الأفكار العامة:
– سعي إدارة ترامب إلى ترحيل مهاجرين تصفهم بـ”المجرمين” إلى دول إفريقية، رغم عدم قانونية إرسال أشخاص إلى بلدان قد يواجهون فيها اضطهادًا.
– تم بالفعل ترحيل العشرات إلى دول في أمريكا الوسطى والجنوبية، و12 رجلًا من المكسيك وميانمار واليمن إلى إسواتيني وجنوب السودان.
– لكن خبراء ومجموعات حقوقية تابعة للأمم المتحدة أعربوا عن قلقهم، مشيرين إلى أن عمليات الترحيل إلى “دولة ثالثة” ليست بلد المُهاجِر الأصلي قد تُمثّل انتهاكًا للقانون الدولي.
– يجب أن تُمنح للمهاجرين فرصة للطعن في قرار الترحيل إذا كانت الدولة الوجهة غير آمِنة، بناءً على مصادر موثوقة كتقارير الأمم المتحدة أو تقييمات الخارجية الأمريكية.
– يواجه العديد من المهاجرين صعوبات في الحصول على الدعم القانوني في الوقت المناسب.
– لا توجد مؤشرات على أنّ الولايات المتحدة تُتيح للمُرَحَّلين فرصة حقيقية للطعن في قرارات ترحيلهم.
– قال وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار في يوليو، ردًّا على طلب استضافة سجناء فنزويليين: “نحن نُواجه ما يكفي من التحديات في بلدنا”.
بقلم: بريا سيبي
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
اتجهت الإدارة الأمريكية إلى القارة الإفريقية كخيار جديد لترحيل مهاجرين تصنّفهم كـ”مُدانين جنائيًّا”. فبعد ترحيل العشرات إلى دول في أمريكا الوسطى والجنوبية، أُرسل في يوليو 12 رجلًا من المكسيك وميانمار واليمن إلى إيسواتيني وجنوب السودان، كما أُعيد مواطن جنوب سوداني إلى بلده.
وتدرس واشنطن ترحيل مهاجرين إلى دول إفريقية أخرى، خصوصًا في الحالات التي ترفض فيها بلدانهم الأصلية استقبالهم. ويأتي ذلك في سياق تنفيذ وعد الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن الترحيل الجماعي، الذي كان محورًا أساسيًّا في حملته الانتخابية الأخيرة.
لكنّ منظمات حقوقية وخبراء في الأمم المتحدة حذّروا من أن إعادة المهاجرين إلى “دول ثالثة” ليست موطنهم الأصلي قد تمثل انتهاكًا للقانون الدولي.
هل الترحيل إلى بلد ثالث قانوني بموجب القانون الدولي؟
يمكن أن يكون الترحيل إلى بلد ثالث قانونيًّا بموجب القانون الدولي، لكن ذلك مشروط بعدة ضوابط صارمة.
يؤكد البروفيسور “راي بريشيا” من كلية الحقوق في ألباني (الولايات المتحدة) أن هذا الترحيل يجب أن يُفْهَم في إطار قانون اللجوء، وخاصةً مبدأ “عدم الإعادة القسرية”، الذي يمنع إعادة أيّ شخص إلى بلد يمكن أن يتعرّض فيه للخطر.
وينطبق هذا المبدأ على بلد المنشأ، وأي بلد ثالث قد يُرحَّل إليه الشخص. فإذا لم يكن ذلك البلد آمنًا، فإن الترحيل إليه يُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي، كما في حالة تعليق ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا في 2023م.
كما يُعدّ ضمان حق المهاجرين في الطعن القانوني ضروريًّا، خصوصًا إذا كانت الوجهة المحتملة تُمثّل خطرًا عليهم، استنادًا إلى تقارير موثوقة مثل تقارير الأمم المتحدة أو تقييمات وزارة الخارجية الأمريكية.
من جهتها، تُوضّح الدكتورة أليس إدواردز، المقررة الخاصة بالأمم المتحدة بشأن التعذيب، أن على “المحاكم أن تُقيِّم الوضع القانوني الذي سيُمْنَح للمهاجرين في البلد الثالث، وما إذا كانوا سيتعرضون للاحتجاز، ونوعية السكن الذي سيُوَفَّر لهم”.
ورغم ذلك، يُواجه كثير من المهاجرين صعوبات في الحصول على دعم قانوني في الوقت المناسب. وتقول البروفيسورة “بريشيا”: إن “ذلك يتطلب جهدًا كبيرًا ومحاميًا يتحرك بسرعة”، مضيفة أن هذا المسار القانوني “ليس متاحًا للجميع بالضرورة”.
هل تعتبر عمليات الترحيل إلى إيسواتيني وجنوب السودان مخالفة للقانون الدولي؟
وفقًا للبروفيسور “ديفيد سوبر” من المركز القانوني بجامعة جورجتاون، فإن عمليات الترحيل إلى إيسواتيني وجنوب السودان تنتهك القانون الدولي من جانبين:
أولاً: غياب إجراءات الطعن: لا توجد أدلة على أن الولايات المتحدة منحت المُرَحَّلين فرصة للطعن في قرار الترحيل، وهو ما يُشكِّل خرقًا لحقوقهم القانونية.
ثانيًا: إرسالهم إلى بلدان غير آمنة: مثل جنوب السودان وإيسواتيني، اللتين تثيران مخاوف جدية بشأن أوضاع حقوق الإنسان فيهما، وهو ما قد يُعرِّض المُرحَّلين للاضطهاد، في مخالفة لمبدأ “عدم الإعادة القسرية” في القانون الدولي.
وفي حادثة شهر مايو الماضي، تم الطعن قضائيًّا في إحدى عمليات الترحيل بعد إقلاع الطائرة، واعتبر القاضي أن الترحيل ينتهك أمره بالسماح للمهاجرين بالاعتراض القانوني. وقد حوَّلت الطائرة مسارها إلى جيبوتي؛ حيث احتُجِزَ الرجال مؤقتًا في ظروف قاسية داخل حاوية شحن.
لاحقًا، نظرت المحكمة العليا الأمريكية في القضية، وأجازت الترحيل لكنها لم تحسم ما إذا كان جنوب السودان بلدًا آمنًا لهؤلاء المهاجرين.
توضح الدكتورة “أليس إدواردز” أن “ما يُلاحَظ في حالات مماثلة هو حرمان الأشخاص من المساعدة القانونية في الوقت المناسب، وغالبًا ما تبدأ الإجراءات بعد فوات الأوان”، مضيفةً أن “في هذه الحالة، كان المُرحَّلون بالفعل في طريقهم إلى قاعدة عسكرية أمريكية، وهو أمر مقلق للغاية”.
كما تُشدّد على ضرورة بقاء المحاكم مستقلة وغير مُسيَّسة، خاصةً في القضايا التي تمس الحقوق الأساسية.
من جهته، يحذر البروفيسور “راي بريشيا” من خطورة قرار المحكمة العليا، مشيرًا إلى أنه قد يُشكّل سابقة خطيرة: “المقلق هو أن يشجع ذلك الحكومة على التسريع في تنفيذ قرارات الترحيل، قبل أن يتمكن الأفراد من اللجوء إلى القضاء للطعن فيها”.
هل إيسواتيني وجنوب السودان آمنان؟
إضافةً إلى غياب الضمانات القانونية، يُرحَّل المهاجرون إلى دول تُعتبر غير آمِنَة، ما يُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي. فوزارة الخارجية الأمريكية تُوصي بعدم السفر إلى جنوب السودان، بسبب التهديدات الأمنية، كالجريمة، والنزاع المسلح، والاختطاف. ويُعدّ هذا البلد، الذي يعاني من فقر شديد، على حافة حرب أهلية جديدة منذ بداية العام.
وتوضح الدكتورة “أليس إدواردز” أن “هناك مخاوف حقيقية بشأن النظام العام في جنوب السودان، والعنف، وانعدام الاستقرار، واستمرار النزاعات”.
وفقًا للناشط السياسي أجيل ريتش مشار، فإن المرحّلين إلى جنوب السودان محتجزون في مركز احتجاز في العاصمة “جوبا” يُعرَف بظروفه السيئة، بينما لم تؤكد السلطات موقع أو مدة احتجازهم.
أما في إيسواتيني، فقد أعلنت السلطات أن المهاجرين محتجزون في أحد السجون، وأن ترحيلهم جارٍ بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة (IOM).
وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن سجون إسواتيني تعاني من الاكتظاظ، وسوء التهوية، وضعف التغذية والرعاية الصحية.
وقال المتحدث باسم حكومة إسواتيني، ثابيل ميدلولي، في تصريح لبي بي سي “لا نعتقد أنهم سيبقون لفترة طويلة تكفي لاندماجهم في المجتمع” دون أن يُوضِّح مدة بقائهم أو ما إذا كانوا سيكملون عقوباتهم هناك.
من جانبها، قالت الحكومة الأمريكية: إن المرحّلين ارتكبوا جرائم “فظيعة”، من بينها اغتصاب أطفال، والقتل، والاعتداء الجنسي.
وقد أثار هذا الترحيل جدلًا داخل إسواتيني؛ حيث وصف حزب المعارضة الرئيسي “الحركة الديمقراطية المتحدة للشعب” (PUDEMO) الاتفاق بين البلدين بأنه “شكل مقنَّع من الاتجار بالبشر تحت غطاء اتفاق ترحيل”.
وقال الناشط المؤيد للديمقراطية لاكي لوكيل: إن على بلاده ألا تتحوَّل إلى “مَكَبّ للمجرمين”.
ورغم احتمال مخالفة هذه العمليات للقانون الدولي، يرى البروفيسور “سوبر” أن الولايات المتحدة لن تواجه على الأرجح أيّ تبعات؛ لأنها لا تعترف باختصاص عدد من المحاكم الدولية. وأضاف: “هذا يبدو وكأنه إجراء رادع، رسالة مفادها: إذا أتيت إلى الولايات المتحدة، فستُعامَل بقسوة شديدة”.
من جهتها، تؤكد الدكتورة “أليس إدواردز” أن الترحيل إلى دول ثالثة يُعرِّض المهاجرين المستضعفين لأوضاع غريبة دون دعم أو حماية قانونية، واصفة ذلك بأنه “تصوُّر خاطئ تمامًا”.
وشددت على أن منظمات حقوق الإنسان لا تعارض كل عمليات الترحيل، بل تلك التي تُعرِّض الأفراد لانتهاكات جسيمة.
يُذْكَر أنه في عام 2017م، قامت إسرائيل بترحيل آلاف المهاجرين الأفارقة إلى رواندا وأوغندا ضمن ما سُمِّي بـ”برنامج طوعي”، لكنّ تحقيقات لاحقة لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) كشفت أنهم تعرَّضوا لسوء المعاملة بعد وصولهم.
تفاصيل اتفاقيات الترحيل لا تزال سرية إلى حد كبير:
قالت ميدلولي لبي بي سي: إن أسباب قبول إيسواتيني للمرحّلين “تظل معلومات سرية في الوقت الحالي”.
ومع ذلك، أشارت حكومتا إيسواتيني وجنوب السودان إلى علاقاتهما الوثيقة مع الولايات المتحدة كدافع رئيسي لهذا القبول.
يُوضح البروفيسور “بريشيا” أن بعض الدول قد تخشى من ردّ فِعل الولايات المتحدة في حال الرفض، مثل تشديد شروط التأشيرات أو فرض رسوم جمركية أعلى.
في أبريل، أعلنت الولايات المتحدة إلغاء جميع التأشيرات الصادرة لمواطني جنوب السودان بعد رفض الأخير استقبال مواطن مرحّل.
ليس من الواضح ما إذا كانت الظروف قد تغيَّرت فعلًا بعد موافقة جنوب السودان على استقبال المهاجرين المُرحَّلين من الولايات المتحدة.
ويُرجِّح الناشط السياسي “أجيل ريتش مشار” أن حكومة جنوب السودان وافقت على هذا الترتيب في محاولة لكسب وُدّ واشنطن ودفعها لرفع العقوبات المفروضة على نائب الرئيس “بنجامين بول ميل”، والتي تم فرضها في عام 2021م، بسبب تُهَم فساد، وجُدِّدت في وقت سابق من هذا العام.
وفي يوليو، التقى وزير خارجية جنوب السودان، سمايا ك. كومبا، بفريق وزارة الخارجية الأمريكية المختص بالعقوبات وحقوق الإنسان، في خطوة قد تكون مرتبطة بهذا الملف. في المقابل، ترفض دول أخرى، مثل نيجيريا، الانخراط في مثل هذه الترتيبات.
من جهته، قال وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار في يوليو الماضي، رافضًا طلبًا لاستقبال سجناء فنزويليين: “لدينا ما يكفي من مشاكلنا الخاصة”.
ويشير إدواردز إلى أن هذه الاتفاقيات غالبًا ما تُرفَق بحوافز، موضحًا: “في اتفاقيات الترحيل السابقة من دول ثالثة، كانت مبالغ مالية كبيرة، بالإضافة إلى تعاون عسكري وأمني جزءًا من الصفقة”.
وفي مارس الماضي، ذكرت تقارير أن إدارة ترامب وافقت على دفع 6 ملايين دولار (4.5 مليون جنيه إسترليني) للسلفادور مقابل قبول المرحلين الفنزويليين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: