المقدمة:
تُظهر عناوين الصحافة الإسرائيلية خلال شهر نوفمبر 2025م، اهتمامًا مكثفًا بملفين رئيسيين؛ أولهما: جهود إسرائيل لتعزيز نفوذها في إفريقيا، وثانيهما الجدل الغامض المحيط برحلة فلسطينيين من غزة إلى جنوب إفريقيا.
وطرحت الصحافة الإسرائيلية تساؤلات عديدة حول تهجير 153 فلسطينيًّا من غزة إلى جوهانسبرغ عبر طائرة رومانية، تتبع شركة تبيّن أنها مملوكة لإسرائيلي-إستوني، كما يظهر أن الشركة تواصلت مع إدارة الهجرة بوزارة الحرب الإسرائيلية، التي أحالت بدورها بيانات الفلسطينيين إلى وحدة منسّق أعمال الحكومة بالأراضي المحتلة.
الإعلام الإسرائيلي سلَّط الضوء على وجود تناقضات في قصة الشركة؛ وسط شكوك بشأن عمليات احتيال، ودور إسرائيلي سري في تهجير الفلسطينيين الذين ظنوا أنهم في الطريق إلى الهند، ليكتشفوا أنهم وصلوا جنوب إفريقيا التي أُصيبت سلطاتها بالصدمة.
وتصدرت زيارة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، التي وصفت بالتاريخية، إلى زامبيا والكونغو الديمقراطية، عناوين الصحف الإسرائيلية؛ حيث أشارت إلى أنّ الهدف الأساسي هو إحياء العلاقات الدبلوماسية مع إفريقيا، تماشيًا مع سياسة غولدا مائير، وبدا أن رئيس الاحتلال يبحث مجددًا عن تعزيز مكانة إسرائيل في الاتحاد الإفريقي، ويريد حشد الأصوات الإفريقية في المحافل الدولية لصالح بلاده.
الغطاء الذي استخدمه الرئيس الإسرائيلي -مثل كل مسؤول إسرائيلي آخر زار دول إفريقية-، هو حرص تل أبيب على توجيه أنظار العالم نحو الأزمات الإنسانية والنزاعات في القارة السمراء، بينما تكتسي الزيارة بأهداف أخرى سياسية وإستراتيجية.
في المقال الأول بصحيفة جيروزاليم بوست بتاريخ 9 نوفمبر 2025م، يُسلّط الكاتب غرير فاي كاشمان الضوء على زيارة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ إلى زامبيا، بهدف إحياء وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع القارة الإفريقية التي تدهورت أخيرًا، كما تقول الصحيفة، الزيارة التي وصفت بالتاريخية شملت أيضًا جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث التقى هرتسوغ بنظرائه الأفارقة لمناقشة التحديات المشتركة، وتعزيز الروابط الدبلوماسية، وشارك في الافتتاح الرسمي للسفارة الإسرائيلية في العاصمة الزامبية لوساكا.
وفي المقال الثاني بموقع القناة الإسرائيلية السابعة، بتاريخ 9 نوفمبر 2025م، ثمة تركيز على زيارة هرتسوغ السريعة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتقديره للدعم الكونغولي لإسرائيل في الاتحاد الإفريقي، وتأكيده على أن إسرائيل ستعمل على رفع مستوى العلاقات الثنائية وترسيخ قِيَم العدالة المشتركة. كما دعا إلى تركيز اهتمام العالم على حلّ الأزمات الإنسانية والنزاعات في القارة الإفريقية، مشيدًا بجهود الرئيس ترامب لتعزيز السلام بين الكونغو ورواندا.
وفي المقال الثالث بصحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 17 نوفمبر 2025م، يتطرَّق الكاتبان الإسرائيليان دان أورن وعيناف حلبي إلى لغز رحلة جوية أقلت 153 فلسطينيًّا إلى جوهانسبرغ عبر طائرة تشارتر رومانية؛ حيث ظنوا أن وجهتهم هي الهند، ويقول الكاتبان: إن الرحلة نُظِّمت عبر شركة تحمل اسم “المجد”، تبين أنها مرتبطة بإسرائيلي يحمل جنسية إستونية، يُدْعَى تومر يانار ليند، ويكشفا أن الشركة تواصلت مع إدارة الهجرة بوزارة الدفاع الإسرائيلية، التي أحالت بدورها بيانات المسافرين إلى وحدة منسّق أعمال الحكومة بالأراضي المحتلة. الكاتبان تحدّثا عن موقع الشركة الغامض، الذي يحمل شعارات داعمة للفلسطينيين، وكيف أن تلك الشركة دأبت على نشر قصص نجاح قديمة ومزيفة.
الرئيس هرتسوغ يشرع في زيارة هي الأولى إلى زامبيا لإحياء العلاقات الإفريقية([1]):
وضعت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية يدها على الهدف الرئيسي من وراء زيارة رئيس دولة الاحتلال يتسحاق هرتسوغ، في مستهل شهر نوفمبر 2025م، إلى زامبيا والكونغو الديمقراطية، فالهدف المُعلَن هو مناقشة التحديات المشتركة مع نظرائه الأفارقة، إلا أن غاية الزيارة الأساسية هي إحياء العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب والعواصم الإفريقية، في محاولة إحياء سياسة رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير، وقت أن كانت وزيرة للخارجية، وقامت بجولة إفريقية مطولة في 1958م.
وتشير الصحيفة إلى أن الرئيس الإسرائيلي أجرى زيارة دولتي زامبيا والكونغو الديمقراطية، فيما كانت زيارته إلى زامبيا هي الأولى من نوعها على الإطلاق لرئيس إسرائيلي، وجاءت كجزء من جهد كبير لإحياء العلاقات الدبلوماسية التي كانت قوية في السابق بين إسرائيل وإفريقيا.
ويؤكد الكاتب غرير فاي كاشمان أن السنوات الأخيرة شهدت تدهور العلاقات مع إفريقيا، ويبدو أن التدهور نابع من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بشكل أساسي، مع أنه يَستغرب حدوث تلك الانتكاسة رغم حقيقة أن العديد من الدول الإفريقية لديها سفارات في إسرائيل، ورغم استمرار الطلاب الأفارقة في السفر إلى إسرائيل للدراسة ضمن برامج “ماشاڤ” التابع لوكالة التعاون الإنمائي الدولي، المخصصة لطلاب الدول النامية.
أهداف الزيارة:
تعكس زيارة هرتسوغ لدولتين إفريقيتين، من وجهة نظر الكاتب، الأهمية التي تُوليها إسرائيل لعلاقاتها مع جميع دول القارة الإفريقية، وهي علاقات تعود إلى السنوات التي قامت فيها وزيرة الخارجية آنذاك، غولدا مائير، بزيارة مطولة للقارة السمراء عام 1958م، وعملت بنشاط، بعد عودتها إلى إسرائيل على تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية الناشئة.
من جانب آخر، شارك الرئيس الإسرائيلي في الافتتاح الرسمي للسفارة الإسرائيلية في لوساكا، عاصمة زامبيا، كما سيلتقي (مراعاة تاريخ النشر) بنظرائه الأفارقة، أي رئيس زامبيا هاكايندي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، وسيُناقش التحديات التي تواجه إفريقيا وإسرائيل، بالإضافة إلى الحاجة إلى تعزيز الروابط الدبلوماسية.
الرئيس هرتسوغ: إفريقيا عزيزة علينا، ويجب ألَّا نُستبعَد منها([2]) :
تطرقت القناة الإسرائيلية السابعة لزيارة هرتسوغ إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي الزيارة التي استمرت ساعات قليلة فقط، ولدى وصوله، استُقْبِلَ في مراسم رسمية أُقيمت في القصر الرئاسي مِن قِبَل رئيس الكونغو، فيليكس تشيسكيدي، بعدها عقد الزعيمان اجتماعًا سياسيًّا، وفي نهايته أدليا بتصريحات مشتركة لوسائل الإعلام.
في مستهل حديثه، أشار هرتسوغ إلى إعادة جثمان الملازم هدار غولدين، من أجل دفنه في إسرائيل، وقال: “بينما نحن هنا، دولة إسرائيل تحزن مع عائلة غولدين وتُعيد ابنها إلى مثواه الأخير، الملازم هدار غولدين، الذي أُسِرَ وقُتِلَ في غزة في صيف عام 2014م. لقد انتظرنا عودته لسنوات، وركّز المجتمع الدولي بأَسْره على ذلك، والآن، في أعقاب الجهود الجبارة للرئيس ترامب واتفاق وقف إطلاق النار مع غزة، يمكننا أخيرًا إعادته إلى وطنه لدفنه بشكل لائق في إسرائيل، وكما ذكرت، سيدي الرئيس (الحديث مُوجَّه لرئيس الكونغو الديمقراطية)، لدينا أربعة مخطوفين آخرين نرغب في رؤيتهم جميعًا يعودون إلى الديار، نتقدم بالتعازي لوالديه وعائلته، من هنا أيضًا من إفريقيا”.
وأعرب هرتسوغ عن تقديره للعلاقة المستمرة بين إسرائيل والكونغو، وقال: “تتقاسم أُمتنا وأمتكم ارتباطًا عميقًا بالتوراة وصداقة حقيقية استمرت لعقود. إن والدي، حاييم هرتسوغ، الذي كان الرئيس السادس لإسرائيل، أجرى زيارة تاريخية هنا منذ أكثر من 40 عامًا، وأنا أعلم كم كان متأثرًا بعلامة الصداقة التي نشأت بين الشعبين. وبالنسبة لي، من الأهمية بمكان أن أَسير على خطاه وأواصل رؤية التعاون والسلام”.
وذكر هرتسوغ أن إسرائيل ستعمل على تعميق أوجه التعاون مع الكونغو وتعزيز مكانة إسرائيل في إفريقيا، وعبَّر عن ذلك بقوله: “سنعمل الآن على رفع مستوى العلاقات بيننا، ولدينا قيمة مشتركة تتمثل في الوقوف إلى جانب العدالة في الساحة الدولية، نُرحّب بانتخاب ممثل جمهورية الكونغو الديمقراطية لمقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونشكركم على دعمكم لإسرائيل في الاتحاد الإفريقي؛ حيث يجب أن يكون لإسرائيل دور محوري”.
وفي ختام تصريحاته، تطرق هرتسوغ أيضًا إلى الأزمات في القارة، وقال: “النزاعات لا تقتصر على الشرق الأوسط، وآمل أن تحظى إفريقيا أيضًا باهتمام ومساعدة العالم في حل أزماتها. أُرحب بجهود الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب لتعزيز اتفاق سلام بينك وبين رواندا، وآمل أن تتوجه أنظار العالم أيضًا نحو الأزمات الإنسانية في إفريقيا، مثل تلك الموجودة في السودان”.
واختتم حديثه بقوله: “أملي العميق هو أن تضمن الكونغو وإسرائيل السلام والاستقرار الذي سيكون مباركًا لشعبينا ومناطقنا والعالم بأسره”.
الشركة الغامضة وصلة إسرائيل بها: نهايات مفتوحة في لغز رحلة الغزيين إلى جنوب إفريقيا([3]) :
تساءلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن سر الرحلة الجوية التي أقلت عشرات المواطنين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة إلى جنوب إفريقيا والجدل المثار حولها، وروت أن 153 فلسطينيًّا وصلوا إلى جوهانسبرغ على متن طائرة رومانية من دون وثائق ومستندات، بعد أن نُقِلُوا إلى مطار رامون الإسرائيلي ومنه إلى كينيا، وتقول: إن شركة يُرجَّح أنها تحمل اسم “المجد” هي التي نظَّمت الرحلة، ليتبين أن مِلْكية هذه الشركة تعود لإسرائيلي يحمل الجنسية الإستونية.
وأشارت الصحيفة عبر الكاتبين دان أورن وعيناف حلبي إلى أن شركة “المجد” تلك تواصلت مع إدارة الهجرة في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهي إدارة جديدة أسَّسها وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ولا تتوافر معلومات كثيرة عنها، وتلك الإدارة قامت بدورها بتحويل تفاصيل الـ153 فلسطينيًّا الذين كانوا على متن الطائرة إلى وحدة منسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وتُرجّح المعلومات المتاحة أن شركة “المجد” تابعة لشركة تالنت غلوبس (Talent Globus) التي أسَّسها تومر يانار ليند، الإسرائيلي-الإستوني، والذي يظهر حسابه على منصة “لينكد إن”، أنه يعمل حاليًّا بشكل أساسي في الخليج، وكان قد أسَّس شركة هناك تعمل في مجال الاستشارات.
أما الفلسطينيون الذين وصلوا إلى جوهانسبرغ، فقد احتجزتهم السلطات في جنوب إفريقيا لمدة 12 ساعة تقريبًا في ظروف وصفوها بالصعبة، على متن رحلة طيران لشركة رومانية تُدعى FlyLili.
ونشر الموقع الجنوب إفريقي (Daily Maverick) أن بعض ركاب الرحلة التي هبطت في جنوب إفريقيا كانوا يحملون تذاكر طيران إلى كندا وأستراليا، بينما كان غالبية المسافرين يعتقدون أن وجهتهم النهائية هي الهند.
وتضع الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني لشركة “المجد” في أوروبا، عبارة مدونة على خلفية صورة كبيرة لمسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى تقول: “ندعم حياة الفلسطينيين، تبرعًا بعد تبرُّع”، فيما يزعم الموقع أنه تأسس عام 2010م في ألمانيا، على الرغم من أن اسم النطاق (الدومين) سُجِّل فقط في شهر فبراير 2025م. وبتصفح موقع الشركة تظهر نافذة منبثقة تحذر من أشخاص ينتحلون صفة موظفي الشركة مرفقة بأرقام هواتف لمندوبيها المعتمدين، ومنهم شخص يدعى مؤيد، فلسطيني الجنسية، ويظهر أنه مدير المشروعات الإنسانية في غزة، كما يدعي الموقع، لكن تبيّن أن رقم هاتفه المدون يعود لصاحب صالة رياضية كانت تعمل في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة.
ونشر مؤيد نفسه، وفق الصحيفة العبرية، على فيسبوك في يونيو 2025م، صورة له وهو يصعد إلى طائرة تابعة لشركة FlyLili التي نقلت الفلسطينيين إلى جنوب إفريقيا بعد ذلك، وكتب بجانبها: “غادرت قطاع غزة، ولن أعود، تركت أرض حرب وجوع وجهل، وطنًّا أصبح فيه المنفى رحمة أكبر من البقاء، ما دام القتل مستمرًّا، فسلام على غزة، من بعيد”. مؤيد مُسجّل على الموقع كأحد شخصين يقفا وراء الشركة، إلى جانب شخص يُدعى عدنان، وهو شريك مؤيد ووظيفته كما يظهر في الموقع هي منسق المشروعات الإنسانية في القدس.
ويقول الكاتبان: إنه بعيدًا عن أرقام هواتف المندوبين، لا يوجد للشركة عنوان مسجل أو رقم هاتف رسمي، كما ذُكِرَ في موقعها الإلكتروني أن مكاتبها تقع في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، ليتبين أنه ادعاء غير مؤكد، وأن البريد الإلكتروني للشركة يُوجِّه المستخدم إلى رسالة آلية تفيد بأن العنوان غير موجود. ويحتوي الموقع أيضًا على قسم مخصص للمنظمات التي تتعاون معها الشركة، ولكن لا توجد تفاصيل عن الشركات أو المنظمات التي تعمل مع تلك الشركة.
الشركة مسجلة على (منصة X) في ديسمبر 2024م، ولديها 9 متابعين فقط، ولم ينشر هذا الحساب أيّ تدوينة منذ تأسيسه، وعندما يضغط المستخدم على روابط، بما في ذلك روابط لشبكات اجتماعية مثل فيسبوك وإنستغرام، يتم توجيهه إلى الجزء العلوي من نفس الصفحة التي كان فيها.
وهناك شركة تُدعى Namecheap، تبين أنها هي الشركة التي سجّلت اسم نطاق موقع “المجد”، ليظهر أنها متَّهمة بتنفيذ عمليات احتيال عبر الإنترنت، وأن الجهات التي تبرعت للشركة طُلب منها تحويل الأموال إلى حسابات بنكية خاصة، وليس إلى حساب مرتبط بـ”المجد”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
([1]) انظر:
Greer Fay Cashman, “President Herzog embarks on historic first-ever state visit to Zambia to revive Africa ties”, The Jerusalem Post (Occupied Palestinian), November 9, 2025: https://www.jpost.com/israel-news/article-873231
([2]) “الرئيس هرتسوغ: إفريقيا عزيزة علينا، ويجب ألّا نُستبعَد منها”، موقع القناة السابعة (الأراضي المحتلة)، 9 نوفمبر 2025م، على الرابط: https://www.inn.co.il/news/682831
([3]) دان أورن وعيناف حلبي، “الشركة الغامضة وصلة إسرائيل بها: النهايات المفتوحة في لغز رحلة الغزاويين إلى جنوب إفريقيا”، صحيفة يديعوت أحرونوت (الأراضي المحتلة)، 17 نوفمبر 2025م، على الرابط: https://www.ynet.co.il/news/article/bk2s00idlbg#google_vignette











































