الأفكار العامة:
– تشرذم الديون السيادية في إفريقيا يضع الدول المعتمدة على عملاتها المحلية أمام تحديات أكبر من تلك التي تعتمد على العملات الأجنبية، مما يُهدّد استقرارها ونموّها.
– رغم هدوء الأسواق العالمية، تزداد نقاط الضعف مع ارتفاع أسعار الأصول الخطرة والدين العام وتعزيز الروابط بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية، ما يُنذر بمخاطر صدمات غير متوقعة.
– دول قوية اقتصاديًّا، مثل جنوب إفريقيا، تُصْدِر ديونًا كبيرة بعملتها المحلية، بينما تبقى غانا وزامبيا تعتمد على تمويل العملات الأجنبية المتقلب.
– جنوب إفريقيا نموذج إيجابي بسوق محلية تغطي 80% من ديونها السيادية بعملة الراند، بطاقة استحقاق 7 سنوات مقابل 4 سنوات عالميًّا.
– ديون الاقتصادات الناشئة والنامية تضاعفت إلى 30 تريليون دولار منذ 2010م، ما يزيد هشاشتها للصدمات الخارجية.
– التوسع السريع في سندات العملة المحلية (LCBMs) بدون بنية استيعابية يُلْحِق مخاطر مالية وانتقال عدوى للقطاع المصرفي، كما تُظهره أزمات غانا وزامبيا.
– أسواق الحدود (نيجيريا، كينيا) تُقدِّم نموًّا هشًّا؛ رغم ارتفاع إصدارات العملات المحلية إلى 63% عام 2024م (مقابل 45% في 2010م)، إلا أنها تُواجِه صعوبات في تمديد آجال الاستحقاق وتكاليف حقيقية مرتفعة.
بقلم: كوامي موديست
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
خلال تقديمه تقرير الاستقرار المالي العالمي، أشار توبياس أدريان، المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية ورأس المال في صندوق النقد الدولي، إلى ملاحظة بارزة: إن تشرذم القارة الإفريقية في معالجة الديون السيادية يضع الدول الأكثر قدرة على الصمود، والتي تعتمد على عملاتها المحلية، في مواجهة الدول التي تعتمد على العملات الأجنبية، مما يترتب عليه عواقب خَطِرة على استقرارها الاقتصادي ونموّها.
إضافة إلى ذلك، تُواجه دول مثل الجزائر وأوغندا مخاطر جيوسياسية؛ حيث تُعتبر مُهمَّشة. وفي الوقت الذي تبدو فيه الأسواق العالمية مستقرة، تزداد نقاط الضعف، وتصل أسعار الأصول عالية المخاطر إلى مستويات تاريخية، بينما يتصاعد الدين العام وتتعزز الروابط بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية. هذه إشارات تحذيرية توحي باحتمال تفاقم المخاطر في حال وقوع صدمات غير متوقعة.
في هذا السياق، ينشر صندوق النقد الدولي تقريره حول الاستقرار المالي العالمي في أكتوبر 2025م، بعنوان “تقرير الاستقرار المالي العالمي”، الذي يستعرض المسارات المتباينة في الاقتصادات الناشئة والنامية في مراحلها المبكرة في الفصل الثالث.
وبينما تتمكن البلدان ذات الأساسيات الاقتصادية القوية مثل جنوب إفريقيا من إصدار كميات كبيرة من العملة المحلية وجذب المستثمرين المحليين؛ تبقى دول إفريقية أخرى، مثل غانا وتونس وزامبيا، عالقة في حالة من الاعتماد على تمويل العملات الأجنبية ومصادر رأس المال المتقلبة.
هذا الوضع الجوهري هو جزء من الدَّيْن العام العالمي المتزايد؛ حيث تضاعفت ديون الاقتصادات الناشئة والنامية منذ عام 2010م، لتصل إلى حوالي 30 تريليون دولار (حوالي 12 تريليون دولار بدون احتساب الصين)، مما يزيد من هشاشتها تجاه الصدمات الخارجية. كما يُبرز التقرير أن “الاقتصادات الناشئة والنامية ذات أسواق السندات بالعملة المحلية المتنوعة تظهر عوائد مستقرة وسرعة في السيولة خلال الصدمات العالمية”، ما يؤكد الفائدة الإستراتيجية للاعتماد على العملة المحلية. ومِن ثَم، يمكن تصنيف الدول الإفريقية إلى ثلاث مجموعات تتَّسم بخصائص مشابهة.
جنوب إفريقيا: نموذج للمرونة
وفقًا لصندوق النقد الدولي، تُعتبر جنوب إفريقيا نموذجًا إيجابيًّا بين الأسواق الناشئة الكبرى؛ حيث تُشكِّل ديونها السيادية 80% منها بالعملة المحلية (الراند)، وبمتوسط أجل استحقاق يصل إلى 7 سنوات، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط أجل الاستحقاق للأسواق الناشئة، والذي يُقدّر بـ4 سنوات.
تعتمد هذه القوة المالية على قاعدة استثمارية محلية متنوّعة تشمل البنوك والمؤسسات غير المصرفية مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين، مما يُقلّل من مخاطر التعرُّض المفاجئ لتدفقات رأس المال الأجنبية. ورغم ذلك، لا تخلو البلاد من التحديات الهيكلية؛ إذ إن التكلفة الفعلية لديونها (4.5%) تُمثّل عبئًا على المالية العامة، قريبة من معدل النمو المتوقع (5%)، مما قد يؤثر سلبًا على قدرتها على التعافي في حال حدوث أزمة.
الدول المُعرَّضة للخطر المتزايد: غانا، تونس، زامبيا
تُظهر هذه المجموعة نقاط الضعف التي تعاني منها الاقتصادات الناشئة والنامية الهشَّة. ويتضح اعتمادها على العملات الأجنبية بشكل كبير؛ حيث تُقيّم 38% من إصداراتها بالعملات الأجنبية، في حين أن هذه النسبة تصل إلى 13% فقط في “الأسواق الناشئة الكبرى”، وفقًا لتصنيف “الأسواق الناشئة الأخرى” الذي يشمل غانا. نظرًا لنُدْرَة المدخرات المحلية، تعتمد هذه الدول بشكل كبير على البنوك المحلية وسندات الخزانة قصيرة الأجل، مما يؤدي إلى خلق “علاقة سيادية-بنكية” خطرة، تشير إلى الترابط بين الدول والبنوك بسبب حيازتها الكبيرة من الديون السيادية.
يشير التقرير إلى أن “التوسُّع السريع في أسواق سندات العملة المحلية (LCBMs) دون وجود القدرة الاستيعابية الكافية يزيد من مخاطر القمع المالي وانتقال العدوى إلى القطاع المصرفي”. وحالات غانا وزامبيا تبرز هذا الخطر النظامي بشكل ملحوظ؛ حيث إن عمليات إعادة هيكلة الديون المحلية الأخيرة في كلا البلدين تسببت في خسائر فادحة للبنوك المحلية، مما يُهدّد الاستقرار المالي الوطني.
مجموعة أسواق الحدود: نيجيريا، كينيا، مصر
تُظهِر هذه الدول تقدُّمًا هشًّا. فعلى الرغم من أن حصتها من إصدارات العملات المحلية قد قفزت إلى 63% في عام 2024م (مقارنةً بـ45% في عام 2010م)، إلا أنها تُكافح لتمديد آجال الاستحقاق وتواجه تكاليف حقيقية باهظة. على سبيل المثال، تدفع نيجيريا معدل فائدة حقيقيًّا قدره 6.5% على ديونها المحلية، متجاوزةً بذلك نموها المتوقع (5.2%)، بينما تُصدر كينيا سندات مرتبطة بالتضخم لتعويض عدم ثقة المستثمرين. ويتفاقم هذا الوضع بسبب ضعف السيولة: فهيمنة البنوك على حيازة الديون السيادية تَحُدّ من تنويع المشترين، مما يُفاقم تقلب العوائد خلال الاضطرابات العالمية، كما حدث خلال نوبة غضب تدريجية من عام 2013م.
ما هي الإستراتيجية التي يجب اتّباعها؟
تتطلب فجوة المرونة بين الدول الإفريقية إستراتيجيات متباينة من الجهات الفاعلة الاقتصادية. بالنسبة للحكومات، يجب على الدول المستقرة (جنوب إفريقيا وبوتسوانا) الاستفادة من امتياز وصولها إلى الأسواق المحلية لإصدار سندات طويلة الأجل بالعملة المحلية، مما يُعزّز استقلاليتها المالية. في المقابل، يجب على الدول الضعيفة (غانا وتونس وزامبيا) إعطاء الأولوية لمصداقية سياساتها المالية والنقدية لجَذْب المستثمرين الدوليين المستقرين، وتقليل اعتمادها على التمويل المضارب بالعملات الأجنبية.
يواجه المستثمرون المحليون (البنوك وصناديق التقاعد) ديناميكيات متباينة؛ ففي جنوب إفريقيا، تُقدّم السندات السيادية طويلة الأجل عوائد متوقعة، بينما في غانا وزامبيا، تتطلب مخاطر إعادة الهيكلة تنويعًا عاجلًا للاستثمارات بعيدًا عن الدين العام لتجنُّب الخسائر النظامية. أما بالنسبة للمستثمرين الدوليين، فإن استمرار عدم اهتمامهم بأسواق السندات الإفريقية المحلية (باستثناء جنوب إفريقيا)، والذي تفاقم بفعل قوة الدولار وعوائد مخيبة للآمال، يدفعهم إلى استهداف دول مثل بوتسوانا وناميبيا بشكل انتقائي؛ حيث يُحقق الدين المحلي عوائد حقيقية إيجابية ضمن إطار اقتصادي كلي موثوق.
الدروس الرئيسية والطرق المثلى للمُضِي قُدمًا:
يبرز التقرير ثلاث ضرورات رئيسية. أولًا، يعتبر عمق السوق ميزة نادرة؛ حيث إن بوتسوانا وناميبيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تمتلكان مستثمرين مؤسسيين (مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين) قادرين على استيعاب الديون السيادية دون زيادة المخاطر النظامية.
ثانيًا، هناك حاجة مُلِحَّة لاتخاذ إجراءات فورية، مثل تقليل “العلاقة بين البنوك والدولة” في نيجيريا وكينيا عن طريق إنشاء حدود تنظيمية على تعرُّض البنوك للأوراق المالية الحكومية، وتطوير أسواق النقد (خصوصًا اتفاقيات إعادة الشراء) في مصر ونيجيريا لتحسين السيولة الثانوية. كما يشير صندوق النقد الدولي إلى أن “تنويع قاعدة المستثمرين المحليين هو أمر بالغ الأهمية لكسر الحلقة المفرغة التي تعيق النمو”.
ثالثًا، يمثل الخطر الجيوسياسي في الجزائر وأوغندا تحديًا يُقلّل من شأنه، على الرغم من تصنيف البلدين كأسواق ناشئة. فعلى الرغم من ذلك، لا يتوافر لدى الجزائر وأوغندا البيانات الشفافة اللازمة لتقييم تكلفة ديونهما الحقيقية، مما يشير إلى وجود قيود في المعلومات تَحُول دون إجراء تحليلات دقيقة. ويؤكد صندوق النقد الدولي أن “فقدان البيانات يمنع التحليلات المفصلة”. لذلك، فإن عدم وضوح الأرقام العامة وانخفاض سيولة أسواق السندات المحلية يؤثر سلبًا على تقييمات المخاطر في هاتين الدولتين.
يكشف هذا الغموض في البيانات عن نقاط ضعف حرجة. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن غياب المعلومات المتعلقة بتكاليف الديون يُخْفِي هذه النقاط الضعيفة، مما يستدعي إجراء إصلاحات وقائية لتفادي الصدمات المستقبلية.
وبهذا، يتضح أن إفريقيا تُمثّل تنوعًا واضحًا في مسارات الاقتصادات الناشئة والنامية. ففي حين أن جنوب إفريقيا وبوتسوانا تحوّلان أسواقهما المحلية إلى قلاع محصنة ضد الصدمات العالمية، تدفع غانا وزامبيا ثمن سنوات من تدني المصداقية السياسية وانخفاض الادخار المحلي.
ويتطلب تحقيق الاستقرار المستدام ثلاث خطوات رئيسية: تعزيز سياسات التحوُّط الكلي في نيجيريا وكينيا للحد من الترابط بين البنوك والدولة؛ زيادة شفافية الإصدارات في تونس ومصر لاستعادة ثقة المستثمرين؛ وتعزيز التعاون الإقليمي لبناء بنية تحتية متكاملة لأسواق رأس المال (منصات التداول والتنسيق التنظيمي). تظل الملاحظة النهائية لصندوق النقد الدولي واقعية: “يستمر تثبيت الدَّيْن بالعملة المحلية وتنويع قاعدة المستثمرين كركيزتين أساسيتين للاستقرار المالي في إفريقيا”، وهو شعار يُميّز بين الدول القادرة على الصمود وتلك التي تعاني من الضعف.
انقسام الديون الإفريقية: المرونة المحلية مقابل رهائن النقد الأجنبي

المصدر: صندوق النقد الدولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:











































