وقَّعت إثيوبيا وكينيا، في 24 سبتمبر 2025م، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمقر وزارة الدفاع الوطني، اتفاقية دفاعية بين الدولتين. وقد وقَّع عليها كلّ من رئيس أركان القوات المسلحة الإثيوبية “بيرهانو جولا” ورئيس قوات الدفاع الكينية “تشارلز موريو كاهاريري”.
تأتي أهمية هذه الاتفاقية بعد ما يقارب من (63) عامًا على أول اتفاقية دفاعية وُقِّعت بين الجانبين، وذلك في عام 1963م، بعد أن حصلت كينيا على استقلالها في ذلك الوقت. ولذلك، يناقش هذا المقال التحليلي دوافع الاتفاقية وأهدافها، بالإضافة إلى تداعياتها على الدولتين وعلى المستويين الإقليمي والدولي، إلى جانب السيناريوهات والتحديات المتوقعة.
أولًا: دوافع الاتفاقية: تجسيد إرادة إفريقيا
جاء توقيع الاتفاقية الدفاعية في سياق إقليمي ينطلق من خطاب ترفعه الدولتان لتعزيز الأمن الجماعي في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، في ظل التهديدات العابرة للحدود مثل: الإرهاب، والتهريب، والاتجار بالبشر، والصراعات الداخلية الممتدة عبر الحدود.
وفي ذات السياق، تعكس هذه الاتفاقية رغبة الطرفين أيضًا في بناء خطاب أمني إقليمي يتَّجه نحو معارضة التدخلات الدولية، وهو ما اتضح من خلال خطاب قادة دفاع الدولتين عقب توقيع الاتفاقية، بالقول بأن الهدف هو “تجسيد لإرادة إفريقيا في رسم مصيرها الجماعي([1]).
وتنطلق دوافع كينيا من وراء هذه الاتفاقية من الرغبة في التوصل إلى صيغة أمنية لتأمين حدودها الشمالية ضد تهديدات حركة الشباب الصومالية، وضبط شبكات التهريب وتجارة السلاح التي تُهدِّد استقرارها الداخلي. كما تمنحها الاتفاقية حليفًا عسكريًّا قويًّا في الشمال، يُخفّف العبء الأمني عليها، وبخاصة على الحدود الشمالية؛ حيث توجد حركة الشباب. كما تريد نيروبي تعزيز الاعتماد على الذات وتطوير بنيتها التحتية العسكرية.
أما إثيوبيا، فهي تمتلك مجموعة من الدوافع المتعددة التي تنطلق من رؤية رئيس الوزراء “آبي أحمد” في تقديم بلاده “كقوة إقليمية مسؤولة” عن أمن القرن الإفريقي، بالإضافة إلى محاولته تخفيف الضغط على جيشه المرهق من الصراعات الداخلية، فقد انخرط جيشها خلال السنوات الماضية في صراعات داخلية (مثل تبعات الحرب في تيغراي واضطرابات أمهرة)؛ مما أدَّى إلى إرهاق القوات. لذلك، يُعدّ التعاون مع كينيا فرصة للإفراج عن بعض الوحدات لمواجهة التحديات الداخلية، وللحصول على شريك موثوق على الحدود الجنوبية يحمي البلاد من تهديدات مثل الهجرة غير الشرعية والتهريب والميليشيات العابرة للحدود.
وفي ذات السياق، تضع أديس أبابا نُصْب أعينها -من جراء هذه الاتفاقية- الهدف الأكبر المتمثل في تعزيز جهود وصولها البحري؛ حيث تدرك أن التنسيق مع كينيا ضروري لهذا الهدف لضمان الاستقرار وتجنب التوترات مع الدول المجاورة، وبخاصة الصومال.
خريطة تكشف عن أهمية كينيا البحرية بالنسبة لإثيوبيا
المصدر: إيمان الشعراوي، تهديدات آبي أحمد: هل تدقّ إثيوبيا الحبيسة طبول الحرب في موانئ القرن الإفريقي؟، قراءات إفريقية، أكتوبر 26, 2023م، متاح على الرابط التالي: https://surl.li/enofyx
ويظهر ذلك من خلال الرغبة في تحقيق الأهداف التالية:
1-توظيف الشراكات الأمنية في الوصول لطرق التجارة الدولية: تُشكّل المصالح البحرية الإثيوبية جزءًا محوريًّا من علاقاتها الإقليمية، خاصة في ظل كونها دولة غير ساحلية تسعى للوصول إلى طرق التجارة الدولية عبر المحيط الهندي. ويبرز في هذا السياق ميناء لامو وممر لامو –جنوب السودان– إثيوبيا للنقل (LAPSSET) بوصفهما شريانًا اقتصاديًّا حيويًّا يربط أديس أبابا بالأسواق العالمية، ما يجعله بوابة إستراتيجية لتسهيل التجارة وتعزيز النمو الاقتصادي. تأتي هذه الاتفاقية أيضًا لتُعزّز من مصالح إثيوبيا البحرية التي ترجمتها في عدد من الاتفاقيات، خاصة مع أرض الصومال. لذلك، فإن تعزيز العلاقات مع كينيا يمنحها عمقًا إستراتيجيا، ويضمن تدفق تجارتها عبر مينائَي مومباسا ولامو.
2-بناء تحالفات إقليمية:إضافة إلى ذلك، يمثل توقيع هذه الاتفاقية اتجاهًا إثيوبيًّا متناميًا لتوظيف الشراكات الأمنية والعسكرية في خدمة أجندتها الجيوسياسية، ولا سيما في ملف سد النهضة الذي يمثل محور إستراتيجيتها الإقليمية. تنظر أديس أبابا إلى أهمية انخراط نيروبي في هذا الاتفاق ضمن سياق أوسع يقوم على بناء جبهة إقليمية لدعم وجهة النظر الإثيوبية في مشروع سد النهضة. ولذلك، فإن إثيوبيا أرادت من هذه الاتفاقية أن تبعث برسالة لمصر والسودان بأنها تمتلك بدائل وتحالفات إقليمية تجعلها أكثر استقلالًا في قراراتها بشأن إدارة مياه النيل.
ثانيًا: بنود الاتفاقية وأهدفها: تأمين الحدود أم توسيع النفوذ؟
توضح البيانات الرسمية، التي صدرت عن وزراء دفاع الدولتين؛ أن الاتفاقية تهدف إلى جعل التعاون أكثر كفاءة وفاعلية عبر هذه البنود. ويذكر البيان الحكومي الإثيوبي أن الاتفاقية تشكل “إطارًا إستراتيجيًّا” للتعاون في المسائل الأمنية الرئيسية بعد عقود من العلاقات العسكرية الودية بين البلدين.
وبشكل عام، تمثلت بنودها فيما يلي:
1-التأكيد على أهمية التعاون الاستخباراتي: إذ اتفقت الدولتان على التعاون الاستخباراتي بشأن التحركات المشبوهة مِن قِبَل الجماعات الإرهابية والمسلحة والانفصالية التي قد تُهدِّد أمن البلدين، مما يسمح بعمليات اعتراض استباقية. وتسعى كينيا وإثيوبيا من خلال هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون الأمني على طول الحدود المشتركة التي تمتد لمسافة (861) كيلو مترًا، من خلال مواجهة التحديات المشتركة مثل: الإرهاب، وتهريب البشر، وتجارة الممنوعات.
وتعاني المنطقة الحدودية من أنشطة جماعات مثل حركة الشباب وجبهة تحرير أورومو، التي تنفذ عمليات متفرقة من وقتٍ لآخر، مما يجعل التنسيق بين الدولتين أمرًا حيويًّا لضمان الأمن والاستقرار. كما تهدف الاتفاقية إلى تقوية جهودهما المشتركة في مكافحة الإرهاب ضمن بعثة قوات الاتحاد الإفريقي، مستفيدة من الخبرات الإقليمية السابقة في التدخلات المشتركة.
2-التدريب المشترك على عمليات إنقاذ الرهائن ومكافحة الصيد الجائر: ستُحاكي التدريبات المشتركة، المُقرر إجراؤها كل عامين بدءًا من العام المُقبل، سيناريوهات مثل عمليات إنقاذ الرهائن في حوض توركانا، أو عمليات تمشيط لمكافحة الصيد الجائر على طول نهر أومو بإثيوبيا([2]).
3-تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة: تهدف الاتفاقية إلى تبادل أكثر فعالية للمعلومات الاستخباراتية للتصدي للتهديدات الأمنية المشتركة، وذلك كالتالي:
-تعزيز التعاون في المجالات العسكرية: تضفي الاتفاقية طابعًا رسميًّا على التدريبات والبرامج العسكرية، كما تتضمن بنودًا للتعاون في الصناعات العسكرية التي تشهد تطورًا كبيرًا في إثيوبيا، التي نجحت في تطوير قدراتها العسكرية، خاصةً في مجالات الطيران العسكري والطائرات بدون طيار عبر شركة “سكاي وين” للصناعات العسكرية، مما عزَّز من قدراتها الدفاعية([3]).
-كما تضع هذه الاتفاقية الدولتين كقائدتين إقليميتين في المبادرات الأمنية،وخاصة في إطار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD) وسياق القرن الإفريقي الأوسع. لذلك، تُشدِّد الاتفاقية على تحسين التعاون بين القوات العسكرية الإثيوبية والكينية، لا سيما في إنشاء هياكل قيادة مشتركة([4]).
وفي ذات السياق، تشارك الدولتان في مبادرات إقليمية مثل مشروع (I-EAC) الذي يركز على تعزيز القدرات الشرطية لمكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة عبر الحدود ضمن دول جماعة شرق إفريقيا.([5])
ثالثًا: تداعيات الاتفاقية على الأمن المشترك للدولتين
يُنظَر إلى الاتفاقية على أنها قد تؤثر في الأمن الإقليمي بشرق إفريقيا، كونها قد تُعزّز اتفاقيات أخرى للتعاون الدفاعي، لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة مثل قضايا الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة. وثمة من يرى بأن تحالف كينيا وإثيوبيا عسكريًّا يُغيِّر من موازين القوى الإقليمية بسبب كبر حجم جيشيهما وموقعهما الإستراتيجي. فإثيوبيا، التي تمتلك جيشًا ضخمًا يتجاوز (160) ألف جندي ويُصنّف السادس إفريقيًا، قد تستفيد من هذا الاتفاق في تعزيز الجهود المخابراتية.
في المقابل، تكتسب كينيا من خلال هذه الاتفاقية –التي تمتلك قوات يُقدَّر عددها بأكثر من (24) ألف جندي، والمُصنَّفة في المرتبة الحادية عشرة– تحالفًا مع جارتها الشمالية، ما يُعزّز من قدراتها في مواجهة التحديات على حدودها، خاصةً في ظل ضغوط مالية تَحُدّ من تطوير أسلحتها. أيضًا، قد تُحفّز هذه الاتفاقية من جهود الردع المشترك للدولتين، فإثيوبيا تعيش وجارتها الشمالية إريتريا في تصاعد من التصريحات والاتهامات المتبادلة حول تهديد كل منهما لأمن الآخر.
قد ينبثق عن هذه الاتفاقية تداعيات إقليمية تؤثر في النزاعات الحدودية المسلحة أو حتى المحتملة؛ حيث يُتوقع أن تزيد هذه الاتفاقية من فعالية جهود مكافحة الإرهاب، وبخاصة في الصومال، فقد سبق أن استعانت كينيا بالطيران الإثيوبي في عام 2024م بهدف ملاحقة عناصر حركة الشباب في القرى الحدودية مع الصومال، بعد أن توغل عدد من عناصرها داخل الحدود الكينية([6]).
لذلك، يُؤمل أن تسهم الاتفاقية في إنشاء آليات تنسيق وإنذار مشترك للسيطرة على مثل هذه النزاعات الرعوية قبل تفاقمها. كذلك، فإن عملهما العسكري المشترك قد يجبر أطرافًا أخرى على ضبط النفس؛ فعلى سبيل المثال، في مايو 2025م، أسفر نزاع حول المياه عن اشتباك بين الرعاة الإثيوبيين والكينيين في المناطق الحدودية بينهما، وسقط بين الطرفين عدد من الجرحى والقتلى. وقد كشفت الحادثة عن نقص التنسيق المشترك بين الجانبين، لذا فإن هذه الاتفاقية، وتأكيدها على معالجة النزاعات الحدودية بالطرق السلمية، سيؤدي إلى تحالف قوي لإيجاد حلول سلمية لمثل هذه القضايا([7]).
رابعًا: التداعيات الإقليمية والدولية لهذه الاتفاقية: من الرابح ومن الخاسر؟
ثمة مجموعة من التداعيات التي قد تنتج عن هذه الاتفاقية على المستوى الإقليمي والدولي، كالتالي:
-الصومال: تنظر الصومال إلى توافق كينيا وإثيوبيا عسكريًّا على أنه يُعزّز نفوذهما المشترك في ملف مكافحة حركة الشباب في الصومال؛ إذ يشارك البلدان حاليًّا بقواتهما في بعثة الاتحاد الإفريقي هناك. لذلك، قد يسهم التنسيق العسكري في تخفيف الهجمات الإرهابية العابرة للحدود وتأمين المناطق الحدودية، ولكن في الوقت نفسه، ربما يثير قلق الحكومة الصومالية إذا ما شعر الجانبان بضرورة نشر قوات برية إثيوبية إضافية قرب حدود الصومال.
-السودان: قد ينظر السودان إلى هذا التحالف باعتباره جبهة جديدة لدعم الموقف الإثيوبي في ملف سد النهضة. لذلك، قد يسعى مع مصر لتعزيز تحالفات أخرى جديدة، مع دول الجوار الإفريقي، وبخاصة الصومال وإريتريا.
-أوغندا: تميل أوغندا إلى رؤية نفسها منافسًا للقيادة الكينية في شرق إفريقيا. وقد تعتبر توقيع الاتفاقية تعزيزًا لنفوذ كينيا في المجال الإقليمي، خاصة إذا ارتبط ذلك بتحالفات دفاعية. وتواجه أوغندا من وقت لآخر توترات حدودية تجارية مع كينيا، لذلك تثير الاتفاقية قلق أوغندا من تحالف إقليمي يَحُدّ من نفوذها المستقبلي.
-إريتريا وجيبوتي: تنظران للاتفاقية على أنها تَصُدّ أيّ محاولات لزعزعة الاستقرار من أطراف خارجية، وبخاصة أنها تأتي في ظل توترات إثيوبية-إريترية. لذلك، قد يُنظَر إلى هذا التقارب بعين الريبة من جانب إريتريا، نظرًا لتاريخ التوتر الحدودي مع إثيوبيا. أيضًا، قد تنظر جيبوتي لهذه الاتفاقية على أنها يمكن أن تَحُدّ من دورها الاقتصادي في تجارة إثيوبيا، وذلك يرجع إلى أن جزءًا من الاتفاقية الدفاعية يشتمل على تأمين ممر “لابسيت” الإستراتيجي بالنسبة لإثيوبيا.
-أما على المستوى الدولي، فنجد أن هذه الاتفاقية ستخضع للمصالح المتباينة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين من جهة أخرى، كالتالي:
-الولايات المتحدة والغرب: تُشجّع واشنطن أيّ تعاون عسكري إفريقي ينصبّ في مكافحة الإرهاب وزعزعة تجنيد الجماعات المتطرفة. فقد صدرت إعلانات من قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) تؤكد التزامها بتعزيز الشراكات الأمنية في القارة. وهذا يتماشى مع سياسة الولايات المتحدة في دعم التدريب والتجهيز للقوات المحلية للمساعدة على حفظ الأمن الإقليمي.
-الصين: على النقيض، تبني بكين مصالحها الأمنية في القرن الإفريقي من خلال “مبادرة الأمن العالمية” التي تُقدّم دعمًا تدريبيًّا وعسكريًّا للدول. ومؤخرًا، قدمت الصين مِنَحًا عسكرية لضباط صوماليين([8]). لذا، قد تنظر بكين للاتفاقية على أنها تُعبِّر عن رغبة إفريقية في بناء تحالفات تختلف عن نماذج النفوذ التقليدية؛ ومن منظور بكين، قد يُفسَّر ذلك على أنه يُعزّز من الحاجة لتدخلاتها التنموية والأمنية.
خامسًا: تحديات وسيناريوهات الاتفاقية: نموذج لتعاون أمني مستدام أم تحالف مؤقت؟
ثمة مجموعة من السيناريوهات المستقبلية والتحديات التي يمكن أن تسفر عنها هذه الاتفاقية على النحو التالي:
-تعزيز التعاون الأمني: من المرجح أن تسهم الاتفاقية في تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الجهود الأمنية في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، مثل التمرد المسلح، والاتجار بالبشر، والتهريب. بحيث يمكنها أن تُحسِّن من المبادرات العسكرية المشتركة، مما يُسهم في تعزيز جهود الدولتين ومصالحهما في منطقة القرن الإفريقي.
-محدودية التعاون أو تحديات الاندماج: قد يظل التعاون مقتصرًا على تنسيق ميداني محدود ضد الإرهاب والتهريب، دون تطور نحو اندماج مؤسسي طويل الأمد، خاصةً إذا اصطدمت المصالح الأمنية بالقضايا السياسية أو النزاعات الحدودية التاريخية، مما يُهدّد سيادة كل دولة.
-تفسيرات جيوسياسية: من المحتمل أن يُنظَر إلى هذا التحالف مِن قِبَل بعض الدول مثل مصر والسودان وأوغندا وإريتريا كتحرك ذي أبعاد جيوسياسية مرتبطة بالأطماع الإثيوبية المتزايدة في حوض النيل، خصوصًا بعد افتتاح سد النهضة في سبتمبر 2025م.
-دعم المبادرات الأمنية متعددة الأطراف: يمكن لهذه الاتفاقية أن تدفع الجانبين نحو دعم المبادرات الأمنية المشتركة ضمن أُطُر متعددة الأطراف مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD)؛ حيث قد تدفع الاتفاقية، في حال نجاحها في تعزيز الأمن الإقليمي، الدول الأخرى نحو اتفاقيات مماثلة في ظل منطقة مضطربة تعاني من مشكلات أمنية وصراعات. ويشجّع هذا النموذج على اتباع نهج تعاوني للأمن يكتسب أهمية متزايدة في قارة تُواجه تهديدات متنوعة.
في الوقت نفسه، ثمة مجموعة من التحديات التي قد تواجه الاتفاقية وتعرقل تنفيذ بنودها. فعلى الرغم من نصوص الاتفاقية الطموحة، قد يواجه البلدان صعوبة في التنفيذ العملي. فالموارد المالية المطلوبة لتنفيذ التدريبات المشتركة وتحديث الأنظمة الاستخباراتية قد تكون شحيحة، خصوصًا في ضوء ضغوط الميزانية لدى كينيا وإثيوبيا. كما أن التنسيق البيروقراطي بين مؤسسات الدفاع في بلدين يختلف نظامهما التنظيمي قد يؤدي إلى تباطؤ في التطبيق. ولذلك، تكمن هذه التحديات كالتالي:
-التحديات الأمنية: تُشكِّل تهديدات حركة الشباب الصومالية المستمرة ضغطًا قويًّا على مستقبل هذه الاتفاقية وتنفيذها، خاصةً من الجانب الكيني الذي يعاني من هجمات متكررة مِن قِبَل الحركة، وخاصة في المنطقة الحدودية مع الصومال.
-التحديات الاقتصادية: تُمثّل الأزمات المالية عائقًا أمام الدولتين في بناء البنية التحتية العسكرية اللازمة لمثل هذه الاتفاقيات، خاصة على المدى الطويل.
-التحديات السياسية والإقليمية: تعاني إثيوبيا من خلافات مع دول الجوار، خاصة السودان وإريتريا، مما قد يدفع هذه الدول لمعارضة مثل هذه الاتفاقيات والنظر إليها على أنها وسيلة لزعزعة الأمن والاستقرار في القرن الإفريقي وشرق القارة، خاصة بعد الاتفاق الإثيوبي مع “صوماليلاند” بشأن منفذ بحري على البحر الأحمر، الذي أثار رفضًا واسعًا إقليميًّا ودوليًّا.
-التحديات المؤسسية: لم تُحدّد الاتفاقية أيّ آليات واضحة لتنفيذها، مما يجعلها عُرضة للتجاذبات السياسية أو التغيرات الحكومية في أحد الطرفين. لذلك، فإن نجاح هذه الاتفاقية يتطلب أن يُبنَى على أساس إشراف برلماني ومدني قوي، وضوابط سياسية دقيقة لمنع انحرافها عن أهدافها المعلنة.
وختامًا، يمكن القول: إن الاتفاقية الدفاعية بين إثيوبيا وكينيا تمثل خطوة إستراتيجية نحو بناء منظومة أمن إقليمي قائمة على التكامل بدلًا من التنافس، والاعتماد الذاتي بدلًا من الارتهان الخارجي. فهي ليست مجرد تفاهم ثنائي حول الحدود أو مكافحة الإرهاب، بل تعبير عن تحوُّل نوعي في التفكير الأمني الإفريقي، يقوم على مبدأ “الأمن الجماعي لتحقيق التنمية المشتركة”.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاتفاقية واستدامتها سيظل مرهونًا بمدى قدرة البلدين على ترجمة بنودها إلى مؤسسات فاعلة، وضمان تمويل مستدام لبرامجها المشتركة، فضلًا عن تحييد الخلافات الإقليمية والتوازن بين المصالح الوطنية والدولية في منطقة القرن الإفريقي شديدة الحساسية.
وفي المحصلة، فإن هذه الاتفاقية قد تُشكِّل نموذجًا أوليًّا لتحالفات إفريقية جديدة قادرة على إعادة تعريف مفهوم الأمن في القارة؛ بحيث يصبح أداة لبناء الاستقرار والتنمية، لا مجرد رد فِعْل على الأزمات.
………………………………………
[1] Ethiopia and Kenya renew defense cooperation after 62 years to strengthen regional security and prosperity, Fana Media Corporation S.C. (FMC), Sep 24, 2025,at: https://url-shortener.me/6RSE
[2] CDF SIGNS DEFENCE COOPERATION AGREEMENT WITH ETHIOPIA, Ministry of Defence , at: https://shorturl.at/5tSX3
[3] Blen Mamo, Ethiopia’s Defense Modernization: Strategic Power & Sovereignty, Horn Review, at: https://surl.li/uredry
[4] Ethiopia and Kenya renew defense cooperation after 62 years to strengthen regional security and prosperity, Fana Media Corporation S.C. (FMC), Sep 24, 2025,at: https://surli.cc/hjmhpr
[5] To combat terrorism and transnational organized crime in the East African Region., INTERPOL, at: https://shorturl.at/nHFaI
[6] Patrick Kenyette, Kenya and Ethiopia seal Defence pact amid rising regional tensions, Military Africa, October 9, 2025,at: https://shorturl.at/8RB5A
[7] Idem.
[8] A new model for peace? China takes its Global Security Initiative to Africa, South China Morning Post, 30 Aug 2025,at: https://shorturl.at/eA84o