تمهيد:
منذ صعود دونالد ترامب إلى سُدَّة الحكم، عاد الدِّين ليحتلّ موقعًا متقدّمًا في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما عبر نفوذ التيار اليميني الديني المتطرف الذي بات ينظر إلى العالم من منظور عقائدي لا براغماتي. هذا التيار لا يرى إفريقيا كقارة نامية تُواجه تحديات تنموية وأمنية، بل كفضاء روحي تتصارع فيه “قوى الإيمان” مع “الشر الإسلامي”.
ومع هذا التحوُّل، تراجَع الخطاب التقليدي الذي كان يربط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين التدخل الأمريكي، ليحل محله خطاب ديني محافظ يزعم الدفاع عن “الحرية الدينية” وحماية “المسيحيين المضطهدين”. وهكذا، أصبحت مفردات العقيدة والأخلاق غطاءً سياسيًّا يُستخدَم لتبرير التدخُّل والضغط على الحكومات الإفريقية، في مشهدٍ يُعيد للأذهان أساليب “الرسالة التبشيرية” التي رافقت الاستعمار القديم، لكن هذه المرة في ثوب سياسي جديد.([1])
وتُعدّ نيجيريا نموذجًا واضحًا لهذا الاتجاه المتشدِّد؛ إذ تحوَّلت في الأشهر الأخيرة إلى محور اهتمام الإدارة الأمريكية والإعلام اليميني بعد أن صعَّد ترامب لهجته ضدها مُهدِّدًا بعمل عسكري مباشر بحجة الدفاع عن المسيحيين. هذا التهديد لم يكن مجرد تصريح عابر، بل يعكس رؤية أيديولوجية ترى أن التدخل العسكري يمكن أن يكون وسيلة إلهية لحماية العقيدة. وتزامَن ذلك مع حملات إعلامية يمينية ضخمة رسمت صورة سوداوية لنيجيريا والعالم الإفريقي كبيئة يسيطر عليها “الإرهاب الإسلامي”.
غير أن الواقع الميداني يُظهر أن معظم ضحايا العنف في نيجيريا من المسلمين، وأن جذور الصراع تعود إلى التهميش والفقر والانقسام الإثني، لا إلى اضطهاد ديني مُنظَّم. لكن هذه الحقائق يتم تغييبها عمدًا لتغذية خطاب ديني يُراد به حَشْد الداخل الأمريكي، لا إنقاذ الخارج الإفريقي.
في هذا السياق، تبرز أهمية تحليل تأثير اليمين الديني المتطرف على توجهات الولايات المتحدة تجاه القارة الإفريقية من زوايا متعددة. فالمقال يتناول أولًا كيف أصبحت الأيديولوجيا الدينية مُحرِّكًا رئيسيًّا للسياسة الأمريكية في القارة، ثم يُسلِّط الضوء على الحالة النيجيرية كنموذج لصدام العقيدة والسياسة، قبل أن يناقش الدور الحاسم الذي يلعبه الإعلام اليميني في تضخيم خطاب “اضطهاد المسيحيين”.
كما يدرس المقال تداعيات هذا الخطاب على الأمن والاستقرار داخل إفريقيا، وكيف يساهم في إشعال التوترات الطائفية، وإضعاف ثقة الدول الإفريقية في واشنطن. وأخيرًا، يتناول مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية في ظل هذا التوجُّه، متسائلًا عمَّا إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تجاوز رؤيتها الدينية الضيِّقة نحو شراكة أكثر واقعية تقوم على المصالح المشتركة؟ أم أنها ماضية في تحويل الدين إلى سلاح دبلوماسي يُعيد رسم ملامح نفوذها العالمي؟([2])
وفي هذا الصدد، يطرح المقال تساؤله الرئيس: هل يعكس الاهتمام المفاجئ لليمين الديني وترامب بحقوق الإنسان في إفريقيا تحولًا حقيقيًّا في السياسة الأمريكية، أم أنه مجرد توظيف ديني وإعلامي يهدف إلى توجيه الرأي العام وتبرير تدخلات لا تنسجم مع منهجهم المعروف بالانغلاق والمصلحة؟
أولًا: الأيديولوجيا الدينية كمنطلق للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا
لقد أصبح الدِّين أحد المكونات البنيوية في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، خاصةً مع صعود اليمين الديني المتطرّف الذي أعاد صياغة العلاقة بين الدين والسياسة على مستوى الداخل والخارج. في هذا السياق، لم تَعُد السياسة الخارجية تُبنَى على توازن المصالح الاقتصادية أو المبادئ الليبرالية التقليدية، بل على تصور لاهوتي يرى في الولايات المتحدة “أُمَّة مختارة” مُكلّفة بحماية المسيحية من التهديدات العالمية. هذه الرؤية رسَّخت خطابًا يَعتبر أن الصراع الدولي ليس سياسيًّا أو اقتصاديًّا فقط، بل معركة كونية بين “الإيمان” و”الظلام”، وهو ما أعاد تعريف أولويات واشنطن في إفريقيا؛ حيث يُعاد تأطير مناطق الصراع أو العنف بوصفها ساحات اختبار للهوية الدينية أكثر من كونها قضايا تنموية أو أمنية. بذلك تحوَّلت إفريقيا إلى مساحة رمزية لتجسيد الدور الرسولي لأمريكا الجديدة، لا كمصدر نفوذ اقتصادي فقط، بل كمنبر لتأكيد هيمنة النموذج المسيحي المحافظ.([3])
تنعكس هذه الأيديولوجيا في الخطاب السياسي لقادة التيار اليميني الأمريكي الذين يُوظِّفُون لغة الخلاص والرسالة الإلهية لتبرير تدخلاتهم في القارة الإفريقية. فبدلًا من الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كقِيَم إنسانية عامة، أصبح التركيز على “حماية المسيحيين المضطهدين” في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، كما ظهر في تصريحات الرئيس دونالد ترامب بشأن نيجيريا. هذه اللغة لا تُخاطِب الأفارقة بقَدْر ما تستهدف القاعدة الإنجيلية داخل الولايات المتحدة، التي ترى في إفريقيا امتدادًا ميتافيزيقيًّا لمعركتها الثقافية في الداخل الأمريكي. وهكذا يُستخدَم الدين وسيلةً لحَشْد الدعم الشعبي الداخلي، عبر تحويل قضايا معقدة في نيجيريا أو جنوب إفريقيا إلى سرديات تبسيطية عن “اضطهاد المسيحيين”، و”فساد الأمم الوثنية”، ما يُضْفِي على السياسة الخارجية بُعدًا تبشيريًّا مُقنَّعًا بلغة الدفاع عن القِيَم.
إلى جانب البُعْد الخطابي، يمارس اليمين الديني المتطرف تأثيرًا مؤسساتيًّا مباشرًا على مؤسسات صنع القرار الأمريكي؛ إذ يُشارك قادة من “اليمين المسيحي” في صياغة سياسات وزارة الخارجية، ويمارسون ضغطًا على الكونغرس لتبنّي مواقف أكثر تشددًا تجاه الدول التي يُنظَر إليها على أنها معادية للمسيحية. هذا ما يُفسِّر إعادة إدراج نيجيريا ضمن قائمة “الدول المثيرة للقلق” فيما يتعلق بحرية الدين، رغم تعقيد المشهد الطائفي فيها. فالمعيار لم يَعُد مرتبطًا بالتحليل الواقعي للنزاعات، بل بمنظور ديني انتقائي يرى في كل دولة يغلب عليها الإسلام “خطرًا محتملًا” على المسيحية العالمية. ونتيجة لذلك، أصبح النفوذ الأمريكي في إفريقيا رهينة لتصورات أيديولوجية جامدة تَخْلط بين الإيمان والسياسة، وتفترض تفوقًا أخلاقيًّا يُبرّر أيّ تدخُّل.([4])
أما في بُعْدها الجيوسياسي، فقد أدَّت هذه النزعة الدينية إلى تحويل إفريقيا إلى ساحة صراع رمزي بين أمريكا والخصوم الذين يُصوَّرون كأعداء للعقيدة أو لحضارة الغرب المسيحي، وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران. غير أن ما يُميِّز هذا النهج هو أنه لا ينطلق من حسابات إستراتيجية متزنة، بل من رؤية خلاصية تضع واشنطن في موقع “المنقذ”، وتتعامل مع شعوب القارة كجماهير تحتاج إلى التبشير والإنقاذ. بهذا تتحول أدوات السياسة الخارجية -من المساعدات الإنسانية إلى التحالفات العسكرية- إلى امتدادات لاهوتية لمفهوم “الوصاية الروحية”، وهو ما يُضْعِف صدقية الخطاب الأمريكي في إفريقيا ويثير مقاومة داخلية متزايدة تجاه ما يُسمى perceived كـ”استعمار ديني جديد”.
ومع هذا، فإن توظيف الأيديولوجيا الدينية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا لا يعكس فقط انحرافًا عن المبادئ العلمانية التي قامت عليها الدولة الأمريكية، بل يكشف عن أزمة عميقة في تعريف الذات الأمريكية ودورها في العالم. إذ إن هذا المَزْج بين الإيمان والسياسة جعل من الدبلوماسية الأمريكية أداة لخدمة رؤية عقدية مغلقة تُقصي الآخر وتُعيد إنتاج منطق التفوق الحضاري.
والنتيجة هي تآكل الصورة الأمريكية في القارة الإفريقية، وتصاعد نزعات الرفض الثقافي والسياسي ضدها، في الوقت الذي تستثمر فيه قوى أخرى -مثل الصين وروسيا- في بناء شراكات قائمة على المصالح لا العقيدة. بهذا المعنى، يبدو أن اليمين الديني المتطرّف لم يكتفِ بإعادة تعريف أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، بل أعاد أيضًا تعريف حدود نفوذها، من مشروع عالمي مُنفتِح إلى مهمة تبشيرية محصورة في خطاب “حماية الإيمان”.([5])
ثانيًا: نيجيريا كنموذج لصدام العقيدة والسياسة
تُمثِّل نيجيريا اليوم نموذجًا مكثفًا لتقاطع الدين بالسياسة الخارجية الأمريكية تحت تأثير الخطاب اليميني المحافظ؛ حيث استُخدمت مأساة العنف الأهلي فيها كأداة لتغذية سردية “حماية المسيحيين” التي يتبنَّاها تيار اليمين الديني في الولايات المتحدة. تهديد الرئيس ترامب بالتدخل العسكري في نيجيريا لم يكن نتاج تقييم إستراتيجي دقيق للأوضاع الميدانية، بل يُعدّ انعكاسًا لرؤية دينية–أيديولوجية ترى في العالم ساحة لمعركة بين “الإيمان والاضطهاد”. هذا التبسيط المتعمَّد للواقع النيجيري، الذي تحكمه شبكة معقدة من الصراعات العرقية والاقتصادية والتوزيع غير العادل للثروة، حوَّل ملفًا محليًّا إلى أداة تعبئة سياسية داخل أمريكا، تُكرِّس خطاب “الزعيم المُنْقِذ للمسيحيين” المُوجَّه لقاعدته الانتخابية.
الخطاب الأمريكي حول نيجيريا لم ينشأ من فراغ، بل من رحم العلاقة المتنامية بين اليمين الديني والسلطة السياسية. فترامب، في استدعائه لنغمة “المسيحية المهددة”، استجاب لتأثير جماعات الضغط الإنجيلية التي ترى في إفريقيا ساحة اختبار لإيمانها السياسي. لقد نجح هذا الخطاب في تحويل المعاناة الحقيقية التي يعيشها النيجيريون إلى مادة رمزية تُستخدم لتعزيز سردية الصراع بين “المؤمنين” و”الآخرين”، بينما تُهمَّش الأسباب البنيوية للعنف، مثل ضعف الدولة وانتشار الفقر وتدهور المؤسسات الأمنية. بهذه الطريقة، تصبح إفريقيا، ونيجيريا خصوصًا، خلفية مثالية لعرض شعارات اليمين الديني الأمريكي أكثر من كونها موضوعًا حقيقيًّا للسياسة الخارجية.([6])
من ناحية أخرى، يُظهر التلويح بالتدخل العسكري الأمريكي في نيجيريا انحرافًا واضحًا عن منطق الدبلوماسية التقليدية؛ إذ تُوظِّف البُعْد الديني كذريعة لتبرير سياسات تتجاهل السيادة الوطنية، وتُعيد إنتاج صورة “المنقذ الغربي”.
إن الحديث عن “حماية المسيحيين” يُخْفِي خَلْفه نزعة تبشيرية سياسية تخلط بين المصلحة القومية الأمريكية والمهمة الدينية المفترضة، وهو ما يُعيد إلى الأذهان الإرث الاستعماري في خطاب “التدخل الإنساني”. بذلك، يصبح الدين وسيلة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للقارة وفق أولويات واشنطن الانتخابية، لا وفق احتياجات المجتمعات الإفريقية أو استقرارها.
أما داخليًّا في الولايات المتحدة، فقد تحوَّلت نيجيريا إلى ملف انتخابي مثالي للتيار المحافظ؛ إذ تُستخدم رواية “اضطهاد المسيحيين” لتأجيج مشاعر الهوية الدينية وتعزيز الانقسام الحزبي. فاليمين الديني يرى في السياسة الخارجية امتدادًا لمعركته الثقافية الداخلية ضد “العلمانية” و”الليبرالية”، ولذلك تُستغل قضايا مثل نيجيريا لربط السياسة الدولية بالقِيَم الإنجيلية المحافظة. في المقابل، تُغيب الأصوات التحليلية المتوازنة التي تشرح كيف أن معظم ضحايا العنف في نيجيريا من المسلمين، وأن النزاع هناك لا يقوم على أساس ديني خالص، بل على صراعات موارد وأمن وتنمية غير متكافئة.
بهذا المعنى، يمكن القول: إن نيجيريا أصبحت نموذجًا لسياسة أمريكية يحكمها منطق “صدام العقيدة والسياسة”؛ حيث تُترجَم القناعات اللاهوتية لليمين إلى قرارات دبلوماسية وعسكرية. الخطورة لا تكمن فقط في تشويه الواقع الإفريقي أو في تهديد الاستقرار الإقليمي، بل في تآكل الفاصل بين الإيمان كقيمة شخصية والسياسة كفن إدارة المصالح العامة. وعندما تتحول العقيدة إلى أداة انتخابية، فإنها تفقد بُعْدها الأخلاقي لتصبح غطاءً للهيمنة. هكذا يتحول الخطاب الديني من قوة روحية إلى سلاح جيوسياسي، تُدار به القارة الإفريقية كمنصة في صراع داخلي أمريكي يلبس ثوب القداسة.([7])
ثالثًا: الإعلام اليميني ودوره في صناعة سردية “اضطهاد المسيحيين”
يُشكِّل الإعلام اليميني في الولايات المتحدة أحد أهم أدوات بناء السرديات التي تمزج الدين بالسياسة؛ إذ نجح في تحويل قضايا مُعقَّدة مثل الصراعات في إفريقيا إلى رموز دعائية تُغذِّي مشاعر الخوف والهُوية الدينية داخل المجتمع الأمريكي. عبر منصاته التلفزيونية والإذاعية والرقمية، قَدَّم هذا الإعلام القارة الإفريقية كمساحة من “الاضطهاد المسيحي” الدائم، متجاهلًا السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي تُغذِّي تلك الأزمات. في الحالة النيجيرية مثلًا، تم اختزال صراعات ممتدة تتعلق بالفقر، والفساد، وتغيُّر المناخ، وصراع الموارد في ثنائية مبسطة: “مسلمون يضطهدون مسيحيين”. هذا التبسيط المقصود يهدف إلى شدّ انتباه جمهور يميني يبحث عن تأكيد لمعتقداته المسبقة، فيتحوَّل الإعلام إلى سلاح تعبئة عاطفية يخدم أجندة سياسية داخلية أكثر من سعيه لعرض الواقع الخارجي بموضوعية.([8])
ولأن الجمهور المحافظ في أمريكا يرى العالم من خلال عدسة “الحرب على الإيمان”، وجد هذا النوع من الخطاب تربة خصبة لتوسيع نفوذه. القنوات والمنصات اليمينية لا تكتفي بنقل الأخبار، بل تخلق قصصًا مشحونة دينيًا تُقدَّم كحقيقة مطلقة، مع تجاهل ممنهج لأيّ تحليل متوازن أو سياق تاريخي. فمشاهد العنف في شمال نيجيريا، مثلًا، تُبثّ على أنها دليل قاطع على “استهداف المسيحية”، بينما تُستبعَد الإشارات إلى ضحايا من المسلمين أو إلى الأسباب الاقتصادية للصراع. بهذا الشكل، يتم إعادة تشكيل الوعي الجمعي الأمريكي تجاه إفريقيا، لتصبح رمزًا للمظلومية المسيحية، ولتبرير تدخلات سياسية أو عسكرية لاحقة تحت شعار “إنقاذ المضطهدين”.([9])
كما يتقاطع الإعلام اليميني مع جماعات الضغط الإنجيلية التي تتقن استخدام المشهد الإعلامي لتأطير المواقف الخارجية في قالب أخلاقي مُطلَق. حين تُروِّج تلك الجماعات عبر البرامج الحوارية أو المقالات الرنانة لفكرة أن “العالم يكره المسيحيين”، فإنها لا تطرح مسألة إيمانية فحسب، بل تُؤسِّس لرؤية سياسية تبرر سياسة خارجية عدوانية. هذه المقاربة تُنْتِج تحالفًا غير مُعْلَن بين الإعلام الديني والسياسي؛ إذ يُستخدم “الإيمان المُهدّد” كوقود انتخابي. وبهذا، يُعاد تدوير خطاب “الاضطهاد” كلما احتاج البيت الأبيض المُحافِظ إلى حَشْد قاعدته، بينما تُختَزَل إفريقيا في سردية تخدم السياسات الأمريكية أكثر مما تُعبِّر عن واقعها الداخلي.([10])
ويُلاحَظ أنّ توسُّع هذا الخطاب الإعلامي لم يقتصر على المنابر المتشددة، بل تسلَّل تدريجيًّا إلى المنصات الأكثر اعتدالًا في المشهد الأمريكي؛ حيث صار “اضطهاد المسيحيين” موضوعًا شائعًا يُقدَّم على أنه حقيقة عالمية لا تحتمل النقاش. هذا الانتشار يعكس نجاح اليمين في فرض لغته الرمزية على النقاش العام، وتحويل القضايا الدينية إلى رموز ثقافية تُستخدَم في معارك الهوية والسياسة. ومن خلال هذا الانتشار، يتم تطبيع الرؤية الاستعلائية تجاه إفريقيا باعتبارها “القارة المظلمة” التي تحتاج إلى “إنقاذ مسيحي”، وهو ما يُعيد إنتاج النزعة الاستعمارية في ثوب إعلامي جديد. هذه العملية تزرع في الوعي الأمريكي إحساسًا بالتفوق الأخلاقي، وتبرر استمرار السياسات التدخلية باعتبارها واجبًا دينيًّا وإنسانيًّا في آنٍ واحد.([11])
إن أخطر ما في سردية “اضطهاد المسيحيين” التي يصنعها الإعلام اليميني هو أنها تُقْصِي الحقيقة وتُحوِّل الدين إلى أداة استقطاب سياسي. فبدل أن تُسهم في فَهْم جذور العنف في إفريقيا، تخلق تصورًا زائفًا يجعل كل مسلم تهديدًا، وكل إفريقي بحاجة إلى “خلاص أمريكي”. بهذه الطريقة، لا تقتصر نتائج هذا الخطاب على تبرير التدخلات الخارجية، بل تمتد لتغذية التعصب الداخلي في الولايات المتحدة نفسها؛ حيث يُعاد تعريف الهوية الأمريكية على أساس ديني مغلق. وهكذا يتحول الإعلام المحافظ إلى مصنع للأساطير السياسية، يُنْتِج الخوف ويُسَوِّقه كحقيقة، ليبقى الدين وقودًا في معركة انتخابية لا تنتهي، وتظل إفريقيا مجرد خلفية رمزية في مشهد يُعاد فيه رسم العالم وفق خيال اليمين المتطرف.([12])
رابعًا: تداعيات الخطاب الديني الأمريكي على الأمن والاستقرار في إفريقيا
أدَّى الخطاب الديني الأمريكي، وخاصةً الصادر عن اليمين المحافظ، إلى تعميق هشاشة الأمن الإقليمي في إفريقيا من خلال تحويل الدين إلى سلاح سياسي يُبرِّر التدخل ويُعيد إنتاج الانقسام. هذا الخطاب، الذي يُقدِّم إفريقيا كساحة لمعركة بين “المسيحية المُهدّدة” و”الإسلام العنيف”، لا يكتفي بتشويه الواقع، بل يُغذِّي أيضًا سرديات مضادَّة في الداخل الإفريقي؛ حيث تجد الجماعات الأيدلوجية المسلحة فيه مبررًا لتجنيد المزيد من الأتباع تحت شعار “مقاومة الهيمنة الغربية”. وهكذا، يتحوَّل ما يفترض أن يكون خطابًا إنسانيًّا إلى مصدر للتطرف المتبادل؛ إذ يردّ المسلحون على خطاب “الإنقاذ المسيحي” بخطاب “المواجهة مع الصليبيين”، مما يخلق دائرة عنف ديني تُعقِّد الأزمات، وتفكك فرص التعايش التاريخي بين مكونات المجتمعات الإفريقية.([13])
كما ساهمت الهيمنة الخطابية الأمريكية في إضعاف قدرة الدول الإفريقية على صياغة سياساتها الأمنية بمعزل عن الضغوط الأيديولوجية الخارجية. فعندما تُقدَّم الصراعات المحلية في نيجيريا أو مالي أو السودان بوصفها “صراعات دينية” بحتة، تتراجع الجهود الرامية إلى معالجة جذور المشكلة: التنمية غير المتكافئة، الفساد، والتهميش الاجتماعي. تتحول المساعدات الأمنية إلى أدوات لضبط الولاءات السياسية بدل بناء قدرات محلية مستدامة. بهذا المعنى، لا يُترجَم التدخل الديني–السياسي الأمريكي إلى استقرار، بل إلى تبعية جديدة تُعيد إنتاج الضعف البنيوي للدول الإفريقية. فالسياسات القائمة على “اختيار شركاء مؤمنين” بدل شركاء أكفاء تُفْقِد واشنطن صدقيتها وتدفع بعض الحكومات إلى الارتماء في أحضان قوى بديلة مثل الصين وروسيا التي تُقدِّم نفسها كقوى “علمانية ومحايدة”.([14])
هذا الخطاب الديني المُوجَّه من الخارج يخلق بيئة من الريبة المتبادلة داخل القارة نفسها؛ إذ تُتَّهَم بعض الحكومات بالتواطؤ مع الغرب ضد مكونات دينية أو عرقية معينة. ونتيجة لذلك، تتآكل الثقة بين المواطنين والدولة، ما يَفتح المجال أمام الجماعات المسلحة لملء الفراغ الأمني بدعوى “حماية الهوية”. كما أن التركيز الأمريكي على “اضطهاد المسيحيين” يُهَمِّش معاناة المسلمين والمجموعات التقليدية، فيُشْعِرها بالتجاهل ويغذي إحساسها بالاستهداف، وهو ما يضاعف احتمالات الانقسام الطائفي.
تتعدى تداعيات هذا الخطاب المجال الأمني إلى المجال التنموي أيضًا؛ إذ تُعاد صياغة أولويات التعاون الدولي على أساس ديني لا اقتصادي. فبدل دعم برامج التعليم والصحة والبنية التحتية، تتجه بعض المساعدات إلى مشاريع ذات طابع تبشيري أو إلى تمويل منظمات تعمل على “تنصير” المجتمعات، ما يثير حساسيات جديدة ويُقوِّض ثقة المواطنين في النوايا الغربية. بهذا الشكل، تصبح التنمية مشروطة بالولاء الديني، وهو منطق يُناقض أُسس العدالة الدولية ويُحوِّل القارة إلى حقل تجارب لأجندات فكرية. وتنعكس هذه المقاربة أيضًا على الدبلوماسية الثقافية؛ حيث يُروَّج لصورة “إفريقيا المخلَّصة عبر المسيحية”، في مقابل تغييب التعدُّد الديني والفكري الذي مَيَّزها عبر التاريخ.([15])
إن استمرار توظيف الدين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا يُهدّد بتقويض أيّ مسعى لبناء شراكات قائمة على الاحترام المتبادل. فبدل تعزيز الأمن الجماعي، يؤدي هذا النهج إلى زعزعة استقرار الدول وتكريس تبعيتها، كما يُعزز خطاب الجماعات المتطرّفة التي تستثمر في أخطاء الغرب لتبرير وجودها. إن أخطر ما في هذه المقاربة أنها تُفْقِد واشنطن دورها كوسيط موثوق، وتُحوِّلها إلى طرف في الصراع. فحين يتحول الإيمان إلى أداة جيوسياسية، تفقد الدبلوماسية معناها، ويتراجع الأمل في قيام نظام دولي عادل. والنتيجة أن إفريقيا تدفع الثمن مرتين: مرة بسبب إخفاق نُخَبها المحلية، ومرة بسبب خطاب خارجي يَدَّعي المساعدة بينما يُشعل النار في هشيمها.([16])
خامسًا: مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية بين الشراكة والهيمنة الدينية
تبدو العلاقات الأمريكية الإفريقية اليوم عند مفترق طرق تاريخي؛ حيث تتنازعها رؤيتان متناقضتان: الأولى ترى في القارة شريكًا إستراتيجيًّا في التنمية والأمن العالمي، والثانية تنظر إليها من منظور ديني–تبشيري يُعيد إنتاج ثنائية “المنقذ الغربي” و”الضحية الإفريقية”.
ومع تصاعد نفوذ اليمين الديني في واشنطن، بات الخطاب الأمريكي تجاه إفريقيا يجنح نحو العقيدة أكثر من المصلحة، ما يُهدِّد بتحويل التعاون إلى أداة للهيمنة الثقافية والروحية. في المقابل، تشهد القارة تحولات داخلية عميقة، أبرزها تنامي الوعي بالسيادة والاستقلالية الإستراتيجية، إضافةً إلى دخول قوى دولية جديدة تنافس الولايات المتحدة على النفوذ، مثل الصين وروسيا وتركيا. هذا السياق المُتغيِّر يَفرض على واشنطن إما إعادة النظر في مقاربتها الدينية الأحادية، أو المخاطرة بفقدان موقعها التقليدي في القارة([17]).
إن مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية سيتحدد بناءً على قدرة الطرفين على تجاوز “الوصاية الإيمانية” نحو شراكة واقعية قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتكافئ.
ولعل أبرز سيناريوهات مستقبل العلاقات ما يلي:
1-سيناريو التصعيد الديني والسياسي:
يُرجّح أن يستمر اليمين الديني الأمريكي في فرض رؤيته على السياسة الخارجية، خصوصًا في حال احتفاظ ترامب أو تياره بنفوذ مؤثر داخل المؤسسة السياسية. في هذا السيناريو، ستُعاد صياغة العلاقات مع إفريقيا في إطار “حماية القيم المسيحية” ومواجهة “الإرهاب”، ما يعني مزيدًا من التوترات والتدخلات غير المتكافئة. هذا التوجه قد يُنتج مواجهات دبلوماسية مع حكومات ترفض الوصاية الدينية، ويُعمّق الشرخ الثقافي بين واشنطن والعواصم الإفريقية. كما سيؤدي إلى تغذية الحركات المسلحة داخل القارة التي ستوظف الخطاب الأمريكي لتجنيد الأتباع بدعوى “الدفاع عن الهوية”، ما يخلق بيئة عدائية جديدة ضد المصالح الأمريكية نفسها، ويقوّض الثقة في نواياها.
2-سيناريو التراجع الأمريكي لصالح القوى المنافسة:
في حال تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية للسياسات الدينية المتشددة، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للانسحاب التدريجي من بعض ملفات إفريقيا، تاركةً المجال مفتوحًا أمام قوى مثل الصين وروسيا التي تقدم شراكات خالية من البعد الأيديولوجي.
هذا الانكماش سيُضْعِف الحضور الأمريكي الاقتصادي والعسكري في القارة، ويؤدي إلى تراجع نفوذها في مؤسسات الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية. ورغم أن هذا السيناريو قد يُخفِّف من الهيمنة السياسية الأمريكية، فإنه سيُفقد واشنطن القدرة على التأثير في الملفات الحيوية مثل مكافحة الإرهاب أو الهجرة غير النظامية، مما سيجعلها شريكًا ثانويًّا بدل أن تكون فاعلًا مركزيًّا في مستقبل القارة.
3-سيناريو إعادة التوازن والانفتاح البراغماتي:
وهو السيناريو الأكثر واقعية على المدى المتوسط؛ حيث قد تضطر الإدارة الأمريكية، تحت ضغط المؤسسات الدبلوماسية والاقتصادية، إلى تعديل خطابها والتخلي عن الطابع الديني المتشدد لصالح مقاربة أكثر توازنًا.
في هذا السياق، يمكن أن تُعاد صياغة العلاقات على أساس المصالح الاقتصادية المشتركة، مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، ومكافحة الإرهاب بشكل غير مؤدلج. كما قد تستعيد واشنطن خطاب “الشراكة من أجل التنمية”، وتُعيد الانخراط في مبادرات متعددة الأطراف مثل “أغوا” و”باور إفريقيا”. نجاح هذا السيناريو مرهون بقدرة الولايات المتحدة على فَصْل الدين عن أدواتها الدبلوماسية، وإدراك أن النفوذ الحقيقي في إفريقيا لا يُبْنَى بالرمزية العقائدية بل بالاستثمار والاحترام المتبادل.
4-سيناريو التعايش الحذر بين الهيمنة والشراكة:
قد تختار واشنطن الجمع بين المقاربتين: الحفاظ على الخطاب الديني المُوجّه لقاعدتها الداخلية، مع انتهاج سياسات عملية أكثر واقعية تجاه الحكومات الإفريقية. بهذا الشكل، ستستمر لغة “الحرية الدينية” في الخطاب السياسي الأمريكي، لكنْ دون ترجمتها إلى تدخل مباشر أو صدام مفتوح.
هذا التوازن الهشّ سيخلق علاقة مزدوجة تتسم بالبرود الرسمي والانفتاح الاقتصادي المحدود، فيما تبقى الثقة الإفريقية بالولايات المتحدة متأرجحة. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يضمن استمرارية النفوذ الأمريكي، فإنه لن ينجح في بناء تحالفات حقيقية ما لم يترافق مع مراجعة عميقة للسياسات الرمزية التي تثير الريبة في القارة.
5-سيناريو الشراكة المتكافئة والتحوُّل البنيوي:
وهو السيناريو الأمثل، لكنه الأقل احتمالًا في المدى القريب، ويقوم على إدراك واشنطن أن الحفاظ على نفوذها في إفريقيا يتطلب تجاوز النظرة التبشيرية نحو نموذج شراكة تنموية–سياسية قائمة على الاحترام المتبادل.
في هذا الإطار، يمكن أن تركز العلاقات على التحول الأخضر، وتمكين الشباب، ودعم الحوكمة، والتبادل العلمي والثقافي، بدل التركيز على الانقسام الديني أو الأمني. هذا التحوُّل سيسمح ببناء نظام تعاون جديد يجعل إفريقيا فاعلًا لا مجرد مُتلقٍّ، ويمنح الولايات المتحدة فرصة لاستعادة صورتها كشريك مسؤول. لكن نجاح هذا المسار مشروط بوجود قيادة أمريكية مؤمنة بالدبلوماسية، وبإرادة إفريقية موحدة ترفض أن تكون ساحة صراع لاهوتي جديد.
ختامًا، وفي ضوء ما سبق، يتضح أن اهتمام اليمين الديني المتطرف وترامب بحقوق الإنسان في إفريقيا لا يعكس تحولًا حقيقيًّا في السياسة الأمريكية، بل يُمثّل توظيفًا أيديولوجيًّا ودعائيًّا يخدم أهدافًا داخلية أكثر مما يسعى لحماية الشعوب الإفريقية. فالدين في هذا السياق لم يَعُد إطارًا أخلاقيًّا مُوجّهًا للسياسة، بل أداة لتعبئة القواعد الانتخابية وتبرير الهيمنة تحت شعار “نصرة الإيمان”.
إن تغليف المصالح الجيوسياسية بلغة الخلاص الروحي أعاد إنتاج إرث الوصاية الغربية في ثوب جديد؛ حيث تُختزل القارة في رمز للعقيدة لا كيانٍ مستقل له مصالحه وكرامته. وبالتالي، فإن جوهر هذا التوجه لا يكمن في دعم الحرية أو العدالة، بل في إعادة ترسيم حدود النفوذ الأمريكي عبر استثمار الخطاب الديني لتغطية طموحات سياسية واقتصادية. وبقَدْر ما تواصل واشنطن هذا النهج، ستفقد قدرتها على بناء شراكة حقيقية مع إفريقيا؛ لأن الشعوب التي تُستغل باسم الإيمان ستتعلم في النهاية الدفاع عن سيادتها باسم الوعي.
…………………………..
[1] Fritz Farrow, Trump doesn’t rule out US troops on the ground in Nigeria over claims of ‘killing of Christians’. https://abcnews.go.com/International/trump-threatens-cut-off-aid-nigeria-military-action/story?id=127097323
[2] Helene Cooper, U.S. Military Draws Up Nigeria Plans, With Limited Options to Quell Violence, New York Times. https://www.nytimes.com/subscription/onboarding-offer?EXIT_URI=https%3A%2F%2Fwww.nytimes.com%2F2025%2F11%2F05%2Fus%2Fpolitics%2Fnigeria-us-military.html&auth=login-google1tap&campaignId=7JFJX&login=google1tap
[3] Diane Duenez, Trump warns he’ll cut off aid, threatens possible military action in Nigeria, Straight Arrow News. https://san.com/cc/trump-warns-hell-cut-off-aid-threatens-possible-military-action-in-nigeria/
[4] Natalie Gonnella-Platts, Unparalleled Partnerships in Africa: Security, George W. Bush Presidential Center. https://www.bushcenter.org/publications/unparalleled-partnerships-with-africa-security
[5] Ohimai Amaize,With Trump’s threats of military intervention in Nigeria, Tinubu faces a delicate balancing act. atlantic council. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/with-trumps-threats-of-military-intervention-in-nigeria-tinubu-faces-a-delicate-balancing-act/
[6] Helene Cooper, U.S. Military Draws Up Nigeria Plans, With Limited Options to Quell Violence, New York Times. https://www.nytimes.com/subscription/onboarding-offer?EXIT_URI=https%3A%2F%2Fwww.nytimes.com%2F2025%2F11%2F05%2Fus%2Fpolitics%2Fnigeria-us-military.html&auth=login-google1tap&campaignId=7JFJX&login=google1tap
[7] Fritz Farrow, Trump doesn’t rule out US troops on the ground in Nigeria over claims of ‘killing of Christians’. https://abcnews.go.com/International/trump-threatens-cut-off-aid-nigeria-military-action/story?id=127097323
[8] Kọ́lá Túbọ̀sún, Why Is Trump Suddenly Talking About Invading Nigeria?, foreignpolicy. https://foreignpolicy.com/2025/11/03/trump-nigeria-war-invasion-christians/
[9]Trump threatens to go into Nigeria ‘guns-a-blazing’ over attacks on Christians, Guardian. https://www.theguardian.com/us-news/2025/nov/01/trump-nigeria-christian-persecution
[10] Kọ́lá Túbọ̀sún, Why Is Trump Suddenly Talking About Invading Nigeria?, foreignpolicy. https://foreignpolicy.com/2025/11/03/trump-nigeria-war-invasion-christians/
[11] Nigeria rebuffs Trump’s ‘Christian persecution’ claim, warns against ‘Sudan-style division’, trtafrika. https://www.trtafrika.com/english/article/31710cf84536
[12] Olaronke Alo, Are Christians being persecuted in Nigeria as Trump claims?,bbc. https://www.bbc.com/news/articles/cgqlzkdeeqjo
[13] Nimi Princewill, The violence in Nigeria that Trump cites as a reason for military strikes is not limited to Christians, cnn. https://edition.cnn.com/2025/11/03/africa/trump-christian-killings-nigeria-intl
[14] Marco Respinti, Supporting Persecuted Christians in Nigeria: An Interview with Croatian MP Marijana Petir. https://bitterwinter.org/persecuted-christians-in-nigeria-marijana-petir/?gad_source=1&gad_campaignid=11726773838&gbraid=0AAAAAC6C3PdY1TReejUV0t5pPKdhZyOU8&gclid=Cj0KCQiAiKzIBhCOARIsAKpKLAM7BVz9PFXSIWNAnPnwJ_PcobAiEI71e7q1hs5ldMMYg_-Giri6T_UaAuIsEALw_wcB
[15]Nimi Princewill, The violence in Nigeria that Trump cites as a reason for military strikes is not limited to Christians, cnn. https://edition.cnn.com/2025/11/03/africa/trump-christian-killings-nigeria-intl
[16] Natalie Gonnella-Platts, Unparalleled Partnerships in Africa: Security, George W. Bush Presidential Center. https://www.bushcenter.org/publications/unparalleled-partnerships-with-africa-security
[17] Cara Lea Burnidge, Religious Influences on US Foreign Relationslocked, Oxford University. https://oxfordre.com/americanhistory/display/10.1093/acrefore/9780199329175.001.0001/acrefore-9780199329175-e-266?p=emailAwbbm9W9qflpo&d=/10.1093/acrefore/9780199329175.001.0001/acrefore-9780199329175-e-266











































