إعداد: نشوى عبد النبي
باحثة سياسية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء – مصر
يُعدّ تقرير “مدن إفريقيا 2035: التوسُّع الحضري والنمو الاقتصادي“، الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة للإيكونوميست في 22 أغسطس 2024؛ African Cities 2035; Rapid Urbanization and economic expansion، وثيقةً مهمةً لفهم مستقبل التنمية الحضرية في القارة الإفريقية؛ حيث يُقدِّم التقرير رؤًى قيِّمة حول الاتجاهات الحالية والتوقعات المستقبلية لنمو المدن الإفريقية، والتحديات والفرص المرتبطة بهذا النمو.
ويقدّم التقرير معلومات وتحليلات قيِّمة لصُنّاع القرار في الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ لمساعدتهم في اتخاذ قرارات إستراتيجية بشأن التنمية الحضرية، ويستعرض التقرير فرص الاستثمار المتاحة في المدن الإفريقية، مع تسليط الضوء على التحديات التي قد تُواجه المستثمرين في ظل النموّ السكاني المتسارع.
أبرز النقاط التي تناولها التقرير:
- التوسُّع الحضري السريع: يشير التقرير إلى أن القارة الإفريقية تشهد توسُّعًا حضريًّا سريعًا؛ حيث يتجه المزيد من السكان إلى المناطق الحضرية؛ بحثًا عن فرص عمل وخدمات أفضل.
- النمو الاقتصادي المرتبط بالمدن: يربط التقرير بين النمو الحضري والنمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن المدن هي المحرّكات الرئيسية للنمو الاقتصادي في إفريقيا.
- التحديات المرتبطة بالنمو الحضري: يُسلِّط التقرير الضوء على التحديات التي تواجه المدن الإفريقية، مثل نقص البنية التحتية، وارتفاع معدلات البطالة، والتلوث، والفقر.
- الفرص المتاحة: يُقدّم التقرير أيضًا نظرة على الفرص المتاحة لتنمية المدن الإفريقية، مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتطوير النقل العام، وتحسين إدارة النفايات.
الاتجاه نحو المدن الحضرية السريعة في إفريقيا
يشير التقرير إلى أن القارة الإفريقية ستشهد نموًّا حضريًّا سريعًا؛ حيث من المتوقع أن تضم 6 مدن على الأقل أكثر من 10 ملايين نسمة بحلول عام 2035، هذا النمو المتسارع سيؤدي إلى زيادة الطلب على الخدمات والبنية التحتية، لكنَّه سيفتح أيضًا آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي. ومن المتوقع تزايد عدد السكان الشباب في القارة، مما يجعلها أسرع منطقة تحضُّر في العالم.
ويتوقع التقرير أن تنضم مدينتا لواندا ودار السلام إلى قائمة المدن الإفريقية الكبرى، مثل القاهرة وكينشاسا ولاجوس وجوهانسبرج، التي تجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة، وسيؤدي هذا النمو الحضري المتسارع إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة. فعلى الرغم من أن المدن الإفريقية مثل لواندا ودار السلام تُعتَبر مراكز للابتكار والإبداع؛ إلا أنها تواجه أيضًا تحديات كبيرة مثل الفساد والبطالة، مما يؤدي إلى احتجاجات شعبية.
ويشير التقرير إلى أن أكثر من نصف سكان إفريقيا سيقيمون في المدن بحلول عام 2035، مما سيؤدي إلى نمو اقتصادي سريع. ومع ذلك، فإن هذا التحول الحضري السريع سيرافقه تحديات كبيرة مثل الاكتظاظ السكاني، والبطالة، ونقص الخدمات الأساسية، وتغيُّر المناخ.
كما ستشهد المدن الإفريقية الكبرى نموًّا سكانيًّا ملحوظًا بحلول عام 2035؛ حيث ستضم القارة 17 مدينة يزيد عدد سكانها عن 5 ملايين نسمة، و100 مدينة أخرى تتجاوز مليون نسمة. ومن المتوقع أن تكون أديس أبابا هي الأسرع نموًّا بين هذه المدن؛ حيث ستشهد زيادة سكانية سنوية تصل إلى 10.6%. ومن المتوقع بحسب التقرير أن يصل عدد سكان المناطق الحضرية في القارة إلى ما يقرب من مليار نسمة بحلول عام 2035، ارتفاعًا من نحو 650 مليونًا في العام الماضي. ومن المتوقع أن تكون منطقة شرق إفريقيا هي المنطقة التي تشهد أسرع نموّ سكاني في المناطق الحضرية، يليها وسط إفريقيا وغرب إفريقيا.
وكشف التقرير عن تكوين تجمُّع حضريّ ضخم على طول ساحل غرب إفريقيا، يمتدّ من أبيدجان في ساحل العاج وصولًا إلى لاغوس في نيجيريا، ويشمل دول غانا وتوغو وبنين. ومن المتوقع أن يتجاوز عدد سكان هذا التجمع 50 مليون نسمة بحلول عام 2035، ليصبح بذلك أحد أكبر التجمعات الحضرية في العالم. وأشار التقرير إلى أن مدنًا أخرى ستشهد نموًّا حضريًّا كبيرًا، مثل القاهرة والإسكندرية في مصر، وجوهانسبرج وبريتوريا في جنوب إفريقيا، ومدن البحيرات العظمى مثل نيروبي وكمبالا، بالإضافة إلى مدن في المغرب والجزائر.
وتتوقع الأمم المتحدة أن تشهد القارة الإفريقية نموًّا سكانيًّا هائلًا خلال الثلاثين عامًا القادمة؛ حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان ليصل إلى 2.2 مليار نسمة، مع ملاحظة أن غالبية السكان سيكونون من الشباب؛ حيث يمثلون حوالي 70% من إجمالي السكان.
السكن الحضري في إفريقيا: بين الحاجة المتزايدة والإمكانيات المحدودة
تُواجه المدن الإفريقية تحديًا كبيرًا في توفير سكن مناسب لسكانها المتزايدين؛ مما أدى إلى انتشار واسع للمناطق غير الرسمية والعشوائيات، التي تمتد من كيب تاون في الجنوب إلى القاهرة في الشمال؛ حيث تتزايد أعداد السكان في المدن بشكل أسرع من قدرة الحكومات على توفير البنية التحتية السكنية اللازمة، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة العشوائيات.
وقد أشار الزعماء إلى أن الابتكار والتصنيع هما المحرّك الرئيسي لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في القارة، وحذَّر التقرير من أن تأخير تنفيذ هذه الإستراتيجية قد يُؤدِّي إلى ضياع فُرَص مهمة للاستفادة من التوسع الحضري السريع.
- تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية إلى أنه يعيش حاليًّا أكثر من نصف سكان المدن الإفريقية، أي ما يعادل 400 مليون نسمة، في أحياء فقيرة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050. كما أن عدد سكان الأحياء الفقيرة في إفريقيا سيزداد بمقدار 900 مليون نسمة خلال العقود القادمة.
- يُواجه مخططو المدن في إفريقيا تحديات متشابكة تتضمَّن الاكتظاظ السكاني، وانتشار العشوائيات والمناطق غير الرسمية، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور الخدمات العامة، بالإضافة إلى تأثيرات تغيُّر المناخ، مما يجعل تحقيق التنمية الحضرية المستدامة هدفًا صعب المنال.
- توقع التقرير أن يؤدي التوسع الحضري السريع في إفريقيا إلى ظهور أسواق استهلاكية أكثر حيوية ومتنوعة، وتحسين شبكات التوزيع والتجارة، وتوسيع القاعدة الصناعية، مما يُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
معركة من أجل البقاء: المدن الإفريقية تُواجه تحديات تغيُّر المناخ
تُواجه العديد من المدن الإفريقية الكبرى، الواقعة في المناطق الساحلية المنخفضة، تهديدًا وجوديًّا بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف المتكررة، مما سيؤدي إلى تغييرات جذرية في ديناميكياتها الحضرية، ويؤثر سلبًا على ازدهارها الاقتصادي والاجتماعي.
وإن غياب التخطيط السليم في الدول الإفريقية سيؤدي إلى عواقب وخيمة ستؤثر على حياة ملايين الأفارقة، وستعرقل التنمية المستدامة في القارة.
التوقعات المستقبلية وفقًا للتقرير:
- يتوقع التقرير أن القارة الإفريقية ستشهد نموًّا هائلًا في عدد المدن الكبرى؛ حيث من المتوقع ظهور مدن جديدة يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة، وزيادة عدد المدن التي يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، بالإضافة إلى ظهور مئات المدن الأخرى ذات المليون نسمة.
- سيكون من أبرز ملامح المستقبل الديموغرافي والاقتصادي لإفريقيا ظهور مدن كبرى جديدة وتوسع المدن القائمة، مما سيُؤثِّر بشكل كبير على طبيعة الحياة والأنشطة الاقتصادية في القارة.
- يتطلب الحد من الآثار السلبية للتوسع الحضري في إفريقيا اتخاذ إجراءات سريعة وفعَّالة؛ حيث يجب على الحكومات الإفريقية الاستفادة من البيانات السكانية لتوقع احتياجات المواطنين من السكن والخدمات الأساسية.
- من الضروري أن تستثمر الحكومات الإفريقية في تطوير المناطق الريفية، وتوفير فرص عمل للشباب، مما يُسهم في تقليل الهجرة إلى المدن، والحد من المشكلات المرتبطة بالازدحام الحضري.
- نظرًا للارتباط الوثيق بين النمو السكاني والاقتصادي وزيادة الانبعاثات؛ يجب على الحكومات الإفريقية أن تضع خططًا طموحة للانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون، مع التركيز على مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الصديقة للبيئة.
- غالبًا ما يكون النمو الحضري والصناعي مصحوبًا بزيادة كبيرة في استهلاك الطاقة والمياه، مما يتطلَّب من المدن وضع سياسات حضرية شاملة تضمن التوسع في مجال الطاقة بطريقة مستدامة تتفق مع الأهداف الوطنية والعالمية المتعلقة بتغيُّر المناخ.
ختامًا، يمثل التوسُّع الحضري في إفريقيا تحديات كبيرة، ولكنّه أيضًا يُشكّل فرصة تاريخية لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين حياة الملايين من الأفارقة؛ من خلال التخطيط السليم والاستثمار في البنية التحتية، وتطوير القدرات البشرية، ويمكن للقارة الإفريقية أن تَستفيد من هذه الظاهرة وتُحوِّلها إلى قوة دافعة للنمو والازدهار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: African-cities-2035-final.pdf