د. نِهاد محمود
باحثة متخصصة في الشؤون الإفريقية، دكتوراة العلوم السياسية، كلية الدراسات الإفريقية العليا ـ جامعة القاهرة
مُقَدِّمَة:
تُمثّل كرة القدم في القارة الإفريقية أكثر من مجرد نشاط رياضي أو وسيلة للترفيه؛ إذ غدت ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية متجذرة في الوعي الجمعي، ورافعة للتعبئة الشعبية والتعبير عن الهوية الوطنية منذ مرحلة التكالب الاستعماري على إفريقيا وما تلاها من تحولات.
وقد ارتبطت هذه اللُّعبَة في المخيال الإفريقي بالانعتاق من الهيمنة الخارجية وبناء الذات الجماعية، لتصبح رمزًا لوحدة الشعوب ومجالًا لتجسيد طموحاتها على المستويين القاري والدولي.
غير أنّ هذه المكانة البارزة لم تمنع كرة القدم الإفريقية من مواجهة تحديات جسيمة، يأتي في مقدمتها الفساد الذي لم يَعُد مجرد تجاوزات فردية محدودة، بل تحوَّل إلى منظومة معقَّدة ومتداخلة تشمل تجليات عدة كالمحسوبية، والرشوة، وسوء الإدارة، والتلاعب بنتائج المباريات. ونتيجة لذلك، كثيرًا ما تحوَّلت هذه الرياضة من فضاء يُفترَض أن يُعزِّز قِيَم النزاهة والعدالة والتمكين، إلى ساحة لهيمنة شبكات النفوذ وإعادة إنتاج أنماط الإقصاء والتبعية، الأمر الذي يثير تساؤلات مُلِحَّة حول سُبُل إعادة توظيف إمكاناتها الهائلة لخدمة التنمية وتعزيز الشفافية في المجتمعات الإفريقية.
وتتضاعف خطورة هذه الظاهرة في السياق الإفريقي بفعل عوامل مُركَّبة؛ منها هشاشة البنى المؤسسية، غياب الشفافية، ضعف آليات الحوكمة. ونتيجة لذلك، انعكس الفساد سلبًا على البنية التحتية، ومسار المواهب الناشئة، وحتى التأثير على ثقة الجماهير، ليبقى مستقبل اللعبة الشعبية الأولى في القارة مرهونًا بقدرة الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على مواجهة هذه التحديات.
وانطلاقًا من ذلك، تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة مسـألة الفساد في كرة القدم الإفريقية؛ من خلال التركيز على مُحفّزاته وتجلياته وآثاره، مع استشراف مقاربات المواجهة والإصلاح الممكنة، وذلك لفَهْم كيف يمكن لِلُعْبَةٍ وُلدت في سياق استعماري ثم تحوّلت إلى رمز للتحرُّر أن تستعيد دورها كأداة للتنمية والوحدة، بدلًا من أن تبقى رهينة لدوامة الفساد وسوء الإدارة، وذلك من خلال المحاور الرئيسة التالية:
- مدخل تمهيدي: إطار مفاهيمي ونظري لفَهْم الفساد الكروي في إفريقيا.
- المحور الأول: نشأة كرة القدم في إفريقيا… الجذور الكولونياليّة والتلقّي المحلي.
- المحور الثاني: مُحفزات الفساد في كرة القدم داخل النطاق الإفريقي.
- المحور الثالث: تجليات الفساد الكروي في إفريقيا.
- المحور الرابع: الأثر المُركّب للفساد على اللُّعبَة والمجتمع الإفريقي.
- المحور الخامس: مقاربات مكافحة الفساد في كرة القدم على مستوى القارة الإفريقيّة.
- خاتمة: كرة القدم الإفريقيّة عند مفترق طرق… إصلاح اللُّعبَة أم تكريس أزماتها؟
مدخل تمهيدي: إطار مفاهيمي ونظري لفَهْم الفساد الكروي في إفريقيا
قبل التوجُّه إلى مناقشة الجوانب التطبيقية للفساد في كرة القدم الإفريقية، تقتضي الضرورة التأسيس لإطار مفاهيمي ونظري يضبط مسار الدراسة، ويمنحها أرضية علمية واضحة. وعليه، يتناول هذا القسم أولًا دلالات المفهوم (الفساد) اللغوية والاصطلاحية، ثم يستعرض أبرز الاتجاهات التي عالجتها الأدبيات في تعريفه داخل كرة القدم، ثم ننتقل إلى الأُطُر النظرية المفسِّرة لأنماطه، لنختتم بالإشارة إلى المنهجية المعتمدة في هذه الورقة.
أولًا: التعريف اللغوي والاصطلاحي للفساد:
يتضح معنى الفساد من خلال الرجوع إلى جذوره في اللغة العربية أولًا، ثم ما استقر له من تعريفات اصطلاحية، وذلك على النحو الآتي:
1-الدلالة اللغوية لمفهوم الفساد:
لا يمكن إغفال الجذور اللغوية للمفهوم في العربية؛ حيث يتميّز بالثراء والتعدد الدلالي، فيُستخدم في معانٍ مادية ومعنوية على حد سواء؛ فالفساد في اللغةً هو نقيض الصلاح، ويُقال: فسد الشيء أي بَطَل واضطرب. وقد ورد هذا الاستعمال في القرآن الكريم في مواضع عدة، منها قوله تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: 33]. كما يُطلق الفساد على ما يلحق الأشياء من عطب أو تلف، فيُقال: “فسد اللحم” إذا أنتن، و”فسد اللبن” إذا تغيَّر طعمه.
وفي المجال العقلي والسلوكي، يُقال “فساد الرأي” أي: بطلانه، و”فساد الأمور” أي: اضطرابها وخروجها عن الحكمة والصواب، كما في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 22]. كذلك استُخدم المفهوم للدلالة على الجدب والقحط، وأحيانًا على إلحاق الضرر أو أخذ المال بغير حق. وهو ما يُظهر سعة الدلالة اللغوية للمفهوم وثراءه، الأمر الذي يفتح المجال أمام بلورته في تعريفات حديثة تتناسب مع السياقات السياسية والاقتصادية والرياضية.([1])
2- التعريف الاصطلاحي للفساد:
على المستوى الاصطلاحي، يُعرّف جوزيف ناي Joseph Nye الفساد بأنه “انحراف في السلوك عن الواجبات الرسمية المرتبطة بمنصب عام، نتيجةً للسعي وراء مكاسب مالية أو مكانة خاصة، أو بفعل ضغوط يمارسها نفوذ خارجي”. وتتماهى منظمة الشفافية الدولية مع هذا الطرح؛ إذ تعتبر الفساد “استغلالاً للسلطة الموكلة بهدف تحقيق مصالح شخصية”، مشيرةً إلى أن مثل هذا الاستغلال قد يتَّخذ صورًا متعددة تُقوِّض نزاهة عمليات صنع القرار، سواء لأغراض فردية أو جماعية، وذلك وفقًا لتعريف الباحث المالاوي “بيتروس واليبو كاونجا” Petros Walibwe Kawonga في ورقته المنشورة سنة 2025م بعنوان “ديناميكيات الفساد في كرة القدم بمالاوي: استكشاف الدوافع والحوافز”.([2])
ثانيًا: اتجاهات تعريف الفساد
تُبيِّن مراجعة الأدبيات أنّ مفهوم الفساد لم يَحْظَ بتعريف مُوحَّد، بل تناولته الدراسات من زوايا مختلفة وفق أكثر مظاهره شيوعًا في الحياة العامة، فهناك مَن اختزله في الرشوة، وآخرون نظروا إليه من خلال المحسوبية، فيما ركّز فريق ثالث على استغلال المنصب العام، وعليه نتناول أبرز هذه الاتجاهات ما يلي:
1-الفساد من منطلق الرشوة:
يشير إلى الرشوة باعتبارها الصورة الأكثر شيوعًا للفساد؛ حيث يُنظَر إليها بوصفها جوهر الظاهرة. فكلٌّ من أرنولد روجو Arnold Rogow وهارولد لازويل Harold Lasswell يعدّان الرشوة مدمرة للنظام العام؛ لأنها تُحرّك سلوك المرتشي نحو المصلحة الشخصية، ولو على حساب الصالح العام.
2-الفساد من منطلق المحسوبية:
يناقش هذا الاتجاه دور المحسوبية في ممارسات الفساد، موضحًا كيف يتم تفضيل الروابط العائلية أو الشخصية على حساب معايير الكفاءة والخبرة في شَغل المناصب العامة.([3])
3-الفساد من منطلق استغلال المنصب العام:
يُركّز على استغلال الوظيفة العامة أو إساءة استخدامها لتحقيق مصالح شخصية، ومن ذلك تعريف جيمس سكوت James Scott، الذي يرى أن الفساد هو السلوك القائم على التخلي عن الواجبات الرسمية المرتبطة بالمنصب العام، أو انتهاك القواعد الرسمية بغرض تكوين أنماط من النفوذ والتأثير لمصلحة خاصة.([4])
ثالثًا: الأطر النظرية المُفسِّرة للفساد في كرة القدم
باعتبار ما يمثله الفساد في كرة القدم الإفريقية من مسألة مُعقّدة تتقاطع فيها العوامل الفردية والمؤسسية؛ يمكن الاستفادة من عدد من المقاربات النظرية لفهم ديناميكيات الفساد في كرة القدم الإفريقية، نبرزهم على النحو التالي:
1-نظرية الاختيار العقلاني: Rational Choice Theory:
ترى هذه النظرية أن الأفراد يتخذون قراراتهم بناءً على حسابات التكلفة والعائد، فإذا كانت المكاسب المتوقعة من الفساد (مثل الحصول على رشوة أو النفوذ) أكبر من العقوبات المحتملة، فإن الفساد يصبح خيارًا “عقلانيًّا”. وبالتطبيق على إفريقيا؛ حيث غالبًا ما تكون آليات الرقابة ضعيفة واحتمالية العقاب منخفضة، يصبح قبول الحكم للرشوة أو تلاعب الإداريين بالانتقالات أمرًا متوقعًا. وتشير هذه المقاربة إلى أن تعزيز آليات الردع وزيادة تكاليف الفساد يمكن أن يقلل من انتشاره.([5])
2-نظرية التعلم الاجتماعي: Social Learning Theory:
تؤكد على أن الفساد ليس سلوكًا فرديًّا معزولًا، بل هو فِعْل مُتعلَّم يُكْتَسَب عبر التفاعل الاجتماعي. فحين يرى الإداريون أو الحكام الشباب أن القيادات المخضرمة تنخرط في ممارسات فاسدة دون مواجهة عقوبات، فإنهم يتبنون هذه الممارسات باعتبارها “طبيعية”. بهذا، يتحوَّل الفساد إلى ثقافة مؤسسية تُعاد إنتاجها عبر الأجيال، خصوصًا في بيئات يغيب فيها القدوة الأخلاقية.([6])
3-نماذج اتخاذ القرار الأخلاقي: Ethical Decision-Making Models:
تُبرز أثر القِيَم الفردية والثقافة المؤسسية في توجيه السلوك، ففي المؤسسات التي تفتقر إلى القيادة الأخلاقية والسياسات الواضحة، تزداد احتمالية انخراط الأفراد في الفساد، أما حين تُرسَّخ قِيَم الشفافية والمساءلة، فإن ذلك يخلق بيئة تُثَبِّط السلوكيات غير الأخلاقية، وفي هذا الإطار يُلاحَظ في بعض اتحادات كرة القدم بالقارة الإفريقية، أن ضعف القيادة الأخلاقية وعدم تفعيل آليات الرقابة يجعلان من الفساد خيارًا سهلاً ومألوفًا([7]).
رابعًا: منهجيّة الدراسة
تعتمد هذه الدراسة على الاقتراب المؤسسي لفهم وضعية الفساد في كرة القدم بالقارة الإفريقية؛ من خلال تسليط الضوء على دور الهياكل الإدارية والتنظيمية لبعض الاتحادات الوطنية، والاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وعلاقتها بالفيفا، واستشراء الفساد باللعبة داخل القارة.
كما تعتمد الورقة على تحليل كيفي للمصادر الثانوية (أدبيات أكاديمية، تقارير، ودراسات ميدانية)، مدعومًا بأمثلة حالة من دول مختلفة لإبراز أبعاد الفساد الكروي وتجلياته بالقارة الإفريقية.
المحور الأول:
نشأة كرة القدم في إفريقيا… الجذور الاستعمارية والتلقي المحلي
تعود الأهمية الاجتماعية والثقافية لكرة القدم لدى الأفارقة إلى الماضي الاستعماري لإفريقيا، وبينما لا يُشترط هنا تناول التطور الاجتماعي والسياسي للُّعبة في القارة بالتفصيل؛ إلا أنّ التطرُّق التاريخي لظهورها في المجتمعات الإفريقيّة يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية لفَهْم سبب انتشارها كممارسة ثقافية واجتماعية -بل وسياسية- واسعة النطاق، ومِن ثَمَّ ما ارتبط بها لاحقًا من ممارسات للفساد.([8])
في البداية، انتشرت كرة القدم في القارة كجزء من المشروع الاستعماري الأوروبي الأوسع في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، وسرعان ما استحوذت على اهتمام السكان الأصليين، واكتسبت شعبية واسعة، لتصبح بذلك هواية القارة الرياضية الأبرز أو ما كما تُعرَف بـ”اللُّعبَة الشعبية الأولى”.([9])
وإلى جانب تأثير الإداريين الاستعماريين ورجال الدين والمعلمين والتجار والمستوطنين في نمو اللُّعبَة وانتشارها، سرعان ما استغل الأفارقة كرة القدم لأغراضهم الخاصة بطرق عزّزت مكانتها المتنامية في المشهد الرياضي للقارة. وكان ظهور اللُّعبَة كمكان لمشاعر مناهضة للاستعمار وتعبيرها عن القومية الناشئة في فترة ما بعد الحرب في شمال إفريقيا والكونغو البلجيكية وتنزانيا وزنجبار وغانا ونيجيريا والجزائر أهمية خاصة في هذا الصدد.([10])
وبخصوص الظهور الحقيقي للُّعبة، فقد ظهرت في إفريقيا لأول مرة في أواخر سبعينيات القرن الـ19، عبر جزر زنجبار التي كانت آنذاك تحت الحكم البريطاني، ضمن سياق استعماري استخدم الرياضة كأداة للضبط الاجتماعي وإعادة تشكيل سلوك السكان المحليين؛ فقد سعى المستعمرون من خلال هذه اللُّعبَة إلى تقديم بديل “منضبط” للأنشطة الثقافية الإفريقيّة التي وصفها بعض المُبشرين بأنها “غير أخلاقية”، مثل الرقصات التقليدية. ورغم هذا التوظيف الأيديولوجي لقيت كرة القدم ترحيبًا واسعًا من الأفارقة؛ نظرًا لبساطتها وسهولة ممارستها؛ إذ لا تحتاج إلا إلى كرة ومساحة للعب وبعض علامات للمرمى، ما جعلها سريعة الانتشار حتى في ظل افتقار العديد من اللغات الإفريقيّة إلى تسمية محليّة لها.([11])
وبمرور الوقت، لم تعد كرة القدم مجرد لُعبة، بل غدت وسيلةً للوعي الجمعي ومجالًا للعمل الوطني، أي أن تفاعل الأفارقة مع كرة القدم لم يقف عند حدود التسلية، بل سرعان ما أسَّسوا أندية خاصة بهم تحوَّلت إلى فضاءات شبه آمنة للتنظيم والتعبئة السياسية في وجه الهيمنة الاستعمارية، ما دفع السلطات الاستعمارية إلى فرض قيود رمزية للحدّ من انتشار اللُّعبَة، أبرزها إجبار اللاعبين المحليين على اللعب حفاة، لكن مع تصاعد الحراك الوطني، لعبت بعض الأندية أدوارًا مباشرة في مقاومة الاستعمار، كما في حالة نادي “الجزائر الحادي عشر” أو “فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم” Le onze de l’indépendance الذي تأسس عام 1985م من لاعبين جزائريين انسحبوا من البطولات الفرنسيّة دعمًا لقضية استقلال وطنهم، فصار رمزًا للنضال يُحتذى به في الشجاعة والانضباط ونكران الذات.([12])
ومع بروز حركات الاستقلال في مختلف أنحاء القارة؛ تعزّزت المكانة السياسية والثقافية لكرة القدم، لتغدو جزءًا لا يتجزأ من النسيج العام للحياة في إفريقيا. ففي مرحلة ما بعد الاستعمار، عمد عدد من القادة الأفارقة، مثل الزعيم الغاني كوامي نكروما Kwame Nkrumah –أحد أبرز دعاة الوحدة الإفريقيّة– إلى توظيف كرة القدم ماليًّا وأيديولوجيًّا، باعتبارها أداة لتعزيز الهوية الوطنية وتحقيق التقارب القاري، وكذلك لبناء حضور دولهم في النظام العالمي الجديد. ومن هنا، ساهمت إقامة الدوريات المحلية، وتوسيع نطاق المنافسات القارية، ودعم المنتخبات الوطنية، في حشد الشباب وتشكيل وعي جمعي وطني.([13])
علاوة على ذلك، مثّلت كرة القدم على المستوى الرسمي إحدى أدوات التعبير السياسي المبكر للدول الإفريقيّة حديثة الاستقلال؛ حيث بدأت هذه الدول -مع نَيْلها للسيادة الوطنية- في الانضمام إلى منظمات دولية مثل الأمم المتحدة، إلى جانب مؤسسات رياضية كبرى مثل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وقد أدَّى ذلك إلى تزايد عدد الدول الإفريقيّة المنضوية تحت لواء الفيفا إلى بروز الحاجة لتأسيس كيان قارّي يُعنَى بشؤون اللُّعبَة في إفريقيا، وهو ما تحقق عام 1957م عبر تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف” Confederation of African Football (CAF) بمبادرة من مصر وإثيوبيا والسودان وجنوب إفريقيا، ليكون الهيئة الحاكمة لكرة القدم في القارة وأحد الاتحادات القاريّة الستة التابعة للفيفا، وهو ما أتاح لاحقًا إطارًا مؤسسيًّا للتعاون بين الدول الإفريقيّة في مواجهة آثار الاستعمار، ومكافحة العنصريّة وأنظمة الحكم التمييزيّة التي ورثتها القارة من الماضي الاستعماري.([14])
وكان من أبرز مظاهر هذا التعاون الإقليمي: التنسيق الجماعي لتعليق عضوية جنوب إفريقيا في كلٍّ من الفيفا والاتحاد الإفريقي لكرة القدم، في سياق مقاومة نظام الفصل العنصري، وهو التحرك الذي مثّل اختبارًا فعليًّا للقدرة الإفريقيّة على التأثير الجماعي في المحافل الدولية، وتُوِّج ذلك في انتخابات الفيفا عام 1974م التي دارت بين الرئيس الإنجليزي آنذاك “ستانلي رووس” Stanley Rous ومُنافسه البرازيلي “جواو هافيلانج” João Havelange؛ حيث لعبت الكتلة التصويتية الإفريقيّة دورًا حاسمًا في ترجيح كفة الأخير.
ففي حين تمسّك “رووس” بموقفه الرافض لتعليق عضوية اتحاد جنوب إفريقيا لكرة القدم، اختار “هافيلانج” أن يقوم بجولة موسّعة في القارة الإفريقية، ورغم أن الأخير لم يكن معروفًا مثل “رووس” في بعض أماكن كرة القدم الإفريقيّة النائية؛ إلا أن رفيقه الدائم لاعب الكرة البرازيلي الشهير “بيليه” Pelé هو الذي رافقه في العديد من الزيارات الإفريقية([15]).
جدير بالذكر أن “هافيلانج” عارض خلال ذلك الوقت بشكل واضح سياسات الفصل العنصري مقدّمًا نفسه كحليف للقارة. ورغم أن البعض اعتبره نصيرًا لكرة القدم الإفريقيّة وداعمًا لتنميتها، إلا أن آخرين رأوا فيه سياسيًّا بارعًا استغل ثِقل الكتلة التصويتية الإفريقيّة للوصول إلى سُدَّة الحكم في الفيفا وتحقيق أهدافه الخاصة.([16])
وهكذا، يتبيّن أنّ كرة القدم في إفريقيا تتجاوز كونها مجرّد نشاط رياضي؛ إذ ارتبطت منذ بداياتها الأولى بالتحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة التي عرفتها القارة في سياق الاستعمار وما بعده؛ فقد أسهمت اللُّعبَة في بناء الوعي الجمعي والتعبير عن الهوية الوطنية، وشكّلت مجالًا للتعبئة السياسية ومقاومة التهميش والفصل العنصري. غير أنّ هذه المكانة التاريخية والاجتماعية التي منحت كرة القدم شرعيتها في المخيال الإفريقي، جعلتها في الوقت ذاته ساحة قابلة للاختراق مِن قِبَل المصالح الضيقة وشبكات النفوذ السياسي والاقتصادي بعد الاستقلال، وهو ما مهَّد الطريق أمام ممارسات فساد ارتبطت بالبنى المؤسسية والتنظيمية للُّعبة.
وعليه، فإن تناول وضعية الفساد في كرة القدم ضمن السياق الإفريقي يقتضي النظر إليها ضمن هذا الامتداد التاريخي والثقافي، الذي يكشف كيف تحوَّل هذا الفضاء الجماهيري من أداة للتحرُّر وبناء الهوية إلى مجال تتجلى فيه اختلالات الحوكمة وضعف الشفافية، كما سيتم التطرق في المحاور التالية من الدراسة.
المحور الثاني:
مُحفزات الفساد في كرة القدم داخل النطاق الإفريقيّ
انطلاقًا مما سبق بيانه حول أنّ الفساد في كرة القدم الإفريقية لا يقتصر على ممارسات فردية معزولة، بل يرتبط بمنظومة أعقد من العوامل البنيوية التي تغذّي استمراره؛ يُسلِّط هذا المحور الضوء على أهم هذه المحفزات، مبرزًا كيف يتداخل سوء الحوكمة والإنكار المؤسسي مع اعتبارات بعض السياسات المتخذة من قِبَل الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” في إنتاج بيئة يصعب إصلاحها دون تدخلات جذرية.
1-إنكار الفساد:
يُعدّ إنكار وجود الفساد في كرة القدم الإفريقيّة أحد أبرز المحفزات التي تُسهم في ترسيخ هذه الظاهرة واستمرارها. فالتجاهل المتعمد أو غير المتعمد لوجود الفساد ينعكس بوضوح في الأدبيات التي غالبًا ما تفتقر إلى تحليل معمّق لهذه المعضلة، فضلًا عن غموض مفهوم الفساد ذاته داخل اللُّعبَة، كما أن محدودية البيانات وضعف إتاحتها في ملف حساس كهذا يعرقل أيّ محاولة جادة للفهم أو المواجهة. وحتى في الحالات التي تُكشف فيها بعض التجاوزات، غالبًا ما يُنظر إليها على أنها وقائع فردية أو أحداث عابرة تحدث في كل مكان.([17])
في هذا السياق المتعلق بإنكار الفساد في كرة القدم، يمكن الإشارة إلى ما صدر عن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم عقب الاتهامات التي وُجِّهت عام 2014م لرئيسه آنذاك الراحل “عيسى حياتو” Issa Hayatou -مسؤول رياضي كاميروني شهير تولى رئاسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بين عامي 1988 و2017م- بشأن حصوله على امتيازات مقابل دعمه لملف قطر لاستضافة كأس العالم 2022م، في عملية تصويت أحاطت بها شبهات فساد واسعة. فقد بادر الاتحاد إلى وصف تلك الاتهامات بأنها “واهية” و”سخيفة”، بينما نفى “حياتو” بصورة قاطعة تلقيه أيّ أموال أو هدايا ثمينة أو رعاية طبية خاصة مرتبطة بموقفه. ويعكس هذا النفي نموذجًا متكرّرًا من أنماط الإنكار المؤسسي؛ حيث يُتعامَل مع المزاعم باعتبارها اتهامات شخصية معزولة بدلًا من النظر إليها كجزء من إشكالية هيكلية أعمق في منظومة كرة القدم الإفريقية.)[18](
2-سوء الحوكمة:
في هذا الإطار، يرى عدد من الدارسين أن ضعف الحوكمة في إدارة كرة القدم الإفريقية يُشكّل أحد أبرز أسباب تفشّي الفساد، وهي مشكلة لا تقتصر على القارة فحسب، بل تمتد جذورها إلى قمة هرم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).([19])
ويُضاف إلى ذلك النزوع نحو الجشع الذي انعكس في سلسلة من قضايا الفساد المستمرة لعقود، بما يشير إلى وجود اختلالات في النظام الكروي العالمي. وعلى المستوى الإفريقي، تتجسّد هذه الإشكالية في طبيعة الاتحادات الوطنية، المنضوية تحت لواء الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، والتي تعمل كهيئات مستقلة تُدار مِن قِبَل نُخَب محدودة العدد، بينما يُستبعَد معظم المشجعين من المشاركة في عملية اختيار القيادات أو مساءلتها. ففي دول مثل زيمبابوي ونيجيريا، غالبًا ما يُشتَرط للترشح للمناصب الإدارية امتلاك خبرة طويلة في المجال الكروي، وهو ما يُكرِّس الطابع النخبوي ويُقصي الجماهير. ويترتب على ذلك أن الإداريين يخضعون فقط لرقابة الفيفا أو الكاف، وهما بدورهما لا يتدخلان في الشؤون اليومية للاتحادات الوطنية، ما يُفْضِي إلى تعميق الفجوة بين الجماهير والمؤسسات الكروية. وتنعكس هذه العزلة سلبًا على تسويق اللعبة واستدامتها؛ إذ يُطلَب من المشجعين دعمها ماليًّا دون أن يكون لهم أيّ دور فِعْلي في إدارتها أو تطويرها.([20])
3-الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” وحظر التدخل الحكومي:
من بين أبرز المحفزات التي يؤيدها بعض المتخصصين، والتي تُبقي على الفساد متجذرًا في كرة القدم الإفريقيّة؛ هي منع تدخل الحكومات المحلية وحماية الفيفا للمسؤولين المتورطين في الممارسات الفاسدة. فبحسب تقرير منتدى الصحفيين الاستقصائيين الأفارقة (FAIR) المعنون “قتل كرة القدم في إفريقيا”؛ فإن كل محاولة من الدول الإفريقيّة لمعالجة سوء الإدارة والرشوة في اتحاداتها الكروية غالبًا ما تُقابَل بتهديد مباشر من الاتحاد الدولي لكرة القدم بفرض عقوبات أو حظر دولي بدعوى “التدخل الحكومي”.
ويشير التقرير إلى حالة نيجيريا وبالتحديد عام 2010م، حين قرر الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان Goodluck Jonathan (2010-2015م) تعليق مشاركة البلاد في البطولات الدولية بعد الإخفاق في كأس العالم لعام 2010م، كخطوة لتطهير الاتحاد المحلي من الفساد، غير أن الفيفا أحبط القرار؛ حيث منح نيجيريا مهلة ثلاثة أيام لتغيير قرارها، وإلا ستواجه حظرًا من الاتحاد الدولي لكرة القدم. وفي واقعة لاحقة، فرض الفيفا بالفعل عقوبة على نيجيريا بعد تدخل السلطات القضائية ضد أعضاء منتخبين في الاتحاد. ويرى البعض أن هذه السياسات، التي تُقدَّم على أنها حماية لاستقلالية اللُّعبَة، تتحول في السياق الإفريقي إلى غطاء يَحُول دون محاسبة المسؤولين الفاسدين ويُضْعِف قدرة الحكومات على فرض إصلاحات جذرية، وهو ما يجعل الفساد أكثر رسوخًا ويمثل عائقًا جوهريًّا أمام تطوير كرة القدم في القارة.([21])
وبذلك يتضح أنّ مُحفّزات الفساد في كرة القدم بإفريقيا لا تنبع من عامل واحد، بل من تداخل جملة من العوامل تتراوح بين إنكار الظاهرة وتقليل شأنها بما يُعيق الاعتراف بكونها مشكلة حقيقية، وضعف الحوكمة الذي يُرسِّخ عزلة الجماهير ويمنح النُّخَب الإدارية هيمنة شبه مطلقة، والسياسات الدولية للفيفا -وإن كانت تُقدَّم تحت شعار حماية استقلالية اللعبة-، تتحول عمليًّا إلى مظلة تحمي المسؤولين من المساءلة الوطنية. ومِن ثَمَّ فإن اجتماع هذه العوامل لا يؤدي فقط إلى إدامة الفساد، بل يُعمِّق حضوره داخل المشهد الكروي في القارة، مما يجعله عائقًا محوريًّا أمام أيّ مشروع إصلاحي جاد.
المحور الثالث:
تجلّيات الفساد الكروي في إفريقيا
يُعنَى هذا المحور برصد الوقائع التي يتجسد من خلالها الفساد في كرة القدم الإفريقية، وذلك بعد تناول خلفياته التاريخية والعوامل المغذّية لاستمراره؛ فالفساد الكروي لم يَعُد مقتصرًا على النقاشات النظرية أو المقاربات المفاهيمية، بل بات يظهر في ممارسات عملية متعدّدة تشمل المراهنات غير المشروعة، والتلاعب بنتائج المباريات، والاختلالات المالية والإدارية، فضلًا عن استغلال اللاعبين ضمن شبكات وساطة غير رسمية. وتمثل هذه المظاهر انعكاسًا لتعقُّد وضعية الفساد وتشابكها داخل المنظومة الكروية الإفريقية، وهو ما يفرض التوقف عند أبرز تجلياتها، كما سنتناول على النحو التالي:
1-المُراهنات غير القانونية.. تحكيم تحت الطلب وصفقات في الظل:
يُعدّ التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم خطرًا حقيقيًّا يُهدِّد نزاهة اللُّعبَة، ويؤثر على الرياضة والحكومات على حد سواء، فالأرباح الكبيرة التي يحققها هذا النشاط تجعله مجالًا جذابًا لأطراف إجرامية -يُدْرِجه بعض المتخصصين تحت بند الجريمة المنظمة-؛ حيث تستغل ضعف الرقابة خاصة في المراهنات غير القانونية، ما يزيد من العوائد والأرباح.
وفي هذا الإطار كشفت دراسة مشتركة بين المركز الدولي للأمن الرياضي International Centre for Sports Security (ICSS) (ومقره قطر)، وجامعة باريس الأولى (بانتيون سوربون) نشرت عام 2014م عن غسل حوالي 140 مليار دولار أمريكي سنويًّا من خلال المراهنات الرياضية، ومن بينها كرة القدم، وأن 80% من المراهنات الرياضية العالمية تُجرى بشكل غير قانوني، وبالتالي فهي غير مرئية للجهات التنظيمية والمحققين.([22])
وفي إفريقيا على وجه التحديد، ارتبط اسم السنغافوري “ويلسون راج بيرومال” Wilson Raj Perumal بعدد من الفضائح، كان أبرزها اتهامه بقيادة شبكة التلاعب بنتائج المباريات، ومن بينها تلاعبه بنتيجة مباراة مصر وأستراليا الودية التي أقيمت عام 2010م، واستغلال ذلك في رهان على تسجيل ثلاثة أهداف.([23])
وبالفعل انتهت المباراة بفوز مصر وديًّا بثلاثة أهداف نظيفة أحرزها حينذاك اللاعبون أحمد عبد الظاهر ومحمد ناجي جدو ومحمد زيدان، علمًا بأن الهدف الثالث الذي أحرزه زيدان في الدقائق الأخيرة من اللقاء جاء نتيجة احتساب الحكم البلغاري “أنطون جينوف” Anton Genov ضربة جزاء لصالح المنتخب المصري، وأوضحت اللقطات التليفزيونية حينها عدم وجود أيّ دَفْع ضد لاعب المنتخب المصري لينتهي اللقاء بنتيجة 3/0.([24])
وقد أثارت نتيجة المباراة العديد من الشكوك، بعدما بدت مطابقة لتوقعات شركات المراهنة التي يُقال: إنها تُحدّد النتائج مسبقًا، وفقًا لما كشفه السنغافوري بيرومال. فقد أوضح أنه رتّب إسناد إدارة اللقاء إلى حكم بلغاري، ثم قامت شركته بالمراهنة على تسجيل ثلاثة أهداف، وهو ما تحقق بمساعدة الحكم المعني.)[25](
وحتى قبل هذه المباراة وبالتحديد في عام 2009م أوقف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) الحكم البلغاري “أنطون جينوف” مؤقتًا عن إدارة المباريات الدولية، وذلك في أعقاب تحقيقات حول أنماط مراهنات غير قانونية واضحة شابت مباراة ودية أُقيمت في 14 نوفمبر من عام 2009م بين منتخبي مقدونيا وكندا، وقد احتسب “جينوف” خلال المباراة أربع ركلات جزاء بواقع اثنتين لكل فريق، في لقاء انتهى بفوز مقدونيا 3-0 في مدينة ستروميكا بمقدونيا. وأشار “روب فوكنر” Rob Faulkner المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى أن القرار جاء “بعد استجواب الحكم المعني، مؤكدًا أنه لن يُسمح لجينوف بإدارة مباريات دولية أو في دوري الأبطال أو الدوري الأوروبي حتى إشعار آخر. ووفقًا لتقارير صحفية، فقد لاحظ مشغلو المراهنات تدفقًا غير معتاد من الرهانات على تسجيل ثلاثة أهداف أو أكثر، بالإضافة إلى عدد ركلات الجزاء، ما أثار الشكوك حول نزاهة المباراة.([26])
لم يختلف الأمر كثيرًا في زيمبابوي؛ حيث صرَّح “فيليب تشيانغوا” Phillip Chiyangwa رئيس اتحاد زيمبابوي لكرة القدم (ZIFA) Zimbabwe Football Association خلال عام 2016م بتلاعب في نتائج مباريات بطولة الأمم الإفريقيّة للمحليين للعام 2016م -ثاني أكبر بطولة كرة قدم في القارة- في ضربة قوية لمصداقية اللُّعبَة، وقال حينها رئيس اتحاد زيمبابوي لكرة القدم: إن هناك أدلة دامغة على أن مباريات فريقه في البطولة قد تم التلاعب بها مِن قِبَل عصابة من المتلاعبين، تضم مسؤولين في الاتحاد ومدربين ولاعبين والرئيس التنفيذي السابق للاتحاد. وقال “تشيانغوا” رئيس اتحاد زيمبابوي لكرة القدم وقتها في مؤتمر صحفي: “في الواقع، تأثرت مبارياتنا في رواندا بهذا الفساد، وقضية التلاعب بنتائج المباريات برُمّتها”، وأضاف: “لن أترك شيئًا للصدفة، سأطاردهم حتى يُحاسبوا”.([27])
وكانت زيمبابوي خسرت 1-0 أمام زامبيا، و1-0 أمام مالي، وتعادلت 1-1 مع أوغندا في البطولة -بطولة الأمم الإفريقيّة للمحليين-، التي أقيمت في يناير 2016م في رواندا. وجدير بالذكر أن وثائق داخلية لاتحاد زيمبابوي لكرة القدم أشارت بالتفصيل إلى أن المتلاعبين “داخل وخارج” الاتحاد استهدفوا مباريات في أكبر بطولتين إفريقيتين، وكان مدرب سابق لمنتخب زيمبابوي أحد المشتبه بهم الرئيسيين، ويعتقد الاتحاد الزيمبابوي أنه عُرض على اللاعبين 5000 دولار أمريكي لكل مباراة يتم التلاعب بنتائجها.)[28](
وبشكل عام يزيد من مثل هذه الأمور تعقيدًا أنه غالبًا ما تستعين هذه الشبكات بأشخاص محليين لتسهيل العمليات، لذا ليس بمستغرب ما تواجه الجهات الكروية المعنية في إفريقيا من صعوبات في تتبع هذه الشبكات بسبب ضعف الموارد وتمدد المتورطين بهذه الجرائم داخل وخارج القارة.([29])
2-الفساد المالي في الاتحادات الكروية… وقائع من الكاف والكونغو
في سياق التساؤلات المتزايدة حول آليات إدارة الموارد المالية والمِنَح الرياضية داخل الاتحادات الكروية الوطنية والقارية في إفريقيا، تبرز عدد من القضايا التي تعكس تحديات الحوكمة والنزاهة المؤسسية في هذا القطاع، وقد شهدت السنوات الأخيرة محطات بارزة أثارت تساؤلات بشأن مدى التزام بعض القيادات الرياضية في القارة الإفريقيّة بمعايير الشفافية والمساءلة، كان أبرز هذه الوقائع قيام الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 2020م بإيقاف “أحمد أحمد”، رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لمدة خمس سنوات عن أيّ نشاط كروي، بعد أن قضت بانتهاكه العديد من قواعد الأخلاقيات، وكان الفيفا الذي عمل مع الكاف في مقره بمصر بين أغسطس 2019م وفبراير 2020م، قد خلص إلى أن “أحمد أحمد” انتهك العديد من قواعد أخلاقيات العمل شملت إساءة استغلال المنصب واختلاس الأموال وتقديم الهدايا.([30])
واتهمت الوثيقة التي أُرسلت في مارس 2019م إلى لجنة تحقيقات الفيفا “أحمد أحمد” بإصدار أمر لأمينه العام بدفع رشاوى بقيمة 20 ألف دولار في بعض حسابات رؤساء اتحادات كرة القدم الإفريقيّة، وبخاصة في الرأس الأخضر وتنزانيا، كما اتهمت الوثيقة “أحمد أحمد” بتكلفة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم مبلغًا إضافيًّا قدره 830 ألف دولار من خلال طلب معدات عبر شركة وسيطة فرنسية تُدْعَى Tactical Steel، إلا أن الشركة أنكرت ارتكاب أيّ مخالفات، وقالت: إنها فازت بالعقد بناءً على استحقاقها ذلك. كما اتهمت الوثيقة “أحمد أحمد” بالتحرش بأربع موظفات في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، إضافة إلى انتهاكه بعض القوانين لزيادة تمثيل المغرب داخل الكاف؛ أضف إلى ذلك إنفاقه أكثر من 400 ألف دولار من أموال الكاف على سيارات استخدمها في كل من مصر ومدغشقر.([31])
استمرارًا لهذا النمط من الممارسات الفاسدة، نشير الاتهامات التي وُجِّهت إلى رئيس اتحاد كرة القدم في جمهورية الكونغو “جان جاي بليز مايولاس” Jean-Guy Blaise Mayolas خلال عام 2025م، والذي حصل على عدة مِنَح ومخصصات مالية قارية من الاتحاد الدولي لدعم كرة القدم الكونغولية؛ وفي هذا السياق كشفت الجارديان البريطانية اتهام “مايولاس” باختلاس 1.3 مليون دولار –عبر شركات وهمية- من أموال الفيفا المرسلة للكونغو، بما في ذلك ما يقرب من 500 ألف دولار مخصصة لمنتخب كرة القدم الكونغولي للسيدات، وذلك وفقًا لإعلان وقّعه رؤساء أندية كرة القدم النسائية بالدوري الممتاز في البلاد، وأشارت الاتهامات إلى أنه لم يُدفع سوى 20 ألف دولار من أصل 500 ألف دولار أرسلها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلى الاتحاد الكونغولي لكرة القدم عام 2021م.([32])
3-الانتقالات الرياضية عبر شبكات الوساطة غير القانونية (الوكلاء الوهميين):
تمثل مسألة الانتقالات الرياضية عبر شبكات الوساطة غير القانونية واحدة من أخطر القضايا التي تواجه كرة القدم الإفريقية في الوقت الراهن؛ إذ تستغل هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاعبين الشباب، ولا سيما أولئك الذين يطمحون للاحتراف خارج بلدانهم. فالوعود الزائفة بالعقود أو التجارب الاحترافية غالبًا ما تتحول إلى مصائد احتيالية تقود هؤلاء اللاعبين إلى الخداع والاستغلال، بل وإلى أوضاع إنسانية وقانونية بالغة التعقيد عند فشل محاولاتهم.
ومع تصاعد هذه الممارسة وتعدد ضحاياها، أطلقت مؤسسة “ديدييه دروجبا” في عام 2023م بالتعاون مع منظمة العمل الدولية واتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين حملة توعية بعنوان “الوكلاء المزيفون.. رسالة تحذيرية للاعبين” Fake Agents: A Warning to Players، وتهدف الحملة إلى حماية اللاعبين من الاحتيال، عبر تقديم التحذيرات الكافية ضد هذه الممارسات.
وفي هذا السياق يشير “دروجبا” -لاعب كرة القدم الإيفوراي الشهير-، إلى أن وراء كل قصة نجاح للاعب إفريقي، هناك قصص كثيرة لشباب تحطمت أحلامهم بسبب الخداع، ووجدوا أنفسهم معزولين في دول أجنبية دون حماية أو دعم، وهو ما يُبْرِز هشاشة الوضع الذي يعيش فيه الكثير من اللاعبين. تقوم الحملة على خلفية تواتر شهادات من لاعبين –بعضهم في سن صغيرة–، وقعوا ضحية لجهات تدّعي أنها وكالات انتقال لاعبين محترفة؛ حيث يتم وعدهم بعقود أو تجارب مع أندية خارجية، غالبًا في أوروبا أو الخليج، مقابل مبالغ مالية تُطْلَب مقدمًا، لكنْ سرعان ما يتبين غياب أيّ أساس واقعي لهذه الوعود، ويُتْرَك اللاعب دون عقد أو تعويض أو حتى وسيلة للعودة.([33])
وتوضح نتائج الاستطلاع الذي أجراه الاتحاد الدولي للاعبين بفرعه في إفريقيا FIFPRO Africa وشمل 263 لاعبًا ولاعبة من سبع دول إفريقية (منها: زيمبابوي، غانا، كينيا، الكاميرون وزامبيا)، أن أكثر من 70% من المشاركين تم الاتصال بهم مِن قِبَل شخص ادَّعى قدرته على تسهيل انتقالهم لنادٍ آخر، وغالبًا ما تكرَّر هذا التواصل، في بعض الحالات 3 مرات أو أكثر، كما أن أكثر من ثلثهم تعرَّضوا للتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقرابة النصف تم التواصل معهم وجهًا لوجه.
ومن اللافت أن نسبة كبيرة من هؤلاء اللاعبين وُعدوا بفترة للمعايشة أو توقيع العقد، لكنّ النسبة الأكبر منهم لم يحصلوا على شيء من ذلك، بل إن 56% لم يتمكنوا من خوض التجربة الموعود بها، و44% لم يُوقِّعوا على أيّ عقد؛ كما تم الادعاء. وتشير هذه النتائج إلى أن مظاهر الخداع متفشية، وأن لاعبين كثرين واجهوا تجارب سيئة مع “وكلاء” تبيَّن لاحقًا أنهم محتالون، كما أكد 70% من اللاعبين أنهم لم يتلقوا أيّ نوع من التدريب أو التثقيف حول آليات التعامل مع وكلاء كرة القدم، ما يُعمِّق من هشاشتهم أمام هذا النوع من الاستغلال.([34])
وندلل على مثل هذه الوقائع بما أورده معهد الدراسات الأمنية Institute for Security Studies في تقرير نُشِرَ عام 2022م، أشار فيه إلى تعرُّض فتيان من الكاميرون وغانا ونيجيريا للاحتيال من قِبَل مسؤولين مزيفين انتحلوا صفة وكلاء أو كشّافين؛ حيث يُطلَب من كلّ لاعب دَفْع مبلغ يتراوح بين 1000 و1500 يورو مقابل فرصة مزعومة للسفر إلى تونس والتوقيع مع نادٍ كبير، مثل الترجي الرياضي التونسي، وبمجرد وصولهم هناك، وبعد أسابيع من الانتظار والوعود الزائفة، يكتشف هؤلاء الشباب عدم وجود أيّ عقد حقيقي، وأن “وكيلهم” ما هو إلا محتال، ونتيجة لذلك، يُجْبَرُون على العمل في مِهَن أخرى مثل التنظيف أو في المطاعم لتأمين لقمة العيش، بعد أن سقطوا ضحية للوعود الوهمية.([35])
علاوةً على ذلك، هنالك مشكلة أخرى أكثر خطورة، وهي انتهاء صلاحية تأشيراتهم، مما يُحوِّلهم من مهاجرين لكرة القدم إلى مهاجرين غير شرعيين؛ ففي تونس، لا يستطيع المهاجرون المغادرة إلا بعد دفع غرامة عن كل يوم إضافي يقضونه في البلاد، ومِن ثَم، يَعْلق العديد من لاعبي كرة القدم الشباب الطموحين هناك، دون مال لشراء تذكرة العودة إلى الوطن أو لتسديد غرامات تأشيراتهم المتراكمة، وفي المغرب، يصبحون مهاجرين غير شرعيين بمجرد انتهاء صلاحية تأشيراتهم.([36])
4-شراء الفرص وإقصاء الموهوبين من قطاعات الناشئين… حالة نيجيريا:
لا يقتصر الفساد الكروي في إفريقيا على المستويات الاحترافية، بل يتغلغل في الفئات العمرية الصغيرة؛ حيث تشهد قطاعات الناشئين ممارسات خطيرة كالرشوة والمحسوبية وشراء الفرص، مما لا يعرقل فقط اكتشاف المواهب الحقيقية، بل يُهدّد أيضًا مبدأ تكافؤ الفرص ويضعف العدالة الرياضية. ويظهر ذلك جليًّا في حالة اللاعب النيجيري إيمانويل إيز Emmanuel Eze، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم محترف في بلاده، وبدأ مسيرته بالفعل مع نادٍ محلي، لكنه رغم جهده وتدريبه المستمر لم يلقَ أيَّ اعتراف أو فرصة حقيقية، ليكتشف أن التعاقد مع الأندية النيجيرية الأكثر شهرة أو حتى المنتخب النيجيري يتطلب دفع رشاوى، الأمر الذي دفعه للإحباط والهجرة إلى تركيا بحثًا عن بيئة أكثر نزاهة. ولم تكن تلك التجربة الوحيدة؛ إذ واجَه صدمة مماثلة عندما حاول الانضمام إلى منتخب نيجيريا تحت 17 عامًا في كأس العالم لعام 2015م؛ حيث وجد أن اللاعبين الذين يفتقرون إلى الدعم من شخصية نافذة أو لا يرغبون في دفع رشوة يتم استبعادهم. وعلى نحو مشابه، كشف المغني النيجيري المعروف تشارلز تشيبويشوكو Charles Chibuezechukwu أن المحسوبية أحبطت حلمه بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفًا؛ إذ تم التغاضي عن اختياره في اختبارات الملعب الوطني في لاجوس عام 2015م لصالح لاعب آخر ينتمي لعائلة صاحبة نفوذ كبير في البلاد.([37])
وبالنظر إلى حالات الفساد الموثقة ضد الاتحاد النيجيري لكرة القدم، لن يكون هذا المشهد مستغربًا. فقد واجَه الاتحاد على مر السنين اتهامات متكررة بسوء استخدام أموال تطوير اللُّعبَة؛ إذ اتهمت لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية عام 2018م ثلاثة من مسؤوليه باختلاس ما يقرب من 9.5 مليون دولار و1.3 مليون نيرة نيجيرية من منح حصلت عليها نيجيريا من الفيفا لتطوير كرة القدم في البلاد. وفي عام 2019م، طالت الاتهامات الرئيس السابق للاتحاد النيجيري لكرة القدم أماجو بينيك Amaju Pinnick و4 من كبار المسؤولين باختلاس أموال مخصصة لكأس العالم 2014م. كما تم الكشف عن فضائح أخرى، منها تصوير المدرب ساليسو يوسف Salisu Yusuf بالكاميرا وهو يتلقى رشوة مقابل اختيار لاعبين للمنتخب النيجيري.([38])
ويكشف ما سبق أنه رغم امتلاك إفريقيا للعديد من المواهب الكروية، فإن الطريق من الحلم إلى الاحتراف غالبًا ما تعرقله شبكات الفساد الإداري والمالي، ففي بعض دول القارة كما بينا أعلاه، تخنق الرشوة والمحسوبية فرص المواهب منذ المراحل السنية الأولى؛ حيث تُشترى المقاعد في الفرق ويُقصى اللاعبون الأكفأ لصالح أصحاب النفوذ أو القادرين على الدفع، ما يُقوِّض مناخ المنافسة العادلة ويدفع كثيرًا من اللاعبين إلى الهجرة أو التخلي عن الحلم مبكرًا، فضلًا عن تفشي الفساد داخل الاتحادات الوطنية المسؤولة عن إدارة اللُّعبَة وصون مبادئها. وتكمن خطورة هذه الظواهر في أنها لا تعطل مسار التطوير الرياضي فحسب، بل تُفرغ كرة القدم من قِيَمها الأخلاقية وتُحوّلها إلى ساحة مفتوحة للاستغلال والابتزاز. ومِن ثَمَّ، فإن ما تم عرضه يقدّم صورة جلية عن عمق الأزمة التي تُطوِّق كرة القدم الإفريقيّة، وتفرض على الفاعلين المحليين والقاريين والدوليين تبنّي آليات أكثر صرامة وشفافية للحد منها.
المحور الرابع:
الأثر المُركَّب للفساد على اللُّعبَة والمجتمع الإفريقي
“فلتسود الحرية.. فليبارك الله إفريقيا”، هكذا ختم الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا كلمته التاريخية في افتتاح كأس العالم 2010م بجنوب إفريقيا، في لحظةٍ بدت فيها كرة القدم رمزًا للوحدة والأمل في القارة، لكن بعد أكثر من عقد من الزمان، لا تزال اللُّعبَة في أجزاء واسعة من إفريقيا رهينة لممارسات لا تَمُتّ للحرية بصلة؛ إذ تظل تحت سيطرة شبكات الفساد والنفوذ. وفي ضوء هذا الواقع، نحاول استكشاف أثر الفساد في كرة القدم على تطور اللُّعبَة داخل إفريقيا، كما يلي:
1-البنية التحتية المتهالكة:
لا يقتصر أثر الفساد الكروي في القارة الإفريقية على إهدار الموارد المالية أو تعطيل عمليات التنظيم والإدارة، بل يتجاوز ذلك ليترك آثارًا سلبية مباشرة على البنية التحتية الرياضية؛ فكثيرًا ما تُهْدَر الأموال المخصّصة لبناء أو صيانة الملاعب في عقود مبالغ في قيمتها أو مشاريع متعثرة تفتقر إلى الشفافية، ما ينتج عنه منشآت غير مطابقة للمواصفات أو مرافق سرعان ما تتدهور لغياب الصيانة المنتظمة.
ونتيجةً لذلك، تجد العديد من الدول الإفريقية نفسها أمام ملاعب غير مُؤهَّلة ومرافق رياضية تفتقر إلى المقومات الأساسية، وهو ما يُضْعف قدرتها على استضافة المباريات والبطولات الدولية، ويجعل قرارات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) بحظر بعض هذه الملاعب انعكاسًا واضحًا لآثار الفساد المستشري.
وفي هذا السياق، يمثل ما حدث في غانا عام 2024م نموذجًا واضحًا للتداخل بين الفساد وتدهور البنية التحتية الرياضية في القارة الإفريقيّة؛ حيث أصدر (الكاف) قرارًا بحظر إستاد بابا يارا Baba Yara Stadium من استضافة المباريات الدولية من الفئة الأولى، بعد أن تبيَّن أنّ الملعب، رغم سعته الكبيرة وتاريخه العريق، يعاني من عيوب تقنية جسيمة مثل سوء أرضية اللعب، وضعف نظام الصرف ونقص الغطاء العشبي. وقد جاء هذا القرار ليكشف التناقض الصارخ بين ما أُعلن عن إنفاقه، بما يقارب أربعة ملايين دولار لاعتماد دورة الألعاب الإفريقيّة 2023م، وبين الواقع المتردي لبعض المنشآت الرياضية لديه، وهو ما فجَّر موجة من الانتقادات ضد الحكومة وهيئة الرياضة الوطنية الغانية.([39])
2-هجرة المواهب وتراجع الجماهيرية:
قبل حوالي ثلاثة عقود، كانت مدرجات الملاعب الإفريقيّة تمتلئ بعشرات الآلاف من المشجعين المتحمسين لمتابعة أنديتهم المحلية، وكان اللاعب الإفريقي يبدأ مسيرته في الدوري المحلي قبل التفكير في الاحتراف الأوروبي. لكن سرعان ما تراجع هذا الزخم نتيجة مزيج من الفساد وسوء الإدارة وضعف البنية التحتية؛ فالموارد المالية التي خُصصت لتطوير الملاعب أو دعم الأندية غالبًا ما تبدَّدت في عقود وهمية أو مشروعات متعثرة، ما جعل الكثير من الساحات الرياضية غير مؤهلة من حيث الراحة والأمان، وأدى إلى عزوف المشجعين عن حضور المباريات.
في الوقت نفسه، فتح الفساد الباب واسعًا أمام تفشي المحسوبية والرشوة في عمليات الانتقاء والإدارة، الأمر الذي دفَع المواهب الشابة إلى البحث عن فرص أكثر عدلاً واحترافية في الخارج. وهكذا أصبح اللاعبون يغادرون مبكرًا، لتفقد الأندية المحلية قدرتها على المنافسة، أما الجماهير، فقد وجدت نفسها أمام إغراء البطولات الأوروبية التي تقدم مستويات تنظيمية أعلى، وبثًّا إعلاميًّا متطورًا، ونجومًا عالميين، فتحولت نسبة كبيرة منهم إلى متابعة هذه الدوريات.([40])
ويتجلى هذا التحول في أنماط المشاهدة في نيجيريا، والتي تمثل واحدة من أكبر أسواق كرة القدم في القارة، ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة NOIPolls في عام 2024م، تبيَّن أن 59% من البالغين النيجيريين الذين خضعوا للاستبيان يتابعون الدوري الإنجليزي الممتاز، بينما لا يتجاوز جمهور الدوري النيجيري الممتاز 34% من أبناء نيجيريا. وأوضح الاستطلاع أن الدافع الأكبر لمتابعة الدوري المحلي يرتبط بالروح الوطنية، في حين أشار معظم العازفين عن متابعته إلى أسباب مثل ضعف جودة المباريات، بما في ذلك سوء التنظيم وتراجع مستوى التحكيم وغياب التغطية الإعلامية الجيدة الناقلة للمباريات.([41])
ومع ذلك، لا تزال كرة القدم الإفريقية تحظى بمتابعين داخل القارة، ولا سيما خلال المنافسات الكبرى مثل كأس الأمم الإفريقية أو بطولات الأندية القارية؛ كدوري أبطال إفريقيا. غير أنّ هذه المتابعة تواجه تحديًا متزايدًا يتمثل في المنافسة القوية من كرة القدم الأوروبية والعالمية، التي باتت تهيمن على المشهد الكروي العام.([42])
3-الاتجار بالبشر والهجرة غير النظاميّة:
يُعدّ الاتجار بالبشر واحدة من أبرز الانعكاسات الخطيرة لظاهرة الفساد في كرة القدم بإفريقيا؛ حيث أصبح اللاعبون الشباب ضحايا لإحدى أسرع شبكات الاتجار بالبشر نموًّا في العالم، ففي خضم سعيهم لتحقيق أحلامهم الكروية، يُستدرَج هؤلاء اللاعبون مِن قِبَل ما يُعرَف بـ”الوكلاء”، وهم في كثير من الحالات جزء من شبكات إجرامية عابرة للحدود، يقودها أفراد نافذون في أوروبا. وتبدأ عملية الاتجار حين يتواصل هؤلاء “الوكلاء” مع لاعبي الدوريات المحلية –سواء بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي–، ويقدّمون عروضًا مغرية، أحيانًا لقُصّر، للانضمام إلى أندية أوروبية وهمية. ورغم أن القوانين الأوروبية تُقيِّد انتقال القُصّر لأندية محترفة، يستغل هؤلاء المحتالون ثغرات قانونية وتواطؤ بعض المسؤولين الفاسدين في السفارات الأوروبية، الذين يُسهِّلون إصدار تأشيرات دخول للاعبين الطموحين مقابل رشاوى أو منافع أخرى.([43])
وفي حالات عديدة، يُجبَر اللاعبون على الهجرة غير النظامية بعد فشلهم في الحصول على تأشيرات شرعية. فمثلًا، سافر أحد لاعبي كرة قدم من ساحل العاج -وفقًا لتقرير معهد الدراسات الأمنية سالف البيان المنشور عام 2022م-، إلى المغرب بالحافلة، ثم عَبَرَ إلى إسبانيا بطريقة غير قانونية عبر البحر، فقط ليكتشف أن وكيله الوهمي قد تخلَّى عنه تمامًا، دون أيّ عقد أو نادٍ في انتظاره. وفي حالة مشابهة، دفع والدا لاعب آخر من السنغال أكثر من 5000 يورو لوكيلَين وعدا بابنهما بعقد احترافي في البرتغال، وبعد وصوله، اكتشف أنه بلا نادٍ، ليعيش في منزل رجل مسنّ، فيما اختفى الوكيلان كليًّا، تاركينه بلا مال أو دعم.
أما موسى -وهو لاعب إفريقي آخر- فقد خاض رحلة محفوفة بالمخاطر من غامبيا إلى مالي، ومنها إلى ليبيا ثم إيطاليا بمساعدة مهرّبين عنيفين، ورغم كل هذه المعاناة، لم ينل سوى عقد مع فريق شبه محترف يُدعى كاربونيا في دوري الهواة الإيطالي، وهو واقع بعيد كل البعد عن الصورة الوردية التي يُسوّق لها عن حياة النجوم في كرة القدم. وتُسلّط مثل هذه القصص الضوء على العلاقة الوثيقة بين الفساد، وضعف الحوكمة والجريمة المنظمة، التي تستغل أحلام شباب إفريقيا وتحوّلها إلى كوابيس عابرة للحدود.([44])
وإجمالاً، يبين هذا المحور أن الفساد في كرة القدم داخل السياق الإفريقي يمتدّ ليُحدث انعكاسات متشعبة تطال البنية التحتية، وحركة اللاعبين، وارتباط الجماهير باللعبة؛ فالملاعب المتهالكة، وهروب المواهب، وتراجع الحضور الجماهيري، إلى جانب تنامي ظواهر خطيرة كالاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، جميعها تكشف أن الفساد قد تحوَّل من ممارسة فردية إلى أزمة بنيوية تُضعف من قدرة كرة القدم على أداء دورها كأداة للتنمية والوحدة. ومن ثمّ، فإن مواجهة هذا الواقع تظل شرطًا أساسيًّا لإعادة الاعتبار للُّعبة في الوجدان الإفريقي، وضمان أن تظل مصدرًا للأمل والتكامل لا بيئة لإعادة إنتاج الأزمات.
المحور الخامس:
مقاربات مكافحة الفساد في كرة القدم على مستوى القارة الإفريقيّة
عقب استعراض المحفزات التي تُبقِي الفساد متجذرًا في كرة القدم الإفريقية، والوقوف على تجلياته العملية داخل الاتحادات أو الأندية أو المباريات؛ تبرز الحاجة إلى الانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة المواجهة والإصلاح؛ إذ لا يكتمل تحليل الظاهرة من دون النظر في السبل الكفيلة بالحدّ منها ومعالجة آثارها الممتدة على اللعبة والمجتمع الإفريقي ككل. ومن هذا المنطلق، يسعى هذا المحور إلى استكشاف المقاربات الممكنة لمكافحة الفساد الكروي في إفريقيا، وذلك على النحو التالي:
1-نشر ثقافة النزاهة والتوعية الرياضية:
تُبرز بعض التجارب الإفريقيّة أن الوقاية تبقى أكثر فعالية من العقوبات وحدها، ومِن ثَمَّ، فإن نشر ثقافة النزاهة بين اللاعبين والحكام والإداريين والجماهير يُمثِّل أداة أساسية لمواجهة الفساد، وذلك من خلال برامج تدريبية وتوعوية تُسلط الضوء على أضرار الفساد، وتغرس قِيَم الشفافية والمساءلة كجزء من الهوية الرياضية الإفريقيّة.
وفي هذا الإطار تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا أساسيًّا في التوعية بمخاطر الفساد في كرة القدم الإفريقيّة؛ حيث تسلط الضوء على أنماط متعددة، من أبرزها ظاهرة “الوكلاء المزيفين” الذين يستغلون طموحات اللاعبين الشباب.
وفي هذا السياق، تُعد مبادرة منظمة فوت سوليدير Foot Solidaire مثالًا رائدًا على ذلك؛ إذ أنشأت مركزًا للمعلومات في مدينة ياوندي بالكاميرون يهدف إلى دعم وتوجيه اللاعبين الناشئين. ويُشكِّل هذا الجهد نموذجًا يُحتذى به في حماية المواهب الشابة، وتوعيتهم بحقوقهم، ومخاطر الوقوع في شباك الاستغلال.([45])
علاوة على ذلك، يمكن تعزيز حملات التوعية من خلال استخدام وسائل متعددة مثل منصات التواصل الاجتماعي والتلفزيون والإذاعة المحلية، بالإضافة إلى الملصقات الإرشادية في ملاعب كرة القدم، لتسليط الضوء على مخاطر التوقيع على عقود مزيفة. وقبل ذلك، تقع على عاتق الاتحادات الكروية الإفريقيّة مسؤولية نشر قوائم بأسماء الوكلاء المعتمدين، بما يُتيح للأسر التحقق من هوية الوكلاء، والتأكد من شرعيتهم، وبالتالي حماية اللاعبين الناشئين من الاستغلال.([46])
2-تعزيز آليات الشفافية والحوكمة:
مع ما تُظهره بعض من التجارب الإفريقيّة حول أن غياب الشفافية في إدارة الموارد المالية والعقود داخل الاتحادات الوطنية لكرة القدم يشكل بيئة خصبة لاستشراء الفساد، فإن فرض آليات إفصاح دوري عن الميزانيات، وإخضاعها لتدقيق مستقل من جهات محلية وإقليمية، يُمثل خطوة ضرورية للحدّ من سوء الإدارة والرشوة التي تعيق تطوير اللُّعبَة في القارة.
وعليه، تحتاج كرة القدم المحلية إلى إدارة رشيدة، وتنمية جادة للمواهب الناشئة لدى الفتيان والفتيات، وبرامج تدريبية أكثر كفاءة للمدربين، فضلًا عن تحسينات شاملة للبنية التحتية على مستوى القاعدة الشعبية، ويتطلب ذلك توجيه الموارد المالية نحو تنمية القاعدة بدلًا من تسربها إلى جيوب بعض المسؤولين.([47])
إضافة لذلك، من المهم تفعيل آليات وطنية للمساءلة عبر تشريعات داخلية تُجرِّم الرشوة والتلاعب بالنتائج، أو من خلال عقوبات قارية رادعة من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف). وفي هذا السياق أكد رئيس الكاف “باتريس موتسبي” Patrice Motsepe في أبريل 2025م أن الاتحاد سيتخذ إجراءات صارمة ضد أيّ مسؤول يتورط في الفساد أو سوء إدارة الموارد المالية المخصصة لتطوير اللُّعبَة، مشددًا على أن «كرة القدم مِلْك للشعب والأمة»، وأن الفساد لا مكان له في منظومة الكرة الإفريقيّة.
كما أوضح “موتسبي” أن الكاف سيعمل على ضمان نزاهة اللُّعبَة من خلال آليات الانضباط الداخلي، مع احترام القوانين الوطنية والإجراءات القضائية، وفي الوقت ذاته شدد على مبدأ «صفر تسامح مع الفساد»، كما أكد على أن المسؤولين المدانين ستتم معاقبتهم عبر الحرمان من المشاركة في البطولات أو الإقصاء من مناصبهم، وذلك في أعقاب ما أُثِيرَ عن فضائح مالية لاحقت بعض أعضاء اتحاد جنوب إفريقيا لكرة القدم. وفي هذا الإطار يحاول الكاف أن يبعث برسالة مفادها أن الإفلات من العقاب لم يَعُد خيارًا ممكنًا، وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تفعيل المساءلة الصارمة داخل وخارج الملاعب.([48])
3-الاستثمار في البنية التحتية الرياضية والأنظمة الرقمية:
يزيد ضعف البنية التحتية في عدد من الدول الإفريقية من احتمالات التلاعب والفوضى، ولا سيما فيما يتعلق بتنظيم المباريات والفعاليات الرياضية بوجه عام. فغياب الرقابة الكافية وانعدام التحديث التكنولوجي يفتحان المجال أمام استغلال الثغرات، الأمر الذي يؤدي إلى تضارب المصالح وانتشار الفساد المالي والإداري. ومن هنا تبرز أهمية إدخال الرقمنة في مجالات مثل بيع التذاكر، وإبرام العقود، وتنظيم الانتقالات، باعتبارها خطوة إستراتيجية للحد من هذه المخاطر؛ إذ تُقلّل من المساحات المتاحة للاستغلال غير القانوني وتُسهّل عملية تتبع الإجراءات بشكل أكثر شفافية ودقة.([49])
وعلاوة على ذلك، فإن تطوير البنية التحتية الرياضية، بما في ذلك إنشاء ملاعب حديثة وتجهيزها بأنظمة رقابة إلكترونية متقدمة، يُسهم بشكل مباشر في رفع كفاءة الإدارة وتحسين تجربة الجمهور واللاعبين على حد سواء. وتقلل هذه الإجراءات من فرص الممارسات غير القانونية وتدعم ثقافة النزاهة في الرياضة، وهو ما يؤكده تقرير صناعة الرياضة في إفريقيا Africa Sports Industry لعام 2025م، الصادر عن المعهد الإفريقي للرياضة والإبداع (ASCI) African Sports and Creative Institute، والذي يُسلّط الضوء على العلاقة الوثيقة بين التطوير التكنولوجي للبنية التحتية الرياضية وتعزيز الشفافية والمساءلة في القطاع الرياضي بالقارة الإفريقيّة.([50])
وللتأكيد على أهمية التحول الرقمي في القطاع الرياضي، يمكن الاستشهاد بالتجربة الهامة التي حدثت في غانا؛ التي اعتمدت لعقود طويلة على الأساليب اليدوية والتذاكر الورقية في بيع تذاكر المباريات، وهو ما أدى إلى ضعف الشفافية وتذبذب الإيرادات. غير أن شهر مارس 2022م شكَّل نقطة تحول بارزة في الساحة الرياضية في غانا، حين أطلقت منصة eGotickets (الغانية) بالتعاون مع الهيئة الوطنية للرياضة (NSA – غانا) أول نظام رقمي لبيع التذاكر، وذلك خلال مباراة غانا ونيجيريا في تصفيات كأس العالم عام 2022م. وقد أتاح هذا النظام للجماهير شراء التذاكر عبر الإنترنت أو الهاتف المحمول، والحصول على رموز QR يتم التحقق منها عند بوابات الملاعب بشكل فوري، وقد نتج عن ذلك تحقيق إيرادات تجاوزت 1.4 مليون سيدي غاني Ghanaian Cedi (عملة غانا) بزيادة تفوق 60% مقارنة بالأساليب التقليدية.([51])
4-التنسيق الإقليمي والدولي كآلية لمكافحة شبكات الفساد الكروي:
تواجه الدول الإفريقية تحديًا كبيرًا في التصدي لشبكات الفساد الرياضي العابرة للحدود، سواء تجسَّدت في المراهنات غير المشروعة أو التلاعب بنتائج المباريات أو ممارسات الإدارة غير النزيهة. وتتطلب هذه الشبكات ذات الطابع العالمي تنسيقًا إقليميًّا ودوليًّا فعّالًا من أجل تفكيكها، وهو ما يبرز أهمية التعاون بين القارة الإفريقية والمؤسسات الكبرى مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)؛ وهو ما حدث بالفعل في عام 2019م، حينما أبرم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) والاتحاد الإفريقي مذكرة تفاهم ركزت على مكافحة الفساد في الرياضة وتعزيز الحوكمة، كما شملت مجالات التعاون المشتركة ورش عمل متخصصة، وحملات توعية جماهيرية، وتبادل الخبرات الفنية، إلى جانب تطوير آليات لحماية نزاهة المسابقات. وقد هدفت المذكرة أيضًا إلى دعم القدرات المحلية عبر التدريب وبناء الكفاءات، بما يُعزّز من قدرة القارة على مواجهة الفساد الرياضي بأبعاده المختلفة بشكل ممنهج ومستدام. غير أن التحدّي الحقيقي يتمثل في أن تتجاوز هذه المبادرات حدود التوقيع الشكلي، حتى لا تبقى مجرد نصوص على الورق، بل أدوات فاعلة قادرة على حماية نزاهة الرياضة الإفريقيّة وتطويرها.([52])
خاتمة: كرة القدم الإفريقيّة عند مفترق طرق: إصلاح اللُّعبَة أم تكريس أزماتها؟
بشكل عام، وفي ضوء ما تم عَرْضه من مُعطيات، يتضح من هذه الدراسة أن كرة القدم الإفريقيّة، التي طالما مثَّلت رمزًا للهوية الجماعية ورافعةً للأمل الشعبي الإفريقي، وجدت نفسها في العقود الأخيرة أسيرةً -ولو جزئيًّا- لدائرة من الفساد وسوء الإدارة؛ فمن التلاعب بنتائج المباريات والممارسات المالية المشبوهة إلى هروب المواهب المبكر، ارتسمت صورة لُعبة أُفرغت من قِيَمها الأخلاقية، وتحوّلت في كثير من الحالات إلى مجال للاستغلال بدلًا من أن تكون أداة للتنمية والعدالة.
ولا تكمن خطورة هذه المظاهر في تعطيل مسار التطوير الرياضي فقط، بل تمتد إلى زعزعة ثقة الجماهير، وتآكل الدوريات المحلية، وتراجع مكانة القارة على الخريطة الكروية العالمية.
ومع ذلك، تُظهر الدراسة أنّ كرة القدم الإفريقية ما زالت تحتفظ بقدرتها على الإلهام وجذب المتابعين؛ إذ تظل لحظات البطولات القارية الكبرى، مثل كأس الأمم الإفريقية، قادرة على توحيد ملايين الجماهير خلف اللعبة. غير أنّ استشراف المستقبل يكشف عن مسارين محتملين أمامها؛ أولهما: استمرار الفساد وضعف الإدارة، بما يُكرّس صورة القارة كسوق لتصدير اللاعبين ويُبقي الدوريات المحلية على هامش الاهتمام. وثانيهما سيناريو أكثر تفاؤلًا يقوم على تبنّي إصلاحات جذرية تعزّز الحوكمة وتدعم استثمارات حقيقية في البنية التحتية، إلى جانب استثمار الرقمنة كآلية للشفافية ومكافحة الفساد. وفي حال تحقق هذا المسار، يمكن لكرة القدم الإفريقية أن تستعيد مكانتها ليس فقط كلعبة شعبية، بل أيضًا كقوة ناعمة تسهم في ترسيخ الهوية الإفريقية وتعزيز مسار التنمية الشاملة.
وفي الختام، نرى أن مستقبل اللعبة في إفريقيا لن يُحْسَم داخل المستطيل الأخضر وحده، بل في فضاءات السياسة والمؤسسات؛ حيث تتحمل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية مسؤولية مفصلية؛ فإما أن يجعلوا من كرة القدم مجالًا للشفافية والأمل، أو يتركوها رهينة لدوامة الأزمات والمصالح الضيقة للنخب.
……………………………
([1]) أ.د. حمدي عبد الرحمن، الفساد السياسي في إفريقيا (القاهرة: دار القارئ العربي، الطبعة الأولى، 1993م)، ص ص24-25.
([2])Petros Walibwe Kawonga, “Corruption Dynamics in Malawian Football: Exploring the Motivations and Incentives”, Published paper in International Anti-Corruption Academy, (Muenchendorfer: IACA, Feb 2025), P.9.
([3]) أ.د. حمدي عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره، ص ص 16-18.
([5])Petros Walibwe Kawonga, Op.Cit, P.10.
([8])Paul Darby, James Esson and Christian Ungruhe, African Football Migration: Aspirations, Experience and Trajectories, (Oxford: Manchester University Press, 2022), P.42.
([11])Yassine Hariss, “Unpacking the Real Reason African Football is So Corrupt”, Mille, Apr 11, 2022, available at: https://www.milleworld.com/unpacking-corruption-in-african-football/, Accessed in Aug 3, 2025.
([13])Paul Darby, James Esson and Christian Ungruhe, Op.Cit, P.43.
([14])Mustafa Zahid, Corruption and Soccer in Africa: Empirical Evidence on the Determinants of Association Soccer Success in the Continent, Undergraduate Honors Theses, (San Francesco: University of San Francesco, 2018), Pp.4-5.
([15])Stuart Horsfield, “How João Havelange used Africa to change the face of world football”, These Football Times, Feb 2017, Available at: https://2u.pw/16ZI6, Accessed in Aug 4, 2025.
([17])Mustafa Zahid, Op.Cit, P.10.
([18])“CAF deny corruption allegations”, Al Jazeera, Jun 2014, Available at: https://shorturl.at/Id5L0, Accessed in Sep 27, 2025.
([19])Manase Kudzai Chiweshe, The Problem with African Football: Corruption and the (Under) Development of the Game on the Continent, African Sports Law and Business Bulletin, (Nocera Inferiore: The Sports Law and Policy Centre, 2014), Pp.26-28.
([21])Katja Høiriis, “Corruption Kills Soccer Development in Africa, Play the Game, Oct 5, 2010, Available at: https://www.playthegame.org/news/corruption-kills-soccer-development-in-africa/, Accessed in Aug 28, 2025.
([22])“Organised crime estimated to launder over US$140 billion annually through sport betting”, Sports Technology, May 18, 2014, Available at https://sportstechnology.ausleisure.com.au/news/organised-crime-estimated-to-launder-over-us140-billion-annually-through-sp? , Accessed in Aug 2, 2025.
([23])Madeleine Morris, Convicted match-fixer Wilson Raj Perumal claims he rigged 2010 Socceroos versus Egypt friendly, ABC News, May 26, 2014, Available at: https://www.abc.net.au/news/2014-05-26/7.30-socer-match-fixing-story/5479174, Accessed in Aug 2, 2025.
([24]) حول ملخص مباراة مصر وأستراليا الودية وضربة الجزاء المشكوك بها انظر: “ملخص مباراة مصر وأستراليا 3-0 لقاء ودي 17-11-2010 إستاد القاهرة”، يوتيوب، متاح على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=oD6ambg5hYw
([25])“Match fixing rocks Socceroos”, Neos Kosmos, May 27,k 2014, Available at: https://neoskosmos.com/en/2014/05/27/sport/football/match-fixing-rocks-socceroos/, Accessed in Aug 2, 2025.
([26])Associated Press, “Uefa suspends referee following irregular betting patterns”, The Guardian, Dec 16, 2009, Available at: https://www.theguardian.com/football/2009/dec/16/uefa-suspends-referee-anton-genov, Accessed in Aug 2, 2025.
([27])Associated Press, “Zimbabwe match-fixing scandal widens”, Sports Net, Mar 9, 2016, Available at: https://www.sportsnet.ca/soccer/zimbabwe-match-fixing-scandal-widens/, Accessed in Aug 2, 2025.
([29])Manase Chiweshe, “Money, Football, and Politics: Asiagate and the Scourge of Match-Fixing in Zimbabwe,” Review of Nationalities, (Zurich: Institute of Political Science, Research Unit for National and Ethnic Minorities, May 2020), p. 112.
([30])“Fifa bans head of African football for five years after misappropriation of funds”, The Guardian, Nov 23, 2020, Available at: https://www.theguardian.com/football/2020/nov/23/fifa-bans-head-of-african-football-for-five-years-after-misappropriation-of-funds, Accessed in Aug 2, 2025.
([32])Ed Aarons and Romain Molina,”Head of football in Republic of the Congo accused of embezzling $1.3m of Fifa funds”, The Guardian, Jul 9, 2025, Available at: https://www.theguardian.com/football/2025/jul/09/head-of-football-in-republic-of-the-congo-accused-of-embezzling-13m-of-fifa-funds, Accessed in Jul 2, 2025.
([33])”FIFPRO Africa launches campaign warning footballers about fake agents”, FIFPRO World Players’ Union, Jul 2023, Available at: https://2u.pw/vlf4C, Accessed in Aug 5, 2025.
([35])Abdelkader Abderrahmane, “Going for gold: Africa’s young footballers exploited by smugglers”, Institute for Security Studies “ISS”, Nov 2022, Available at: https://issafrica.org/iss-today/going-for-gold-africas-young-footballers-exploited-by-smugglers, Accessed in Aug 5, 2025.
([37])“How Corruption and Poor Accountability Are Killing Nigerian Football”, Off Game, Nov 14, 2023, Available at: https://offthegame.substack.com/p/how-corruption-are-poor-accountability?utm_campaign=post&utm_medium=web, Accessed in Aug 10, 2025.
([39])“Spectacular failure as Ghana sinks low in infrastructure development after latest CAF ban”, Ghana Soccernet, Sep 11, 2024, Available at: https://ghanasoccernet.com/spectacular-failure-as-ghana-sinks-low-in-infrastructure-development-after-latest-caf-ban, Accessed in Aug 13, 2025.
([40])“The challenges facing African football”, The Africa Report, Jul 9, 2010, Available at: https://www.theafricareport.com/9084/the-challenges-facing-african-football/, Accessed in Sep 3, 2025.
([41])“6 in 10 Nigerians follow the English Premier League”, NOI POLLS, Mar 13, 2024, Available at: https://www.noi-polls.com/post/6in10nigeriansfollowtheenglishpremierleague, Accessed in Sep 5, 2025.
([42])“The challenges facing African football”, Op.Cit.
([43])Abdelkader Abderrahmane, Op.Cit.
([45])Phil René Oyono, “Africa’s young footballers caught in a web of crime and abuse”, ENACT, Feb 2019, Available at: https://enactafrica.org/enact-observer/africas-young-footballers-caught-in-a-web-of-crime-and-abuse, Accessed in Aug 5.
([46])Abdelkader Abderrahmane, Op.Cit.
([47])Manase Kudzai Chiweshe, The Problem with African Football: Corruption and the (Under) Development of the Game on the Continent, African Sports Law and Business Bulletin, (Nocera Inferiore: The Sports Law and Policy Centre, 2014), p.32.
([48])Christian Okpara, “CAF vows stiff sanctions against corrupt national federations’ officials”, The Guardian, Apr 24, 2025, Available at: https://guardian.ng/sport/caf-vows-stiff-sanctions-against-corrupt-national-federations-officials/, Accessed in Aug 29, 2025.
([49]) للمزيد حول تقرير صناعة الرياضة في إفريقيا لعام 2025م والذي يخصص جانبًا كبيرًا حول تطوير لعبة كرة القدم في القارة، انظر:
Africa Sports Industry: Strength in Numbers – Part 2, (Johannesburg: African Sports and Creative Institute, 2025), Available at: https://africansci.com/wp-content/uploads/2025/02/ASCI-SinN-Report.pdf, Accessed in Aug 29, 2025.
([50]) المرجع السابق نفسه (تقرير صناعة الرياضة في إفريقيا لعام 2025م).
([51])“Transforming sports ticketing in Ghana with digital access and transparency”, ENCODEV Labs, 2022, Available at: https://encodevlabs.com/work/nsa?utm_source, Accessed in Sep 3, 2025.
([52])“FIFA, CAF and African Union sign historic Memorandum of Understanding on education”, Inside FIFA, Feb 11, 2019, anti-corruption and safety, Available at: https://inside.fifa.com/organisation/president/media-releases/fifa-caf-and-african-union-sign-historic-memorandum-of-understanding-on-educatio, Accessed in Sep 3, 2025.











































