فريد هـ، لوسون([1])
ذي كونفرسيشن([2])
ترجمة: قراءات إفريقية
في خطابه أمام الأمم المتحدة في 23 سبتمبر/ أيلول 2025م، وبَّخ الرئيس دونالد ترامب المنظمة الدولية لفشلها في حلّ النزاعات الدولية الخطيرة حول العالم، وقال خلال خطابه أمام الجمعية العامة في نيويورك: “كل ما يفعلونه، على ما يبدو، هو كتابة رسالة شديدة اللهجة، ثم لا يتابعونها! إنها كلمات جوفاء، والكلمات الجوفاء لا تُنهي الحروب”.
في المقابل، زعم ترامب، بتقديره الشخصي، أنه أنهى ستة صراعات دولية خطيرة، من بينها: النزاع طويل الأمد على مياه نهر النيل، والذي اندلع عندما اقترحت إثيوبيا بناء سد ضخم على النيل الأزرق، مما هدَّد إمدادات المياه لمصر والسودان.
وبصفتي باحثًا في العلاقات الدولية، درستُ هذا النزاع، أجد صعوبةً في فَهْم كيف ساهمت تدخلات ترامب في تقريبه من الحل، بل على الأرجح، زادت الأمور سوءًا.
مصدر النزاع:
مياه نهر النيل ضرورية للزراعة والصرف الصحي في كلٍّ من مصر والسودان، وقد نُظِّم توزيع هذه المياه بموجب اتفاقية أُبرمت عام ١٩٥٩م، تضمن لمصر والسودان معظم مياه حوض نهر النيل، كما يُلزم قانون دولي دول المنبع -مثل إثيوبيا-، بعدم التلاعب بتدفُّق الأنهار عبر الحدود بطرق تُلْحِق الضرر بدول المصب. ومع ذلك، أعلنت إثيوبيا عام ٢٠١١م عن حقّها في استغلال أيّ موارد مائية تنبع من داخل حدودها، كما أصرَّت على أن بناء سدّ لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق سيُوفّر طاقة رخيصة لكل من الإثيوبيين الفقراء والدول المجاورة.
صياغة غامضة:
تدخَّل ترامب في نزاع النيل بناءً على طلب مصر؛ حيث لجأت القاهرة إلى واشنطن للوساطة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019م، بينما كانت إثيوبيا تُكثِّف بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي من شأنه أن يَحُدّ من تدفق النيل الأزرق، وبعد حديثه الشخصي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ وافق ترامب على التدخل المباشر. ودعا هو ووزير الخزانة آنذاك “ستيفن منوشين” وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا إلى واشنطن لإجراء محادثات. وبينما كانت الجلسة الافتتاحية للاجتماع الذي عُقِدَ في نوفمبر/تشرين الثاني 2019م لا تزال جارية، غرَّد ترامب قائلاً: “لقد سار الاجتماع على ما يرام، وستستمر المناقشات خلال اليوم!”
ورغم ذلك، انتهت المحادثات دون إحراز أيّ تقدُّم. وبدلًا من ذلك، اتفقت الأطراف الأربعة، إلى جانب ممثلي البنك الدولي، على عقد اجتماعات أخرى -تصل إلى اثنتي عشرة مرة- خلال الأشهر الثلاثة المقبلة؛ لبحث المسائل الفنية.
في هذه الاجتماعات اللاحقة، تفاوضت مصر وإثيوبيا حول تعريفات ومعايير قياس التأثير المحتمل للسد، ووقف منوشين ومساعدوه إلى حد كبير جانبًا، على الرغم من أنهم أعربوا -بحسب التقارير-، عن تعاطفهم مع إصرار أديس أبابا على فصل المسائل المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي الكبير عن المسائل المتعلقة بإدارة المياه في حوض النيل ككل.
والأمر الأكثر أهمية هو أن ممثلي الولايات المتحدة سمحوا بتسلل صياغة غير دقيقة إلى البيان الصادر في ختام اجتماع ديسمبر/كانون الأول 2019م. وجاء في البيان أن “تنفيذ هذه القواعد والمبادئ التوجيهية الفنية لملء وتشغيل السد ستتولاها إثيوبيا، ويمكن للدول الثلاث تعديلها”؛ وقد فسرت القاهرة هذا على أنه يعني أن كافة اللوائح والإجراءات سوف يتم وضعها بشكلٍ مشترك؛ في حين اعتقدت أديس أبابا أن هذا يكفل حق إثيوبيا في اتخاذ القرارات بنفسها بالكامل.
المحادثات تنفجر:
وقد أسفرت الجولة الأخيرة من المحادثات في يناير/ كانون الثاني 2020م عن اتفاق محتمل ترك لإثيوبيا حرية البدء في ملء الخزان الضخم خلف السد، وقلّص التزامات البلاد بمساعدة مصر والسودان خلال فترات الجفاف.
ومع ذلك، ترددت إثيوبيا في قبول مسودة الوثيقة، مُدّعيةً أن نقاطًا جوهريةً لا تزال عالقة، ورفضت مصر والسودان رفضًا قاطعًا إعادة النظر في المشاكل التي اعتقدتا أنها قد عُولِجَت بالفعل، لكنهما قبلتا عرضًا من مسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية لإعداد نصّ مُنقَّح.
وفي فبراير/شباط 2020م، وزَّعت وزارة الخزانة الأميركية نسخة معدلة، واتصل ترامب بالسيسي هاتفيًّا ليُعْرب عن أمله في “التوصل إلى اتفاق قريب”، وقد شعرت إثيوبيا بضغط من مصر والولايات المتحدة لإقرار نصّ غير مكتمل من وجهة نظرها، وقلقت من العواقب السياسية الداخلية المترتبة على ذلك، فلم ترسل ممثلًا لها إلى واشنطن لقبول التعديل، ثم أعلن مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع، ودعوا أديس أبابا علنًا للتوقيع عليه.
وقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا صرحت فيه أن “الرئيس ترامب أكد استمرار جهود الإدارة الأمريكية” للتوصل إلى اتفاق مقبول، إلا أن وزير الخارجية الإثيوبي وصف إعلان واشنطن المفاجئ بأنه “غير دبلوماسي”.
وظلت إثيوبيا تماطل لمدة شهرين آخرين، ثم طرحت اتفاقًا مؤقتًا خاصًّا بها، وهو ما رفضته مصر والسودان على الفور.
ردّت واشنطن بتلميحات إلى أنها ستحجب المساعدات الاقتصادية عن إثيوبيا؛ ما لم تُوقّع أديس أبابا على الاتفاق الذي صاغته وزارة الخزانة في فبراير/ شباط 2020م. وفي الوقت نفسه، استمر بناء السد، وفي يوليو/ تموز 2020م، منعت إثيوبيا تدفق مياه النيل الأزرق لبدء ملء خزانها الضخم. وفي سبتمبر/أيلول 2020م، نفَّذ وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، مايك بومبيو، التهديد الأمريكي بتعليق مساعدات بقيمة 130 مليون دولار أمريكي لإثيوبيا، إلا أن هذا التعليق لم يُؤثّر على المفاوضات.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2020م، أبدى ترامب غضبه من استمرار الجمود، فصرَّح خلال مكالمة هاتفية مع دبلوماسيين سودانيين وإسرائيليين بأن مصر “ستقوم في النهاية بتفجير السد”؛ أدان المسؤولون الإثيوبيون هذا التصعيد، واشتكى مكتب رئيس الوزراء من أن “هذه التهديدات والإساءات للسيادة الإثيوبية مُضلّلة وغير مُجدية، وانتهاكات واضحة للقانون الدولي”، ونصبت إثيوبيا بطاريات مضادة للطائرات حول السد، وأعلنت المجال الجوي فوقه منطقة حظر جوي، وانهارت المفاوضات، وظلت خاملة طيلة السنوات الثلاث التالية.
تقييم تأثير الوساطة الأمريكية:
يميل المحللون إلى الاتفاق على أن تدخُّل ترامب الأوّلي في نزاع نهر النيل زاد الوضع سوءًا، ووضع مصداقية الولايات المتحدة على المحكّ.
في هذه الأثناء، دفعه ازدراء ترامب للمهنيين في وزارة الخارجية الأمريكية إلى تهميش السلك الدبلوماسي وإسناد مهمة معقدة إلى “منوشين”، المُموّل السابق ومنتج الأفلام، وأدَّى قلة صبره ولغته الفظّة إلى تعطيل المفاوضات، مما أدَّى إلى نفور مصر وإثيوبيا على حد سواء.
وتُصرّ أديس أبابا على أنها “غير مُلْزَمَة بطلب إذن من أيّ جهة لملء سد النهضة”. وفي سبتمبر/ أيلول 2025م، أعلن رئيس الوزراء “آبي أحمد” انتهاء العمل في السد، وتباهى بسدين آخرين على النيل الأزرق يُوشكان على الانتهاء.
وفي غضون ذلك، افتتحت مصر قاعدة بحرية كبيرة على ساحل البحر الأحمر، وضمَّت أحدث سفنها الحربية إلى أسطول بحري حديث الإنشاء في البحر الأحمر، وفي يوليو/ تموز 2025م، أصدر وزير الخارجية المصري “بدر عبد العاطي” تهديدًا مُبطّنًا باستخدام الوسائل العسكرية لتسوية نزاع النيل. ورغم تصاعد التوترات، وفشل إدارته الأولى في تحقيق تقدم في هذه القضية؛ يواصل ترامب الإشارة إلى وساطته في الفترة 2019- 2020م باعتبارها ناجحة.
وفي يوليو/ تموز 2025م، أبلغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) “مارك روته” أن القرار وشيك، وأشاد الرئيس السيسي مجددًا بمشاركة الرئيس، وأعرب عن أمله في أن تُسفر عن “اتفاق عادل .”
ومع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن إدارة ترامب الحالية في وضع أفضل لحل نزاع نهر النيل مقارنةً بسابقتها، فمنذ تنصيب ترامب للمرة الثانية، طُرد أو استقال مسؤولون ذوو خبرة في وزارة الخارجية، مما ترك البعثات الدبلوماسية الحساسة في أيدي رجال أعمال من القطاع الخاص تربطهم علاقات شخصية بالرئيس، بدلاً من دبلوماسيين ماهرين في فن التفاوض على النزاعات المستعصية بين الدول ذات السيادة.
ولكن من غير المرجّح أن يؤدي هذا التطور إلى زعزعة قناعة ترامب بأنه نجح بالفعل في حلّ الصراع على مياه نهر النيل، ويمكنه أن يفعل ذلك مرة أخرى بطريقة أو بأخرى.
………………………………….
[1] – أستاذ فخري في النظم الحكومية، جامعة نورث إيسترن.
[2] – نُشر بتاريخ 26 سبتمبر 2025، على الرابط التالي:http://bit.ly/4nDc9d2 .











































