نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الأفريقية العليا، جامعة القاهرة
مُقدمة:
شهدت الأوضاع الداخلية الكينية خلال الآونة الأخيرة (منذ 18 يونيو 2024م وإلى الآن)، احتجاجات واسعة النطاق، مُناهِضة للحكومة ومُطالبِة بسَحب مشروع قانون المالية للعام الحالي الذي تضمن زيادات ضريبية من شأنها جعل حياة الكينين أكثر تعقيدًا وفقرًا. وحتى عقب الاستجابة لرغبة المتظاهرين الأساسية (من الشباب الكيني) المتمثلة في سَحب مشروع قانون المالية، ارتفع سقف رغباتهم، ليصل إلى المطالبة برحيل الرئيس الكيني “ويليام روتو”، رغم إعلان الأخير نيته للتحاور والتشاور مع الشباب الكيني من أجل تحديد مُشكلاته والعمل على حلّها. جاءت هذه الأحداث مُتسارعة في وتيرتها، ومُحتَدَمة في تداعياتها خاصة ما تعلّق منها بزعم بعض رجال “روتو” بوجود انشقاقات بين الحكومة الكينية وبعضها البعض، بل واتهامات بالخيانة فيما بينها، وفقًا لما أعلنه نائب الرئيس الكيني “ريغاثي غاتشاغو” من أن المدير العام لجهاز المخابرات الكينية “نور الدين حاجي” يسعى إلى تدبير مؤامرة لاتهامه هو والرئيس السابق “أوهورو كينياتا” بأنهما من الممولين والمدبرين للاحتجاجات الشعبية ضد مشروع قانون المالية. حيث قال “غاتشاغو” إن “حاجي” يقدّم معلومات استخباراتية مغلوطة للرئيس الكيني حول تدبيره (أي غاتشاغو) هذه الاحتجاجات بهدف إسقاط “روتو” والاستيلاء على منصب رئيس الدولة، داعيًا إياه للاستقالة من منصبه.([1])
وتعدّ هذه المرة الأولى التي يكشف فيها نائب الرئيس عن وجود تصدّعًا في المواقف مع رئيس الدولة ورجاله، ما يؤكد توقعات سابقة لمراقبين بوجود خلافات حادة بين الرئيس ونائبه، إلا أنها لم تظهر للعلن قبل هذه الاتهامات. وبدأت تداعيات هذا التصريح تطفو على السطح، حينما انتقد وزير الخدمة العامة “موسى كوريا” اتهامات “غاتشاغو” لمدير المخابرات، ودعاه إلى التوقف عن التشكّي وتحمل مسؤولياته كنائب للرئيس.([2])
بداية.. كيف تم الحَشد للتظاهرات المُناهِضة للحكومة؟
بدأ الأمر خلال احتجاجات دعا لها الشباب الكينيين عبر الإنترنت، حين أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم أو هاشتاج #tutanethursday، وتعني: “أراك يوم الخميس”، بمزيج من اللغة السواحيلية والإنجليزية. وانطلقت حركة “احتلال البرلمان” على وسائل التواصل الاجتماعي عقب تقديم الحكومة مشروع ميزانية 2024-2025 إلى البرلمان 13 يونيو الماضي. حيث اقترح القانون فرض ضرائب على الخبز وزيت الطهي وخدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول والمستشفيات المتخصصة والسيارات، وهي كلها أمور قال الكينيون إنها ستؤدي إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة. ما أدى إلى تظاهرات عارمة بدأت بنيروبي وانتقلت إلى أغلب أنحاء البلاد. وبررت الحكومة القانون المثير للجدل، أنه كان محاولة لزيادة إيرادات الدولة بشكل جزئي لمكافحة الديون المُثقل بها البلاد (تصل حجم الديون في كينيا إلى 80 مليار دولار من الديون المحلية والخارجية، ويبلغ هذا الدين 68% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى بكثير من الحد الأقصى الذي أوصى به البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي يُقَدَّر بحوالي 55%).)[3]( ويوضح الشكلين التاليين حجم الديون المتصاعدة؛ الخارجية والمحلية، كلٍ على حدا، منذ 2021 وحتى 2023.
شكل رقم (1)
حجم الديون الخارجية الكينية (يناير 2021- نوفمبر 2023م)
مُقدَّر بالمليار شِلن كيني
Source: “Stock of external debt of Kenya from 2021 to 2023(in billion Kenyan shillings)”, Statista, 2024, On: https://rb.gy/b2t304
شكل رقم (2)
حجم الديون المحليّة الكينية (يناير 2021- نوفمبر 2023م)
مُقدَّر بالمليار شِلن كيني
Source: “Stock of domestic debt of Kenya from 2021 to 2023 (in billion Kenyan shillings)”, Statista, 2024, On: https://rb.gy/snmjm9
زادت الأوضاع سوءًا مع القمع الوحشي في التعامل مع هذه الاحتجاجات من قِبَل شرطة مكافحة الشغب الكينية، التي قامت بالقبض على العديد من المتظاهرين، في ممارسات وُصِفَ بعضها أنها إحدى أكثر الممارسات دموية في تاريخ كينيا الحديث. قُدِّر عدد القتلى في بادئ الأمر بنحو عشرين شخصًا، وفي وقت لاحق أشارت منظمة هيومن رايتس واتش أن العدد تزايد حتى وصل إلى 30 قتيلًا.([4]) قُتِل بعضهم أمام البرلمان الكيني وآخرين في الأحياء الفقيرة في نيروبي. وشملت أعمال العنف الاختطاف والاعتقال والضرب وإطلاق النار وإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين تجاه الشباب المُعارضين للضرائب الجديدة وتجاوزات الحكومة. لكن عقب هذه الانتهاكات الجسيمة والمواجهات الدامية تراجع الرئيس الكيني عن توقيع القانون واستبدله بحزمة من الإجراءات التقشفية بدءًا من مكتبه (مؤسسة الرئاسة)، لمواجهة الديون المتزايدة، لاسيّما مع تصاعد حدة الانتقادات والضغوط المحليّة والدولية لممارسات النظام الكيني. ورغم انصياع “روتو” للأصوات الرافضة للقانون وسَحبه وفتح باب الحوار مع الشباب لإيجاد حلول للموازنة العامة، كما ذكرنا أعلاه، فإن عددًا من المتظاهرين رفضوا التراجع عن تنظيم الاحتجاجات، وأوضحوا أن مطلبهم تحوّل من رفض القانون إلى المطالبة بتنحي الرئيس عن منصبه عبر التظاهر أمام القصر الرئاسي.([5])
لماذا تزايدت الديون والقروض الكينية؟
يرى فريق من المراقبين للشأن الكيني، إن إحدى عوامل تضاعف الديون الكينية تمثلت في اضطرار كينيا إلى إعادة توجيه بعض أموال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأجل سداد ديونها للصين، التي وصلت إلى 882 مليار شلن كيني حتى يونيو 2022م (كما سيوضح الشكل التالي)، وخاصة فيما يتعلق بخط السكك الحديدية الذي بَنته الصين. لكن رغم ذلك يرفض فريق آخر تحميل كل العبء على القروض الصينية خاصة أن قروضها متواضعة مقارنة مع المؤسسات المالية الدولية وحاملي سندات اليورو. والواقع أن الأزمة الكينية تدحض اتهامات الصين بدبلوماسية فخ الديون؛ فإذا كانت الصين تمارس دبلوماسية “فخ الديون”، فإنها كانت ستستولى على الأصول الكينية، لكن بدلًا من ذلك كان رأس المال الصيني هو الأكثر صبرًا خلال هذه الأوقات العصيبة، ذلك وفقًا لرؤية التيار الرافض لأن تتحمل الصين العبء الأكبر في مسألة الديون الكينية.)[6]( لذا فالأكثر واقعية أن قضية الديون الكينية يتقاسم مسئوليتها الكثير من اللاعبين، سواء المؤسسات الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد) أو الشركاء الدوليين كالصين، إضافة للفساد المستشري بالداخل خاصة في إنفاق إيرادات الدولة وإهدارها على نحو لافت. بناء عليه يشير المحللون إلى أن القروض لم تكن هي وحدها التي أوصلت كينيا إلى مأزقها المالي الحالي؛ فهناك عوامل أخرى أضّرت بالبلاد على مدار السنوات القليلة الماضية بدءًا من عام 2019م، حيث تضررت البلاد بشدة من تداعيات جائحة كوفيد-19، وعانت أيضًا من تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي ساهمت في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية. كما أضرّت الفيضانات الناجمة عن تغيّر المناخ التي عصفت بالبلاد باقتصاد كينيا ككل.)[7](
شكل رقم (3)
حجم الديون الكينية تجاه الصين (2008- 2022) مُقَدَّرة بالمليار شلن كيني
Source: Kenya’s Rapidly Devaluing Currency Pushes Up Debt Servicing Costs, Particularly to China”, China Global South Project, Dec 2023, On: https://rb.gy/jt6r96
تأسيسًا على ما سبق طَرحه حول أزمة الديون والقروض الكينية، يمكن إيجاز أبرز العوامل المُحَفِّزة على تفاقم الوضع الكيني، وفقًا للشكل التالي:
شكل رقم (4)
أبرز العوامل المُساهِمَة في تفاقم المأزق الكيني
مشروع القانون الذي أشعل فتيل الاحتجاجات:
كان المُحَرِّك الذي أشعل فتيل الاحتجاجات هو تقديم مشروع القانون سالف البيان، الذي من شأنه أن يلحق الضرر بالكينيين الأشد فقرًا. وخصص مشروع القانون نفسه مبالغ ضخمة لتجديد مقر إقامة الرئيس وغيرها من النفقات الباهظة، ما آثار غضب الجيل الجديد من الكينيين (المنتمي لجيل زد)، الذين صوّت العديد منهم لصالح “روتو” قبل عامين خلال الانتخابات الرئاسية التي أوصلته للحكم منذ سبتمبر 2022م، حينها أعلن إنه سيوفر مليون فرصة عمل جديدة، لكن مع عدم تحقق أي من هذه الآمال، حتى الآن، بات الشباب يشعرون أن الوعود التي قُطِعَت لهم كانت محض خداع وأن مستقبلهم قد سُرِقَ. ولا يمكن الاستهانة بحجم وتأثير الشباب في كينيا على وجه التحديد، خاصة أن ما يقرب من 70% من سكان البلاد البالغ 54 مليون نسمة، تحت سن 34 عامًا. لكن، كما أشارت منظمة العمل الدولية في تقرير لها صدر عام 2019م، إن ما يقرب من 4 من كل 10 أشخاص في سن العمل عاطلون عن العمل.)[8](
من القمع والتنديد إلى التراجع والاستجابة:
في البداية ومع اندلاع الاحتجاجات المُناهِضة للتوقيع على قانون الضرائب، هدد الرئيس الكيني بتكثيف القمع إزاء المحتجين؛ حيث ندد بالاحتجاجات ووصفها بأنها خيانة، ووصف المشاركين فيها بأنهم مجرمين، كما أمر قوات الأمن بـاستخدام كافة التدابير الممكنة لقمع الاحتجاجات. وتحولت الشرطة من استخدام الغاز المسيل للدموع إلى الذخيرة الحية.)[9]( وفي خطاب ثانٍ ألقاه يوم الأربعاء الماضي (26 يونيو- 2024م)، في خطوة مفاجئة بعد يوم من اقتحام الكينيين البرلمان وتصعيد الاحتجاجات الحاشدة في الشوارع، قال “روتو” إنه يستمع باهتمام إلى أصوات الكينيين ومخاوفهم وإنه لن يوقع على قانون الضرائب وسيتم سحبه لاحقًا، كما أمر باتخاذ إجراءات تقشف وترشيد للإنفاق في الأجهزة الحكومية ومؤسسة الرئاسة. كان الأمر بمثابة انتصار للشعب الكيني، ولكنه تكبّد لتحقيقه ثمنًا باهظًا للغاية.([10]) ولا يزال العدد الدقيق للضحايا والمصابين غير واضح، إلا أن جماعات حقوق الإنسان تقول إن أكثر من 30 شخصًا قُتِلوا، فضلًا عن إصابة المئات في الاشتباكات. من جهة أخرى وَصَفَ البعض القرار بأنه خطورة تراجع للوراء، من قِبَل النظام الكيني وحليف الولايات المتحدة “روتو”، أرجعها البعض للضغوط العامة الداخليّة والدوليّة التي أحاطت بالنظام الكيني.)[11]( وفي حين يمثل تراجع التوقيع على القانون، تنازلًا كبيرًا من النظام إزاء المحتجين، فمن غير الواضح ما إن كانت الاضطرابات في البلاد ستهدأ بشكل كامل، خاصة مع دعوات النشطاء إلى مواصلة الاحتجاج. وبشكل عام يُشَكِّل السخط والاضطرابات التحدي الأكبر حتى الآن لرئاسة “روتو”، التي تدخل الآن عامها الثاني.([12])
إدانة دوليّة ولقاء سري:
مع سَحب قانون الضرائب أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكي “ماثيو ميلر” أن وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” اتصل بالرئيس الكيني مباشرة إثر تراجعه عن قانون المالية مساء الأربعاء الماضي. ودان بلينكن -في هذا الاتصال- ما اعتبره استعمالًا مفرطًا للقوة، لكنه أكد أن إدارة الرئيس “جو بايدن “ستظل شريكًا ثابتًا لحكومة كينيا وشعبها أثناء مواجهتهم التحديات الاقتصادية التي تنتظرها البلاد بعد قرار سحب القانون. من جهة أخرى أشارت صحيفة “نايشن” الكينية عن عقد لقاء سري في القصر الرئاسي بنيروبي -عقب التراجع عن القانون- جَمَع الرئيس “روتو” ومسؤولين سياسيين وأمنيين كينيين بعدد من سفراء ورؤساء بعثات الدول الغربية. كما أعربت 13 سفارة غربية في نيروبي في بيان مشترك، الثلاثاء الماضي، عن قلقها العميق من انتهاكات حقوق الإنسان إزاء تعامل الحكومة مع الاحتجاجات. كما انتقد الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” الحكومة الكينية لاستخدامها القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين.([13])
استمرار الاحتجاجات رغم سحب مشروع القانون:
يرى البعض من المتظاهرين الكينيين إن مشروع قانون الضرائب كان فقط مُحَفِّزًا فقط على اندلاع الاحتجاجات، خاصة مع وجود بالفعل العديد من الأسباب التي فاقمت من حالة الاحتقان خلاف قانون الضرائب، وتسببت في غضب العديد من الشباب الكينيين، جاء أبرزها أنه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس الكيني الذي تولى حكم البلاد منذ سبتمبر – 2022م، كان قد وَعَد الشباب بأن حكومته ستهتم بتأمين احتياجاتهم، لكن الرئيس لم يفِ بالوعود التي قطعها خلال الحملة، كما ذكرنا سابقًا. علاوة على ذلك تميزت ولاية “روتو” بعدد من القرارات الإصلاحية التي أدت إلى تعقيد حياة الكينيين بشكل كبير.([14]) رغم ذلك من الهام أن نشير إلى إنه قبل اندلاع هذه الاحتجاجات، كان “روتو” قد حاول بالفعل التخفيف بالفعل بعض من قراراته المتعلقة بفرض الضرائب على بعض السلع والمنتجات، والتي واجهت برفض وانتقادات داخلية على نطاق واسع، بما في ذلك ضريبة المركبات، وضريبة القيمة المضافة المقترحة بنسبة 16% على الخبز ورسوم الإنتاج على الزيوت النباتية. وذكر الرئيس الكيني أيضًا إن بعض المنتجات المُصَنّعة محليًا سيتم إعفاؤها من الضريبة البيئية المقترحة، بما في ذلك الفوط الصحية والحفاضات والهواتف والإطارات.([15]) بالرغم من ذلك لا يثق كثير من الشباب الكينيين في المسئولين بالبلاد، خاصة إنه في العام الماضي قامت الحكومة بالفعل بزيادة ضريبة الدخل والمساهمات الصحية ومضاعفة ضريبة القيمة المضافة على البنزين. أضف إلى إدراك الكينيين لفساد سياسييّه الذين يستنزفون أموال بلادهم بما في ذلك الضرائب، وهي مخاوف عززتها أنماط حياة المسئولين من الوزراء وأعضاء البرلمان وغيرهم، الذين يتقاضون رواتب لا تتناسب تمامًا مع متوسط دخل المواطن الكيني العادي بشكل عام، حيث تفوقها بأضعاف كثيرة. على سبيل المثال يتقاضى عضو مجلس الشيوخ الكيني 85800 دولار سنويًا، وهو أعلى كثيرًا من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، الذي يبلغ 2000 دولار. إضافة إلى ذلك، لم يَسلم الرئيس نفسه من هذا الأمر، خاصة مع الجدل الذي أثير حول قراره بالسفر إلى واشنطن على متن طائرة خاصة قال إنها لم تكلف دافعي الضرائب سوى 78 ألف دولار، قبل أن يتراجع ويقول إن الإمارات العربية المتحدة هي التي دفعت ثمنها. ويرفض الكينيون، دعم أعمال القمع التي يمارسونها، حيث يرون كيف يتم استخدام الخزانة العامة لدفع ثمن الرصاص الذي يقتل مواطنيهم.)[16](
خاتمة:
إجمالًا؛ لا نرى بأن الاحتقان الداخلي وما تمخّض عنه من احتجاجات شعبية سيهدئان سريعًا بين الكينيين، خاصة مع وجود توترات على الصعيدين الحكومي والشعبي، فكما ذكرنا أعلاه كيف يتم تبادل اتهامات بالخيانة بين رجال “روتو” وما يعنيه ذلك من انشقاقات مُحتملة داخل النظام الكيني، أضف لذلك إصرار المتظاهرين (الصعيد الشعبي) على رحيل الرئيس، خاصة مع إدراك الشباب الكيني أن سَخَطه لم يكن بسبب قانون الضرائب فقط، بل نتيجة لتراكم عدد ليس بالقليل من الممارسات الفاسدة والإجراءات غير المدروسة للنظام الكيني مُمثلًا في “روتو” ورجاله، التي ساهمت يومًا تلو الآخر في جعل حياة المواطنين الكينيين، لاسيما الأشد فقرًا منهم، أكثر صعوبة وتعقيدًا. لذا لن يهدأ الكينيون إلا مع زوال النظام الحالي أو على أقل تقدير التأكد من وجود ضمانات حقيقية حول ممارساته المُقبلة، سواء فيما يتعلق بكيفية سداد الديون المرتفعة، أو بسُبُل تيسير المعيشة للمواطنين الأكثر احتياجًا، بما في ذلك توفير فرص عمل للشباب، كما وعد الرئيس الكيني في السابق، مرارًا وتكرارًا.
في الأخير نشير إلى أنه في حال هدوء الأوضاع لاحقًا، فذلك لا يعني أنه لو عاد النظام الحالي لسياساته المعتادة التي كانت دومًا محل انتقادًا في الداخل، لن تتجدد الاحتجاجات إزائه، خاصة أن الرئيس الكيني، سيظل عالقًا، على الأقل في الوقت الحالي، بين مطالب المُقرضين مثل صندوق النقد الدولي، الذي يحثّ الحكومة على خَفض العجز للحصول على تمويل إضافي، وبين المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع تكلفة المعيشة. ناهيك عما يحدث بين أفراد نظامه “رجال روتو” وبعضهم البعض، وما يُثار من تساؤلات في هذا الإطار: هل هناك بالفعل خيانة بين أفراد نظام “روتو”؟ وفي حال كان ذلك صحيحًا، كيف سيُدير “روتو” الأمر دون أن يؤدي إلى هشاشة النظام، ودون أن يُضعِف ذلك من قدرة نظامه على التعامل مع الاضطرابات المُتصاعدة في البلاد؟
للمزيد:
من هي الوجوه الجديدة للاحتجاج في كينيا؟
وليام روتو: تفويض أمريكي لقيادة مستقبل إفريقيا؟
……………………………………..
([1]) “احتجاجات قانون المالية تسبب تصدعًا واتهامات بالخيانة في الحكومة الكينية”، قراءات أفريقية، 30 يونيو، 2024، على الرابط: https://rb.gy/kjfc3l
([3]) Kate Bartlett, “Deadly Kenya protests spurred by international debt woes”, VOA Africa, Jun 28, 2024, On: https://rb.gy/vidrhd
([4]) “رايتس واتش تعلن عن سقوط 30 قتيلًا في آخر حصيلة لضحايا المواجهات الدامية في كينيا”، مونت كارلو الدولية، 29 يونيو، 2024، على الرابط: https://rb.gy/nu3z20
([5]) “احتجاجات قانون المالية تسبب تصدعًا واتهامات بالخيانة في الحكومة الكينية”، مرجع سبق ذكره.
([6]) Kate Bartlett, Op.Cit.
([8]) Binaifer Nowrojee, “How Kenya’s President Broke the Social Contract”, Foreign Policy, Jun 28, 2024, On: https://rb.gy/znuau6
([10])“Kenyan president drops tax proposals amid deadly protests, announcing austerity measures”, Xinhua, Jun 26, 2024, On: https://rb.gy/7f9ydl
([11]) Binaifer Nowrojee, Op.Cit.
([12]) Sammy Westfall, “After protests, Kenya’s president backs down on controversial tax bill”, Washington Post, Jun 26, 2024, On: https://rb.gy/qshk3f
([13]) مهدي الزغديدي، “سحب قانون المالية.. هكذا ارتفعت حدة المواجهة داخل النظام الكيني”، الجزيرة نت، 28 يونيو، 2024، على الرابط: https://rb.gy/85ifdd
([14]) “استمرار الاحتجاجات الشعبية في كينيا رغم إلغاء قانون الضرائب”، آرت تي العربية (روسيا اليوم)، 29 يونيو 2024، على الرابط: https://rb.gy/bllpi5
([15]) Sammy Westfall, Op.Cit.
([16]) Binaifer Nowrojee, Op.Cit.