الأفكار العامة:
– تأثير الأعمال الإجرامية السلبية، على غرار القتل والسطو المسلح، على جميع مواطني جنوب إفريقيا.
– استياء شعبي من مزاعم ترامب بارتكاب إبادة جماعية ضد المزارعين البيض في اجتماع دبلوماسي رسمي في البيت الأبيض.
– اعتبار بعض المنظمات الحقوقية الهجمات على المزارع جزءًا من حملة سياسية لإجبار المزارعين البيض على مغادرة أراضيهم بدون أدنى دليل.
– الاستياء الشعبي من الجريمة التي تطال جميع المجتمعات المحلية يؤدي إلى احتجاجات للمطالبة باتخاذ إجراءات لاحتواء الظاهرة.
– تدنِّي معدلات الاعتقال ومحاكمة مرتكبي تلك الجرائم (18%) أدَّى إلى اعتقاد البعض بوجود حملة منظمة ضد المزارعين البيض.
– الدوافع وراء قتل المزارعين في جنوب إفريقيا ناجمة عن السطو المسلح، وليس عن دوافع التطهير العرقي.
– ترويج الادعاء بمواجهة الجنوب إفريقيين البيض إبادة جماعية يأتي من الجماعات الهامشية اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة.
بقلم: غاريث نيوهام
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تداعيات القتل والسطو المسلح لا تَطال جميع مواطني جنوب إفريقيا فحسب، وإنما تُشكّل مؤشرًا على وجود أجندة أيديولوجية مقلقة.
تم تسليط الضوء على مزاعم ارتكاب “إبادة جماعية” ضد المزارعين الملونين في جنوب إفريقيا خلال الاجتماع بين الرئيسين سيريل رامافوزا ودونالد ترامب في 21 مايو. والحقيقة هي أنه لا توجد “إبادة جماعية ضد البيض” في جنوب إفريقيا، لذلك كان من المثير للصدمة سماع هذا الادعاء في اجتماع دبلوماسي رسمي في البيت الأبيض.
من بين الأدلة المزعومة التي قدَّمها ترامب: شريط فيديو يحتوي على لقطات يُفترض أنها تُظهر حالة “دفن جماعي” للبيض ضحايا الهجمات على المزارع. كان هناك ما يبدو أنه أميال من الصليب الأبيض على طول الطريق. في الواقع، كانت هذه مظاهرة نظمتها مجموعات زراعية في عام 2020م؛ للإعراب عن قلقها إزاء القتل في المزارع. كانت الصلبان قد نُصِبَت في ذكرى الوفيات التي حدثت على مدى عقدين من الزمن، ولم تكن مقابر جماعية.
جاءت المظاهرة بعد أسبوعين من إطلاق النار على زوجين من المزارعين، هما جلين وفيدا رافيرتي، وقتلهما أثناء عودتهما إلى منزلهما في مقاطعة كوازولو ناتال. كان للصدمة التي تعرَّضت لها الأسرة والأصدقاء والزملاء تأثير كبير على مجتمعهم الريفي، أعقب ذلك إدانة ثلاثة من المهاجمين الأربعة وقتل الرابع قبل انتهاء المحاكمة.
وعلى الرغم من استخدام حملة ترامب السياسية الحادثة المعنية للتضليل؛ إلا أنها تكشف في الوقت ذاته عن ثلاث حقائق مهمة حول جرائم العنف في جنوب إفريقيا، بما في ذلك الهجمات على المزارع:
أولاً: معدلات القتل والسطو المسلح غير مقبولة.
ثانيًا: تؤثر هذه الجرائم على جميع مواطني جنوب إفريقيا، وليس فقط على البيض أو المزارعين.
ثالثًا: تثير الجريمة استياء جميع المجتمعات المحلية التي كثيرًا ما تنظم مظاهرات وتطالب باتخاذ إجراءات.
معدلات جرائم العنف المرتفعة في جنوب إفريقيا تتجاوز العرق والثقافة:
في الفترة ما بين عامي 2000 و2015م، فحص تحقيقان مستقلان أحداث العنف في المزارع. وتم التحقيق الأول مِن قِبَل وزير الشرطة آنذاك، ستيف تشويتي، والثاني مِن قِبَل لجنة حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا.
ركز كلا التحقيقين على مزاعم مفادها أن الهجمات على المزارع والحيازات الصغيرة كانت جزءًا من حملة سياسية لإجبار المزارعين البيض على مغادرة أراضيهم. لم يقدم أيّ من هذين التحقيقين، فضلاً عن التحقيقات الأخرى الموثوقة التي أجرتها الشرطة أو التحقيقات الخاصة منذ ذلك الحين، أيّ دليل يدعم ذلك.
إن مسألة ما إذا كانت الإبادة الجماعية قد ارتُكبت ليست مسألة رأي، بل مسألة قانون دولي. فبموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948م، ونظام روما الأساسي لعام 1998م، تُعرّف الإبادة الجماعية بأنها القتل أو غيره من الأفعال الضارة الأخرى “التي تهدف إلى تدمير جماعة عرقية كليًّا أو جزئيًّا”. إذا كانت إدارة ترامب تعتقد أن هناك إبادة جماعية تحدث في جنوب إفريقيا، فهناك وسائل قانونية لتأكيد ذلك واتخاذ إجراءات؛ لكن لم يتم رفع أيّ دعاوى قضائية.
إن جرائم قتل المزارعين في جنوب إفريقيا تكون دائمًا تقريبًا بدافع السرقة، وليس بدافع الرغبة في “تطهير جماعة عرقية كليًّا أو جزئيًّا”. وترجع أسباب بعض الحالات إلى منازعات عُمّالية أو عنف منزلي. وعلى الرغم من أن المزارعين في المناطق الريفية قد يكونون مُعرّضين للخطر بسبب عزلتهم وانعدام الأمن وخدمات الدعم؛ إلا أنه لم يتم إثبات احتمال تعرُّضهم للقتل أكثر من المواطن العادي.
غالبية جرائم قتل المزارعين تتم بدافع السرقة:
يستشهد أولئك الذين يزعمون وجود حملة مُدبّرة ضد المزارعين البيض بانخفاض معدلات الاعتقال والملاحقة القضائية لمثل هذه الجرائم. وقد خلصت دراسة أجراها المنتدى الإفريقي حول هذا الموضوع على مدار الفترة 2016- 2021م، إلى أن 18% فقط من القضايا هي التي تمت إدانتها.
لكن لا يعني ذلك أن الحكومة لا تشعر بالقلق. بشكل عام، انخفضت قدرة جهاز الشرطة في جنوب إفريقيا على كشف جرائم القتل على مستوى البلاد بنسبة 65% منذ عام 2012م، وبلغت 11% العام الماضي. وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، بلغ معدل الإدانة في جرائم القتل على المستوى الوطني 13% فقط، وهو أقل من المعدل المشار إليه في تقرير المنتدى الإفريقي. إن أوجه القصور الخطيرة في نظام العدالة الجنائية تؤثر على الجميع، وليس فقط على سكان الريف أو المزارعين على وجه الخصوص.
فجنوب إفريقيا لديها أحد أعلى معدلات جرائم القتل في العالم، وعدد كبير من جرائم السطو المسلح. هذه الجرائم العنيفة، التي تؤثر أيضًا على المزارعين، هي جزء من مشكلة أوسع نطاقًا وأكثر تعقيدًا تتجاوز العِرْق والثقافة.
على سبيل المثال، في السنة المالية 2023- 2024م، مثلت جرائم القتل الـ49 التي سجَّلها المنتدى الإفريقي 0.2% من جرائم القتل المسجَّلة على الصعيد الوطني، والبالغ عددها 27,621 جريمة. وتمثل الهجمات الـ296 على المزارع التي سجّلها المنتدى الإفريقي 0.7% من السرقات التي سجَّلتها الشرطة على مستوى البلاد والبالغ عددها 42.206 سرقة.
تأثير الثغرات في نظام العدالة الجنائية على جميع سكان جنوب إفريقيا بلا استثناء:
في حين كان هناك 127 جريمة قتل على المستوى الوطني أكثر من العام السابق، وفقًا للمنتدى الإفريقي، انخفضت جرائم القتل في المزارع من 50 إلى 49 حالة. وخلال الفترة نفسها، انخفضت الهجمات على المزارع بنسبة 12.7%، بينما انخفض إجمالي عدد السرقات بنسبة 2.1%.
هذه الإحصاءات ليست مجرد أرقام. فهي تعكس حياة محطمة ومجتمعات مصدومة في جميع أنحاء جنوب إفريقيا. وقد اتخذ العديد من المواطنين إجراءات أدت إلى نتائج إيجابية. فقد حسّن بعض المزارعين علاقاتهم مع المجتمعات المحلية المجاورة، واعتمدوا تدابير عملية لتعزيز سلامتهم، مثل تلك التي اتخذتها جمعية كوازولو ناتال كوانالو الزراعية في كوازولو-ناتال.
وكما تعترف الإستراتيجية الوطنية للأمن الريفي؛ تحتاج الحكومة إلى تحسين الأمن، بما في ذلك في المناطق الريفية. ورغم ذلك، لم يتم تنفيذ ذلك بشكل كامل بسبب نقص الموارد والبنية التحتية.
وتمتلك جنوب إفريقيا المعرفة والأدوات اللازمة لمكافحة مستويات العنف المرتفعة. وكل ما هو مطلوب هو إطار عمل جيد لنظام العدالة الجنائية، وتعزيز قدرة الشرطة على الكشف عن القضايا والتحقيق فيها. ومع ذلك، فإن هذه التدابير وحدها لن تؤدي إلى انخفاض دائم في الجريمة. هناك حاجة إلى بذل جهود متضافرة على مستوى الحكومة لمعالجة عدم المساواة والفقر، والاستثمار في منع العنف.
لقد انتشر الادعاء العنصري ذو الدوافع السياسية بأن سكان جنوب إفريقيا البيض يواجهون إبادة جماعية لسنوات بين الجماعات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة الهامشية. في الولايات المتحدة، روّج النازي الجديد الراحل والمجرم السابق “ديفيد لين” لهذه النظرية في كتابه “بيان الإبادة الجماعية للبيض” الصادر عام 1988م. ويعتبر لين أحد أهم المنظّرين الأمريكيين لتفوق العرق الأبيض المعاصر مِن قِبَل أولئك الذين يدرسون ويقاومون هذه الظاهرة في الولايات المتحدة.
ربما يخبرنا هذا الأمر عن دوافع إدارة ترامب ونهجها في السياسة الداخلية أكثر من أيّ مظهر من مظاهر الاهتمام بالمزارعين في جنوب إفريقيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://issafrica.org/fr/iss-today/afrique-du-sud-le-mythe-d-un-genocide-blanc