كنا نعتقد أن شرعية الاستقلال هذه قد سقطت بمرور التاريخ، ولم يعد لها قبول في عالم اليوم بعد تغيُّر القضايا السياسية والاجتماعية، بل يرى الكثيرون أن الحزب الإفريقي والنخب التي تهيمن عليه ربما يكون لها الدور الأكبر في تحويل غينيا بيساو إلى أكبر دولة مخدرات في إفريقيا جنوب الصحراء، حتى أصبحت سُمعتها الدولية مرتبطة بتهريب الكوكايين بين إفريقيا وأمريكيا اللاتينية وأوروبا، كما أن أحزاب الاستقلال التاريخية بعد تراجع شرعيتها وافتقارها لشرعية الإنجاز، أصبحت محلاً للنقد، وخاصةً مِن قِبَل الأجيال الشابَّة، وعلى رأسها جيل زد الذي يُطالب هذه الأحزاب بترك المجال للنُّخَب الشَّابَّة، لتجديد الطبقة السياسية، ولهذا فإن إقصاء هذا الحزب ومنعه من الترشح يكاد يكون فيه مصلحة وطنية تتفوق على مصلحة الحزب؛ لأنه في الحقيقة ليس معارضًا حقيقيًّا بقدر ما هو معارض يبحث عن مصالحه المتمثلة في استمرار الهيمنة على السلطة والثروة، والحفاظ على عمليات تجارة المخدرات التي تصبّ في صالح النخب التابعة له.
3-التحالف الوطني الشامل (API) Cabas Garand: لقد تكوَّن هذا التحالف في سبتمبر 2024م؛ حيث ضم خمسة أحزاب سياسية اتفقت على تكوين ائتلاف انتخابي للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وتتمثل هذه الأحزاب في كلٍّ مِن حزب الشعب المتَّحد الديمقراطي لغينيا بيساو (APU-PDGB)، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نونو نابيام، وحزب الجبهة الوطنية للإنقاذ الوطني (FREPASNA) بزعامة رئيس الوزراء السابق باسيرو دجا، وحزب الحركة الغينية من أجل التنمية (MGD) بقيادة خورخي ماريو فرنانديز، والجناح المعارض للرئيس من حزب التجديد الاجتماعي (PRS) بقيادة فرناندو دياس، ومجموعة من المناضلين من حركة التناوب الديمقراطي (Madem G-15)، بقيادة برايما كامارا، وفي ظل التغيرات السياسية المتقلبة داخل المشهد السياسي في غينيا بيساو أُصيب هذا التحالف بالضعف والتفكك بعد انسحاب حزب الشعب المتحد منه، وكذلك تحالف برايما كاميرا مع الرئيس “سيسكو” من جديد، وقد تم انتخاب باسيرو دجا رئيسًا لهذا التحالف في أغسطس 2025م، ومع فتح باب الترشح للانتخابات تقدم هذا التحالف للمشاركة في الانتخابات التشريعية 2025م غير أن المحكمة العليا للعدل رفضت أوراق ترشحه كذلك بسبب عدم وجود انفصال رسمي لمرشحي التحالف عن أحزابهم الأصلية في ظل وجود انقسام داخل بعض هذه الأحزاب واعتبار الجبهات المنضمة للتحالف غير معتمدة قانونًا.([17])
وفي ظل رفض المحكمة العليا للعدل لملفات ترشح هذه التحالفات والأحزاب الرئيسية التي هيمنت على الجمعية الوطنية بعد فوزها في انتخابات الجمعية الوطنية التي نُظِّمت في يونيو 2023م أصبح المشهد الانتخابي يكاد يكون خاليًا أمام التحالف الانتخابي الداعم للرئيس “سيسكو”، وذلك نظرًا لغياب الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAICG)، والفصيل المعارض من حزب التجديد الاجتماعي (PRS) ثاني أكبر حزب في البلاد، وهو ما جعل قادة هذه الأحزاب يصرحون بأن استبعادها يمثل استبعادًا لرغبات نحو 70% من رغبة شعب غينيا بيساو، وهو ما يُشكّك في مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية، فضلًا عن أن الأحزاب السياسية التي تشارك في الانتخابات التشريعية تفتقر إلى الحضور السياسي داخل المشهد الانتخابي، وهو ما يعني ضمان الائتلاف الموالي للرئيس “سيسكو” الفوز في انتخابات الجمعية الوطنية، وتشكيل برلمان موالٍ للرئيس تصفه قيادات المعارضة بالدمية التي سيتحكم فيها الرئيس.([18])
د-الحملة الانتخابية:
لقد بدأت الحملة الانتخابية يوم 1 نوفمبر 2025م، واستمرت حتى يوم 21 نوفمبر 2025م، وفقًا لموعدها المحدد في التقويم الانتخابي، وقد انطلقت الحملة الانتخابية في ظل أجواء سياسية متوترة، وذلك بعد إعلان الحكومة يوم 31 أكتوبر 2025م عن اكتشاف محاولة انقلاب عسكري؛ حيث قام الجنرال مامادو توري نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والجنرال فرناندو دا سيلفا رئيس قسم الأفراد بالقوات المسلحة بعقد مؤتمر صحفي أعلنوا خلاله عن إحباط محاولة انقلاب عسكري تم التخطيط لها مِن قِبَل بعض كبار ضباط الجيش عشية انطلاق الحملة الانتخابية، وقد تم القبض على العميد “دابا نا والنا” مدير مدرسة كوميري العسكرية، بعد اتهامه بالتورط في طلب أسلحة ومركبات وسترات واقية من الرصاصة، زعم أنه يريد تسليمها للمتدربين في مدرسة كوميري العسكرية، لكنها في الواقع كانت من أجل تنفيذ مؤامرة الانقلاب، وقد صرح نائب رئيس أركان القوات المسلحة في غينيا بيساو بأن محاولة الانقلاب الفاشلة كانت تهدف إلى تعطيل العملية الانتخابية والإطاحة بالنظام الدستوري. ([19])
هذا وقد تصدرت الحملة الانتخابية للرئيس المنتهية ولايته “عمر سيسكو” المشهد؛ حيث جمع الآلاف من المؤيدين له، مرتدين القمصان التي تحمل صورته والكوفية ذات الألوان الحمراء والبيضاء التي يرتديها عادة على رأسه. ومن جهة الوزير فيرياتو كاساما المتحدث باسم حملة الرئيس “سيسكو”؛ فقد أعلن عن تأكده من إعادة فوز الرئيس “سيسكو” لولاية ثانية بأغلبية كبيرة، مدافعًا عن برنامج الحكومة الحالية القائم على ست ركائز أساسية تتمثل في السلام والاستقرار، وسيادة القانون، والتنويع الاقتصادي، والتعليم والصحة، والبيئة، والتنمية المحلية.
بينما نظّم منافسه الرئيسي المرشح “فرناندو دا كوستا” حملته الانتخابية مدعومًا من التحالفات الانتخابية التي تدعمه وعلى رأسها الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC) بزعامة بيريرا، معتبرًا نفسه مرشح التناوب الديمقراطي، متهمًا النظام الحالي بقمع الديمقراطية، داعيًا إلى الفصل الحقيقي بين السلطات.([20])
فيما جاءت الحملة الانتخابية لباقي المرشحين متمركزة في المناطق التي يحظون فيها بشعبية، وبصورة عامة فقد واصل المرشحون حملاتهم الانتخابية وفقًا لطريقة الدعاية من الباب للباب، سعيًا لكسب الأصوات، كما أن استجابة الناخبين لهذه الحملات الانتخابية تنوعت إلى معسكرين؛ المعسكر الأول يُركّز على فكرة الحفاظ على النظام الحالي ويدعم استمراريته، والمعسكر الثاني يطالب بتغيير الوضع الراهن والبحث عن مشهد سياسي جديد يُلبِّي تطلعاته، وكذلك كانت قضية الاستقرار السياسي هي أحد أهم القضايا خلال الحملة الانتخابية؛ وذلك بسبب حالة التوتر وعدم الاستقرار التي شهدتها البلاد على مدار تاريخها السياسي، وذلك لأنها شهدت 4 انقلابات عسكرية ناجحة، فضلًا عن تعرُّضها لنحو 17 محاولة انقلاب عسكري فاشلة.
كما أن الحملات الانتخابية لبعض المرشحين تعرَّضت للنقد بسبب تبنيها خطابات انتخابية تدعو إلى الكراهية، والدعوة إلى التصويت على أساس إثني وديني؛ حيث إن الرئيس “سيسكو” مسلم وينتمي إلى مجموعة الفولاني الإثنية، بينما تتنوع الانتماءات الإثنية والدينية لباقي المرشحين وعلى رأسهم المنافس الرئيسي فرناندو دياس دا كوستا فهو مسيحي الديانة، وينتمي إلى مجموعة بالانتا الإثنية، وهي نفس المجموعة الإثنية التي ينتمي إليها زعيم المعارضة الممنوع من المشاركة في الانتخابات بيريرا، والمتحالف مع دا كوستا؛ حيث وجدت دعوات للتصويت لصالح مرشح مجموعة بالانتا دا كوستا ضد مرشح مجموعة الفولاني الرئيس “سيسكو”، وقد أدت هذه الدعوات إلى جعل البعض ينتقد التصويت على أساس ديني وإثني، ومحاولة استقطاب بعض أنصار “سيسكو” لأصوات المسلمين لدعمه وتحذيرهم من التصويت لمرشح مسيحي أو مُنْتَمٍ لإثنية أخرى منافسة، وكذلك فعل بعض أنصار المرشحين الآخرين.([21])
كما تم انتقاد عملية انخراط العسكريين في الحملة الانتخابية، ودعمهم للرئيس المنتهية ولايته “عمر سيسكو”؛ حيث كان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة بياجوي نا نتام قد قام بعقد اجتماعات مع شيوخ مجموعة بالانتا الإثنية في منطقة كوميري خلال فترة الحملة الانتخابية معلنًا عن دعمه لاستقرار البلاد واحترام الدستور، وهو ما جعل العديد من المرشحين المنافسين للرئيس “سيسكو”، ومنظمات المجتمع المدني يوجهون الدعوة إلى المؤسسة العسكرية لالتزام الحياد وعدم التدخل في العملية السياسية، وعدم التدخل في العملية الانتخابية، والتوقف عن دعمها الواضح للرئيس “عمر سيسكو”، بعد ظهوره محاطًا بعشرات الجنود المسلحين خلال الحملة الانتخابية؛ حيث أعرب رئيس الحركة الوطنية للمجتمع المدني من أجل السلام والديمقراطية والتنمية، “فودي سانها” عن قلقه بسبب علامات العسكرة الموجودة في الحملة الانتخابية.([22])
وفضلًا عما سبق، فقد تم التنديد بعمليات الترهيب والرقابة التي تتعرض لها وسائل الإعلام والمجتمع المدني مِن قِبَل حكومة الرئيس “سيسكو” خلال الحملة الانتخابية، بل ومِن قبل بدء العملية الانتخابية؛ حيث تم اتهام الحكومة بأنها تسعى إلى إسكات الأصوات الناقدة للنظام وتكميم الأفواه الإعلامية بعد غلق عدة قنوات وصحف ومواقع إخبارية دولية ومحلية في أغسطس 2025م، وطرد صحفيها من البلاد، وعلى رأسها وكالة أنباء “لوسا”، وهي أكبر وكالة أنباء ناطقة بالبرتغالية، وقناة (RTP África)، وهي قناة مخصصة للدول الإفريقية الناطقة بالبرتغالية، ومحطة (RDP África)، وهي محطة إذاعية تابعة لراديو وتلفزيون البرتغال، وتبث للدول الإفريقية الناطقة بالبرتغالية، وهو ما جعل نقابة الصحفيين في غينيا بيساو تدين هذه القرارات وتدعو الحكومة إلى التراجع عنها، كما أدان زعيم الرابطة الغينية لحقوق الإنسان هذا القرار معتبرًا أنه يعكس الطابع الاستبدادي والديكتاتوري للنظام الحاكم في البلاد. ومن وجهة نظرنا، يبدو أن حظر حكومة “سيسكو” لتلك المواقع والمنصات الدولية يأتي بسبب عدم حيادها وانحيازها لقيادات المعارضة، الذي يقيم العديد منهم في البرتغال ويرتبطون بعلاقات مصالح مع هذه المحطات البرتغالية، وهو ما يجعلهم يتدخلون في العملية الانتخابية من خلال تلك المحطات.([23])
4-إجراء الانتخابات، والخلاف المبكر حول نتائج الانتخابات الرئاسية:
أ-إجراء الانتخابات:
لقد أجريت الانتخابات في تاريخها المحدد يوم 23 نوفمبر 2025م، وقد دُعِيَ للتصويت في الانتخابات نحو 966 ألف ناخب، من بينهم نحو 25 ألف ناخب في الشتات الإفريقي، و26 ألف ناخب في الشتات الأوروبي، وأكثرهم في البرتغال تحديدًا، ويحق للمواطنين البالغين من العمر 18 عامًا والمسجلين في السجل الانتخابي التصويت في الانتخابات، وكذلك يحق للمواطنين المقيمين في الشتات التصويت في سفارات غينيا بيساو في إفريقيا وأوروبا، وبجانب ذلك فقد أشرفت عدة بعثات دولية على مراقبة هذه العملية الانتخابية من بينها بعثة الاتحاد الإفريقي، وبعثة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، وبعثة مجموعة البلدان الناطقة بالبرتغاليةCPLP) ).
ويذكر أن حكومة غينيا بيساو قامت بتوفير التمويل الكامل الذي كان لازمًا لعقد العملية الانتخابية من ميزانية الدولة؛ حيث تم تخصيص مبلغ 4 مليارات فرنك إفريقي، أي: ما يعادل نحو 6 ملايين يورو، لتمويل العملية الانتخابية، وهو ما يُعدّ إنجازًا مُهمًّا، ويؤكد على سيادة الدولة واستقلالها المالي، واستغنائها عن الشركاء الدوليين وعلى رأسهم البرتغال التي موَّلت العمليات الانتخابية السابقة في غينيا بيساو في إطار التعاون المشترك بين البلدين بوصفها المستعمر السابق للبلاد.
وفي يوم الانتخابات فتحت أبواب الاقتراع في السابعة صباحًا بالتوقيت المحلي، وأغلقت في الخامسة مساء، وقد كان هناك إقبال كبير على التصويت، ووجَّه الرئيس “سيسكو” الدعوة إلى الناخبين من أجل المشاركة في الانتخابات، كما تم نشر أكثر من 6700 عنصر من قوات الأمن، بمن فيهم عناصر من قوة حفظ الاستقرار التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، لتأمين الانتخابات وما بعدها، كما أغلق المجال الجوي والحدود البرية والبحرية للبلاد طوال يوم الانتخابات، ومن جانب لجنة الانتخابات فقد أعطت تقييمًا إيجابيًّا لعملية التصويت.([24])
ب- الخلاف المبكر حول نتائج الانتخابات الرئاسية:
عقب انتهاء عملية التصويت في الانتخابات، وبدء فرز الأصوات الانتخابية، أعلن مرشح المعارضة فرناندو دياس دا كوستا فوزه من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية، معلنًا أنه بعد تجميع الأصوات مِن قِبَل أنصاره، وجد أنه يتمتع بتقدم مريح على منافسه الرئيس “سيسكو”، وتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات فوزه في يوم 27 نوفمبر 2025م، وهو اليوم الذي كان محددًا للإعلان عن النتائج الرسمية، ومن جانب أوسكار باربوسا المتحدث باسم حملة الرئيس “عمر سيسكو” فقد أعلن عن ضمان فوز “سيسكو” من الجولة الأولى دون الحاجة إلى إجراء جولة ثانية، كما أنه لم يكشف عن النتائج التي حصل عليها الرئيس “سيسكو”، ودعا الشعب إلى التزام الهدوء وانتظار الإعلان عن النتائج مِن قِبَل لجنة الانتخابات، مطالبًا مرشح المعارضة فرناندو دياس بالامتناع عن إعلان النصر والاحتفال في الشوارع قبل إعلان النتائج بصورة رسمية.([25])
وفي ظل هذا الخلاف المتصاعد بين أنصار “سيسكو” وفرناندو دياس، فوجئ الجميع يوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025م بتبادل لإطلاق النار قرب القصر الرئاسي، واللجنة الوطنية للانتخابات، وذلك قبيل ساعات من الإعلان الرسمي للنتائج الانتخابية، ليعقب ذلك إعلان العميد “دينيس إنكانها” خلال بيان بثّه التلفزيون الرسمي في غينيا بيساو، عن تأسيس “القيادة العسكرية العليا لاستعادة الأمن الوطني والنظام العام”، مضيفًا أن هذه اللجنة ستتولى كافة الصلاحيات الكاملة في غينيا بيساو، مع إعلان عزل الرئيس “عمر سيسكو” المنتهية ولايته، وإغلاق جميع المؤسسات حتى إشعار آخر، وتعليق العملية الانتخابية الجارية، معللًا ذلك بأن هذه الإجراءات تأتي بعد اكتشاف خطة لزعزعة استقرار البلاد دبَّرها بعض السياسيين بمشاركة تجار مخدرات، فضلًا عن التلاعب بنتائج الانتخابات، وبناء على هذا الإجراءات التي تلت الانقلاب العسكري فقد تم وقف العملية الانتخابية، ومنع إعلان النتائج، والقبض على الرئيس “سيسكو”، وبعض النخب السياسية في البلاد.([26])
ثانيًا: أسباب الانقلاب العسكري في غينيا بيساو 2025م:
نظرًا لاختلاف الروايات المتعلقة بدوافع وولاءات المجموعة العسكرية التي نفَّذت الانقلاب؛ فإن أسباب الانقلاب تختلف باختلاف هذه الروايات والدوافع، ويمكن عرض هذه الروايات مع عرض الأسباب التي الدافعة لتنفيذ الانقلاب فيما يلي:
1-الرواية الأولى: اتهام الرئيس “سيسكو” بأنه مُدبِّر عملية الانقلاب العسكري بعد خسارته في الانتخابات:
وتقوم هذه الرواية على فرضية أنه نظرًا لخسارة الرئيس “عمر سيسكو” في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وفوز منافسه الرئيسي فرناندو دياس بالانتخابات، فقد سارع بتدبير هذا الانقلاب بالتعاون مع جنرالات وضباط موالين له ليمنع زعيم المعارضة من الوصول إلى كرسي السلطة، وأن عملية اعتقاله كانت مجرد مسرحية أو مؤامرة قام بالإشراف عليها؛ حتى لا تحوم الشكوك حوله، ويستدل أنصار هذه الرؤية بتعيين الجنرال هورتا نتام رئيس أركان الجيش رئيسًا جديدًا للبلاد لمدة عام، وهذا الجنرال من المعروف أنه كان مقربًا خلال السنوات الماضية من الرئيس المخلوع “عمر سيسكو”، كما أن المجلس العسكري الحاكم قام بالإفراج عن الرئيس “سيسكو” بعد أيام من اعتقاله؛ حيث سافر إلى السنغال في البداية لينتقل منها بعد ذلك إلى برازافيل عاصمة جمهورية الكونغو، كما أن الحكومة الجديدة التي عيَّنها المجلس العسكري ضمت مجموعة من النخب السياسية الموالية للرئيس “سيسكو”، وعلى رأسها رئيس الوزراء الجديد إليديو فييرا تي وزير المالية السابق ومدير الحملة الانتخابية لتحالف المنصة الجمهورية الداعم للرئيس “عمر سيسكو”، وكذلك تم تعيين العديد من الشخصيات العسكرية المقربة من الرئيس “سيسكو” في هذه الحكومة الجديدة، وبجانب ذلك فإن الرئيس الأسبق لنيجيريا جودلاك جوناثان، والذي كان موجودًا في غينيا بيساو وقت حدوث الانقلاب ضمن بعثة مراقبة الانتخابات من أجل الإشراف على العملية الانتخابية، يتبنى هذه الرؤية؛ حيث صرح بأن الانقلاب الذي حدث يُعتبر انقلابًا احتفاليًّا وليس استيلاء عسكريًّا؛ وذلك لأن الرئيس “سيسكو” هو الذي أعلن عن حدوث الانقلاب العسكري من خلال هاتفه، وتحدث مع وسائل الإعلام مدعيًا أنه تم اعتقاله، ليخرج العسكريون في وقتٍ لاحقٍ من إعلان “سيسكو” ليعلنوا سيطرتهم على البلاد وإلغاء الانتخابات، مشككًا في وجود انقلاب عسكري حقيقي، داعيًا الإيكواس والاتحاد الإفريقي إلى المُضِي قدمًا في فَرْز نتائج الانتخابات وإعلانها للعالم لمعرفة حقيقة ما حدث في غينيا بيساو؛ لأن مسؤولي الاتحاد الإفريقي والإيكواس كانوا حاضرين في جميع المناطق، وحصلوا على النتائج عندما تم تجميعها، وهو ما يَستلزم منهم إظهار الحقائق ليعلم العالم مَن الفائز في هذه الانتخابات، معربًا كذلك عن خيبة أمله في الرئيس “سيسكو” الذي ترأس سابقًا الإيكواس، وكان عليه الالتزام بمعايير الديمقراطية.([27])
ومن جانبنا نرى أن هذه الرواية تكاد تكون مقبولة على المستوى الواقعي؛ وذلك نظرًا لصعوبة تنفيذ انقلاب عسكري على الرئيس “سيسكو”، خاصةً بعد إنشاء الرئيس “سيسكو” كتيبة عسكرية موالية له تحت مسمى “وحدة مكافحة الانقلاب”، مكونة من نحو 600 جندي أو أكثر، ولكونها تتمتع بأسلحة قوية مخزنة في القصر الجمهوري؛ لتتمكن من التصدي لأيّ محاولة انقلاب قد تُدَبَّر ضد الرئيس “سيسكو”، ولهذا فمن الصعب عمليًّا تنفيذ انقلاب عسكري حقيقي على الرئيس “سيسكو” في ظل وجود هذه الوحدة الموالية له، إلا في حالة تغيُّر قيادتها لولائهم، أو تآمر مجموعة منهم ضد الرئيس والسماح بعزله، أو وجود قوات عسكرية أقوى منها استطاعت هزيمة تلك الوحدة وعزل الرئيس.
2-الرواية الثانية: اتهام جنود موالين لزعيم المعارضة فرناندو دياس بتنفيذ الانقلاب:
وتشير معالم هذه الرواية إلى أن زعيم المعارضة فرناندو دياس دا كوستا المرشح المنافس للرئيس “سيسكو” هو مَن موَّل تنفيذ هذا الانقلاب؛ من خلال جنود موالين له داخل الجيش، بعد إعلان فوزه بالانتخابات، والخشية مِن قيام الرئيس “سيسكو” بتزوير نتائج العملية الانتخابية، خاصةً أن المرشح فرناندو دا كوستا ينتمي إلى مجموعة بالانتا الإثنية، والتي تتمتع بثقل سياسي كبير داخل المؤسسة العسكرية والمشهد السياسي في البلاد، وهو ما قد يجعل القيادات العسكرية المنتمية لهذه المجموعة تتعاطف مع فرناندو دا كوستا على حساب الرئيس المعزول “سيسكو” الذي ينتمي إلى مجموعة الفولاني الإثنية، وبالأخص بعد استهداف مجموعة من الضباط المنتمين لمجموعة بالانتا الإثنية خلال محاولة الانقلاب التي أعلن عنها في مطلع نوفمبر، وهو ما أدَّى إلى خلق حالة من السخط المتنامي بين شيوخ مجموعة بالانتا الإثنية، والتي ينتمي إليها أيضًا زعيم المعارضة دومينجوس سيمونز بيريرا الذي تم منعه من الترشح للانتخابات، وهو ما ساهم في حدوث هذا الانقلاب ضد الرئيس “سيسكو”.
وتحليلًا لهذه الرواية نجد أنها يمكن أن تكون مقبولة على أرض الواقع في ظل وجود انقسام إثني وديني حاضر بقوة داخل المشهد السياسي في غينيا بيساو، لكنّ هناك العديد من الانتقادات التي وجهت لتلك الرواية؛ أولها أن زعيم المعارضة فرناندو دياس اتهم الرئيس “سيسكو” بأنه مُدبِّر الانقلاب، وطالب بإعلان النتائج الانتخابية؛ لأنه هو الفائز بمنصب الرئيس، كما وُجِدَت أحاديث تشير إلى اعتقال فرناندو دياس على يد قادة الانقلاب، في مقابل أحاديث تشير إلى هروبه واختبائه في مكانٍ آمِن، وهو ما يعني أنه لو كان هو المُدبِّر الحقيقي للانقلاب لم يكن هناك مبرر لاعتقاله، وكذلك تم اعتقال زعيم المعارضة دومينجوس سيمونز بيريرا على يد قادة الانقلاب، بجانب تعرُّض المقر الرئيسي للحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC)، حزب المعارضة الرئيسي في غينيا بيساو إلى الاعتداء على يد ميلشيات مسلحة، ونظرًا لكون هذا الحزب هو الداعم الرئيسي لفرناندو دياس في الانتخابات؛ فيُسْتَبْعَد الاعتداء عليه إذا كان “دياس” هو مُموِّل الانقلاب.([28])
3-الرواية الثالثة: مبادرة المجموعة العسكرية بتنفيذ الانقلاب منعًا لأزمة ما بعد الانتخابات:
بجانب هاتين الروايتين السابقتين التي تسعيان لتحديد مَن هو مُدبّر الانقلاب وما هي دوافعه، يمكن افتراض رواية ثالثة تشير إلى احتمال توافق المجموعة التي نفَّذت الانقلاب فيما بينها بعد تقدير الموقف الذي تمر به البلاد عشية إعلان النتائج الانتخابية، والخشية من حدوث أزمة سياسية قد تتحوَّل إلى حرب أهلية، ولهذا بادروا وعزلوا الرئيس وألغوا نتائج هذه الانتخابات.
4-الرواية الرابعة: تورُّط مجموعة من تجار المخدرات والساسة في تدبير الانقلاب:
بينما تشير الرواية الرابعة إلى أنه قد يكون هناك بالفعل مجموعة من الساسة المرتبطين بتجار المخدرات قد اتفقوا على تمويل هذا الانقلاب لضمان حالة استمرار عدم الاستقرار السياسي والأمني ومنع التجديد للرئيس “سيسكو” بولاية رئاسية ثانية، والذي أعلنت حكومته أكثر من مرة عن استخدام تدابير أمنية للتصدي لتجار المخدرات، وهو ما قد يتصادم مع مصالح تجار المخدرات، ولذلك دبَّروا عملية الانقلاب لعزله، علمًا بأن غينيا بيساو تُعدّ من الدول المعروفة عالميًّا بسُمعتها السلبية في تسهيل تجارة المخدرات، بل هناك العديد من النخب العسكرية والسياسية تم محاكمتهم في قضايا مرتبطة بتجارة المخدرات، ولعل أبرزهم بوبو نا تشوتو قائد البحرية الأسبق في غينيا بيساو، والذي حُوكم في الولايات المتحدة في 2013م بعد أن تم القبض عليه في المياه الدولية في أثناء قيامه بتهريب المخدرات، ومالام باكاي سانها جونيور نجل رئيس غينيا بيساو السابق، والذي حُكم عليه بالسجن 6 سنوات في الولايات المتحدة لتورطه في عملية دولية لتهريب الهيروين، والنائب مانويل إيرينيو ناسيمنتو عضو البرلمان السابق، ورئيس الاتحاد الغيني لكرة القدم؛ حيث تم القبض عليه في مطار لشبونة وبحوزته 13 كيلو جرامًا من الكوكايين في حقيبة زعم أنها دبلوماسية، وغيرهم الكثير من القادة العسكريين والنخب السياسية، التي يقال: إن البعض منهم يُموّل حملاته الانتخابية من خلال تجارة المخدرات، ومن أجل ضمان المصالح الشخصية لتلك النخب فقد دبَّروا الانقلاب ضد الرئيس “سيسكو”، مع العلم أن أحزاب المعارضة تتهم حكومة “سيسكو” بالضلوع في تجارة المخدرات، ولهذا فإن الاتهام بعمليات تجارة المخدرات والشبكات التي تُديرها ما بين أمريكا الجنوبية وإفريقيا وأوروبا يتّهم بالتورط فيها العديد من النخب السياسية سواء في الحكومة أو في المعارضة.([29])
ثالثًا: تداعيات الانقلاب العسكري في غينيا بيساو 2025م:
لقد أسفر هذا الانقلاب العسكري عن حدوث مجموعة من التداعيات السلبية، والتي يأتي على رأسها إلغاء الانتخابات العامة التي جرت في البلاد، والقبض على زعماء المعارضة، مع السماح للرئيس المعزول “سيسكو” بالخروج من البلاد، وهو ما يشكّك في نوايا قادة الانقلاب، واعتبار أن الفترة الانتقالية التي حددوها بمدة عام، مجرد فرصة جديدة للرئيس “سيسكو” تمنحه الوقت المناسب للعودة للمشهد السياسي من جديد بعد فشل إستراتيجيته في البقاء في السلطة، رغم إقصاء المعارضة وهندسة العملية الانتخابية، وبجانب ذلك فقد أسفرت تداعيات الانقلاب عن تنصيب الجنرال هورتا نتام رئيس أركان الجيش رئيسًا جديدًا للبلاد لمدة عام، وتشكيل حكومة جديدة للبلاد، تم تعيين أكثر من شخص من الموالين للرئيس المعزول في تلك الحكومة وعلى رأسهم رئيس الحكومة، كما تعد أكبر التداعيات السلبية التي أسفر عنها الانقلاب هو إجهاض العملية الانتخابية، ووقف مسار التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، ووقوع البلاد في فخّ الحكم العسكري من جديد.
وفيما يتعلق بالمواقف الداخلية والخارجية من هذا الانقلاب، فداخليًّا أدانت أحزاب المعارضة عملية الانقلاب، ودعت المجلس العسكري لإعلان نتائج الانتخابات، واتهمت المجلس بأنه مُوالٍ للرئيس “سيسكو”، وأنه نفَّذ الانقلاب بعد خسارته في الانتخابات، وكذلك طالبت بإطلاق سراح زعماء المعارضة المعتقلين، وعلى رأسهم دومينجوس سيمونز بيريرا، والمحامي أوكتافيو لوبيز، وروبرتو نبيسبا، رئيس اللجنة السياسية لحزب التجديد الاجتماعي، في حين تظاهر بعض الشباب الموالين لأحزاب المعارضة؛ حيث تصادموا مع قوات الأمن التي حاولت منعهم من التظاهر، بينما دعا بعض السياسيين مثل تيمي فرانك من حزب المؤتمر التقدمي الدول الغربية والاتحاد الأوروبي وشركاء التنمية إلى البدء فورًا في تجميد المِنَح والمساعدات المقدمة إلى غينيا بيساو وتطبيق إجراءات تأديبية صارمة ضد الرئيس المعزول “عمر سيسكو” وشركائه.([30])
وخارجيًّا، فقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة الانقلاب، ووصفه بأنه انتهاك لمبادئ الديمقراطية، كما أدان الاتحاد الإفريقي الانقلاب العسكري المزعوم، داعيًا إلى الإفراج عن كافة المعتقلين، وحثّ جميع الأطراف على ضبط النفس، بجانب تعليقه لعضوية غينيا بيساو في الاتحاد الإفريقي كعقوبة منه بسبب تنفيذ الانقلاب، وفي ذات السياق أدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإيكواس عملية الانقلاب، وقامت بتعليق عضوية غينيا بيساو في المنظمة، وأرسلت وفدًا رفيع المستوي يضم رؤساء السنغال وسيراليون والرأس الأخضر إلى غينيا بيساو كمحاولة لتسوية الأزمة.
رابعًا: مستقبل المشهد السياسي في غينيا بيساو:
إن هذا الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد يُمثّل عبئًا جديدًا على شعب غينيا بيساو، وعلى دول القارة الإفريقية بإثرها في ظل تصاعد الانقلابات العسكرية، المرتبطة بغياب الشفافية والمصداقية للعمليات الانتخابية، وهو ما يُؤثّر بصورة مباشرة على مستقبل المشهد السياسي في غينيا بيساو، ويجعل المشهد السياسي فيها قاتمًا، وسيظل مرتبطًا بإعادة تكرار التجارب السياسية السابقة فيها، أو حتى التجارب السياسية التي شهدتها دول القارة مؤخرًا، وخاصة تلك التي شهدت انقلابات عسكرية مثل مالي والجابون وغينيا كوناكري؛ حيث من المنتظر أن يُمدّد المجلس العسكري الحاكم في غينيا بيساو مدة الفترة الانتقالية، حتى يستطيع بناء ولاءات جديدة مع النخب السياسية المختلفة في البلاد، وإحكام سيطرته على مفاصل الدولة والمؤسسات، وتحييد الخصوم، ومِن ثَم تنظيم انتخابات رئاسية يترشح فيها رئيس المجلس العسكري، ويصبح رئيسًا للبلاد، وهو ما يعني إعادة اختراع العجلة، واستمرار الصدام بين مؤسسة الرئاسة وبين الحكومة والمعارضة، وفي الأخير فإن الأزمة الكبرى التي تعيشها غينيا بيساو منذ سنوات هي أزمة مؤسسية، بسبب الصدام بين مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان، فعندما يكون الرئيس من فصيل سياسي والبرلمان من فصيل معارض يتصاعد الخلاف بين الطرفين؛ بسبب نظام الحكم شبه الرئاسي الذي تحكم به البلاد، بجانب أن الدستور الحالي يشوبه الغموض والخلاف حول تفسير نصوصه أحيانًا.
ولهذا فمن المهم خلال هذه المرحلة إطلاق عملية لإعادة تأسيس وضبط المؤسسات في البلاد، وذلك يبدأ من وضع دستور جديد للبلاد يضمن الفصل بين السلطات، ويتبنَّى نظام حكم إما رئاسي أو برلماني لعدم صلاحية تطبيق نظام الحكم شبه الرئاسي في غينيا بيساو وفقًا للتجارب الواقعية التي شهدتها البلاد خلال السنوات السابقة، بجانب حلّ جميع الأحزاب السياسية في البلاد، وخاصة الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر، وذلك لكونه هو الحزب المهيمن لسنوات على المشهد السياسي في البلاد وخاصة هيمنته على البرلمان رغم خسارته لمنصب الرئيس في السنوات الأخيرة، وكذلك لارتباط العديد من النخب السياسية والحزبية بتجار المخدرات، ولهذا يجب حلّ الأحزاب ووضع قانون جديد للأحزاب يضع معاير عادلة لتأسيس الأحزاب بعيدًا عن الانتماء الديني والإثني، مع وضع قوانين جديدة للانتخابات الرئاسية والتشريعية تضمن وجود عدالة انتخابية، ولا تسمح بهندسة المشهد الانتخابي، وهذه الأمور هي مفتاح الاستقرار السياسي في غينيا بيساو وبجانبها ضرورة النهوض بالواقع الاقتصادي في البلاد، والانتباه للطبقات المُهمَّشة والفقيرة التي تزداد يومًا تلو الآخر، وتدفع ثمن الانقسامات السياسية والمؤسسية المتعاقبة في بلاد الزعيم إميلكار كابرال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
([1])-” Tout ce qu’il faut savoir sur les élections présidentielle et législatives en Guinée-Bissau ” at , https://www.bbc.com/afrique/articles/cp97pl0gkxno , 11/11/20025.
([5])-” Guiné-Bissau: oposição considera nulo decreto presidencial que marca eleições ” , at , https://www.rfi.fr/pt/%C3%A1frica-lus%C3%B3fona/20250308-guin%C3%A9-bissau-oposi%C3%A7%C3%A3o-considera-nulo-decreto-presidencial-que-marca-elei%C3%A7%C3%B5es , 8/3/2025.
([6])-” Guiné-Bissau: STJ confirma mandato de Sissoco até setembro ” , at , https://www.dw.com/pt-002/supremo-decreta-que-mandato-do-presidente-da-guin%C3%A9-bissau-termina-a-04-de-setembro/a-71517547 , 5/2/2025.
([7])-” Le président Bissau guinéen annonce sa candidature après le départ d’une mission de la CEDEAO ” , at , https://www.bbc.com/afrique/articles/cj67r0n0r29o , 3/3/2025.
([8])-” PTG INTEGRA A COLIGAÇÃO PLATAFORMA REPUBLICANA “NÓ CUMPU GUINÉ” PARA AS PRÓXIMAS LEGISLATIVAS ” , at , https://www.odemocratagb.com/?p=50179 , 30/9/2024.
([9])-” NUNO NABIAM MUDA O DISCURSO E APARECE COM OUTRA LINGUAGEM ” , at , http://www.rispito.com/2025/10/nuno-nabiam-muda-o-discurso-e-aparece.html?m , 12/10/2025.
([10])-Iancuba Dansó ; ” Aproximação entre Camará e Sissoco: “Uma decisão arriscada” , at , https://www.dw.com/pt-002/reconcilia%C3%A7%C3%A3o-entre-camar%C3%A1-e-sissoco-uma-decis%C3%A3o-ousada-e-arriscada/a-73221486 , 10/7/2025.
([11])-” Guiné-Bissau: PAI-Terra Ranka formaliza apoio ao candidato independente Fernando Dias da Costa ” , at , https://www.rfi.fr/pt/%C3%A1frica-lus%C3%B3fona/20251103-guin%C3%A9-bissau-pai-terra-ranka-formaliza-apoio-ao-candidato-independente-fernando-dias-da-costa , 3/11/2025.
([12])-” Dirigentes do PAIGC no Governo pedem saída de Simões Pereira” , at , https://www.dw.com/pt-002/dirigentes-do-paigc-no-governo-pedem-sa%C3%ADda-de-sim%C3%B5es-pereira/a-74634053 , 5/11/2025.
([13])-” Eleições gerais: JOMAV PROMETE RESTAURAR A LIBERDADE AO POVO SE VENCER AS ELEIÇÕES PRESIDENCIAIS” , at , https://www.odemocratagb.com/?p=54320 , 2/11/2025.
([14])-” Lista definitiva exclui Domingos Simões Pereira das presidenciais na Guiné-Bissau” , at , https://www.balai.cv/noticias/lista-definitiva-exclui-domingos-simoes-pereira-das-presidenciais-na-guine-bissau/ , 18/10/2025.
([15])-” Presidente da Guiné-Bissau dissolve o Parlamento ” , at , https://www.dw.com/pt-002/presidente-da-guin%C3%A9-bissau-dissolve-o-parlamento/a-67626465 , 4/12/2025.
([16])-” Eleições gerais: SUPREMO TRIBUNAL INDEFERE INSCRIÇÃO DA COLIGAÇÃO PAI-TERRA RANKA ” , at , https://www.odemocratagb.com/?p=53727 , 24/9/2025.
([17])-” API-Cabas Garandi suspende quatro dos seus membros e elege Baciro Djá presidente da coligação ” , at , https://ang.gw/api-cabas-garandi-suspende-quatro-dos-seus-membros-e-elege-baciro-dja-presidente-da-coligacao/ , 21/8/2025.
([18])-” Guinée-Bissau: des élections 2025 sans le PAIGC, une grande première ” , at , https://dubawa.org/guinee-bissau-des-elections-2025-sans-le-paigc-une-grande-premiere , 31/10/2025.
([19])-” Autoridades guineenses denunciam a preparação de um golpe de Estado military ” , at , https://www.rfi.fr/pt/%C3%A1frica-lus%C3%B3fona/20251031-autoridades-guineenses-denunciam-a-prepara%C3%A7%C3%A3o-de-um-golpe-de-estado-militar , 31/10/2025.
([20])-” Guinée-Bissau: l’outsider Fernando Dias peut-il compliquer la réélection d’Umaro Sissoco Embaló ?” , at , https://www.jeuneafrique.com/1742138/politique/guinee-bissau-loutsider-fernando-dias-peut-il-compliquer-la-reelection-dumaro-sissoco-embalo/ , 22/11/2025.
([21])-” Guiné-Bissau: Acusações e questões étnicas na campanha ” , at , https://www.dw.com/pt-002/guin%C3%A9-bissau-acusa%C3%A7%C3%B5es-e-quest%C3%B5es-%C3%A9tnicas-na-campanha/a-74717295 , 12/11/2025.
([22])-” Bissau: Candidatos exigem neutralidade das Forças Armadas ” , at , https://www.dw.com/pt-002/bissau-candidatos-exigem-neutralidade-das-for%C3%A7as-armadas/a-74782729 , 17/11/2025.
([23])-” Governo guineense acusado de silenciar jornalistas para manipular eleições” , at , https://www.esquerda.net/artigo/governo-guineense-acusado-de-silenciar-jornalistas-para-manipular-eleicoes/95752 , 16/8/2025.
([24])-” Guinea-Bissau votes for president with Embalo in tight race for second term” , at , https://www.reuters.com/world/africa/guinea-bissau-holds-close-vote-embalo-seeks-rare-second-term-2025-11-23/ , 24/11/2025.
([25])-” Guiné-Bissau: Embaló garante que não haverá segunda volta ” , at , https://www.dw.com/pt-002/guin%C3%A9-bissau-embal%C3%B3-garante-que-n%C3%A3o-haver%C3%A1-segunda-volta/a-74872654 , 24/11/2025.
([26])-” Comando Militar assume poderes de Estado da Guiné-Bissau e suspende processo eleitoral “, at , https://ang.gw/comando-militar-assume-poderes-de-estado-da-guine-bissau , 26/11/2025.
([27])-” Jonathan calls Guinea-Bissau incident a ‘ceremonial coup”, at , https://guardian.ng/news/jonathan-calls-guinea-bissau-incident-a-ceremonial-coup/?utm_source=auto-read-also&utm_medium=web , 29/11/2025.
([28])-António Rodrigues ; ” Golpe na Guiné-Bissau: eleições foram suspensas, o Presidente demitido e as fronteiras e os media encerrados ” , at , https://www.publico.pt/2025/11/26/mundo/noticia/golpe-guinebissau-eleicoes-suspensas-presidente-demitido-fronteiras-media-encerrados-2156173 , 26/11/2025.
([29])-” Un fils d’ex-président de la Guinée-Bissau condamné pour trafic de drogue ” , at , https://www.voaafrique.com/a/un-fils-d-ex-pr%c3%a9sident-de-la-guin%c3%a9e-bissau-condamn%c3%a9-pour-trafic-de-drogue/7545286.html , 27/3/2024.
([30])-“Timi Frank demands release of Guinea-Bissau opposition leader, election results” , at , https://guardian.ng/news/timi-frank-demands-release-of-guinea-bissau-opposition-leader-election-results/?utm_source=auto-read-also&utm_medium=web , 29/11/2025.










































