تمهيد:
تُمثّل مسألة التوظيف السياسي للجماعات المسلحة واحدة من أبرز الإشكاليات التي تُعيد صياغة المشهد الإفريقي في العقود الأخيرة؛ حيث لم تَعُد هذه الجماعات مجرد ظواهر أمنية أو أدوات عابرة للعنف، بل تحوَّلت إلى أوراق ضغط فاعلة في يد القوى الغربية التي وجدت في خطاب “مكافحة الإرهاب” مدخلًا لإعادة هندسة السلطة والنفوذ داخل القارة.
عبر التدخلات العسكرية المباشرة، أو من خلال شبكات الدعم غير المُعلَنة؛ باتت فرنسا والولايات المتحدة -على سبيل المثال- تُوظّفان هذه الجماعات بما يخدم مصالحهما الإستراتيجية، سواء في تأمين طرق الملاحة والموارد، أو في فرض مسارات سياسية بعينها.
هذه المقاربة جعلت من الحركات المسلحة جزءًا من لعبة النفوذ الدولي؛ بحيث يُعاد رسم التوازنات السياسية ليس وفقًا لموازين القوى الداخلية فقط، وإنما وفقًا لاعتبارات الطاقة والذهب واليورانيوم والتموضع الجيوسياسي. إن هذا الدور الغربي كمهندس خفيّ للمجال السياسي يُثير أسئلة عميقة حول السيادة والاستقلالية الإفريقية.
على الجانب الآخر، لا يمكن قراءة مشهد التوظيف السياسي بمعزل عن الأنظمة المحلية نفسها؛ إذ أدركت كثير من الحكومات الإفريقية أن استيعاب الجماعات المسلحة أو توظيفها قد يُشكّل أداة للبقاء في السلطة. فقد لجأت بعض الأنظمة إلى دمج الحركات المتمردة في هياكل الحكم كجزء من اتفاقيات السلام، في حين قامت أنظمة أخرى برعاية مليشيات موازية لمعادلة خصومها السياسيين أو لموازنة الانقسامات الإثنية.
هذا الاستخدام الداخلي للمليشيات حوّلها من مجرد فاعلين مسلحين إلى أدوات سياسية داخلية ذات وزن، تُستدعَى في لحظات التفاوض أو الانتخابات، وتُستَغلّ لفرض موازين جديدة على الساحة. وبهذا لم تَعُد المليشيات مجرد عبء أمني، بل أصبحت جزءًا من أدوات إدارة الحكم، تُستخدم لمدّ النفوذ، وإقصاء المنافسين، وإعادة هندسة الخريطة السياسية في الداخل بما يخدم بقاء النظم القائمة، حتى وإن كان الثمن هو إضعاف مؤسسات الدولة على المدى الطويل.
تبدو العلاقة بين السلاح والشرعية في السياق الإفريقي أكثر تعقيدًا مما يظهر للوهلة الأولى؛ إذ بات حمل السلاح بمثابة مدخل شبه إلزامي للانضمام إلى اللعبة السياسية. ففي العديد من الحالات، لم تتمكن الجماعات المسلحة من انتزاع الاعتراف بمطالبها إلا بعد أن أثبتت قوتها على الأرض، وهو ما فتح الباب أمام ظاهرة ازدواجية الصورة؛ فالجماعة نفسها التي توصف بأنها “إرهابية” في الخطاب الدولي تُعامَل كفاعل سياسي مشروع داخل قاعات التفاوض الوطنية. هذا التناقض جعل من المليشيات بدائل واقعية للأحزاب في بعض الدول الهشة؛ حيث يتآكل المجال الحزبي التقليدي لصالح الفاعلين المسلحين. ومع مرور الوقت، رسّخ ذلك ثقافة سياسية مفادها أن البندقية أكثر فاعلية من صناديق الاقتراع في تحقيق المكاسب، وأن الشرعية تُكتسب بميزان القوة لا بآليات الديمقراطية، وهو ما ينعكس سلبًا على مسار بناء المؤسسات الشرعية.
إن النتيجة الطبيعية لهذا التشابك بين التوظيف الخارجي والداخلي تكمن في إعادة تشكيل المجال السياسي الإفريقي على أُسس مشوهة؛ حيث يُعاد توزيع السلطة ليس وفق قواعد مؤسسية مستقرة، وإنما على أساس التوازنات المسلحة. وبدلًا من أن تسهم هذه العمليات في ترسيخ السلم والاستقرار، غالبًا ما تُكرّس هشاشة الدولة وتُدخلها في حلقة مفرغة من العنف السياسي. فكلما تمت مكافأة جماعة مسلحة بمكاسب سياسية، تحوَّلت التجربة إلى نموذج مُغْرٍ لجماعات أخرى كي تسلك الطريق نفسه، ما يجعل دائرة العنف مفتوحة ومتجددة. وبهذا يصبح المجال السياسي في القارة مرتهنًا لتوازنات السلاح، وتبقى الدول عاجزة عن ترسيخ مؤسسات ديمقراطية قادرة على إدارة التعددية بعيدًا عن منطق القوة القسرية، لتغدو سيادة إفريقيا ومستقبلها السياسي على المحك بين مطرقة التدخلات الخارجية وسندان الحسابات الداخلية الضيقة.
وفي هذا السياق، فإن المقالة تطرح تساؤلًا رئيسًا يتمثل في: الكيفية التي تسهم بها القوى الغربية من جهة، والأنظمة المحلية من جهة أخرى، في توظيف الجماعات المسلحة كأدوات لإعادة هندسة المجال السياسي في إفريقيا. فهل يهدف هذا التوظيف إلى تحقيق استقرار سياسي حقيقي يخدم المجتمعات، أم أنه مجرد آلية لإدامة نفوذ خارجي وضمان بقاء داخلي على حساب بناء الدولة؟ وما انعكاسات هذه الممارسات على شرعية السلطة ومستقبل المؤسسات الديمقراطية في القارة؟
المحور الأول:
القوى الغربية كمهندس خفي للمجال السياسي
يُشكّل الحضور الغربي في إفريقيا، خاصةً في منطقة الساحل، أحد أبرز مظاهر التوظيف السياسي للجماعات المسلحة؛ حيث لم يعد خطاب “مكافحة الإرهاب” مجرد غطاء أمني، بل تحوَّل إلى أداة إستراتيجية لإعادة ترتيب السلطة وتثبيت النفوذ. ففرنسا، من خلال عملياتها العسكرية المباشرة، والولايات المتحدة عبر نشاطات القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (AFRICOM)، استخدمتا التدخلات المسلحة كوسيلة لإدارة موازين القوى وإعادة هندسة المجال السياسي. هذا التوجُّه اتخذ أشكالًا متعددة، من دعم الأنظمة القائمة، إلى تدريب وتمويل بعض المليشيات، وصولًا إلى استغلال وفرة الموارد الطبيعية من ذهب ويورانيوم ونفط كعامل أساسي في تحديد خيارات الدعم أو الإقصاء. وهكذا ارتبطت سياسات الغرب في مالي والنيجر وليبيا ليس فقط بضرورات الأمن، وإنما كذلك بتأمين المصالح الجيوسياسية المرتبطة بالطاقة والمعادن النادرة وطرق الملاحة، ما جعل الجماعات المسلحة أداة وظيفية ضمن معادلة النفوذ الدولي، وأدخل القارة في دائرة معقَّدة من التدخلات الخارجية ذات الطابع السياسي والاقتصادي.
أولًا: مكافحة الإرهاب كذريعة للتدخل العسكري
أصبح شعار “مكافحة الإرهاب” الأداة الأكثر شيوعًا لتبرير التدخلات العسكرية الغربية في منطقة الساحل، لكنه غالبًا ما كان يُخفي وراءه أهدافًا أعمق تتعلق بإعادة هندسة المجال السياسي وضبط النفوذ في مناطق إستراتيجية. فرنسا مثلًا وظَّفت هذا الخطاب عبر عملياتها العسكرية في مالي مثل “سرفال” و”برخان”؛ حيث جرى تصوير التدخل باعتباره ضرورة لحماية المدنيين ودعم الاستقرار، بينما في الواقع تحوّل إلى وسيلة لتثبيت نفوذ باريس العسكري والسياسي. هذا الاستخدام الانتقائي لشعار مكافحة الإرهاب أوجد فجوة في ثقة الشعوب؛ إذ شعر كثير من الماليين والبوركينيين أن فرنسا تضع مصالحها في الموارد وتأمين حدود نفوذها فوق أولويات السكان المحليين. ومِن ثَم، فإن الخطاب الأمني لم يَعُد مقنعًا، بل صار مثيرًا للشكوك التي غذَّت بدورها النزعات القومية المعادية للاستعمار، وأدَّت إلى مطالب متزايدة بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي.([1])
مع الوقت، أثبتت التجربة أن التدخلات تحت مظلة “مكافحة الإرهاب” لم تحقق الأهداف الأمنية المعلنة، بل أنتجت نتائج عكسية. فبينما انطلقت العمليات الفرنسية والأمريكية تحت شعار مواجهة التنظيمات المسلحة، ارتفعت معدلات الإرهاب أضعافًا مضاعفة منذ 2019م، حتى أصبحت منطقة الساحل مسؤولة عن أكثر من نصف الوفيات المرتبطة بالإرهاب عالميًّا. هذا التناقض بين الخطاب والواقع أضعف شرعية التدخلات الخارجية، ورسَّخ قناعة لدى المجتمعات المحلية بأن القوى الغربية لا تمتلك حلولًا مستدامة للأزمات. كما غذَّى الاعتقاد بأن التدخلات كانت مصمَّمة لإبقاء الدول في حالة اعتماد على الدعم الخارجي، بدل تمكينها من بناء قدراتها الذاتية. والنتيجة أن شعار مكافحة الإرهاب فقَد جزءًا كبيرًا من مصداقيته، وأصبح يُنظَر إليه كغطاء لسياسات القوة أكثر منه إستراتيجية حقيقية لحماية المدنيين.([2])
إضافةً إلى ذلك، ساعد شعار مكافحة الإرهاب القوى الغربية على إعادة تموضعها في قلب السياسة الداخلية لدول الساحل. من خلال التعاون الأمني المباشر مع الجيوش، استطاعت فرنسا والولايات المتحدة التأثير على موازين القوى داخل هذه الدول، وتحديد مَن يملك الشرعية ومَن يُقصَى من المشهد.
هذا التدخل خلق أنماطًا من الاعتماد على الدعم الخارجي، وجعل الأنظمة الحاكمة أكثر هشاشة أمام تقلبات العلاقات الدولية. كما عزَّز الانقسامات الداخلية؛ حيث أُقصيت بعض الجماعات أو صُنِّفت كإرهابية، بينما مُنِحَت أخرى فرصًا للبقاء والتفاوض. في المحصّلة، لم يكن الشعار مجرد مبرر عسكري، بل أداة سياسية لإعادة تشكيل الحقول السياسية بما يضمن استمرار نفوذ القوى الخارجية، حتى لو أدى ذلك إلى تفكيك التماسك الداخلي وزيادة هشاشة الدولة الوطنية.([3])
وعليه، فإن ربط التدخلات بمكافحة الإرهاب منح القوى الغربية غطاءً قانونيًّا وأخلاقيًّا أمام المجتمع الدولي، لكنه أثار إشكاليات سيادية كبرى في القارة. فبينما جرى تقديم العمليات على أنها التزام بالمعايير الدولية لحماية الأمن والسلم، تعاملت المجتمعات المحلية معها كامتداد لسياسات استعمارية جديدة. هذا التصور زاد من حدة الخطاب المناهض للاستعمار، وفتح الباب أمام قوى منافسة مثل روسيا والصين لتطرح نفسها كبدائل “أكثر احترامًا” للسيادة الوطنية. بذلك تحوّل شعار مكافحة الإرهاب إلى نقطة ارتكاز في لعبة جيوسياسية أوسع؛ حيث باتت إفريقيا مسرحًا لتنافس القوى الكبرى، ليس فقط على مواردها بل أيضًا على تشكيل سردياتها السياسية. وفي ظل هذه المعادلة، تظل مكافحة الإرهاب وسيلة لتبرير إعادة توزيع النفوذ أكثر من كونها مشروعًا حقيقيًّا لبناء الاستقرار.
ثانيًا: فرنسا وأمريكا وإدارة المليشيات
يكشف الوجود الأمريكي والفرنسي في القارة الإفريقية تاريخًا طويلًا من توظيف البنى الأمنية المحلية وإعادة تشكيلها تحت لافتة مكافحة الإرهاب، لكنّ جوهر الممارسة تجاوز مطاردة التنظيمات إلى إدارة ميدان سياسي عبر وكلاء مسلحين. في الساحل تحديدًا، تحوّلت برامج التدريب والتسليح والدعم اللوجستي إلى منظومة تُفرز جماعات مفضَّلة وأخرى مُهمَّشة، بما يخلق تراتبية بين المليشيات وقوى الجيش. يتجلى ذلك في عمليات مشتركة، واستخبارات ميدانية، وإنقاذ رهائن رسَّخ سردية “التحالفات المنقذة”، لكنّه في الواقع أنشأ اعتمادًا بنيويًّا على الخبرات والتقنيات الغربية. هكذا يتقدَّم منطق الوكالة: تسليح وانتداب وتنسيق عملياتي يهدف إلى ضبط العنف لا القضاء عليه؛ بحيث تبقى البوابات السياسية مفتوحة لمن يثبت جدارة أمنية، لا لمن يمتلك تمثيلًا اجتماعيًّا أو شرعية مؤسسية، ومع اتساع رقعة العنف وتراجع الجدوى، انتقل الدور الفرنسي-الأمريكي من “قتال مباشر” إلى نمط أكثر خفاءً يقوم على هندسة الحقول المسلحة: انتقاء شركاء محلّيين، دمج فصائل في مهام حراسة وتأمين، وتكليف أخرى بعمليات نوعية في الأطراف. عمليات برخان ونشاط AFRICOM وفَّرت بنية تحتية للضربات الدقيقة، لكن المقابل كان تسييل القوة لصالح فاعلين محليين يزداد نفوذهم السياسي مع كل مهمة ناجحة. حين تُكافَأ المليشيات بالعتاد والتدريب والغطاء، تتحول إلى “جهات مُفوَّضة” بحكم الأمر الواقع، تتفاوض مع الدولة من موقع قوة. هنا تتبدّل قواعد اللعبة: الشرعية تُنتَج بميزان القوة الميدانية، فيما تُؤجَّل أسئلة الإصلاح والحوكمة إلى أجل غير مسمّى.([4])
هذا المنطق ولّد دينامية ارتدادية: توسّع الاعتماد على الوكلاء قاد إلى تآكل احتكار الدولة للعنف المشروع، ومعه تآكل القدرة على فرض تسلسل قيادي موحّد. حين انسحبت باريس تدريجيًّا وتراجعت واشنطن عن حضورها المكشوف، ترك الفراغ شبكات محلية مُسلّحة مُدَرَّبة على العمل شبه-المستقل، ما سهّل إعادة تموضعها وفق مصالحها لا وفق عقود الدولة. في المقابل، استثمرت موسكو وبكين هذا الإرهاق الغربي بالدفع بعروض بديلة: مقاولون عسكريون روس، وحزم معدات وتدريب، وإسناد معلوماتي وإعلامي. لكن نقطة الانعطاف بدأت قبل ذلك: لحظة صار التعاقد الأمني هو اللغة المشتركة، وتحوّل فيها التدريب والتسليح إلى عملة سياسية تُشترى بها الولاءات وتُعاد بها هندسة التحالفات داخل الجيوش وحولها.([5])
الدعاية حول قيمة التحالف، لعبت دور المخدِّر الأخلاقي والسياسي. إنقاذ رهائن أو إسناد قوة محاصرة يوفر لحظات مجد رمزية تُبرّر استمرار النمط نفسه: دعم انتقائي، عمليات خاصة، وترتيب مسارح العمليات بما يبقي خطوط الإمداد والموارد تحت عين الحلفاء. لكن في المدى المتوسط، تكوّنت طبقة وسطى مسلحة تدين بقوتها لبرامج الشركاء الخارجيين أكثر مما تدين لعقد اجتماعي وطني، فصارت تُفاوض من خارج المؤسسات، وتُعيد توزيع الريع والأمن وفق خرائط نفوذها. هنا يظهر وجه إدارة المليشيات: ليس فقط اختيار وكلاء، بل صناعة بيئة حوافز تجعل حمل السلاح أكثر جدوى سياسية من بناء الأحزاب، وتجعل التسوية مرهونة بميزان القوة لا بميزان القانون.([6])
حين تصاعد السخط الشعبي وارتفعت كلفة الوجود المباشر، بدا الحل في تقليص البصمة الدائمة والتحول إلى تعاون مرن: أكاديميات مشتركة، قيادات إقليمية خفيفة، وانتشار متقطّع سريع الاستجابة. غير أن البنية التي أُنشئت على امتداد عقد كانت قد أنتجت مؤسسات ظلّ مسلحة يصعب تفكيكها. فحتى مع إغلاق قواعد أو إعادة تموضع، تستمر شبكات النفوذ عبر برامج التدريب، والمعدّات، والعقود، والتنسيق الاستخباري. النتيجة منظومة هجينة: دولة بنصف احتكار للعنف، ومليشيات بنصف اعتراف سياسي، وحلفاء خارجيون بنصف خروج. في هذه الهجينة، تُدار السياسة بوسائط أمنية، ويُقاس الاستقرار بقدرة الوسطاء على “ترويض” العنف لا على تحويله إلى نظام قانوني راسخ.([7])
ثالثًا: الموارد الإستراتيجية كعامل توجيه سياسي
تتحرك خرائط النفوذ في إفريقيا على بوصلة الموارد الإستراتيجية أكثر مما تتحرك على بوصلة “مكافحة الإرهاب”. اليورانيوم في النيجر، والذهب في الساحل، والنفط والغاز على الساحل الأطلسي وخليج غينيا، وكوبالت الكونغو وليثيوم الجنوب والقرن الإفريقي؛ كلها تتحول إلى مفاتيح تفاوض تُحدِّد مَن يحصل على السلاح، ومَن يُدعَم سياسيًّا، ومَن يُقصَى. حين تتدهور شرعية الوجود العسكري المباشر، يُعاد تغليف المصالح بخطاب الاستقرار ومكافحة التهريب، لكنّ جوهر اللعبة يبقى أمن الإمدادات وسلاسل القيمة. هنا يصبح تصنيف جماعة مسلحة كـ”تهديد” أو “شريك محلي” قرارًا اقتصاديًّا مُقنَّعًا: يُؤمِّن المناجم، ويحمي خطوط النقل، ويمنح الشركات “نافذة” تفضيلية على عقود التعدين والبنية التحتية المرتبطة به.([8])
من النيجر تحديدًا يتضح كيف يعمل هذا المنطق. بلد فقير ماليًّا، غنيّ باليورانيوم الحاسم لمعادلة الطاقة الأوروبية، شهد تداخلاً بين الانسحاب الفرنسي، ومحاولات أمريكية لإبقاء بصمة استخبارية، وتقدم روسي عبر متعاقدين ومعدات؛ وكل طرف يقرأ الأمن بمعنى “حراسة المنجم” بقدر ما يعني “حراسة الحدود”. إلغاء امتيازات لشركات غربية وفتح الباب أمام مستثمرين جدد لا يُغيِّر فقط أسماء اللاعبين، بل يُعيد تصميم منظومة الحوافز: مَن يُدرِّب الكتائب المحيطة بالحقول، ومَن يُمسك بالمجال الجوي للطائرات المسيّرة، ومن يملك سلطة الفصل في نزاعات المجتمعات المحلية حول الأرض والتعويض؛ أيّ من يفاوض باسم “الدولة” فعلاً.
وكلما اشتدت المنافسة على معادن التحول الطاقي -الكوبالت والنيكل والمنغنيز والليثيوم-، تعاظمت قيمة “الهندسة الأمنية” حول المناجم والممرات. في الكونغو والبلدان المتاخمة، يتجاور اقتصاد رسمي مع اقتصاد مسلح يحرسه أمر واقع محلي: زعامات تقليدية، ووسطاء، ووحدات نظامية وشبه نظامية. القوى الخارجية لا تدخل بخُوَذٍ فقط، بل بعقود شراء مسبقة وتمويل بنى لوجستية وموانئ جافة وطرق؛ بمعنى أنها تربط الخام بسلاسل توريدها قبل أن يَبْرُد من الحفر. هذه الشبكات تجعل القرار السيادي حول مَن يستخرج وبأيّ شروط امتدادًا لاتفاقات تمويل وتأمين، فتتحدد الخرائط الانتخابية وفق مسارات الشاحنات لا وفق خرائط الأحزاب.([9])
في الخلفية، يبدّل النفط والغاز أدوارهما بدلاً من أن يتراجعا. أمن خطوط الغاز العابر للصحراء، واستثمارات الغاز المسال على الأطلسي، والنفط في خليج غينيا؛ كلها تمنح عواصم إقليمية أوراق ضغط على أوروبا وآسيا في فصول الطوارئ الطاقية. وبالاقتران مع ممرات لوجستية ناشئة -موانئ، سكك، مناطق حرة- تُعاد صياغة التحالفات الأمنية كحزم شاملة: تدريب وتسليح، مقابل امتيازات ومرور آمِن وربط كهربائي. هنا يتصل المورد بالبنية والسياسة: كلّ عقد تعدين يعني ترتيبات أمنية محلية، وكل طريق جديدة تعني “تقنين” نفوذ فاعلين مسلحين. النتيجة مجال سياسي يُعاد تشكيله حول الموارد لا حول البرامج، تُقاس فيه الشرعية بقدرة الفاعل على إبقاء الخام متدفقًا بلا انقطاع.([10])
رابعًا: القيادة الأمريكية في إفريقيا AFRICOM والبعد الجيوسياسي والأمني
نشأة أفريكوم عام 2007– 2008م لم تكن مجرد إعادة ترسيم للخرائط البيروقراطية، بل استجابة لرؤية تعتبر إفريقيا ساحة تتقاطع فيها مكافحة الإرهاب، أمن الطاقة، والتنافس مع قوى صاعدة. صُمِّمت القيادة كـ”قيادة قتالية زائد” تجمع الصلب والناعم: عمليات ردع وإسناد أمني، ومعها مكوّن مدني وتنسيق عابر للوكالات. عمليًّا، رسّخت نقاط ارتكاز استخبارية ولوجستية حول ممرات إستراتيجية، من القرن الإفريقي وقاعدة ليمونييه إلى عقد الطائرات المسيّرة والمرافئ الجوية غربًا. جوهر المقاربة كان استباق “النقاط الساخنة” ودعم الجيوش الإفريقية بالتدريب والتجهيز، مع إبقاء خيارات التدخل المحدود متاحة. لكن هذه الهندسة الأمنية تُختبر دائمًا بسؤال الشرعية: أين تنتهي “التمكين” ويبدأ الإملاء؟ وكيف تُوازن واشنطن بين أهدافها ومقتضيات السيادة المحلية والتعقيدات الإثنية والسياسية؟([11])
مع تمدد التهديدات العنيفة وتحوّل الساحل إلى بؤرة وفيات الإرهاب، تكيَّفت أولويات أفريكوم: مكافحة شبكات عابرة للحدود، حماية الممرات البحرية (باب المندب، قناة السويس، مضيق جبل طارق)، وضبط مسارح الهجرة غير النظامية والتهريب. تَرافَق ذلك مع “توزيع عبء” أوضح: شراكات الحرس الوطني الأمريكي State Partnership، ومناورات مثل فلينتلوك والأسد الإفريقي، وبرامج IMET وACOTA لبناء القدرات. تُكمّل هذه الأدوات سياسات استشعار وإنذار مبكّر، وطيفًا واسعًا من المهام من الإخلاء الإنساني إلى الإسناد الجوي. غير أن فعالية هذا المزيج تصطدم ببيئات مؤسساتية هشة؛ إذ يمكن لنجاح تكتيكي ضد خلية إرهابية أن يتبخر إذا لم يُرفق بإصلاحات حوكمة ومسارات دمج محلية تُغلق منافذ التجنيد.([12])
تبدّل ميزان القوى العالمي أدخل البعد التنافسي مع الصين وروسيا إلى صميم حسابات أفريكوم. الانسحاب الفرنسي من الساحل، وصعود “أفريكا كوربس” الروسية، وعقود المعادن والطاقة والبنية التحتية الممولة آسيويًّا، كلها دفعت القيادة الأمريكية للتركيز على الردع غير المباشر: حماية الخنادق الحرجة في سلاسل الإمداد، ونَسْج شبكات مراقبة وتبادل معلومات، وتثبيت استخدامات مزدوجة للموانئ والمطارات دون كلفة احتلال دائم. لكنّ هذا “الأثر الخفيف” يُواجه معضلتين: تصورات محلية عن “تطييف” الأمن لصالح موارد وإستراتيجيات غير إفريقية، وتذبذب ثقة الشركاء حين تتغير قواعد اللعبة بعد انقلابات أو تبدلات سياسية. هنا تصبح الرواية والشرعية جزءًا من المعركة بقدر ما هي الذخائر والمستشعرات.([13])
المحور الثاني:
الأنظمة المحلية وإستراتيجية المليشيات المسلحة في القارة
تشتغل الأنظمة المحلية في بيئات صراع إفريقيا بمنطق إدارة المخاطر لا بناء المؤسسات؛ حيث تتعامل مع الفاعلين المسلحين كأصول سياسية قابلة للتسييل عند الحاجة. يُفضَّل هذا المنطق لأن كلفة الاستيعاب أقل من كلفة الإقصاء، ولأنه يمنح السلطة هامش مناورة بين القمع والتسوية. هكذا تظهر “هشاشة مُدارة”: احتكار عنيفٍ متفاوض عليه بدل احتكارٍ قانوني. في هذا السياق يُعاد تعريف الجماعات المسلحة من تهديد أمني إلى مورد سياسي: تُوزَّع المناصب، وتُفتح قنوات تمويل، وتُمنح تراخيص اقتصادية وأمنية مقابل ضبط محلي للفضاء العام.
هذا التحويل يخلق ولاءات شبكية خارج البيروقراطية الرسمية، فيصبح “الأمن” خدمة تفاوضية تُقدَّم عبر السلاح لا عبر القانون، ويتحوّل مركز الثقل من الوزارات إلى غرف التفاهمات غير المعلنة التي تُمسك بتوازنات القوة في الأطراف والعاصمة معًا. كما أن دمج الحركات المسلحة في السلطة عبر اتفاقات السلام يُقدَّم عادةً كخطوة نحو الاستقرار، لكنه غالبًا ما ينشئ نظام تقاسم غنائم أكثر منه ترتيبات أمنية مستدامة. في جنوب السودان مثلًا أدّت صِيَغ القسمة إلى تضخيم قطاعي الجيش والشرطة بترتيبات “دمج” شكلية حافظت على سلاسل قيادة موازية، ما أبقى قابلية الارتكاس للعنف عالية. في السودان أنتجت اتفاقات جزئية محاصصة وزارية وحكومية دون معالجة بنية الاقتصاد السياسي للعنف أو إصلاح قطاع الأمن بعمق. حين تُقاس النجاحات بعدد الوزراء والسفراء لا بوحدة القيادة والسيطرة، نُعيد تدوير الأزمة: تُجدَّد الحركات قدراتها التفاوضية بالسلاح، وتتعامل الدولة مع الدمج كشراء وقت لا كبناء عقد اجتماعي جديد، فتظل “السلاميات” محطات انتظار لجولة صراع لاحقة.([14])
المعادلة الحقيقية في الدمج هي هيكل الحوافز. عندما تُمنح مكاسب سياسية ومادية مقابل السلاح، تتكوَّن “علاوة عنف” تدفع أطرافًا جديدة لرفع السقف الميداني كي تحجز مقعدًا على الطاولة. هذا المنطق يُنتج دورة: تمرُّد محدود → تفاوض سريع → مواقع سلطوية وتمويل → انشقاقات داخلية لإعادة التفاوض. كما يتشكل سوق للولاءات؛ حيث تصبح الرتب الأمنية والمخصصات والامتيازات الجغرافية أدوات مساومة، وتتحول الوزارة إلى صندوق موارد توزَّع لإبقاء الهدوء لا لتقديم خدمة عامة. ما لم تُربط مكاسب الدمج بمؤشرات أداء أمنية ومدنية قابلة للقياس -نزع سلاح فعلي، سلسلة قيادة موحَّدة، ومساءلة قانونية-؛ يبقى الدمج قشرة سياسية تُخفي استدامة الاقتصاد المسلح وقدرته على إعادة إنتاج نفسه عند كل أزمة حكم أو موسم انتخابي.
رعاية الدولة لمليشيات موالية تُستخدم كـ”مُوازِن منخفض الكلفة” تجاه المعارضة أو المجموعات الإثنية؛ فهي تمنح السلطة قدرة ضربٍ مَرِنة بإنكار معقول، وتوفِّر انتشارًا محليًّا لا تستطيع القوات النظامية الحفاظ عليه. لكن هذه الأداة تُضعِف المركز على المدى البعيد: تتكوَّن سياداتٌ مجهرية تتشارك الجباية والحماية، وتتراكم انتهاكات حقوقية تُخصَم من أرصدة الشرعية. تتبدل وظيفة المليشيا من مُكمِّل أمني إلى وكيل سياسي يتحكم في الممرات الاقتصادية وأسواق الوقود والسلع المدعومة. ومع كل توسع لاقتصاد الظل، تزداد صعوبة تفكيك الشبكات؛ لأن كلفة نزع الامتيازات أعلى من كلفة استمرارها. النتيجة هي دولة بطبقتين: مؤسسات رسمية واجهة، وآلة أمنية زبائنية تُدير الحياة اليومية في الأطراف وتساوم العاصمة على قواعد اللعبة.([15])
في المواسم الانتخابية، تتحول الجماعات المسلحة إلى آلات تعبئة ومراقبة اجتماعية: تؤمِّن الحملات في مناطق النفوذ، وتنظِّم الحشود، وتردع الخصوم عبر التهديد الضمني. تُصبح أصوات الدوائر الريفية رهينة تفاهمات أمنية -طرق مفتوحة يوم الاقتراع، ضمانات عدم انتقام لاحق-، ما يُحوِّل التصويت إلى تبادل أمان لا اختيار برنامج. كما تُستخدم المليشيات كورقة تفاوض داخلي في تشكيل الحكومات: كتلة مقاعد مقابل “ضبط” الأمن المحلي. بهذه الطريقة تُختَزل السياسة إلى إدارة خطوط تماس لا إدارة سياسات عامة، ويُفرَّغ البرلمان من دوره الرقابي لصالح مجالس تنسيق أمنية غير رسمية تتقاسم السيطرة على البلديات والموارد، فتتكلس الجغرافيا الانتخابية وفق خرائط القوة المسلحة لا وفق تحولات الرأي العام.
هذا الترتيب يعمّق “سوقًا سياسيًّا” تُسعَّر فيه الولاءات نقدًا وسلاحًا ومناصب؛ حيث تُموَّل الشبكات عبر ريوع -عوائد- الذهب والتهريب والمنافذ الجمركية غير الرسمية وعقود الحراسة للمشروعات. يتقاطع المحلي مع الإقليمي: داعمون خارجيون يضخّون موارد مقابل نفوذ، وحدود رخوة تُغذّي التهريب العابر للدول. تتكيَّف السلطات مع السوق: تُقنّن بعض الشبكات بمنح رخص شركات أمنية محلية، وتستوعب أخرى بوظائف شبه رسمية، وتُقصي ثالثة من خلال تجفيف التمويل. لكن ما دامت أدوات الضبط مالية وأمنية بلا إصلاح إداري وقضائي، يبقى الاستقرار رهينة تدفّق الأموال أكثر من كونه ناتجًا مؤسسيًّا؛ إذ يمكن لأيّ صدمة أسعار سلع أو خلاف رعاة خارجيين أن يفكك التفاهمات الهشَّة بين عشية وضحاها.([16])
الخروج من هذه الحلقة يتطلب قلب المعادلة: ربط الدمج بسلسلة قيادة موحَّدة تحت رقابة مدنية، وتفكيك اقتصاد الحرب بتسويات مالية شفافة تُعوِّض القواعد الاجتماعية لا الوسطاء المسلحين، وتوجيه أمن الأطراف إلى شرطة مجتمعية مهنية بميزانيات معلنة، وإغلاق قنوات “الإنكار المعقول” عبر تجريم الرعاية الميليشياوية داخل أجهزة الدولة.
انتخابيًّا، يلزم تحييد مناطق النفوذ بالسجل المدني الرقمي، ومراقبة مستقلة لحركة الصناديق وحيّز إعلامي يَحُدّ من ابتزاز الأمان. دون ذلك ستظل اتفاقات السلام محطات مؤقتة، ورعاية المليشيات سياسة تأجيل وليس حلًّا، وستبقى الجماعات المسلحة اللاعب الأكثر قدرة على فرض الإيقاع؛ بين عجز مؤسساتي في المركز ومساومات لا تنتهي في الأطراف.
المحور الثالث:
الجماعات المسلحة بين السلاح والشرعية
تتشكل شرعيةُ أمرِ الواقع في فضاءات الساحل وحواضره الهشَّة عبر مفارقة بسيطة وقاسية؛ فمن يملك السلاح يقترب من الطاولة. انهيار قدرة الدولة على الاحتكار المنظّم للقوة، وتصدّع الوساطة الحزبية والنقابية، جعلا “حمل السلاح” أقصر طريق للاعتراف السياسي.
التنظيمات تتعامل مع العجز البنيوي للدول كمجال مفتوح للمساومة: تُحسِّن موقفها التفاوضي بقدر ما تُظهر قدرة على السيطرة الميدانية، حماية طرق، أو منع خصوم. هكذا يتحول العمل المسلح إلى رأس مال سياسي يُبادل بتنازلات في الإدارة المحلية، أو بمقاعد في الحكومات الانتقالية، أو بإيقاف الملاحقات. وحين تتراكم مكاسب “السلاح مقابل الاعتراف”، يرسّخ نمطٌ يعيد إنتاج نفسه: كل جولة عنف ترفع كلفة الإقصاء وتغري لاعبين جدد بتكرار الوصفة.
هذا المنطق يضغط أيضًا على الأنظمة نفسها. ففي لحظات التهديد، تميل الحكومات والجيوش الانتقالية إلى عقد صفقات نفعية مع حاملي السلاح: وقف هجمات مقابل امتيازات، أو دمج جزئي في الأجهزة، أو التساهل مع “مناطق نفوذ” بحكم الأمر الواقع. بمرور الوقت، تتحول تلك الترتيبات إلى هندسة سياسية غير معلنة، تُقايِض الولاء بالأمن. في السودان وجنوب السودان كانت صِيَغ الدمج جزءًا من اتفاقات السلام، وفي الساحل ظهر مثيلها بصيغ “قوات مساندة” وميليشيات متطوعين. النتيجة أن معيار الأهلية للتمثيل لا يعود برنامجًا أو قاعدة اجتماعية، بل كتلة نيران يمكن الاستفادة منها أو تحييدها. بهذه الطريقة، تُعاد صياغة قواعد اللعبة لصالح من يثبت قدرة على الإيذاء لا على الإقناع.([17])
حين تضعف الأحزاب، تملأ الميليشيات فراغ التمثيل في الأطراف: تفرض جبايات “حماية”، تفصل في النزاعات، وتُنظم المرور والتهريب، فتبدو –لجمهورها– أكثر كفاءة من مؤسسات الدولة. ومع اشتداد الصراع، تُستدعى مجموعات “الدفاع الذاتي” وتُسلَّح جماعيًّا، فتتشكل بنية سياسية ظلّية لها خطاب وهوية، لكنها بلا محاسبة أو برنامج اقتصادي. بعض السلطات الانتقالية وظّفت ذلك: تجنيد المعارضين قسرًا ضمن تشكيلات المتطوعين يدمج الخصوم في ماكينة القوة، ويحوّل السياسة إلى امتداد للاحتشاد المسلّح. هنا تصبح الميليشيا حزبًا بحمولات إثنية ومحلية، وتغدو الانتخابات -إن عُقدت– استفتاءً على توزّع القوة أكثر منها منافسة برامج.
المعادلة تتغذى من اقتصاد السلاح نفسه. دراسات التتبع تُظهر أن جزءًا معتبرًا من ترسانات الجماعات يأتي من مخازن الجيوش بعد هجمات على المواقع الأمامية، أو من إعادة تدوير أسلحة قديمة داخل السوق الرمادية. لذلك يغدو “الاستيلاء” إستراتيجية إمداد لا مجرد نصر رمزي: كل كمين ناجح يضيف ذخيرة وسمعة، ويُضعف قدرة الدولة على الردع لاحقًا. وما دامت إدارة مخزونات السلاح والذخيرة ضعيفة، ومعايير الوسم والتتبع والحوكمة رخوة، ستظل الدورة تدور: ضربات ضد المواقع، تحويل الغنائم إلى رأس مال سياسي، ثم تفاوض على شرعنة السيطرة باسم “الاستقرار”. بهذا المعنى، مسار التسليح ليس خلفية تقنية للنزاع، بل أصبح محركًا سياسيًّا يُعيد تعريف مَن يُسْمع صوته.([18])
ازدواجية الصورة تتكثف عند نقطة التماس بين الخطاب الدولي والحاجات المحلية. تنظيم يُصنّف “إرهابيًّا” خارجيًّا قد يُرى داخليًّا كفاعل يوفّر أمنًا نسبيًّا، أو يفتح قنوات تفاوض توقف القتل وتعيد فتح الأسواق. في المقابل، سلطات انتقالية تعادي قوى خارجية وتعدّل تحالفاتها تُحشد خلفها جماهير بوصف “استعادة السيادة”، فتكتسب شرعية تعبئة لا شرعية مؤسسية.
هذا الاستثمار في الغضب الشعبي على إخفاقات التدخلات الخارجية والخيارات الأمنية الفاشلة خلق ظهيرًا اجتماعيًّا لأنماط الحكم الجديدة في الساحل، ورسّخ قابلية تحويل القوة الخشنة إلى رصيد سياسي سريع.
وحين تعترف الدولة بالجماعات كـ”شركاء أمن”، تنفتح بوابة التحوّل من بندقية إلى منصة. يتقدم قادة ميدانيون إلى واجهة المشهد تحت مسميات لجان تنسيق أو مجالس حكم محلي، وتُعاد تسمية مناطق السيطرة إلى “دوائر تأمين”. هذا الانتقال لا يُنتج سياسة تمثيلية بل “كارتل أمن” يفاوض من موقع احتكار الإكراه، ويُشرعن جباياته كرسوم، ويؤطر مقاتليه كـ”قوات نظامية”. الأخطر هو أثر العدوى: فاعلون آخرون يستنتجون أن طريق الاعتراف يمر عبر التسليح لا التنظيم المدني، فتضعف الحوافز للاستثمار في الأحزاب والنقابات والإعلام الحر. يتحول المجال العام إلى مضمار لسباق التسلح بدل التنافس السلمي، وتصبح الانتخابات قوسًا تكتيكيًا فوق صراع مسلح لم يُحسم.([19])
إحدى مفارقات “السلاح بوصفه مدخلًا للسياسة” أنها تُنتج أمنًا موضعيًّا وقابلية مزمنة للانفجار. قد تنخفض الهجمات في قطاع بعد اتفاق ضمني مع جماعة نافذة، لكن يتسع العنف في محيطه؛ حيث تتنافس مجموعات صغيرة على تقليد النموذج. موجات الانشقاق تُعيد تدوير القادة والمقاتلين بين الرايات، فيبقى الاستقرار مرهونًا باستمرار دفع الإتاوات والصفقات. ومع كل دورة، تتآكل شرعية الدولة والأحزاب أكثر؛ لأن قدرتها على ضبط السلاح صارت مشروطة برضا حامليه. في تلك البيئة، أي خطاب دولي يختزل الفاعلين في ثنائية “إرهابي/شرعي” يفشل في قراءة اقتصاد النفوذ المحلي، ويخسر القدرة على تصميم مسارات إدماج تُبدّل السلوك بدل أن تكافئ العنف.([20])
كسر الحلقة يتطلب تبديل الحوافز لا تبديل الشعارات. سياسيًّا، يجب فك الارتباط بين التمثيل وحيازة القوة بالإكراه عبر مسارات مشاركة مشروطة بسقوف زمنية لنزع السلاح، ومراقبة مستقلة، وعقوبات ذكية تستهدف شبكات التمويل لا المجتمعات. مؤسسيًّا، يلزم تحصين مخازن الجيوش، وتوحيد نظم الوسم والتتبع، وإخضاع تشكيلات “الدفاع الأهلي” لمعايير انضباط ومساءلة لا تقل عن القوات النظامية، مع حظر التجنيد القسري ووقف التسييس. مجتمعيًّا، إعادة بناء وسطاء مدنيين وأحزاب محلية قادرة على تقديم خدمات وخطاب جامع يقلص الطلب على “حماية الميليشيا”. وخارجيًّا، مقاربة أمنية لا تختزل المشهد في الحرب على الإرهاب، بل تضبط السلاح وتفتح، بالتوازي، قنوات سياسية تجعل ترك البندقية أكثر نفعًا من حملها.([21])
المحور الرابع:
إعادة تشكيل المجال السياسي الإفريقي
تبدّلت قواعد اللعبة السياسية في إفريقيا حين صار معيار الحضور هو القدرة على إنتاج الأمن القسري لا الشرعية المؤسسية. مع اهتراء احتكار الدولة للعنف، أعادت الأطراف المسلحة توزيع السلطة حول نقاط السيطرة والجباية وحماية الموارد، فغدت القدرة على إغلاق طريق أو فتح منجم عملية تفاوضية أثمن من أي برنامج انتخابي. تُعزِّز هذه المعادلة جهات خارجية عبر شراكات مكافحة الإرهاب؛ إذ تمنح اعترافًا وظيفيًّا لمن يبرع في “حفظ النظام” محليًّا، ولو خارج القانون.
الانتخابات تستمر شكلاً، لكنها تتحول إلى آلية تصديق متأخر على موازين سبق أن حُسمت بالسلاح. بذلك يتراجع وزن الأحزاب والنقابات والإدارات لصالح “كارتلات أمن” تتقاسم النفوذ الإقليمي والبلدي، وتُعاد صياغة الحقل السياسي حول القدرة على الردع لا القدرة على التمثيل، ومع كل جولة عنف تتسع الفجوة بين شرعية الصندوق وشرعية البندقية.
هذا التحول يكرّس هشاشة الدولة ويُعقِّد بناء مؤسسات مستقرة. فشبكات القوة المسلحة تنتج سلاسل قيادة موازية تُفرّغ الوزارات من وظيفتها، وتحوّل الميزانيات إلى عوائد -ريوع- تُدار لتسكين الجبهات لا لتقديم خدمات.
يترسخ الاستثناء القانوني: قرارات الأمن تُصنَع خارج الأطر، والقضاء يتراجع أمام وساطات القوة، والبيروقراطية تنزاح لصالح غرف تنسيق غير رسمية. تتسارع خصخصة الأمن والجباية، وتتآكل القدرة الضريبية، وتتقلص قدرة الحكومات على التخطيط بعيد المدى بفعل هشاشة الترتيبات وابتزاز المناطق. كما تعيد المساعدات الأمنية الخارجية -حين لا تُربط بإصلاح الحوكمة-، إنتاج الاعتماد على وكلاء محليين مسلحين، فتتقدم إدارة المخاطر على بناء المؤسسات. في هذه الأحوال الهجينة، يصبح الاستقرار مؤقتًا ومناطقيًّا، رهينًا بصفقات تهدئة قابلة للانهيار عند أول صدمة أسعار أو تنافس رعاة خارجيين، فيما تتراجع ثقة الجمهور بالمسارات الديمقراطية.
وبفعل الحوافز، تتولد حلقة مفرغة تدفع كل جماعة إلى طلب السلاح كي تُحسب سياسيًّا. مكافأة حمل السلاح بمقاعد وموارد تخلق “علاوة عنف” تُغري بالتقليد والانشطار: فصائل تتشظى لإعادة التفاوض، ومجموعات دفاع محلي تُرقّى إلى قوى أمر واقع، وأسواق سلاح وتمويل غير مشروع تُغذّي الدورة.
تتكاثر هجمات الاستحواذ على مخازن الدولة، فيتحول الاستيلاء إلى خط إمداد إستراتيجي يرفع مكانة المنفّذين على طاولة الترتيبات. ومع كل موسم انتخابي تُستخدم القدرة على التعطيل كورقة لانتزاع حصص، فتنزاح السياسة من منافسة برامج إلى إدارة تعطيل. هذا “توازن تسلّح” يُقلِّص جدوى الاستثمار في الأحزاب والنقابات والإعلام المحلي، ويضاعف كلفة الدخول للمجال العام بوسائل سلمية، فتُقاس الشرعية بامتلاك القسر لا بقبول القواعد.
تفكيك الحلقة يستلزم إعادة تصميم الحوافز والحوكمة معًا. داخليًّا، ينبغي ربط أي تمثيل سياسي بنزع سلاح قابل للتحقق، وتوحيد سلسلة القيادة تحت إشراف مدني، وتحويل تشكيلات “الدفاع الأهلي” إلى شرطة مجتمعية مهنية خاضعة للمساءلة. ماليًّا، تُفكك اقتصاديات الحرب بتسويات شفافة تُعوِّض القواعد الاجتماعية لا الوسطاء المسلحين، مع رقمنة الجباية والإنفاق لخفض ريع العنف. أمنيًّا، تُحصّن مخازن السلاح وتُوحِّد معايير الوسم والتتبع، وتُغلق قنوات الإنكار عبر تجريم رعاية الميليشيات داخل الدولة.
إقليميًّا وخارجيًّا، تُربط المساعدات الأمنية بإصلاحات حكم محلية ومؤشرات خدمات، وتُقدَّم حزم بديلة للأمن القسري: عدالة محلية، بنى تحتية، أسواق، ومسارات إدماج شبابية. الهدف تحويل ميزان الجدوى: أن تصبح كلفة السلاح أعلى من مكاسبه، وأن تستعيد المؤسسات قدرة تمثيل تتفوق على “شرعية القوة”.
دلالات توسع المليشيات على المشهد السياسي الإفريقي:
يتّسع نفوذ المليشيات حين تتراجع قدرة الدولة على احتكار العنف، فتتحول القوة المسلحة إلى عملة سياسية تفاوضية تعيد توزيع السلطة حول نقاط السيطرة والجباية بدلاً من البرامج والانتخابات؛ حيث تكشف قضية اعتقال جيمس بيرونغي ومساعدَيه عن انتقال الخطاب الأمني في أوغندا من “مكافحة الإرهاب” إلى أداة لإعادة توزيع النفوذ داخل المؤسسة الحاكمة. اتهامات تلفيق تهديدات باسم ADF، ثم تكليف موهوزي كينيروغابا بالتحقيق، توحي بإعادة ضبط لسلسلة القيادة تُمهِّد لتكريس نفوذ جناح الخلافة حول نجل الرئيس.
هذه الهزة تضرب ثلاث ركائز: مصداقية الاستخبارات (مع واقعة إعلان مقتل نكالوبو ثم ظهوره لاحقًا)، شرعية “الحرب على الإرهاب” داخليًّا وخارجيًّا، وتماسك العمليات العابرة للحدود في الكونغو. إذا ترسخت رواية “التهديدات المُدبَّرة”، سيُساءل استخدام قوانين الطوارئ والاعتقالات الوقائية، وقد تتآكل الثقة القضائية والإعلامية. على المدى المتوسط، يُهدّد تسييس ملف الأمن بارتدادٍ عنيف: انشقاقات صامتة، تزايد اقتصاد القوة الموازية، وتضييق الفضاء المدني قبيل أيّ استحقاقات سياسية.([22])
دلالة أخرى تتصل باقتصاد السياسة: تمدُّد المليشيات يخلق سوقًا للولاءات تُسعَّر فيه مناصب وامتيازات مقابل “ضبط” محلي للأمن والطرق والموارد، ما يُحوّل وزارات وخدمات إلى صناديق ريع تُدار لتسكين الجبهات. في جنوب السودان، صِيَغ دمجٍ واتفاقات سلام رفعت منسوب المحاصصة دون توحيد سلسلة القيادة، فظل الاستقرار رهين تدفق الأموال وتوازنات السلاح. يتكرر النمط في دول أخرى: كل مكافأة على حمل السلاح تولِّد “علاوة عنف” تُغري بالانشقاق وإعادة التفاوض. النتيجة سياسة قصيرة النفس، واستثمارات عامة مؤجلة، وتخطيط تنموي معطل؛ لأن كلفة نزع امتيازات شبكات العنف أعلى من كلفة استمرارها، فتتكلس الهشاشة كخيار حكم لا كاستثناء.([23])
ويُغيِّر تمدُّد المليشيات شكل التمثيل السياسي والاجتماعي. حين تضعف الأحزاب والوسطاء المدنيون، تملأ الجماعات المسلحة فراغ الإدارة في الأطراف: تحل نزاعات، تنظّم المرور، وتفرض جبايات “حماية”. هذا يمنحها شرعية أمر واقع لدى قواعد تعتبرها أكثر فاعلية من المركز، لكنّه يسحب الأكسجين من السياسة التنافسية ويحوّل الانتخابات –إن جرت– إلى تصديق متأخر على موازين سبق حسمها بالسلاح. في أوغندا، يميل الاستقطاب الأمني إلى حشد تعبئة حول الدولة أو ضدها، فيما تتراجع مساحات النقد والرقابة. وفي بلدان مثل مالي والنيجر، يصبح تصنيف الفاعلين (شريك/عدو) قرارًا أمنيًّا واقتصاديًّا معًا، ما يُربك المعايير القانونية ويُعمِّق ازدواجية الصورة بين “إرهابي” خارجي و”ضامن أمن” محلي.
ويبدّل تمدد المليشيات معادلات الإقليم والتحالفات. تُوسّع “الهندسة الأمنية” حول المناجم والممرات اللوجستية يدفع قوى خارجية ومحلية لاختيار وكلاء مسلحين، فتُدار سياسة الحدود والتجارة عبر تفاهمات قسرية لا عبر اتفاقات مؤسسية. يفتح ذلك شهية قوى منافسة على تقديم بدائل تسليح وتدريب وإعلام، فتتحول السيادة إلى محصلة لعقود أمن وموارد أكثر منها تعبيرًا عن عقد اجتماعي. في أوغندا، تكشف أزمة الجنرال والاشتباكات المنسوبة للمسلحين هشاشة التوازن بين أجهزة القوة والدولة المدنية، بينما تظهر في جنوب السودان ودول أخرى ديناميات مشابهة: أمنٌ موضعي مقابل شرعية متآكلة. قلب المسار يقتضي ربط أيّ تمثيل بنزع سلاح قابل للتحقق، وتوحيد القيادة تحت رقابة مدنية، وتجفيف ريع العنف بمالية شفافة وخدمات محلية منافسة.([24])
تمدُّد المليشيات لا يكشف فقط عن أزمة أمنية، بل يفضح كذلك عمق التشظي السياسي داخل الدول الإفريقية؛ حيث تتحول الجماعات المسلحة إلى أدوات صراع على الشرعية بين النخب.
في جنوب السودان مثلًا، تجسّد انقسام الميدان بين قوات تابعة لرياك مشار، وأخرى موالية لسيلفا كير، وهو انقسام عكس توازنات إثنية وسياسية أكثر من كونه مجرد تنافس عسكري. هذا التوزع المسلح أنتج نظامًا مزدوجًا للسلطة، يوزَّع فيه النفوذ والموارد عبر قنوات غير مؤسسية، ويُدار الصراع السياسي بمنطق التحشيد العسكري بدل الوساطة المدنية.
وما يجري في أوغندا من اعتقال جنرال بارز على خلفية هجمات منسوبة للمسلحين يندرج في السياق ذاته؛ إذ يُستخدم خطاب “مكافحة الإرهاب” لإعادة رسم خطوط النفوذ داخل المؤسسة العسكرية، كما تُستخدم المليشيات في دول أخرى لفرض توازنات داخلية على حساب شرعية الدولة ومؤسساتها.([25])
ختامًا، وبناءً على ما سبق، يتضح أن التوظيف السياسي للجماعات المسلحة -خارجيًّا تحت شعار مكافحة الإرهاب، وداخليًّا بمنطق إدارة المخاطر-؛ لم يُنْتِج استقرارًا بنيويًّا بقَدْر ما أعاد تشكيل المجال السياسي على قاعدة القوة وليس الشرعية.
عمليًّا، خدم هذا التوظيف إدامة النفوذ الخارجي وضمان بقاء داخلي، فأنتَج دولة هجينة: مؤسسات واجهة تقابلها “كارتلات أمن” تتحكم في الجباية والموارد والتمثيل.
وعليه، فلن تتغير معادلات القوة الموجودة حاليًّا ما لم تُبدَّل الحوافز؛ فطريق الاستقرار الممكن يمرّ بفك الارتباط بين الاعتراف السياسي وحيازة السلاح، وربط أيّ دعم خارجي بحزم إصلاح ملزِمة تشمل نزع السلاح وإعادة الدمج، وتوحيد سلسلة القيادة تحت رقابة مدنية، وشفافية عقود الموارد، وتحسين إدارة مخزونات السلاح والحدود، وتوسيع وسطاء مدنيين وخدمات محلية تقلّص الطلب على “حماية الميليشيا”. دون ذلك ستظل “مكافحة الإرهاب” غطاءً لإعادة توزيع النفوذ، وستبقى الانتخابات قوسًا تكتيكيًّا فوق صراع مسلح لم يُحْسَم بعدُ.
…………………………………………..
[1] Shifting Sands in Security: Foreign Counterterrorism Influences in the Sahel, vision of humanity. https://www.visionofhumanity.org/shifting-sands-in-security-foreign-counterterrorism-influences-in-the-sahel/
[2] Shifting Sands in Security: Foreign Counterterrorism Influences in the Sahel, ibid.
-[3] الحركات المسلحة والأمن الإفريقي، على الرابط التالي: https://alwataniyeh.com/2023/11/18/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/?print=pdf
[4] Suzanne Tisserand, Will Brown, Why France should close its permanent military bases in Africa, European Council on Foreign Relations. https://ecfr.eu/article/why-france-should-close-its-permanent-military-bases-in-africa/
[5] Francis Ghiles, France and America’s Murky War in Africa, Barcelona Centre for International Affairs (CIDOB). https://www.cidob.org/publicaciones/france-and-americas-murky-war-africa
[6] Why France should close its permanent military bases in Africa, ibid.
[7] France and America’s Murky War in Africa, ibid.
[8] With France’s military influence in Africa gone, can it rely on soft power?, Al Jazeera Media Network. https://www.aljazeera.com/features/2025/1/31/with-frances-military-influence-in-africa-gone-can-it-rely-on-soft-power
[9] Abdelhak Bassou, Africa’s natural resources and geopolitical realities. OCP Policy Center. https://www.policycenter.ma/sites/default/files/OCPPC-PB1719vEn.pdf
[10]France and America’s Murky War in Africa, ibid.
[11] Lauren Ploch, AFRICOM: The U.S. Military Consolidates its Efforts in Africa, Center for Strategic & International Studies. https://www.csis.org/analysis/africom-us-military-consolidates-its-efforts-africa
[12] David Vergun, Africom Strategy Focuses on Burden Sharing, Protecting U.S. Homeland, https://www.war.gov/News/News-Stories/Article/Article/4207579/africom-strategy-focuses-on-burden-sharing-protecting-us-homeland/
[13] France and America’s Murky War in Africa, ibid.
[14] Eric G. Berman, Countering illicit arms and armed groups across Greater West Africa: Re-setting priorities and the utility of large-scale data, International Peace Information Service (IPIS) . https://ipisresearch.be/publication/countering-illicit-arms-and-armed-groups-across-greater-west-africa-re-setting-priorities-and-the-utility-of-large-scale-data/
[15] Countering illicit arms and armed groups across Greater West Africa: Re-setting priorities and the utility of large-scale data, ibid.
[16]– مركز أبحاث: ما مصدر أسلحة الجماعات الجهادية في الساحل الأفريقي؟ الجزيرة نت. https://shorturl.at/wjpZ3
[17]– عرابي عبد الحي عرابي، التنظيمات “الجهادية” في دول الساحل الإفريقي: المخاطر وآفاق المستقبل، أبعاد للدراسات الإستراتيجية.
[18]– التنظيمات “الجهادية” في دول الساحل الإفريقي المخاطر وآفاق المستقبل، المرجع السابق.
[19]– المرجع السابق نفسه.
[20] Boubacar Haidara, Popular Support: The Only Basis of Legitimacy for West Africa’s New Military Regimes?. https://www.bicc.de/Pdf/2024/Popular%20Support-The%20Only%20Basis%20of%20Legitimacy%20for%20West%20Africa’s%20New%20Military%20Regimes.pdf~dr3257
[21] التنظيمات الجهادية في دول الساحل الإفريقي المخاطر وآفاق المستقبل، المرجع السابق.
[22] Uganda: Arrest of Senior General Exposes Internal Power Struggle Amid Attacks Blamed on Militants, African Center for Consultancy. https://www.afrocen.org/article.php?id=2483&l=en
[23] Rise of Armed Groups Complicates Sudan’s Brutal Civil War, Africa Defense Forum. https://adf-magazine.com/2025/06/rise-of-armed-groups-complicates-sudans-brutal-civil-war/
[24] Rise of Armed Groups Complicates Sudan’s Brutal Civil War, IBID.
[25]– فاروق حسين أبو ضيف، تصاعد الأزمة في جنوب السودان: مشهد مضطرب ومستقبل غامض، قراءات إفريقية.











































