الأفكار العامة:
– جدَّد الرئيس باتريس تالون التزامه بعدم تعديل الدستور، معلنًا عن خليفته السياسي بعد عودته من الإجازة وعقب مشاورات داخلية.
– تم ترشيح روموالد واداجني، وزير الاقتصاد والمالية، لانتخابات 2026م بدعم من حزبي UPR وBR.
– يتمتع واداجني بخبرة واسعة في الاقتصاد الفرنسي والإفريقي، وشغل منصب شريك في “ديلويت” فرنسا عام 2012م عن عمر 36 عامًا.
– تولَّى حقيبة الاقتصاد عام 2016م، وأُعِيد تعيينه وزيرًا للدولة عام 2021م مع إضافة ملف التعاون الدولي إليه.
– قاد أول عملية تعبئة لأكثر من مليار دولار في الأسواق الدولية سنة 2025م، وساهم في إعادة هيكلة ديون بنين، وتحقيق نمو اقتصادي مشهود له.
– تالون، الساعي لاستمرارية نَهْجه، يرى في واداجني الخيار الأمثل لقيادة المرحلة المقبلة.
– يرى البعض أن خطورة هذا الخيار تكمن في احتمال نشوء توترات بين النخبة التكنوقراطية والشرعية الشعبية، وبين الخلافة المفروضة وغموض نتائج الاقتراع الديمقراطي.
بقلم: إيزيدور كوونو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
أكَّد الرئيس البنيني باتريس تالون مرارًا التزامه بعدم السعي لتعديل الدستور بهدف الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وكرَّس هذا التعهُّد بالكشف عن خليفته السياسي بعد سلسلة من المشاورات داخل دائرته المقربة، فور عودته من إجازته.
وقد تم تقديم روموالد واداجني، وزير الاقتصاد والمالية، مرشحًا للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2026م مِن قِبَل ائتلاف الحركة الرئاسية، المُكوَّن من “الاتحاد التقدمي للتجديد” (UPR) و”الكتلة الجمهورية” (BR). ويُقال: إن هذا الاختيار تم بإجماع قادة الائتلاف الذين لا يزالون مُلتفّين حول دلفين تالون.
ووصف برونو هويسو، الباحث في مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية بجامعة أبومي-كالافي، القرار بأنه “خطوة سياسية ذات دلالة كبيرة”، مشيرًا إلى أن اسم واداجني كان مطروحًا منذ مدة ضمن دوائر السلطة، قبل أن يَحْظَى بإجماع الحركة الرئاسية، ممَّا يُعزّز صورته كخليفة موثوق به للرئيس المنتهية ولايته.
ويرى هويسو أن مثل هذا التوافق السياسي على مرشح واحد يُعدّ أمرًا نادرًا في الحياة السياسية البنينة، ما يعكس درجة عالية من الانضباط داخل الأغلبية الحاكمة، رغم المخاوف من تمركز مفرط للسلطة قد يُهدِّد بتصدُّعات مستقبلية داخلها.
وبهذا الترشيح، ينتقل روموالد واداجني، المعروف بخبرته التقنية وتعامله مع المؤشرات الاقتصادية والأسواق المالية الدولية، إلى ساحة العمل السياسي المباشر؛ حيث سيكون أمامه تحدّي تلبية التطلعات الاجتماعية لشعب بنين خلال السنوات الخمس القادمة، في حال انتخابه في أبريل 2026م.
من هو روموالد واداجني؟
روموالد واداجني، البالغ من العمر 49 عامًا، وُلِدَ في مدينة لوكوسا جنوب غرب بنين. يُعدّ من أبرز الوجوه التكنوقراطية في البلاد، ويتميّز بمسيرة أكاديمية ومهنية حافلة؛ حيث تخرَّج من كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، ومن جامعة غرونوبل الفرنسية، وتلقَّى تدريبًا متخصّصًا في المحاسبة القانونية ورأس المال الاستثماري.
بدأ مسيرته المهنية في عام 1998م مع شركة “ديلويت” العالمية للتدقيق، أولًا في فرنسا، ثم في الولايات المتحدة عام 2003م. خلال هذه الفترة، اكتسب خبرة دولية واسعة في مجالات متعددة، من بينها التعدين، الاتصالات، القطاع المالي، القطاع العام، إضافةً إلى تقديم المشورة لحكومات ومؤسسات تمويل دولية.
في عام 2012م، وفي سن 36 عامًا فقط، تمَّت ترقيته إلى شريك داخل ديلويت-فرنسا، بفضل كفاءته العالية وفهمه العميق للتحديات الاقتصادية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا. لاحقًا، أوكلت إليه مهمة قيادة تطوير أنشطة الشركة في القارة الإفريقية.
قاد واداجني توسيع حضور “ديلويت” في إفريقيا، وأسهم في افتتاح فروع جديدة في كلٍّ من كينشاسا ولوبومباشي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما لعب دورًا محوريًّا في تعزيز أنشطة الشركة في دول مثل السنغال والغابون وكوت ديفوار.
تُبرز مسيرته مزيجًا نادرًا من الكفاءة الفنية، والخبرة الدولية، والفهم العميق للتحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، ما جعله لاحقًا خيارًا بارزًا على الساحة السياسية في بنين.
الملف الشخصي الذي أغرى باتريس تالون:
لم يكن بمقدور رئيس جمهورية بنين، “باتريس تالون”، مقاومة جاذبية الملف المهني المتميّز لروموالد واداجني منذ أول لقاء جمعهما خلال فعالية نظَّمها الشتات البنيني.
في عام 2016م، عيَّنه وزيرًا للاقتصاد والمالية، وكلَّفه بمهمة حسَّاسة تمثلت في “إصلاح المالية العامة” التي كانت تمرّ بمرحلة ركود حادّ، في انسجامٍ مع التوجُّه الإصلاحي الذي كان يتبنّاه تالون في بدايات ولايته.
سرعان ما أصبح تأثير واداغني ملموسًا؛ إذ لفتت بصمته الاقتصادية انتباه المانحين الدوليين، ما عزَّز ثقة الشركاء ببنين.
وفي مايو 2021م، جدَّد الرئيس ثقته به، فعيَّنه مجددًا في نفس المنصب، هذه المرة بصفة وزير دولة، مضيفًا إليه ملف التعاون الدولي.
وبعد عامين، توسَّعت صلاحياته بشكل أكبر؛ حيث أُسندت إليه مهام إضافية تتعلق بالإشراف على التعاون الدولي والمسائل الدفاعية، لا سيما تمويل وتأمين شمال البلاد في مواجهة التهديدات الإرهابية، مما كرَّسه كـ”رجل قوي” في الحكومة، بحسب توصيف بعض المراقبين.
بنين معروفة بشفافيتها المالية:
جعلت الإصلاحات الاقتصادية، التي قادها الوزير رو موالد واداجني، بنين في نهاية المطاف على مدى السنوات العشر الماضية تقريبًا، أول بلد إفريقي ناطق بالفرنسية يُعتَرف بشفافيته المالية، وفقًا للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا.
تُعدّ بنين أيضًا أول دولة إفريقية تجمع أكثر من مليار دولار في الأسواق الدولية في عام 2025م. قام واداجني أيضًا بوضع إستراتيجيات مكَّنت من هيكلة ديون بنين، مع نمو مطّرد يعترف به البلد اليوم.
الاستمرارية السياسية والاقتصادية:
إثر الإعلان عن اختيار روموالد واداجني مرشحًا للانتخابات الرئاسية، أُثيرت تساؤلات حول أسباب تفضيله على شخصيات أخرى مقربة من الرئيس باتريس تالون، على غرار جوزيف دجوغبينو، رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي طُرِحَ اسمه بدوره داخل دوائر القرار كخيار محتمل.
لكن تالون، الذي نجح في وضع بنين على مسار اقتصادي متماسك، يبدو أنه يسعى إلى ضمان استمرارية نهجه الإصلاحي من خلال دعم شخصية أثبتت كفاءتها في تنفيذ رؤيته. ويُنظَر إلى واداجني في أوساط النظام كرمز للانضباط والجدية والمصداقية.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يندرج ضمن إستراتيجية مدروسة لإدارة انتقال سلس للسلطة، قائمة على ترشيد الحكم وتثبيت أُسس الحكم الرشيد.
وفي السياق ذاته، صرّح بيو تشاني، وزير الدولة ورئيس الكتلة الجمهورية، أن واداجني مُؤهَّل لحمل شعلة إرث باتريس تالون، والمضي بها أبعد مما تحقق حتى الآن.
ويُعتبر الوزير الشاب من بين قلة من المقرّبين الذين احتفظوا بثقة الرئيس طيلة فترة ولايته، دون أن يتورطوا في ممارسات قد تُثير استياءه.
يمثل الوزير روموالد واداجني نموذجًا لجيل جديد من القيادات الإدارية، فهو تكنوقراطي ذو مسار مهني حافل على الصعيد الدولي. ويُنظَر إلى ترشيحه -وفقًا للباحث برونو هويسو-، على أنه مؤشر على الرغبة في تجديد النخبة السياسية وفتح المجال أمام وجوه جديدة، دون التفريط في استمرارية النهج التكنوقراطي الذي يطبع حكم باتريس تالون. وأضاف هويسو أن هذا الخيار يُعبِّر عن التمسك بالمكاسب الاقتصادية والمؤسسية المحققة في السنوات الماضية.
مع ذلك، يُواجه واداجني انتقادات اجتماعية مِن قِبَل المعارضة، خاصةً فيما يتعلّق بقدرته على التعامل مع الملفات الحساسة مثل ارتفاع الأسعار، البطالة، الحماية الاجتماعية، وتوزيع عوائد النمو. ويرى مراقبون أنه سيكون مُطالَبًا بـالانتقال من شخصية تكنوقراطية إلى رجل سياسة قادر على بناء قاعدة جماهيرية وحَشْد مختلف التيارات خلف مشروعه.
ويُطرح في هذا السياق خطر محتمل يتمثل في التوتر بين شرعية الأداء الإداري وشرعية التمثيل الشعبي، وكذلك بين الخلافة التي تُفرض من الداخل وعدم اليقين المرتبط بالعملية الانتخابية.
من جهة أخرى، يُتوقَّع أن يعلن الحزب المعارض الرئيسي “الديمقراطيون” عن مرشحه خلال الفترة المقبلة، استعدادًا للانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل 2026م، والتي تُفتح فيها فترة تقديم الترشيحات إلى اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (CENA) من 10 إلى 14 أكتوبر المقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: