يُعتقد أن اليونانيين هم أول مَن أطلق اسم (إريتريا) على البحار الواقعة جنوب الجزيرة العربية، التي تشمل البحر الأحمر، خليج عدن، وبحر العرب، والخليج العربي، في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانوا يسمونها (تريكون سينوس إريتريوم) (Trichone –Sinus Erythraeum)، وتعني التسمية (البحر الأحمر)، وأطلق البحارة اليونانيون هذه التسمية بسبب اللون الأحمر الذي كانت تُضفيه عليه الطحالب والشُّعَب المرجانية، ثم أطلقوا هذه التسمية تحديدًا على البقاع التي كانوا يسيطرون عليها، ويُقال: إنهم نقلوا التسمية عن جزيرة يونانية كانت تحمل هذا الاسم قديمًا، وهي جزيرة (يوبويا)، قبل أن يدمّرها الفرس عام 490 قبل الميلاد؛ بسبب معاونتها ثورة اليونانيين ضد حكمهم، وعندما جاء الرومان قصروا التسمية على شواطئ البحر الأحمر التي خضعت لسلطانهم عندما سيطروا على عدوليس([1]).
ولكن اسم (إريتريا) لم يأخذ مدلوله الجغرافي الحالي إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، عندما احتل الإيطاليون سواحل البحر الأحمر من (قصار) شمالًا إلى (رحيتا) جنوبًا؛ حيث أصدر ملك إيطاليا، آنذاك، همبرت الأول، مرسومًا في يناير 1890م أطلق فيه اسم إريتريا؛ تجديدًا للتسمية الرومانية القديمة([2]) على تلك الأراضي التي تقع شمال القرن الإفريقي، بين خطي عرض (15 – 18) درجة شمال خط الاستواء، وخطي طول (36- 43) درجة شرقًا، وكانت تشمل عدة ممالك وسلطنات صغيرة قبل خضوعها للاستعمار الإيطالي.
مملكة أكسوم:
يُرجّح بعض المؤرخين أن الكوشيين([3]) هم أول مَن سكن السواحل الإريترية، انتقلوا إليها من الجزيرة العربية، قبل أكثر من عشرة آلاف عام، في طريق عبورهم إلى وادي النيل، وأن مجموعة من هؤلاء الكوشيين استقرت في سواحل البحر الأحمر، وكانوا مجتمعات تعتمد على الرعي والصيد، ثم اختلطت بمجموعات بشرية أخرى نزحت إلى تلك السواحل منذ القرن الخامس قبل الميلاد، مثل قبيلة حبشات التي نزحت من اليمن واستوطنت جزر الدهلك، كما هاجر إليها السبئيون، وقبيلة أجعازيان اليمنية الذين تنسب إليهم لغة (الجئز) أصل لغتي التجري والتجرينية، وعبر هذه الهجرات انتقلت إليها الحضارة الزراعية، فقامت ممالك مستقرة، مثل (أكلي وقوزاي) و(سراي) و(حماسين) التي اندمجت فيما بعد مُشكِّلة المملكة التي عُرفت في التاريخ باسم (ممكلة أكسوم)، التي تأسَّست خلال القرن الأول أو الثاني الميلادي واستمرت حتى القرن الثامن الميلادي، وكانت تُغطِّي كثيرًا من أراضي إريتريا الحديثة وشمال إثيوبيا.
وكانت أكسوم مملكة قوية، “غيّرت ميزان القوى في العالم، كما فعلت كوش من قبلها لفترة، وهي التي قهرت كوش وأتَت عليها، والعلماء يُرجِّحون أن أكسوم أشعَّت على ما حولها من البلاد كثيرًا من النور الذي فتح الطريق للحضارة في ذلك الإقليم، ويرى بازل ديفيدسون أن أكسوم وما جاورها من الشعب هي التي نقلت إلى إفريقيا حتى جنوبها البعيد، وسائل الزرع على الهضاب بالتروس، ونعني بها الزراعة السفحية، والبناء بالحجر الخالص الذي لا تربط قطعه الملاط على النحو الذي تميزت به مباني العصور الوسطى في شرق إفريقيا الوسطى، ويُتوقَّع أنها نقلت بناء المعابد والقصور البيضاوية من جنوب الجزيرة العربية إلى جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى بعض العادات الجنائزية، وصياغة الحلي([4]).
ويعتبر عيزانا، الذي حكم أكسوم في الفترة ما بين عام (325- 375م) من أشهر ملوك أكسوم، وهو أول من اعتنق المسيحية من ملوكها، وجعلها الديانة الرسمية للمملكة، وهو الذي غزا مملكة مروي، الجارة الغربية لأكسوم، ودمَّرها في حوالي عام 350م، وقد خلف عيزانا نقشًا طويلًا حكى فيه قصة غزوه لمروي في سودان وادي النيل، ذكَر فيه أنه أراد معاقبة النوبة الذين تمردوا عليه وتعدوا على أهالي مانقورتو والحسا والباريا، وغيرها من الأسباب([5]).
وفي القرن الثامن الميلادي، اجتاحت قبائل البحة الحامية، القادمة من وادي النيل عبر وادي بركة والمرتفعات الإريترية، وملأت السهول والوديان، وقضت على مملكة أكسوم الموحدة، وبانهيارها انفصلت الأقاليم التابعة لها واستقلت بنفسها، فأصبحت (سراي) ولاية مستقلة يحكمها حاكم يطلق عليه لقب (كنتيبا)، وكذلك ولاية (حماسين) ويحكمها أمير يلقب بـ(أقسان)، بالإضافة إلى (أكلي قوزاي)، وبسبب هذا التفتُّت أصبحت البلاد عُرضة للهجمات المستمرة بغرض السلب والنهب، من قِبَل الشعوب النازحة مثل البجة من الشمال، والتيجراي من الجنوب.. مما دفع الولايات الثلاث في الهضبة الإريترية إلى التوحد مرة أخرى فيما يشبه الاتحاد الكونفيدرالي، تحت حكم أمير أطلق عليه (بحر نجاش) أي أمير البحر([6]).
ويرى عثمان صالح سبي أن أكسوم قامت على الأراضي الإريترية بالأساس، ويدحض ما يسميه (المزاعم الإثيوبية) بأن إثيوبيا الحالية هي الامتداد التاريخي لمملكة أكسوم القديمة، ويشير أيضًا إلى أن الساحل الإريتري، كان صلة اتصال بين أكسوم وكثير من الممالك الأخرى، ولكنه لم يكن يومًا تابعًا لأكسوم، وهو أقدم في الوجود من الدولة الأكسومية([7]).
الإسلام في إريتريا:
يعود تاريخ دخول الإسلام إريتريا إلى العهد المكي؛ حيث أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في السنة الخامسة من البعثة النبوية بالهجرة إلى الحبشة، وقال: “إن فيها مَلكًا لا يُظلم عنده أحد”، وكان ذلك الملك هو النجاشي (أصحمة) أحد ملوك أكسوم. فخرج اثنا عشر رجلًا وأربع نسوة على رأسهم عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ومعه زوجته رقية بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان رحيلهم تسللًا في ظلمة الليل، حتى لا تَفطن لهم قريش، خرجوا إلى البحر، وقيَّض الله لهم سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، وفطنت لهم قريش، ولكنها لم تدركهم؛ حيث كانوا قد انطلقوا آمنين فوصلوا إلى الحبشة وملكها وأقاموا في أحسن جوار([8]). ويُقال: إن السفينتين رستا بهم عند بلدة (معدّر) في الشاطئ الإريتري جنوب عدوليس، ثم صاروا إلى أكسوم حيث أكرم الملك وفادتهم([9]).
ثم هاجر إليهم جعفر بن أبي طالب، وتتابع المسلمون بالحبشة حتى بلغوا اثنين وثمانين رجلًا، وستًّا وعشرين امرأة، واثني عشر ولدًا([10]).
وهكذا دخل الإسلام الحبشة، من طريق ساحل إريتريا الحالي واستقر في هضبته؛ حيث كانت حاضرة مملكة أكسوم، واعتنقه الأهالي وأخذ في الذيوع والانتشار، حتى بعد عودة المهاجرين إلى جزيرة العرب ولحوقهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة.
ولكنّ الأثر الحقيقي لانتشار الإسلام في إريتريا يبدأ في بدايات القرن الثامن الميلادي؛ حيث أدى اضمحلال نفوذ الفرس والروم على البحر الأحمر إلى حدوث فراغ أمني، انتشر على إثره العابثون بالأمن ليمارسوا القرصنة انطلاقًا من أطلال عدوليس، التي صارت في ذلك الوقت خرابًا، والساحل الإريتري على البحر لا يقع تحت حكم ملك من الملوك، مما أدى إلى تهديد الملاحة وطرق التجارة على البحر الأحمر، فجعلوا من خرائب عدوليس وأرخبيل الدهلك مأوى لسفنهم، حتى إنهم شنوا غارة على (جدّة) عام 83 للهجرة (702 للميلاد)، وهدّدوا بتدمير مكة المكرمة، وكان ذلك في عهد عبد الملك بن مروان، خامس الخلفاء الأمويين، الذي أرسل حملة بحرية استطاعت الاستيلاء على جزر (دهلك) الواقعة في وسط البحر على بعد 60 كيلو مترًا من مدينة (مصوع) الحالية، وكانت هذه الجزر هي نقطة الانطلاق الأولى التي انتشر منها الإسلام في إريتريا وشرقي الحبشة، وامتد جنوبًا حتى مضيق باب المندب([11])؛ حيث اندفع التجار والدعاة يحملون الإسلام إلى أنحاء إريتريا، وكذلك كان لنشأة مدينة هرر، على يد التجار العرب، أثرها الكبير في انتشار الإسلام في تلك الأنحاء من إفريقيا الشرقية. واستمرت مصوع فترة طويلة من الزمن باب التجارة الأساسي إلى الحبشة، وبهذا أصبح تغلغل العرب –وهم سادة التجارة في المنطقة- إلى داخل البلاد متواليًا([12])، فنشروا الإسلام ووطدوا دعائمه.
وبعد سقوط الدولة الأموية، في القرن الثاني الهجري، على يد العباسيين، بدأت الدولة الجديدة عهدها باضطهاد الأمويين وملاحقتهم في محاولة لاستئصالهم، كما لحق الاضطهاد بجماعات من أنصار آل البيت النبوي الشريف، خاصةً في أعقاب ثورة محمد النفس الزكية، فانتقلت أعداد كبيرة من هؤلاء المضطهدين إلى إريتريا ومناطق أخرى من شرق إفريقيا، وكان لهم أثر كبير في تحويل القبائل الوثنية في إريتريا إلى الإسلام، وتوحدهم عليه، بعد أن كانت العلاقات بينهم تقوم على القتال، وهكذا نشأ مجتمع مسلم منفصل في الساحل الإريتري؛ وخضعت إريتريا لحكم الدولة العباسية، وكانت تعرف باسم إقليم (باضع)، وهو الاسم القديم لمدينة جنوب مصوع([13]).
وكان لزحف قبائل البجة من وادي النيل وانتشارها في مرتفعات إريتريا وسهولها أثره الكبير في توطد الإسلام في البلاد، لم يمضِ زمن طويل حتى أصبح نفوذها سائدًا على جميع إريتريا والجزء الشمالي من مملكة الحبشة، وكان لانتشار الإسلام بين قبائل البجة، وتدفق الدعاة الوافدين من السودان، ومن جزيرة العرب أثره الكبير الذي أدَّى في نهاية الأمر إلى تحوُّل إريتريا إلى معقل من معاقل الإسلام في المنطقة، حتى لم يبقَ في حدودها الحالية من يعتنق المسيحية إلّا قبيلة التيغراي التي تعيش على مرتفعات الهضبة امتدادًا للهضبة الحبشية، وامتدادًا أيضًا لنفس القبائل التيجرية التي تسكن الحبشة([14]).
ويعتقد أن قبائل (الدناكل) في جنوب إريتريا، و(السمهر) في ضواحي مصوع، تُعدّ من أقدم سكان إريتريا اعتناقًا للإسلام، كما انتشر الإسلام بين قبائل الساهو، التي تسكن في المنطقة الممتدة من خليج زولا إلى مرتفعات أكلي قوازي، في القرن الرابع عشر الميلادي (الثامن الهجري) عن طريق أُسَر دينية عربية أشهرها أسرة (بيت شيخ محمود) التي تسكن زوالا، وتدعي الانتساب إلى الزبير بن العوام، أما قبائل الساحل والبني عامر فقد انتشر الإسلام فيها ابتداءً من القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري). وخلال القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري) تحولت كثير من القبائل الناطقة بالتيغري، التي كانت تعتنق المسيحية، إلى الإسلام، مثل الماريا والمنسع والبلين والبيت جوك والحباب بفروعها الثلاثة (بيت أسقدي، عد تكليس، عتماريام)، واعتنقت الإسلام أيضًا قبيلة الباريا الوثنية التي تسكن وادي القاش، وكذلك بعضًا من قبيلة البازا، وذلك بفضل جهود السيد محمد عثمان الميرغني مؤسس الطريقة الختمية، الذي أوفده شيخه أحمد بن إدريس من مكة عام 1817م([15]).
بعد تمكُّن البجة من احتلال شواطئ البحر الأحمر استقروا في مصوع سنة 750 ميلادية، كما تؤكد المصادر التاريخية أنهم كانوا يستخرجون الذهب من مواقع مجاورة لمصوع. ويشير المؤرخون إلى أن سلطان البجة كان منقسمًا، قبل ألف سنة، إلى خمسة ممالك، ثلاث ممالك منها كانت تقع داخل الحدود الإريترية، وهي مملكة (بلقين) التي تقع بين خور بركة وساحل البحر الأحمر، مملكة (حارين) وتقع على الساحل الجنوبي حتى جبل رورا (بقلة)، قرب (نقفة) عاصمة إقليم الساحل الحالي، ومملكة (قطاع) وتبدأ من نقفة حتى مصوع في إقليم سمهر. بالإضافة إلى مملكتين أخريين تقعان داخل حدود السودان الحالية هما (ناقص) و(بازين)، وكانت أكبر مدن البجة في إريتريا تسمى (هجر)، ويُرجّح الباحثون التاريخيون أنها كانت تقوم في موقع مدينة (أم حجر) على نهر ستيت في وادي القاش، وتشير كتب التاريخ إلى أن قبيلة (البلو) أو (البلويب) ذات الأصول العربية، كانت لها السيادة على البجة لفترة طويلة، بل هي التي تولت قيادة الزحف البيجاوي نحو هضبة إريتريا وإثيوبيا في القرن الثامن الميلادي، ويقال: إنها أول من نقل العربية إلى إفريقيا، حتى ضاعت عروبتهم اللغوية بمرور الزمن، اتخذوا البيجاوية لسانًا لهم([16]).
ويقول المؤرخ محمود شاكر: “وبقيت إرتيريا تتبع للدولة العباسية حتى تنازل آخر خليفة عباسي في مصر إلى السلطان العثماني سليم الأول، وذلك عام 923هـ، فتبعت الدولة العثمانية، وكانت ولاية تابعة لمكة المكرمة، ثم ولاية مستقلة تُعرَف باسم ولاية (حبش) وتتبعها مدينة (جدّة) أيضًا([17]).
إريتريا بين الحكم الإسلامي والاستعمار الأوروبي:
وفي عام 1283هـ تنازلت الدولة العثمانية عن ولاية إريتريا والصومال، للحكومة المصرية، وذلك في عهد الخديوي إسماعيل، ولكنها لم تستمر طويلًا تحت السيادة المصرية، خاصة بعد احتلال الإنجليز لمصر في أعقاب فشل ثورة عرابي، فقد لجأ الإنجليز إلى سحب كل الجنود المصريين وشرقي إفريقيا، بسبب اندلاع الثورة المهدية في السودان عام 1300هـ وسيطرتها كافة أرض السودان وتفكيرها في دخول مصر، الأمر الذي ترك فراغًا سياسيًّا في شرق إفريقيا، فتقاسمت المنطقة الدول النصرانية الكبرى، وكانت إريتريا من نصيب إيطاليا، التي دخلت المنافسة الاستعمارية بتشجيع من إنجلترا، لتفويت الفرصة على الفرنسيين الذين كانوا قد نزلوا في تاجورة، وذلك في أعقاب اشتداد التنافس للسيطرة على البحر الأحمر بعد افتتاح قناة السويس في العام 1869م، فقامت شركة إيطالية بشراء ميناء عصب من أحد الأمراء المحليين، ثم تنازلت عنه عام 1300هـ لحكومة بلادها، التي احتلته بعسكرها، ثم توسعت في كلٍّ إريتريا التي بقيت تحت حكمها حتى هزيمة إيطاليا مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ودخول الحلفاء إلى إرتيريا([18]).
ويشير عثمان صالح سبي إلى أن إنجلترا حاولت، في مطلع القرن التاسع عشر، أن تساعد حكام إثيوبيا على احتلال الساحل الإريتري، وذكر أن القنصل البريطاني في هنري سولت، عرض على رأس ولد سلاسي، حاكم تيجراي، أن يغزوه بحجة فتح أبواب تجارة الحبشة أمام أوروبا. وأقنع الحكومة البريطانية بأن تمده بالسلاح، إلا أن ولد سلاسي لم يتحمس للمشروع، وآثر أن يستفيد من السلاح في إخضاع قبائل بجو الغالبة في إقليمه. ولكن تجدد هذا الأمر في عهد سباقاديس الذي طلب من ملك بريطانيا مساعدته في الاستيلاء على مصوع، في أعقاب طرد نائب مصوع الحامية المصرية عام 1826م، ومضت بريطانيا في تنفيذ المخطط، وأرسلت شحنة الأسلحة، لولا قيام نائب مصوع باحتجازها، ومقتل سباقاديس خلال الصراعات الإقليمية في الحبشة([19]).
وإريتريا بحدودها الحالية ولدت في ظل الاحتلال الإيطالي، بعد أن اجتاحت إيطاليا السلطنات والممالك التي كان تتقاسم السلطة في الأراضي الإريترية، وإيطاليا هي التي أطلقت اسم إريتريا على مستعمرتها الجديدة، وذلك بالمرسوم الذي أصدره الملك همبرت الأول عام 1890م.
الانتداب البريطاني وظهور الأحزاب الوطنية:
وكما كان لبريطانيا يد في تشجيع إيطاليا على احتلال إريتريا، كان على يديها أيضًا خروجها من إريتريا. ففي 10 يونيو 1940م أعلنت إيطاليا الحرب على بريطانيا والحلفاء، بعد انضمامها إلى ألمانيا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، ولم يمضِ عام واحد على ذلك الإعلان، حتى تمكَّنت بريطانيا وقوات الحلفاء من إجلاء إيطاليا عن مستعمراتها في إريتريا وإثيوبيا والصومال الإيطالي. وسقطت أسمرا في مطلع أبريل 1941م، وبعد أيام قليلة من ذلك، كان احتلال إريتريا بالكامل قد تمَّ لبريطانيا وقوات مستعمراتها، وحلّت الإدارة الاستعمارية البريطانية الجديدة محل الإدارة الأهلية التي نصبتها إيطاليا في السابق. كما توجهت فرقة من القوات البريطانية والقوات الحليفة جنوبًا إلى إثيوبيا وقامت بإعادة تنصيب الإمبراطور هايلا سيلاسي في عاصمته أديس أبابا.
وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب، تنازلت عن إريتريا وفق معاهدة لوكسمبرج، مع تأجيل الحل النهائي لمشكلة تبعية إريتريا، ولكن البحث كان يدور بين الدول الكبرى المنتصرة في الحرب (بريطانيا، وفرنسا، وأمريكا، والاتحاد السوفييتي)، حول مصيرها، واستقر الرأي على أن تتولى بريطانيا مقاليد الحكم لفترة انتقالية يقرر بعدها الشعب تقرير مصير إريتريا([20]).
وخلال تلك الفترة، كانت السياسة البريطانية، التي طرحها مشروع لونجرج، الحاكم العسكري البريطاني، تعمل على تقسيم إريتريا على أساس ديني، بضم المحافظات الإسلامية الثلاث، التي كانوا يطلقون عليها المنطقة الغربية، وهي أغردات، وكرن، ونقفة، إلى السودان الذي كان يطلق عليه في ذلك الوقت (السودان الإنجليزي المصري)، وضم الهضبة الإريترية والشواطئ، بما فيها العاصمة أسمرا ومينائي عصب ومصوع، إلى إثيوبيا([21]).
كما شهدت تلك الفترة بدايات نموّ الحركة الوطنية الإريترية، وظهور الأحزاب السياسية، ويسجل المؤرخون أن أول جمعية وطنية للمثقفين الإريتريين، تأسست في أسمرا عام 1938م([22])، وأطلق عليها (محبر فقري هجر) أي: جمعية حب الوطن، وكانت مُشكَّلة من مسلمين ونصارى، وكانت تهدف إلى إلغاء ما اعتبرته (حواجز مصطنعة بين المسلمين والمسيحيين)، وتشجيع وحدة الشعب الإريتري، ودعم الحركة الثقافية والتعليمية، بجانب العمل على تحقيق إصلاحات ثقافية واجتماعية، وكان من أبرز إنجازاتها إلغاء قانون التمييز العنصري الإيطالي، وذلك عام 1943م، بالتعاون مع الإدارة البريطانية. كما تأسَّس في تلك الفترة، حزب (الاتحاد مع إثيوبيا) بزعامة جبر مسقل ثم تدلا بايرو، وهو الحزب الموالي لإثيوبيا الذي يطالب بالاتحاد معها، وقاعدته العريضة من المسيحيين وعدد قليل من أبناء المسلمين. وفي كرن عام 1947م أعلن زعماء المسلمين تأسيس حزب (الرابطة الإسلامية) بزعامة السيد محمد أبوبكر بن جعفر الميرغني، زعيم الطائفة الختمية في إريتريا، وإبراهيم سلطان علي، وأعلنت الرابطة أن هدفها الاستقلال التام مع وحدة التراب الإريتري. بجانب تلك الأحزاب ظهر عدد من الأحزاب الصغيرة مثل؛ الحزب التقدمي الحر، وحزب إريتريا الجديدة، والجمعية الإريترية الإيطالية، وحزب المحاربين القدماء، وحزب المثقفين، وحزب إريتريا المستقلة، والحزب الوطني. وفي عام 1949م شكَّلت هذه الأحزاب الصغيرة حلفًا مع حزب الرابطة الإسلامية أطلقوا عليه اسم (الكتلة الاستقلالية الإريترية)([23]).
وكان الانقسام والخلاف بين القوى السياسية هو الوصف السائد على الحالة السياسية الإريترية، خاصةً في ظل إباحة الحريات العامة مِن قِبَل السلطات البريطانية، فقد عاشت إريتريا في الفترة منذ بروز الأحزاب السياسية حتى نهاية الانتداب البريطاني، حالة من الصراع السياسي العنيف، خاصة في الأعوام الستة الأخيرة (1946– 1952م)، وكانت ساحاته الصحف الحزبية، والفضاء العام من خلال المحاضرات والندوات، والتظاهرات، كما وصل أحيانًا إلى ممارسة العنف وسيلان الدماء.
مزاعم إثيوبيا في إريتريا:
وبعد ستة أسابيع من تنصيبه، بدأ هيلا سيلاسي مطالباته بضم إريتريا إلى إمبراطورتيه، فبعث، في 14 يونيو 1941م، برقية إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، يطلب فيها أن تستخدم بريطانيا مساعيها الحميدة لاستعجال “عودة إريتريا”. وبعد عام من الرسالة الأولى، بعثت الحكومة الإثيوبية، في 18 أبريل 1942م، مذكرة رسمية لبريطانيا العظمى كررت فيها المطالبة الإثيوبية بإريتريا، فحواها: “كانت إثيوبيا مفعمة بالأمل أنه بنهاية الحرب، فإن بريطانيا العظمى ستبذل قصارى جهدها لضمان “عودة إريتريا للإمبراطورية الإثيوبية”. وكان مستند إثيوبيا في المطالبة، الذي سيتكرر عدة مرات في السنوات اللاحقة، يتضمن الرباط التاريخي المزعوم بين إثيوبيا وإريتريا. وأعلنت المذكرة أيضًا أنه “بما أن إريتريا تم أخذها من إثيوبيا بواسطة الإيطاليين، بطريقة غير قانونية، فإنه يجب أن تعود إريتريا إلى مالكها الشرعي إثيوبيا”.
وإثر ذلك، أصدرت وزارة الخارجية البريطانية توجيهًا للمفوضية البريطانية في أديس أبابا بتدقيق النظر في مدى صحة المزاعم التي تضمنتها المذكرة الدبلوماسية الإثيوبية المرسلة في 18 أبريل، فقامت المفوضية البريطانية بالتعقيب على المزاعم الإثيوبية في مذكرة مفصلة، وركزت فيها على نقطتين بارزتين وردتا في المذكرة الإثيوبية، تتعلقان بالحقائق التاريخية، وأكدت مذكرة الرد البريطانية أن إريتريا، خلال تاريخها، انتقلت عدة مرات من يد إلى يد، وأن جزءًا مما يُسمى اليوم إريتريا حكمه العرب أحيانًا، والأتراك أحيانًا أخرى، وكذلك المصريون، والإيطاليون.
وفي إجابتها على النقطة المتعلقة بـ (المالك الشرعي) الواردة في المذكرة الإثيوبية، نوّهت مذكرة المفوضية البريطانية إلى أهمية معاهدتين وقعتهما إثيوبيا، وهما معاهدة (أوتشيالي Ucciali: 1889) ومعاهدة (أديس أبابا Addis Ababa: 1900) اللتان تم توقيعهما في عهد الملك منليك، وتستندان إلى حقيقة ثابتة، وهي أن التفاوض فيهما تم بحرية ووضوح تامَّين على مناطق سيطرة إثيوبيا الاتحادية. وفي كلتا المعاهدتين تم تثبيت الحدود بين إريتريا وإثيوبيا، وهذه الحدود ظلت قائمةً حتى الحرب الإثيوبية الإيطالية (1934- 1936م)، ويُلاحظ فيها أن “أغوردات، وكرن، وأسمرا، تقع تمامًا داخل الحدود المستعمرة الإيطالية، ومن ثَمَّ، قررت المذكرة البريطانية أنه، وبناءً على الأراضي الشرعية التي تم التعاهد عليها، فإن خلفاء الإمبراطور منليك لا يكون لهم أيّ مطالب في إريتريا”([24]).
قضية إريتريا في الأمم المتحدة:
في العام 1948م أُحيلت قضية تصفية مستعمرات إيطاليا السابقة (إريتريا، ليبيا، الصومال) إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أن فشلت لجنة التحقيق المشتركة في مستعمرات إيطاليا، التي كونتها الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (بريطانيا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفييتي)، في التوصل إلى اتفاق بشأن التصفية. وتمت الإحالة بموجب مادة ملحقة في معاهدة الصلح الموقعة مع إيطاليا في العام 1947م، تنص على هذه الإحالة في حال عدم توصل الدول الأربع إلى اتفاق في غضون عام واحد من وضع المعاهدة.
وفي الأمم المتحدة كان الخلاف بشأن إريتريا أكبر بكثير منه بشأن بقية المستعمرات الإيطالية، وانقسمت آراء الدول الأعضاء إلى ثلاثة اتجاهات: اتجاه يري أنه لا يمكن اتخاذ أيّ إجراء إلّا بعد تكوين لجنة أممية للتحقيق بشأن إريتريا، واتجاه يرى ضرورة منح الشعب الإريتري حق تقرير المصير، والمشروع البريطاني الداعي لتقسيم إريتريا، الذي هُزم بأغلبية صوت واحد.
ولم تفلح الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها تلك، في الوصول إلى قرار بشأن القضية المطروحة أمامها، فأجَّلت النظر فيها إلى جلستها العادية في العام المقبل. وخلال سنتين ظلت قضية إريتريا محل نقاش في مداولات الأمم المتحدة، فاستمعت، في جلسة العام 1949م، إلى تقرير لجنة التحقيق التي كوَّنتها، وفي جلسة العام 1950م ناقشت مشاريع القرار المقدَّمة من الدول الأعضاء؛ حيث كانت تلك المشاريع تدور بين منح إريتريا الاستقلال الفوري، أو بعد عدة سنوات، وبين منح حق تقرير المصير للشعب الإريتري من خلال جمعية وطنية تُمثّله، وبين المشروع الأمريكي الذي يتبنَّى دخول إريتريا في اتحاد كونفيدرالي مع إثيوبيا، وتحت سيادة التاج الإثيوبي.
وعقب مداولات، تم التصويت على المشاريع المُقدَّمة، ليفوز المشروع الأمريكي، وتُصادق عليه الأمم المتحدة، ويصدر بفحواه القرار الفيدرالي رقم 390 (أ) (5)، الذي نصّ على «أن تصبح إريتريا وحدة متمتعة بحكم ذاتي في إطار اتحاد مع إثيوبيا تحت سيادة التاج الإثيوبي».
وانتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة إدوارد أنزي ماتنزو من (بوليفيا)، ليكون ممثلًا لها في إريتريا، ويُنجِز مهمتين؛ المساعدة في التسوية السياسية، وصياغة دستور لإريتريا بالتشاور مع الحكومة إثيوبية وسكان إريتريا والإدارة البريطانية([25]).
وهكذا نجحت الولايات المتحدة في تمرير مشروعها بربط إريتريا بإثيوبيا من خلال الأمم المتحدة، التي وضعت دستورًا ديمقراطيًّا تشكَّلت بموجبه حكومة إريترية، ونص على أن لإريتريا لغتين وطنيتين، هما العربية والتجرينية، تتم بها المعاملات الرسمية في إريتريا، ونص الدستور كذلك على شكل للحكم أشبه بالنظام الرئاسي، ونص على مجلس تشريعي مُنتَخب لمدة أربع سنوات، لا تقل عضويته عن 50 عضوًا ولا تزيد عن 70، كما نص على أن ممثل إمبراطور إثيوبيا له الحق في المطالبة بإعادة النظر في مشروعات القوانين الإريترية إذا رأى أنها تتعدى على المسؤولية الدولية للاتحاد. وحصلت أمريكا في مقابل ذلك على قاعدة عسكرية منحتها إياها إثيوبيا في (كاينو ستيشن)، بمدينة أسمرا.
وفي ديسمبر 1953م طبق الاتحاد الفيدرالي بين إريتريا وإثيوبيا فعليًّا، واستمر حتى قيام إثيوبيا بإلغائه، من جانب واحد، في العام 1962م، وإعلانها ضم إريتريا إليها كجزء من إمبراطوريتها([26]).
لم يأتِ قرار إثيوبيا بإلغاء الاتحاد، مفاجئًا، فقد عملت للوصول إلى ذلك طوال فترة الاتحاد الفيدرالي؛ حيث كانت تتعامل مع إريتريا باعتبارها مقاطعة كاملة التبعية لإثيوبيا وليست دولة ذات حكم ذاتي يربطها بإثيوبيا اتحاد كونفدرالي. وكانت الحكومة الإثيوبية تمارس كل أشكال التدخل السافر في الشؤون الإريترية الداخلية، في القوانين، والاقتصاد، وغيرها، فقد استولت على كثير من ثروات إريتريا، ونصبت ما يُسمى بالمحاكم الفيدرالية، لمحاكمة الإريتريين الذين يعارضون سياستها التوسعية، ومارست الإرهاب والبطش ضد الشعب الإريتري بكل أشكاله، وأنشأت عصابات (الشفتة) الذين روَّعوا الشعب بعمليات العنف والاغتيالات والسلب والنهب. واستولت -بتواطؤ مع الإدارة البريطانية السابقة- على جميع الممتلكات الإيطالية السابقة التي تخصّ الحكومة الإريترية قانونًا، قبل أن يدخل القرار الفيدرالي حيِّز التنفيذ، وقبل أن تُؤلَّف الحكومة الإريترية بشكل كامل، وذلك في عام 21 أغسطس عام 1952م، فأصبحت جميع المرافق الحيوية كالجمارك والسكك الحديدية والبريد والبرق وسائر المطارات والموانئ بيدها([27]).
وخلال تلك الفترة اتخذت إثيوبيا إجراءات سريعة لتثبيت هيمنتها على إريتريا واقعيًّا، فقامت بتحريك جيشها لاحتلال إريتريا، فاستولى على الثكنات التي كان يحتلها الجيش الإنجليزي، كما حلَّت جميع الأحزاب السياسية ما عدا حزب الاتحاد، وعين الإمبراطور هيلاسيلاسي صهره (أندلكاتشو ماساي) ممثلًا له في إريتريا، وعيَّن زعيم حزب الاتحاد الموالي لإثيوبيا رئيسًا للوزراء، وعزل رئيس البرلمان الإريتري السيد إدريس محمد آدم، الذي أصبح بعد ذلك لاجئًا سياسيًّا بمصر([28]).
أما الأمم المتحدة، فقد تجاهلت المذكرة التي قدَّمها وفد الشعب الإريتري برئاسة السيد محمد عمر قاضي عام 1957م، التي حوت شكوى الشعب الإريتري ضد الاعتداءات الإثيوبية على الكيان الإريتري، وعاد الوفد إلى البلاد ليجد السجن بانتظاره.
انطلاق الثورة الإريترية والطريق إلى الاستقلال:
أدَّت كل التصرفات السابقة إلى اندلاع الثورة الإريترية، بقيادة جبهة التحرير الإريترية، التي نشأت وسط الجاليات الإريترية، من العمال والطلاب، بالدول العربية مثل السودان، والمملكة العربية السعودية ومصر، ثم انتقلت إلى داخل إريتريا، لتلتحم بالانتفاضة العفوية التي قادها المرحوم حامد إدريس عواتي في جبال إريتريا، في 1/9/1961م، مع بضعة مقاتلين ببنادق إيطالية عتيقة، وتحوَّلت بعد ذلك إلى ثورة مسلحة منظمة، تنادي بالاستقلال الكامل عبر الكفاح المسلح؛ حيث تم تكوين الخلايا السرية التي انتشرت في جميع قطاعات الشعب، وتمت تعبئة الشعب الإريتري بالثورة على الاحتلال، وتعميق فكرة الاستقلال الوطني.
وكان أكبر تنظيمين قادا الثورة الإريترية في بدايتها هما:
1- حركة التحرير الإريترية: التي نشأت في بورتسودان عام 1958م، وقامت بتنظيم خلايا سرية سباعية في معظم المدن الإريترية، ونادت بشعار (العنف الثوري هو الطريق الوحيد للاستقلال وتحقيق الأمان القومي للشعب الإريتري)، وكان من أبرز قيادات الحركة محمد سعيد إدريس ناود الذي يُعتَبر مُؤسِّسها، وولد آب ولد مريام، وطاهر إبراهيم فداب، وغيرهم.
2- جبهة التحرير الإريترية: تأسست عام 1960م، والتحمت، في عامها التالي، مع انتفاضة الزعيم حامد إدريس عواتي بالداخل الإريتري. وفي العام 1970م اندمجت حركة التحرير الإريترية مع جبهة التحرير، تحت رئاسة الزعيم عثمان صالح سبي.
منذ انطلاقة الثورة نفَّذ الثوار الإريتريون عمليات حربية ناجحة ضد الاحتلال الإثيوبي، فأصدر الإمبراطور أوامره لقواته في إريتريا باستعمال العنف بحرية مطلقة لقمع ما أسماه بحركة التمرد، خلال شهر واحد. فشنَّت القوات الإثيوبية حملات وحشية ضد الشعب الإريتري، شملت الإبادة الجماعية لآلاف المواطنين، واعتقال الآلاف، وممارسة التعذيب والاضطهاد، ولكن ذلك لم يُثْنِ عزيمة الثورة الإريترية وواصلت كفاحها، خاصةً بعد حصولها على الدعم والتسليح من بعض الدول العربية، وصعّدت عملياتها العسكرية حتى شملت جميع الريف الإريتري، وانتقلت من المنطقة الغربية، إلى كل الأراضي الإثيوبية وصارت ثورة قومية.
وفي العام 1974م ضربت المجاعة إثيوبيا، فتمردت عليها الفرقة العسكرية الثانية المرابطة في إريتريا، بعد هزيمة ساحقة ألحقها بها الثوار الإريتريون، وكان تمرُّدها بداية لتمرُّد شامل بالجيش الإثيوبي، ليقود انقلابًا ويسقط الإمبراطور هيلاسيلاسي ويزيحه عن السلطة؛ حيث خلفه على الحكم المجلس العسكري (الدرق) برئاسة الجنرال (أمان عندوم)، الإريتري الأصل، الذي أعلن برنامجًا سلميًّا لحل القضية الإريترية، ولكن رفاقه المتعصبين قتلوه([29])، ليصعد بعده إلى سدة الحكم الدكتاتور منقستو هايلي مريام، الذي استمرت الثورة الإريترية في عهده، حتى سقوط حكمه وهروبه من إثيوبيا في بداية تسعينيات القرن الماضي.
وخلال ثلاثين عامًا من مسيرة الكفاح، تخللتها كثير من الانتصارات والهزائم، وكثير من الإنجازات والإخفاقات، وضربت صفوف الثورة الانشقاقات والتصدعات؛ بعد تلك المسيرة الشاقة من الآلام والآمال، نجح الشعب الإريتري في تحرير كامل ترابه الوطني في العام 1991م، وتحقيق استقلاله بعد استفتاء أبريل 1993م الذي صوَّت فيه 99% من الشعب الإريتري لصالح الاستقلال، ليتم إعلانه رسميًّا في 24 مايو 1993م، وقامت في إريتريا حكومة وطنية، ليبدأ فصل آخر من فصول التاريخ الإريتري، ولكن لم ينقطع فيه الكفاح من أجل تحقيق العدالة.
……………………………………………
[1] – انظر: عثمان صالح سبي، تاريخ إريتريا، بدون اسم ناشر أو مطبعة، ص 22.
[2] – المصدر السابق.
[3] – نسبة إلى (كوش بن حام بن نوح)، ويرى بعض المؤرخين أنهم هم الأصول الأولى لقدماء المصريين، وأنهم هم بناة الحضارة الفرعونية.
[4] – بازل ديفدسون، إفريقيا تحت أضواء جديدة، ترجمة جمال محمد أحمد، طبعة دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، ص 289.
[5] – عمر حاج الزاكي، مملكة مروي: التاريخ والحضارة، سلسلة إصدارات وحدة تنفيذ السدود، الخرطوم 2005، ص 42.
[6] – عثمان صالح سبي، مصدر سابق، ص 26.
[7] – المصدر السابق ص (42-43).
[8] – صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، دار الحديث القاهرة، الطبعة الأولى 1997م، ص (98-99).
[9] – عثمان صالح سبي، مصدر سابق ص 58- 59.
[10] – ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة دار المعارف 1961م، ج 2/ ص 329.
[11] – محمود شاكر، إريتريا والحبشة، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1983م، ص 17.
[12] – فتحي غيث، الإسلام والحبشة غبر التاريخ، ص 315.
[13] – محمود شاكر، مصدر سابق، ص 19 (بتصرف).
[14] – فتحي غيث، مصدر سابق، ص 315-316.
[15] – عثمان صالح سبي، مصدر سابق، ص 117 -118.
[16] – انظر: محمد عثمان أبوبكر، تاريخ إريتريا المعاصر أرضًا وشعبًا، بدون دار نشر، ص 51-56.
[17] – محمود شاكر، مصدر سابق، ص 19.
[18] – المصدر السابق، بتصرف، ص 19- 34.
[19] – عثمان صالح سبي، مصدر سابق، ص 148.
[20] – محمد عثمان أبوبكر، مصدر سابق، ص 427.
[21] – عثمان صالح سبي، مصدر سابق، ص 184.
[22] – محمد عثمان أبوبكر، ص 433.
[23] – عثمان صالح سبي، ص 184-188.
[24] – Take Fessehatzion, The International Dimenions of the Eritrean Question, Horn of Africa journal, volume 6 No. 2, 1983
[25] – انظر: عثمان صالح سبي، ص (190- 209)، ومحمد عثمان أبوبكر، ص (450-464).
[26] – منصور أبو سما، قراءة في إريتريا ومسؤوليات ما بعد الاستقلال: رؤية مستقبلية، مقال منشور بموقع سماديت كوم www.samadit,com
[27] – محمد عثمان أبوبكر، مصدر سابق، ص 507.
[28] – محمود شاكر، مصدر سابق، ص 84-85.
[29] – منصور أبو سما، مقال، مصدر سابق.