أحمد جمال الصياد
باحث في العلوم السياسية
مقدمة:
تُعدّ الانتخابات الرئاسية في مالاوي لعام 2025م محطة سياسية فارقة في تاريخ البلاد، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتحولات السياسية الكبيرة التي طرأت على التحالفات الحزبية، فهذه الانتخابات تتسم بالتنافس المحموم بين عدة شخصيات سياسية بارزة، من بينها رئيسان سابقان ورئيس حالي، وذلك وسط تحديات هيكلية تتعلق بالبنية التحتية للعملية الانتخابية، وتفاقم ظاهرة الفساد، بالإضافة للتحديات الاقتصادية، كما أن هذه الانتخابات تمثل فرصة كبيرة في إحداث التغيير المنشود، وذلك عن طريق فوز رئيس قادر على التعامل مع كافة التحديات التي تُواجه مالاوي بشكل فعَّال.
ومما سبق تهدف هذه الورقة البحثية إلى تقديم قراءة تحليلية للمشهد السياسي في مالاوي قبل انتخابات سبتمبر 2025م، واستعراض أبرز محددات السلوك التصويتي للناخبين، وأبرز التحديات التي تُهدِّد سلامة ونزاهة الاستحقاق الرئاسي القادم، بالإضافة إلى تقديم إطار استشرافي للسيناريوهات المتوقَّعة في ظل التحولات الجارية على الساحة المالاوية.
أولًا: قراءة في المشهد السياسي المالاوي قبل الانتخابات الرئاسية 2025م
تشهد الساحة السياسية في مالاوي ظهور العديد من الشخصيات السياسية البارزة التي أعلنت عن ترشُّحها للانتخابات الرئاسية التي ستبدأ في 16سبتمبر2025، أول هذه الشخصيات هو الرئيس الحالي لازاروس تشاكويرا البالغ من العمر 69 عامًا، وهو الذي نجح في الحصول على دعم حزب المؤتمر (MCP)؛ لكي يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو مرشح يُواجه عدة تحديات قد تُقلّل من فرصه في الفوز بولاية ثانية، مثل انسحاب حركة التحول المتحدة (UTM) من تحالف (TONSE) الذي كان يجمعها بحزب المؤتمر المالاوي، وذلك بسبب وفاة مؤسس الحركة سولوس تشيليما في حادث تحطم طائرة([1]).
جدير بالذكر أن هذا التحالف ساعد تشاكويرا في الفوز في الانتخابات الرئاسية الماضية بعد إعادتها عام 2020م، فهذا الانسحاب من المتوقع أن يؤثر بالسلب على حظوظ تشاكويرا، وخاصةً إذا أقامت حركة التحول المتحدة تحالفًا آخر مع أحد المرشحين المنافسين له، كما يُعدّ الأداء الاقتصادي الضعيف، والمشكلات الاقتصادية في مالاوي أحد أبرز التحديات التي تُواجهه في الانتخابات المقبلة، ففي نوفمبر 2024م اندلعت احتجاجات عنيفة في العاصمة المالاوية “ليلونغوي” بسبب نقص الوقود والمواد البترولية. شهدت تلك الاحتجاجات اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي تعاملت مع هذه الاحتجاجات بشكل عنيف، رغم أن هذه الاحتجاجات حصلت على دعم أكثر من حزب سياسي معارض مثل حركة التحول المتحدة (UTM) التي كان يجمعها تحالف مع حزب المؤتمر الحاكم حاليًّا([2])، ومن المرجّح أن يكون لهذه المشكلات الاقتصادية تأثير سلبي على حملة الرئيس لازاروس تشكاويرا وحزبه في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
ومن أبرز المرشحين للانتخابات المقبلة: بيتر موثاريكا الرئيس السابق لمالاوي البالغ من العمر 84 عامًا، والذي نجح في الحصول على دعم حزب التقدم الديمقراطي (DPP) للترشح للانتخابات المقبلة. يُذْكَر أن موثاريكا قد خسر الانتخابات الرئاسية أمام تشاكويرا بعد أن قامت المحكمة الدستورية بإلغاء نتيجة انتخابات 2019م، وإعادتها عام 2020م، وكان لهذه الهزيمة تداعيات كبيرة على حزب التقدم الديمقراطي، والتي تمثلت في الانقسام داخل أروقة الحزب، مما أدَّى لعدة مواجهات إثر هذا الانقسام، وانتهت هذه المواجهات بطرد العديد من الأعضاء، وخاصةً الذين أرادوا تحدّي موثاريكا في رئاسته للحزب، مما مهَّد الطريق أمامه لأن يكون زعيمًا له، ويتمكن من أن يكون مرشّح الحزب في الانتخابات المقبلة.
من جهة أخرى، يسعى موثاريكا إلى تكوين تحالف مع حركة التحول المتحدة، بما قد يساعده في تعزيز فرصه بالفوز في الانتخابات المقبلة، لكنَّه سيواجه عدة تحديات، وفي مقدمتها أن حزب المؤتمر قد يجعل من العمر قضية انتخابية، وخاصةً أن تشاكويرا أصغر من موثاريكا بما يقارب 15 عامًا. كما أن إعلان حزب التقدم عن ترشح موثاريكا للانتخابات المقبلة أثار العديد من الانتقادات، والتي تتمثل في أن الحزب كان ينبغي عليه ترشيح زعيم أصغر سنًّا ليقود الحزب بجدارة وكفاءة في الاستحقاق الانتخابي القادم.([3])
كذلك قام حزب الشعب (PP) بتقديم جويس باندا كمرشحة له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي التي كانت تولت رئاسة مالاوي سابقًا منذ عام 2012م، وحتى 2014م، وقامت بالإعلان عن أكثر من محور لبرنامجها الرئاسي القادم، وأبرز هذه المحاور تمثلت في النهوض بالتعليم؛ حيث صرَّحت بأنها في حال نجاحها في الانتخابات المقبلة ستعمل على جعل التعليم الثانوي مجانيًّا لجميع مواطني مالاوي، كما أنها أشارت لمؤسستها التي قامت بتقديم المِنَح الدراسية لآلاف الطلاب خلال السنوات الماضية، وذلك في إشارة منها إلى الاهتمام بالنهوض بالتعليم، بالإضافة للتأكيد على التزامها تيسير نشر التعليم في جميع أنحاء مالاوي. مع تركيزها على استقطاب الأصوات النسوية، وذلك عن طريق تصريحاتها بإعادة إحياء برامجها الرئاسية التي أطلقتها خلال فترة توليها الرئاسة، وذلك في سبيل دعم قضايا تمكين المرأة، وذلك يظهر في تصريحها بأن “علينا أن ندعم بعضنا كنساء، وسأستمر في النضال من أجل تمكينكن”.([4])
تلك التصريحات تُوضّح محاولتها لجذب الأصوات النسوية في صفها، ورغم هذه المحاولات إلا أنها تُواجه عدة تحديات؛ أبرزها ضعف القاعدة الجماهيرية لحزبها مقارنةً ببعض الأحزاب الأخرى مثل حزب المؤتمر وحزب التقدم الديمقراطي([5])، وذلك بالإضافة لارتباط اسمها بأحد أكبر قضايا الفساد في مالاوي، والتي تُعرف بقضية كاش جيت، التي نهبت بها المليارات من خزائن الحكومة، ورغم نفي جويس باندا تورطها المباشر بها، إلا أن إداراتها واجهت العديد من الاتهامات بالفشل في التعامل مع هذه القضية. جدير بالذكر أن هذه القضية كثيرًا ما يستخدمها خصومها السياسيون كرمز لفشل قيادتها في التعامل مع أحد أكبر قضايا الفساد في تاريخ مالاوي.([6])
بالإضافة إلى إعلان حركة التحول المتحدة (UTM) عن تقديم مرشح لها بعيدًا عن أيّ تحالفات أخرى؛ حيث قررت أن تخوض هذه الانتخابات بشكل مستقل، وذلك بتقديمها لـ”داليستو كابامبي” زعيم الحركة مرشحًا عنها في الانتخابات القادمة. ويُذْكَر أن كامبامبي قد صرَّح عن ملامح برنامجه الانتخابي، والذي يتمثل في التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي للمواطن المالاوي، وكذلك العمل للقضاء على الفساد، وكان ذلك في البيان الانتخابي الذي أطلقه داليستو كابامبي بشكل يعكس الصورة القاتمة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مالاوي.([7])
ولا يقتصر المشهد السياسي على المرشحين السابقين فقط؛ حيث أعلن مايكل أوسي نائب رئيس مالاوي، وزعيم حزب “أوديا زاكي” عن نيته للترشح للانتخابات المقبلة. تجدر الإشارة أن حزب “أوديا زاكي عليبي ملاندو” من الأحزاب الحديثة في مالاوي، وحتى الآن لم يتسلم مايكل أوسي أوراق ترشُّحه بشكل رسمي من لجنة الانتخابات، تلك الخطوة التي قد تستمر حتى بداية يوليو القادم([8]).
بالإضافة إلى المرشح المستقل “ثوكو باندا”، وهو الذي أعلن بأنه مرشح رسمي في الانتخابات المقبلة، ويرى “ثوكو” أنه على الرغم من أن فرص فوزه في الاستحقاق الانتخابي القادم قد تبدو ضئيلة، إلا أن تبنّيه لحملة انتخابية قوية تنظيميًّا وقانونيًّا قد تُمكّنه من إحداث فارق لدى المواطنين.([9])
يتضح مما سبق أن المشهد السياسي يشهد حالة من الحراك الحيوي، وذلك في ظل تعدُّد المرشحين مما يزيد من المنافسة في الانتخابات القادمة، لا سيما مع تنافس رئيسين سابقين هما جويس باندا، وبيتر موثاريكا، بالإضافة لتشاكاويرا الرئيس الحالي، مما يعكس حدة الصراع بين النخب السياسية المالاوية في سبيل استعادة النفوذ، وعلى الرغم من ذلك، مازالت الأوضاع مستقرة نسبيًّا؛ حيث لا توجد توترات أمنية أو اضطرابات تُهدِّد المسار الانتخابي في الوقت الحالي.
ثانيًا: أهم محددات السلوك التصويتي للناخبين في انتخابات سبتمبر 2025م
يُمثل السلوك التصويتي للناخبين في مالاوي نتاجًا لتفاعل عدد من القضايا المؤثرة على حياة الناخبين، فقضايا مثل الوضع الاقتصادي، والقدرة على مكافحة الفساد، الذي يتفشى بها، ستكون أحد أبرز القضايا التي من الممكن أن تؤثر بشكل كبير على السلوك التصويتي في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
1-أثر الأوضاع الاقتصادية على خيارات الناخب المالاوي
تمر مالاوي بالعديد من التحديات، أبرزها التحديات الاقتصادية والتنموية، فخلال السنوات الثلاث الماضية انخفض دخل الفرد بها، وذلك كنتيجة مباشرة لزيادة معدل النمو السكاني بنسبة أكبر من معدل النمو الاقتصادي، بالإضافة لنقص النقد الأجنبي، وتفاقم عجز الموازنة، وتشير التقديرات أن عام 2024م شهد ارتفاع معدل الفقر ليصل إلى 71.2%، مدفوعًا بتباطؤ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي يُقدَّر بنسبة 1.8%، ومِن المتوقع بحسب تقرير البنك الدولي أن معدل الفقر سيزيد خلال العام الحالي بها، كما أن التغيرات المناخية الحادة من شأنها أن تعزز من التحديات السابقة مما يُعيق تعافي الاقتصاد المالاوي([10])، بالإضافة إلى أن مالاوي تأثرت بشكل كبير بظاهرة النينو التي تُحْدِث تغيرات مناخية حادة، مثل الجفاف الذي أدَّى لارتفاع كبير في معدل البطالة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 20%، مما يجعل نسبة كبيرة من مواطنيها يواجهون انعدام في الأمن الغذائي، وتقدر تلك النسبة بما يقارب ربع السكان. جدير بالذكر أن التنوع الاقتصادي أصبح ضرورة مُلِحَّة؛ لأن اعتماد مالاوي على القطاع الزراعي المعتمد على مياه الأمطار في الري، سيجعل التغيرات المناخية التي تكون أحيانًا في شكل موجات جفاف أكثر حدة في تأثيراتها السلبية([11]).
ومما سبق يتضح أن قضايا الاقتصاد والتنمية ستكون أحد أهم محددات السلوك التصويتي للمواطن المالاوي، وعلى ذلك فإنه من المرجح أن يقترن نجاح الرئيس القادم في الانتخابات، بمدى قدرته على صياغة خطة واضحة من شأنها أن تواجه التحدي السابق بشكلٍ فعَّال.
2-مكافحة الفساد كقضية مركزية في تحديد السلوك الانتخابي
تحتل مالاوي المرتبة 115 في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وذلك من أصل 180 دولة حول العالم، وذلك يعني أن الفساد يتفشَّى بشكل كبير بها حتى وإن لم تكن الدولة صاحبة المستوى الأعلى في انتشار الفساد بها إفريقيا، فمن شأن انتشار هذه الظاهرة أن يؤثر سلبًا على الاستفادة من الخدمات العامة، بما يُضْعِف ثقة المواطنين ببعض المؤسسات بها.
ونذكر أن مكتب مكافحة الفساد(ABC) ينشط في مالاوي منذ عام 1998م، والذي يقوم بجهود كبيرة في سبيل مكافحة هذه الظاهرة، فخلال السنوات الثلاثة الماضية قامت هذه الجهة بالتحقيق فيما يقارب 119 قضية فساد مع العديد من الشخصيات السياسية البارزة خلال تولّي مارثا تشيزوما رئاسة هذه الهيئة، وذلك في سبيل مكافحة كافة أشكال الفساد مثل الاحتيال والرشوة.([12])
ومما سبق يتضح أن قضية مكافحة الفساد، الذي ينتشر بشكل كبير مما يزيد من معاناة المواطن المالاوي، سيكون أحد أهم محددات السلوك التصويتي للناخبين. وتجدر الإشارة إلى أن ارتباط اسم بعض المرشحين بقضايا فساد مشهورة سيؤدي بالتأثير سلبًا على هذا المرشح في الانتخابات المقبلة، مثل قضية كاش جيت التي حدثت في عهد جويس باندا، مما يُحتّم عليها أن تضع خطة قوية وواضحة في برنامجها الانتخابي لمكافحة الفساد، بما يتضمن تمكين هيئات مكافحة الفساد للعمل على نطاق أوسع في سبيل القضاء على هذه الظاهرة.
ثالثًا: التحديات الراهنة التي تُواجه الانتخابات الرئاسية في مالاوي
تُواجه مالاوي جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تثقل كاهلها، وتؤثر على استقرارها، وتزيد من معاناة الشعب، ما يجعل انتخابات 2025م محطة حاسمة تحمل في طياتها الأمل للمواطنين في معالجة الأزمات الاقتصادية، والتحديات الاجتماعية التي يعانون منها.
وعلى الرغم من ذلك تُواجه هذه الانتخابات جملةً من التحديات تتعلق بضعف البنية التحتية، وتراجع معدلات تسجيل الناخبين، وتفاوت فرص التنافس بين الأحزاب، الأمر الذي يضع مستقبل العملية الانتخابية نفسها أمام اختبار حقيقي على قدرتها في إحداث التغيير الذي يُلبِّي طموحات المواطن، ومن أبرز هذه التحديات الآتي:
1-التحديات اللوجستية والتنظيمية
تتمثل هذه التحديات في ضعف شبكة الطرق، وتهالك بعضها في أكثر من منطقة في مالاوي، والتي قد تَحُدّ من قدرة وصول الناخبين لأماكن تسجيلهم، وللجانهم الانتخابية، فعلى سبيل المثال نجد أن طريق قرية تشيجواجا الواقعة غرب بلانتاير، يتسم بالوعورة وممتلئ بالصخور الحادة، مما يزيد من مخاطر السفر عليه، وكذلك يعاني سكان أكثر من منطقة من الطرق المتهالكة والخطرة، مثل سكان منطقة مانيووي، ومنطقة مباياني.([13])
بالإضافة إلى أن عمليات تسجيل الناخبين تُواجه عدة صعوبات لوجستية؛ مثل: تأخر وصول المواد اللازمة للتسجيل في بعض المراكز، بالإضافة للانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وكذلك وجود عدة أعطال فنية في نظام تسجيل الناخبين.([14])
2-تراجع معدلات تسجيل الناخبين
يبلغ عدد المواطنين المؤهلين للانتخابات في مالاوي ما يقارب 10.9 مليون مواطن، وحتى الآن لم يتم تسجيل سوى 7.2 مليون ناخب، بنسبة تمثل 65.7% من إجمالي عدد المواطنين المؤهلين للانتخابات. ويمكن تفسير تراجع معدل تسجيل الناخبين إلى التحديات اللوجستية السابق ذِكْرها، بالإضافة إلى عزوف شريحة كبيرة من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، بما يعكس حالة الإحباط المتفشية بينهم بسبب وعود الحملات الانتخابية الكثيرة غير المنجزة، وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كذلك([15]).
3-التفاوت في تمويل الأحزاب السياسية، وضعف تمويل منظمات المجتمع المدني
تعاني الأحزاب السياسية من عدم كفاية التمويل الحكومي، مما يُعزّز من الحملة الانتخابية للحزب الحاكم مقارنة بباقي الأحزاب، أما عن منظمات المجتمع المدني فإنها تمارس دورًا محوريًّا في القيام بالعديد من الحملات التثقيفية للناخبين، إلا أنها تواجه قيودًا خاصة بالتمويل مما يَحُدّ من دورها في هذا الصدد([16])، بما يُشكِّل تحديًا يتمثل في إثارة الشكوك حول نزاهة هذه الانتخابات، بالإضافة أن غياب الحملات التثقيفية للمواطنين قد يؤثر بالسلب على نِسَب المشاركة في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
رابعًا: مسار الانتخابات الرئاسية، والسيناريوهات المتوقعة في ظل التحولات السياسية الراهنة
تتَّجه الأنظار للكيفية التي ستتشكل بها خريطة المنافسة بين القوى والتيارات السياسية المختلفة، وذلك في ظل العديد من التحولات السياسية التي تشهدها مالاوي، أبرزها انهيار بعض التحالفات السياسية القديمة، وتراجع ثقة الشعب في بعض القوى السياسية.
ومما سبق يظهر عدد من السيناريوهات المحتملة التي ستحدد ملامح الاستحقاق الانتخابي القادم، سواء من خلال ظهور تحالفات جديدة، أو صعود محتمل لبعض القوى السياسية الجديدة، ومن أبرز هذه السيناريوهات ما يلي:
1-تمكُّن لازاروس تشاكويرا مرشح حزب المؤتمر (MCP) من الفوز بولاية ثانية
على الرغم من تفكك تحالف TONSE؛ إلا أن تشاكويرا ما يزال يمتلك فرصة واقعية للفوز بولاية ثانية، وذلك لعدة أسباب؛ من أهمها: عدم ظهور تحالف حزبي ضده حتى الآن، وفي حالة تقديم حركة التحول المتحدة لمرشح عنها ستنقسم الأصوات المؤيدة للمعارضة بين حزب التقدم وحركة التحول، بمعنى عدم وجود توحيد في الأصوات ضد حزب المؤتمر، مما يُعزّز من فرصة تشاكويرا، إلا أنه في حالة نجاح موثاريكا في تكوين تحالف حزبي أكبر ضده، فمن شأن ذلك أن يمثل أحد أكبر التحديات أمام تشاكويرا.
كما أنه يواجه جملة من التحديات تتمثل في تراجع الثقة الشعبية فيه نتيجة التدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، بالإضافة إلى أن انهيار تحالف TONSE يُمثّل نوعًا من العزلة السياسية المفروضة عليه، مما يُقلّل من فُرَصه في الفوز بولاية ثانية.
2-محاولة مرشحة حزب الشعب (PP) جويس باندا استعادة نفوذها السياسي
تُعدّ جويس باندا أحد أبرز الشخصيات السياسية في مالاوي، فهي تمتلك رصيدًا سياسيًّا وتاريخيًّا؛ نظرًا لكونها رئيسة سابقة، مما قد يجذب إليها العديد من الأصوات، بالإضافة إلى احتمالية جذبها للأصوات النسوية عن طريق اهتمامها بقضايا تمكين المرأة، مما يجعل فوزها في الاستحقاق الرئاسي القادم محتملاً وإن كان ضعيفًا؛ وذلك بسبب ارتباط فترة حكمها بقضية “كاش جيت” أحد أبرز قضايا الفساد في مالاوي، مما يؤثر بالسلب على فرصها في الفوز بالرئاسة، وهو الأمر الذي يتطلب منها إقامة تحالف حزبي يساعدها على تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة، بما يُعزّز من فرص فوزها.
3-تمكّن بيتر موثاريكا مرشح حزب التقدم الديمقراطي (DPP) من تحقيق الفوز في الانتخابات القادمة
في الحديث عن المسارات المحتملة للانتخابات لا يمكن تجاهل أحد أهم المرشحين لهذه الانتخابات، والذي كان رئيسًا سابقًا لمالاوي، وسيتوقف هذا السيناريو على مدى قدرة حزب التقدم الديمقراطي على تقديم برنامج يستقطب المواطنيين في مالاوي، ويُعبِّر عن طموحاتهم، وخاصة الاقتصادية منها والاجتماعية.
وبحسب أكثر من استطلاع رأي تم إجراؤه إلكترونيًّا عبر الإنترنت، نفَّذه كلّ من Malawi24، وMaravipost عن الفائز المحتمل في الانتخابات الرئاسية القادمة في مالاوي. أظهر استطلاع الرأي الأول تقدم بيتر موثاريكا بإجمالي 19 ألف صوت، كما أظهر استطلاع الرأي الثاني تصدر بيتر موثاريكا أيضًا قائمة المرشحين، وبالطبع لا تُعبِّر هذه الاستطلاعات عن مجموع أصوات الناخبين، إلا أنها تحاول تقديم تقييم للوضع السياسي، والآراء المختلفة للناخبين([17]).
4-نجاح حركة التحول المتحدة (UTM) ومرشحها داليستو كابامبي في استقطاب الناخب المالاوي
بعد انتخاب داليستو كابامبي زعيمًا للحركة خلفًا لتشيليما، قد تسعى الحركة للاستفادة من القاعدة الجماهيرية التي كانت للزعيم السابق وللحركة نفسها بين الشباب المالاوي، وخاصةً أن فئة الشباب تُشكّل نسبة كبيرة من إجمالي الناخبين، وتلك الاستفادة ستكون عن طريق تقديم مرشح يُلبِّي طموحات المواطنين، ويمثل لهم بديلاً قويًّا يمكنه معالجة التحديات التي تواجههم، وبالفعل قامت الحركة بتقديم زعيمها الجديد داليستو كابامبي، كمرشح في الاستحقاق الرئاسي القادم، والذي سبق أن تولَّى مناصب مهمة مثل محافظ بنك الاحتياطي المالاوي سابقًا، وهو ما يؤكد على خلفيته الاقتصادية التي ستُمكّنه من التعامل مع أحد أبرز التحديات التي تواجه مالاوي، وهي التحديات الاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، وهي التحديات التي تعهَّد كمبامبي بمعالجتها لتوفير حياة أفضل للمواطن المالاوي، وهي العوامل والمحددات المؤثرة بالفعل في توجهات المواطن المالاوي كما سبق أن ذكرنا، بما يجعل نجاحه أحد المسارات المحتملة لهذه الانتخابات.
5-صعود مرشح مستقل خارج الأطر الحزبية التقليدية
يتطلب هذا الصعود أن يكون لدى المرشح برنامج انتخابي قوي ينطوي على حلول واقعية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن المالاوي، ويدعم هذا السيناريو، تراجع الثقة الشعبية في بعض المرشحين الآخرين، بما قد يجذب العديد من الأصوات التي تبحث عن مرشح بديل خارج الأطر الحزبية التقليدية، إلا أنه يواجه جملة من التحديات مثل محدودية الموارد المالية مقارنة بالمرشحين الآخرين، وكذلك الافتقار لكتلة حزبية تدعمه في مراكز الاقتراع، وعلى الرغم من واقعية هذا السيناريو وحضوره في المشهد الانتخابي فإن فرص تحققه تبقى محدودة في ظل الأوضاع الراهنة. ونذكر أن ثوكو باندا هو أحد أبرز المرشحين المستقلين في الانتخابات حاليًّا.
خاتمة:
تعكس هذه الانتخابات، ملامح مشهد سياسي معقّد يتَّسم بتداخل الحسابات الحزبية، وتراجع الثقة الشعبية، مما يجعلها اختبارًا حقيقيًّا لقدرة التيارات السياسية على استعادة الثقة، فبين طموحات الرئيس الحالي في ولاية ثانية، ومحاولات المعارضة لاستعادة النفوذ عبر التحالفات الحزبية، تظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية حجر عثرة أمام أيّ مشروع إصلاحي جادّ، وتوضح المؤشرات أن حسم نتائج هذه الانتخابات لن يكون رهينًا بصناديق الاقتراع فحسب، بل سيكون مرهونًا أيضًا بقدرة المرشحين على تقديم حلول واقعية تلامس معاناة المواطن المالاوي، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ومكافحة الفساد، وبذلك تمثل هذه الانتخابات مفترق طرق، فإما أن تؤدي لوضع حلول فعَّالة للتحديات التي تواجه البلاد، بما يُعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، أو تؤدي لتعميق حالة الإحباط وتراجع الثقة بينهما.
……………………………………..
[1] Reuters, Malawi President Chakwera secures his party’s support for second term bid, Acceessed on 18 June 2025. https://shorturl.at/R00Eu
-[2] قراءات إفريقية، احتجاجات مناهضة للحكومة في مالاوي بسبب نقص الوقود، تاريخ النشر 26 نوفمبر 2025م، تاريخ الوصول 18 يونيو 2025م.https://shorturl.at/2e8BQ
[3] Peter Jegwa, Natasha Booty, Malawi ex-president plots comeback in next election, BBC, Acceessed on 18 June 2025. https://shorturl.at/mUmSe
Frank Phiri, Malawi’s main opposition endorses ex-president Mutharika to run in 2025, Reuters, Acceessed on 18 June 2025. https://shorturl.at/8mIVC
[4] Folaranmi Ajayi, Malawi: Joyce Banda Reaffirms Free Secondary Education Promise Ahead of 2025 Elections, Africa Edu Times, Acceessed on 18 June 2025. https://shorturl.at/gO60d
[5] Rick Dzida, Joyce Banda: Another reckoning force in the 2025 presidential race, Malawi24, Acceessed on 18 June 2025. https://shorturl.at/ON7AT
[6] All Africa, Malawi: Is Joyce Banda the Right Leader for People’s Party’s 2025 Aspirations Amid Cashgate Shadow? Acceessed on 18 June 2025. https://rb.gy/kjnxru
[7] Burnett Munthali, UTM President Dalitso Kabambe promises radical political reforms in Malawi, Malawi24, Accessed on 19 August 2025. https://shorturl.at/yprk7
[8] Maphatso Kutcha Richard, Odya Zake to contest in September polls, Malawi24, Accessed on 19 June 2025.
[9] Eric Chiputula, Thoko Banda vows surprise victory in September presidential polls, Malawi24, Acceessed on 19 June 2025. https://rb.gy/pqujv5
[10] World Bank Group, The World Bank In Malawi, Acceessed on 19 June 2025. https://rb.gy/jh2u3z
[11] Joseph Siegle, Hany Wahila, Malawi: A Battle of Former Presidents as Citizens Seek Path to Reform, Africa Center For Strategic Studies, Acceessed on 19June 2025. https://rb.gy/8dsrgj
[12] Joseph Siegle, Hany Wahila, Malawi: A Battle of Former Presidents as Citizens Seek Path to Reform, IBID, Acceesswd on 19 June 2025.
[13] Archangel Nzangaya, Neglected for years, Chigwaja residents take road construction into their own hands, Malawi24, Acceessed on 19 June 2025. https://shorturl.at/gZ0Ag
[14] Burnett Munthali, MEC registers 2.5 million during phase 3 of voter registration, Malawi24, Acceessed on 19 June 2025. https://shorturl.at/AD9kA
[15] Tendai Mbanje, UP EXPERT OPINION: What the World Needs to Know About Malawi’s 2025 Elections, University of Pretoria, Acceessed on 19 June 2025. https://shorturl.at/hXA0r
[16] Tendai Mbanje, UP EXPERT OPINION: What the World Needs to Know About Malawi’s 2025 Elections, IBID, Acceessed on 20 June 2025