الأفكار العامة:
– اعتماد الدستور الجديد يُشكّل مرحلة حاسمة في مسار تطبيع الحياة السياسية بعد أزمة الثقة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب 5 سبتمبر 2021م.
– يُمهِّد الاستفتاء الطريق لانتخاباتٍ تُنهي المرحلة الانتقالية التي أعقبت إسقاط نظام ألفا كوندي بعد الجدل حول دستور 2020م الذي أتاح له الترشُّح لولاية ثالثة.
– نصّ الدستور، ثمرة مشاورات وطنية، على إصلاحات جوهرية تشمل الحقوق والحكم والمؤسسات.
– أبرز التعديلات: تفعيل حقّ الالتماس الشعبي، إنشاء اللجنة الوطنية للتنمية، فتح الترشح للمستقلين، اعتماد نظام الغرفتين، ومحكمة دستورية وأخرى خاصة للحكومة.
– يُثير احتمال ترشح الرئيس الانتقالي دومبويا، رغم تعهده بعدم خوض الانتخابات، جدلًا واسعًا وسط تصاعد الدعم الشعبي له.
– ضرورة وَضْع آليات من الإيكواس والاتحاد الإفريقي تضمن التزام السلطات المُنتَخَبة بعد المرحلة الانتقالية بمواصلة الإصلاحات الهيكلية التي انطلقت قبل توليها السلطة.
بقلم: عائشة كانتي
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
يُشكّل اعتماد الدستور الجديد مرحلة حاسمة في عملية تطبيع الحياة السياسية. وفي 21 سبتمبر، صوّت حوالي 6.7 مليون غيني على مشروع الدستور الجديد، في محطة مفصلية ضمن مسار تطبيع الحياة السياسية وسط أزمة ثقة بين الفاعلين الوطنيين.
الاستفتاء يُمهّد لانتخابات رئاسية وتشريعية يُفتَرض أن تُنهي المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد انقلاب 5 سبتمبر 2021م، والذي أطاح بالرئيس ألفا كوندي عقب جدل حول دستور 2020م الذي أتاح له الترشح لولاية ثالثة.
غير أن التأخر والغموض في الجدول الزمني عزَّزا الشكوك وعمَّقا شعور الانفراد بإدارة المرحلة الانتقالية.
الدستور المقترح، ثمرة مشاورات وطنية، يتضمَّن تعديلات جوهرية في الحقوق والحكم والبنية المؤسسية. لكن رغم طموحه، يُنظَر إليه مِن قِبَل شريحة من الطبقة السياسية على أنه منفصل عن مسار جامع فِعْلي، مما يُهدّد بشرعية منقوصة.
من أبرز المستجدات في الدستور الجديد إقرار حق الالتماس لجميع المواطنين، مع إلزام السلطات بإدراج أيّ موضوع يَحصد عدد التوقيعات المطلوب ضمن جدول الأعمال. كما يُمنَح المواطنون مهلة 30 يومًا، بين نهاية النقاش البرلماني وعرض النص على الاستفتاء، للاعتراض على أيّ مشروع تعديل دستوري، ويُتاح استخدام هذا الحق أيضًا في إجراءات اتهام الرئيس بالخيانة العظمى.
ولمعالجة الفوارق التنموية بين المناطق، ينص الدستور على تأسيس لجنة وطنية للتنمية (CND)، تضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، والجامعات، بهدف صياغة إستراتيجيات وطنية وإقليمية في قضايا مثل إدارة الموارد، وتخطيط الأراضي، والمساواة في الفرص.
كما يُعدّ المجلس الوطني الديمقراطي أداة محورية لتعزيز مشاركة المواطنين في الحوكمة، إلى جانب السماح بترشُّح المستقلين، استجابةً لتطلُّع الغينيين المتواصل نحو نظام ديمقراطي فعّال.
الدستور يُدْخِل تغييرات على الحقوق الأساسية والحكم والهيكل المؤسسي:
على الصعيد المؤسسي، يُبقي مشروع الدستور على الطابع الثنائي للسلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء)، مع تقليص النفوذ التقليدي الواسع للرئيس لصالح تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء، الذي تُناط به مهمة تنفيذ سياسة الدولة تحت إشراف رئيس الجمهورية.
كما يشمل الترشيد إدخال نظام الغرفتين بإنشاء مجلس الشيوخ إلى جانب الجمعية الوطنية، مع مَنْح المجلس دورًا استشاريًّا في التعيينات العليا، ما يُشكِّل قيدًا إضافيًّا على السلطة الرئاسية.
وجاء إنشاء مجلس الشيوخ استجابةً لمطلب تمثيل أوسع للمناطق الطبيعية في البلاد، التي استُغِلَّت انتخابيًّا في الماضي، ولتعزيز آليات توزيع الموارد، ومنع النزاعات بين الجماعات، وحماية العادات والتقاليد الوطنية.
على المستوى القضائي، يَقترح مشروع الدستور إنشاء محكمة دستورية تُمكِّن الجمعيات المعتمدة من الطعن المباشر في القوانين المخالفة للدستور، إلى جانب محكمة خاصة للجمهورية تُعنَى بمساءلة أعضاء الحكومة جنائيًّا.
ورغم الطابع الإصلاحي لهذه البنود، التي من شأنها دعم مسار الاستقرار، إلا أن الاستفتاء يُواجه رفضًا من فاعلين سياسيين ومجتمعيين يَعتبرون النص محاولة لإضفاء شرعية على استمرار السلطة الحالية.
وقد فاقمت القيود المفروضة على الحريات العامة، مثل حظر المظاهرات منذ مايو 2022م، واعتقال المعارضين واختفائهم، وتقييد الإعلام، من الشعور بإقصاء فئات واسعة من العملية الانتقالية. ومن أبرز المؤشرات على تضييق الفضاء السياسي تعليق أنشطة أحزاب رئيسية كاتحاد القوى الديمقراطية والتجمع الشعبي.
استمرار منطق الزبائنية والنزعة الاستبدادية يُمهّدان الطريق لانفجار سياسي مرتقب:
يُضاف إلى التحديات القائمة احتمال ترشح الرئيس الانتقالي، الجنرال مامادي دومبويا، رغم تعهُّده المسبق بعدم خوض أيّ استحقاق انتخابي، احتمال تتزايد المؤشرات عليه مع تصاعد مؤيديه مؤخرًا.
من جهة أخرى، يُثير غياب التوافق حول إدارة المسار الانتخابي، الموكول لوزارة إدارة التراب الوطني واللامركزية، مخاوف جدية من تزوير محتمل، خاصةً في ظل تأخُّر تنصيب المرصد الوطني المستقل لمراقبة الاستفتاء، الذي لم يبدأ مهامه إلا قبل ثلاثة أيام من التصويت.
هذا المناخ يُهدّد بتقويض مصداقية ونزاهة الاستفتاء، وقد يُعيد البلاد إلى دوّامة عدم الاستقرار الدستوري، الذي طالما تغذَّى على الانقسامات السياسية والاجتماعية.
في هذا السياق، يُطلب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، والشركاء الدوليين، تكثيف الجهود لتفادي أزمة انتخابية جديدة، خاصةً أن غينيا عانت تاريخيًّا من عنف متكرر خلال مراحل التصويت.
ويُعدّ تعزيز حوار وطني صادق بين الفاعلين المحليين أمرًا أساسيًّا لتجاوز الاستقطاب، وإرساء توافق يُمهِّد لتنظيم انتخابات جامعة، شفافة وذات مصداقية.
كما ينبغي مرافقة هذا المسار بدعم فاعل للمجتمع المدني، خصوصًا في مجالات التوعية، والرصد المبكر، ومراقبة المواطنين، بما يسهم في التصدي للمعلومات المضللة وتقليل مخاطر التوترات الاجتماعية والسياسية.
تتطلب العودة إلى النظام الدستوري اهتمامًا مستمرًّا من أصحاب المصلحة:
العودة إلى النظام الدستوري تمثل لحظة حاسمة تتطلب يقظةً دائمة من جميع الأطراف المعنية.
فانقلاب 5 سبتمبر جاء استجابةً لمطلب شعبي قويّ ضد انحرافات نظام الحكم السابق، غير أن نجاح المرحلة الانتقالية لا يُقاس فقط بإجراء انتخابات، بل بمدى تنفيذ إصلاحات هيكلية تضمن استقرارًا دائمًا.
إن غياب هذه الإصلاحات يُعيد خطر الانزلاق إلى أزمات مؤسسية جديدة؛ حيث تُظهر الانقلابات المتكررة في غرب إفريقيا أنّ استمرار أنماط الحكم القائمة على الزبائنية والفساد والاستبداد يُهدِّد بانهيارات دستورية مستقبلًا.
لذلك، من الضروري أن تعمل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي على وضع آليات تضمن التزام السلطات المنتخبة بمواصلة الإصلاحات التي أُطلقت خلال المرحلة الانتقالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://issafrica.org/fr/iss-today/les-enjeux-du-retour-a-l-ordre-constitutionnel-en-guinee