الأفكار العامة:
– يجب على الاتحاد الإفريقي تعزيز تنسيق الجهود الإقليمية لتفكيك الشبكات الإجرامية، والحد من تدفق الأسلحة في منطقة الساحل.
– وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م، تُسجّل منطقة الساحل 51% من إجمالي الوفيات المرتبطة بالإرهاب عالميًّا.
– تستغل الجماعات الإرهابية الفراغ الأمني وغياب الدولة للسيطرة على مناطق وأسواق محلية.
– ممارسة المجموعات الإرهابية شكلاً من الحوكمة الإستراتيجية لكَسْب تأييد السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
– يتَّجه العديد من الشباب، المحبطين من أزمات الحوكمة والمعتمدين على مخدرات زهيدة مثل الترامادول والمواد الأفيونية الاصطناعية، نحو الانضمام إلى الجماعات المسلحة.
– تداخل مسارات الإرهابيين مع شبكات تهريب السلاح والمخدرات والبشر يؤدي إلى تلاشي الحدود بين الدوافع الأيديولوجية والمصالح الربحية.
بقلم: ندوبويسي كريستيان آني
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
يمكن للاتحاد الإفريقي أن يلعب دورًا محوريًّا في تنسيق الجهود الإقليمية لتفكيك الشبكات الإجرامية، والحد من تدفق الأسلحة في منطقة الساحل.
تعاني المنطقة من أزمات أمنية متعددة الأبعاد، تتراوح بين الإرهاب العنيف، والنزاعات بين المزارعين والرعاة، وظواهر اللصوصية. ويُعتَبر التطرف المُحرّك الأساسي للعنف؛ إذ تشير بيانات مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م إلى أن منطقة الساحل وحدها مسؤولة عن 51٪ من الوفيات الناتجة عن الإرهاب على مستوى العالم.
ورغم أن عدد الضحايا يبعث على القلق، فإن الاقتصادات غير المشروعة التي تُغذّي التطرف العنيف تستدعي هي الأخرى اهتمامًا عاجلًا. إذ يُشكّل الذهب، عاملاً رئيسيًّا في جذب هذه الأنشطة غير القانونية، خاصةً في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية.
وقد أظهر تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2023م أن التعدين الحرفي وضيّق النطاق، والذي يتم في الغالب خارج الأُطُر القانونية، يمثل نحو 50٪ من إنتاج الذهب في المنطقة، ما يحرم الدول من عائدات بمليارات الدولارات، ويمنح الجماعات المسلحة السيطرة على مجتمعات التعدين ومسارات التهريب.
ويعتمد أكثر من 1.8 مليون شخص في منطقة الساحل على نشاط التعدين كمصدر رئيسي للعيش. وفي ظل هشاشة الدولة وغياب السلطات عن عدد من المناطق؛ تتنافس الجماعات المتطرفة وقطاع الطرق على السيطرة على مواقع التعدين، بهدف تمويل عملياتها وتجنيد مؤيدين جدد.
تستغل جماعات مثل “نصرة الإسلام والمسلمين” (GSIM)، و”تنظيم الدولة في غرب إفريقيا” (EIAO)، هذا الفراغ الأمني لفرض سيطرتها على الأسواق والمناطق الغنية بالموارد؛ حيث تفرض ضرائب وتبتز السكان المحليين تحت ذريعة الحماية من الجماعات المنافسة. في الواقع، هذه الجماعات تُحْكِم قَبْضتها على مواقع إستراتيجية تمثل شريانًا اقتصاديًّا حيويًّا.
امتزاج الدوافع الأيديولوجية بالمصالح المادية:
في المناطق الخاضعة لسيطرتها، تمارس “مجموعة سيم” (وهو ائتلاف من خمس جماعات تابعة للقاعدة) نوعًا من الحوكمة الإستراتيجية لكسب تأييد السكان؛ حيث تتغاضى عن القوانين وتسمح بأنشطة مثل التعدين وقطع الأشجار حتى في المناطق المحمية، ما يزيد من المخاطر البيئية ويُعرِّض المجتمعات للخطر.
ورغم ذلك، تجد هذه الجماعات دعمًا من سكان يائسين يشعرون بالإقصاء مِن قِبَل الدولة، أو يتذمرون من بطء الإجراءات الرسمية كالحصول على التراخيص اللازمة للأنشطة الاقتصادية.
يتعاون عدد من القاصرين في مالي وبوركينا فاسو والنيجر مع الجماعات المسلحة، بدافع الضرورة أو بحثًا عن الأفضلية، ما يسهم في تعزيز نفوذ الإرهابيين على حساب سلطة الدولة. تمتدّ هذه الجماعات، التي تضم أعضاء من البلدان الثلاثة، إلى الدول الساحلية مثل توغو وبنين وكوت ديفوار؛ حيث تعمل على توسيع نفوذها وتدعيم سيطرتها على طرق تهريب الذهب، غالبًا بالتنسيق مع شبكات إجرامية دولية.
ويساهم الاتجار غير المشروع بالأسلحة في ترسيخ قوة هذه الجماعات الإجرامية في منطقة الساحل؛ إذ يُقدّر عدد الأسلحة غير القانونية المنتشرة في غرب إفريقيا بحوالي 12 مليون قطعة، وتشمل الأسلحة الخفيفة، والذخائر، والعبوات الناسفة، والطائرات المسيّرة، والصواريخ.
وإلى جانب ما خلَّفه النزاع الليبي من مخزونات سلاح مُهرَّبة، فإن جزءًا كبيرًا من هذه الترسانة مصدره الخسائر في المعارك وعمليات الفساد داخل بعض الدوائر الرسمية. وتزدهر تجارة الأسلحة في مدن حدودية مثل مالام فاتوري (نيجيريا)، تين زواتين (الجزائر)، تيرا (النيجر)، مرزوق (ليبيا)، غايا (النيجر)، وبورغا (بنين).
ويُلاحَظ أن الطلب على السلاح في الساحل لا يقتصر على الجماعات الإرهابية والانفصالية فحسب، بل يشمل أيضًا المدنيين الباحثين عن وسيلة لحماية أنفسهم في ظل غياب الأمن. ويمكن للاتحاد الإفريقي أن يُشْرِك AES وECOWAS في مكافحة الجريمة المنظمة.
وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية، تنتشر جماعات الأمن الذاتي داخل الأحياء المحلية لتوفير الحماية من الجرائم، إلا أن تدخلها غالبًا ما يؤدي إلى تصاعد العنف نتيجة التنميط العِرْقي والممارسات التمييزية. ففي مالي، على سبيل المثال، تواجه جماعات الدفاع عن النفس مثل “دان نا أمباساغو” وجماعات الفولاني أعمالًا انتقامية، على خلفية الاشتباه في صلاتها بجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” (GSIM).
تُغذَّى هذه الصراعات بأسلحة تُباع في أسواق خارجة عن سيطرة الدولة، والتي تستفيد من استمرار الفوضى وانعدام الاستقرار. كما أن إنتاج الأسلحة محليًّا يشهد ازديادًا ملحوظًا؛ إذ تشير البيانات إلى أن 60% من الأسلحة المضبوطة لدى المدنيين في بوركينا فاسو خلال عامي 2016 و2017م كانت مصنَّعة محليًّا.
هذا الانتشار غير المنضبط للأسلحة أدَّى إلى تقويض فرص الحوار المجتمعي، وتسبّب في تأجيج التوترات الطائفية، وأجبر آلاف السكان على النزوح. ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد نزح نحو خمسة ملايين شخص قسرًا، فيما يحتاج 33 مليون شخص آخرين إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وسط ارتفاع خطر الاستغلال، بما في ذلك العمل القسري، والاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين.
يدفع الإحباط الناتج عن أزمات الحكم وانعدام الفرص، إضافة إلى انتشار تعاطي المخدرات الرخيصة مثل الترامادول والمواد الأفيونية الاصطناعية، العديد من الشباب في منطقة الساحل إلى الانخراط في شبكات الجريمة المنظمة.
في هذا السياق، يؤدي تشابك المسارات بين الإرهابيين، وتجار الأسلحة، والمخدرات، والبشر إلى طمس الحدود بين الأهداف الأيديولوجية والدوافع المالية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.
ويتطلب تفكيك هذه الشبكات مقاربة شاملة، تبدأ بتعزيز أمن الحدود والمجتمعات المحلية، وتنظيم ومراقبة إنتاج الأسلحة التقليدية، إلى جانب معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الشباب نحو التطرُّف والانخراط في الاقتصاد غير المشروع.
خطوات فعّالة للحدّ من مصادر تمويل الجماعات المتطرفة ومنع التجنيد:
المشكلة في منطقة الساحل لا تكمن فقط في نقص القوانين، بل في ضعف قدرة الحكومات على فرضها؛ بسبب امتداد مناطق شاسعة غير خاضعة لسلطتها، وتفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وانتشار الفساد وانعدام الأمن، مما يغذي الاقتصاديات غير المشروعة.
وتُجسّد الحكومات الشبابية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر نتيجة مباشرة لعقود من الفشل المؤسسي. وقد ساهم انسحابها من مجموعة “إيكواس” وتأسيس تحالف دول الساحل في إضعاف التعاون الإقليمي وتأخير تنفيذ المبادرات الأمنية المشتركة.
ورغم أن الاتحاد الإفريقي مُؤهّل لقيادة استجابة منسَّقة وفعَّالة، إلا أنه ظل مترددًا في التحرك، خاصةً فيما يتعلق بنشر قوة في الساحل رغم تصاعد التهديدات خلال العقد الماضي. كما يُتوقَّع منه الانخراط الجاد مع “الإدارة الذاتية لشمال وشرق إفريقيا” لمعالجة قضايا محورية، مثل النزعة الانفصالية في مالي، والعمل على تفكيك البِنَى التي تُغذّي الأسواق غير القانونية.
من خلال قدرته على بناء توافقات، يمكن للاتحاد الإفريقي تفعيل شراكات إستراتيجية تشمل وكالة الفضاء الأوروبية و”إيكواس” لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
قد يُشكِّل إحياء “عملية نواكشوط” التي أُطلقت في عام 2013 لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة خيارًا واعدًا، بشرط أن يُعزِّز الاتحاد الإفريقي جهوده ميدانيًّا في منطقة الساحل. ولتحقيق نتائج ملموسة، من الضروري العمل على استعادة الثقة بين السكان، وتكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتشكيل دوريات حدودية مشتركة، إلى جانب استهداف الجيوب التي تنشط فيها الجماعات الإجرامية والمتطرفة.
وفي هذا السياق، يمكن لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي أن يُؤدِّي دورًا تحفيزيًّا لحثّ دول المنطقة على تبنّي سياسات تحدّ من تمويل المتطرفين وتضعف شبكات تجنيدهم. كما أن القيام بتقييم منسق للمناطق الحساسة، التي تمر منها طرق التهريب أو تُعتبر ملاذا للإرهابيين، يُعدّ خطوة أساسية لتقليل الأضرار على المدنيين. إلى جانب ذلك، فإن فرض رقابة صارمة على مخزونات الأسلحة يُسهم في الحدّ من تهريبها واستغلالها مِن قِبَل الجماعات الخارجة عن القانون.
ومن جهة أخرى، لا بدّ من معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تُغذّي هذه الأزمات. وعلى الاتحاد الإفريقي أن يسعى لتعبئة الموارد المالية الضرورية لإطلاق مشاريع تنموية تركز على الشباب، لا سيما في المجتمعات الحدودية، بما يوفّر بدائل واقعية عن التعدين غير القانوني، والتهريب، والانخراط في الفكر المتطرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:











































