مقدمة:
جذبت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اللاجئين البيض اهتمام الإعلام العبري خلال شهر أيار/ مايو 2025م، ولا سيما أنها تسبّبت في تحوُّل حادّ في موقف الحاخام الأكبر لجنوب إفريقيا، والذي كان من بين المؤيدين اليهود الكبار للرئيس الأمريكي؛ إلا أن الطرح الذي ساقه ترامب بشأن تلك القضية أثار حفيظة الحاخام اليهودي البارز.
وفي هذه الأثناء، من المُلاحَظ عودة الزخم إلى ملف العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، واهتمام كبير مِن قِبَل الكُتّاب وأصحاب الرأي في دولة الاحتلال بما أسموها “إعادة الثقة” مع بلدان القارة؛ إذ رأوا أن استعادة الثقة تحمل مكاسب إستراتيجية ضخمة، سواء على الصعيد الأمني أو الدبلوماسي والسياسي، أو على صعيد الاقتصاد؛ حيث الموارد الطبيعية التي تنعم بها العديد من دول القارة، وتُسيِّل لُعاب دولة الاحتلال.
ويقوم الطرح الإسرائيلي في هذا الصدد على قاعدة مفادها أن دول إفريقيا ربما لديها مخاوف من التقارب العلني مع تل أبيب في ظل الحرب الدائرة على قطاع غزة، ولكنّ أصحاب الرأي في إسرائيل يزعمون أن بعض المحاولات والضغوط والحوافز تثمر سريعًا عن تحوُّل في موقف جملة من دول القارة، التي ربما تريد تغليب مصالحها الاقتصادية والأمنية على أن تنخرط في الأزمة السياسية في الشرق الأوسط.
وسيُلاحظ المتابع للطرح الإسرائيلي في هذا الملف، استمرار سياسة التلفيق وقلب الحقائق من جانب الكُتّاب الإسرائيليين، واستخدام ألفاظ ومصطلحات قديمة، تُؤشّر إلى أن سياسة “التباكي”، وقلب الحق إلى باطل والعكس، هي سياسة إسرائيلية ممتدة الجذور، تقوم على أيديولوجيات قديمة ومتأصلة في تاريخ إسرائيل القصير، وأنها في الغالب لم تشهد تغييرًا.
يركّز المقال الأول للكاتبة الإسرائيلية “شيرا لي بارطوف”، على موقف حاخام جنوب إفريقيا الأول إزاء خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستقبال اللاجئين البيض، بزعم تعرُّضهم للاضطهاد في جنوب إفريقيا، وكيف تسبَّبت تلك القضية في تحوُّل موقف الشخصية الدينية اليهودية الأهم في جنوب إفريقيا تجاه الرئيس الأمريكي، من التأييد المطلق إلى الانتقاد.
وينشغل المقال الثاني للكاتب “يهودا تاراغين”، بزيارة عضوة الكنيست شاران هاسكيل إلى الجابون، ومشاركتها في حفل تنصيب الرئيس بريس كلوتير أوليغي، ويضع الزيارة في إطار ضرورة انخراط إسرائيل في بناء علاقات عميقة مع دول القارة، وإلا ستكون إيران هي البديل الذي سيمكنه مدّ نفوذه إلى دول إفريقيا.
وفي المقال الثالث ترى عضوة الكنيست والكاتبة الإسرائيلية “تسيغا ميلكو”، أنه في عصر يتحدّد فيه الواقع السياسي عبر فضاءات الوعي، بصورة لا تقل عن ساحة المعركة؛ فإنه يجب على إسرائيل أن تكون حاضرة على الجبهات الدبلوماسية المختلفة، حتى لو بدا أن الصراع خاسر للوهلة الأولى، وتدعو إلى إعادة تشكيل قواعد اللعب، من خلال بناء شراكات حقيقية مع الدول الإفريقية.
الحاخام الأكبر في جنوب إفريقيا يرفض برنامج اللاجئين للأفريكانيين([1])
على الرغم من كون الحاخام الأكبر لجنوب إفريقيا من بين الشخصيات التي تُعرب عن دعمها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ توليه منصبه، في ولايته الثانية؛ إلا أن الكاتبة الإسرائيلية “شيرا لي بارطوف”، أكدت عبر مقالتها بصحيفة جيروزاليم بوست، بتاريخ 15 أيار/ مايو 2025م أن الشخصية الدينية اليهودية الأهم في جنوب إفريقيا، أي الحاخام وارن غولدشتاين Warren Goldstein أعرب عن رفضه لخطة الرئيس الأمريكي، لاستقبال أول مجموعة من اللاجئين البيض ومنحهم حق اللجوء.
الحاخام الأول لجنوب إفريقيا كان قد بثّ في شباط/ فبراير الماضي فيديو، يحمل رسالة إشادة وترحيب بتولي ترامب منصبه رئيسًا للولايات المتحدة، كما أنه يُعدّ من أشد منتقدي حكومة جنوب إفريقيا، ودَعَم موقف ترامب ضد بلاده؛ نظرًا لتعاونها مع إيران وقوانينها الجديدة لمصادرة الأراضي، والذي يعتقد الحاخام اليهودي أنها ستؤدي إلى تباطؤ اقتصادي أكثر مما هو قائم حاليًّا؛ وفق ما أشارت إليه الكاتبة الإسرائيلية.
وأوضحت أنه منذ أن قرر ترامب قبول بعض المواطنين البيض من جنوب إفريقيا “لاجئين” في الولايات المتحدة، بدا وأن الحاخام الأول لجنوب إفريقيا قد عدَل عن موفقه السابق، وذكر في تصريحات أنه ينظر إلى قرار ترامب على أنه “خطأ”.
ونقلت الصحيفة عن الحاخام غولدشتاين أنه “من الخطأ الظن بأن المشكلات التي قادت البيض في جنوب إفريقيا إلى الإقامة في الولايات المتحدة تقتصر على المجتمع الأبيض”، مشيرًا إلى أن إدارة ترامب تدّعي أن الأفريكانيين، وهم أقلية وصلت إلى جنوب إفريقيا في القرن الـ17، وقاد زعماؤها نظام الفصل العنصري في البلاد حتى نهايته في عام 1994م، تدّعي أنهم يتعرّضون للاضطهاد وللإبادة الجماعية بسبب هويتهم.
وذهبت الكاتبة إلى أن غولدشتاين وضع نفسه في موقف محرج؛ إذ يتعلق الأمر برئيس الولايات المتحدة، الذي يستخدم خطابًا مؤيدًا لإسرائيل ومحبًّا للسامية، وفي الوقت ذاته، تقول: إن اليهود يعارضون بعض سياساته، وعلى سبيل المثال، ثمَّن بعض اليهود الأمريكيين اهتمام إدارة ترامب بمكافحة معاداة السامية في الجامعات، لكنّ الكثير منهم أعربوا أيضًا عن قلقهم جراء هجومه على الجامعات، ورأوا أنه هجوم قاسٍ ومباشر وغير ديمقراطي، وبالتالي، رغم ترحيب يهود جنوب إفريقيا بمواقف ترامب المؤيدة لإسرائيل، لكن الأمر يصطدم بالسياسة المحلية.
الصحيفة اقتبست عن ميلتون شاين Milton Shain، الأستاذ الفخري للتاريخ اليهودي الجنوب إفريقي بجامعة كيب تاون، قوله: إن الغالبية العظمى من مواطني جنوب إفريقيا، سواء أكانوا يهودًا أم غير يهود، يشعرون بالحيرة إزاء فكرة حصول بعض الأفريكانيين على وضع اللاجئ داخل الولايات المتحدة. ويصف شاين خطاب ترامب حول الإبادة الجماعية ضد الأفريكانيين بأنه “سخيف”، كما أعرب عن اعتقاده بوجود علاقة بين سياسة ترامب بشأن الأفريكانيين وبين قرار جنوب إفريقيا الخاص برفع دعاوى إبادة جماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
ونوَّهت الكاتبة الإسرائيلية إلى أنه حتى قبل حرب غزة، التي أدَّت إلى دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، كان ترامب، ومستشاره بعد ذلك، إيلون ماسك، المولود في جنوب إفريقيا، قد اتهما بريتوريا بالإبادة الجماعية، وقتل المزارعين على نطاق واسع، وذلك بسبب هجمات مُوثقة ضد المزارعين البيض، وهو ما يعني أن ادعاءات ترامب وماسك تتفق مع الآراء التي يؤمن بها مجموعة من القوميين البيض في جنوب إفريقيا.
وفي عودة للحاخام الأول لجنوب إفريقيا، فقد نقلت الصحيفة عنه قوله: إن ترامب “أخطأ في صياغة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه جنوب إفريقيا من منظور عِرْقي”، وسلّطت الضوء على استطلاع رأي أجرته مؤسسة البحوث الاجتماعية، كشف أن 67% من السود في جنوب إفريقيا يرغبون في أن يعيش أطفالهم ويعملون في الخارج؛ من أجل مستقبل أفضل.
ورصدت الكاتبة الأنباء عن وصول الدفعة الأولى من اللاجئين البيض إلى الولايات المتحدة، وذكرت أن البيض في جنوب إفريقيا، ونصفهم تقريبًا من الأفريكانيين، يُشكّلون قرابة 7% من سكان البلاد، إلا أنهم يستحوذون على قرابة 78% من الأراضي الزراعية الخاصة، وتفوق ثرواتهم تلك التي يملكها السود في جنوب إفريقيا بقرابة 20 ضعفًا.
هل تأتي الضربة لإسرائيل من إفريقيا؟ لو سيطرت إيران، ستصل إلينا التداعيات([2])
يوضح الكاتب الإسرائيلي “يهودا تاراغين”، في مقاله المنشور بتاريخ 5 آيار/ مايو 2025م بصحيفة معاريف، أنه في الوقت الذي تكتظ فيه عناوين الصحف بأنباء المعارك في غزة والجبهة الشمالية؛ تباشر إسرائيل عملية دبلوماسية هادئة وحازمة، بعيدًا عن الأضواء في قارة إفريقيا، فنائبة وزير الخارجية، عضوة الكنيست “شاران هاسكيل”، عادت هذا الأسبوع (مع مراعاة تاريخ نشر المقال) من زيارة رسمية إلى الجابون؛ حيث شاركت في حفل تنصيب الرئيس بريس كلوتير أوليغي نغيما، وعقدت اجتماعات مع كبار مسؤولي الدولة، من رئيس الوزراء إلى نائب رئيس الأساقفة، مؤكدة للصحيفة أن تلك هي المرة الثانية التي تلتقي خلالها مع نجامي.
المسؤولة الإسرائيلية أشارت في حديثها مع الصحيفة إلى أن زيارتها كانت مصحوبة بحماسة كبيرة؛ إذ لا يذكر المسؤولون في الجابون زيارة سابقة على مستوى حكومي من جانب مسؤول إسرائيلي، ومِن ثَمَّ أعربوا عن تقديرهم الكبير، لافتةً إلى أن شعب الجابون ينظر إلى إسرائيل من منظور أنها شريك جادّ، ليس من الناحية السياسية فحسب، إنما أيضًا من الناحية الروحية والعاطفية، وقالت: “إن شعب الجابون يُعدّ مؤيدًا كبيرًا لإسرائيل، وبخاصة بين المجتمعات المسيحية”؛ على حد قولها.
وخلال الزيارة، التقت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية مع وزراء الخارجية، والعدل، والاتصالات، ومع نائب رئيس الوزراء، وتباحثت معهم حول ملف توسيع أوجه التعاون بين إسرائيل والجابون، في مجالات الزراعة والتكنولوجيا والطاقة والصحة.
ونقلت عنها الصحيفة أن إسرائيل لديها ميزة هائلة نسبيًّا، ولا سيما في مجال الاختراقات التكنولوجيا، وأنها على استعداد للعمل في مناطق تحذر دول أخرى أن تعمل فيها، مضيفة: “إنه وضع مربح للطرفين (win-win) سواء في مجال الصناعة أو العلاقات الخارجية، وبناء علاقات تُرسّخ دعائم دبلوماسية قوية”.
وذهب الكاتب الإسرائيلي إلى أنه بعيدًا عن المصالح الاقتصادية، ثمة هدف أكثر إلحاحًا، فإسرائيل لديها مصلحة واضحة للغاية في حشد الدعم على الساحة الدولية، ولا سيما في الأمم المتحدة، ناقلًا عن نائبة وزير خارجية الاحتلال أنه “في الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل حربًا على سبع جبهات مختلفة، فإن دعم دول إفريقيا يمكنه أن يُؤثّر مباشرةً لصالح شرعيتها على الساحة الدولية”.
وتضرب المسؤولة الإسرائيلية مثلًا ببلدان مثل مالاوي وليبيريا، اللتين تقفان إلى جانب إسرائيل على الرغم من تعرُّضهما لضغوط هائلة، كما تزعم أن بلدان مثل قطر أو روسيا تغدقان عليهما بالمِنَح والاستثمارات والسلع، بغية شراء النفوذ، وإبعادهما عن إسرائيل أو دفعهما إلى سياسة الحياد.
وفي الوقت ذاته، ذكرت نائبة الوزير أن ثمة منافسة محتدمة من جانب جهات معادية؛ إذ تعمل إيران و”حزب الله” وقوى أخرى في إفريقيا بالوكالة، محاولةً تعميق سيطرتها، لافتةً إلى أن تنظيم الشباب في الصومال يعمل بدعم إيراني، وفي دولة تقع على محور بحري إستراتيجي، يغذي صناعة الصيد البحري وتربية الماشية العالمية، محذرة من أن سيطرة إيران على تلك المنطقة ستحمل عواقب خطيرة، ستطال إسرائيل.
ومن وجهة نظر نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، سيعني وجود منظمات “إرهابية” في إفريقيا، أن ما وصفته بـ “العنف الذي شهدته إسرائيل في السابع من أكتوبر”، وتقصد هجوم حركة حماس على المستوطنات الذي عُرف بـ”طوفان الأقصى” سيُنظَر إليه على أنه حدث روتيني يومي يحدث في مناطق مثل نيجيريا والصومال، فعمليات الاختطاف، والحرق، والقتل الجماعي تحدث هناك أسبوعيًّا، وقالت: “لو لم تمتلك إسرائيل موطئ قدم هناك، ستحل محلها دول أخرى غير حليفة لها”، داعية بلادها لمراقبة الوضع عن كثب، والقيام بخطوات استباقية للحافظ على دعم دول إفريقيا قبل أن تتمكن جهات معادية من استقطابها.
ووفق الكاتب، تتمتع إفريقيا ببنية حيوية وموارد طبيعية ومعادن وطرق تجارة، وهو ما تحتاجه إسرائيل بالتحديد، وأنه لو لم تكن إسرائيل حاضرة في إفريقيا، فإن هناك من سيشغل الفراغ، ودعا إلى تغليب المصلحة السياسية الإسرائيلية، في وقت تعمل فيه دول مثل: جنوب إفريقيا والجزائر ضد إسرائيل في الساحة الدولية، وبالتالي دعا إلى بناء شراكات حقيقية مع إفريقيا؛ لأن كل صوت إضافي سيحمل تأثيرًا بالأمم المتحدة وسيُحْدِث فارقًا.
ووفقًا لما نقلته الصحيفة عن المسؤولة الإسرائيلية؛ فإن قارة مثل إفريقيا تضم عشرات الدول التي تحمل عضوية الأمم المتحدة، لذا فإن دعم دول ولو صغيرة يمكنه أن يؤثر، هذا بخلاف منظومة العلاقات الأوسع بين إسرائيل ودول القارة، ولا سيما وأن إفريقيا، كما تقول، تمر بمرحلة الاستقلال في ظل تاريخ صعب مع الاستعمار، وبالتالي يتعين أن تتعامل إسرائيل مع هذه الدول كشركاء متساوين، وليس كمجرد وسيلة”.
وترى أيضًا أن هناك منظومة علاقات دافئة مع بعض دول إفريقيا مدفوعة بالنشاطات الإنسانية التي تباشرها إسرائيل عبر منظمات إنسانية، مثل حفر الآبار، وتقديم المساعدات الطبية والمياه، وقالت: إن العَلَم الإسرائيلي يرفرف فوق هذه المشروعات، وعدّت الأمر من زاوية “الدبلوماسية القائمة على الأفعال”.
وأضاف الكاتب أن الهدف لا ينبغي أن يكون توقيع دول إفريقية على اتفاقيات تطبيع دفعة واحدة، وإنما يتعين القيام بمسِيرة بطيئة ومدروسة لبناء العلاقات، وأكد أن الهدف ليس بناء تحالفات إقليمية واسعة وبشكل سريع، وإنما بناء شراكات بين إسرائيل وبين دولة تلو الأخرى، بغرض خلق وجود إسرائيل مستقر ومؤثر في القارة بأَسْرها.
وأوضح أن هناك دولًا تحتفظ بعلاقات غير علنية مع إسرائيل، وتأمل أن تتحول إلى العلن. وكشف عن خطة إستراتيجية شاملة تُنفَّذ من وراء الكواليس، وتباشرها سفارات إسرائيل في إفريقيا، وهذه السفارات تتولى كل منها العمليات الدبلوماسية لأربع دول مجتمعة، لافتًا إلى أن الدبلوماسية الإسرائيلية تعمل أحيانًا تحت الضغوط، ولكنها تحقق نتائج، حتى ولو كان من الصعب الإعلان عنها جميعًا.
وختم بأن الجمهور الإسرائيلي يكاد يجهل ما يدور في إفريقيا، وأن الشعور السائد في إسرائيل هو أن إفريقيا منطقة نائية وغير مهمة، ولكن في الحقيقة، تُعدّ إفريقيا ساحة مؤثرة بشكل مباشر على أمن إسرائيل واقتصادها وشرعيتها الدولية، وأنه لو لم تتحرك إسرائيل في إفريقيا سيُوجَد هناك كيان آخر لا يهتم بالضرورة بمصالح إسرائيل.
اكتشاف إفريقيا: المؤتمر الذي بدأ بالإدانة وانتهى بالتغيير([3])
تقول الكاتبة وعضوة الكنيست الإسرائيلي “تسيغا ميلكو”، في مقالتها بموقع آي سي إي العبري، والمؤرخ 20 آيار/ مايو 2025م: “إن الكنيست الإسرائيل الحالي وجد نفسه في قلب عاصفة من الصراع الدولي على كسب الرأي العام وعلى القِيَم والحقيقة، وأن الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) الذي تأسس عام 1889م ويضم اليوم 193 دولة، يُعدّ إحدى الساحات الرئيسية لهذا الصراع، في وقت تمتلك إسرائيل وعشرات الدول الإفريقية عضويته.
يعمل الاتحاد البرلماني الدولي على تعزيز الحوار بين البرلمانات، ويُعنَى بحماية حقوق الإنسان والديمقراطية والسلام العالمي، ورغم أنه قد يُنظَر إليه ظاهريًّا على أنه إطار دبلوماسي عاجز (وصفته الكاتبة بأنه: بلا أسنان)، فإن الواقع يثبت عكس ذلك؛ إذ يتمتع بإمكانات سياسية وفكرية ودبلوماسية هائلة، وهو ما تجلى بوضوح خلال المؤتمر الذي عُقد الشهر الماضي في أوزبكستان، وشارك فيه وفد إسرائيلي، برئاسة رئيس الكنيست أمير أوحانا، وعضوية النائبين فلاديمير بيلياك ودان إيلوز.
وأوضحت الكاتبة أن المناقشات تطرقت لجملة من القضايا العالمية، مثل تغيُّر المناخ، والمساواة بين الجنسين، والحوار بين الأديان، وحقوق الأقليات، والتحوُّل الديمقراطي، وهي الجوانب التي تمتلك فيها إسرائيل رسالة مهمة ومساهمة فريدة؛ على حدّ زعم الكاتبة.
وأضافت أن السياق السياسي الذي اتسم به المؤتمر، في خِضَمّ حرب “السيوف الحديدية”، وفي ظل هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حوَّل الحدث إلى مسرح للنفاق الدولي والمحاولات المدروسة لعزل إسرائيل في الساحة الدبلوماسية.
وتابعت أنه “ليس من المُستغَرب أن تُقدّم الدول العربية والإفريقية، بقيادة مصر والأردن، وبدعم من جنوب إفريقيا والجزائر، اقتراحًا عاجلًا لإدانة إسرائيل لانتهاكها وقف إطلاق النار مع حماس، متجاهلة المذبحة الرهيبة والجريمة الوحشية المستمرة ضد الرهائن الأبرياء”، على حد وصفها.
وأوضحت أن الوفد الإسرائيلي طعن فيما أسمته “النفاق وانعدام التعاطف والتضامن الذي أبداه ممثلو الدول”، وأكد بوضوح أن “هذا الاقتراح، الذي يتجاهل عمدًا مذبحة السابع من أكتوبر، والرهائن الأبرياء الذين تحتجزهم حماس، وصمة عار أخرى لا تُمحَى عن جبين هذه المؤسسة، وأن إسرائيل لن تعتذر عن حاجتها للدفاع عن نفسها”.
وتوضح الكاتبة أن الوفد الإسرائيلي عمد بعد ذلك إلى محاولة إقناع أعضاء الوفود، وبخاصة الإفريقية، بموقفه، وعقد عشرات الاجتماعات، وباشر نشاطًا إعلاميًّا متواصلًا؛ وذلك من أجل إثبات ما تصفه بـ”الحقيقة”.
وتعرب عن سعادتها لنجاح تلك الجهود؛ وتزعم أن ما وصفته بـ”تحالف واسع” بقيادة العديد من البلدان الإفريقية، عدل عن موقفه في اللحظة الأخيرة، وقرر عدم دعم الإدانة، ورأت أن نجاح الوفد الإسرائيلي يُسلّط الضوء، من زوايا عديدة، على حقيقة عميقة، وهي أن المسرح العالمي يعجّ بالعداء ومعاداة السامية والجهل، تحت ستار أخلاقي مُشوّه يُفضّل الشيطان على الضحية.
ولفت نظر الكاتبة الصهيونية خطاب أحد مندوبي نيجيريا، الذي أوضح من منصة المؤتمر أن بلاده سئمت سماع أخبار فلسطين فقط، وأنه يتعين طرح ما حدث لإسرائيل في السابع من أكتوبر، وقدَّرت أن حديثًا من هذا النوع تطلّب شجاعة غير عادية. وخلصت إلى أنه من الممكن تغيير أنماط التفكير الإفريقية لو تصرفت إسرائيل بشكل صحيح، داعيةً إلى استعادة ثقة البلدان الإفريقية، وإنشاء تحالفات وشراكات في مجالات البنى التحتية والاقتصادية والأخلاقية مرة أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) انظر:
Shira Li Bartov, “South Africa’s chief rabbi rejects refugee program for Afrikaners”, The Jerusalem Post (Jerusalem, occupied Palestine), MAY 15, 2025: https://www.jpost.com/diaspora/article-854027
([2]) يهودا تاراغين، “هل تأتي الضربة لإسرائيل من إفريقيا؟ لو سيطرت إيران، ستصل إلينا التداعيات”، صحيفة معاريف، 5 أيار/ مايو 2025م، على الرابط (بالعبرية): https://www.maariv.co.il/news/politics/article-1194041
([3]) تسيغا ميلكو، “اكتشاف إفريقيا: المؤتمر الذي بدأ بالإدانة وانتهى بالتغيير”، موقع آي سي إي، على الرابط (بالعبرية): https://www.ice.co.il/opinions/news/article/1065484
