مقدمة:
يتبيّن للقارئ الناظر إلى أطالس القارة الإفريقية أنّ جمهورية الكاميرون تشارك حدودها الدولية مع ست دول هي: تشاد، وإفريقيا الوسطى، والكونغو، والغابون، وغينيا الاستوائية، ونيجيريا. وأنّ لها نصيبًا في مجاورة المحيط الأطلسي. وتشير الموسوعة البريطانية إلى أن الكاميرون، دولة تقع عند ملتقى غرب ووسط إفريقيا. ويتميّز سُكّانها بتنوُّعهم العِرْقي. وأنّ الكاميرون وُصِفَت بأنها “مفترق طرق عرقي”؛ نظرًا لوجود أكثر من 200 مجموعة عرقية مختلفة فيها([1]).
وتضيف الموسوعة المذكورة في مجال تاريخ المجموعات الإثنية في الكاميرون: أن أقدم سكان البلاد هم الأقزام، الذين يعيشون في مجموعات صيد صغيرة في الغابات الجنوبية. وفي السياق التاريخي ذاته تبين الموسوعة أن البعثات الأوروبية والاستعمار نتج عنهما إدخال اللغات الأوروبية إلى البلاد. وأنه خلال الحقبة الاستعمارية، كانت اللغة الألمانية هي اللغة الرسمية؛ استُبْدِلَت لاحقًا باللغتين الإنجليزية والفرنسية. أما من المنظور الديني فيُشكِّل الروم الكاثوليك ما يقرب من خُمسي السكان، بينما يُشكِّل البروتستانت أكثر من الربع. ويُشكِّل المسلمون السُّنة حوالي خُمس السكان. بينما يُشكِّل أتباع الديانات الروحانية أو التقليدية نسبة ضئيلة من المعتنقين([2]).
أما فيما يخص عدد سكان الكاميرون ومساحتها؛ فيخبرنا موقع ورلدأوميتر Worldometer، -الذي يتابع رصد عدد السكان في مختلف دول العالم على مدار الساعة- أنّ عدد سكان الكاميرون حاليًّا 30.008.706 نسمة، حتى يوم الأحد 7 سبتمبر 2025م، وذلك وفقًا لبيانات الأمم المتحدة الصادرة عن ذلك الموقع. وقد قُدِّر عدد سكان الكاميرون بحلول منتصف هذا العام (2025م) بـ29.879.337 نسمة. أما من حيث المساحة؛ فيشير الموقع ذاته إلى أن المساحة الإجمالية لأرض الكاميرون تبلغ 472.710 كيلو متر مربع (182.514 ميل مربع)([3]).
مما ذُكِرَ أعلاه يتضح أن جمهورية الكاميرون تجاور عددًا من الدول، مما يُلقي عليها أعباء جسيمة في إدارة حدودها، وضبط الحراك السكانيّ البينيّ في منطقةٍ تشهد، عبر القرون، قوميات عابرة للحدود. إضافة إلى ذلك تتعدد في المجموعات الإثنية واللغوية؛ الأمر الذي يُعقِّد من وضعها ومشهدها الإثني واللغوي. وعندما يُضاف إليه لغتان أوروبيتان (الإنجليزية والفرنسية) -وهما اللغتان اللتان رافقتا استعمار البلاد، وبقيتا بعد رحيله بعقود-، باعتبارهما لغتين رسميتين؛ يزداد ذلك الوضع تعقيدًا على تعقيد. فما حقيقة الوضع اللغوي في البلاد؟ وهل من انعكاس لذلك الوضع على لغة الأدب في البلاد؟
الوضع اللغوي في الكاميرون وأهم مكوناته:
أفرد الإثنولوغ نحو 71 صفحة لإبراز معلومات تفصيلية عن اللغات المُتَحَدَّث بها في جمهورية الكاميرون. وقد أشار إلى أن قائمة اللغات التي يُتحدَّث بها في ذلك البلد الإفريقي تضم 280 لغة، ضمنها 175 لغة حية، وثلاث لغات متحدثة، ولكن لا يوجد مَن يتحدثها بوصفها لغة أُمّ. ولغتان انقرضتا تمامًا. وأنّ من بين تلك اللغات تُوجد لغات يتحدَّث بها أكثر من 200.000 متحدّث، هي: البتي Beti، والفولانية، والإوندو Ewondo، واليمبا Yemba، والأوغومالا OGhomala، والباسا Basaa، والبامون Bamun، والميدومبا Medumba، والهجين الكاميرونية. إضافة إلى لغتي الاستعمار الإنجليزية والفرنسية([4]).
وتبين القراءة الفاحصة لما كتبه الإثنولوغ عن اللغات في الكاميرون، أن بعض هذه اللغات يتحدّث بها العشرات من البشر، وأن بعضها يتحدث بها المئات، وأن بعضها يتحدث بها الآلاف. وأن اللغات التي يتحدث بها مائة ألف نسمة فأكثر حتى مائتي ألف تتمثل في: البولو Bulu، والمافا Mafa، والبانا Pana، الإغبايا Gbaya، والكوم Kom، واللامنسو Lamnso، والتوبوري Tupuri، والفيفي Fefe. وهذه اللغات الثمانية إضافة إلى اللغات المذكورة أعلاه (إذا استبعدنا اللغة الهجين)؛ تُمثّل اللغات المحلية الكبرى الآمنة في البلاد، وفقًا لمعيار اليونيسكو (مائة ألف متحدث كافية لأمن اللغة). أما بقية اللغات الأخرى فهي مُهدَّدة بالانقراض.
على الرغم من أن بعض الأدبيات تُميّز بين ثلاث مناطق لغوية في الكاميرون، وهي: منطقة الفولانية في الشمال، ومنطقة اللغة الإنجليزية في الغرب، ومنطقة اللغة الفرنسية في بقية أنحاء البلاد([5])، إلا أنه من الأفضل تركيز الحديث على مكونات الوضع اللغوي في الكاميرون الأهم في أنماط أربعة. يتمثل النمط الأول في وضع اللغات المحلية. أما النمط الثاني فيتمثل في وضع اللغة الهجين الكاميرونية. وأما النمط الثالث فيتمثل في وضع اللغة الفرنسية. وأما النمط الرابع فيتمثل في وضع اللغة الإنجليزية.
اللغات المحلية وسياسة التهميش المستمر:
إذا بدأنا بوضع اللغات المحلية، انطلاقًا مما تمَّت الإشارة إليه من أن الإثنولوغ أبان بأنها 280 لغة منها 275 حية. وعند بعض الدراسات يتقلص هذا العدد قليلًا، ولكن في كل الأحوال لا ينقص العدد عن 250 لغة. وفي هذا المنحى نلحظ أن الأدبيات الأكاديمية الكاميرونية، تُعرف اللغات الأم واللغات الأصلية باسم “اللغات الوطنية”. وفي الوقت الحالي، وفقًا لما تورده تلك الأدبيات، تميل هذه اللغات إلى أن تُستخدَم حصريًّا في السياقات العائلية، وفي الحياة الاجتماعية والخاصة، والتفاعلات المجتمعية اليومية، مثل: التجارة المحلية، والمناسبات الاجتماعية داخل المجموعة العرقية، والأنشطة المجتمعية التقليدية([6]).
وفي السياق ذاته، تشير بعض الدراسات إلى أنه بينما تهيمن الفرنسية والإنجليزية اللغتان الرسميتان المستمدتان من التراث الاستعماري، على الحياة العامة في مجالات التعليم والإدارة والسياسة ووسائل الإعلام والدعاية والأدب؛ تُهمّش اللغات الأصلية، ولغة الهجين الكاميرونية القائمة على الإنجليزية إلى أدنى مستوى. باختصار، وفقًا لتلك الدراسات، تفتقر السياسة اللغوية في البلاد إلى أهداف وتوجُّهات واضحة، فهي لا تُعزّز اللغات الأصلية بشكلٍ كافٍ. ومع ذلك، استمرت اللغات الأصلية في خدمة “التبشير”، وفي التواصل الشعبي. كما هيمنت اللغات الأصلية على التواصل غير الرسمي في الكنائس، والأسواق، والاحتفالات الثقافية، والطقوس الدينية، والمنازل، … إلخ([7]).
وقد ترتب على اقتصار الاستخدام الرسمي على اللغتين الرسميتين فقط؛ أن صارت اللغات المحلية غير مُستخدَمة في الإدارة، والصحافة المكتوبة، والدعاية، والتلفزيون الوطني، والبثّ الرسمي، ويتم استغلال وظيفتها الرمزية فقط بشكل متقطع في الأهداف السياسية خلال الحملات الانتخابية. وظل العديد من السكان الأصليين في جهلٍ كبير، وغير قادرين على المشاركة في القضايا الوطنية الحاسمة؛ لذلك، ما تزال مسألة اللغة تُشكِّل هاجسًا في السياق الكاميروني؛ حيث تُبقي سياسة اللغة الحالية شريحةً مهمةً من السكان في حالة جهلٍ تام. إضافةً إلى ذلك، في ظل غياب التعليم باللغة الأم، يظلّ التعلّم في المراحل المبكرة من المرحلة الابتدائية محفوفًا بالمخاطر للكثيرين، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الرسوب في المدرسة([8]).
نتبيّن مما تمَّ ذِكْره أن الكاميرون تحظى بتعدُّد لغوي واضح، ولكنّ وضع اللغات المحلية مقلق؛ بسبب أن أغلبها مُهدَّد بالانقراض. هذا إضافة إلى أنها مُهمَّشة، تجد مضايقات جمَّة من اللغتين الرسميتين في البلاد (الفرنسية والإنجليزية)، اللتين تسيطران على الحياة العامة في مجالات التعليم والإدارة والسياسة ووسائل الإعلام والدعاية والأدب؛ ليصبح دور اللغات المحلية مقتصرًا على الجوانب الرسمية في الكنائس، والأسواق، والاحتفالات الثقافية، والطقوس الدينية، والمنازل. وقد انعكس هذا الوضع على متحدثي تلك اللغات سلبًا في مجال التعليم، وفي معرفة ما يجري في البلاد، بسبب عدم المعرفة الكافية باللغتين الرسميتين.
الهجين الكاميرونية: الحضور البارز في الحياة الاجتماعية والاقتصادية
تحدثنا بعض الدراسات، التي أرَّخت لنشأة اللغة الهجين الكاميرونية القائمة أساسًا على اللغة الإنجليزية: أن بدايات اللغة الهجين ذات الأساس الإنجليزي في الكاميرون ما تزال غامضة. وتشير تلك الدراسات إلى أن تأسيس أول مستوطنة أوروبية تمّ بين عامي 1843 و1844م على يد جوزيف ميريك. وأنه نيابة عن جمعية التبشير المعمدانيين الإنجليزية، بنى ميريك مدرسة وكنيسة بالقرب من دوالا. وبين عامي 1850 و1884م، كانت الكاميرون الساحلية تحت سيطرة البريطانيين تقريبًا، ويبدو أن انتشار اللغة الهجين ذات الأساس الإنجليزي قد زاد بشكل كبير. وأنه عندما أصبحت المنطقة في يوليو 1884م جزءًا من الإمبراطورية الألمانية، يبدو أن اللغة الإنجليزية الهجين قد ترسَّخت بقوة؛ لدرجة أنها استُخْدِمَت بين الألمان والسكان الأصليين في المزارع الساحلية، للإدارة والتبشير([9]).
وفي المنحى ذاته تذكر تلك الدراسات أنه في عام 1919م، ونتيجة لمعاهدة فرساي، تم تقسيم البلاد، وتم تفويض أربعة أخماس البلاد لفرنسا، والخمس الأخير لبريطانيا. واستخدمت كل قوة استعمارية لغتها الوطنية كلغة إدارة ووسيلة للتعليم، ولكن يبدو أن اللغة الهجين الكاميرونية قد ترسخت بالفعل بقوة لدرجة أنها استمرت في الاستخدام حتى في أجزاء من الأراضي، التي خضعت للحكم الاستعماري الفرنسي([10]). وربما يصعب إدراج الهجين الكاميرونية ضمن اللغات المحلية في الكاميرون. وفي الوقت نفسها يستحيل جعلها في مصافي اللغتين الرسميتين في البلاد: الفرنسية والإنجليزية؛ لذلك ينبغي التعامل معها كلغة مستقلة بَيْن بين.
تُستخدم الهجين الكاميرونية في الوقت الحالي على نطاق واسع، ليس فقط في المقاطعات الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من البلاد، بل أيضًا في المقاطعات الساحلية والغربية. ويتجلى تأثيرها حاليًّا في العديد من المدن الرئيسية في المقاطعات الناطقة بالفرنسية؛ إذ أصبحت لغةً ذات بُعْدٍ وطنيٍّ محتمل. إذ في المناطق الحضرية، والريفية على حدٍّ سواء، تُستخدَم هذه اللغة في الكنائس، والأسواق، ومواقف السيارات، ومحطات السكك الحديدية، والشوارع، وغيرها([11]). وتؤكد دراسات أن هذه اللغة المبسطة، تُسهّل التواصل لأنها لغة يومية. وأنها في الواقع، تُعدّ لغةً غير رسمية، ولا يُسمح باستخدامها في المؤسسات والدوائر الحكومية([12]). وبهذا ينطبق عليها ما ينطبق على اللغات الكاميرونية الوطنية، فهي بعيدة عن الاستخدام الرسمي، على مستوى التعليم والإعلام وإدارة دولاب الدولة.
يُفهَم مما تم سرده أن الهجين الكاميرونية القائمة على اللغة الإنجليزية، ذات جذور تاريخية في البلاد، وأنها لغة مستقلة، وتُعدّ في مرحلة وسطى بين اللغات المحلية واللغتين الرسميتين في البلاد. وأنها في حالة انتشار مستمرة، وفي الطريق إلى أن تصبح لغة ذات بُعْد قومي. وفي الوقت نفسه تُصنَّف كاللغات المحلية؛ حيث لا تُستخدم في الجوانب الرسمية، ويقتصر دورها في المواقف غير الرسمية، مثل: الكنائس، والأسواق، ومواقف السيارات، ومحطات السكك الحديدية، والشوارع.
اللغة الفرنسية: محاولات حثيثة للسيطرة على المشهد اللغوي:
إذا رجعنا إلى الوراء قليلًا، يمكن القول بشكل عام: إن الوضع اللغوي في الكاميرون الناطقة بالفرنسية، اتسم خلال الفترة الاستعمارية بصراع لغوي دائم بين المبشرين، الذين أصرّوا على استخدام اللغات الأصلية، والإدارة الاستعمارية الفرنسية. وقد اتخذت الإدارة الفرنسية سلسلة من التدابير الرامية إلى تعزيز لغتها. ففي عام 1917م، أقرّت الإدارة الاستعمارية الفرنسية دعمًا خاصًّا للمدارس، التي استخدمت الفرنسية لغةً للتدريس([13]). وتخبرنا بعض الدراسات أنه في عام 1961م، عندما نالت غرب الكاميرون استقلالها، توحدت الدولتان مرة أخرى في دولة اتحادية، وكانت الفرنسية والإنجليزية لغتين رسميتين. وعند إعلان الدولة الموحدة في عام 1972م مُنِحَت اللغتان وضعًا دستوريًّا متساويًا (بموجب دستور عام 1972م ثم دستور عام 1996م)([14]).
وتشير بعض الأدبيات إلى أن اللغة الفرنسية يعود دورها كلغة تواصلٍ أوسع إلى فترة ما بعد الاستقلال. فباستثناء المقاطعات الشمالية الثلاث (حيث تزدهر الفولانية كلغة تواصل مشتركة)، والمقاطعتين الناطقتين بالإنجليزية؛ تلعب الفرنسية هذا الدور في بقية المقاطعات الخمس الناطقة بالفرنسية([15]). ويدل واقع الحال على أن اللغة الفرنسية باعتبارها لغة رسمية برفقة اللغة الإنجليزية؛ هما اللغتان المستخدمتان في الإدارة اليومية، والاتصالات في الكيانات العامة، وفي وسائل الإعلام العامة الرسمية، مثل: التلفزيون الحكومي، والإذاعة الوطنية، والصحافة المطبوعة. ويُعدّ نظام التعليم (سواءٌ في المدارس الخاصة أو العامة) مجالًا مهمًّا آخر للاستخدام الحصري للغتين الرسميتين([16]).
سياسيًّا، أدّى تركيز السلطة، وفرض هوية ناطقة بالفرنسية أحادية اللغة، إلى تفاقم مطالب الناطقين بالإنجليزية بالحكم الذاتي. أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فقد أدَّت التفاوتات المنهجية في توزيع الموارد والتنمية إلى تأجيج الاستياء، مما خلق انقسامًا حادًّا بين المناطق الناطقة بالإنجليزية والمناطق الناطقة بالفرنسية. ومن الناحية الثقافية، أدَّى تهميش الهوية والقِيَم الناطقة بالإنجليزية إلى تفاقم الاغتراب الذي تشعر به هذه المجتمعات([17]). ويتضح من ذلك أن هناك صراعًا مستمرًّا بين اللغتين الرسميتين.
يُفهَم مما تم تناوله أن اللغة الفرنسية في الكاميرون تتمتع بمكانة تاريخية متميزة، فهي لغة رسمية للبلاد برفقة اللغة الإنجليزية، بحسب السياسة اللغوية المتبعة في البلاد. غير أن واقع الحال يدل على أن هذه اللغة تحظى بتطبيق أوسع؛ مما أقلق الناطقين باللغة الإنجليزية. وبحكم وضعها كلغة رسمية، برفقة الإنجليزية أيضًا تُستخدم الفرنسية في الإدارة اليومية، والاتصالات في الكيانات العامة، وفي وسائل الإعلام العامة الرسمية، مثل: التلفزيون الحكومي، والإذاعة الوطنية، والصحافة المطبوعة. كما نلحظ لها وجودًا معتبرًا في الأدب؛ ما يدل على مدى نفوذها في البلاد.
اللغة الإنجليزية: جذور تاريخية وتحديات مستقبلية
مرت اللغة الإنجليزية في الكاميرون، تاريخيًّا، بخمس فترات مهمة، هي: فترة العبودية، وفترة التجارة الحرة، والفترة الألمانية، والفترة الفرنسية والإنجليزية، وفترة ما بعد إعادة التوحيد. وقد كان البرتغاليون أول مَن تواصَل مع الأوروبيين خلال فترة العبودية، من خلال حملة قادها فرناندو بو عام 1472م. ولأن البرتغاليين استخدموا القراصنة الإنجليز لضمان كفاءة تجارتهم، فإنه خلال تلك الفترة، استُخدمت اللغة الإنجليزية. وأنه منذ عام 1742م، استوطن الأوروبيون من جنسيات مختلفة ساحل الكاميرون. وقد توافد هؤلاء الأوروبيون، وهم من جنسيات مختلفة، تباعًا إما كمستكشفين أو تجار أو مبشرين أو إداريين. ومع وصول المبشرين الإنجليز من الكنيسة المعمدانية عام ١٨٤٣م، وعام ١٨٤٥م، أُنشئت أولى المدارس في دوالا وبيمبيا وفيكتوريا (ليمبي حاليًّا)؛ حيث كانت تُدرّس اللغة الإنجليزية ولغة دوالا([18]).
وأصبحت الكاميرون في الفترة نفسها تقريبًا، محمية ألمانية بتوقيع معاهدة جيرمانو-دوالا في ١٢ يوليو ١٨٨٤م؛ لذلك أصبحت الألمانية اللغة الرسمية للكاميرون. ولكن نظرًا لعدم إتقان أيّ شخص للغة الجديدة، فقد أُجبر الألمان في إدارتها على استخدام متحدثي الإنجليزية والهجين الكاميرونية كمترجمين فوريين لهم. وعندما انتهت سيطرة الألمان على الكاميرون فجأة في عام 1916م بعد خسارتهم الحرب العالمية الأولى، قسّمت عصبة الأمم الكاميرون بين فرنسا وبريطانيا، وألزمتهما بإدارتها. وسيطرت فرنسا على شرق الكاميرون (أربع أخماس) الإقليم، وبريطانيا على غرب الكاميرون. لذلك، من عام 1916 إلى عام 1961م، تاريخ استقلال غرب الكاميرون، أصبحت الفرنسية اللغة الرسمية لشرق الكاميرون، واللغة الإنجليزية اللغة الرسمية لغرب الكاميرون([19]).
بعد استقلال الكاميرون عام ١٩٦٠م، وإعادة توحيدها عام ١٩٦١م، صُمِّم الهيكل الفيدرالي لاستيعاب التراث الاستعماري المزدوج للبلاد، مع وجود منطقتين متميزتين، هما: الناطقة بالإنجليزية والناطقة بالفرنسية. ومع ذلك، فُكِّك هذا الترتيب الفيدرالي عام ١٩٧٢م في عهد الرئيس أحمدو أهيدجو، وهي خطوة ركّزت السلطة في ياوندي، وهَمَّشَت بشدة المناطق الناطقة بالإنجليزية. وقد أثارت هذه المركزية للسلطة استياءً عميقًا بين السكان الناطقين بالإنجليزية، الذين اعتبروها تآكلًا منهجيًّا لهويتهم واستقلالهم وأهميتهم السياسية. وأصبح فرض مناهج دراسية باللغة الفرنسية في المدارس، وتعيين قضاة فرنكوفونيين لرئاسة محاكم القانون العام، ونقص تمثيل الناطقين بالإنجليزية في الإدارة الوطنية؛ علامات رئيسية لهذا التهميش([20]).
يمكن أن يستنتج في هذا السياق أنه من الواضح أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه لغة كاميرون الإنجليزية هو السمعة السيئة. فبعض الكاميرونيين، وخاصة الكاميرونيين الناطقين بالفرنسية، غالبًا ما يعتقدون أنها ليست جيدة بما فيه الكفاية. وينشأ هذا الموقف عندما تُحدَّد صحة قواعد اللغة بمدى قربها من اللغة الإنجليزية البريطانية الفصحى. حتى الآن، ما يزال بعض الكاميرونيين، وخاصةً أولئك المرتبطين باللغة الإنجليزية بطريقة أو بأخرى، يعتقدون أن اللغة الإنجليزية التي يتحدّثونها ليست مختلفة فقط عما هو موجود في البلاد، بل هي اللغة الإنجليزية البريطانية الفصحى بشكل لا لبس فيه([21]).
نستخلص مما تم استعراضه أن اللغة الإنجليزية في الكاميرون ذات جذور عميقة. فقد استخدمت تاريخيًّا في البلاد، بل ساهمت منذ القدم في نشأة وبروز لغة هجين مهمة تنتمي إلى بيئة الكاميرون، وتتحدث بصورة واسعة في البلاد. إضافة إلى ذلك أنها لغة رسمية بالبلاد برفقة اللغة الفرنسية، تُستخدم في إدارة دولاب الدولة، والتعليم والإعلام… إلخ. وأنه بسبب التهميش الذي طُبِّق في المناطق الناطقة بالإنجليزية؛ واجَه الناطقون بهذه اللغة العديدة من التحديات، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. علاوةً على ذلك يُكتَب بهذه اللغة أدب كاميروني على قَدْر من الأهمية.
الوضع اللغوي المتعدد وعملية تشكُّل لغة الأدب:
تظهر خريطة لغة الأدب في الكاميرون ما يمكن تسميته بثلاثة أنماط رئيسية من الأدب؛ الأول أدب اللغات المحلية. والثاني الأدب المكتوب باللغة الفرنسية. والثالث الأدب المكتوب باللغة الإنجليزية. ويمكن إضافة نوع رابع هو الأدب المكتوب بالهجين الكاميرونية (متصوّر). وإن كانت تلك الخريطة يسيطر عليها، ما يسمى بالأدب الفرانكوفوني، القائم على اللغة الفرنسية وثقافتها، وما يسمى بالأدب الأنغلوفوني، القائم على اللغة الإنجليزية وثقافتها. وإذا تركنا الأدب المكتوب بالهجين الكاميرونة، المتصوَّر نظريًّا، يمكن تناول الأدب الكاميروني انطلاقًا من اللغة، التي يُكتَب بها في ضوء أن ذلك الأدب وليد الوضع اللغوي، الذي تحدثنا عنه من قبل.
أدب اللغات المحلية: لسان حال التراث الوطني
في البدء لا بد من القول: إنه لا يمكن تصوُّر لغة بلا أدب، مهما قل عدد المتحدثين بها. وعلى ذلك يمكن أن نتصور اللغات المحلية في الكاميرون تحتوي آدابًا بعددها، ولكن لا أحد يعرف الكثير عن تلك الآداب، وذلك نسبة لأنها مغمورة، ولأن اللغات في مجملها غير مدوَّنة، وبالتالي لم تُدوَّن آدابها، ولم يُدوَّن المتوقع من النابغين من أدبائها، اللهم إلا أن يكون ذلك التدوين باللغتين الرسميتين للدولة. ومن الفلتات التي يمكن إيرادها من آداب اللغات المحلية، مثالان؛ الأول: يخص كاتبة كاميرونة تسمى دجايلي أمادو أمال. والثاني إشارة إلى أدب شعبي، ربما غير مدوَّن، لقبيلة كاميرونية تسمى مزغوم.
أما فيما يخص دجالي أمادو أمال الكاتبة الكاميرونية دجايلي أمادو أمال؛ فتحدثنا نجوى أحمد أنها تُعدّ اليوم واحدة من أبرز الأصوات الأدبية النسائية في القارة الإفريقية. وأبانت أن “أمال” تنتمي إلى شعب الفولان؛ ذلك الشعب المعروف بترحاله وثقافته العميقة؛ حيث تحظى المرأة بمكانة رفيعة تُترجَم في احترامها وتقديرها خاصة بعد الزواج. ولكنّ هذا التقدير لا يعفيهن من ثِقَل الأعراف؛ إذ يظل الصبر أو Munyal قيمة تُطالب المرأة بحملها مهما بلغت قسوة الظروف. وفي هذا المنحى ترى نجوى أحمد أنه من هذا التناقض بين التقدير والمعاناة، وُلِدَ أدب دجايلي. فقدمت روايتها الأولى “والاندي”Waalande ، والكلمة تعني في الفولانية اليوم الذي يبيت فيه الزوج عند إحدى زوجاته، كاشفةً عن أثر تعدُّد الزوجات في حياة النساء. تلتها أعمال أخرى، مثل:Mistiriijo ، وصولًا إلى روايتها الأشهر Munyal “دموع الصبر”، التي نالت عنها جائزة غونكور للثانويات عام 2020م، لتكون أول كاتبة إفريقية تحصد هذا التتويج الأدبي الكبير([22]).
وأما فيما يخص الأدب الشعبي لقبيلة مزغوم؛ فقد أورد الدكتور الكاميروني إبراهيم محمد جبريل إحدى الحكايات من تراث هذه القبيلة، تحت عنوان “حكاية الولد الذكي وضبعانة أنموذجًا”. ويمكن تلخيص ما أورده في أن رحلة بحث قام بها مجموعة من الأولاد عن والدهم، الذي تأخَّر وقد ذهب ليصطاد، وبعد خروجهن للبحث ولدت إحدى زوجات والدهم ابنا سُمِّي “بنيك”، وعندما عرف ما حدث تبع إخوانه بحثًا عن والده، وعندما عثر على إخوانه أنكروه. وفي النهاية جمعتهم ظلمة الليل في ضيافة “أم عامر” (أنثى الضبع)، التي وجدت فيهم صيدًا ثمينًا، فحاولت قتلهم جميعًا، لكن استطاع “بنيك” أن يَحُول دون ذلك، عندما اكتشف أن أم عامر تريد قتلهم، فدَبَّر حيلة أنجتهم جميعًا. ومِن ثَم عاد الولد الذكي مع إخوانه إلى أهلهم سالمين من فخّ أم عامر([23]).
وعليه يمكن القول: إن أدب اللغات المحلية، يظل مرآة عاكسة للتراث الخاص بالمجموعات الإثنية في البلاد، ويُعبِّر معاناة البشر، ويروي حكاياتهم وأساطيرهم الشعبية، ويُدوّن قضاياهم الخاصة، ولكنه يظل أدبًا محدود الانتشار، وقلما يتجاوز ذلك إلى الإقليمية والعالمية، ما لم تتم ترجمته إلى إحدى اللغات العالمية.
الأدب الكاميروني المكتوب باللغة الفرنسية: إبراز مخازي الاستعمار ووحشية العبودية
خلاصة ما يُقرَأ في الأدبيات، التي أرَّخَت لنشأة وتطوُّر الأدب الكاميروني الناطق بالفرنسية، أن هذا الأدب تأسَّس خلال الانتداب الفرنسي على الإقليم بعد الحرب العالمية الأولى، مما أدَّى إلى تطوير صوت مناهض للاستعمار، ينتقد ثقافة المستعمر، وبدأ في تحديد مكانته على الساحة الأدبية الإفريقية، حتى قبل الاستقلال في عام 1960م. وشملت التطورات الرئيسية لهذا الأدب ظهور كُتّاب مبكرين، مثل: ماري كلير ماتيب Marie Claire Matip، الذين استخدموا اللغة الفرنسية لتحدي الأعراف الاستعمارية، وشخصيات لاحقة، مثل: مونغو بيتي Mongo Beti، وفرديناند أويونوFerdinand Oyono ، اللذين استخدما كتاباتهم لمعالجة، ورفض الاستيعاب الاستعماري.
وتُحدّثنا دراسات أن ما حدث في الخمسينيات (من القرن الماضي) من حيث الإنتاج الأدبي الناطق بالفرنسية للكاميرونيين، أو الأفارقة، اعتبره أسياد الاستعمار خَطِرًا للغاية إلى حدّ ما، وفعلوا كل ما في وُسْعهم لإيقافه أو منع استمراره. لذلك لم يُنْشَر أيّ من هذه الأعمال في الكاميرون على الإطلاق؛ إذ نُشرت هذه الأعمال في فرنسا مِن قِبَل ناشرين فرنسيين. لذا، يمكن اعتبار ما حدث في تلك الخمسينيات، حادثًا جيدًا للشعب الكاميروني، ولكنه سيئ للسادة الاستعماريين، الذين بذلوا كل ما في وسعهم لمنع أو تثبيط أيّ كاتب آخر عن اتباع هذا المسار([24]).
ولعل من أهم المبدعين الكاميرونيين، الذي كتبوا باللغة الفرنسية: الأديب مونجو بيتي. وقد عُدَّ اسمًا مرجعيًّا في الأدب الإفريقي، ونموذجًا للكاتب الملتزم، الذي يحتل مكانة بارزة في المشهد الأدبي والفكري والسياسي الإفريقي. وهو يُعدّ أشهر أدباء الكاميرون. وما يزال هجاؤه اللاذع عن الفترة الاستعمارية مصنفًا ضمن أفضل الروايات الإفريقية. وقد نشر بيتي عام 1953م مجموعة قصصية باسم “بلا حقد، وبلا حب” باسم مستعار هو (إيزالبوتو)، وبنفس الاسم نشر روايته الأولى “مدينة قاسية” عام 1954م، ثم تتابعت رواياته باسمه، ومنها “مسيح بومبا المسكين” (1956م)؛ و”مهمة منتهية” (1958م)؛ و”الملك الذي أنقذته معجزة” (1958م). وكتب أيضًا “بربتوا” (1978م)؛ و”تذكر ياروبن” (1979م)، و”حطام القراقوز” (1981م)، وغيرها([25]).
ويشار إلى أنه في أثناء إقامته في الكاميرون، بعد سنوات المنفى، نشر ثلاث روايات: الأولى في عام 1994م باسم “L’histoire du fou”، الذي يروي خلالها تفاصيل 30 عامًا في المنفى. وأعقبها بروايته “Trop de soleil tue l’amour” عام 1999م. ثم صدر عمله الأخير “Branle-bas en noir et blanc” عام 2000م. وقد حصل بيتي على “جائزة Sainte-Beuve” للأكاديمية الفرنسية مرتين؛ الأولى عن روايته “المهمة المُنجزة”، والثانية عن روايته “King Lazarus”. وتُعدّ روايته الأشهر “مسيح بومبا المسكين” بمثابة تجسيد حي لآثار الانتهاك الاستعماري الفرنسي على المشهد الكاميروني، وإرهاصاته على الوعي الوطني آنذاك. مثلما كشفت رواية “العبيد” عن وحشية العبودية كوسيلة لتعزيز إنهاء الاستعمار([26]).
وعليه، يمكن أن نستنتج أن الأدب الكاميروني المكتوب باللغة الفرنسية، أسهم بصورة مباشرة في رفض الاستعمار وسياساته الاستيعابية، لذلك حُورِبَ رُوّاده، وزُجَّ ببعضهم في السجون. وإذا تم التركيز على الأديب مونجو بيتي، باعتباره أشهر الأدباء الكاميرونيين؛ فسنجد أن إبداعاته سلَّطت الضوء على قضايا مهمة، منها: هجاؤه اللاذع للفترة الاستعمارية؛ ووحشية العبودية، وبثّ الوعي الوطني.
الأدب الكاميروني المكتوب باللغة الإنجليزية: قضايا مُلِحَّة مواكبة
يُؤرّخ للأدب الكاميروني الناطق بالإنجليزية الحديث بعام ١٩٥٩م (بظهور مسرحية “أنا مُبرَّر” لسانكي مايمو Sankie Maimo في العام نفسه). ويكشف التحليل الدقيق لمجموعة الأدب الكاميروني الناطق بالإنجليزية منذ نشأته وحتى تسعينيات القرن العشرين عن مرحلتين رئيسيتين. تُغطّي المرحلة الأولى الفترة من عام ١٩٥٩م إلى حوالي عام ١٩٨٤م. وينتقد كُتّاب هذه الفترة “تمييز” الشعوب المستعمرة سابقًا في النصوص، التي كتبها المستعمرون. ولمواجهة هذا التهميش، سعت هذه النصوص إلى منح صوت “التابع” لفضح التضليل و”السلبية” المتفشية في الكتابات الاستعمارية. وتبدأ المرحلة الثانية من أدب الكاميرون الناطقة باللغة الإنجليزية في منتصف الثمانينيات، وتبلغ ذروتها في التسعينيات. ويُعدّ أدب هذه الفترة هو استجابة خيالية للمناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ذلك الوقت([27]).
وفي سياق ذي صلة تورد بعض الدراسات ما مفاده أن الأدب المكتوب بالإنجليزية مزيجٌ من الشعر والقصص القصيرة والمسرحيات والروايات والكتب غير الروائية؛ يُصوّر القرويين والفتيان والنساء والزعماء والمسؤولين المنتخبين والرجال البيض والمهاجرين، ويتخذ هذا الأدب طابعًا تنبوئيًّا؛ فقد تنبَّأ بالعديد من التحديات الحالية، التي تواجهها البلاد. ويتأكد صدق ذلك في عدد من الروايات، التي تتميز باتساع وعمق الكتابة. لعل أهمها: “انظروا إلى الحالمين” لإمبولو مبو؛ و”القدم الطيبة” لنساندا إيبا؛ و”إكليل الشوك” لتي. لينوس أسونغ؛ و”شفق المحتالين” للمعلم جوني ماكفيبان([28]).
ولكي تتضح الصورة أكثر عن أهم القضايا التي تصدَّى لتناولها هذا الأدب؛ يمكن استحضار نموذجين للرواية، ونموذج للشعر. وإذا بدأنا برواية “إكليل الشوك” لتي. لينوس أسونغ، الصادرة عام ١٩٩٠م؛ فنجد أن أحداثها تدور في قرية خيالية. وتُسلّط الضوء على القوة التدميرية للجشع والمؤامرات السياسية، واستغلال النفوذ؛ حيث تبدأ الرواية بلحظة عصيبة؛ حيث يُتَّهم أحد أكثر شيوخ القرية نفوذًا بالمساعدة في سرقة إله القرية، وبيعه لسائح أبيض. وتتوالى الأحداث بعد ذلك في صورة مشوقة جاذبة([29]). أما رواية “حكاية امرأة إفريقية” لجينغ توماس، فتحكي عن قرية “ياكيري”؛ أُصيبت بلعنة غضب الأجداد بسبب معاملة “يايا”، أول فتاة تصارعت مع أقرانها من رعاة الماعز الذكور لتنال حق الانضمام إلى مجتمع الرجولة. فتُصبح يايا طالبة متفوقة في مدرسة القرية الابتدائية. وفي خِضَمّ كلّ هذا، يشقّ مبشّر أيرلندي، يعيش في إفريقيا. وبتدخله، تغادر يايا القرية إلى المدرسة في المدينة. وتتفجر قصص ووجهات نظر الفتيات والنساء غير المروية، بطرق مُنيرة ومُلهمة([30]).
وأما ديوان “الاغتصاب الأخضر: شعر من أجل البيئة” Green Rape: Poetry for the Environment لبيتر فاكونتاPeter W. Vakunta ، الذي طُبِعَ عام 2008م؛ فكل قصيدة فيه تُمثِّل صرخة احتجاج على اغتصاب البيئات الطبيعية والمعمارية. يتناول الديوان طيفًا واسعًا من القضايا، بما في ذلك صراع الرأسمالية العالمية مع النشاط البيئي. ويتناول بإمعان الخطاب الدولي حول التدهور البيئي، وتغيُّر المناخ، ومصادر الطاقة المتجددة، والاحتباس الحراري، وتكنولوجيا الجينات، والتنوع البيولوجي، وغيرها. ويُبدِّد الشاعر عددًا من الخرافات، أبرزها وجود مخزون لا ينضب من الموارد الطبيعية تحت تصرف الإنسان. ويحاول إيجاد حلّ للاستغلال الجائر وغير المتوازن للموارد الطبيعية النادرة([31]).
انطلاقًا من ذلك يمكن القول: إن الأدب الكاميروني المكتوب باللغة الإنجليزية هو مزيجٌ من الشعر والقصص القصيرة والمسرحيات والروايات والكتب غير الروائية. وقد سعى ذلك الأدب إلى فضح التضليل و”السلبية” المتفشية في الكتابات الاستعمارية. إضافة إلى ذلك سلَّط الضوء على قضايا، مثل: تأثير الجشع، والمؤامرات السياسية، واستغلال النفوذ في المجتمع. كما تحدَّث عن نضال المرأة في المجتمع الذكوري. علاوةً على ذلك تناول قضية اغتصاب البيئات الطبيعية والمعمارية؛ وصراع الرأسمالية العالمية مع النشاط البيئي، وغير ذلك من القضايا المهمة.
خاتمة:
من خلال ما تم استعراضه من محاور أساسية في هذا المقال، نتوصل إلى جملة من النقاط، من أهمها ما يلي:
أولًا: إن الوضع اللغوي في الكاميرون بأنماطه المختلفة (نمط وضع اللغات المحلية، ونمط وضع اللغة الهجين الكاميرونية، ونمط وضع اللغة الفرنسية، ونمط وضع اللغة الإنجليزية)؛ أدَّى إلى تشكيل أربعة أنواع مختلفة من الأدب، أولها: أدب خاص باللغات المحلية؛ وثانيها أدب خاص باللغة الهجين الكاميرونية (لم نعثر على بيانات له، لكنّه يُتصوَّر نظريًّا)؛ وثالثها: أدب مكتوب باللغة الفرنسية (فرانكوفوني)، ورابعها: أدب مكتوب باللغة الإنجليزية (أنغلوفوني).
ثانيًا: إن أدب اللغات المحلية، يظل مرآة عاكسة للتراث الخاص بالمجموعات الإثنية في البلاد، ويُعبِّر عن معاناة أفراد تلك المجموعات، ويروي حكاياتهم وأساطيرهم الشعبية، ويُدوِّن قضاياهم الخاصة، ولكنّه يظل أدبًا محدود الانتشار، وقلما يتجاوز ذلك إلى الإقليمية والعالمية، ما لم تتم ترجمته إلى إحدى اللغات العالمية.
ثالثًا: إن الأدب الكاميروني المكتوب باللغة الفرنسية، ساهم بصورة مباشرة في رفض الاستعمار وسياساته الاستيعابية، لذلك حُورِبَ رُوّاده، وزُجَّ ببعضهم في السجون. وإذا تم التركيز على الأديب مونجو بيتي، باعتباره أشهر الأدباء الكاميرونيين؛ فسنجد أن إبداعاته سلَّطت الضوء على قضايا مهمة، منها: هجاؤه اللاذع للفترة الاستعمارية؛ ووحشية العبودية، وبثّ الوعي الوطني.
رابعًا: إن الأدب الكاميروني المكتوب باللغة الإنجليزية، بأجناسه المختلفة، سعى إلى فضح التضليل و”السلبية” المتفشية في الكتابات الاستعمارية. كما سلَّط الضوء على قضايا مُلِحَّة، مثل: تأثير الجشع، والمؤامرات السياسية، واستغلال النفوذ في المجتمع. إضافةً إلى ذلك أبان قضايا، مثل: نضال المرأة في المجتمع الذكوري؛ واغتصاب البيئات الطبيعية والمعمارية؛ وصراع الرأسمالية العالمية مع النشاط البيئي.
………………………….
[1] See: People of Cameroon, in: https://www.britannica.com/place/Cameroon/People
[2] Ibid.
[3] See: Cameroon population (live), in: https://www.worldometers.info/world-population/cameroon-population/
[4] ETHNOLOGUE, Languages of the World (1992), CONSULTING EDITORS: RICHARDS. PITTMAN JOSEPH E. GRIMES, TWELFTH EDITION, BARBARA F. GRIMES, EDITOR, Summer Institute of Linguistics, Inc. Printed in the United States of America: Dallas, Texas, p.p. 176- 207.
[5] George Echu, The Language Question in Cameroon, Linguistik online 18, 1/04, p.p. 19- 33, p.p. 21- 22.
[6] Relatrice Laureanda and Fiona Clare Dalziel Brenda Ngwe Lekungha, Multiculturalism in Cameroon and Strategies for Language Conservation, n° matr.2022609 / LTLLM, Anno Accademico 2023 / 2024, Università degli Studi di Padova, p.11- 12.
[7] George Echu, The Language Question in Cameroon, op. cit,starting from p. 19.
[8] Ibid, starting from p. 27.
[9] See: Survey chapter: Cameroon Pidgin English, in: https://apics-online.info/surveys/18
[10] Ibid, idem
[11] George Echu, The Language Question in Cameroon, op. cit, p. 22.
[12] Relatrice Laureanda and Fiona Clare Dalziel Brenda Ngwe Lekungha, op. cit., p. 12.
[13] George Echu, The Language Question in Cameroon, op. cit, p. 23.
[14] Gilbert Tagne Safotso, CAMEROON FRANCOPHONE ENGLISH: AN ATYPICAL EXAMPLE TO MOAG’S AND SCHNEIDER’S MODELS, British Journal of English Linguistics Vol.4, No.5, pp.1- 10 September 2016, p. 4-5.
[15] George Echu, The Language Question in Cameroon, op. cit, p. 21.
[16] Relatrice Laureanda and Fiona Clare Dalziel Brenda Ngwe Lekungha, op. cit., p.11- 12.
[17] Nouridin Melo, The Anglophone Crisis: A Modern Manifestation of Systemic Challenges in Cameroon, Posted Date: 3 January 2025, doi: 10.20944/preprints202501.0223.v1, 1- 24, p. 1.
[18] Gilbert Tagne Safotso, CAMEROON FRANCOPHONE ENGLISH, op. cit, p.4.
[19] Ibid, idem
[20] Nouridin Melo, The Anglophone Crisis, op. cit., p.2.
[21] Samuel Atechi &Julius Angwah, The Attitudes of Anglophone and Francophone Cameroonians towards Cameroon English as a Model of English Language Teaching and Learning in Cameroon, Journal of Education and Practice www.iiste.org, Vol.7, No.13, 2016, p.p. 109- 115, p.114.
[22] Najwa Ahmed، الأدب العالمي، على الرابط: https://www.facebook.com/groups/463582578819616/posts/1324160252761840/
[23] إبراهيم محمد جبريل من الأدب الشعبي لقبيلة مزغوم في الكاميرون “حكاية الولد الذكي وضبعانة أنموذجًا”، على الرابط: https://theroom19.com/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-
[24] See: Juliana Makuchi Nfah-AbbenyiI, Francophone Cameroon literature: A conversation with Ambroise Kom, Tydskrif vir Letterkunde, vol.53 n.1 Pretoria 2016, in: https://scielo.org.za/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S0041-476X2016000100003
[25] شيرين ماهر، الأديب الكاميرونى”مونجو بيتي”.. وحروب الكلمة، على الرابط:
https://africa.sis.gov.eg/%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AA-
[26] المرجع نفسه.
[27] See: Joyce Ashuntantang, Anglophone Cameroon literature 1959-90: A brief overview, in: https://scielo.org.za/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S0041-476X2016000100007
[28] See: Nchanji Njamnsi, Cameroonian Anglophone Literature: Peripheral, Prophetic, and Radical, in: https://lithub.com/cameroonian-anglophone-literature-peripheral-prophetic-and-radical/
[29] Ibid, idem
[30] See: Jing Thomas. Tale of an African Woman, Bamenda, Langaa Publishers, December 2007 in: http://anglocamlit.blogspot.com/
[31] See: Peter W. Vakunta. Green Rape: Poetry for the Environment, Langaa Publishers, 2008, in: http://anglocamlit.blogspot.com/