شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا قمة المناخ الإفريقية الثانية في سبتمبر الجاري، بعد نحو عامين من انقضاء القمة الأولى التي شهدتها العاصمة الكينية نيروبي في العام 2023م؛ وقد طغت على أجندة القمة الحالية، وسابقتها في واقع الأمر، أفكار التوظيف الدعائي والسياسي قبل عقدها بأسابيع، وتراجع الاهتمام بأجندتها وضمان واقعيتها، مع تجدد التصريحات المتزامنة مع القمة بأن الهدف الرئيس منها هو وضع ورقة عمل تمثل إفريقيا في قمة المناخ العالمية كوب30 المقرر عقدها في البرازيل في شهر نوفمبر المقبل؛ الأمر الذي يثير تساؤلات حول جدية المساعي الإفريقية للتوصل “لحلول إفريقية” لمشكلاتها المناخية، ومغزى استمرار تهميش دور القارة في قضايا المناخ العالمية (رغم أنها الأكثر تضررًا من هذه القضايا قياسًا لكونها الطرف الأقل إسهامًا في تلوث الأرض) لصالح مكاسب لحظية لعدد من الدول والترويج لها على نحو بات غير منطقي بالمرة.
يتناول المقال الأول مسألة تركيز القمة على التمويل من أجل مشروعات واستثمارات الطاقة المتجددة في إفريقيا؛ بينما يتناول المقال الثاني أهم ملامح نجاح القمة من وجهة نظر التمهيد لقمة البرازيل؛ وأخيرًا يدعم المقال الثالث هذه الفرضية كأمر مفروغ منه تمامًا.
قمة المناخ الإفريقية تضاعف تمويل الطاقة المتجددة([1])
تقف إفريقيا على شفا تحوُّل يمكن أن يُعزّز تنمية مستدامة وسليمة بها، ويُعزّز العمل المناخي العالمي؛ لكن ذلك يحتاج إلى تمويل كافٍ لجعل هذا الحلم حقيقة. وتتمثل الإجابة –هنا- في إطلاق طاقة متجددة نظيفة ومرنة ومحلية الصنع بشكل واسع النطاق.
وتمثل الطاقة المتجددة الخيط الذهبي الذي سيُمَكِّن القارة الإفريقية من مواجهة أزمات متعددة، والتغلب عليها، تضرب سكانها في وقت واحد، بدءًا من الفقر الطاقوي إلى ارتفاع البطالة، إلى الحاجات التعليمية المُلِحَّة، إلى فجوات واسعة في إمدادات الكهرباء، وحالة مناخ معادية بشكل متزايد.
وكان لدى القادة الأفارقة فرصة للعمل مع نظرائهم الدوليين، ومع المانحين الدوليين، والمستثمرين الأفراد، وصُنّاع الطاقة، وغيرهم هذا الأسبوع، من خلال وضع الطاقة المتجددة في صميم أجندة قمة المناخ الإفريقية الثانية Africa Climate Summit (ACS2) المنعقدة في أديس أبابا (8- 10 سبتمبر الجاري). ومع تركيز القمة على “تمويل صمود إفريقيا والتنمية الخضراء بها”، فإن هذه القمة الثانية تمثل اللحظة الواضحة التي يمكن عندها مسارعة نشر الطاقة المتجددة في القارة. وقد أسفر إعلان نيروبي Nairobi Declaration، الذي تم الاتفاق عليه خلال القمة الأولى في العاصمة الكينية في العام 2023م، عن إطلاق وعود بالقدرة على بلورة نمو اقتصادي مستدام وصمود مناخي ملموس لدى جميع الأفارقة، بما في ذلك التعهُّد بتعزيز قدرات إفريقيا من الطاقة المتجددة بما لا يقل عن 300 جيجاوات بحلول العام 2030، مقارنةً بـ56 جيجاوت فقط في العام 2022م.
وسيؤدي ذلك إلى جسر الفجوات الطاقوية، والتحول التصنيعي الأخضر في أرجاء القارة. كما سيُؤمِّن ذلك المستقبل للشباب وعدد متزايد من السكان في قارةٍ بها نصف بليون طفل يتعرَّضون بالفعل لموجات الجفاف الحادة والأعاصير والموجات الحرارية.
إفريقيا تفقد الوقت:
لكن لم يتغير إلا أقل القليل منذ العام 2023م، وتفقد إفريقيا الوقت بشكل واضح. إن الكلمات وحدها لن تُحوِّل هذا الهدف إلى حقيقة. إن حياة الأطفال والشباب الأفارقة تعتمد على الحاجة لتحوُّل سريع وملموس. ويحتاج هؤلاء لطعام ومياه صحية ومستدامة، وإضاءة في المدارس، ومبردات في المنازل والمراكز الطبية، ومستقبل آمِن وعادل.
ويمكن للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية أن تُعزّز الصمود والشمول والازدهار، ومعالجة جميع هذه الحاجات. كما يمكن أن تُقوِّي المجتمعات الريفية التي تفتقر للبنية التحتية الأساسية مثل خطوط نقل الطاقة. وتملك إفريقيا 39% من إمكانات الطاقة المتجددة في العالم، بينما لا تتلقى القارة إلا نحو 2% من الاستثمارات العالمية في العشرين عامًا الماضية، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة International Renewable Energy Agency (IRENA). ولا تزال غالبية المجتمعات المنعزلة في العالم قائمة في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث يفتقر نحو 600 مليون فرد للكهرباء، وفق الوكالة الدولية للطافة. ولا يزال هناك قرابة بليون فرد يفتقرون لغذاء نظيف حتى اليوم.
على الدول الصناعية المتقدمة دَفْع ديونها المناخية:
لكن لا يمكن لإفريقيا بناء مستقبل طاقتها المتجددة بمفردها، ولا يجب توقُّع ذلك، في ضوء أن الأجيال الأصغر بالقارة يحملون أعباء النمو والتحول الصناعي العالمي. وعلى سبيل المثال، فإن كينيا هي بالفعل حاليًّا سابع أكبر مُنتج في العالم للطاقة الحرارية الأرضية geothermal energy، غير أنها لا تزال تملك نحو 10 جيجاوات من المقدرات غير المستغلة، وفقًا لصندوق النقد الدولي. على أيّ حال فإن تطوير هذه المُقدَّرات ستكلف الشركات الكينية أعباء لا قِبَل لها بها، ومنها شركة KenGen التي ستحتاج إلى تكلفة حفر بئر واحد تقدر بنحو 600 مليون شلن كيني (5 ملايين دولار) لإنتاج نحو 5 ميجاوات، بحسب تقارير صندوق النقد الدولي. ويتطلب إنشاء مصنع طاقة ينتج 140 ميجاوات نحو 20- 30 بئرًا (بتكلفة تتراوح بين 100- 150 مليون دولار).
ومِن ثَمَّ فإن دولًا مثل كينيا، وشركاتها المحلية، يتكون بحاجة إلى تمويل تفضيلي ومِنَح وإعفاء من الديون وعمليات نقل للتكنولوجيا من أجل بناء أُسُس صناعة طاقوية يمكنها، مع الاستثمارات المحلية، التكيُّف الطاقوي مع التغيُّر المناخي والنمو المستدام، ودعم التحول الصناعي الأخضر والتنمية بإفريقيا.
لكن بدون التمويل فإن طموحات إفريقيا في هذا المجال تظل مسألة شعارات فحسب، إن الموارد هي الصلة بين الخطط والنتائج الملموسة. وتمثل قمة المناخ الإفريقية الثانية هذه فرصة لمتابعة العمل الذي سيتم عبره تمرير تمويل مشروعات الطاقة المتجددة التي سترفع من شأن القارة.
ما شكل النجاح المرتقب في قمة المناخ الإفريقية الثانية؟([2])
يهدف الاجتماع المناخي في إثيوبيا (8- 10 سبتمبر) إلى إعادة وضع إفريقيا كمحرك في الحلول العالمية لقضايا المناخ. كيف يمكن أن ينجح ذلك؟ بدأ الاجتماع الأكبر من نوعه المعني بالمناخ في إفريقيا في أديس أبابا 8 سبتمبر، وسيعقبه بشهرين اثنين فقط المؤتمر العالمي للمناخ كوب-30 COP30 في البرازيل، ومِن ثَم تبدو حظوظ قمة المناخ الإفريقية الثانية مرتفعة في تحقيق نتائج (ملموسة). وستمثل القمة اختبارًا لقدرة إفريقيا على نقل موقعها من كونها ضحية للتغير المناخي إلى موفرة للحلول التي تُعيد ترتيب التمويل والتجارة والدبلوماسية العالمية.
وتهدف القمة -التي تُعرف اختصارًا بـACS2- إلى وضع أجندة إفريقيا وفق ثلاث أولويات: تمويل العمل المناخي، والتكيُّف المناخي، والتحول الصناعي الأخضر. ويُرجّح أن تختتم القمة بتبنّي إعلان أديس أبابا الذي سيؤكد على تحويل موارد القارة الطاقوية المتجددة الوفيرة والمعادن الهامة والموارد البشرية الشابة إلى أصول نافعة في الانتقال العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري. ووصفت الحكومة الإثيوبية ومفوضية الاتحاد الإفريقي، اللتان تستضيفان معًا القمة، بأن هذا الاتجاه يرسم خطة إفريقيا السياسية الواضحة في العام 2025م.
وقال سالم فقير، المدير التنفيذي لمؤسسة المناخ الإفريقية، في حديث لديالوج إيرث Dialogue Earth: إن المؤتمر “يعمل كمنصة هامة، للدول الإفريقية لتنسيق مواقفها السياسية، وتوحيد أصواتها إزاء قضية التغير المناخي، ودعم قيادة إفريقيا في حوكمة المناخ العالمية. وتُعدّ القمة خطوة هامة في مسار COP30 (المقرر عقده في البرازيل نوفمبر المقبل). ولاحظ “فقير” أنه مع تركيز القمة على موضوعات مثل الطاقة والبنية التحتية الخضراء والتمويل والتكيف المناخيين، فإنه يتوقع منها طرح حلول بقيادة إفريقية وإطلاق فرص تنموية جديدة.
لكن ما الذي سيتحقق بالفعل في أديس؟ وكيف سيبدو شكل النجاح بها؟
من نيروبي إلى أديس أبابا:
تم في افتتاح قمة المناخ الإفريقية الأولى في نيروبي في العام 2023م عقد مناقشات مُوسَّعة عن الديون والتمويل، والتي طغت على كافة الموضوعات الأخرى تقريبًا، بحسب ملاحظات ديالوج إيرث. وحدثت في القمة حادثة طريفة بوصول الرئيس الكيني وليام روتو لمقر الافتتاح بعربة كهربائية صفراء بالغة الصغر. كما كانت هناك توقعات مبالغ فيها بتمكن “روتو” من تأمين توفير أكثر من 20 بليون دولار في شكل تعهدات (غربية ودولية) لتمويل المناخ. واقترح إعلان نيروبي، الذي اختتمت به القمة، فرض ضرائب عالمية من أجل تمويل العمل المناخي، وكذلك القيام بإجراءات لمساعدة الدول المثقلة بالديون على تفادي الفشل. على أيّ حال، فإنه ثمة حالة ترقب وانتظار لتطبيق جاد لهذه المطالب.
وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن أوجه قصور القمة لا تزال ماثلة، ويتذكر هؤلاء حالة الاحتفاء المبالغ فيه والإحباط الذي يليها، وأنه، على حدّ تعبير نجينجا هاكيناه Njenga Hakeena، المحرر بمشروع الصين للجنوب العالمي China Global South Project، بعيدًا عن الأجواء المظهرية فإن كل شيء كرَّر نفسه كما حال مؤتمر المناخ المختلفة، قبل أن يُعبّر عن أمله في أن تكون إثيوبيا مختلفة عبر تحقيق نتائج ملموسة.
ما الذي قد يبدو عليه النجاح في أديس أبابا؟
وفقًا لوزارة التخطيط والتنمية الإثيوبية، فإن القمة تستهدف إنجاز العديد من الأهداف؛ منها: تبنّي إعلان أديس أبابا، وإطلاق تقرير شامل يبرز أكثر من 70 مبادرة إفريقية، والتزامات باستثمارات بقيمة عدة بلايين من الدولارات، والاستعداد لكوب30.
ومن بين أهم القضايا المرتقبة: مسألة التمويل؛ إذ تحتاج الدول الإفريقية لما يُقدَّر بـ2.8 تريليون دولار في الفترة ما بين 2020- 2030 لتلبية تعهداتها المناخية، بما في ذلك 579 بليون دولار من أجل التكيُّف المناخي وحده. على أيّ حال فإن الدول الإفريقية لم تتلقَّ إلا 3-4% فقط من التمويل المناخي العالمي الذي كان متعهدًا به نحوها، وأغلبها كانت في شكل قروض. ويتوقع أن يطالب إعلان أديس أبابا بالإسراع في تقديم التعهدات المالية، وخفض تكاليف التبادلات المالية، وحلول تمويل المناخ التي تتمركز حول المرأة والشباب والأطفال.
قمة المناخ الإفريقية الثانية: حشد العمل قبيل كوب30([3])
تحشد قمة المناخ الإفريقية الثانية قادة العالم للدفع بقضايا الصمود المناخي وانتقالات الطاقة العادلة والتمويل ووضع إفريقيا كمركز هام للحلول المناخية العالمية والابتكار في صدارة المشهد الحالي.
يتوقع أن تصبح إفريقيا، بسكانها الذين سيبلغون 1.5 بليون نسمة، مكانًا لخُمْس سكان العالم بحلول العام 2030م، غير أنها لن تسهم إلا بنحو 3.7% من الانبعاثات العالمية. ورغم ذلك فإن إفريقيا تعاني من الآثار غير المناسبة للتغيُّر المناخي. ووفقًا لمنظمة الأرصاد العالمية بالأمم المتحدة فإن “آثار الطقس المتطرف والتغير المناخي تلحق الضرر بكافة جوانب التنمية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا وتفاقم من الجوع وعدم الأمن والتشرد الداخلي”.
ولا يزال أمامنا أكثر من شهرين حتى موعد انعقاد كوب30، ومثل افتتاح قمة المناخ الإفريقية-2 تمهيدًا ملائمًا؛ لكونها تُلقي الضوء على صعود القارة المتزايد في الدفع بأجندة المناخ وأولويات التنمية المستدامة. وتنعقد هذه القمة برعاية الحكومة الإثيوبية بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي في مركز المؤتمرات الدولي بأديس أبابا Addis International Convention Center (AICC) i.
وبحسب خبراء، ومنهم ريتشارد مويونجي R. Muyungi، مبعوث المناخ ومستشار رئيسة تنزانيا؛ فإن “ثمة استثمارات متزايدة في بعض المجالات، لكن إفريقيا لا تزال بحاجة لمزيد من التمويل حتى تكون قادرة على أن تصبح جزءًا من الحل العالمي، وأن تواجه التحديات التي تقف أمامنا”.
وتنعقد القمة التي تضم مزيجًا نافذًا من رؤساء الدول، وصُنّاع السياسات، والمستثمرين، في حضور عدد من المتحدثين رفيعي المستوى من البربادوس وإثيوبيا والأمين العام للأمم المتحدة. ومِن ثَم فإن قمة المناخ الإفريقية الثانية تتجاوز كونها تجمعًا إقليميًّا، بل إنها منصة محددة لطرح قضية انتقالات طاقوية عادية، وتقوية اقتصاديات الصمود المناخي، وتشكيل أولويات إفريقيا قبيل انعقاد كوب30 في بيليم Belem بالبرازيل.
………………………………..