نشرت صحيفة “Die Zeit” الألمانية مقالاً بقلم “هولجر شتويكر/Holger Stoecker” – مؤرخ في جامعة جوتنجن، والذي قام خلال الفترة ما بين عامي 2018/2019م، بالتعاون مع عالمة الأنثروبولوجيا “سارة فرونت/ Sarah Fründt” والمؤرخ الطبي “توماس شنالكه/ Thomas Schnalke”، بفحص مصدر العظام القادمة من إفريقيا في مؤسسة شاريتيه ببرلين؛ حيث إنه خلال الحملات العسكرية التي شنَّتها القوات الاستعمارية الألمانية كانت هناك أيضًا أعمال نبش وتدنيس للقبور.
ولكن بعد مرور أكثر من 120 عامًا، تُعيد مؤسسة شاريتيه الألمانية الآن بعض العظام إلى شعب “هيهي” في تنزانيا. جدير بالذكر أنه في أثناء فترات الاحتلال الألماني، قطع الألمان رأس مَلكهم؛ من أجل الاحتفاظ برأسه.
تُرى، بعد كل هذه السنوات من التاريخ الاستعماري الطويل، وما تلاها من سنوات البحث والفحص والاستدلال… هل تعود الحقوق لأصحابها حتى ولو كانت في صورة عظام ورُفات؟
بقلم: هولجر شتويكر
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
في التاسع عشر من يوليو 1898م، وقع أخيرًا في أيدي الألمان السلطانُ “مكواوا”، زعيم قبيلة “هيهي”. كانت قوة الحماية الإمبراطورية، كما أطلقت على نفسها آنذاك، قد تمكَّنت من كَسْر مقاومتهم العنيدة في حربٍ استمرت لسنوات. لكنهم رغم هذه الحرب الضارية لم يتمكنوا من القبض على “مكواوا” حيًّا.
وفي موقف يائس، أطلق النار على نفسه تجنُّبًا للوقوع في الأَسْر؛ حيث ركع ضابط ألماني بجوار الجثة آنذاك، وقام بفصل الرأس عن الجسد.
في تلك اللحظة غمرت الفرحة القوات الألمانية؛ حيث أشار الضابط الألماني “توم برينس” إلى أن “موت “مكواوا” كان يعني زوال أيّ خطر بشأن عودة الانتفاضة” مُجددًا، وتكتب زوجة الضابط الألماني “مجدلين” في مذكراتها: “من كل قلبي المُمتَن، أودّ أن أصرخ وأزُفّ الخبر السار للعالم أجمع: لقد رحل مكواوا إلى الأبد!”.
لقد دارت الحرب سبع سنوات على أرض ما تُعرَف حاليًّا بـ “تنزانيا”. وفي مؤتمر برلين حول إفريقيا في عامي 1884 و1885م، استولت الإمبراطورية الألمانية على شرق إفريقيا. وفي نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر، تقدَّمت القوات الاستعمارية الألمانية من الساحل إلى الداخل. ومنذ عام 1891م فصاعدًا، قاتلت ضد قبائل هيهي، وأحرقت القُرى، ودمَّرت المحاصيل، وأسرت النساء والأطفال، وبمساعدة جيش من المتعاونين والمساعدين الأفارقة، قتلت الآلاف من قبائل هيهي. ويمكن وصف ما حدث بأنها كانت حملة إبادة جماعية.
تشكلت قبيلة “هيهي” في منتصف القرن التاسع عشر نتاجًا لتوحيد مُجتمعات متصلة ومستقلة سابقًا كانت تقطن المرتفعات الجنوبية في شرق إفريقيا. وقد دفَع السلطان مونييجومبا، مُؤسِّس إمبراطورية “هيهي” وسلالة موينجا، نحو التوحيد، حتى تطوَّرت قبيلة “هيهي”، وأصبحت أهم عوامل القوة السياسية في منطقة (أوهيهي) حول مدينة إيرينجا. وعندما تُوفّي مونييجومبا في عام 1879م، واصل ابنه “مكوافينيكا مونييجومبا مواموينجا” -المعروف باسم السلطان “مكواوا”- سياسة التوسُّع العسكري التي انتهجها والده.
في البداية نجح “مكواوا” في مقاومة الحُكام الاستعماريين الألمان. وفي أغسطس 1891م تمكَّن شعب هيهي من هزيمة حملة عسكرية ألمانية في معركة “لولا روجارو”. وفي أكتوبر 1894م هُزِم شعب “هيهي” هزيمة ساحقة على يد الجيش الاستعماري الألماني، لكن لم يتم إخضاعهم بالكامل. وخاض مكواوا -الذي عُرف آنذاك، بأنه العدو الأول للرايخ الألماني في المستعمرة- حرب عصابات ضد الألمان، والتي لم تنتهِ إلا بوفاته في يوليو 1898م.
عقب هذه السنوات من الكرّ والفرّ، نُقِلَت جُمجُمة “مكواوا” إلى ألمانيا باعتبارها غنيمة، وكذلك لاستخدامها لأغراض البحث الأنثروبولوجي. ولكنَّ القصة لم تنتهِ عند ذلك الحد. ففي معاهدة فرساي عام 1919م، طالَب البريطانيون، قوة الانتداب الجديدة في شرق إفريقيا، بإعادة الغنيمة المُروعة (الرأس المقطوعة)، ولكن دون جدوى.
وأخيرًا، في عام 1954م، أرسل “إدوارد توينينج”، الحاكم البريطاني لـ “تنجانيا”، جمجمة عُثِرَ عليها في متحف بريمن للآثار الخارجية إلى “هيهي”. ومن المشكوك فيه ما إذا كانت الجمجمة بالفعل تخصّ السلطان مكواوا. وعلى الرغم من كل الشكوك، تم الاحتفاظ بالجمجمة منذ ذلك الحين في متحف (مكواوا) التذكاري في كالينجا بالقرب من مدينة إيرينجا، والذي يُكرِّم إرث السلطان باعتباره رمزًا للمقاومة.
والأمر الأقل شهرة من سرقة “جمجمة مكواوا” هو أن الجنود الألمان ارتكبوا بالفعل عمليات سرقة ونبش للقبور في منطقة “أوهيهي” أثناء الحرب، واتضح أن العديد من العظام المسروقة، والتي تسمى أيضًا “عظام الأسلاف” أو “البقايا البشرية”، لا تزال محفوظة في المؤسسات الألمانية حتى يومنا هذا، بما في ذلك التي تتضمنها مجموعات شاريتيه في برلين. وبعد عام من البحث التاريخي والبيوأنثروبولوجي، جرى تخصيص اثنتي عشرة جمجمة من المجموعة الكائنة هناك والتي كانت تنتمي لقبائل هيهي في عام 2019م. وفي بعض الحالات، كان من الممكن تحديد الهوية الفردية لهذه الجماجم.
يعود تاريخ البحث عن أصل العظام المذكورة إلى بدايات عامي 1896/1897م. في تلك الفترة، دخل جنود من وحدة الحماية الألمانية المتمركزة في مدينة “إيرينجا “إلى موقع دفن العائلة المالكة بالقرب من “رونجيمبا”. وقاد العملية آنذاك “يان ستيرلينج”، طبيب عسكري كان متمركزًا أيضًا في محطة “إيرينجا”. وفي مقال ورد في نشرة ندوة اللغات الشرقية بجامعة برلين عام 1899م، وصف “ستيرلينج” الموقع المذكور بأنه “موقع دفن مَلَكي بالفعل”؛ حيث أنشأه والد مكواوا، لنفسه ولعائلته؛ إذ أحاطت الأشجار بالقبور الـ16 أو 17 في شكل بيضاوي؛ حيث دُفِن السلطان مونييجومبا وبعض زوجاته وأطفاله. لقد وجد “ستيرلينج” تلال الدَّفن مُزيَّنة “بأنياب أفيال عالقة في الأرض”، مؤكدًا على مدى احترام شعب “هيهي” لذكرى موتاهم.
“البعثات والحملات” ضد شعب “هيهي”:
كان “ستيرلينج” يعلم أيضًا أن السلطان “مكواوا” يأتي إلى “رونجيمبا” كل شهر تحت جُنْح الليل لأداء الطقوس عند قبر والده. وكان ذلك هو السبب وراء نشر قوات الحماية في موقع الدفن؛ من أجل “إلحاق ضرر جسيم بسُمعة الهارب “مكواوا”.
كما كتب “ستيرلينج”: “لقد دنَّس الجنود القبور، ودمَّروا المَوقع، وأخذوا عظام والد مكواوا، وثلاثة على الأقل من إخوته غير الأشقاء”. وفي عام 1898م، أرسل “ستيرلينج” غنيمته إلى “فيليكس فون لوشان” في المتحف الملكي للإثنولوجيا في برلين، وهو عالِم أنثروبولوجيا وإثنولوجيا بارز في الإمبراطورية. كان من بين هذه العظام، أربعة من عائلة “موينجا” واثنان آخران من أعضاء آخرين من قبيلة “هيهي” لا تزال محفوظة هناك حتى اليوم. أما العظام الستة الأخرى التي تم التعرف عليها في مؤسسة “شاريتيه”، فقد جاءت من أماكن أخرى في “أوهيهي”.
لقد سرقها “فريدريش فولبورن” وأرسلها أيضًا إلى “لوشان”. كان “فولبورن” أيضًا طبيبًا عسكريًّا في فرقة الحماية في “إيرينجا”. لقد درس الطب والعلوم الطبيعية في برلين من عام 1888 إلى عام 1893م، تحت إشراف عالم التشريح “فيلهلم فالدير” و”فيليكس فون لوشان”.
وفي عام 1896م انضم “فولبورن” إلى فرقة الحماية في شرق إفريقيا الألمانية، ومنذ عام 1897م شارك كطبيب في الفرقة السادسة في المعارك ضد نجوني في جنوب غرب المستعمرة وهيهي بقيادة السلطان “مكواوا”. لقد أنجز “فولبورن” هذه المهمة بجمع “المواد” الأنثروبولوجية “في ظل أصعب الظروف”: لقد قام بقياس أجساد “أكثر من 200 فرد”، وصنع نحو “300 صورة فوتوغرافية”. بالإضافة إلى ذلك، حصل “فولبورن” في رحلات استكشافية وحملات عسكرية ضد قبيلة هيهي (التي أثارت اهتمامًا خاصًّا بين جامعي التحف وعلماء الأنثروبولوجيا حوالي عام 1900م بسبب مقاومتها الشديدة) وضد مجتمعات أخرى، وفقًا لروايته الخاصة، على نحو “خمسة وعشرين جمجمة، وهيكلين عظميين كاملين، وثمانية رؤوس في الفورمالين، وسبعة أدمغة وعدد من عينات الأحشاء”. وفي عامي 1908/1909م، بصفته رئيس بعثة هامبورج البحرية الجنوبية، واصل جمع الجماجم، والتي من خلالها وصل نحو 800 جمجمة وهيكل عظمي إلى متحف “هامبورج” الإثنولوجي.
وتنتمي اثنتان من العظام التي جَلَبها “فولبورن” إلى برلين إلى زعماء قرويين من قبيلة هيهي، يمكن معرفة أسمائهم من النقوش المحفورة على الجماجم: تيمرينجومبي ولوكول من إيرينجا. وهناك جمجمتان تعودان إلى أشخاص مُقربين من السلطان “مكواوا”، الذين كانا مسؤولَيْن عن “الداوة”، أي (دواء الحاكم)، الذي كان لا يثق إلا في أناس يُشرفون عليه وينقلونه أثناء الحرب. وكل ما يُعرَف عن رجل آخر يسمى مينجوني، أنه تُوفِّي في إيرينجا عام 1899م. أما الجمجمة الأخيرة من قبيلة هيهي، فهي تخص امرأة، وتعود إلى المنطقة المحيطة بمدينة إيرينجا.
لقد أصبح من الصعب تتبُّع معرفة كيفية حصول “فولبورن” على العظام بالضبط. ومع ذلك، تشير كل الأدلة إلى أنه حصل عليها بالقوة أثناء الحرب الاستعمارية الألمانية، إما بعد القتال أو بنهب القبور. وقد ذهبت معظم العظام المسروقة إلى متحف الإثنولوجيا وجمعية برلين للأنثروبولوجيا والإثنولوجيا وما قبل التاريخ. كما انتهى الأمر ببعضها في “مجموعة المواد التعليمية” الخاصة بـ “فيليكس فون لوشان”، واستُخْدِمَت لأغراض البحث العلمي.
إلى جانب عالم إفريقيا “كارل ماينهوف”؛ كان “لوشان” أحد رواد ما يسمى بنظرية (الحاميين). لقد حددت هذه النظرية “الحاميين” باعتبارهم “عرقًا” أفتح بشرة ومختلفًا من الناحية الأنثروبولوجية واللغوية والاقتصادية والسياسية عن السكان ذوي البشرة الداكنة “الأفارقة البدائيين”، “البانتو”.
لقد افترض “لوشان” أن هناك جنسًا بشريًّا واحدًا، ورفض العنصرية المعادية للسامية باعتبارها غير قابلة للتبرير علميًّا. لكنَّه عمل ضمن نمط فكري شكلته العنصرية الاستعمارية؛ حيث أعطى أسبابًا بيولوجية للتسلسلات الهرمية الاجتماعية والاختلافات الثقافية داخل الجماعات العرقية الإفريقية (وكذلك بين الأوروبيين والأفارقة). وفي كتابه الصادر عام 1922م بعنوان “الشعوب والأعراق واللغات”، استشهد بجماجم “مكواوا” التي سرقها “ستيرلينج” كدليل على فرضياته، والذي جاء فيه: “كان أفراد الأسرة الحاكمة “خارج الخط تمامًا مع رعاياهم”. وعلى عكس “جماهير البانتو العاديين”، وفقًا لـ “لوشان”، كان لديهم “جماجم ضخمة ومستقيمة تمامًا يمكن لأيّ مفكر أوروبي أن يفخر بها”. وفقًا لـ “لوشان”، ينتمي حكام “مكواوا” إلى العائلات النبيلة الحامية، “التي حافظت على نمطها الجسدي القديم بطريقة رائعة”، على الرغم من أنهم كانوا “زنجيين لغويًّا”.
التسليم بمنزلة عمل طال انتظاره:
لقد مرت مجموعة “لوشان” والجماجم من المتحف الإثنولوجي عبر متاحف ومؤسسات أكاديمية مختلفة خلال القرن العشرين. وعلى مدار عقود، كان وجودها معروفًا فقط للخبراء المبتدئين. وفي تسعينيات القرن العشرين، انتقلت مجموعة المتحف السابقة أخيرًا إلى رعاية مؤسسة شاريتيه.
وفي عام 2012م، استولى عليها متحف ما قبل التاريخ والتاريخ المبكر، الذي ينتمي إلى مؤسسة التراث الثقافي البروسي، ودمجها مع مقتنيات أخرى لتشكيل مجموعة أطلق عليها اسم “فيليكس فون لوشان”، معلم “ستيرلينج” و”فولبورن”، وغيرهما من لصوص الجماجم.
في السابق، وبعد فحص سريع، تم إرجاع حوالي ثلاثين عظمة تحمل علامات واضحة تحديدًا على الظلم الاستعماري، بما في ذلك عظام الاثني عشر شخصًا من “هيهي”، إلى مؤسسة شاريتيه. وقد تم التحقيق في أصل البقايا البشرية من السياقات الاستعمارية هناك منذ عام 2010م. في البداية، وكان التركيز على العظام من ناميبيا وأستراليا ونيوزيلندا وباراجواي وتسمانيا. في عامي 2018/2019م، كرَّس فريق بحث نفسه بعد ذلك لـ 36 عظمة من تنزانيا وناميبيا وليبيريا وجنوب إفريقيا وتوجو وموزمبيق وإثيوبيا. ثم سعى متحف شاريتيه للتاريخ الطبي إلى الاتصال بالمتاحف والمجتمعات المتضررة والوكالات الحكومية في مختلف البلدان الإفريقية.
وتُوِّجَت المحادثات مع قبيلة “هيهي” بحفل أقيم في شاريتيه في 16 يناير 2025م؛ حيث تم تسليم العظام الاثنتي عشرة إلى وفد بقيادة “متوا آدم عبد الصابي الثاني مكواوا”. وكان حفيد السلطان “مونييجومبا”، البالغ من العمر 22 عامًا فقط، وهو الرئيس التقليدي لقبيلة “هيهي” منذ عام 2014م، كما يدرس الاقتصاد في جامعة إيرينجا. وشدَّد على أن قصة أسلافه “هي أيضًا شهادة على صمود وشجاعة وتصميم شعب رفض التخلي عن كرامته”. وقد حضر الحفل حوالي 70 ضيفًا من الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والسياسيين، بما في ذلك عضو مجلس الشيوخ عن الثقافة في برلين “جو تشيالو”. كما تمت دعوة السفير التنزاني لكنه لم يحضر؛ إذ تطالب حكومته بإعادة القطع الأثرية الثقافية والبقايا البشرية على مستوى الحكومات.
كان التسليم في يناير 2025م -بعد أكثر من 120 عامًا- عملاً متأخرًا. وكانت هذه هي المرة العاشرة التي يتم فيها إعادة رفات بشرية من مؤسسة شاريتيه حتى الآن. وللمرة الأولى، تم ذلك مباشرة إلى مجتمع متضرر من سرقة الجمجمة الاستعمارية. لقد اعتذر عميد شاريتيه، يواكيم شبرينجر، بعبارات واضحة إلى شعب “هيهي” عن المعاناة والظلم الذي لحق بهم أثناء الحكم الاستعماري الألماني.
ومع ذلك، لم تكتمل عمليات العودة بعد. فلا يزال هناك 109 قِطَع من الرفات البشرية التي ترجع إلى السياقات الاستعمارية في شاريتيه؛ وقد جرى فحص 54 منها بالفعل لمعرفة مصدرها، بما في ذلك خمس عظام أخرى من تنزانيا. وستبقى الجماجم الاثنتي عشرة، التي تنتمي الآن إلى “هيهي” مرة أخرى، في برلين حتى تتفق عائلة “مكواوا” على موعد لنقلها مع الحكومة التنزانية. مصير الجماجم ودفنها في المنزل في “كالينجا” في المقبرة بجوار متحف “مكواوا” التذكاري أو أن عائلة “مكواوا” ستحصل على نصب تذكاري خاص بها، وهي مسألة لا تزال تُبْحَث، ولم تُحْسَم بعدُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://www.zeit.de/2025/06/kolonialgeschichte-tansania-hehe-grabschaendung-charite/komplettansicht