قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
دعاية مجلة قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    عين على إفريقيا (18-27 ديسمبر 2023م): إفريقيا بين التطلع لدور دوليّ والأزمة الاقتصادية وحلول الشراكات

    التأشيرات الذهبية في إفريقيا جنوب الصحراء: آلية جديدة لجذب الاستثمار

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    انقسام حكومة جنوب إفريقيا بشأن اتفاقية تأشيرة أوكرانيا

    التوغُّل الأوكراني في إفريقيا: أدواته وتداعياته على منظومة الأمن والاستقرار في القارة

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    مقارنة في مسارات الانتقال السياسي بدول الساحل: النيجر دراسة حالة

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    لماذا تتنافس شركات الأسلحة الأوروبية على السوق الإفريقية؟

    تحليل اتجاهات الإنفاق العسكري في إفريقيا جنوب الصحراء وأثره على الأمن الإقليمي

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    الجنايات الدولية تعتزم إغلاق مكتبها في الكوت ديفوار خلال 2025

    انسحاب دول الساحل من المحكمة الجنائية الدولية: ما أسباب الجدل المستمر حول دورها وشرعيتها؟

    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

    البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء

    التضخم في إفريقيا: أحدث توصيات البنك الدولي تحت المجهر

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    منظمة حقوقية تتهم شرطة أنجولا بارتكاب أعمال قتل وانتهاكات

    تصاعد الاحتجاجات في أنغولا تعكس تراجعًا تاريخيًّا في تأييد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    عين على إفريقيا (18-27 ديسمبر 2023م): إفريقيا بين التطلع لدور دوليّ والأزمة الاقتصادية وحلول الشراكات

    التأشيرات الذهبية في إفريقيا جنوب الصحراء: آلية جديدة لجذب الاستثمار

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    انقسام حكومة جنوب إفريقيا بشأن اتفاقية تأشيرة أوكرانيا

    التوغُّل الأوكراني في إفريقيا: أدواته وتداعياته على منظومة الأمن والاستقرار في القارة

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    مقارنة في مسارات الانتقال السياسي بدول الساحل: النيجر دراسة حالة

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    لماذا تتنافس شركات الأسلحة الأوروبية على السوق الإفريقية؟

    تحليل اتجاهات الإنفاق العسكري في إفريقيا جنوب الصحراء وأثره على الأمن الإقليمي

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    الجنايات الدولية تعتزم إغلاق مكتبها في الكوت ديفوار خلال 2025

    انسحاب دول الساحل من المحكمة الجنائية الدولية: ما أسباب الجدل المستمر حول دورها وشرعيتها؟

    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

    البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء

    التضخم في إفريقيا: أحدث توصيات البنك الدولي تحت المجهر

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    منظمة حقوقية تتهم شرطة أنجولا بارتكاب أعمال قتل وانتهاكات

    تصاعد الاحتجاجات في أنغولا تعكس تراجعًا تاريخيًّا في تأييد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج

المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

يوليو 30, 2025
في دراسات وبحوث, دراسة سياسية, مميزات
A A
هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

أحمد صدقي اليماني

مقدمة:

تُعَدّ المُصالَحة الوطنية والمُصالَحة السياسية من المفاهيم المركزية في أدبيات بناء السلام بعد النزاعات، خصوصًا في الدول متعددة الإثنيات والأديان التي شهدت صراعات أهلية أو انقسامات سياسية حادة. وفي هذا السياق، تُشكِّل منطقة شرق إفريقيا ميدانًا غنيًّا لتحليل تجارب المصالحة؛ نظرًا لما تحمله من تباينات تاريخية وثقافية وسياسية، تتجلَّى بشكلٍ واضحٍ في حالتي إثيوبيا وتنزانيا.

لقد خضعت إثيوبيا، بوصفها دولة ذات تركيبة إثنية مُعقَّدة ونظام فيدرالي قائم على أُسُس عرقية، لسلسلة من النزاعات المسلحة والتوترات العرقية والسياسية التي كشفت هشاشة الروابط الوطنية، وأبرزت الحاجة المُلِحَّة إلى إعادة صياغة مشروع المصالحة على أُسُس جديدة. وعلى النقيض من ذلك، تُقدَّم تنزانيا في كثير من الأدبيات بوصفها “حالة ناجحة” نسبيًّا في الحفاظ على السلم الأهلي، رغم تنوعها الثقافي والديني، وهو ما يعود إلى سياسات التوحيد الوطني واللغة المشتركة، ودور الحزب الحاكم في تعزيز الانسجام المجتمعي.

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل البُعدين الوطني والسياسي للمصالحة في كلا البلدين؛ من خلال فَهْم السياقات التاريخية التي شكَّلت بِنْيتهما الاجتماعية والسياسية، وتفكيك الآليات التي اتبعتها النُّخب السياسية لبناء أو إعاقة المصالحة.

كما تهدف إلى المقارنة بين التجربتين لاستخلاص العوامل الحاسمة التي أدَّت إلى نجاح التجربة التنزانية مقابل تعثُّر التجربة الإثيوبية، مما يُتيح تصوُّر مقاربات أكثر نجاعة لتحقيق المصالحة في بيئات شديدة التعقيد كالتي تعيشها إثيوبيا اليوم.

وتنبع أهمية هذه المقارنة من كونها لا تكتفي برَصْد النتائج، بل تتعمَّق في تحليل الخيارات السياسية، والهندسة المؤسسية، وخطابات الهوية، ودور المجتمع المدني والديني، في إطار مقاربة نقدية تهدف إلى تقديم تصوُّر متوازن لتحديات المصالحة وفرصها في شرق إفريقيا. فبينما تتَّجه بعض الدول نحو “مصالحة شكلية” تُخفي تحتها صراعات مُؤجَّلة، تسعى أخرى إلى مصالحة جذرية تُعيد بناء العقد الاجتماعي على أُسُس جديدة من الاعتراف المتبادل والمشاركة السياسية.

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في التساؤل الرئيسي التالي:

ما أوجه الشبه والاختلاف بين تجارب المصالحة الوطنية والسياسية في كلٍّ من إثيوبيا وتنزانيا؟ وما العوامل التي أسهمت في نجاح أو تعثُّر هذه التجارب؟

ويتفرع من هذا التساؤل عدد من الأسئلة الفرعية، مثل:

  • كيف تعاملت الحكومات مع ملفات الانقسام المجتمعي والتاريخ الاستعماري؟
  • ما دور النُّخَب السياسية والدينية ومنظمات المجتمع المدني في كل تجربة؟
  • ما مدى استدامة المصالحة في البلدين على المدى البعيد؟

أهمية البحث:

تبرز أهمية هذا البحث من خلال الإسهام في إثراء الدراسات المقارنة في مجال إدارة النزاعات والمصالحة في إفريقيا. وتقديم مؤشرات مهمة لصُنّاع القرار في شرق إفريقيا والدول المشابهة حول سُبُل تحقيق مصالحة سياسية قابلة للاستمرار. كما يأتي البحث في وقتٍ تتصاعد فيه الأزمات الداخلية في إثيوبيا، مقابل الاستقرار النسبي في تنزانيا، ما يُوفِّر فرصةً لفهم الديناميات المتناقضة؛ حيث يُعالج قلة الدراسات المقارنة بين دول إفريقية متجاورة ومختلفة في بِنْيتها السياسية والاجتماعية.

هدف البحث:

يهدف هذا البحث إلى تحليل وتحقيق فَهْم مُعمّق لتجارب المصالحة الوطنية والسياسية في إثيوبيا وتنزانيا. وتحديد العوامل التي تُعيق أو تُعزّز نجاح المصالحة في المجتمعات متعددة الأعراق والديناميات السياسية. مع تقديم إطار تحليلي مقارن يمكن اعتماده لتقييم تجارب أخرى في المنطقة الإفريقية.

منهج البحث:

يعتمد هذا البحث على المنهج المقارن، الذي يُتيح تحليل أوجه التشابه والاختلاف بين حالتين دراسيتين (إثيوبيا وتنزانيا)، باستخدام أدوات تحليلية تستند إلى:

  • المنهج التاريخي: لتتبُّع جذور النزاعات والمصالحة.
  • المنهج التحليلي: لفَحْص السياسات والبرامج المُتَّبَعة في المصالحة.
  • المنهج الوصفي: لعرض البيانات والمعلومات حول الواقع السياسي والاجتماعي في البلدين.

خطة البحث:

للإجابة عن الأسئلة المطروحة أعلاه؛ يستعرض المبحث الأول من الدراسة: الإطار النظري والمفاهيمي، وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين؛ يتناول بمطلبه الأول مفهوم المصالحة الوطنية والسياسية، ويعرض المطلب الثاني منه النظريات المُفسِّرة للمصالحة. أما المبحث الثاني فيستعرض السياق التاريخي والسياسي للمُصالَحتين، وينقسم إلى مطلبين؛ يشير بمطلبه الأول إلى السياق التاريخي والسياسي للمصالحة الوطنية في إثيوبيا، ويُبرز بمطلبه الثاني السياق التاريخي والسياسي للمصالحة السياسية في تنزانيا، كما يُقدّم في المبحث الثالث الفاعلين في كلتا المصالحتين؛ حيث يذكر في المطلب الأول الفاعلين في المصالحة الوطنية في إثيوبيا، ويسرد في مطلبه الثاني الفاعلين في المصالحة السياسية في تنزانيا.

ويستعرض المبحث الرابع أدوات وآليات المصالحة في كلتا الحالتين؛ حيث يُفنِّد في مطلبه الأول أدوات وآليات المصالحة الوطنية في إثيوبيا، ويعرض في مطلبه الثاني أدوات وآليات المصالحة السياسية في تنزانيا، ويفنّد في مطلبه الثالث معوقات المصالحة ومُحدّدات النجاح والفشل في كلتا الحالتين. كما يُقدّم هذا البحث أيضًا دروسًا للبلدان الأخرى الخارجة من النزاعات، ويُشدّد بشكل خاص على الجهود المتضافرة التي تتطلبها عملية التوافق الوطني الناجحة، والتي تبذلها الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في إطار استغلال الثقافة الملائمة للبلد، وذلك على النحو الآتي:

  • المبحث الأول: الإطار النظري والمفاهيمي.
  • المبحث الثاني: السياق التاريخي والسياسي للمُصالحتين.
  • المبحث الثالث: الفاعلون في كلتا المصالحتين.
  • المبحث الرابع: أدوات وآليات المصالحة في كلتا الحالتين.

المبحث الأول

الإطار النظري والمفاهيمي

تُعدّ المصالحة الوطنية والمصالحة السياسية من المفاهيم المركزية في دراسات بناء السلام ما بعد النزاعات؛ حيث تُشكّلان مدخلًا أساسيًّا لتحقيق الاستقرار وإرساء أُسُس التعايش السلمي داخل المجتمعات المنقسمة. وتبرز أهمية هذا المبحث في توضيح الإطار النظري الذي يُسهم في فهم أبعاد المصالحة، ومضامينها المفاهيمية، ومقاربتها من زوايا متعددة سواء كانت قانونية أو اجتماعية أو سياسية. يهدف هذا المبحث إلى تقديم تصور نظري ومفاهيمي متكامل للمصالحة؛ من خلال التمييز بين المصالحة الوطنية التي تشمل كافة مكونات المجتمع، والمصالحة السياسية التي تركز على الفاعلين السياسيين والقوى المتنازعة.

المطلب الأول: مفهوم المصالحة الوطنية والسياسية

تُعدّ المصالحة بمختلف أشكالها من أبرز الأدوات السياسية والاجتماعية التي تلجأ إليها الدول الخارجة من صراعات، سواء كانت ذات طابع سياسي، عِرْقي، أو أيديولوجي. وتتمثل أهميتها في كونها مدخلًا لبناء السلام المستدام، وترسيخ التعايش السلمي بين المكونات المختلفة داخل الدولة. غير أن المصالحة ليست مفهومًا واحدًا جامدًا، بل تتعدَّد أشكالها وتختلف مضامينها باختلاف السياق السياسي والاجتماعي، ومن أبرز هذه الأشكال: المصالحة الوطنية والمصالحة السياسية.

أولًا: المصالحة الوطنية: المفهوم والدلالة

المصالحة الوطنية هي عملية شاملة تهدف إلى معالجة آثار النزاعات العنيفة أو الانقسامات العرقية أو الأيديولوجية الحادة داخل الدولة، وذلك عبر آليات متعددة تشمل الاعتراف بالضحايا، محاسبة الجناة، ضمانات عدم التكرار، وتحقيق العدالة الانتقالية.([1]) وتُعدّ المصالحة الوطنية بمثابة مشروع طويل الأمد لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين مكونات المجتمع ذاته، ويُفترض فيها أن تكون ذات طابع شامل لا يقتصر على النُّخَب السياسية فقط، بل تشمل جميع الفئات المتضررة من النزاع.

اقرأ أيضا

الهوية والدِّين في الفِكر السياسي الإفريقي: دراسة لكتاب “المسيحية، والإسلام، والعرق الزنجي”

تحليل اتجاهات الإنفاق العسكري في إفريقيا جنوب الصحراء وأثره على الأمن الإقليمي

احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

وتكتسب المصالحة الوطنية طابعًا تاريخيًّا وأخلاقيًّا؛ إذ إنها لا تركز فقط على التسويات السياسية بين الأطراف، بل تتناول الجراح المجتمعية، والذاكرة الجماعية للضحايا، وتسعى لتفكيك البنى التي ساهمت في نشوب النزاع من الأصل، سواء كانت بنى سياسية، قانونية، أو ثقافية. ولهذا، فإن المصالحة الوطنية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم مثل العدالة الانتقالية، كشف الحقيقة، المحاسبة، والإنصاف.

من أمثلة المصالحات الوطنية الناجحة نسبيًّا: تجربة جنوب إفريقيا بعد نظام الفصل العنصري، وتجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية؛ حيث أنشئت آليات للتحقيق والمحاسبة والمصالحة المجتمعية على نطاق واسع.

ثانيًا: المصالحة السياسية: المفهوم والدلالة

أما المصالحة السياسية، فهي غالبًا ما تكون عملية نخبوية الطابع، تتركز حول التسويات بين القوى السياسية المتنافسة أو المتنازعة داخل الدولة، وتهدف إلى تهيئة مناخ سياسي توافقي يمكّن من إدارة الشأن العام دون اللجوء إلى العنف أو الإقصاء. وقد تتخذ المصالحة السياسية أشكالًا متعددة، من أبرزها: الحوار بين الحكومة والمعارضة، التعديلات القانونية والدستورية، تقاسم السلطة، أو إعادة هيكلة النظام الانتخابي لضمان مشاركة أوسع.([2])

وعلى خلاف المصالحة الوطنية، فإن المصالحة السياسية لا تُعنَى بالضرورة بالجوانب الحقوقية أو العدالة لضحايا النزاع، بل تُركّز على إنهاء الاستقطاب السياسي وتوفير الحد الأدنى من التوافق الضروري لاستمرار النظام السياسي أو الانتقال السلمي للسلطة.

وقد تكون المصالحة السياسية مدخلًا لمصالحة وطنية أوسع، لكنها قد تُنتقد في بعض السياقات باعتبارها ترتيبًا فوقيًّا لا يعالج الجذور الحقيقية للأزمات، ولا يضمن بالضرورة مشاركة المجتمع الأوسع. وغالبًا ما تكون المصالحة السياسية مدفوعة بعوامل ضغط مباشرة كالأزمات الاقتصادية أو التهديدات الأمنية، لا بالضرورة بإرادة إصلاح شاملة.

ثالثًا: الفروق الجوهرية بين المصالحة الوطنية والسياسية

رابعًا: العلاقة بين المصالحتين

رغم تباين المصالحتين من حيث الأهداف والوسائل، إلا أن العلاقة بينهما ليست تنافرية، بل تكاملية. ففي بعض الحالات، تُشكِّل المصالحة السياسية مدخلًا لتدشين عملية مصالحة وطنية أوسع، كما في حالة تنزانيا؛ حيث ساهمت الإصلاحات السياسية في تهدئة المناخ العام، بما قد يُهيِّئ مستقبلًا لعدالة انتقالية أعمق. وفي حالات أخرى، تكون المصالحة الوطنية إطارًا يشمل بداخله ترتيبات المصالحة السياسية، كما هو الحال في إثيوبيا؛ حيث تمَّت صياغة اتفاق سياسي (اتفاق بريتوريا) في سياق مصالحة وطنية تسعى إلى إنهاء الحرب ومعالجة الانقسامات المجتمعية.

المطلب الثاني: النظريات المفسِّرة للمصالحة

تستند عمليات المصالحة، سواء الوطنية أو السياسية، إلى خلفيات نظرية متنوعة تُفسِّر دوافعها، آلياتها، ومآلاتها. وتُعدّ النظريات السياسية والاجتماعية ذات صلة وثيقة بفهم الديناميات التي تَحْكُم هذه العمليات، خصوصًا في المجتمعات الخارجة من صراعات، أو التي تشهد انقسامات حادة. في هذا المطلب، سنتناول أبرز النظريات المُفسِّرة للمصالحة، مع الإشارة إلى مدى قابليتها للتطبيق على حالتي إثيوبيا وتنزانيا.

أولًا: نظرية العدالة الانتقالية

تُعدّ نظرية العدالة الانتقالية من أبرز الإطارات النظرية التي تُفسِّر عمليات المصالحة الوطنية، خاصة في السياقات التي أعقبت نزاعات مسلحة أو أنظمة قمعية. تقوم هذه النظرية على أربعة أعمدة أساسية:

  1. كشف الحقيقة: من خلال لجان الحقيقة والمصالحة، أو عبر التحقيقات المستقلة.
  2. المساءلة والمحاسبة: تقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى المحاكمة أو المحاسبة الإدارية.
  3. جبر الضرر: تعويض الضحايا أو الاعتراف بهم بشكل رسمي.
  4. ضمانات عدم التكرار: تشمل إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية والتشريعية.

وترى هذه النظرية أن المصالحة لا تتحقق عبر النسيان أو التسويات السياسية فقط، بل تحتاج إلى اعتراف أخلاقي وتاريخي بالضحايا، ومساءلة الجناة، وبناء مؤسسات تحمي الحقوق والحريات.([3])

في الحالة الإثيوبية، تحاول الدولة من خلال اتفاق بريتوريا وبعض المبادرات الرسمية السير نحو مسار العدالة الانتقالية، إلا أن الواقع لا يزال يُواجه تحديات كبيرة على صعيد المحاسبة وكشف الحقيقة.

ثانيًا: نظرية بناء السلام: Peacebuilding Theory

طُورت هذه النظرية ضمن أدبيات العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة، وتحديدًا مِن قِبَل الباحث النرويجي يوهان غالتونغ؛ حيث تركّز على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للنزاع وليس فقط مظاهره.

تقوم نظرية بناء السلام على ثلاثة مستويات:

  1. السلام السلبي: غياب العنف المباشر.
  2. السلام الإيجابي: بناء العدالة الاجتماعية والمساواة وإصلاح المؤسسات.
  3. التكامل المجتمعي: إعادة الثقة بين المكونات الاجتماعية.

وترى النظرية أن المصالحة ليست حدثًا بل عملية مستمرة تحتاج إلى التزام طويل الأمد من الدولة والمجتمع المدني.([4])

في الحالة التنزانية، يمكن النظر إلى المصالحة السياسية الأخيرة ضمن إطار “السلام السلبي” الذي أوقف التصعيد بين الحكومة والمعارضة، لكنها لم تصل بعد إلى سلام إيجابي بمعايير العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص السياسية.

ثالثًا: نظرية النخبة: Elite Theory

تركز هذه النظرية على دور النُّخَب السياسية والاجتماعية في هندسة التوافقات وصياغة الترتيبات الانتقالية، سواء عبر التفاوض أو التسويات. وتَفترض أن أيّ عملية مصالحة لا تتم إلا بموافقة أو مبادرة النخبة الحاكمة والمعارضة.

وفق هذه الرؤية، لا تُعدّ المصالحة انعكاسًا لرغبات القواعد الشعبية فقط، بل هي مشروع تتبنَّاه النُّخَب، وتفرضه في بعض الأحيان كأمر واقع، وقد يُستخدَم أيضًا كأداة لتقوية سلطتها.([5])

في تنزانيا، لعبت النخب الحزبية دورًا مركزيًّا في تهدئة التوترات، لا سيما في ظل وصول الرئيسة سامية حسن إلى السلطة، واتباعها سياسة انفتاح تجاه المعارضة. أما في إثيوبيا، فكانت المصالحة مزيجًا من ضغوط داخلية وخارجية، إضافة إلى توافق نسبي داخل النخبة حول ضرورة إنهاء النزاع مع جبهة تحرير تيغراي.

رابعًا: نظرية العقد الاجتماعي

يستند هذا التوجه إلى فكر فلاسفة مثل جون لوك، جان جاك روسو، وتوماس هوبز؛ حيث يرون أن الشرعية السياسية تقوم على اتفاق ضمني بين الحاكم والمحكومين، وأن أيّ خلل في هذا التوازن يؤدي إلى انهيار الشرعية واندلاع النزاعات.([6]) وفق هذا المنظور، فإن المصالحة، سواء وطنية أو سياسية، تُعدّ محاولة لتجديد العقد الاجتماعي، عبر إعادة توزيع السلطة، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطنين، بما يضمن شعور جميع المكونات بالانتماء والتمثيل العادل.

في الحالة الإثيوبية، يشير النزاع الأخير إلى تفكك العقد الاجتماعي الذي قام عليه النظام الفيدرالي العرقي. أما في تنزانيا، فإن المصالحة السياسية جاءت في ظل مخاوف من تآكل شرعية الدولة نتيجة السياسات القمعية التي اتُّبِعَت في عهد الرئيس السابق.

خامسًا: نظرية التحوُّل الديمقراطي

تتناول هذه النظرية العلاقة بين المصالحة والتحول من الأنظمة السلطوية إلى الديمقراطية. وهي تركز على كيفية بناء توافقات جديدة تُمكِّن من الانتقال السلمي للسلطة، وتجنّب الانتكاسات.([7]) ترى النظرية أن المصالحة، لا سيما السياسية، تُعدّ عنصرًا مهمًّا في مراحل التحوُّل الديمقراطي، خاصةً في المراحل الانتقالية؛ حيث يكون النظام في حالة هشَّة.

تنزانيا تُعتبر من الحالات النسبية في هذا الإطار؛ إذ شهدت نوعًا من التحول الحزبي المقيد، وتسعى الرئيسة الحالية لإعادة التوازن عبر فتح المجال السياسي. أما إثيوبيا، فعانت من انتكاسات في مسار التحول الديمقراطي؛ بسبب الانقسامات العرقية وطبيعة النظام الفيدرالي، رغم محاولات سابقة للإصلاح السياسي.

سادسًا: نظرية الهوية والصراع الإثني

تفترض هذه النظرية أن كثيرًا من النزاعات -ومِن ثَم عمليات المصالحة– تعود إلى أزمات الهوية والانتماء الإثني أو الديني أو الثقافي. وتُعد السياقات الإفريقية نموذجًا حيًّا لهذه النظرية؛ حيث تتداخل الهويات المحلية مع ضعف الدولة الوطنية. وفق هذا المنظور، فإن المصالحة الحقيقية تتطلب الاعتراف بتعدد الهويات وضمان تمثيلها، إضافة إلى بناء سردية وطنية جامعة.

في إثيوبيا، تُعدّ هذه النظرية مركزية لفهم جذور النزاع مع إقليم تيغراي وغيره؛ حيث إن النظام الفيدرالي الإثني أدَّى إلى ترسيخ الانقسامات بدلًا من احتوائها. أما في تنزانيا، فقد نجح النظام في تخفيف حدة الانقسامات عبر سياسات دمج وطنية، لكن التحديات لا تزال قائمة على مستوى التمثيل السياسي والعدالة في تقاسم الموارد.

تُظهر هذه النظريات المختلفة أن المصالحة ليست عملية تقنية محضة، بل هي عملية سياسية واجتماعية وثقافية مركبة. ويعتمد نجاحها على توافر الإرادة السياسية، وضغط المجتمع المدني، ووجود بنى مؤسسية قادرة على إدارة التنوع والنزاع. كما يتَّضح أن المصالحة الوطنية ترتكز أكثر على نظريات مثل العدالة الانتقالية وبناء السلام، في حين أن المصالحة السياسية تجد تفسيرها الأوضح في نظريات النخبة والتحول الديمقراطي.

المبحث الثاني

السياق التاريخي والسياسي للمصالحتين

تمثل المصالحة السياسية والوطنية استجابات لتراكمات ممتدة من الأزمات السياسية والاجتماعية، ولا يمكن فهمها إلا في ضوء السياقات التاريخية التي أنتجتها. فكل مصالحة تتولد من رحم تاريخ مضطرب، وسياقات داخلية وخارجية متشابكة تفرض على النخب الحاكمة إعادة تعريف قواعد اللعبة السياسية أو بناء توازنات جديدة. في هذا المبحث، نتناول السياق التاريخي والسياسي الذي أدَّى إلى نشوء الحاجة إلى المصالحة في كلّ من إثيوبيا (الوطنية) وتنزانيا (السياسية)، من خلال مطلبين رئيسيين.

المطلب الأول: السياق التاريخي والسياسي للمصالحة الوطنية في إثيوبيا

أولًا: الخلفية التاريخية للصراعات الإثنية في إثيوبيا

تُعدّ إثيوبيا من أقدم الدول في القارة الإفريقية من حيث التكوين السياسي، لكنّها في المقابل من أكثرها تعقيدًا على مستوى البنية الإثنية. تضم البلاد أكثر من 80 مجموعة إثنية، تختلف لغاتها وثقافاتها، وتتنافس على السلطة والثروة والاعتراف.

منذ عهد الإمبراطورية الإثيوبية، وخاصة في فترة الهيمنة الأمهرية (القرن 19–1974)، سادت سياسات التذويب الثقافي والقمع السياسي ضد القوميات غير الأمهرية، مما أسَّس لاحتقان طويل الأمد.([8]) ومع سقوط النظام الإمبراطوري عام 1974م، دخلت البلاد مرحلة نظام منغستو الشيوعي (1974– 1991م)، الذي تميَّز هو الآخر بالاستبداد والحرب الأهلية، لا سيما ضد جبهة تحرير تيغراي والجبهة الإريترية. وبعد انهيار نظام منغستو، صعد الائتلاف الفيدرالي بقيادة جبهة تحرير شعب تيغراي TPLF إلى السلطة، وأسّس نظامًا فيدراليًّا إثنيًّا عام 1995م، يمنح القوميات حق “تقرير المصير حتى الانفصال”؛ إلا أن هذا النظام الفيدرالي رسَّخ الانقسام أكثر من أن يحتويه؛ إذ أدّى إلى تعزيز الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، وخلق مراكز قوى إثنية متنافسة، ظلت تتناحر سياسيًّا وعسكريًّا.([9])

ثانيًا: مرحلة حكم آبي أحمد وبروز الحاجة إلى المصالحة

صعود آبي أحمد علي إلى رئاسة الوزراء عام 2018م، مثَّل لحظة تحوُّل؛ حيث طرح مشروعًا إصلاحيًّا يدعو إلى تجاوز الفيدرالية الإثنية لصالح “الوحدة الوطنية”. كما أبرم سلامًا تاريخيًّا مع إريتريا، وأطلق سراح المعتقلين السياسيين، وفتح المجال أمام عودة الحركات المنفية.([10])

غير أن هذه الإصلاحات واجهت رفضًا شديدًا من جبهة تحرير تيغراي، التي رأت فيها تهديدًا لمصالحها التاريخية، لتندلع بعد ذلك حرب شاملة في نوفمبر 2020م بين الحكومة المركزية والجبهة في إقليم تيغراي. خلَّفت الحرب آلاف القتلى وملايين النازحين، واتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خاصة في مناطق تيغراي وأمهرة وعفر، مما أدَّى إلى ضغوط دولية متزايدة على أديس أبابا لإنهاء النزاع.

أدَّى ذلك إلى توقيع اتفاق بريتوريا للسلام في نوفمبر 2022م، بين الحكومة وجبهة تيغراي، برعاية إفريقية ودولية، وهو ما مَثَّل بداية مسار المصالحة الوطنية، رغم هشاشته.

ثالثًا: محددات المصالحة الوطنية في الحالة الإثيوبية

  1. الطبيعة الفيدرالية الإثنية للنظام السياسي: المصالحة في إثيوبيا ليست فقط بين فاعلين سياسيين، بل بين مكوّنات عرقية متجذرة ومتداخلة جغرافيًّا.
  2. الانقسامات بين المركز والأقاليم: خاصة الأقاليم التي تطالب بالانفصال أو بدرجة أكبر من الحكم الذاتي.
  3. الدور الإقليمي والدولي: التدخلات الخارجية، خاصة من إريتريا والإمارات وتركيا، إلى جانب الضغوط الغربية، أثَّرت على مسار النزاع والمصالحة.
  4. الهشاشة المؤسساتية: عدم وجود مؤسسات عدالة انتقالية مستقلة، وبنية أمنية منقسمة على أسس إثنية.

المطلب الثاني: السياق التاريخي والسياسي للمصالحة السياسية في تنزانيا

أولًا: بناء الدولة ما بعد الاستعمار وتشكيل الهوية الوطنية

استقلت تنزانيا (تنجانيقا سابقًا) عام 1961 بقيادة الزعيم جوليوس نيريري، الذي لعب دورًا حاسمًا في بناء دولة مركزية قوية تقوم على مبدأ “الوحدة الوطنية قبل كل شيء .”قام نيريري بإطلاق سياسة الاشتراكية الإفريقية: Ujamaa، التي هدفت إلى القضاء على القبلية والانقسام الإثني، عبر التعليم الموحد، ونظام الحزب الواحد، ولغة سواحيلية جامعة. وفي عام 1964م، اتحدت تنجانيقا وزنجبار لتكوين جمهورية تنزانيا المتحدة، في تجربة وحدوية فريدة، لكنها حملت بذور توتر سياسي بين الجانبين([11]).

ثانيًا: الانتقال إلى التعددية السياسية وتحدياتها

في أوائل التسعينيات، وتحت ضغط داخلي ودولي، تحوّلت تنزانيا إلى نظام تعددي([12])، وشهدت أول انتخابات تعددية في 1995م. ومنذ ذلك الحين، سيطر حزب الثورة الحاكم CCM)) على السلطة، بينما ظلت المعارضة محدودة التأثير.

في العقد الأخير، وبخاصة في عهد الرئيس جون ماغوفولي (2015– 2021م)، اتسمت البيئة السياسية بالتضييق الشديد على الحريات، وسُجِنَ معارضون بارزون، وتم التضييق على الإعلام والمجتمع المدني. بلغ التوتر السياسي ذروته في انتخابات 2020م، والتي شهدت انسحاب المعارضة من النتائج، واتهامات بتزوير واسع النطاق.

ثالثًا: تولي سامية سولوهو السلطة وبداية الانفراج السياسي

مع وفاة ماغوفولي المفاجئة في مارس 2021م، تولت سامية حسن الرئاسة، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب في شرق إفريقيا([13])، وأعلنت منذ الأيام الأولى توجُّهًا نحو التهدئة السياسية.

بادرت الرئيسة سامية إلى:

  • الإفراج عن بعض السجناء السياسيين.
  • دعوة قادة المعارضة للحوار.
  • تشكيل لجان تشاورية حول الإصلاحات السياسية.
  • السماح بعودة التظاهرات السلمية.
  • الانفتاح على المجتمع المدني والإعلام.

وقد مثّلت هذه الخطوات بداية لمصالحة سياسية بين الحكومة والمعارضة، تقوم على التفاهم، دون تغيير جذري في بنية السلطة.

رابعًا: خصائص السياق التنزاني للمصالحة السياسية

  1. استمرار سيطرة الحزب الحاكم: لم تؤدِّ المصالحة إلى تقاسم فِعْلي للسلطة، بل هدفت إلى تخفيف الاحتقان.
  2. ضعف مؤسسات الرقابة: السلطة القضائية والبرلمان لا تزالان تحت تأثير الحزب الحاكم.
  3. رغبة النظام في تحسين صورته دوليًّا: المصالحة جاءت في سياق إعادة بناء العلاقات مع المجتمع الدولي.
  4. الطابع الحضاري للعلاقات الإثنية: غياب التوتر الإثني الحاد سهَّل تنفيذ المصالحة مقارنة بالحالة الإثيوبية.

يُظهر تحليل السياق التاريخي والسياسي في كلٍّ من إثيوبيا وتنزانيا أن المصالحة ليست فقط نتاج أزمات راهنة، بل امتداد لتراكمات تاريخية وسياسات بنيوية. ففي إثيوبيا، جاءت المصالحة الوطنية كاستجابة لنزاع مسلح وانقسام إثني تاريخي، بينما في تنزانيا، ظهرت المصالحة السياسية كنتيجة لتراكمات سلطوية وتضييق على الحريات، وليست حربًا أهلية أو نزاعًا إثنيًّا.

وبذلك، فإن نجاح المصالحة في كل بلد يرتبط بخصوصياته التاريخية والسياسية، فبينما تعتمد إثيوبيا على بناء عقد اجتماعي جديد يدمج الفيدرالية والعدالة، تحاول تنزانيا ترميم التعددية السياسية دون تهديد هيمنة الحزب الحاكم.

المبحث الثالث

الفاعلون في كلتا المصالحتين

تلعب الأطراف الفاعلة دورًا حاسمًا في توجيه ديناميات المصالحة، سواء كانت وطنية أو سياسية. فنجاح أو إخفاق أي عملية مصالحة يرتبط بتوازنات القوى بين الفاعلين، ومدى انخراطهم، وأهدافهم، وأدوات تأثيرهم. في هذا المبحث، نتناول الفاعلين الأساسيين في كل من المصالحة الوطنية الإثيوبية والمصالحة السياسية التنزانية، من خلال مطلبين رئيسيين.

المطلب الأول: الفاعلون في المصالحة الوطنية في إثيوبيا

أولًا: الحكومة الإثيوبية (الفاعل الرسمي)

تُشكِّل الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد علي الفاعل الأبرز في مسار المصالحة الوطنية. فمنذ توليه المنصب في 2018م، تبنَّى خطابًا وحدويًّا يحاول كسر ثنائية الفيدرالية الإثنية وبناء دولة “موحدة مدنية”، ما جعله في مواجهة مباشرة مع النخب الإثنية التقليدية.

وتظهر أدوارها في المصالحة: من خلال توقيع اتفاق بريتوريا للسلام مع جبهة تيغراي بالإضافة إلى إطلاق سراح معتقلين سياسيين من قوميات متعددة. الإعلان عن خطة “الحوار الوطني الشامل” عام 2021م. وتعيين “لجنة الحوار الوطني الإثيوبي” كمظلة للمصالحة.

وأبرز تحدياتها: هي فقدان الثقة لدى كثير من الجماعات الإثنية. مع اتهامات باستخدام المصالحة كغطاء لتعزيز السلطة المركزية. وكذا تدخلات الجيش الفيدرالي في مناطق متعددة.

ثانيًا: جبهة تحرير شعب تيغراي TPLF

تُعدّ جبهة تحرير تيغراي الطرف الأساسي في الحرب التي اندلعت عام 2020م. وبعد توقيع اتفاق السلام، أصبحت شريكًا في المصالحة الوطنية، لكنها ظلت تحتفظ بهيكلها العسكري والسياسي بشكل منفصل. وتتجلى مواقفها بأنها قد وافقت على نزع السلاح مقابل استعادة الخدمات الفيدرالية. كما أنها تطالب بضمانات أمنية وتشريعية لحماية الإقليم، وتسعى لعودة اللاجئين والنازحين إلى الإقليم. ولعلى أبرز مخاوفها يتعلق بالتهميش السياسي وتصفية حسابات من أطراف في الجيش الفيدرالي، بالإضافة إلى هيمنة أمهرة على أراضٍ مُتنازَع عليها.

ثالثًا: الجماعات المسلحة في أمهرة وأورومو

بالإضافة إلى تيغراي، ظهرت جماعات مسلحة في إقليم أمهرة وأوروميا، مثل “جيش تحرير أورومو (OLA)”، وبعض الميليشيات المحلية الأمهرية، والتي تُشكِّل تحديًا لمسار المصالحة؛ حيث أظهرت أدوارها أنها ترفض الانخراط في الحوار الوطني، واستمرار العمليات المسلحة في الريف الإثيوبي، مع اتهام الحكومة بإقصائها من الاتفاقيات السياسية. وأبرز مطالبها هو حوار شامل لا يقتصر على النُّخب مع توزيع عادل للسلطة والثروة، وأبرز مطالبها إقرار رسمي بجرائم ارتُكِبَت بحقّ شعوبها.

رابعًا: مؤسسات المجتمع المدني والكنيسة

تمثل بعض المنظمات المدنية، خاصةً تلك المعنية بالسلام وحقوق الإنسان، فاعلًا داعمًا لمسار المصالحة، إلى جانب الكنيسة الأرثوذكسية والمؤسسات الدينية الإسلامية. وتكمن أدوارها في تنظيم منصات حوار محلية، مع تقديم شهادات الانتهاكات في مناطق النزاع، والوساطة بين المجتمعات الإثنية. كما أن أبرز تحدياتها هو ضعف التمويل بالإضافة إلى غياب الحماية القانونية واتهامات كيدية بالانحياز الإثني.

خامسًا: الفاعلون الإقليميون والدوليون

تشكّل القوى الخارجية أحد مكونات العملية السياسية في إثيوبيا، إما بدور الوساطة أو التمويل أو ممارسة الضغط.

فالاتحاد الإفريقي: رعى اتفاق بريتوريا، ويقود متابعة التنفيذ. والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يُقدّمان دعمًا تقنيًا وماليًّا، لكنهما يُتهمان أحيانًا بالانحياز. أما الإمارات وتركيا فقد دعمتا الحكومة أثناء الحرب عسكريًّا، وأثّرتا في ميزان القوى.

المطلب الثاني: الفاعلون في المصالحة السياسية في تنزانيا

أولًا: الحكومة وحزبCCM الحاكم

منذ استقلال تنزانيا، يُعدّ حزب الثورة CCM)) الفاعل المهيمن على الدولة، وهو من يقود حاليًا المصالحة السياسية. فدور الحكومة بقيادة الرئيسة سامية سولوهو بدأ بإطلاق حوار سياسي مع المعارضة عام 2022م، وتخفيف الرقابة على الإعلام مع السماح بتظاهرات المعارضة لأول مرة منذ 2016م ومراجعة قوانين الانتخابات والأحزاب.

ويكمن هدف الحكومة من المصالحة في ترميم شرعيتها الداخلية، مع تحسين العلاقات الدولية بعد عزلة فترة ماغوفولي. وضبط المشهد السياسي دون المساس بجوهر السلطة.

ثانيًا: المعارضة السياسية (تشاديما وأكت وواتزاليندو)

تُمثّل المعارضة الطرف الثاني في المصالحة السياسية. وعلى رأسها حزب تشاديما CHADEMA))، بزعامة فريمان مبوي، الذي واجَه اعتقالًا سياسيًّا سابقًا. فمطالب المعارضة: تعديل القوانين المُنظِّمة للانتخابات لضمان النزاهة مع ضمان حرية الإعلام والتنظيم السياسي، وإنهاء هيمنة الحزب الحاكم على المؤسسات. ويبرز موقف المعارضة من المصالحة بكونها انخرطت في الحوارات، لكنّها عبَّرت عن خيبة أمل مِن بُطْء الإصلاحات، وبعض قادتها يشككون في صدق نوايا الحكومة.

ثالثًا: المؤسسات الدينية والمجتمع المدني

تحظَى المؤسسات الدينية باحترام كبير في تنزانيا، خاصةً الكنيسة الكاثوليكية والمجلس الإسلامي الوطني. وتظهر أدوارها بالدعوة إلى ضبط الخطاب السياسي وعدم الانزلاق إلى العنف وتسهيل الحوار المجتمعي. بالإضافة إلى تقديم مبادرات صلح سابقة، خاصة في زنجبار. كما أن أبرز التحديات التي تواجهها تتمثل في تراجع تأثيرها في عهد ماغوفولي، بالإضافة إلى وجود الرقابة الرسمية على بعض نشاطاتها.

رابعًا: الإعلام والمثقفون

لعب الإعلام دورًا محوريًّا في كشف انتهاكات عهد ماغوفولي، وكان من أبرز أدوات الضغط نحو الانفتاح. ويكمن دوره في المصالحة بتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم خطاب الحوار والانفتاح السياسي مع تغطية متوازنة للحوار الوطني. وأبرز تحدياته هي استمرار وجود قوانين تقييدية، الخوف من الرقابة الحكومية.

يُظهر تحليل الفاعلين في كل من المصالحة الوطنية الإثيوبية والمصالحة السياسية التنزانية اختلافًا جوهريًّا في طبيعة التكوين والغايات. ففي إثيوبيا، يبرز الصراع بين الدولة ونخب إثنية مسلحة، تجعل من المصالحة الوطنية عملية مُعقَّدة تتطلب توافقات عميقة على شكل الدولة، بينما في تنزانيا، تنحصر العملية في ديناميات السلطة والمعارضة داخل إطار سياسي مدني سلمي نسبيًّا.

كما يتضح أن درجة احتكار السلطة، وشرعية الأطراف، ومشاركة المجتمع المدني، والدور الخارجي، هي عوامل تُحدّد شكل المصالحة ومآلاتها.

المبحث الرابع

أدوات وآليات المصالحة في كلتا الحالتين

إن عملية المصالحة، سواء كانت وطنية ذات طابع شامل كما في إثيوبيا، أو سياسية ذات طابع مؤسسي محدود كما في تنزانيا، لا تكتسب معناها الحقيقي ما لم تُتَرْجَم إلى أدوات عملية وآليات تنفيذية واضحة قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع. فالمصالحة ليست إعلان نوايا ولا تراشقًا بالبيانات، بل هي جُهْد مُمَنْهَج مُتعدّد المستويات، تشترك فيه الدولة، والمجتمع، والنُّخب، والمؤسسات، من أجل معالجة آثار الانقسام، سواء كان إثنيًّا أو سياسيًّا أو مجتمعيًّا، وتحقيق الانتقال من حالة التوتر أو الانقسام إلى حالة من التعايش والاستقرار. من هنا، فإن دراسة الأدوات والآليات التي اعتمدت عليها كلّ من إثيوبيا وتنزانيا في تحقيق شكل من أشكال المصالحة، تكشف لنا ليس فقط عن اختلاف طبيعة النزاع في كلتا الحالتين، بل أيضًا عن التباين الجذري في بنية الدولة، ودور المجتمع، ودرجة الاستجابة لتحديات ما بعد النزاع أو الانقسام.

المطلب الأول: أدوات وآليات المصالحة الوطنية في إثيوبيا

في الحالة الإثيوبية، تبرز أدوات المصالحة من خلال إنشاء لجنة الحوار الوطني كجهاز مؤسسي تم الإعلان عنه مِن قِبَل الحكومة المركزية؛ حيث تأسست لجنة الحوار الوطني في إثيوبيا رسميًّا بعد تصديق البرلمان الإثيوبي عليها في 29 ديسمبر 2021م، وبدأت أعمالها في فبراير 2022م، بهدف تنظيم حوار وطني شامل مع مختلف مكونات المجتمع الإثيوبي.([14]) وقد تم تقديم هذه اللجنة بوصفها آلية لتقريب وجهات النظر، واستيعاب التباينات، وبحث إمكانية بناء عقد اجتماعي جديد. إلا أن هذه اللجنة، رغم أهميتها الرمزية، واجهت منذ نشأتها عدة إشكاليات بنيوية، تمثلت أولًا في غياب التوافق حول أعضائها؛ حيث طُعن في استقلاليتهم مِن قِبَل بعض الفاعلين السياسيين والإثنيين، وخاصةً مِن قِبَل جبهة تحرير شعب تيغراي وبعض التشكيلات الأورومية. كما شابت عملية اختيار الموضوعات المطروحة على طاولة الحوار نوع من الإقصاء لقضايا بعينها، اعتُبرت محورية مِن قِبَل بعض الجماعات، مثل قضايا العدالة الانتقالية، وتوزيع السلطة، وإعادة ترسيم الحدود الداخلية.

لقد سعت الحكومة الإثيوبية إلى أن تجعل من اللجنة أداة مركزية لاحتواء التناقضات، لكنها في ذات الوقت لم تُفرّط في أدواتها الأمنية والعسكرية، والتي استخدمتها في مواطن متعددة، ما أضعف من صدقية الحوار نفسه. ففي الوقت الذي كانت الدعوات إلى الحوار تُطلق من العاصمة أديس أبابا، كانت العمليات العسكرية مستمرة في أقاليم أوروميا وأمهرة، مما خلق شعورًا عامًّا لدى قطاعات إثنية واسعة بأن المصالحة ما هي إلا واجهة سياسية لإعادة إنتاج المركزية وليس إعادة تأسيس التعاقد الوطني. ولعل أبرز ما يكشف هذه الأزمة هو رفض قوى مسلحة، مثل جيش تحرير أورومو، الانخراط في الحوار، وكذلك امتناع بعض النخب في الأقاليم الغربية والجنوبية عن إرسال ممثلين لهم، وهو ما جعل الحوار فاقدًا للطابع الشامل المنشود.

لكن رغم هذا التعثر، لا يمكن إنكار أن إثيوبيا حاولت توظيف أدوات أخرى أكثر تنوعًا في إطار المصالحة الوطنية، فإلى جانب اللجنة، لجأت الدولة إلى إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، وفتحت المجال أمام بعض وسائل الإعلام التي كانت محظورة في السابق، كما أعادت الاعتبار لعدد من الشخصيات المعارضة في إقليم تيغراي. ويُحسب للحكومة كذلك أنها دخلت في مفاوضات مباشرة مع جبهة تيغراي برعاية الاتحاد الإفريقي، وأسفرت تلك المفاوضات عن توقيع اتفاق بريتوريا، الذي تضمن بنودًا تتعلق بوقف إطلاق النار، نزع سلاح الجبهة، إعادة إدماج الإقليم، واستئناف الخدمات. وبهذا يمكن القول: إن الدولة، وإن ظلت متمسكة بأدواتها التقليدية، إلا أنها أدركت أن أيّ حل دائم للصراع لا يمكن أن يتم دون أدوات تفاوضية ووساطية، وهو ما شجَّع على استخدام آليات المصالحة بدلًا من فرض الاستسلام.

وبالعودة إلى الداخل الإثيوبي، فإن واحدة من الأدوات التي طرحت كأمل للمصالحة، كانت فكرة العدالة الانتقالية، والتي بدأ النقاش حولها في الأوساط الأكاديمية والحقوقية، لكنها لم تُتَرْجَم بعدُ إلى سياسات واضحة. فحتى اللحظة، لم تُنْشَأ لجان تقصّي حقائق مستقلة، ولم يتم الإعلان عن تعويضات أو مبادرات للاعتراف الرسمي بضحايا النزاع في الأقاليم المتضررة. وقد يكون السبب في ذلك هو التخوُّف من فتح ملفات قد تؤدي إلى اهتزاز السلطة المركزية، أو تُفْضِي إلى مطالبات إقليمية بالاستقلال الذاتي الكامل، وهو ما تعارضه الحكومة بشدة. لذلك، يمكن القول: إن أدوات المصالحة في إثيوبيا تظل رهينة الإرادة السياسية، كما أنها تخضع لحسابات أمنية ومركزية لا تسمح إلا بهوامش ضيّقة للمبادرات المجتمعية.

المطلب الثاني: أدوات وآليات المصالحة السياسية في تنزانيا

أما في تنزانيا، فإن أدوات المصالحة اتخذت شكلًا أكثر مؤسسية واستقرارًا؛ حيث لم تكن المصالحة هناك نتيجة حرب أهلية أو نزاع إثني مسلح، بل جاءت نتيجة انسداد سياسي سببه احتكار حزب الثورة CCM للمجال السياسي، وقمع الحريات، وتهميش الأحزاب المعارضة، خاصةً في عهد الرئيس الراحل جون ماغوفولي. وعليه، فإن الأداة المركزية التي انطلقت منها المصالحة السياسية كانت مبادرة الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة، والتي أُعلن عنها رسميًّا في العام 2022م، برعاية الرئيسة سامية سولوهو حسن، التي تبنَّت سياسة الانفتاح السياسي، ووصفتها بأنها ضرورية لتعزيز الديمقراطية والاستقرار.([15])

وقد اعتمدت هذه المصالحة على أدوات قانونية وتشريعية بالدرجة الأولى، تمثلت في مراجعة بعض القوانين المتعلقة بالإعلام والأحزاب، والتعهد بمراجعة قانون الانتخابات، وهو ما استُقْبِلَ بارتياح نسبيّ مِن قِبَل الأحزاب المعارضة. كما أُفرج عن بعض المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم فريمان مبوي، زعيم حزب تشاديما، وسُمح للأحزاب بتنظيم تظاهرات سلمية لأول مرة منذ عدة سنوات. وقد أُنشئت لجنة مشتركة من الحزب الحاكم والمعارضة لمتابعة ملفات الإصلاح السياسي، ما منح العملية طابعًا رسميًّا ومنظّمًا.

ومما يُحسب لتجربة تنزانيا أنها وظَّفت المؤسسات الدينية والمجتمع المدني كأدوات داعمة للمصالحة، وليس فقط كشهود، بل كمشاركين فاعلين في تشكيل المزاج العام الداعم للتعددية والانفتاح. فمواقف الكنيسة الكاثوليكية والمجلس الإسلامي الوطني كانت واضحة في دعم الحوار السلمي، وهو ما منح المبادرة طابعًا اجتماعيًا واسعًا يتجاوز النخب السياسية. وكذلك استخدم الإعلام التنزاني أدواته في نشر خطاب المصالحة، وكشف التجاوزات السابقة، وتوفير منبر للرأي الآخر، وهو ما زاد من الضغط المجتمعي لإتمام الإصلاحات.

غير أن أدوات المصالحة في تنزانيا لا تخلو من نواقص، فقد ظل الحزب الحاكم يحتفظ بأغلب أدوات السيطرة السياسية، خاصةً فيما يتعلق بإدارة الانتخابات، والإشراف على الموارد العامة، وتوجيه أجهزة الأمن.

كما أن العديد من الوعود الإصلاحية، خاصة تلك المتعلقة بالقوانين المقيدة للحريات، لم تُترجم بعدُ إلى قوانين نافذة، مما يجعل المصالحة أقرب إلى “فرصة إصلاح” منها إلى تحوُّل جذري في النظام السياسي.

ومع ذلك، فإن المقارنة مع إثيوبيا تظهر بوضوح أن استخدام الأدوات السلمية والمؤسسية يُنْتِج ثمارًا أكثر استقرارًا وأقل تكلفة إنسانية، وهو ما يمنح النموذج التنزاني بعض التفوق الأخلاقي والسياسي، رغم محدوديته.

وعلى صعيد الأدوات الدولية، فإن تنزانيا، بخلاف إثيوبيا، لم تكن بحاجة إلى وساطات إقليمية أو ضغوط أممية، بل حافظت على مسافة سيادية من المجتمع الدولي، واستطاعت أن تُدير مصالحتها بأدوات داخلية، وهذا ما ساعد على ترسيخ شعور وطني بأن الحوار نابع من الداخل، وليس مفروضًا من الخارج.

أما في إثيوبيا، فقد كان لتدخل الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة أثرٌ حاسم في وقف النزاع وفرض بنود اتفاق بريتوريا، وهو ما يُظهر هشاشة أدوات المصالحة المحلية في غياب توافق داخلي حقيقي.

وفي المحصلة، يتبين أن أدوات المصالحة، سواء في الحالة الوطنية الإثيوبية أو الحالة السياسية التنزانية، لا يمكن أن تُقيَّم بكونها عملية ناجحة، ما لم تكن مدعومة بإرادة سياسية واضحة، ومشاركة مجتمعية واسعة، وآليات قانونية تكفل التنفيذ والمتابعة. فالأداة بحد ذاتها ليست ضمانة، بل الوسيلة التي تُظهر صدق النوايا وجدية التنفيذ. ولعل المقارنة هنا تبرز بأن نجاح المصالحة في تنزانيا كان نتيجة مباشرة لتوظيف أدوات الحوار السلمي، والإصلاح القانوني، والمشاركة السياسية، بينما تظل المصالحة في إثيوبيا مُعلَّقة على أدوات متشابكة بين الأمن والحوار، وبين الرغبة في الوحدة والخوف من التفكك.

المطلب الثالث: معوقات المصالحة ومحددات النجاح والفشل

إن أيّ عملية مصالحة لا يمكن فهمها أو تقييمها دون الوقوف على العوامل التي تعوقها أو تسهم في إنجاحها، فالمصالحة ليست معادلة حسابية تعتمد على إرادة معلنة فحسب، بل هي سيرورة معقدة تتشابك فيها عناصر السياسة، والاجتماع، والاقتصاد، والتاريخ، وتدخل فيها عوامل ذاتية وموضوعية، محلية ودولية، تفتح أحيانًا نوافذ أمل، لكنها في أحيان أخرى تُراكم الإحباطات وتُفشل المحاولات. ومن خلال النظر في تجربتي إثيوبيا وتنزانيا، تتكشف لنا مجموعة من المحددات التي ساهمت في رسم ملامح المصالحة، سلبًا وإيجابًا، كما تبرز معوقات بنيوية وسياقية تُفسّر أسباب تعثر أو نجاح الجهود المبذولة في كل حالة.

في الحالة الإثيوبية، يبرز الطابع البنيوي للصراع بوصفه العائق الأبرز أمام تحقق مصالحة حقيقية، فالنظام السياسي الإثيوبي الذي تأسس منذ سقوط نظام منغستو هايلي مريام في أوائل تسعينيات القرن العشرين، كان قائمًا على الفدرالية الإثنية، وهي صيغة سياسية هدفت في ظاهرها إلى تمكين المجموعات الإثنية المختلفة من حكم ذاتي واسع ضمن إطار الدولة، لكنّها في الواقع عمَّقت الانقسام الإثني، وأنتجت هويات محلية متنافسة، وأضعفت الشعور بالانتماء الوطني المشترك. وبدل أن تكون الفدرالية وسيلة لتحقيق العدالة والتوازن، أصبحت أداة لصراع الهويات وسباق التسلح السياسي بين الأقاليم. لقد أدَّى هذا البناء السياسي إلى إنتاج نوع من الانفصام بين المركز والأطراف، ما جعل كل محاولة للحوار الوطني تُواجه بشكوك حول نوايا المركز، خاصةً في ظل شعور بعض القوميات، وعلى رأسها التيغراي والأورومو، بالتهميش أو الاستهداف المباشر.([16])

كما أن تجربة المصالحة في إثيوبيا تفتقر إلى شرط أساسي، وهو وجود توافق على سردية وطنية موحدة، إذ لا تزال مكونات عديدة في البلاد تختلف حتى على تعريف ما جرى من أحداث؛ فبينما تصف الحكومة المركزية حملتها العسكرية في تيغراي بأنها “عملية لإنفاذ القانون”، تراها الجبهة التيغراوية “عدوانًا غير مشروع وإبادة جماعية”. كذلك، فإن روايات الأحداث في أمهرة وأوروميا متضاربة بشدة، ويجري توظيفها في التعبئة السياسية والإعلامية، ما يُعيق نشوء قاعدة مشتركة لفهم الماضي والانطلاق نحو مستقبل مشترك. وهذه الفجوة في السرديات لا تُسبِّب فقط شرخًا في الذاكرة الجمعية، بل تُعيق كذلك أيّ محاولة لبناء آليات عدالة انتقالية مقبولة؛ لأن الأطراف لا تتفق أصلًا على من هو الضحية ومن هو الجاني.

وإلى جانب غياب التوافق على السردية، تبرز معضلة فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية كعائق بنيوي أمام المصالحة. فقد أثبتت السنوات الأخيرة أن كثيرًا من الإثيوبيين، خصوصًا في المناطق الطرفية، لا يثقون بالمؤسسات المركزية، ويعتبرونها إما أداة لتكريس الهيمنة القومية، أو أجهزة قمعية لا تُعبِّر عن إرادة الشعب، بل عن توجهات نُخَب ضيّقة في العاصمة. هذه الفجوة بين المواطن والمؤسسة تُضعف من فعالية أيّ حوار ترعاه الدولة؛ لأن الثقة المسبقة شرط لانفتاح الأطراف وتخليها عن مواقع التشدد أو الريبة. ولم تكن هذه المشكلة لتصبح بهذه الحدة لولا الأداء الضعيف لمؤسسات العدالة، وتسييس القضاء، وتوظيف أجهزة الأمن في الصراعات السياسية.

وعلى مستوى آخر، فإن الطابع العسكري للنزاع في إثيوبيا يُعدّ من أهم العوامل التي أعاقت المصالحة، فالحرب التي اندلعت في تيغراي لم تكن مجرد تمرّد محلي، بل تحوّلت إلى نزاع مسلح واسع النطاق، استخدمت فيه الطائرات والمدفعية، وخلّف آلاف القتلى وملايين النازحين. وقد أدّى ذلك إلى تعميق الجراح الجماعية، وخلق مشاعر انتقام وثأر، لا يمكن تجاوزها بسهولة في غياب إجراءات عدالة حقيقية. كما أن الحرب في أوروميا لم تتوقف، بل تتصاعد بين الحين والآخر، ما يجعل الحديث عن مصالحة شاملة ضربًا من الخيال في ظل استمرار الأعمال القتالية. إن وقف إطلاق النار لا يكفي لبناء سلام دائم، ما لم يُرْفَق بمصالحات مجتمعية على الأرض، وتفكيك حقيقي لآلة الحرب، وهو ما لم يتحقق بعدُ.

ومن معوقات المصالحة في إثيوبيا أيضًا، غياب الفاعل الوسيط المحلي القادر على الجمع بين الفرقاء. ففي تجارب كثيرة، كان للكنيسة، أو الزعامات التقليدية، أو منظمات المجتمع المدني، دور مهم في التهدئة والتوسط. أما في إثيوبيا، فقد تآكلت قدرة هذه المؤسسات، إما بسبب الانقسامات الداخلية على أسس إثنية، أو نتيجة التهميش المتعمَّد من الدولة، أو بفعل تحييدها ضمن الصراع العام. ولهذا بقيت جهود الوساطة محصورة في الأطراف الخارجية، مثل الاتحاد الإفريقي، والولايات المتحدة، التي وإن نجحت في فرض اتفاق بريتوريا، إلا أن تدخلها كان تقنيًا وليس مجتمعيًّا، أي أنه عالَج المستوى العسكري والسياسي من النزاع، دون أن يُعالج الجروح المجتمعية العميقة.

أما في الجانب المقابل، أي في تنزانيا، فإن معوقات المصالحة أخذت شكلًا أكثر مؤسسية وأقل عنفًا، لكنها لا تقل خطورة. ففي هذه الحالة، تتمثل المعوقات الرئيسية في بنية النظام السياسي شبه الاحتكاري؛ إذ إن حزب الثورةCCM  يسيطر على الحياة السياسية منذ الاستقلال، ويتمتع بأغلبية ساحقة في البرلمان، ويسيطر على الإعلام الحكومي، والموارد العامة، والأجهزة الأمنية. وهذه الهيمنة الطويلة خلقت ثقافة سياسية لا تقبل بسهولة بالتعددية الحقيقية، حتى في ظل شعارات الانفتاح. ولهذا، فإن المعارضة السياسية في البلاد، رغم أنها قانونية، تواجه باستمرار تضييقات، ما يجعل أيّ مصالحة مرتبطة بمدى استعداد الحزب الحاكم للتنازل عن جزء من سلطته لصالح التوازن الوطني.([17])

ومن معوقات المصالحة التنزانية كذلك، الطابع الرمزي لبعض الإصلاحات؛ إذ إن كثيرًا من الإجراءات التي أعلنتها الحكومة لم تُترجَم إلى تعديلات دستورية أو تشريعية حقيقية. فعلى سبيل المثال، لا يزال قانون الأحزاب يمنح السلطات التنفيذية صلاحيات كبيرة في تقييد أنشطة الأحزاب، ولا تزال لجنة الانتخابات تُعتبر تابعة للحكومة، وهو ما يُضْعِف من مصداقية العملية السياسية. كما أن بعض الإصلاحات المرتقبة، مثل مراجعة الدستور أو قانون الإعلام، لم يُنْجَز منها شيء فِعْلي حتى الآن، ما يثير الشكوك حول ما إذا كانت المصالحة ستستمر بوصفها عملية، أم أنها مجرد هدنة مؤقتة.

لكن رغم هذه المعوقات، فإن تنزانيا تمتلك مجموعة من العوامل التي تُعدّ محددات نجاح حقيقية، على رأسها غياب النزاع المسلح؛ إذ إن الخلافات السياسية لم تصل في أيّ مرحلة إلى مستوى العنف المنظم أو التمرد المسلح، وهذا بحدّ ذاته مكسب كبير؛ لأن المصالحة السياسية تكون أيسر حين تكون الجراح أقل عمقًا. وكذلك، فإن وجود زعامة سياسية لديها رغبة في الإصلاح، كما هو الحال مع الرئيسة سامية سولوهو حسن، يُعدّ عاملًا مشجعًا، لأنه يُظهر وجود إرادة سياسية من أعلى الهرم. كما أن المجتمع المدني التنزاني، رغم محدوديته، يُعدّ نشطًا نسبيًّا، ويمتلك وسائل ضغط ناعمة من خلال الإعلام، والنقابات، والمؤسسات الدينية، ما يجعل المصالحة تحظى بغطاء مجتمعي مهم.

في المقابل، تفتقر إثيوبيا إلى هذه المحددات؛ إذ إن الانقسامات فيها ليست فقط سياسية، بل وجودية، كما أن أطراف الصراع ليست مجرد أحزاب، بل هويات وفصائل مسلحة لها امتداد إثني وجغرافي واسع. ولهذا، فإن المصالحة هناك لا يمكن أن تتم إلا من خلال مشروع وطني شامل، يُعيد تعريف المواطنة، ويُراجع شكل الدولة، ويُقِرّ بمظالم الماضي، ويعترف بحقوق المجموعات المختلفة. أما المصالحة الجزئية أو الشكلية، فهي لا تزيد إلا من عمق الأزمة.([18])

وبالتالي، فإن المقارنة بين الحالتين تُظهر أن محددات النجاح في المصالحة تتطلب توافر خمسة شروط أساسية: أولًا، وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف الرئيسية. ثانيًا، وجود مؤسسات ذات مصداقية يمكن أن ترعى الحوار وتُنفّذ مخرجاته. ثالثًا، وجود بيئة قانونية ودستورية تسمح بالمشاركة السياسية المتساوية. رابعًا، غياب العنف أو على الأقل الالتزام بوقفه. وخامسًا، وجود دعم مجتمعي وإعلامي للمصالحة.

وفي تنزانيا، توفرت هذه الشروط بشكل نسبي، مما سمح بإطلاق عملية إصلاح ومصالحة، وإن كانت محدودة. أما في إثيوبيا، فإن غياب أغلب هذه الشروط يجعل المصالحة محفوفة بالمخاطر، ومعلقة على توازن هشّ بين الرغبة في الاستقرار والخشية من التفكك.

خلاصة القول: إن المصالحة ليست هدفًا سياسيًّا فحسب، بل هي اختبار عميق لقدرة الدولة على إدارة التعدد، ولإرادة المجتمعات على تجاوز الجراح، ولجرأة النخب في مواجهة الماضي بصدق ومسؤولية. وحين تغيب هذه الشروط، تصبح المصالحة إما غطاء للهيمنة، أو استراحة محارب قبل عودة العنف. أما حين تتوفر، فإنها تُمَهِّد لولادة وطن جديد، قائم على الشراكة، لا على الإقصاء، وعلى الذاكرة المشتركة، لا على النسيان الانتقائي.

دروس مستفادة من الحالتين الإثيوبية والتنزانية

إنّ دراسة التجربتين الإثيوبية والتنزانية في المصالحة، رغم تباين السياقات والمداخل والنتائج، تُتيح لنا استخلاص عدد من الدروس الغنية على المستويين النظري والتطبيقي، وهي دروس لا تقتصر فائدتها على البلدان الإفريقية وحدها، بل تمتدّ لتُلهم تجارب دولية أخرى تسعى للخروج من نفق الصراعات العرقية والسياسية والانقسامات الحادة التي تُهدِّد كيان الدولة ووحدة المجتمع. ففي حين أن إثيوبيا خاضت تجربة مصالحة وطنية متعثرة في سياق نزاع أهلي دموي متعدّد الأبعاد، فإن تنزانيا قدَّمت نموذجًا تدريجيًّا ومستقرًّا نسبيًّا للمصالحة السياسية التي ارتبطت بإرادة سياسية واضحة وإصلاحات داخلية ذات طابع مؤسسي. هذا المبحث يسعى إلى تحليل أهم الدروس التي يمكن استنباطها من الحالتين، من خلال تقييم عناصر النجاح والإخفاق، والوقوف على أثر الإرادة السياسية، والدور الشعبي، ومدى فاعلية الأدوات القانونية والمؤسسية، والتحديات التي واجهت سير المصالحتين.

أولًا: الإرادة السياسية كمحور حاسم في نجاح أو تعثر المصالحة

من أبرز ما تكشفه المقارنة بين التجربتين أن الإرادة السياسية شكَّلت حجر الزاوية في تحديد مسار المصالحة ونتائجها. في الحالة التنزانية، كان لتحوُّل الرئيس جون ماغوفولي ومن بعده “ساميا صلوحو حسن” نحو الحوار الوطني، وفتح المجال أمام المعارضة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، أثرٌ بالغٌ في إعادة ترميم الثقة المفقودة بين الحكومة وخصومها السياسيين. وقد تجلى ذلك في إعادة الحياة للمؤسسات الحزبية، وعودة النشاط السياسي السلمي إلى الساحة العامة، مما أسَّس لمصالحة سياسية قائمة على توازن المصالح الوطنية.

أما في الحالة الإثيوبية، فرغم أن رئيس الوزراء آبي أحمد قد طرح خطابًا تصالحيًّا منذ توليه الحكم في 2018م، وتمثّل ذلك في الإفراج عن بعض المعتقلين وعودة المعارضين من المنفى، إلا أن تلك الإرادة سرعان ما اصطدمت بتعقيدات الواقع الإثني والسياسي. فبدلًا من أن تترسخ المصالحة، انفجرت الأوضاع في حرب تيغراي (2020– 2022م)، والتي كشفت حدود الخطاب التصالحي إذا لم تقترن بإجراءات مؤسسية واستيعابية جدية تراعي التنوع العرقي، وتضمن عدالة التمثيل في الحكم. وبالتالي فإن التجربة الإثيوبية تؤكد أن الخطاب السياسي وحده لا يكفي، بل يجب أن يدعمه سلوك سياسي عملي وإصلاحات شاملة تتجسد في السياسات العامة.

ثانيًا: أهمية الإطار القانوني والمؤسسي في تأمين ديمومة المصالحة

تُظهر تجربة تنزانيا أن أحد عوامل نجاحها النسبي في المصالحة السياسية هو وجود إطار دستوري وقانوني متين سمح بامتصاص التوترات السياسية ضمن مؤسسات الدولة. فالنظام السياسي في تنزانيا بقي محافظًا على طابعه شبه الرئاسي، مع تعددية حزبية وحرية نسبية للصحافة والمجتمع المدني، مما أتاح فضاءً لامتصاص الخلافات عبر الوسائل السلمية. وعندما تصاعدت التوترات عقب الانتخابات العامة في 2020، لم تلجأ الدولة إلى تفكيك المؤسسات بل قامت بإصلاحات تدريجية، بدءًا من الحوار الوطني بين الأحزاب، مرورًا بإلغاء بعض القيود على الحريات العامة، وانتهاءً بإشراك المعارضة في مناقشة مستقبل النظام الانتخابي.

أما إثيوبيا، فقد واجهت تحديات أكبر على هذا المستوى؛ حيث إن الفيدرالية الإثنية، رغم أنها تُطرَح كمظهر من مظاهر الديمقراطية التعددية، أسهمت في تفجير النزاعات بدلًا من احتوائها. فغياب توافق وطني حول طبيعة الدولة، والانقسام الحاد حول توزيع السلطة والثروات بين الأقاليم، أضعف الإطار المؤسسي المطلوب لتحقيق مصالحة شاملة. ولعل أبرز شاهد على ذلك هو الصراع المسلح الذي اندلع بين الحكومة المركزية وجبهة تحرير تيغراي، والذي فجَّر التساؤلات حول مدى فعالية النظام الفيدرالي كوعاء للتسوية السياسية. وبالتالي فإن الدرس المستفاد هنا هو أن الإصلاح المؤسسي، وبخاصة النظام الانتخابي، وهيكلة الحكم المحلي والمركزي، ضروري لتأمين أيّ عملية مصالحة.

ثالثًا: دور المجتمع المدني والنخب الدينية والثقافية

من بين النقاط اللافتة في التجربة التنزانية أن المجتمع المدني، رغم محدودية مساحة حريته في بعض المراحل، لعب دورًا مهمًّا في الضغط باتجاه تخفيف القبضة الأمنية، والمطالبة بفتح المجال العام، وتوفير منابر للحوار بين الحكومة والمعارضة. كما ساهمت القيادات الدينية في تسهيل هذا الحوار، مستندة إلى مكانتها الرمزية في المجتمع التنزاني. ويعود جزء من هذا النجاح إلى أن التنزانيين يشتركون في هوية وطنية جامعة نسبيًّا، مع غياب الاستقطاب الإثني العنيف، ما سهَّل عمل المنظمات الوسيطة.

في المقابل، تميزت إثيوبيا بوجود مجتمع مدني أكثر تشرذمًا، وأحيانًا أكثر استقطابًا، يعكس الانقسامات القومية واللغوية. فبدلًا من أن يلعب المجتمع المدني دور الجسر بين مكونات المجتمع، تحوَّل في أحيان كثيرة إلى طرف في الصراع، خاصة أن كثيرًا من منظماته تتماهى مع هويات إثنية أو جهوية. كذلك، فإن النخب الثقافية والدينية لم تستطع في الغالب فرض خطاب جامع أو تهدئة النفوس، بل وجدت نفسها في خضم تجاذبات سياسية عاصفة. والدرس هنا أن وجود مجتمع مدني متماسك عابر للهويات الضيقة يمكن أن يشكل عنصر توازن وضغط إيجابي نحو المصالحة، شرط أن يتمتع بالاستقلالية والحياد.

رابعًا: العدالة الانتقالية والذاكرة الجمعية

تشير تجربة إثيوبيا إلى أن غياب العدالة الانتقالية يُشكّل عائقًا كبيرًا أمام المصالحة الوطنية؛ إذ لا يمكن بناء سلام دائم دون معالجة آثار الجرائم والانتهاكات الماضية. فالحرب في تيغراي خلَّفت آلاف القتلى والمختفين قسريًّا وملايين النازحين، ومع ذلك لم تشهد البلاد حتى الآن إنشاء هيئة وطنية مستقلة للعدالة الانتقالية، ما أبقى الجراح مفتوحة وزاد من مشاعر الغبن والاحتقان في مناطق عدة. وبغياب المساءلة، يصبح الحديث عن المصالحة ضربًا من التجميل السياسي.

أما في تنزانيا، فقد ساعد غياب الحروب الأهلية واسعة النطاق، وندرة الانتهاكات المنظمة ضد المدنيين، على تقليص الحاجة إلى مسارات عدالة انتقالية بالمعنى التقليدي، لكن تجربة المصالحة السياسية لم تغفل أهمية الاعتراف بالأخطاء، خاصة فيما يخص التضييق على الحريات والانتهاكات خلال فترة ماغوفولي. فإجراءات مثل الإفراج عن المعتقلين، والسماح بعودة المعارضين، شكَّلت خطوات رمزية ذات دلالة على استعداد النظام لمراجعة ماضيه. والدرس المستفاد هنا أن العدالة الانتقالية ليست خيارًا ترفيًّا، بل ضرورة لتحقيق المصالحة في البيئات التي شهدت انتهاكات ممنهجة.

خامسًا: المصالحة كمشروع مستدام لا كإجراء مؤقت

من المهم إدراك أن المصالحة ليست حدثًا يقع في لحظة زمنية معينة، بل هي مسار طويل ومعقد يتطلب الاستمرارية والإرادة الجماعية. وتؤكد التجربتان أن المصالحة لا تنجح ما لم تُدْرَج في إطار مشروع وطني مستدام يهدف إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وإلى تطوير مناهج التعليم، وإعادة صياغة التاريخ الوطني على أُسُس شاملة غير إقصائية.

تنزانيا تُظهر أن الخطاب السياسي المتزن، والحرص على تعزيز الوحدة الوطنية، وحماية اللغة السواحلية كعنصر جامع، كلها عناصر أسهمت في جعل المصالحة السياسية امتدادًا لمسار الدولة التنزانية منذ عهد جوليوس نيريري. أما إثيوبيا، فتعلمنا أن المصالحة لا يمكن أن تُفْرَض من أعلى، بل يجب أن تُبْنَى من القاعدة عبر حوارات محلية، وتمثيل عادل للمجموعات، وإصلاح حقيقي لعلاقة المركز بالأقاليم. وكذلك، لا بد أن تنطلق المصالحة من معالجة مظالم الماضي، ومنح كلّ الأطراف الإحساس بالمشاركة المتكافئة في مستقبل البلاد.

سادسًا: البيئة الإقليمية والدولية كعامل مساعد أو معرقل

لا يمكن قراءة مسارات المصالحة بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي. فقد استفادت تنزانيا من بيئة إقليمية مستقرة نسبيًّا، ومن غياب التدخلات الأجنبية السلبية، إضافة إلى كونها لعبت دور الوسيط في أزمات الجوار، ما عزَّز من صورتها كدولة ذات رؤية تصالحية.

أما إثيوبيا، فقد عانت من تعقيدات إقليمية واضحة، خاصةً مع اتهامات متبادلة بين أديس أبابا والخرطوم أو أسمرة، ووجود جماعات مسلحة تتلقَّى دعمًا خارجيًّا. كما أن تباين مواقف القوى الدولية من الحرب في تيغراي أضعف من جهود الوساطة، وأدَّى إلى تشكيك بعض الأطراف في حيادية المجتمع الدولي. وبالتالي فإن الدرس هنا أن البيئة الخارجية قد تُعزّز أو تعرقل فرص المصالحة، مما يستدعي من الدولة أن تنتهج سياسة خارجية متوازنة تصبُّ في دعم الداخل الوطني بدلًا من تأزيمه.

إن الحالتين الإثيوبية والتنزانية تُقدّمان دروسًا غنية لفهم مآلات المصالحة في إفريقيا والعالم؛ إذ تبينان أن المصالحة ليست مجرد إجراء سياسي، بل عملية مُعقَّدة تمسّ عمق البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدولة. فنجاح تنزانيا في التأسيس لمصالحة سياسية تدريجية، وفشل إثيوبيا في تجنيب نفسها الحرب الأهلية رغم انطلاقة تصالحية، يُظهران أن الإرادة السياسية، والإصلاح المؤسسي، وإشراك المجتمع، والعدالة الانتقالية، عناصر متشابكة لا غِنَى لأيّ مصالحة عنها. كما أن المصالحة ليست نهاية المطاف، بل بداية طريق طويل نحو بناء مجتمع عادل ومستقر يتجاوز آلام الماضي، ويتطلع إلى مستقبل مشترك.

خاتمة:

في ضوء الدراسة المقارنة بين التجربتين الإثيوبية والتنزانية في المصالحة الوطنية والسياسية، يتضح أن السياق التاريخي والبنية السياسية والاجتماعية لكل دولة أسهمت في رسم معالم نجاح أو تعثُّر مسارات المصالحة. وقد بيّنت المقارنة أن نجاح المصالحة لا يُبنَى فقط على الإرادة السياسية، بل يتطلب بنية مؤسسية قوية، وعدالة شاملة، ومشاركة مجتمعية واسعة تضمن ديمومة الاستقرار.

النتائج:

  • أظهرت التجربة التنزانية أن المصالحة السياسية يمكن أن تتحقق دون المرور عبر نزاع مسلح، إذا توفرت إرادة إصلاحية من داخل النظام، واستُثمرت أدوات الحوار والانفتاح على المعارضة. فقد ساعدت التقاليد السياسية الوطنية، والهوية الجامعة، والإصلاحات التدريجية التي قادتها الرئيسة سامية حسن، على تحقيق قدر من التهدئة السياسية دون تغييب جوهر السلطة، وهو ما يعكس إمكانية تحقيق توافق دون إعادة بناء الدولة بالكامل.
  • كشفت الحالة الإثيوبية أن الفدرالية الإثنية، رغم كونها أداة تمكين نظريًّا، تحولت عمليًّا إلى مولّد للصراع ومُعطّل لجهود المصالحة، بفعل ترسيخ الانقسامات الإثنية ومركزية القوة في يد مجموعات محددة. إنّ تعثُّر مشروع المصالحة هناك ناتج عن غياب عقد اجتماعي موحد، وانعدام الثقة بين الأقاليم والمركز، وغياب آليات عدالة انتقالية فاعلة تعالج آثار النزاع الدموي، وهو ما يجعل السلام هشًا ومؤقتًا.
  • يتضح أن غياب العدالة الانتقالية في إثيوبيا، كآلية للاعتراف بالضحايا والمساءلة عن الانتهاكات، يشكّل أحد أبرز معوقات بناء سلام دائم. فاستمرار الصمت الرسمي تجاه الجرائم الواسعة والانتهاكات خلال الحرب في تيغراي وأوروميا، عمّق مشاعر الإقصاء، وأسهم في تكريس ثقافة الإفلات من العقاب، وهو ما يقوّض أي مسعى حقيقي نحو مصالحة وطنية شاملة.
  • بيّنت الدراسة أن أدوات المصالحة تصبح فعَّالة فقط حين تُبنَى على مشاركة شاملة لا تقتصر على النخب، وتترافق مع إصلاح قانوني ومؤسسي عميق. في حين أن تنزانيا اعتمدت على أدوات ناعمة مثل الحوار والإعلام والمجتمع المدني، بقيت إثيوبيا عالقة بين أدوات تفاوضية محدودة من جهة، وأدوات أمنية وعسكرية من جهة أخرى، ما أفقد العملية توازنها ومصداقيتها.

التوصيات:

  • ينبغي لإثيوبيا إعادة صياغة نموذجها الفدرالي بما يضمن اندماجًا وطنيًّا حقيقيًّا، يقوم على الاعتراف بالتعدد دون ترسيخ الهويات المنغلقة، عبر عقد وطني جامع يتجاوز منطق الإقصاء أو الانفصال. فالمصالحة تتطلب أساسًا سياسيًّا جديدًا يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها، بما يضمن التوازن بين الحكم الذاتي المحلي ووحدة الدولة المركزية، مع تجذير مفهوم المواطنة المتساوية.
  • على الحكومة التنزانية ألا تكتفي بالمظاهر الرمزية للمصالحة، بل يجب أن تستكمل إصلاحاتها من خلال تعديل القوانين المُقيِّدة للحريات، وضمان استقلال القضاء واللجان الانتخابية، بما يكرّس مصالحة ديمقراطية مستدامة. فغياب التعديلات القانونية الفعلية يُبقِي المصالحة في إطار هشّ، ويجعلها رهينةً لتغيُّر النوايا السياسية أو المزاج الرسمي، بدل أن تكون جزءًا من عقد دستوري دائم.
  • تُوصى النخب الدينية والثقافية والمدنية في إثيوبيا بلعب دور مستقل وفاعل في بناء الثقة بين المكونات المجتمعية، وتفعيل آليات العدالة الانتقالية من خلال منصات محلية، تحفظ الذاكرة الجمعية، وتُشرك الضحايا في عملية الاعتراف والمصالحة. فالمصالحة لا تُبنَى فقط من خلال المفاوضات السياسية، بل تحتاج إلى جهد مجتمعي عميق يعالج الصدمة الجماعية ويُرسِّخ ثقافة الاعتراف والتسامح.
  • ينبغي للاتحاد الإفريقي والدول المجاورة دعم المصالحات الإفريقية من خلال آليات وقائية واستباقية، تضمن تحييد الصراعات قبل تفجُّرها، بدل الاقتصار على الوساطة بعد الانفجار. فدور الأطراف الدولية يجب أن يتَّجه نحو تمكين المبادرات الوطنية، لا استبدالها، وتوفير الدعم التقني لبناء مؤسسات شاملة وعادلة، تُتيح للدول مثل إثيوبيا أن تتجاوز أزماتها الداخلية دون ارتهان للخارج.

……………………………

[1] Metz, Thaddeus. “A Theory of National Reconciliation: Some Insights from Africa.” Theorizing Transitional Justice, 2016, pp. 119–135.

[2] Verdeja, Ernesto. “The Elements of Political Reconciliation.” Theorizing Post-Conflict Reconciliation, 2013, pp. 166–181.

[3] Buckley-Zistel, Susanne, et al. Transitional Justice Theories. Routledge, 2014.

[4] Lambourne, Wendy, and Annie Herro. “Peacebuilding Theory and the United Nations Peacebuilding Commission: Implications for Non-UN Interventions.” Global Change, Peace & Security, vol. 20, no. 3, 2008, pp. 275–289.

[5] Pakulski, Jan. “The Development of Elite Theory.” The Palgrave Handbook of Political Elites, 2018, pp. 9–16.

[6] Ellis, Elisabeth. “Citizenship and Property Rights: A New Look at Social Contract Theory.” The Journal of Politics, vol. 68, no. 3, 2006, pp. 544–555.

[7] Munck, Gerardo L. “Democratic Theory after Transitions from Authoritarian Rule.” Perspectives on Politics, vol. 9, no. 2, 2011, pp. 333–343.

[8] Majeed, Gulshan. “Ethnicity and Conflict: A Theoretical Perspective.” Journal of Political Studies, vol. 20, 2013, p. 97. HeinOnline.

[9] Asgele Siyum, Berihu. Underlying Causes of Conflict in Ethiopia: Historical, Political, and Institutional. World Conference on Social Science Studies, Budapest, Hungary, 2021.

[10] Fisher, Jonathan, and Meressa Tsehaye Gebrewahd. “‘Game Over’? Abiy Ahmed, the Tigrayan People’s Liberation Front and Ethiopia’s Political Crisis.” African Affairs, vol. 118, no. 470, 2019, pp. 194–206.

[11] Hunter, Emma. “Revisiting Ujamaa: Political Legitimacy and the Construction of Community in Post-Colonial Tanzania.” Journal of Eastern African Studies, vol. 2, no. 3, 2008, pp. 471–485.

[12] Rwengabo, Sabastiano. Nation Building in Africa: Lessons from Tanzania for South Sudan. Mandela Institute for Development Studies (MINDS) Youth Dialogue, Dar es Salaam, Tanzania, 2016.

[13] Zhang, Manyu. “The First Female President in Tanzania: Analyzing Samia Suluhu Hassan’s Electoral Success.” Advances in Economics, Management and Political Sciences, vol. 7, 2023, pp. 201–213.

[14] Legide, Kinkino. “Seeking Transitional Justice through Reconciliation in a Troubled Transition: The Legitimacy, Performances, and Limits of the Ethiopian Reconciliation Commission.” Journal of Global Justice & Public Policy, vol. 9, 2023, pp. 120–145.

[15] https://www.tzaffairs.org/2023/01/progress-towards-reconciliation/

[16] Weldeananiya, Solomon Gebre. Challenges of National Reconciliation in Ethiopia: Reflections on Ethiopia’s Conflict Transformation, National Cohesion and Peace Building. Technical University of Moldova, 2024.

[17] https://africacenter.org/spotlight/2025-elections/tanzania/

[18] https://www.thereporterethiopia.com/39873/

كلمات مفتاحية: الإثنياتالمصالحةالنزاعاتصراعات
ShareTweetSend

مواد ذات صلة

الشعر الإفريقي المقاوم: من جمال الفن إلى وقود الثورة

الشعر الإفريقي المقاوم: من جمال الفن إلى وقود الثورة

أكتوبر 7, 2025
عين على إفريقيا (2- 5 أكتوبر 2025م) إفريقيا واحتجاجات الجيل زد: ما بعد مدغشقر؟

عين على إفريقيا (2- 5 أكتوبر 2025م) إفريقيا واحتجاجات الجيل زد: ما بعد مدغشقر؟

أكتوبر 7, 2025
عين على إفريقيا (18-27 ديسمبر 2023م): إفريقيا بين التطلع لدور دوليّ والأزمة الاقتصادية وحلول الشراكات

التأشيرات الذهبية في إفريقيا جنوب الصحراء: آلية جديدة لجذب الاستثمار

أكتوبر 6, 2025
الجنايات الدولية تعتزم إغلاق مكتبها في الكوت ديفوار خلال 2025

انسحاب دول الساحل من المحكمة الجنائية الدولية: ما أسباب الجدل المستمر حول دورها وشرعيتها؟

أكتوبر 6, 2025
صدور العدد السادس والستين من مجلة “قراءات إفريقية”

صدور العدد السادس والستين من مجلة “قراءات إفريقية”

أكتوبر 5, 2025
جنوب إفريقيا تستدعي السفير الإسرائيلي لتوبيخه رسميًا

عين على أفريقيا ( سبتمبر 2025) : إفريقيا وفلسطين: ماضٍ نضالي ومصير على المحك

سبتمبر 30, 2025

ابحث في الموقع

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
يشغل حاليا

تويتر

Follow @qiraatafrican

الأكثر قراءة (أسبوع)

صدور العدد السادس والستين من مجلة “قراءات إفريقية”

صدور العدد السادس والستين من مجلة “قراءات إفريقية”

أكتوبر 5, 2025

صمود الأبطال: ثورة الشيمورنجا الأولى ضد الاستعمار البريطاني في زيمبابوي خلال القرن التاسع عشر

أكتوبر 20, 2024

الاتحاد الإفريقي والشراكات في مجال إصلاح قطاع الأمن

أكتوبر 22, 2024

صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء وعوامل دَفْعها

أكتوبر 6, 2024

الانتخابات التشريعية في السنغال: الرهانات في مبارزة عن بُعْد بين عثمان سونكو وماكي سال

أكتوبر 21, 2024

حظر اتحاد “فيسي” الإيفواري.. واتارا يدهس “بيادق” غباغبو على رقعة الحرم الجامعي!

أكتوبر 22, 2024

فيسبوك

‎قراءات إفريقية‎
  • قراءات تاريخية
  • متابعات
  • مكتبة الملفات
  • منظمات وهيئات
  • الحالة الدينية
  • حوارات وتحقيقات
  • أخبار
  • الحالة الدينية
  • المجتمع الإفريقي
  • ترجمات
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • ثقافة وأدب

الأقسام

  • المجلة
  • كتاب قراءات
  • الموسوعة الإفريقية
  • إفريقيا في المؤشرات
  • دراسات وبحوث
  • نظرة على إفريقيا
  • الصحافة الإفريقية

رئيس التحرير

د. محمد بن عبد الله أحمد

مدير التحرير

بسام المسلماني

سكرتير التحرير

عصام زيدان

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية. تطوير شركة بُنّاج ميديا.

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
  • الموسوعة الإفريقية
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • دراسات وبحوث
  • ترجمات
  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الأخبار
    • الحالة الدينية
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • مكتبة الملفات
    • منظمات وهيئات
    • نظرة على إفريقيا
    • كتاب قراءات إفريقية

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية بواسطة بُنّاج ميديا.