أعلنت السنغال -خلال حفل رسمي أُقيم بمقر الإدارة الوطنيَّة للملاحة الجويَّة والفضاء (ناسا) بالعاصمة الأمريكيَّة واشنطن يوم 24 يوليو 2025م بحضور عددٍ من كبار المسؤولين في وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة ووفدٍ عن حكومة السنغال برئاسة المدير العام لوكالة دراسات الفضاء السنغاليَّة-؛ انضمامها رسميًّا إلى اتفاقيات أرتميس المعنية بالاستكشافات السلميَّة والمُستدامة للفضاء.
تعكس هذه الخطوة تطلُّع السنغال إلى تعزيز دبلوماسيتها الفضائيَّة؛ من خلال انتسابها إلى إطار دولي متعدد الأطراف، يسعى إلى تكريس الجهود الدوليَّة المُشتركة في مجال الاستكشافات الفضائيَّة، كما تُعزّز هذه الخطوة حضور السنغال كلاعب رئيسي في هذا المجال، وتُمهِّد لانخراطها في اتفاقيات وشراكات جديدة ومُثمرة مع القوى الرائدة في قطاعات بحوث وتكنولوجيا الفضاء.
تأسيسًا على ذلك، تسعى هذه الورقة إلى التعريف باتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا، واستيضاح أهم مبادئها وأهدافها في مجال استكشاف الفضاء، ومِنْ ثَمَّ الوقوف على جهود القارة الإفريقيَّة لتعزيز دورها في هذا المجال، وأخيرًا استكشاف أهمّ الدوافع المُحفِّزة لقرار السنغال بالانضمام إلى اتفاقيات أرتميس.
اتفاقيات “أرتميس” لاستكشاف الفضاء: نظرة عامة:
بحلول شهر أكتوبر من عام 2020م، أطلقت وكالة ناسا الدوليَّة للفضاء، بالتنسيق مع وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة وسبع دول مُؤسِّسة، تضم (أستراليا، كندا، إيطاليا، اليابان، لوكسمبورغ، دولة الإمارات العربيَّة، والمملكة المُتحدة)، اتفاقيات أرتميس Artemis Accords كإطار دولي يرتكز على معاهدة الفضاء الخارجي (OST) لعام 1967م؛ بشأن تنظيم أنشطة الدول في ميدان استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه، بما في ذلك القمر والأجرام السماويَّة الأخرى.
ويهدف هذا الإطار إلى توجيه الدول نحو الاستكشاف السلمي والمسؤول للفضاء عبر إرساء مجموعة من المبادئ المُشتركة لتعزيز حوكمة الفضاء الخارجي واستخداماته، وتطوير رؤية مُشتركة لتعزيز التعاون السلمي والمُستدام في هذا المجال.
بتوقيع السنغال على اتفاقيات أرتميس في يوليو 2025م، بلغ العدد الإجمالي للدول المُنضمَّة إليها 56 دولةً، وترتكز اتفاقيات أرتميس على مجموعة من المبادئ الرئيسيَّة؛ أهمها: مبدأ سلمية الأنشطة التعاونيَّة في مجال الفضاء وتوافقها مع قواعد القانون الدولي، والشفافية بمعنى التزام الدول الأطراف بنشر المعلومات المُتعلّقة بسياساتها الفضائيَّة الوطنيَّة وخطط استكشاف الفضاء على نطاق واسع، بالإضافة إلى مبدأ الالتزام بتقديم المُساعدة في حالات الطوارئ، سواء بالنسبة للأفراد أو المركبات الفضائيَّة التي تُواجه مشكلات تقنية أو فنية، والتعهُّد بحماية التراث الفضائي باعتباره إرثًا مُشتركًا للإنسانية جمعاء، والاستخدام المسؤول لموارد الفضاء([1]).
من خلال إرساء هذه المبادئ؛ تهدف اتفاقيات أرتميس إلى تهيئة بيئة مستقرة وقابلة للتنبؤ لاستكشاف الفضاء والأنشطة التجاريَّة، وتعزيز التعاون الدولي، وضمان استدامة أنشطة الفضاء على المدى الطويل([2])، وتكمن أهمية اتفاقيات أرتيمس في أنها تُمثِّل مبادرةً دوليَّة تضمن المُشاركة الفعَّالة والهادفة للدول الناشئة في مجال الفضاء، سواء تلك الدول التي انضمت بالفعل أو الدول التي ستنضم إليها مُستقبلًا([3]).
من اللافت للنظر غياب قطبين رائدين في مجال الفضاء عن قائمة الدولة المُوقِّعة على اتفاقيات أرتميس؛ وهما روسيا والصين الشعبيَّة؛ إذ تعمل الدولتان معًا على تدشين مشروع مُشترك، تحت مُسمَّى محطة الأبحاث القمريَّة الدوليَّة (ILRS)، بحلول عام 2035م، ويرى بعض المراقبين أنَّ دعوة الصين لخمسين دولة، بما في ذلك دول غربيَّة، للانضمام إلى مشروع محطة الأبحاث القمريَّة الدوليَّة، تُمثّل تحديًا مباشرًا لاتفاقيات أرتميس وتُقوِّض طموحاتها بالتحوُّل إلى منتدى عالمي في مجال استكشافات الفضاء([4]).
طموحات إفريقيا الفضائيَّة: من فكرة مجردة إلى واقع ملموس
بدأت الدول الإفريقيَّة، مُنذ عُقود، تُولي اهتمامًا ملحوظًا ببرامج وأنشطة الفضاء للاستفادة منها في تطبيقات ومجالات متنوعة، أسوةً بغيرها من الدول الأخرى التي قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المضمار، وقد أسفر هذا الاهتمام المُتزايد عن نجاح العديد من الدول الإفريقيَّة في إطلاق الأقمار الصناعيَّة إلى الفضاء، وتدشين برامج فضاء وطنيَّة، فحتى اليوم أطلقت نحو 18 دولةً إفريقيَّة ما يقارب 67 قمرًا صناعيًّا؛ حيث أطلقت مصر أول أقمارها (Nilesat-101) عام 1998م، فيما كانت جمهورية بوتسوانا آخر الدول الإفريقيَّة التحاقًا بالقائمة، عندما أطلقت قمرها الصناعي في مارس 2025م.
شكل-1: الدول الإفريقيَّة وعدد الأقمار الصناعيَّة التي أطلقتها باتجاه الفضاء
Source: Sacehubs Africa, available at: https://n9.cl/hpmdyk
وضمن السياق ذاته، اكتسبت جهود تطوير تكنولوجيا الفضاء زخمًا هائلًا في السنغال، تجلى ذلك في تعاونها مع وكالة ناسا الفضائيَّة عام 2021م في رصد احتجاب أحد الكويكبات، تلا ذلك إنشاء داكار وكالتها الفضائيَّة الوطنيَّة عام 2023م، وفي أغسطس 2024م، أطلقت السنغال قمرها الصناعي الأول GAINDESAT-1A([5]). وفي إطار سعيها لأن تصبح دولةً رائدةً في مجال الفضاء، نظَّمت الوكالة السنغاليَّة لدراسات الفضاء (ESSA) بنجاح “أسبوع الفضاء السنغالي الافتتاحي” في الفترة من 15 إلى 16 مايو 2025م؛ حيث دُعِيَ إلى القمة ممثلون عن شركاء التنمية والمؤسسات الدوليَّة لمناقشة الإستراتيجيات اللازمة لتعزيز دور السنغال في استكشاف الفضاء وتكنولوجياته، ونجحت داكار في توقيع عدد من اتفاقيات التعاون الإستراتيجيَّة المُتعلقة بالنظام البيئي الفضائي السنغالي([6])، من بينها اتفاقية للتعاون مع شركة سولافون Solafune اليابانيَّة للذكاء الاصطناعي.
واستكمالًا لجهودها في تعزيز دبلوماسيتها الفضائيَّة، أعلنت السنغال في 24 يوليو 2025م انضمامها رسميًّا إلى اتفاقيات أرتميس خلال حفل رسمي استضافته وكالة ناسا بمقرها في العاصمة الأمريكيَّة واشنطن، بحضور مرام كيري Maram Kaire المدير العام لوكالة الفضاء السنغاليَّة نيابةً عن حكومة بلاده، وجوناثان برات Jonathan Pratt كبير مسؤولي مكتب الشؤون الإفريقيَّة بوزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، وكان من بين المشاركين أيضًا عبد الوهاب حيدرة سفير السنغال لدى الولايات المُتحدة، وبهذه الخطوة أصبحت السنغال رابع دولة إفريقيَّة تلتحق بهذه المُبادرة الدوليَّة، بعد كلٍّ من نيجيريا ورواندا (2022م)، وأنغولا (2023م)، وتأتي هذه الخطوة عقب اجتماع عُقد في 9 يوليو 2025م بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة خمس دول من غرب إفريقيا، من بينهم الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي Passirou Diomaye Faye، في إطار سعي واشنطن لتعميق علاقاتها الاقتصاديَّة والتجاريَّة مع القارة السمراء.
بلغ الاهتمام الإفريقي بتكنولوجيا الفضاء ذروته في أبريل 2025م؛ مع افتتاح وكالة الفضاء الإفريقيَّة (AFSA) بمدينة الفضاء المصريَّة بالقاهرة، على غرار وكالة الفضاء الأوروبيَّة (ESA)، ويأتي تأسيس الوكالة الإفريقيَّة للفضاء استجابةً لرؤية الاتحاد الإفريقي باستخدام تكنولوجيا الفضاء لجعل إفريقيا متكاملةً وسلميةً ومزدهرةً، ومن هذا المُنطلق توصف الوكالة باعتبارها الهيئة القاريَّة المركزيَّة المعنية بتنسيق أنشطة الفضاء في جميع أنحاء القارة.
الشكل من تصميم وإعداد الباحث
وتطمح الوكالة الإفريقيَّة للفضاء، -كما أشار إلى ذلك قانون الفضاء الإفريقي لعام 2017م الذي تأسست الوكالة بِموجبه-، إلى تعزيز البعثات الفضائيَّة في جميع أرجاء القارة، وضمان الوصول الأمثل إلى البيانات والمعلومات والخدمات والمُنتجات الفضائيَّة، فضلًا عن تطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعيَّة، وتعزيز الشراكات مع الجهات الفاعلة العالميَّة في مجال الفضاء([7]).
هذا، وتعتمد الوكالة الإفريقيَّة للفضاء في تمويلها بشكل أساسي على المُخصصات الماليَّة المُقدَّمة من الاتحاد الإفريقي، مع وجود مصادر تمويليَّة تُقدّمها بنوك التنمية وجهات مانحة خارجيَّة أخرى.
دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات أرتميس:
يأتي قرار السنغال بالتوقيع على اتفاقيات أرتميس مدفوعًا برغبتها في تحقيق مجموعة من المصالح والمكاسب المتنوعة، يُمكن أن نُشير إلى أهمها فيما يلي:
الشكل من إعداد وتصميم الباحث
- تعزيز الدبلوماسية الفضائيَّة: لا شك أنَّ انضمام السنغال إلى اتفاقيات أرتميس يعكس طموحها في تعزيز دبلوماسيتها الفضائيَّة كأداةٍ لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق المصالح الوطنيَّة، من خلال إظهار التزامها بنَهْج متعدّد الأطراف بشأن الاستكشاف السلمي للفضاء، وترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي ومؤثر في مجال تكنولوجيا الفضاء واستكشافه.
- مُراقبة الفضاء ومواجهة التهديدات السيبرانيَّة: تطمح السنغال من خلال توقيعها على اتفاقيات أرتميس إلى الاستفادة من آليات مراقبة الفضاء في توفير الأمن لأصولها الفضائيَّة، وتأكيد سيادتها عليها في مواجهة التهديدات السيبرانيَّة.
- استقدام المعرفة والخبرة الدوليَّة: حيث يُمكن لتبادل الخبرات والمعرفة بين الدول الأطراف في اتفاقيات أرتميس أن يُسهم في استقدام حلول مبتكرة لتحسين مختلف القطاعات والمجالات ذات الأولوية في السنغال، بما في ذلك الزراعة، وإدارة الكوارث، والمراقبة البحريَّة، ومصايد الأسماك، والتعدين. وكذلك يُمكن للسنغال الاستفادة من المعرفة المشتركة، ونقل التكنولوجيا، وتوسيع فرص التعاون البحثي مع الدول الأخرى.
- تأكيد توافق السنغال مع مبادئ الحوكمة العالميَّة: يُظهر انضمام السنغال إلى اتفاقيات أرتميس وما تنطوي عليه من مبادئ بشأن الاستكشاف المسؤول والمُستدام للفضاء، التزامها بالجهود الدوليَّة لحوكمة الفضاء، وتعزيز الاستخدام السلمي للأصول الفضائيَّة لصالح البشرية جمعاء.
- تعزيز فرص النمو والرخاء الاقتصادي: إذ يمكن لجهود استكشاف الفضاء والتكنولوجيات المرتبطة به في إطار اتفاقيات أرتميس أن تدفع عجلة الابتكار والنمو الاقتصادي، مما قد يخلق فرصًا جديدة وواعدة أمام السنغال.
- توطيد الشراكات الدوليَّة: توفّر الاتفاقيات والمنتديات الدوليَّة، على غرار أرتميس، فرصةً مناسبةً لتوطيد الشراكات الثنائية مع المؤسسات الدوليَّة والقوى الرائدة، كالولايات المُتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، بهدف تسهيل الحصول على التمويل اللازم لمشاريع الفضاء، والمُساهمة في تطوير منظومة مستدامة تدعم الابتكار وتُعزّز الاستقلال التكنولوجي للسنغال.
- الاستفادة من المُخرجات العلميَّة لبحوث الفضاء: إن انضمام السنغال لاتفاقيات أرتميس من شأنه أن يُحقّق لها مكاسب علميَّة متنوعة؛ حيث تُشجّع هذه الاتفاقيات على تبادل المعلومات ونتائج البحوث المُتعلقة بالفضاء، مما قد يُساعد السنغال على الاستفادة من مخرجات هذه البحوث في تطوير خدمات الاتصالات والإنترنت، وفي اتخاذ التدابير الوقائيَّة لمواجهة الكوارث البيئيَّة والمخاطر الناجمة عن التغيرات المُناخية.
- تطوير القدرات الوطنيَّة في مجال الفضاء: يُمكن للسنغال، في إطار التعاون الثنائي أو مُتعدد الأطراف الذي توفّره اتفاقيات أرتميس، الاستفادة من تجارب هذه الأطراف في تطوير قدراتها الفضائيَّة، ويتحقق ذلك من خلال اكتساب المعرفة ونقل التقنيات اللازمة من الدول الرائدة والمُتقدمة في مجال الفضاء، والمُشاركة في المؤتمرات والبرامج التدريبية، وإيفاد البعثات العلميَّة، وهو ما من شأنه المُساهمة في بناء الكوادر الوطنيَّة المُتخصصة، إلى جانب توظيف البيانات والمعلومات المُختلفة في تطوير تطبيقاتها الفضائيَّة الخاصة.
في الختام، تُمثِّل مصادقة السنغال على اتفاقيات أرتميس التابعة لوكالة ناسا خطوةً مهمةً لتعزيز دبلوماسيتها الفضائيَّة والارتقاء بدور القارة الإفريقيَّة في مجالات استكشاف الفضاء والعلوم والابتكار، كما سيُتيح الانضمام إلى هذا الإطار الدولي فرصًا واعدة للسنغال لتطوير قطاعها الفضائي المُتنامي ويُعزز إمكانية وصولها إلى شبكة عالميَّة من الدول الرائدة في هذا المجال، ومِن ثَمَّ المُساهمة في صياغة وطرح وجهات نظر إفريقيَّة بشأن حوكمة الفضاء العالميَّة.
…………………………………….
([1]) Artemis Accords, U. S Department of State, available at: https://n9.cl/qnziof
([2]) Balazs Bartoki, Mónika Ganczer, and Gábor Sulyok, Space sustainability: Current regulatory challenges, AKJournals, 20 December 2024, available at: https://n9.cl/995pd
([3]) NASA and Artemis Accords Signatories Progress on Sustainable Exploration, U. S Department of State, available at: https://n9.cl/sm4fn
([4]) Richard Luscombe, How Nasa’s Artemis Accords are laying the ground for global space cooperation, The Guardian, 20 October 2024, available at: https://n9.cl/09f91w
([5]) Artemis: Senegal joins world’s ambitious space exploration pact, TRT Global, 26 July 2025, available at: https://n9.cl/hg362
([6]) Samuel Nyangi, Highlights from the Senegal Space Week 2025, Space In Africa, 26 May 2025, available at: https://n9.cl/fghz2
([7]) The continental space agency of the African Union, African space agency, available at: https://n9.cl/ue5mp