د. محمد دانسوكو([1])
الملخّص:
ناقشت هذه الدراسة الخطاب الإعلاميّ، بتشخيص مفهومه وخصائصه وعلاقته بالتعليم، وبلورة تحدّيات الخطاب الإعلامي العربي للناطقين بغير العربية. كما تناولت واقع تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا، مع عرض إستراتيجيات توظيف الخطاب الإعلاميّ في تعليم اللغة العربية.
وتركّز هدف الدراسة الرئيس على بيان دور الخطاب الإعلاميّ في عملية تعليم اللغة العربية.
وقد وظّف الباحث المنهج الوصفيّ التحليليّ، كما استخدم عدّة أدوات بحثية، على رأسها الملاحظة الشخصية والتحليل الشخصيّ للمواد العلمية، مع إجراء المقابلات الشخصية والإلكترونية للعيّنات ذوات الصلة المباشرة بموضوع الدراسة، بالإضافة إلى الكتب والبحوث العلمية والإنترنت.
تمّ تقسيم هيكل البحث على النحو التالي: تناول المبحث الأول مفهوم الخطاب الإعلامي وخصائصه، وعالج الثاني تحدّيات الخطاب الإعلامي العربي للناطقين بغير العربية، وناقش الثالث واقع تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا، أما المبحث الأخير فقد درس إستراتيجيات توظيف الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية، ثم اختتمت الدراسة بطرح مجموعة من النتائج والتوصيات العلمية، وعرض قائمة المصادر والمراجع.
المقدمة:
يُعدّ الإعلام وسيلة فعّالة في مجال التربية والتعليم؛ لاعتماد الأفراد والجماعات على وسائله ومتابعتهم له في السِّلم والحرب والجدّ والهزل، يتأثّرون به سلبًا وإيجابًا، وهو بدوره يخاطبهم ويؤثّر فيهم على جميع أصعدة الحياة، وهناك صلة متينة بين الخطاب الإعلامي والتعليم؛ لكون كلّ واحد منهما عملية اتصالية تواصلية، ولكون عملية التعليم من الوظائف الرئيسة التي يُسديها الخطاب الإعلاميّ إلى المجتمع.
ومدى توظيف الخطاب الإعلامي في التعليم متفاوت بناء على اختلاف الدول والمجتمعات، وتفاوت نسبة التقدّم والتطور التكنولوجيّ، فثمّة دول قطعت شوطًا بعيدًا في الإعلام التعليمي، في حين لا تزال دول أخرى في مرحلة النشأة المتأخّرة، كما هو الوضع السائد في غالبية دول غرب إفريقيا؛ حيث تعاني المجالات التكنولوجية من التخلُّف، ولا تُسهم وسائل الإعلام في التعليم إلا في دائرة محدودة.
وهذا ما حفَّز الباحث لمعالجة الخطاب الإعلاميّ ودراسته، مع مناقشة واقع تعليم اللغة العربية في منطقة غرب إفريقيا، لإيجاد إستراتيجيات علمية وعملية تُمكِّن من تفعيل الخطاب الإعلاميّ في تعليم اللغة العربية في البيئة المعنية بالدراسة.
أهداف البحث:
تمحورت أهمّ أهداف هذه الدراسة حول ما يلي:
1ــ دراسة الخطاب الإعلاميّ من حيث بلورة مفهومه وخصائصه، وتسليط الضوء على الأدوار التي يؤدّيها في عملية التعليم بوجه عام، وفي تعليم اللغة العربية على وجه الخصوص.
2ــ تشخيص التحدّيات الميدانية التي تُواجه الخطاب الإعلاميّ العربيّ في عملية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
3ــ وَصْف عام لواقع تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا، وعلاقته بالخطاب الإعلاميّ العربيّ.
4ــ عرض الخطط الهادفة لتشغيل فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم العربية في بيئة الدراسة.
تساؤلات البحث:
هذه هي التساؤلات الرئيسة التي تعرّضت لها الدراسة:
1ــ ما مفهوم الخطاب الإعلاميّ؟ وما خصائصه وعلاقته بعملية التعليم؟
2ــ ما واقع تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا؟ وما مدى إسهام الخطاب الإعلاميّ العربيّ فيه؟ وما التحديات التي تعترض مسار هذا الخطاب الإعلاميّ؟
3ــ ما الإستراتيجيات التي تُمكِّن من توظيف الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية؟
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة هذه الدراسة في تحليل الخطاب الإعلاميّ؛ لتشخيص ما له من أدوار وفاعلية في عملية تعليم اللغة العربية بوجه الخصوص، مع استنباط إستراتيجيات وخطط تساعد على توظيفه كوسيلة تعليمية. وعلى هذا يمكن صياغة المشكلة البحثية في إطار هذا التساؤل المحوريّ: كيف يمكن تفعيل دور الخطاب الإعلاميّ في تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا؟
المبحث الأول:
مفهوم الخطاب الإعلامي وخصائصه وعلاقته بالتعليم
يكاد الإعلام يعادل المؤسسات التعليمية من حيث قدرته على إيصال المعلومات ونقل العلوم والمعارف إلى المتلقّين، فهو “بوسـائله المختلفـة يُعدّ وسـطًا تربويًّا بامتيـاز يمكـن الاعتـماد عليـه في بـثّ رسـائل تربويـة تُسـهم في بنـاء شـخصية الفـرد العلمية؛ لأن التعليم والإعـلام يعتـبران عملية واحـدة، فمـن خـلال الإعـلام التعليمي يتـم التواصـل والتفاعـل بين أطراف عملية الدراسة بتوظيـف وسـائل الاتصـال وتقنياتـه الحديثـة”([2]). ومما يؤكّد ذلك كون “الأفراد والجماعات يتعلمون الكثير ممّا تقدّمه وسائل الإعلام، وكون الإعلام من أهمّ عوامل تكوين الجماهير وتشكيل ثقافتهم”.([3])
وتزداد أهمّية دور الخطاب الإعلامي وفاعليّته في مجال تعليم اللغة؛ لما له من تأثير لغوي قويّ في الجمهور المتلقّي، فكثيرًا ما يردّد الأفراد الكلمات والجمل والتعابير اللغوية التي تُوظّفها وسائل الإعلام، فيقلّدونها في أحاديثهم اليومية، ويحاكون طرق تلفُّظها، ويبقى كثير منها راسخة في أذهانهم؛ ممّا يؤدّي إلى تنمية مهاراتهم اللغوية، وإثراء محاصيلهم من المفردات، وهذا ما يدلّ على أهمّية “دراسة وظيفة وسائل الإعلام في نشر اللغة وتعليمها؛ لكونها عاملًا محوريًّا يضمن ازدهار اللغة على مستوى التواصل الدوليّ”.([4])
في البدء، يجب تسليط الضوء على مفهوم الخطاب الإعلامي اصطلاحًا، وبلورة خصائصه، ثم الحديث عن علاقته بعملية تعليم اللغة، وما يخصّ المفهوم الاصطلاحي، فقد وردت في ذلك جملة من المفاهيم، منها أن الخطاب الإعلامي “عملية اتصالية، يتم فيها نقل رسائل إلى جمهور مستهدَف، وتستعين بوسائل اتصالية لنقل تلك الرسائل، كالمذياع والتلفاز والسينما والصحف والكتب، وتتمثل وظيفتها الأساسية في الأخبار والترفيه والتعليم والإقناع والترويج، وتهدف إلى التأثير في المتلقّين”.([5])
ويتّضح من هذا المفهوم مدى الارتباط الموجود بين الخطاب الإعلامي وعملية تعليم اللغة؛ وذلك لأن التعليم بشكل عام يُعدّ وظيفة من وظائف الخطاب الإعلاميّ، وقيل أيضًا: إن الخطاب الإعلاميّ “شكل من أشكال التواصل الفعّال، له قدرة كبيرة على التأثير في المتلقّي، وإعادة تشكيل وعيه، ورسم رؤاه المستقبلية، وإرشاد اتجاهاته وقراراته، وتحديد مواقفه في جميع القضايا؛ لأنه خطاب متغلغل في أعماق الحياة الاجتماعية، ويؤدّي فيها وظائف محورية كثيرة”.([6])
وبما أن الخطاب الإعلاميّ سواء كان مكتوبًا أو منطوقًا، عبارة عن مضامين مصوغة في لغة مستقلّة، فلا بدّ من مراعاة معايير وضوابط تجعل هذه اللغة مهذّبة وناجحة في أداء مهمّتها الإعلامية، ومما ورد في شأن لغة الخطاب الإعلامي أنها “لغـة إبداعيـة خلاّقـة كثـيرة الثراء، تمدّها وسـائل الإعلام بسلسلة مـن الألفـاظ والعبــارات الجديــدة، فهــي تنحــت مادتهــا مــن مصــادر مختلفــة؛ مــن المثقفــين والساســة والأكاديميّين ورجـال الاقتصـاد والاجتـماع والأدبـاء، وكما تستلهم نصيـبًا مـن لغـة الشـارع التـي تهذّبهـا وتجعلها صالحـة للتـداول الفصيح؛ حيـث تُعـدّ اللغـة الإعلاميـة همـزة وصل بـين العامة والخاصة، تعمـل عـلى تبسـيط مـا تنقلـه مـن هـؤلاء، وتهــذّب مــا تنقلــه مــن أولئك عــلى اعتبــار أن الخطــاب الإعلامــي ينقــل الخــبر مــن مصــادره الأولى في لغتــه الخاصة، ثـم يحوّلهـا إلى لغـة قابلـة للفهـم والاستيعاب عند الجمهور المتلقّي”.([7])
فالإعلام حين يكون خطابه مهذّبًا ومضبوطًا في ألفاظه ومعانيه، يُشكِّل بوّابة لنشر اللغة وتطويرها وتجديدها، ونفخ روح المعاصرة في مفرداتها المعجمية وأساليبها التعبيرية، وهذا ما يثبت أن “أكبر تطور عرفته اللغة العربية في عصرنا الحاضر كان على أيدي الصحفيّين، من محرّري الصحف والمذيعين وغيرهم من القائمين على شتّى وسائل الإعلام”([8]). ويكمن سرّ ذلك في كون كلّ وسيلة إعلامية تعمل على خلق مفرداتها ومصطلحاتها الخاصة واختراع تعابير تفرضها طبيعتها؛ وميادين عملها، وفي هذا إثراء لمضامين اللغة ومفرداتها، وتوسيع لنطاق استخدامها.
وإضافة إلى ما سبق فإن “الإعلام المعاصر من أهم عوامل التطور اللغوي شريطة أن يلتزم الإعلاميون بقواعد اللغة، ويتحرّوا الدّقة في صياغة الجمل والتعابير”، ومن جهة أخرى فإن “اللغة الإعلامية تصبح جزءًا من حياة المجتمع؛ وذلك لتأثُّر الجمهور بالكلمات والأساليب التي تستخدمها وسائل الإعلام حتى أثبتت بحوث إعلامية أن عددًا من أساتذة اللغة العربية لاحظوا في تلاميذهم استخدام الصيغ والعبارات والقوالب اللغوية التي يوظّفها الإعلاميون في خطاباتهم”.([9])
واللغة الإعلامية تُشكِّل جزءًا أساسيًّا من النظام اللغوي العام، وتُعدّ علاقة الخطاب الإعلاميّ بعلم اللغة علاقة تأثير وتأثُّر من الطرفين؛ لأن “وسائل الإعلام تسهم في نشأة كلمات لم تكن موجودة من قبل، بحسب مقتضيات الحاجة”([10]) كتسمية مستحدَث اجتماعي أو منتج صناعيّ جديد، أو صياغة تعابير ومصطلحات مستجدّة دعت إليها ضرورة الاستعمال اللغويّ.
وزيادة على ذلك، تسعى وسائل الإعلام في خطابها لإرضاء أذواق الجمهور وتلبية رغباته؛ مما يجعلها تراعي التبسيط والسهولة في مضامينها، ولكنّ المعادلة الأساسية في الخطاب الإعلاميّ هي “التوازن بين ما يرغب به الجمهور وما يحتاج إليه؛ لأن الاعتماد فقط على إشباع رغباته وفضوله قد يؤدّي إلى إنتاج مواد وبرامج إعلامية ضعيفة اللغة، هابطة المضامين، وغارقة في الترفيه والمتعة والأهواء، لذا على القائمين بالوسائل الإعلامية مراعاة التوازن بين الرغبات والاحتياجات، وجعل المضامين متراوحة بين الجدّ والترفيه والتسلية”.([11])
ومن مميّزات الخطاب الإعلامي في عملية تعليم اللغة أنه يُخاطب الأفراد والجماعات بالوسائل الاتصالية الفعّالة، ذات الشعبية الضخمة، كالصحف والمجلات والمحطّات الإذاعية والقنوات التلفزيونية والفضائية ووسائل التواصل الاجتماعيّ، ومواقع الإنترنت وصفحاته، وبتوظيف هذه الوسائل يتمكَّن من مخاطبة جميع حواسّ الإدراك لدى المتلقّي، وقد أثبتت دراسات موثوقة أن الحواس تسهم في عملية التعلّم بنسب مئوية متفاوتة، فالتعلم عن طريق حاسة البصر يشكل نسبة 83% من التعلم، ونسبة 11% عن طريق حاسة السمع.([12])
كما أثبتت دراسات أخرى أن الفرد يتذكّر نسبة 10% مما قرأه، ونسبة 20% مما سمعه، ونسبة 30% مما شاهده، ونسبة 50% مما سمعه وشاهده معًا.([13]) ومن هنا يتجلّى ما للخطاب الإعلاميّ من تأثير فعّال في تعليم اللغة عبر وسائله الإعلامية القادرة على مخاطبة حواس الإدراك الأساسية عبر الكتابة والصوت والصورة وعناصر تأثيرية أخرى تعطي جاذبية إضافية.
المبحث الثاني:
تحدّيات الخطاب الإعلامي العربي للناطقين بغير العربية
عند تأمّل واقع الإعلام العربيّ المعاصر، ودراسة خطابه الإعلاميّ، يتجلّى أنّه يُعاني في لغته المستخدمة، وفي جمهورها المتعدد لغويًّا وغيرهما من بعض المشكلات ويُواجه عددًا من التحدّيات الداخلية والخارجية، ويمكن تلخيص تلك الصعوبات والتحدّيات في النقاط التالية:
1ــ التعددية اللغوية للجمهور:
إن الإعلام العربيّ يخاطب جمهورًا متعدّدًا في اللغة، وهذا شأن كل إعلام يحمل سمة الدولية، ويعمل على إيصال رسالة عالمية، ويكمن وجه هذا التحدّي في أن الإعلام الموجَّه إلى الجمهور المتعدّد لغويًّا يجب أن يكون خطابه الإعلامي متعدّد اللغة بحسب اختلاف لغات الجمهور، وهذا يتطلب من الإعلام العربي استعمال لغات متعدّدة ليقدر على مخاطبة كل جمهور في لغته، وفي هذا تحدٍّ كبير وعائق منيع يصعب تخطّيه.
2ــ اللهجات الدارجة والعاميّات الشعبية:
سبق أن أشرنا إلى أن الإعلام العربيّ يخاطب جمهورًا متعددًا ومختلفًا في اللغة والبيئة الجغرافيّة، ولكن هذا لا ينفي وجود ناطقين باللغة العربية من هذا الجمهور غير العربي، ويأتي التحدّي من جهة استعمال اللغة غير الفصيحة في الخطاب الإعلامي؛ إذ يصعب على غير الناطقين بالعربية استيعاب اللهجات الدارجة التي تختلف من دولة عربية لأخرى، وعلى هذا فإن توظيف هذه العاميات في الخطاب الإعلامي يعوق فَهْم الرسالة الإعلامية، ولا يخدم تعليم اللغة العربية، ولا يسهم في انتشارها على الصعيد الخارجيّ.
وواضح أن ساحة الإعلام العربي تعاني اليوم من سيادة العاميات الشعبية، فلا تشغل الفصحى فيها إلا حيّزًا ضيّقًا، وذلك في بعض المحطات الإعلامية الدولية الكبرى، وسواء في ذلك وسائل الإعلام الجماهيري وغيرها فنسبة “75% من جمهور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يستخدمون العاميات، ولا يهتمون بسلامة اللغة في خطاباتهم وكتاباتهم”.([14])
كما أن كثيرًا من المواد والبرامج الإعلامية يتمّ إنتاجها في اللهجات الدارجة، كالأفلام الدرامية والمسلسلات بجميع أنواعها، والمسرحيات والإعلانات ونشرات الأخبار والتقارير وغيرها، كما قال الباحث “في الوقت الذي كان يتوقع أن يكون الإعلام العربي سبيلًا لنشر اللغة العربية الفصحى في العالم، وأدوات للدفاع عنها وعن هويّتها العربية الإسلامية، فالواقع يثبت أن ذلك الإعلام يسهم في إضعاف اللغة وتشويه الثقافة العربية باستخدام تلك اللهجات الدارجة”.([15])
ومن انعكاسات الخطاب الإعلام العاميّ، “إفساد الذوق الأدبي واللغويّ؛ وذلك بتعمُّد استعمال قوالب لغوية مغلوطة أو غريبة في البنية اللغوية، والترويج للأخطاء اللغوية الشائعة والكلمات المبتذلة والأساليب التعبيرية الركيكة التي تجري على ألسنة الإعلاميين في شتّى البرامج الإعلامية، مع الترويج كذلك للغات الأجنبية ولا سيّما اللغة الفرنسية والإنجليزية عن طريق تطعيم الخطاب الإعلامي العربي وإشباعه بالكلمات والتراكيب والأساليب الأجنبية”.([16])
3ــ غياب برامج إعلامية لغوية خاصة لغير الناطقين بالعربية:
إن وسائل الإعلام بأنواعها المتعدّدة قد أصبحت وسائل تعليمية فعّالة، وخصوصًا في مجال تعليم اللغات، فحتى من خلال مجرّد الاستماع إلى مختلف البرامج الإعلامية أيًّا كانت محتوياتها، قد يتمكّن الفرد المتلقّي من تعلّم اللغة لحدّ ما؛ لأن الاستماع المستمرّ يُكْسِب المستمعَ مهارةً لغوية متنامية، فيزيد رصيده في المفردات والتعابير، ويُعلّمه صِيَغ النطق الصحيح للكلمات، ويجعل أصوات الحروف والألفاظ مألوفة في سمعه، ومفهومة لديه في أول وهلة، وأضف إلى ذلك، مدى الفرص الثمينة التي أتاحتها وسائل الإعلام للراغبين بتعلم اللغات، من سلسلة دروس ومحاضرات لغوية مكتوبة أو مسجّلة صوتًا أو صورة، أو عن طريق البث المباشر، ومن دورات وَوِرَش لغوية تكوينية سواء في الإذاعات أو القنوات التلفزيونية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ وغير ذلك.([17])
وفيما يخص اللغات الغربية كالإنجليزية والفرنسية، فهناك برامج إعلامية كثيرة وبجودة عالية متوفّرة لدراستها وتعلّمها لجميع الفئات العمرية والمستويات التعليمية، وسواء للناطقين بها أو بغيرها، أما بخصوص اللغة العربية، فالأمر مختلف نوعًا ما، فحتّى إن كانت ثمة جملة من برامج إعلامية تعليمية لغوية، إلا أنها تكون غالبا برامج مطلقة عامة لا تفرق بين ناطق بالعربية وناطق بغيرها، ولا سيّما في غرب إفريقيا، البيئة المعنية بالدراسة، فرغم ازدهار اللغة العربية في هذه المنطقة، إلا أنها لا تزال تعاني من غياب أو ضعف دور الخطاب الإعلامي في تعليم العربية، وتفتقر إلى برامج إعلامية تعليمية لغوية، وهذا تَحَدٍّ أمام الإعلام العربيّ يجب التصدّي له من خلال العمل على إعداد وإنتاج برامج إعلامية لغوية مُوجَّهة لتعليم غير الناطقين باللغة العربية، مما يُسهم في توسيع النطاق الجغرافي للغة العربية وتكثير جمهور الناطقين بها.([18])
4ــ التخلف التكنولوجي وارتفاع نسبة الأمية:
إن توظيف الخطاب الإعلامي في التعليم يفتقر إلى توفّر التقدم التكنولوجيّ، والصحوة التقنية الحديثة، كما يتطلّب نسبة تعليم تُمكِّن صاحبها من استخدام الوسائل التكنولوجية في مجال التعليم وغيره، وعند تأمل أوضاع غرب إفريقيا يتجلّى أنها تعاني إلى درجة كبيرة من التخلف التكنولوجيّ، وانخفاض نسبة التعليم، ممّا يُشكِّل تحدّيًا ظاهرًا أمام الخطاب الإعلامي العربي في تعليم اللغة العربية، ويمكن تخطّيه من خلال إنتاج وإعداد البرامج الإعلامية التعليمية اللغوية، وبثّها عبر الوسائل الإعلامية المتاحة في المنطقة.([19])
المبحث الثالث:
واقع تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا
يُشكِّل غرب إفريقيا جزءًا كبيرًا من إفريقيا، وهو عبارة عن “المنطقة التي تشمل كل الدول الواقعة في غرب القارة الإفريقية، والتي يَحُدّها غربًا المحيط الأطلسي، وجنوبًا خليج غينيا، وشرقًا بحيرة تشاد، ومن الجنوب الشرقيّ الكاميرون، وفي الشمال تنتهي عند الحدود الشمالية لدولتي مالي ونيجر([20]). كما أن هذه المنطقة تقع عند خط عرض 16 شمال خط الاستواء.([21]) هذا ويتكوّن غرب إفريقيا من ست عشرة دولة، تتمتّع جميعًا بعضويّة منظّمة الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ولبعضها عضوية في منظمة التعاون الإسلاميّ، ونظام الحكم في جميعها جمهوريّ ديمقراطي، سوى نيجيريا التي تتبنّى نظامًا فيدراليًّا ديمقراطيًّا.
ويمكن تقسيم هذه الدول إلى ثلاثة أقسام وفق اللغات الاستعمارية، وهي:
أولًا: الدول الناطقة باللغة الفرنسية أو الدول الفرنكوفونية، وتضمّ السنغال وبوركينا فاسو وكوت ديفوار والنيجر غينيا ومالي وتوغو وموريتانيا، ونالت جميع هذه الدول استقلالها في عام 1960م، ما عدا غينيا التي استقلّت في عام 1958م.
ثانيًا: الدول الناطقة باللغة الإنجليزية أو الدول الأنجلوفونية، وتشمل سيراليون التي نالت استقلالها في عام 1961م، ونيجيريا التي استقلت في عام 1960م، وليبيريا التي نالت استقلالها في عام 1947م، وغانا التي نالت استقلالها في عام 1957م، وغامبيا التي استقلّت في عام 1965م.
ثالثًا: الدول الناطقة باللغة البرتغالية أو الدول الإيزوفون، وهي غينيا بيساو التي استقلّت في عام 1973م، والرأس الأخضر المستقلة في عام 1975م.([22])
أما ما يخصّ تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا بشكل عام، فإنه يمكن القول بأنه قد مرّ بمراحل تاريخية متسلسلة، بدءًا بمرحلة التجمّع حول مواقد النيران الليلية، ثمّ مرحلة المساجد والكتاتيب والمحاظر والخلاوي، وصولًا إلى مرحلة التعليم تحت بعض المخيّمات بأشكال المدارس([23]). ثم مع مرور الوقت، تطورت الأوضاع وأخذ تعليم اللغة العربية مع العلوم الشرعية شكل نظام التعليم الأكاديميّ العالميّ الذي يكون داخل الصفوف والقاعات الدراسية من مدارس ومعاهد ومراكز تعليمية أكاديمية، ويتمّ من خلال مراحل دراسيّة متسلسلة من الروضة إلى مرحلة الأساس أو المرحلة الابتدائية، ثم المرحلة الإعدادية والثانوية، وهذه هي مراحل التعليم ما قبل الجامعيّ، وبعدها مراحل التعليم الجامعيّ أو مرحلة الدراسات العليا التي تشمل مرحلة الجامعة والماجستير والدكتوراه.([24])
ويشهد واقع اللغة العربية تطوّرًا سريعًا وانتشارًا واسعًا في غرب إفريقيا في الوقت الراهن، ويدل على ذلك كثرة المؤسسات التعليمية العربية لكل المراحل الدراسية، من المدارس والمعاهد والجامعات، وسواء في القطاع الحكومي الرسمي أو في القطاع الخاص، وازدياد نسبة الملتحقين بها، مع كثرة حملة الشهادات العليا في صفوف دارسي اللغة العربية، واعتراف بعض الحكومات بالشهادات العربية، ما أدّى إلى اندماج دارسي اللغة العربية في المؤسسات الحكومية، إضافة إلى افتتاح بعض المؤسسات الإعلامية العربية من الصحف والمجلّات والإذاعات والقنوات التلفزيونية والفضائية، فهذه ملامح عامة ومختصرة لأوضاع اللغة العربية في غرب إفريقيا.([25])
وثمة مجموعة من التحدّيات والصعوبات القائمة التي تعوق مسار تعليم اللغة العربية في منطقة غرب إفريقيا وغيرها، من أهمّها: التقليدية والنمطية السائدة في برامج ومقرّرات وأساليب تدريس اللغة العربية، وغياب الجانب التطبيقي؛ حيث تتمحور منهجيات تدريس اللغة العربية حول الجانب النظري المحض، الذي ترتكز على التلقين وحفظ القواعد والمفاهيم والنظريات دون تطبيقات وممارسات عملية، وهذا ما ينتج طلابًا يفهمون القواعد واللغة في الجانب النظري فقط، فتجد طالبًا قضى عشرات السنوات في دراسة اللغة العربية، ثم بعد ذلك كله لديه صعوبة بالغة في التحدُّث باللغة العربية الفصيحة المعاصرة، وينضمّ إلى ما سبق، تحدّي هيئة التدريس؛ إذ هناك ضعف علمي أو بيداغوجي في كثير من مدرسي اللغة العربية، ولا شكّ أن لهذا انعكاسًا سالبًا على التحصيل العلمي للطلبة، كما أن هناك أيضًا تحدّي البنية التحتيّة، والتحدّي الإداري والتكنولوجيّ وما إلى ذلك.([26])
المبحث الرابع:
إستراتيجيات توظيف الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية
ثمة أدوار مهمة يؤدّيها الإعلام في عملية التعليم عمومًا، وفي تعليم اللغة بوجه خاص، فاللغة يتم تعلّمها أو تعليمها عبر أربع مهارات أساسية، وهي مهارة الاستماع ومهارة الحديث ومهارة القراءة ومهارة الكتابة، وللإعلام إمكانيات هائلة في تطوير هذه المهارات اللغوية وتنميتها، باستخدام المواد الإعلامية الصوتية المسموعة المنطوقة، والكتابية المقروءة، والصورية المرئية.([27]) وصحيح أن وسائل الإعلام تسهم إسهامًا فعّالًا في تعليم اللغة، ولكن لتحقيق ذلك، لا بدّ أن تكون اللغة التي يستخدمها الخطاب الإعلامي فصيحة، ملتزمة بالقواعد اللغوية، وإلا فقد ينعكس دورها سلبًا على اللغة، بنشر كلمات وعبارات مكتظة بالأخطاء الشائعة، كحال غالبية وسائل الإعلام العربية المعاصرة التي تكتظّ بالعاميّات الشعبية التي لا تخضع لقواعد لغوية.
يُمثّل اللغة والإعلام وجهين لعملة واحدة؛ لأن اللغة هي “الوسيلة الاتصالية التي تنتقل بها الرسالة الإعلامية من المرسل إلى المستقبل، كما أن الكلمة في وسائل الإعلام لها أثر كبير، وتترك انطباعًا راسخًا في ذهن المتلقّي”([28])؛ مما يجعلها وسيلة مناسبة لتعليم اللغات، إضافة إلى ذلك “توجد بين الإعلام واللغة علاقة وطيدة قائمة على التكاملية، فالإعلام لا يمكن أن يتطور دون لغة تصوغ رسائله وتنقل أفكاره، كما أن الإعلام يقدّم إسهامات كبيرة في عملية التربية والتعليم، فهو يدخل كل بيت في المجتمع، ويأخذ الدور الأهمّ في التوجيه والتأثير”([29]).
ومن الإستراتيجيات التي تُمكِّن من توظيف الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية ما يلي:
1ــ إنشاء المحطّات الإعلامية الأكاديمية في المؤسسات التعليمية:
يدل واقع المؤسسات التعليمية العربية في منطقة غرب إفريقيا على غياب أو ضعف حضور وسائل إعلامية تعليمية أكاديمية، وفي هذا ما يفقد تلك المؤسسات التعليمية عاملًا جوهريًّا ووسيلة فعّالة في تطوير عملية التعليم العربيّ على العموم، وتعليم اللغة العربية بشكل أخصّ، فاللغة تكتسب بسهولة وسرعة من خلال السماع والمحاكاة، وهما مهارتان توفّرهما وسائل الإعلام للجمهور المتلقي “عبر تناول جميع القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية والدينية وغيرها، وكذلك عبر تبادل الآراء ومناقشة الأفكار ووجهات النظر، ما يؤدّي في النهاية إلى ترك تأثير واضح وانعكاس ملموس في نفوس المتلقّين وثقافتهم وألسنتهم”.([30])
وبناء على ذلك، يجب على مؤسسات التعليم العربي في غرب إفريقيا أن تُوجِّه اهتمامًا بالغًا إلى إنشاء محطّات إعلامية تعليمية أكاديمية في كافة مراحل التعليم، بإعداد الصحف والمجلات التعليمية، وإنشاء المحطّات الإذاعية والتلفزيونية التعليمية، وفتح الصفحات والتطبيقات والمواقع الإلكترونية، ثم إنتاج المواد والبرامج التعليمية اللغوية، وغيرها، وبثها بواسطة كلّ هذه الوسائل الإعلامية المتنوّعة، فتقديم الدروس والمحاضرات اللغوية مع “استخدام اللغة الفصحى في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية مما يساعد في الحفاظ على اللغة ونشرها، ويؤثر في تقويم اللسان، مع تصحيح الأخطاء الشائعة والمتداولة في المجتمع”.([31])
2ــ إنتاج موادّ إعلامية تعليمية لغوية:
بعد إنشاء الوسائل الإعلامية الأكاديمية داخل مؤسسات التعليم، يجب التركيز على إعداد مواد إعلامية وإنتاج برامج تعليمية لغوية، ثم بثّها ونشرها بين جمهور الطلبة، ليستهلكوها باستمرار وتكرار، فيألفوا اللغة من خلالها، ويتعوّدوا سماع الكلمات والمفردات والتعابير والجمل، لقدرة وسائل الإعلام على تربية الملكة اللغوية عند المتلقّي، والنهوض بالمستوى اللغوي المطلوب لأبناء المجتمع، وتنمية المهارات اللغوية عند الناطقين بغيرها من خلال “تعليمهم بالجانب التواصليّ للغة، وطرق استعمالها وفقًا للقواعد الاجتماعية والثقافية الخاصة باللغة المعنيّة، بالإضافة إلى تعليم القواعد النحوية والمبادئ المسؤولة عن توليد الجمل السليمة تركيبًا دلاليًّا تداوليًّا بهدف إنشاء جمل تواصلية”.([32])
ويتطلّب نجاح هذه الخطة، وضع برامج مناسبة، ورسم مناهج تربوية، وبناء خطاب إعلامي عالي الجودة، بتوظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة؛ لتحقيق الغاية الأقصى من تعليم اللغة، وهي القدرة على التحدُّث الطبيعي باللغة والتواصل فيها، فتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها عبر الخطاب الإعلامي يقتضي إعداد تصوّر واضح، وطرح خطط مدروسة، وتكوين مُعلّم واعٍ يمتلك المهارات والتقنيات التكنولوجية الحديثة، كاستخدام الأشرطة (C D) أو الأقراص المدمجة، وغيرها من المواد والوسائط الإعلامية التي تُمكّن من تعليم المتلقّي للغة.([33])
ومن جهة أخرى، يُعدّ عنصر الصوت والصورة عاملين رئيسين في تعليم اللغة، وعلى هذا، يجب استغلالهما عند التعليم الإعلامي اللغوي، فالصوت يخاطب حاسة السمع، ويغرس في ذهنه أصوات الكلمات والمفردات والجمل والتعابير، فيألفها وينطبع في ذاكرته ويتدرّب على نطقها، أما الصورة المتحرّكة فهي تخاطب حاسة السمع والبصر معًا، وفيها من الحيوية والنشاط ما ينفي الملل والسآمة عن المتعلّم المشاهد، ويجسّد أمامه أصوات الكلمات والتعابير وغيرها.([34])
لهذا وذاك “لا بدّ أن يتأثر مستقبل الأدب العربي بالوسائل الإعلامية الحديثة كالإذاعة والسينما والتلفاز، فهي تؤثر فيه وتتأثر به، كأثر الصحافة في الأدب العربي، وكذلك أثر الإذاعة والسينما والتلفاز”([35]). فهذه الوسائل الأربع يتفاعل بعضها مع بعض باستمرار، فثمّة ما يسمى بالأدب الإذاعي أو التلفازي أو السينمائي، وهو أدب سريع التطور، كما يوجد ما يسمى بالقصة الإذاعية والسينمائية والتلفازية وغيرها كالقصة الصحفية، ولكل هذه العوامل الإعلامية قوالب وسمات تتفق مع الجهاز الذي يتولّى الإذاعة أو النشر، وتُسْدِي خدمات جليلة لتعليم اللغة.
وقد عثر الباحث في ديسمبر الماضي على مقطع مرئيّ في صفحة “المركز النيجيريّ للبحوث العربية”([36]) على الفيسبوك، وكان المقطع عبارة عن حوار تمثيلي وتعليمي بين شابين باللغة العربية، فمن خلال مثل هذه المواد الإعلامية يمكن تعليم الناشئين اللغة العربية التطبيقية المعاصرة دون تصديع رؤوسهم بالقواعد والمفاهيم والنظريات اللغوية المعقّدة التي هي فوق مدارك عقولهم. وكذلك مر بمقطع آخر بشكل مسرحية عنوانها محاكمة (كان أخواتها) بتمثيل مجموعة من الأطفال الصغار في مرحلة الأساس، ورغم أن الأداء كان جامدًا وخاليًا من روح المسرحية الفنيّة، إلا أن تأثيره التعليميّ التطبيقيّ أقوى من دروس ومحاضرات كثيرة تُلْقَى في الفصول والقاعات الدراسية بأسلوب تلقينيّ نظريّ لا يعي الطالب منها إلا مفاهيم محفوظة.
3- تنظيم حملات التوعية الإعلامية:
على أن يكون الهدف من هذه الحملات الإعلامية توعية الطلبة وغيرهم واستقطابهم ولَفْت أنظارهم إلى أهمّية وسائل الإعلام، وفاعلية الخطاب الإعلاميّ التربويّ في عملية تعليم اللغة، وترسيخ اللغة في نفوسهم وتقريبها إلى مداركهم، وجعلها ظاهرة مألوفة لديهم متفاعلة معهم، يسمعونها ويقرؤونها ويرونها في الصحف والمجلّات والإذاعات والأشرطة والأسطوانات، والقنوات التلفزيونية والفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها.
وقد وضع الدكتور الإعلامي جابر قميحة إستراتيجية إعلامية تعليمية متكاملة سمّاها “معالم الإصلاح الإعلاميّ اللغويّ”، وهي خطة مشروع حول كيفية توظيف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في نشر اللغة العربية وتطويرها، وكذلك تعليمها للناطقين بها والناطقين بغيرها، وفي خلاصة دراسته توصّل إلى مقترحات علمية يمكن تلخيصها فيما يلي:([37])
1ــ بناء شخصية إعلامية لغوية:
ويكون هذا بتكوين كوادر إعلامية لها كفاءة عالية وتأهيل مناسب في اللغة ومهاراتها الأربع، مهارة الاستماع والقراءة والتحدّث والكتابة، ولتحقيق ذلك لا بدّ من تكثيف الدورات والوِرَش التدريبية التي تهدف إلى تعليم الأدبيات الأساسيّة للّغة العربية للقائمين على مختلف وسائل الإعلام.
2ــ إعداد معجم لغويّ إعلاميّ:
يتركّز هذا العمل على محورين أساسيّين؛ أوّلهما وضع معجم إعلامي توجيهيّ مِن قِبَل اللغويين الخبراء والإعلاميين المحترفين بعد دراسة ميدانية مسحية لأوضاع الإعلام، ويجب أن يتضمن هذا المعجم الألفاظ والعبارات والمصطلحات التي يحتاج إليها الحقل الإعلامي، ورصد الأخطاء اللغوية الشائعة وتصحيحها، مع ضبط الأعلام العربية والأعجمية للأشخاص والمدن والمصطلحات العلمية، وخاصة تلك التي يكثر استعمالها إعلاميًّا، وأن تكون اللغة العربية المستخدَمة في الخطاب الإعلاميّ لغة وسطًا بعيدة عن الغريب المهجور من الألفاظ، وسليمة من الابتذال الذي يهبط بها إلى مستوى العاميات الشعبية.
أما المحور الآخر فهو مراعاة لغة الأداء الإعلامي وأساليب الأداء بأن تكون لغة فصيحة سهلة واضحة، تراعي المستوى التعليمي والثقافي والفكري للمتلقي، وبأساليب مناسبة، وهذا يتطلّب توفير مجموعة من المعايير المتمثّلة في تكرار بثّ المواد الإعلامية؛ وذلك لأن التكرار عامل قويّ من عوامل نجاح الخطاب الإعلاميّ في السيطرة على الجمهور والتأثير في عقولهم وأفكارهم، والتركيز على استعمال الأفعال المبنية للمعلوم بدلاً من الأفعال المبنية للمجهول إلا في دائرة معيّنة وفي مواقف ضرورية، وكذلك استعمال الجمل القصيرة البسيطة، وتجنّب الجمل الطويلة المعقدة، والجمل الاعتراضية والحشو اللفظيّ، مع التقليل من استعمال الأساليب التعبيرية الرمزية كالمجازات والكنايات، وما إلى ذلك.
3-تصدير اللغة العربية:
والمقصود بالتصدير هنا هو تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من خلال وسائل الإعلام سواء بطريقة مباشرة، تتم بإعداد دروس ومحاضرات لغوية ونشرها للجمهور، أو بطريقة غير مباشرة، عن طريق إنتاج وبثّ مواد وبرامج إعلامية بمضامين متنوعة وبلغة عربية جذّابة سلسة، تؤثّر في الجمهور وتغرس فيه اللغة العربية من حيث لا يحتسب، فالإنسان يتفاعل مع الشيء الذي يلازمه ويحتكّ به كثيرًا بشكل مستمر، وتتمثّل تلك المواد والبرامج الإعلامية في المقالات الصحفية والأحاديث الإذاعية والمقاطع المرئية والأفلام القصيرة والمسلسلات والمسرحيات التعليمية، وغير ذلك.
فمن خلال هذه الخطوات المبرمجة، يتجلّى للمتأمل أن “وسائل الإعلام بأنواعها المتنوّعة تمثّل مؤسسات مؤهّلة وفعَّالة لتعليم اللغة العربية السليمة والمعاصرة؛ لأن “لغة الإعلام في كل فعالياتها ومجالاتها وبرامجها هي لغة الحياة في كافة جوانبها، ومن شأنها التأثير في تصوّر الجمهور وتفكيرهم والإسهام في إثراء الرصيد المعرفي واللغوي والثقافيّ عند الأفراد والجماعات”.([38])
نتائج الدراسة:
بعد إجراء الدراسة ومناقشة وتحليل موادها العلمية، تمكّن الباحث من استنباط مجموعة من النتائج البحثية، يتمحور أهمّها حول النقاط التالية:
1ــ للخطاب الإعلامي دور فعّال في النهوض باللغة العربية ونشرها في الوطن العربي، وفي سائر أنحاء المعمورة، كما أنه وسيلة ذات إمكانيات هائلة في تعليم العربية للناطقين بغيرها.
2ــ يعاني واقع تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا من التقليدية والنمطية السائدة في برامج ومقرّرات وأساليب تدريس اللغة العربية، وغياب الجانب التطبيقي العمليّ في منهج التعليم اللغوي لصالح أسلوب التلقين النظريّ، مع وجود ضعف علمي أو بيداغوجي عند كثير من هيئة تدريس اللغة العربية، بالإضافة إلى اختلال في البنية التحتية والنظام الإداري في المؤسسات التعليمية.
3ــ هناك غياب كليّ أو ضعف ملموس لحضور الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية في مؤسسات التعليم العربي في منطقة غرب إفريقيا.
4ــ من تحدّيات الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية في غرب إفريقيا التعدّدية اللغوية للجمهور المتلقّي، وطغيان استخدام العاميات واللهجات الدارجة في الخطابات الإعلامية العربية، إضافة إلى انعدام برامج إعلامية لغوية تعليمية موجّهة لغير الناطقين بالعربية، مع سيادة التخلُّف التكنولوجي وارتفاع نسبة الأمية في بيئة الدراسة.
5ــ من إستراتيجيات توظيف الخطاب الإعلامي في تعليم العربية: إنشاء المحطّات الإعلامية الأكاديمية في المؤسسات التعليمية، وإنتاج موادّ إعلامية تعليمية لغوية لغير الناطقين بالعربية، مع تنظيم الحملات الإعلامية التوعوية لتسليط الضوء على أهّمّية دور الإعلام في تعليم اللغة.
6ــ يمثّل الإعلام عاملًا فعّالًا ووسيلة مؤثّرة لتحقيق ما يسمّى بتصدير اللغة العربية، وذلك من خلال المواد الإعلامية ذات المضامين المتنوّعة شريطة أن يتمّ إنتاجها باللغة العربية الفصحى.
7ــ هناك ازدهار وتطور ملموس للغة العربية في غرب إفريقيا، بناء على ازدياد عدد المؤسسات التعليمية فيها، وارتفاع نسبة الملتحقين بها، مع اعتراف كثير من الحكومات بالشهادات العربية، إضافة إلى اندماج دارسي اللغة العربية في المؤسسات الحكومية.
التوصيات
تتركّز التوصيات العلمية الرئيسة التي استنتجها الباحث على الوقفات الآتية:
1ـ توظيف الإعلام بكل وسائله، وتسخير إمكانيّاته لخدمة اللغة العربية الفصحى بجعلها لغة مألوفة في المجتمعات؛ فيسهل استخدامها في الحياة اليومية.
2ــ إنشاء مجلات للأطفال وإعداد برامج مسموعة ومرئية باللغة العربية الفصحى مع مراعاة المفردات اللغوية المناسبة لسنّهم.
3ــ تعليم اللغة العربية عبر الصحف والمجلات والإذاعات المسموعة والقنوات التلفزيونية والفضائية على يد فريق إعلامي لغويّ محترف.
4ــ الالتزام باللغة الفصحى في الخطاب الإعلاميّ والابتعاد قَدْر الإمكان عن العاميات الشعبية واللهجات المحلية الدارجة، وكذلك اللغات الأجنبية إلا في حدود ضيّقة ولحاجات قائمة ومعيّنة.
5ــ الحرص على مواكبة اللغة العربية للحياة المعاصرة بتطوّراتها التقنية المتلاحقة، وبكل مجالاتها الحياتية المتنوّعة.
………………………………………………….
[1]– شاعر روائي من جمهورية غينيا، كاتب وباحث حاصل على الدكتوراه في علوم الإعلام من جامعة إفريقيا العالمية في السودان، وأستاذ محاضر بجامعة غينيا العالمية.
[2]– شريف سامي، اللغة الإعلامية المفاهيم والأسس والتطبيقات، مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، عام 2018م، ص 45.
[3]– محمود خليل، إنتاج اللغة العربية في النصوص الإعلامية، القاهرة، مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، عام 2020م، ص 97.
[4]– سليمان إبراهيم محمد، الإعلام التربويّ ودوره في غرس قيم المواطنة، مجلة كليات الآداب، العدد 28، عام 2019م، ص 209.
[5]– مصطفى محمد الحسناوي، واقع لغة الإعلام المعاصر، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، عام 2018م، ص 121.
[6]– بشير إبراهيم، الصورة في الخطاب الإعلامي، مجلة جامعة عنابة، العدد 23، عام 2020م، ص 123.
[7]– صالح هشام، بلاغة الإقناع في الخطاب الإعلامي، مجلة الخطاب، العدد 8، عام 2011م ص 255.
[8]– بشير إبراهيم، الصورة في الخطاب الإعلامي، مرجع سابق، ص 149.
[9]– محمود خليل، إنتاج اللغة في النصوص الإعلامية، القاهرة، الدار العربية للنشر والتوزيع، عام 2009م، ص 23.
[10]– محسن محمد السيد، اللغة العربية والإعلام في واقع متغير، مؤتمر اللغة العربية الدولي بالإمارات، عام 2014م، ص 09.
[11]– عبد الحليم محي الدين، اللغة العربية في الإعلام الأصول والقواعد والأخطاء الشائعة، القاهرة، دار الشعب، عام 1998م، ص 38.
[12]– عبد الحميد، دور الوسائل التعليمية الرقمية في تنمية المهارات اللغوية، الجزائر، جامعة وادي سوف، عام 2020م، ص 78.
[13]– جابر مليكة، تأثير تكنولوجيا الإعلام على العملية التعليمية، رسالة الماجستير، كلية علوم الاتصال، جامعة ورقلة، عام 2020م، ص 170.
[14]– ناصر الدين عثمان، مريم صالح، لغة الخطاب الإعلامي، القاهرة، دار الفكر العربيّ، ط1، عام 2007م ص 59.
[15]– محمد أبو الوفا أحمد، اللغة العربية في الإعلام بين الواقع والمأمول، مجلة الألوكة، العدد 34، عام 2021م، ص 22.
[16]– ماجي الحلواني، البرامج التعليمية والثقافية في وسائل الإعلام، القاهرة، عالم الكتب، عام 2027م، ص 69.
[17]– موسى عبد السلام، مشكلات اللغة العربية في نيجيريا، مجلة الفيصل الأدبية، دار الفيصل الثقافية، الرياض، عام 2012م، ص 65 بتصرّف.
[18]– بكري درامي، الفقه والفقهاء في غينيا، مجلة رابطة العلماء المحمدية، العدد 43، عام 2011م، ص 72.
[19]– حمدان محمد، إعداد مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، دار الآفاق العربية، عام 2020م، ص 51.
[20]– انظر في أنور عبد الغني العقاد، الوجيز في إقليمية القارة الإفريقية، دار المريخ، الرياض، 1982م، ص 260. بتصرّف.
[21]– فيج جي دي، تاريخ غرب إفريقيا، ترجمة السيد يوسف نص، ط1، دار المعارف، القاهرة، 1982م، ص 15.
[22]– أمين أسير، معالم إفريقيا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، مجلة صوت إفريقيا، العدد 3، عام 2010م، ص 12.
[23]– علي محمد سيبي، اللغة العربية وتحدّيات الاستعمار، مجلة البيان، العدد 177، عام 2010م، ص 39.
[24]– انظر في: ندوة الإسلام والمسلمون في إفريقيا، كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس/ ليبيا، عام 1998م، ص 145. وخديم امباكي، الحضور اللغوي العربي في السنغال وسائله ونتائجه العلمية والأدبية، داكار السنغال، عام 2002م، ص 54.
[25]– محمد دانسوكو، اللغة العربية ودورها في الاتصال الثقافي الثنائي الاتجاه بين الشعوب غرب إفريقيا نموذجًا، مجلة قراءات إفريقية، العدد 34، عام 2024م، ص 17.
[26]– محمد دانسوكو، التعليم العربي العالي، والتخصصات المعاصرة الواقع والتحدّيات والحلول، جمهورية غينيا نموذجا، عام 2024م، ص 11.
[27]– إبراهيم محمد بشير، الصورة في الخطاب الإعلامي المعاصر، جامعة عنابة، عام 2020م، ص 56.
[28]– زكي مبارك الحسن، اللغة العربية والإعلام وكتّاب النص، عمان، منتدى الفكر العربيّ، عام 2017م، ص 86.
[29]– إبراهيم ابن مراد، الاستعمالات اللغوية في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، مجلة الإذاعات العربية، العدد2، عام 2009م، ص 129.
[30]– محمد نادر السيد، لغة الخطاب الإعلامي، القاهرة، دار الفكر العبيّ، ط1، عام 2007م ص 59.
[31]– زكي مبارك الحسن، اللغة العربية والإعلام وكتّاب النص، مرجع سابق، ص 67.
[32]– إبراهيم محمد بشير، الصورة في الخطاب الإعلامي المعاصر، مرجع سابق، ص 43.
[33]– أديب خضور، اللغة العربية في الإعلام والاتصال الموجّه للآخر، مجلة الإذاعة العربية، العدد 22، عام 2020م، ص 32.
[34]– محمد علي، الوظيفة الإعلامية لفنّ المقالة في الأدب العربي الحديث، طرابلس، منشورات جامعة الفتح، عام 2021م، ص 97.
[35]– محمد نادر السيد، لغة الخطاب الإعلامي، مرجع سابق، ص 34.
[36]– هي صفحة علمية ثقافية على تطبيق فيسبوك، تعنى بقضايا دارسي اللغة العربية في جمهورية نيجيريا.
[37]– هادي نعمان وعلي جمعة، اللغة في عملية الاتصال الجماهيري، بغداد، دار سامر، عام 1997م، ص 17. بتصرف.
[38]– نور الدين عبد العزيز، الارتقاء باللغة العربية في وسائل الإعلام، دار الهدى، المجلة العربية، العدد 84، عام 2021م، ص 120.