تمهيد:
منذ عام 1436م، عندما اخترع يوهانس جوتنبرج آلة الطباعة المتحركة، شهد العالَم نموًّا مستمرًّا ومتزايدًا في معرفة القراءة والكتابة، مما فتح عالمًا جديدًا من التنوير. وصلت تلك الآلة إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بعد أربعة عقود من اختراعها، ولكن كان الغرض من إدخالها تسهيل عمل البعثات التنصيرية، التي كان أول مَن أدخلها.
وسرعان ما نجح الأفارقة في استخدامها في طباعة منتجاتهم الفكرية المختلفة، واستخدموها سلاحًا ضد المستعمر أيضًا. وبعد الاستقلال مباشرةً أصبحت مجالًا للاستثمار وصناعة مستقلة، تتطور مع تطوُّر آلتها، وتطوُّر باقي قطاعات الاقتصاد.
غير أن تناول هذه الصناعة بالدراسة شحيح، وأردت من خلال هذه المقالة تسليط الضوء عليها بإيجاز من خلال المحاور التالية:
- أولًا: تاريخ الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء.
- ثانيًا: صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء وعوامل دَفْعها.
- ثالثًا: سوق الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء.
- رابعًا: التحديات التي تواجه صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء.
- خامسًا: نظرة استشرافية.
- خاتمة.
أولًا: تاريخ الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء
منذ أواخر القرن التاسع عشر فصاعدًا، شهدت إفريقيا انتشارًا واسع النطاق لأنواع مختلفة من المطبوعات والكتابة، وفي حين كان العديد من الذين يُنتجون هذه الموادّ ويتفاعلون معها متعلمين تعليمًا جيدًا وذوي مكانة عالية، كان آخرون من غير النُّخبة أيضًا يتفاعلون معها؛ مثل العمال والموظفين والكتبة والتجار والحرفيين.
واعتقد العديد من الناس أنه من خلال الطباعة، يمكن للمرء أن يخلق مجتمعًا مدنيًّا متحضرًا. وربما كانت أول رواية غرب إفريقية صدرت في (غانا)، بعنوان “ماريتا”، وتم نشرها على دفعات بواسطة صحيفة محلية في جولد كوست من عام 1886 إلى عام 1888م.
وبعد بضعة عقود نشرت صحيفة نيجيرية سلسلة من الرسائل بعنوان “قصة حياتي”، وقدمت جنوب إفريقيا في أوائل القرن العشرين نوعًا آخر من تجربة الطباعة أكثر عالمية؛ عبر صحيفة متعددة اللغات وعابرة للحدود تسمَّى “الرأي الهندي”. وفي كينيا، أسَّس جومو كينياتا صحيفته الكيكويو “مويغوثانيا” في عام 1928م. وفي عصر ما بعد الاستقلال، نُشرت “مذكرات السجن”، بواسطة مطابع محلية في شرق نيجيريا([1]).
وعلى الرغم من أن المطبعة لم تصل إلى إفريقيا جنوب الصحراء إلا بعد وصول الإداريين الاستعماريين والمنصِّرين المسيحيين في القرن الثامن عشر؛ إلا أن انخراط القارة في الكتابة واقتصادات النص أقدم بكثير، وربما يرجع إلى القرن السابع عشر؛ حيث كان المبشِّرون البروتستانت من أوائل الذين جلبوا المطبعة إلى المنطقة.
وكان الاستثمار في تكنولوجيا الطباعة أفضل من استيراد الكتب؛ حيث كان النقل طويلًا واللغات الإفريقية غير معروفة في أوروبا في الغالب. وبسبب القيود التكنولوجية، كان من الصعب بناء المطابع. وكان المُنصِّرون يستوردون آلات الطباعة اليدوية؛ ففي عام 1819م، وأبحر توماس ستينجفيلو وروبرت جودلونتون، وهما من المستوطنين الإنجليز إلى جنوب إفريقيا بصندوق كبير يحتوي على آلة طباعة خشبية مستعملة، وكانت مكلفة؛ حيث كانت تكلفة المطبعة في المتوسط تعادل أجر العامل لمدة 25 عامًا. وكانت كبيرة الحجم، وكان على الطابعين تدريب العمالة والقيام بالكثير من العمل الميكانيكي بأنفسهم؛ “وكان المحرر والطابع والناشر والمالك مجتمعين في شخص واحد”. وغالبًا ما يُديرها مستوطنون لديهم خبرة في مكتب طباعة في إنجلترا. فضلاً عن القيام باستثمارات تعليمية. وفي عام 1896م، كانت أربع مدارس طباعة نَشِطَة بالفعل في جنوب إفريقيا وزنجبار ومالاوي مع ما يقرب من 300 طالب([2]).
كان نشر مواد التنصير في إفريقيا أمرًا أساسيًّا بالنسبة لطموحات التبشير، ومنذ بدء عملهم لم تنشر مطابع البعثات النصوص المسيحية فحسب، بل كانت أيضًا أول من أنتج جميع أنواع المواد المكتوبة. وكانت أول صحيفة موجَّهة للسود، صحيفة Umshumayeli Wendaba (“ناشرو الأخبار”)، عام 1837م، وتم طباعتها في جمعية التبشير الويسليانية في مستعمرة كيب. وصدرت صحيفة Isigidimi samaXhosa وهي أول صحيفة إفريقية يحررها أفارقة، لأول مرة في يناير 1876م، وتم طباعتها في مطبعة Lovedale Mission Press في جنوب إفريقيا. وفي نوفمبر 1884م، صدرت الصحيفة الأسبوعية Imvo Zabantsundu (“الرأي الإفريقي”)، وكانت أول صحيفة مملوكة للسود في جنوب إفريقيا([3]).
وكان المشيخيون أول من استوردوا المطابع في غرب إفريقيا، وقاموا بتدريب المشغلين المحليين، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أنتجوا كتب التعليم المسيحي والدروس والتقويمات والكتب المدرسية. وتبعتهم جمعيات أخرى. ومن عجيب المفارقات أن القيود المفروضة على الشحن والواردات أثناء الحرب العالمية الثانية عزَّزت إنتاج الكتب المحلية. فمثلاً حظيت دار الكتب الميثودية في غانا بحصة بلغت 60% من سوق التعليم الوطني عام 1950م. بينما سيطرت دور النشر التنصيرية على إنتاج الكتب في العديد من أجزاء القارة حتى منتصف القرن العشرين، مع سيطرة حفنة من دور النشر المملوكة للأجانب أو التابعة للشركات المتعددة الجنسيات على الكثير من أنشطة النشر خلال النصف الثاني من القرن([4]).
وكان هناك أيضًا تدخلات حكومية ملحوظة، فقد عملت مكاتب الآداب العامة والمبادرات التي ترعاها الدولة في جميع أنحاء القارة. وافتُتحت مطبعة جامعة أكسفورد النيجيرية عام 1949م. وتبعتها مطبعة جامعة إبادان، أول مطبعة جامعية إفريقية خارج جنوب إفريقيا عام 1951م. وشهدت الخمسينيات تأسيس عدد من المجلات الأدبية الجديدة. وانضمَّت إليهم أعداد متزايدة من المطابع التجارية، أو التي ترعاها الدولة، سواء كانت مملوكة محليًّا أم أجنبيًّا([5]).
تطورت ثقافات الطباعة في دول شرق إفريقيا، في وقت متأخر نسبيًّا وبصورة أقل كثافة من غرب إفريقيا لعدد من الأسباب: غياب إعادة توطين العبيد السابقين على نطاق واسع وتأسيس البعثات في المنطقة في وقت متأخر وأقل كثافة؛ وغياب المؤسسات التعليمية للأفارقة حتى أوائل القرن العشرين. وتطورت المطابع العامية والصحف ونشر الكتب على نطاق واسع بعد الحرب العالمية الثانية. بينما وصلت أول مطبعة إلى مستوطنة شركة الهند الشرقية الهولندية في رأس الرجاء الصالح بعد عام 1784م، وأسَّس جان كارل جوتا شركة نشر تجارية في كيب تاون في وقت مبكر من عام 1853م؛ وظلت أقدم دار نشر منتجة باستمرار في البلاد.
وبعد الحرب العالمية الثانية، توسَّع النشر المحلي، وبدأت الطباعة في جنوب إفريقيا الناطقة بالبرتغالية في عام 1843م، وفي أماكن أخرى، كما أدخل الفرنسيون الطباعة إلى موريشيوس عام 1767م، ثم إلى مدغشقر عام 1826م([6]).
ثانيًا: صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء وعوامل دَفْعها
إن إفريقيا تشهد بالفعل تحولًا كبيرًا نحو الطباعة الرقمية، التي تتفوق بسرعة على الطباعة التناظرية التقليدية، مثل التعبئة والتغليف والإعلان والنشر. وهذا يخلق فرصًا لتحقيق الإيرادات للشركات العاملة فيها. ويوجد ما يُقدَّر بنحو 2000 شركة طباعة تجارية، تتراوح من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم إلى الصغيرة جدًّا؛ تلبّي احتياجات مجموعة متنوعة من العملاء، وتوفّر مجموعة واسعة من الخدمات. بالإضافة إلى شركات الطباعة التجارية، وهناك ما يقرب من 1000 شركة أخرى تقدم خدمات ما قبل الطباعة وما بعد الطباعة. وتتضمن خدمات ما قبل الطباعة أنشطة مثل التخطيط والتصميم، وتشمل خدمات ما بعد الطباعة عمليات مختلفة بما في ذلك التجليد والتشطيب.
إن صعود الطباعة الرقمية في إفريقيا مدفوع بعدة عوامل؛ من أهمها: أن التكنولوجيا الرقمية توفر مرونة أكبر وخيارات تخصيص واستجابة أسرع. ومن بين تقنيات الطباعة الرقمية المختلفة، تتمتع الطباعة بالليزر بإمكانات هائلة لتوسيع نطاق تبنّي التكنولوجيا الرقمية في إفريقيا؛ حيث تقدم مطبوعات عالية الجودة ودقيقة، كما يمكن للطباعة الرقمية أن تُقلّل بشكل كبير من النفايات من خلال السماح للشركات بطباعة الكمية المطلوبة بالضبط، وتمكن من تخصيص المواد المطبوعة، مما يساعد الشركات على إنشاء محتوى أكثر جاذبية واستهدافًا لجمهورها([7]).
وكذلك أدت الزيادة في التحضر إلى زيادة في عدد مصانع الإسمنت، وكلها تتطلب أكياسًا مطبوعة، ولوحات إعلانية وكتيبات وما شابه. وتشهد أغلب البلدان حالة مماثلة فيما يتصل بالأغذية والمشروبات؛ حيث أصبحت عمليات التعليب، وبالتالي الطباعة أكثر شيوعًا. ففي أنجولا ارتفعت الإمدادات المحلية من البيرة وعصائر الفاكهة ومنتجات الألبان والذرة واللحوم ومواد التنظيف والمنتجات المماثلة بشكل كبير على مدى السنوات الخمس الماضية. وتظل اللوحات الإعلانية وسيلة إعلانية وتواصلية رئيسية في مختلف أنحاء المنطقة، وفي حين توجد أدلة على تحرك بطيء نحو اللوحات الإعلانية الرقمية؛ فإن اللوحات المطبوعة التقليدية حاضرة بقوة([8]).
ووفقًا للبنك الدولي، فإن ستة من أسرع عشر اقتصادات نموًّا في العالم توجد في إفريقيا. فشركات الطباعة العالمية تتطلع بشكل متزايد إلى الأسواق الإفريقية كوجهات استثمارية محتملة، ووفقًا لبنك التنمية الإفريقي فالعديد من الدول الإفريقية سجَّلت معدلات تنمية بلغت نحو 6%. ومع اقتراب سوق الطباعة العالمية من التشبُّع، من المتوقع أن توفّر الاقتصادات الإفريقية للاعبين العالميين فُرص نُموّ محتملة([9]).
ثالثًا: سوق الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء
تنتج إفريقيا أقل من 2% من إنتاج الكتب العالمي، وتظل غير قادرة على تلبية احتياجاتها؛ حيث تستورد حوالي 70% من كتبها (وتُصدّر حوالي 5% من ناتجها). لقد أعاقت الأزمات الاقتصادية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين قدرات العديد من الحكومات الإفريقية على تمويل تطوير الكتب أو دعم النشر، ناهيك عن المكتبات؛ فقد جعلت العملات الضعيفة استيراد الكتب ومواد النشر المنتجة في الخارج أمرًا باهظ التكلفة. وحتى في جنوب إفريقيا، التي يمكن القول: إنها تمتلك صناعة النشر الأكثر تطورًا، ومع ذلك فإن أقل من 10% من السكان لديهم المال لشراء الكتب بانتظام. ومع ذلك، تواصل دور النشر الصغيرة في جميع أنحاء القارة -كان عددها أكثر من 200 دار نشر نشطة في عام 2000م- إنتاج المواد بأشكال ولغات متنوعة([10]).
وتشير نظرة سريعة على بعض مؤشرات نموّ صناعة الطباعة في المنطقة؛ إلى أنها نمت بسرعة كبيرة على مدى العقد الماضي. وإذا نظرنا إلى سلَّة من المنتجات، بما في ذلك آلات الطباعة ومجموعة من الأوراق المستخدَمة في الصناعة، نجد أن واردات إفريقيا جنوب الصحراء من هذه المنتجات بلغت 681 مليون دولار عام 2000م، وبحلول عام 2005م، عندما كان طفرة السلع الأساسية الجديدة جارية على قدم وساق، ارتفع هذا الرقم إلى 1.3 مليار دولار، وبحلول عام 2010م، قبل أن يبدأ التباطؤ العالمي في التأثير، وصل إلى 3 مليارات دولار. وبحلول عام 2014م، وصل الرقم إلى 3.3 مليار دولار، لكنه شهد بعض الركود على مدى السنوات الخمس التالية. ومع ذلك، فإنه يمثل نموًّا بنسبة 12٪ سنويًّا على مدى ما يقرب من عقد ونصف، بالنظر إلى التحديين المتمثلين في التباطؤ الاقتصادي والوسائط الرقمية([11]).
وفي حين شهدت المنطقة ككل تباطؤًا في السنوات الأخيرة، فإن الكثير من ذلك كان بسبب الاقتصاد الراكد في جنوب إفريقيا، فالدولة هي أكبر مُصدِّر لهذه المنتجات إلى بقية بلدان المنطقة. فقد بلغت حصتها 17% من إجمالي الصادرات إلى المنطقة في عام 2014م، متقدمةً على ألمانيا (12%) والصين (8%). ولكنَّ هذه الحصة تراجعت في السنوات الأخيرة من 22% في عام 2010م، في حين ارتفعت حصة ألمانيا والصين من 11% إلى 12%، ومن 4% إلى 8% على التوالي ([12]).
وتشهد سوق الطباعة العالمية نموًّا ثابتًا، مع توقُّعات متفائلة للسنوات القادمة. في عام 2021م، قُدِّر حجم السوق بنحو 311.53 مليار دولار، وكان من المتوقع أن يصل إلى 322.43 مليار دولار بحلول عام 2022م، مما يشير إلى معدل نموّ سنويّ 3.5٪. ومن المتوقع أن يتوسَّع سوق الطباعة إلى 350.2 مليار دولار بحلول عام 2026م، بمعدل نموّ سنويّ يبلغ 2.1%.
ومن المتوقع أن يشهد سوق الطابعات نموًّا كبيرًا، بقيمة تقديرية تزيد عن 235.3 مليون دولار بحلول نهاية عام 2031م. ويشير هذا إلى مستقبل واعد للطباعة في إفريقيا؛ حيث يُقدّم فرصًا كبيرة للمتخصصين في الصناعة للاستفادة من سوق متنامية واغتنام هذه الاحتمالات الناشئة. ومع التقارب بين الاتجاهات والتقنيات الجديدة، أصبحت صناعة الطباعة على أُهبة الاستعداد لرحلة تحويلية إلى الأمام. من الطباعة ثلاثية الأبعاد والطباعة بالبيانات المتغيرة إلى أساليب الطباعة الصديقة للبيئة. وفي مجال خدمات الطباعة، سوف يحتاج مزودو خدمات الطباعة إلى إعطاء أهمية قصوى لأمن الطباعة؛ نظرًا لأن مزودي خدمات الطباعة يتعاملون غالبًا مع مشاريع طباعة تنطوي على أصحاب مصلحة متعددين، فإن خطر حدوث خروقات أمنية يزداد بشكل كبير([13]).
ووفقًا لتقرير شركة Transparency Market Research عن سوق الطباعة في إفريقيا للفترة من 2017 إلى 2020م، والفترة المتوقعة من 2021 إلى 2031م؛ فإن الارتفاعات الكبيرة في الطباعة التجارية تجذب بشكل كبير المتخصصين المحليين والدوليين للاستثمار في السوق الإفريقية. وتقود جنوب إفريقيا هذا التوسع خلال الفترة المتوقعة، تليها دول شرق إفريقيا.
ومن المتوقع أن تلعب صناعة الطباعة في جنوب إفريقيا دورًا كبيرًا، وبشكل خاص في الاقتصاد المحلي، وتُوفّر فرص العمل لأكثر من 50 ألف شخص. ويبدو أن النمو الكامن في الاقتصادات الإفريقية ينذر بطلب متزايد على الطباعة؛ على الرغم من أنها تظل سوقًا مجزأة، فمن المتوقع أن تزدهر في جميع أنحاء القارة، ولكن وعلى الرغم من نشر ملايين الكتب منذ ذلك الحين، إلا أن استهلاك الورق يتغيّر؛ حيث يتجه المستهلكون بشكل متزايد إلى وسائل الاتصال الرقمية والإلكترونية. ومع زيادة الاعتقاد بأن صناعة الورق تُسهم في إزالة الغابات وزيادة انبعاثات الكربون، جنبًا إلى جنب مع الدعوات المتزايدة للتخلي عن الورق؛ يتوقع أن يتم الترويج لقارئات الكتب الإلكترونية بالإضافة إلى الرسائل التي تحثّ المتلقين على عدم طباعة رسائل البريد الإلكتروني، على الرغم من عدم وجود دليل يدعم هذه الفرضية؛ حيث يتم حصاد 10% فقط من الأشجار المزروعة سنويًّا، ويتم تجديدها بالكامل في نفس العام.
كما تخلق الصناعة فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الأشخاص في المناطق الريفية والمدن، من الغابات إلى المصانع. في حين أن الرقمنة يمكن أن تكون منطقية في مجموعة من التطبيقات، فإن الورق هو أيضًا جزء من الرحلة الرقمية([14]).
لقد شهدت القارة زيادة في استخدام الطابعات النافثة للحبر الرقمية؛ نظرًا لمعدل الطباعة الأسرع مقارنة بالطابعات التقليدية. وتبلغ قيمة سوق الطباعة النافثة للحبر حاليًّا 80.4 مليار دولار، ومن المرجَّح أن تصل إلى 118.2 مليار دولار في عام 2025م.
علاوةً على ذلك، كانت هناك أيضًا حركة ملحوظة من الطباعة التقليدية بالأبيض والأسود إلى الطباعة الملونة مما مهَّد الطريق لنمو الطلب على الطابعات الليزرية وطابعات نفث الحبر في إفريقيا. وبشكل أكثر تحديدًا، هناك اثنا عشر دولة إفريقية تعمل على تطوير صناعة الطباعة الرقمية الإفريقية؛ وهي: جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغانا، وساحل العاج، وكينيا، وموريشيوس، وموزامبيق، وناميبيا، ونيجيريا، والسنغال، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوي([15]).
رابعًا: التحديات التي تُواجه صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء
إن التحديات التي تواجه صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء كثيرة؛ ومن أهمها: الافتقار إلى التمويل للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة، والرسوم الجمركية المرتفعة، فضلاً عن إمدادات الطاقة غير الموثوقة في بعض البلدان، ونقص توافر بعض الركائز والوسائط في بلدان أخرى، والبطء أو عدم الدفع من قبل العملاء، بالإضافة إلى الفساد الحكومي([16]).
ومن التحديات كذلك: التغير التكنولوجي السريع؛ وندرة المصادر المحلية لمعدات الطباعة واللوازم؛ وانخفاض مستوى جودة الطباعة بشكل عام؛ الطباعة أحادية اللون في الغالب؛ التكلفة المرتفعة نسبيًّا للمواد الخام؛ التعريفات الجمركية المرتفعة على مدخلات الصناعة؛ ندرة وانخفاض مستوى المهارات الفنية؛ سوء الإدارة؛ مستوى بدائي من التكنولوجيا بشكل عام؛ مشاكل البنية التحتية الكبيرة؛ أسواق صغيرة ومتخلفة؛ ضعف الرقابة البيئية؛ علاقات سيئة بين المطابع/الناشرين؛ وندرة المؤسسات التدريبية والتعليمية للفنون الرسومية([17]).
أيضًا نقص الطابعات والمعدات المتعلقة بالطباعة؛ فقبل عقد من الزمن، كانت الطباعة على الشاشة تتم في جنوب إفريقيا، ثم يتم شحنها إلى بقية القارة، ولكن مع انخفاض أوقات التشغيل وميل الناس إلى الطباعة بشكل رقمي أكثر، تغيَّرت الاتجاهات بشكل كبير. وبدأ المستهلكون والشركات في بقية أنحاء إفريقيا في شراء الطابعات الكبيرة الخاصة بهم؛ حتى يتمكنوا من الطباعة محليًّا. والتحدي المؤسف الذي يواجهه مُورّدو الطباعة الأفارقة هو نقص الطابعات والأجزاء المتعلقة بالطباعة المتاحة في السوق الإفريقية([18]).
خامسًا: نظرة استشرافية
أظهرت سوق الطباعة الإفريقية علامات التعافي بعد الوباء في عامي 2022 و2023م، لكن العديد من الآثار اللاحقة لا تزال باقية. ويستمر العمل عن بُعْد، والدفع نحو التحول الرقمي في تشكيل السوق. وأداء السوق في جنوب إفريقيا هو الذي يُلقي بظلاله على أسواق الطباعة في القارة. وتستمر مشكلات تخفيف الأحمال الكهربائية في تثبيط نموّ اقتصاد الدولة. ومن المتوقع أن يتحقق نموًّا معتدلًا في الطباعة الإفريقية على مدى السنوات الثلاث المقبلة مع تكيُّف الصناعة مع متطلبات المنتجات الجديدة، ومع تركيز الشركات الأجنبية على الفرص المتاحة في الأسواق الناشئة([19]).
وتشهد الطباعة التجارية، مثل المنتجات الإعلانية والترويجية، انخفاضًا طفيفًا في الأحجام مع تسارع التحول الرقمي. وقد أظهرت طباعة الكتب نموًّا قويًّا في السنوات الأخيرة، وستستمر في القيام بذلك في عام 2024م. وستتبع مبيعات معدات الطباعة اتجاهات السوق هذه، مع حرص العديد من الشركات المُصنّعة للمعدات الأصلية على تنويع محفظة معداتها.
وأدى التحول من الطباعة أحادية اللون إلى الطباعة الملونة في السوق الإفريقية إلى تحفيز النمو في الطلب على الطابعات الليزرية وطابعات نفث الحبر. ومن المتوقع أن يشتد التحول من الطباعة أحادية اللون إلى الطباعة الملونة للشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
ومع تسارع وتيرة التحول الرقمي في الصناعات والأنشطة المختلفة مثل التعليم والرعاية الصحية والقانونية والخدمات المالية والخدمات اللوجستية، ستشهد الطابعات والماسحات الضوئية متعددة الوظائف أيضًا مبيعات قوية. وستلتقط هذه الفئة بعض الركود لبائعي أتمتة المكاتب والبائعين مع انخفاض أحجام الورق في السنوات المقبلة.
وبشكل عام، ورغم وجود فروق دقيقة بين البلدان المختلفة وفئات المنتجات؛ فإن البائعين لديهم الكثير ليتطلعوا إليه خلال العام الجاري 2024م وما بعده. ونتوقع أن نشهد انتعاشًا مستمرًّا من أدنى مستويات كوفيد، إلى زيادة استثمارات البائعين ونشاطهم مع تطلع الصناعة نحو إفريقيا لتحقيق النمو([20]).
وكذلك فإن التحول العالمي نحو حلول الحوسبة السحابية، وخاصةً تلك المتاحة لسوق الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم عبر القطاعات من التكنولوجيا المالية إلى التجزئة والرعاية الصحية والتأمين وغيرها، يدفع النمو إلى ما يقرب من رقمين. ومع استمرار تكثيف الاضطرابات الرقمية، كان هناك ارتفاع في الحوسبة السحابية؛ حيث لم تعد التطبيقات والمنتجات مضافةً على أجهزة الكمبيوتر المكتبية أو المحمولة، وبدلًا من ذلك، يمكن للمستخدمين الوصول مباشرة إلى مثل هذه الخدمات من السحابة.
وبالتالي، تبرز الطباعة السحابية كواحدة من أكثر الاتجاهات سخونة في الصناعة؛ حيث من المتوقع أن تزيد 67٪ من المنظمات من استخدامها لإدارة الطباعة السحابية، وتخطط 5٪ أخرى للانتقال إلى الطباعة السحابية تمامًا. وبعد انحسار الوباء تغيَّرت أولويات العمل وطرق العمل في جميع أنحاء العالم تمامًا، وإفريقيا ليست مختلفة. ويفضل المستهلكون الآن العمل في السحابة بسبب فوائدها؛ مثل المرونة، وإمكانية زيادة الإنتاجية والكفاءة، وتقديم فوائد التكلفة الحقيقية. ولم يعد توفير خدمات الطباعة المُدارة عبر السحابة إضافة هامشية، بل أصبحت شرطًا أساسيًّا في إفريقيا([21]).
خاتمة:
يمكن لصناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء أن تشارك في خفض معدلات البطالة في مختلف أنحاء إفريقيا؛ إذا كانت هناك نية لدى الحكومات لدعم مثل هذه المشاريع الناشئة، والتي لا تملك سوى قدر ضئيل من القدرة على الوصول إلى الموارد المالية اللازمة للاستثمار في المعدات الرأسمالية الأساسية (المستوردة في الغالب).
وبشكل عام، يبدو أن النمو الكامن في الاقتصادات الإفريقية ينبئ عن طلب متزايد على الطباعة؛ ورغم أنها تظل سوقًا مجزأة، فمن المتوقع أن تزدهر. وكذلك فإن خدمات الطباعة المريحة والفعّالة من حيث التكلفة والصديقة للبيئة، مع تقديم مخرجات عالية الجودة، سوف تُمهِّد الطريق للاتجاهات المستقبلية في صناعة الطباعة في جميع أنحاء إفريقيا.
………………………………………..
[1]) Emma Hunter and Ruth Watson, Print cultures in african history: publics, politics and identities.at: https://www.african.cam.ac.uk/mphilintro/current/optionscourses/history
[2]) Julia Cagé and Valeria Rueda, The Long-Term Effects of the Printing Press in sub-Saharan Africa, American Economic Journal: Applied Economics 2016, 8(3): 69–65.
http://dx.doi.org/10.1257/app.20140379.pp.72-73.
[3] ) Julia Cagé and Valeria Rueda,Op.cit…pp.74-75.
[4] ) Andrew van der Vlies, 37 The History of the Book in Sub-Saharan Africa, 2010.at: https://www.oxfordreference.com/display/10.1093/acref/9780198606536.001.0001/acref-9780198606536-e-0039
[5] ) Andrew van der Vlies
[6] ) Andrew van der Vlies
[7] ) Business Outlook, Africa’s Print Industry: New Opportunities.at:
https://news.africa-business.com/post/africas-print-industry
[8] ) Africa Print,Op.cit.
[9] ) Gill Loubser, Global printers eye Africa, 28 April 2023.at:
https://www.labelsandlabeling.com/features/industry-trends/global-printers-eye-africa
[10] ) Andrew van der Vlies.Op.cit.
[11] ) Africa Print, Printing Industry In Sub-Saharan Africa: Changes And Continuity, 29th January 2016.at: https://www.africaprint.com/printing-industry-in-sub-saharan-africa-changes-and-continuity/
[12] ) Africa Print, Op.cit.
[13] ) Business Outlook,Op.cit.
[14] ) Gill Loubser,Op.cit.
[15]) enter-africa, Printing industry Africa – Printers and equipment in high demand.at: https://enter-africa.com/blogs/news/printing-industry-africa-printers-and-equipment-in-high-demand?srsltid=AfmBOopXVgP6WqLBgkzFKbabxytdHMDpBepuvxnyBySaQifAB4rMn2we
[16] ) fespa, The print industry in Africa: Wide open opportunity or fraught with challenges?.at: https://www.fespa.com/en/news-media/the-print-industry-in-africa-wide-open-opportunity-or-fraught-with-challenges
[17] ) Harmsen, H. Richard, “The printing industry in sub-Sahara Africa: An exploratory study” (1982). Thesis. Rochester Institute of Technology. Accessed from https://repository.rit.edu/theses/4226
[18] ) enter-africa, Op.cit.
[19] ) intelligentcio, The evolution of Africa’s printing industry in 2024 and beyond, 15 February, 2024.at: https://www.intelligentcio.com/africa/2024/02/15/the-evolution-of-africas-printing-industry-in-2024-and-beyond/
[20] ) Idem.
[21] ) enter-africa,Op.cit.