ترجمة: د.مجدي آدم
هاري كلينش Harry Clynch
October 27th, 2025
ملخص:
تسعى فرنسا لتعزيز علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع الدول الإفريقية الناطقة بالإنجليزية، مثل نيجيريا وكينيا، إثر التدهور الحاد في نفوذها وعلاقاتها التاريخية مع مستعمراتها السابقة (فرانس أفريك)، في سياق تزايد المشاعر المعادية لفرنسا والانقلابات العسكرية في منطقة الساحل. يسلط الكاتب هاري كلينش Harry Clynch الضوء على الأسباب أدت لذلك، والتي دفعت فرنسا إلى تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية مع نيجيريا وكينيا، وما يمكن أن تمثله هذه العلاقة لهذه الدول.
مقدمة:
في كلمته بمناسبة يوم إفريقيا 2025م، في جامعة العلوم السياسية بباريس مطلع أكتوبر، سعى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى التأكيد على التزام بلاده تجاه القارة في وقتٍ تشهد فيه علاقاتها التاريخية مع إفريقيا تحولات.
وقال بارو: «قناعتي بسيطة، ولم تتغير: فرنسا تحمل في طياتها جزءاً من إفريقيا يزيدها قوة. دعونا ننظر إلى القارة الإفريقية الزاخرة بالإمكانات: في حاضنات الأعمال في أبيدجان، وفي أحواض بناء السفن في كيب تاون، ومواني طنجة ودار السلام، تنبض القارة بطاقة واعدة».
وأضاف: «فرنسا تبتكر بوتيرة أسرع من بقية العالم، وهي تقف إلى جانب إفريقيا في الدبلوماسية والأعمال التجارية ومبادراتها العامة والخاصة».
كما ألمح بارو خلال خطابه في معهد الدراسات السياسية إلى: أن فرنسا تعمل حالياً على تحديث إستراتيجيتها القارية استعداداً لقمة فرنسا-إفريقيا، المقرر عقدها في نيروبي في مايو المقبل.
نهاية «فرانس أفريك» Françafrique:
في حين لم تظهر التفاصيل الدقيقة بعد؛ تشير الدلائل إلى أن باريس، ربما ردّاً على تزايد المشاعر المعادية لها في مستعمراتها الإفريقية السابقة، ستعطي الأولوية لبناء علاقات سياسية وتجارية جديدة مع الدول الإفريقية الناطقة بالإنجليزية.
حيث شهد نفوذ فرنسا في مستعمراتها الإفريقية السابقة- المعروفة باسم «فرانس أفريك»- تراجعاً حاداً في السنوات الأخيرة. أدت الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل- كما في مالي وبوركينا فاسو والنيجر- إلى طرد القوات الفرنسية وإلغاء الاتفاقيات العسكرية. غالباً ما كانت هذه الانقلابات مدفوعةً بمشاعر معادية لفرنسا بشكلٍ صريح، وتضمنت احتضاناً صريحاً لخصوم فرنسا، مثل روسيا.
تركز الجدل أيضاً على ما يُنظر إليه على أنه بقايا من السيطرة الاستعمارية الفرنسية- مثل استخدام الفرنك الإفريقي الذي يُلزم المستعمرات السابقة بإيداع ما لا يقل عن 50% من احتياطياتها الأجنبية لدى الخزانة الفرنسية في باريس-.
ولم تُضعف أحداث منطقة الساحل النفوذ الدبلوماسي والسياسي الفرنسي في القارة فحسب، بل ساهمت أيضاً في تراجع النجاح التجاري في إفريقيا. ففي القطاع المصرفي، على سبيل المثال، انسحبت بنوك كريدي أجريكول وبي إن بي باريبا وسوسيتيه جنرال من السوق الإفريقية في السنوات القليلة الماضية- وكان ارتفاع المخاطر الجيوسياسية سبباً رئيسياً لذلك.
وصرح جمال الملالي، مدير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني والمعني بالبنوك الإفريقية، لمجلة «أفريكان بيزنس» سابقاً بأن «الأسواق الإفريقية أكثر عرضة للمخاطر، وأن مستوى عوائد فروعها، من وجهة نظر البنوك الفرنسية، غالباً ما لا يكفي لتبرير وجودها هناك».
دعوة نيروبي:
تتجلى رمزية استضافة قمة العام المقبل في نيروبي، إحدى أهم المراكز السياسية والتجارية الناطقة باللغة الإنجليزية في القارة، بوضوح. ويُنظر على نطاقٍ واسع إلى الرئيس إيمانويل ماكرون على أنه حرّك هذا التحول في نوفمبر من العام الماضي، عندما زار الرئيس النيجيري بولا تينوبو فرنسا في زيارة دولة استغرقت يومين، وهي أول زيارة من نوعها يقوم بها زعيم نيجيري منذ عشرين عاماً.
أبرزت هذه المناسبة، التي تضمنت اجتماعاً في مجلس الأعمال الفرنسي النيجيري، وركزت على فرص الاستثمار التي من شأنها أن تعود بالنفع على الجانبين، جهود الرئيس ماكرون لإعادة توجيه علاقات فرنسا الإفريقية.
أشار آلان أنتيل، الباحث في شؤون إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، آنذاك إلى أن فرنسا «لا يقيدها ماضيها الاستعماري» في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، بينما أشار الخبير الاقتصادي كاكو نوبوكبو إلى أن التوجه نحو إفريقيا الناطقة باللغة الإنجليزية «ليس اتجاهاً جديداً»، ولكن «الأزمات في منطقة الساحل سرّعت من وتيرة هذه الديناميكية».
يشير دوغلاس ييتس، أستاذ العلوم السياسية في كلية الدراسات العليا الأمريكية بباريس والخبير في العلاقات الفرنسية الإفريقية، إلى أن فرنسا تسعى أيضاً إلى توسيع علاقاتها خارج إفريقيا الناطقة باللغة الفرنسية لأسباب تجارية، ليس أقلها أن أكبر شريكين تجاريين لفرنسا في القارة ينتميان إلى العالم الناطق باللغة الإنجليزية: نيجيريا، وجنوب إفريقيا.
يقول ييتس لموقع «أفريكان بيزنس»: «هذا التوجه جزءٌ مما أسميته: مفارقة الافتراس. فمن خلال علاقاتها الاستعمارية الجديدة المفترسة؛ تسببت فرنسا في تخلف دولها الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية». لذا؛ ليس من المستغرب أن تقرر فرنسا التوسع في المنطقة الإفريقية الناطقة بالإنجليزية والبرتغالية للاستفادة من فرص الأعمال.
لم يُكشف بعد عن جدول أعمال قمة نيروبي، لكن الحكومة الكينية صرحت بأنها «ستركز على تغير المناخ، والتحديات البيئية، وإصلاح النظام المالي، وتتطلع حكومة كينيا إلى استضافة قمة تحويلية تُعيد تعريف العلاقات الإفريقية الفرنسية من خلال الابتكار والاستدامة والازدهار المشترك».
ولكن: ما هي النتائج العملية المتوقعة من قمة نيروبي والتحول الأوسع لفرنسا نحو إفريقيا الناطقة بالإنجليزية؟
يُشير ييتس إلى أن «الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفرنسية الجديدة في كينيا تُمثل أحد الاحتمالات- وهناك دائماً دول إفريقية متعطشة لرأس المال؛ لدرجة أنها تُقبل على التعامل مع فرنسا».
إمكانات الاستثمار:
أشار بيان مشترك صادر عن كينيا وفرنسا، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، إلى أن الاستثمار في صناعات تشمل الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي والزراعة المستدامة قد يكون على جدول الأعمال.
يقول ييتس: «يرغب رأس المال الخاص الفرنسي في اختراق قطاعات الطاقة المزدهرة، لذا ترقبوا إعلان شركة توتال [شركة الطاقة والغاز الفرنسية متعددة الجنسيات] عن شيءٍ ما».
على المستوى الجيوسياسي؛ يشتبه ييتس أيضاً في أن القمة مصممة للمساعدة في تعزيز النفوذ الفرنسي في منطقة تكتسب أهمية إستراتيجية متزايدة. إن قرب كينيا وشرق إفريقيا من القواعد العسكرية الغربية في جيبوتي، بالإضافة إلى التوترات المستمرة في الصومال والسودان المجاورتين، يجعل من الضروري للقوى الغربية، مثل فرنسا، أن يكون لديها شبكات سياسية ودبلوماسية قوية في المنطقة.
أعتقد أن قمة نيروبي تهدف في الواقع إلى تمهيد الطريق لعلاقات إستراتيجية أكثر سرية في شمال كينيا، حيث تستمر الحرب على الإرهاب، وفي شرق إفريقيا بشكلٍ عام لتحسين وضع فرنسا المتراجع في المحيط الهندي، كما يقول. «كما أن فرنسا لديها قوات دائمة في جيبوتي».
واستجابةً للتآكل المستمر للنفوذ الفرنسي في إفريقيا الناطقة بالفرنسية؛ تبدو دوافع باريس وراء هذا التحول وهذه الإستراتيجية الإفريقية الجديدة واضحة. وفيما يتعلق بما يمكن للدول الإفريقية أن تأمل في تحقيقه من هذا الانخراط؛ سيكون تأمين الاستثمارات الفرنسية أولويةً حاسمة.
ويقول ييتس: «حتى الدول التي تنتقد فرنسا بشدة لن ترفض استثماراتها. ربما يكون الجيش الفرنسي أقل ترحيباً، لكن ماكرون ليس مهتماً بالاستعراض العلني للقوة العسكرية، لذا لا توجد مشكلة».
طفرة في القمم:
تأتي قمة نيروبي في وقتٍ تسعى فيه العديد من القوى العالمية إما إلى إعادة تعريف منهجها التاريخي تجاه إفريقيا- كما تفعل المملكة المتحدة- أو تستضيف مؤتمراتٍ مماثلةً لتعزيز مصالحها الدبلوماسية والتجارية. تركيا وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية وروسيا واليابان ليست سوى بعض القوى التي نظّمت قمماً إفريقية في السنوات الأخيرة.
هذا يعني أن الدول الإفريقية لديها خياراتٌ متزايدةٌ بشأن الدول التي تُقرر الشراكة معها، وهو اتجاهٌ من شأنه، نظرياً على الأقل، أن يُحسّن فرصها في استخلاص أقصى قيمةٍ من تلك العلاقات. وكما يقول ييتس: «يراهن العديد من الحكام على كلٍّ من الأحمر والأسود في لعبة روليت التعددية. ويُعتبر توزيع رهاناتهم أفضل إستراتيجية». «القمم الصينية، والقمم البريطانية، والقمم الفرنسية… لمَ لا؟ كلما زاد العدد، كان ذلك أفضل».
……………………………….
المصدر:
Harry Clynch, France embraces anglophone Africa as ties to former colonies fray. October 27th, 2025 .at:











































