استضافت مدينة جوهانسبرج الجنوب إفريقية قمة مجموعة العشرين (22- 23 نوفمبر الجاري). وقد وُضِعَتْ جنوب إفريقيا، -التي سلَّمت رئاسة المجموعة للولايات المتحدة- وسط اضطراب في مراسم هذه العملية؛ بسبب غياب حضور دبلوماسي أمريكي لائق، على الرغم من وجود أجندة وُصِفَت بالطموحة تقوم على دعوة دول المجموعة لمساعدة الدول الفقيرة على التعافي من كوارث التغيُّر المناخي، وخفض أعباء ديونها الخارجية، والانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء، واستخدام ثروات معادنهم المهمة بأنفسهم من أجل هدف رئيس ألا وهو “محاولة مواجهة التفاوت العالمي الآخِذ في الاتساع”.
تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش في ختام القمة ألقت بظلال قاتمة حول حقيقة هذا الطموح؛ إذ صرح “سوف نرى، لكنني أعتقد أن جنوب إفريقيا قد قامت بما عليها من وضع هذه الأمور بوضوح على مائدة القمة”([1])؛ وتَشِي ملاحظة غوتيرتش بعدم التفاؤل الواقعي إزاء مستقبل تحقق هذه الأجندة، لا سيما ما تعلق منها بالقارة الإفريقية.
كما تشير المؤشرات الواقعية، وغلبة نظر أغلب دول المجموعة للقارة الإفريقية على أنها “حديقة خلفية” لمنافساتها متعددة الأوجه، وفي مقدمتها التكالب على الموارد المعدنية الهامة في القارة (حتى من قبل العضو الإفريقي الوحيد بالمجموعة: جنوب إفريقيا)، إلى اضطراب أجندة القمة فيما يخص إفريقيا وقضاياها، كما أن تمرير بيان ختامي للقمة محملًا بأغلب بنود هذه الأجندة قد صاحَبه تهديد أمريكي بالانقلاب عليه خلال انعقاد أول قمة مقبلة للمجموعة في فلوريدا بالولايات المتحدة، وفي ملعب الغولف الذي تمتلكه “منظمة ترامب” Trump Organization.
إفريقيا في أجندة القمة: علاقات عامة!
تبنَّى قادة مجموعة العشرين إعلان قمة جوهانسبرج الذي ركَّز على معالجة أزمة المناخ والتحديات العالمية الأخرى، رغم الاعتراضات الأمريكية، مما دفَع البيت الأبيض لاتهام جنوب إفريقيا بتسليح قيادتها للمجموعة هذا العام، لا سيما مع إعلان الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوسا أن إعلان جوهانسبرج “غير قابل للتفاوض (لاحقًا)”، مما عكس حجم التوتر بين بريتوريا وإدارة الرئيس دونالد ترامب، واحتمالات انقضاض واشنطن لاحقًا على هذه المخرجات([2]).
وشهدت القمة سابقة لم تحدث من قبل؛ حيث اتفقت الدول المشاركة على صياغة الإعلان عند بداية الاجتماع، وليس في ختامه، وعدم وجود عملية تسليم رسمية لرئاسة القمة عن العام التالي. كما لاحظ مراقبون أنه رغم الطبيعة غير الإلزامية لإعلانات قمة مجموعة العشرين فإن واشنطن عبَّرت عن معارضتها القوية له، لا سيما فيما يتعلق بالتغيُّر المناخي، وأهمية تحقيق “المساواة الجندرية” gender equality، والتخلص من أعباء الديون التي تثقل كاهل الدول الفقيرة والأكثر فقرًا. وانضمَّت للاعتراضات الأمريكية البرازيل في ظل قيادة رئيسها خافير ميلي Javier Milei المعروف بقربه من دائرة الرئيس دونالد ترامب وسياساتها الخارجية، مما يؤشّر إلى “بداية انشقاقات” مهمة داخل دول المجموعة([3])؛ ويعزز منها حدوث تحولات في الاستقطابات السياسية بين دول المجموعة في ظل التقارب الأمريكي-الروسي الراهن (سواء في الملف الأوكراني أم في مناطق النزاعات الإفريقية)، وتراجع الخلافات الأمريكية الصينية إلى حدود دنيا في عهد إدارة ترامب الحالية.
وفيما بالغت بريتوريا بوصف القمة([4]) بأنها ذات نتائج “ثورية” لإفريقيا والجنوب العالمي، وأن القمة تاريخية، كونها تنعقد للمرة الأولى على أرض إفريقية، وعملها كمنصة لتأكيد التوجُّه متعدد الأطراف “الذي خدم العالم على نحو جيد للغاية منذ الحرب العالمية الثانية” بحسب تعبير وزير الخارجية الجنوب إفريقي رونالد لامولا، فإن النتائج على الأرض تظل محدودة راهنًا وعلى المدى المنظور، كما أن نجاح جنوب إفريقيا، التي تعاني من أزمة ديون عامة مزمنة تستنزف أكثر من نصف ناتجها القومي الإجمالي، في جسر الفجوة بين “الجنوب العالمي والشمال العالمي” عبر الحديث عن عدد من القضايا، وألا تكون إفريقيا مجرد متلقٍّ لعمليات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، مع تعهُّد الإمارات بضخ بليون دولار “من أجل التوسع في البنية الأساسية (اللازمة) للذكاء الاصطناعي في إفريقيا، مع الأخذ في الاعتبار أن الإمارات العربية المتحدة تُعدّ من أكبر المستثمرين في إفريقيا. فقد بلغ حجم تجارتها الثنائية في عام 2024م حوالي 107 مليارات دولار أمريكي، بزيادة قدرها 28% عن العام السابق، وتجاوز إجمالي استثماراتها في إفريقيا 118 مليار دولار أمريكي بين عامي 2020 و2024م، وهو ما قد يثير تساؤلات حول مدى ارتباط تعهداتها المالية في قطاع الذكاء الاصطناعي بهذه الاستثمارات ومشروطياتها([5]). وكذلك تعهُّد ألمانيا بدعم برنامج التضامن مع إفريقيا الذي أطلقته مجموعة العشرون في العام 2017م بالفعل([6]).
وهكذا تقتصر التعهدات بدعم إفريقيا في قطاعي الذكاء الاصطناعي والدعم المالي على المبادرتين الإماراتية والألمانية، ورغم أن رقم بليون دولار الذي تعهَّدت به الإمارات (دون توضيح المدى الزمني المحدد لإنفاق هذا المبلغ أو التوزيع الجغرافي له) يُعدّ رقمًا كبيرًا نسبيًّا غير أنه لا يُغطِّي احتياجات إفريقيا في حدودها الدنيا لتحقيق طفرة معقولة في هذا القطاع؛ وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على ما تعهدت به ألمانيا. ومِن ثَم تظلّ أجندة القمة فيما يتعلق بالقارة الإفريقية مكررة لنهج القمم السنوية السابقة: عدم وجود خرائط طريق واضحة موضوعيًّا وزمنيًّا لتقديم الدعم الضروري للدول الإفريقية.
مجموعة العشرين وديون إفريقيا: لا حلول في الأفق!
لا تتجاوز حدود دور جنوب إفريقيا في ملف خفض ديون الدول الفقيرة وفق آليات مجموعة العشرين مسائل التوضيح وطرح المقترحات. وبالفعل فقد جاءت مسألة التمويل (وخفض الديون) في اثنتين من أربع أولويات كانت جنوب إفريقيا قد وضعتهم خلال رئاستها للمجموعة، وأشارت إحداهما إلى “ضمان استدامة الديون بالنسبة للدول منخفضة الدخل”، فيما أكد الآخر على ضرورة حشد التمويل (اللازم) لتحقيق انتقال عادل للطاقة.
وتمثل مقاربة جنوب إفريقيا أهمية كبيرة لدول إفريقيا التي تضع آمالًا دائمة على مقاربات الدول الدائنة في خفض الديون أو إعادة هيكلتها. إذ تتعلق الديون والتمويل التنموي ومعهما مواجهة تداعيات التغيرات المناخية بصميم مستقبل القارة الإفريقية؛ إذ يعاني أكثر من نصف دول القارة من حالة أزمة الديون debt stress أو أنها على وشك الدخول في تلك الفئة. كما يعيش أكثر من نصف سكان القارة في دول تنفق على خدمات الديون أكثر مما تنفقه على الصحة و/ أو التعليم. إضافة إلى ذلك شهدت 17 دولة إفريقية تدفقات خارجية للديون الصافية في العام 2023م، ويعني ذلك استخدامها لمزيد من العملات الأجنبية في الدفع للمدينين الخارجيين أكثر من تلقّيها ديونًا جديدة كان من الممكن استخدامها لتمويل التنمية في إفريقيا([7]).
إضافة إلى ذلك فإن دول إفريقيا تحتل مراكز متقدمة في قوائم الدول الأكثر استدانة على مستوى العالم قياسًا لناتجها القومي في العام 2025م؛ فقد حلت إريتريا في المرتبة الثالثة (بعد اليابان وسنغافورة) بوصول الدين العام بها إلى نسبة 210% من الناتج المحلي الإجمالي، وأرجعت تقديرات ذلك إلى الصراعات العسكرية التي خاضتها “أسمرا”، وأحدثها الحرب في إقليم تيجراي، ونظام التجنيد الإجباري الذي حرم قطاعات واستثمارات مُنتِجَة من العمالة اللازمة، وقاد إلى تقييد التنوع الاقتصادي؛ بينما جاء السودان في المرتبة السادسة (وقبل البحرين مباشرة) بنسبة وصلت إلى 128% عن العام 2025م، وهو رقم يفوق ضعف الرقم الذي تحققه الأسواق الصاعدة([8]).
بينما جاءت بقية الدول الإفريقية على النحو التالي: موزمبيق (131%)، السنغال (123%)، زامبيا (115%)، كيب فيردي (106%)، مصر (87%)، تونس (81%)، مالاوي (80%)، جنوب إفريقيا (77%)، الجابون (76%)، غامبيا (74%)، رواندا (73%)، توجو (72%)، كينيا (68%)، جنوب السودان (66%)، ناميبيا (64%)، وغيرها. مع ملاحظة أن متوسط الدين العالمي للناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم قد ارتفعت من 92.4% في العام 2024م إلى 94.7% في العام 2025م مما يعني أن أغلب دول القارة الإفريقية تأتي في قوائم دون هذا المتوسط العالمي، لكنها تظل تواجه صعوبات خطيرة في تمويل سداد هذا الدين العام([9]).
كما طرحت القمة إطار عمل المسار المالي لمشاركة إفريقيا (2025- 2030)؛ لضمان أن يكون للاقتصادات الإفريقية صوت مستدام في المناقشات المالية العالمية، وهو مسار يبدو مثيرًا للدهشة من جهة تكراره ودلالاته على غياب الحضور الإفريقي الجاد في مثل هذه المناقشات للتعبير عن مخاوفها ومصالحها. وبحسب البيان فإنه إذا طُبّقت هذه التدابير بفعالية، فقد تؤدي إلى إعادة هيكلة ديون أسرع وأكثر عدالة، وزيادة الحيّز المالي للاستثمارات الاجتماعية والمناخية، وخفض تكاليف الاقتراض، وتحسين فرص حصول إفريقيا على التمويل الميسر([10]).
ختامًا، رغم الزخم الكبير الذي استبقته إفريقيا بتوقعات مرتفعة السقف لمخرجات قمة مجموعة 20، كونها تنعقد على أرض إفريقية للمرة الأولى، وتعهد بريتوريا التقليدي بتقديم وجهة النظر الإفريقية لدى دول المجموعة، وفي حضور تمثيل رسمي للاتحاد الإفريقي عضوًا بهذه المجموعة، فإن إعلان جوهانسبرج وما خرجت به القمة لا يتجاوز –فيما يخص إفريقيا- وعودًا متكررة من آنٍ لآخر، وتعزيزًا لمواقف سابقة تقوم بالأساس على ربط الاستثمارات والمساعدات المالية للدول الإفريقية بمزيد من الحصول على المعادن الهامة في القارة بشروط تفضيلية بالغة الاستثنائية.
كما أن تمرير هذه الوعود يظل مسألة مشكوكًا بها في ضوء عدم وضع جداول زمنية محددة لها (باستثناء المساعدات المالية الألمانية المقررة حتى العام 2030م)، وصعوبة شمول دول القارة بهذه المساعدات بمعايير تنموية تتجاوز الاستقطابات السياسية.
……………………………
[1] Africa’s first G20 summit opens with an ambitious agenda and a US boycott, France 24, November 23, 2025 https://www.france24.com/en/video/20251122-africa-s-first-g20-summit-opens-with-an-ambitious-agenda-and-a-us-boycott
[2] https://www.reuters.com/sustainability/climate-energy/g20-leaders-meet-south-africa-seeking-agreement-despite-us-boycott-2025-11-22/
[3] Kate Bartlett, G20 summit closes in South Africa after U.S. absence, NPR, November 23, 2025 https://www.npr.org/2025/11/23/nx-s1-5616430/g20-summit-ends-south-africa-trump-ramaphosa
[4] G20 Leaders’ Summit Declaration ‘Revolutionary’ for Africa, Global South, G20 South Africa 2025, November 22, 2025 https://g20.org/track-news/g20-leaders-summit-declaration-revolutionary-for-africa-global-south/
[5] Nelly Peyton, UAE announces $1 billion initiative to expand AI in Africa, Reuters, November 22, 2025 https://www.reuters.com/world/middle-east/uae-announces-1-billion-initiative-expand-ai-africa-2025-11-22/
[6] G20 summit ends with commitment to multilateralism, despite US boycott, RFI, November 23, 2025 https://www.rfi.fr/en/africa/20251123-g20-south-africa-adopts-declaration-despite-divergences-united-states-boycott
[7] Danny Bradlow, Africa has a debt crisis: momentum from G20 in South Africa can help find solutions, The Conversation, November 16, 2025 https://theconversation.com/africa-has-a-debt-crisis-momentum-from-g20-in-south-africa-can-help-find-solutions-269004
[8] Matt Cunningham, Which Countries Have the Highest Public Debt Levels in the World? Focus Economic, November 17, 2025 https://www.focus-economics.com/blog/countries-with-the-most-public-debt/
[9] Dorothy Neufeld and Sabrina Lam, Visualizing the State of World Debt in 2025, Visual Capitalist, November 17, 2025 https://www.visualcapitalist.com/state-of-world-debt-in-2025/
[10] Nontobeko Mlambo, Africa: What Africa Stands to Gain from the Historic G20 Leaders’ Declaration, All Africa, November 24, 2025 https://allafrica.com/stories/202511240234.html











































