وقَّعت تايوان وأرض الصومال في 24 يوليو 2025م، اتفاقية تعاونٍ بحرية، وُصِفَت بالتاريخية، جاءت بعد تنسيق مشترك وعمل تحضيري دام ثلاث سنوات، وذلك عبر اجتماعٍ عُقِدَ بين ممثلي تايوان وأرض الصومال عام ٢٠٢٢م، طرحت فيه رئيسة خفر السواحل التايواني السابقة، “تشو مي وو”، إمكانية التعاون البحري مع أرض الصومال.
وقد وُقِّعت الاتفاقية بحضور وزير خارجية أرض الصومال؛ “عبد الرحمن ضاهر آدم”، في زيارة له إلى تايبيه. تم التوقيع على الاتفاقية مِن قِبَل قائد خفر السواحل في أرض الصومال؛ “أحمد حر هاريي”، والمدير العام لإدارة خفر السواحل التايوانية؛ “تشانغ تشونغ لونغ”.
اعتُبرت هذه الاتفاقية تحوُّلًا سياسيًّا وإستراتيجيًّا يمكن أن يُؤثّر في الطبيعة الإقليمية لمنطقة القرن الإفريقي، وأنها قد تُمثِّل تحديًا إستراتيجيًّا للمصالح الصينية في تلك المنطقة؛ كونها تُؤثّر على إستراتيجيتها تجاه علاقاتها مع الصومال، ولاحتواء كلّ من تايوان وأرض الصومال.
على الجانب الآخر، تُعتبر هذه الاتفاقية بالنسبة للقوى الغربية المناهضة للسياسات الصينية في منطقة القرن الإفريقي بمثابة تحوُّلٍ داعمٍ لأرض الصومال كأحد حلفائها في مواجهة النفوذ الصيني ومبادرة الحزام والطريق الصينية، مما قد يُحوّل التجارة والاستثمار بعيدًا عن المشاريع المدعومة من الصين.
فقد أشارت هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين، وإعداد الكوادر البحرية، وتعزيز الأمن البحري والمناورات المشتركة، وتنظيم تبادل الزيارات الرسمية بين البحريتين في كلتا المنطقتين، والتعاون في عمليات الإنقاذ البحري ومكافحة تهريب السفن.
وندّدت السفارة الصينية في الصومال بهذا الاتفاق، معتبرةً أن هذه الخطوة تُمثّل “انتهاكًا صارخًا” لمبدأ “الصين الواحدة”، و”تعديًا على سيادة ووحدة أراضي جمهورية الصين الشعبية”؛ مشددةً على أن “تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ولا يمكن فَصْلها تحت أيّ ظرف من الظروف”.
لذلك، تطرح هذه الاتفاقية تساؤلاتٍ عدة حول طبيعة تأثيرها على شكل المصالح الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي، والسيناريوهات التي يمكن أن تترتب عليها، بالإضافة إلى طبيعة أهدافهما وأهميتها لكل من أرض الصومال وتايوان.
أولًا: شراكة غير رسمية تتجاوز الحدود
تتَّسم العلاقات بين تايوان وأرض الصومال بشراكة دبلوماسية غير رسمية لكنَّها متنامية، بين كيانين يتشاركان قضية السعي للاعتراف الدولي. فقد بدأت العلاقات بينهما رسميًّا في عام 2020م، عندما قرَّر الجانبان إنشاء مكاتب تمثيلية في عاصمتيهما. ففي فبراير من العام نفسه، وُضعت أُسس هذه العلاقات عقب اتفاقية وقَّعها وزيرا خارجيتهما آنذاك في تايبيه([1]). شكَّل هذا الحدث نقطة تحوُّل في علاقاتهما الدبلوماسية، وفي سعيهما المشترك للتغلُّب على تعقيدات الاعتراف الدولي بكلٍّ منهما ككيان مستقل.
وفي يوليو 2020م، أُعلن عن إقامة مكاتب تمثيلية متبادلة تعمل كبدائل للسفارات، مما يساعدهما على تجنُّب التعقيدات المرتبطة بالاعتراف الدبلوماسي الكامل([2]).
تعززت العلاقة بين الجانبين من خلال مظاهر الحضور الدبلوماسي والثقافي المتبادل، فمنذ إنشاء هذه المكاتب، شهدت العلاقات بينهما تطورًا في مجالات متعددة؛ مثل: التعليم، والزراعة، والطاقة، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وعلى المستوى الرمزي، استفادت أرض الصومال وتايوان من نظاميهما السياسيين؛ حيث تُقدِّم أرض الصومال نموذج “الديمقراطية الرعوية” التي تَمزج بين الحكم العشائري التقليدي والعمليات الديمقراطية([3])، بينما تُقدّم تايوان نفسها كمنارة للديمقراطية التقدمية في شرق آسيا، من خلال مجتمعها المدني الذي يُجسِّد نموذجًا سياسيًّا قائمًا على الحكم التشاركي، ويدعم جهود تايبيه المستمرة لتعزيز حضورها وعلاقاتها الدولية.
ولتدعيم العلاقات بينهما، قدّمت تايوان دعمًا تعليميًّا لأرض الصومال من خلال مِنَح دراسية تُمكِّن طلابها من الدراسة في المؤسسات التايوانية. ففي عام 2020م، قدّمت (17) منحةً تعليميةً في مجالاتٍ مثل الهندسة، والرعاية الصحية، والإدارة الطبية، وترشيد المياه، والزراعة، ثم ارتفع هذا العدد لاحقًا ليصل إلى (32) منحة في عام 2024م([4])، وهي مجالاتٌ حيويةٌ لتلبية احتياجات أرض الصومال.
كما سخّرت تايوان خبراتها لدعم قطاع الزراعة في أرض الصومال. ومن أبرز المشاريع: إنشاء مزارع تهدف إلى تعزيز الإنتاج وجودة المنتجات الزراعية المحلية؛ من خلال إدخال الممارسات والتقنيات الزراعية التايوانية المتقدّمة. كما حققت تايوان تقدُّمًا ملحوظًا في تعزيز البنية التحتية التكنولوجية لأرض الصومال. ففي مارس 2021م، وُقِّعت تسع عشرة اتفاقية تعاونٍ شاملةٍ في مجالات تكنولوجيا المعلومات، بهدف تطوير جهود التحول الرقمي الحكومي في أرض الصومال. ويشمل هذا المشروع تدريبًا مكثفًا للموظفين المحليين، وتحديث أنظمة إدارة الإنترنت لدعم مبادرات الحكومة الإلكترونية.
ورغم قلة توثيق هذه المبادرات، إلا أنها تهدف إلى بناء التفاهم والاحترام المتبادلين على المستوى الشعبي، مما يُرسِّخ الأساس غير السياسي لتفاعلاتهما. إلى جانب ذلك، نُظّمت معارض ثقافية بين الجانبين منذ عام 2023م، بمشاركة جامعات علمية من تايوان على رأسها جامعة تايبيه الطبية (TMU)؛ حيث عُرضت فيها العادات والتقاليد الشعبية لأرض الصومال.
تعكس هذه التحركات التي قامت بها تايوان منذ عام 2020م تجاه أرض الصومال الرغبة في إحداث توافق إستراتيجي لعلاقاتها الدولية عبر تقديم الدعم لتسهيل التعاون التنموي والتبادل الثقافي بوصفهما وسيلتين للحصول على الاعتراف، وفي إفريقيا يُجسِّد نهج تايوان، ولا سيما جهودها لتوسيع حضورها، تحوّلًا إستراتيجيًّا لتنويع علاقاتها الدولية والحد من عزلتها الدبلوماسية.
ثانيًا: أهمية الاتفاقية: تعزيز السيادة والحضور الدولي
تمثل هذه الاتفاقية بالنسبة للطرفين محاولةً هامةً لفرض واقعٍ جديدٍ في السياسة الدولية، قائمٍ على الاعتراف المتبادل بينهما؛ حيث تُضْفِي عليهما طابعًا رسميًّا قائمًا على الشراكة الإستراتيجية، وتُعزّز قدراتهما في مجال الأمن البحري والحضور خاصة على المستوى الجيوسياسي؛ لأن هذه الاتفاقية قد تفتح الباب أمام أطراف أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة وتوقيع مذكرات تعاون أو اتفاقيات مشابهة مع الطرفين.
يشمل الاتفاق مشاريع تنموية أخرى، مثل التعاون في المجال الزراعي، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية والتحول الرقمي، ما يُعزّز التنمية المستدامة لأرض الصومال. لذلك، ثمة مجموعة من المزايا التي تسعى كل من أرض الصومال وتايوان إلى تحقيقها من خلال هذه الاتفاقية على النحو التالي:
1-أرض الصومال: شراكات أمنية أوسع
يمكن لأرض الصومال الاستفادة من هذه الاتفاقية عبر تعزيز سيادتها البحرية من خلال تحسين قدرات خفر السواحل لديها، ومكافحة القرصنة، والصيد غير المشروع، والاتجار بالبشر، وإدارة مواردها البحرية بفضل الدعم الفني من تايوان. وذلك على النحو التالي:
–تطوير مشروعات الاقتصاد الأزرق: تهدف الاتفاقية إلى استغلال الإمكانيات البحرية لأرض الصومال، والتي تُقدر بأكثر من (200000) ألف طن من الأسماك سنويًّا، بالإضافة إلى استكشاف احتياطياتها غير المستغلة من المعادن والنفط([5]). وتُبدي تايوان اهتمامًا واضحًا بهذا النوع من الاستثمارات؛ حيث يُقدّر حجم اقتصادها الأزرق ومشروعاته الاستثمارية بأكثر من (19) مليار دولار، لذا، تسعى إلى تقديم خبراتها في إدارة مصائد الأسماك وتطوير البنية التحتية البحرية لتعزيز النمو الاقتصادي والتجارة، مما يسهم في خلق فرص عمل وتعزيز التنمية في أرض الصومال.
–إقامة تدريبات مشتركة: وذلك لتعزيز مكافحة القرصنة والأنشطة غير المشروعة، مثل الصيد غير المشروع، وتهريب الأسلحة في مياهها الإقليمية، لا سيما من جانب ما يُعرَف بـ”السفن الرمادية”، ممَّا يُعزّز قدرتها بشكل كبير على حماية شواطئها البالغ طولها )850) كيلو مترًا على خليج عدن([6])؛ حيث يُقدّر حجم الأنشطة غير المشروعة في مياهها الإقليمية بأكثر من (300) مليون دولار سنويًّا([7]).
–فتح الباب أمام مزيد من الاتفاقيات الدولية لدعم الاعتراف الدولي بها: رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي الرسمي بها، فإنها تسعى إلى تعزيز علاقاتها الخارجية، وتنمية شراكاتها الأمنية والاقتصادية؛ إذ تشير التقارير إلى رغبتها في عقد مزيد من الاتفاقيات الأمنية؛ حيث عرضت على الولايات المتحدة الأمريكية إقامة قاعدة عسكرية بالقرب من مضيق باب المندب، بالإضافة إلى صفقة معادن.([8])
2-تايوان: تعزيز الحضور الدبلوماسي
تمثل الاتفاقية البحرية لتايوان مع أرض الصومال خطوة إستراتيجية تُقدّم فوائد تتجاوز الأمن البحري؛ فهي تُعزّز حضورها الدبلوماسي، وتزيد من فرصها الاقتصادية، وتُجابه النفوذ السلطوي في منطقة ذات أهمية جيوسياسية. هذه الشراكة تُظْهِر قدرة تايوان على بناء تحالفات ذات مغزى رغم التحديات التي يفرضها وضعُها الدولي الفريد والسياساتُ الصينية تجاهها.
سعت تايوان إلى تعميق علاقاتها مع أرض الصومال كوسيلة لتحدّي النفوذ الصيني المتزايد في إفريقيا، لا سيما مع تكثيف بكين وجودها الدبلوماسي والاقتصادي في المنطقة. لذلك، تُعدّ هذه الاتفاقية وسيلة لموازنة الهيمنة الصينية، وتأكيدًا على التزام تايوان بتوسيع تحالفاتها غير الرسمية. وتكمن أهمية الاتفاقية بالنسبة لتايوان في تحقيق الأهداف التالية:
–التواجد بالقرب من الممرات البحرية الهامة: تهدف تايوان من خلال هذه الاتفاقية إلى تأمين وجود لها بالقرب من مضيق باب المندب، مما يمنحها نفوذًا إستراتيجيًّا، لا سيما أن المضيق يَمُرّ عَبْره ما يزيد على اثني عشر بالمئة (12%) من حجم التجارة العالمية. وإلى جانب ذلك الخروج من العزلة السياسية التي تفرضها عليها الصين عليها.([9])
-بناء تحالفات جديدة من خلال الدبلوماسية الرمزية: تُعزّز الاتفاقية هوية تايوان بوصفها ديمقراطية مزدهرة اقتصاديًّا ومستعدة لدعم كيانات أخرى تشترك معها في القِيَم. وهذه الدبلوماسية الرمزية تساعد تايوان على ترسيخ أهميتها الدولية رغم محدودية الاعتراف الرسمي بها؛ حيث تُروِّج لنفسها بوصفها واحةً للديمقراطية في ظل الضغوط التي تمارسها الصين عليها، وهي في ذلك تتشابه مع رؤية أرض الصومال التي تروّج لنفسها أيضًا كراعٍ للديمقراطية في منطقة تعاني من تحديات أمنية وغيابٍ للقيم الديمقراطية.
ويُنظر إلى هذه الاتفاقية على أنها وسيلة لتعزيز علاقاتها مع القوى التي تشاركها القِيَم والأهداف السياسية، من خلال توسيع تحالفاتها الدبلوماسية غير الرسمية، وتأكيد سيادتها بمعزل عن الاعتراف الرسمي. وبذلك، تُظهر تايوان قدرتها على الصمود أمام الضغوط الدبلوماسية الصينية وتعزز قدرتها على فتح آفاق للتعاون متعدد الأطراف مع دول ديمقراطية أخرى مثل الولايات المتحدة، مما يعزز مكانتها الدولية.([10])
–الاستفادة من الفرص الاقتصادية: تهدف تايوان من خلال هذه الاتفاقية إلى الاستفادة من الموارد الطبيعية التي تتمتع بها أرض الصومال، وخاصةً في مجال مصائد الأسماك والمعادن، مما يُعزّز حضورها في سلاسل التوريد العالمية للطاقة والمعادن الإستراتيجية، عبر الوصول التجاري إلى ميناء بربرة الذي يمثل أحد أهم مرافق البنية التحتية على ساحل أرض الصومال.
–نقل التكنولوجيا وبناء القدرات: تتضمن الاتفاقية بنودًا تنص على نقل التكنولوجيا وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يتيح لتايوان إبراز تقدُّمها التكنولوجي، وفي الوقت ذاته مساعدة أرض الصومال على بناء قدراتها الدفاعية البحرية. وهو ما يعزّز سُمعة تايوان بوصفها مزودًا للحلول المتقدمة في الأمن والتنمية.
ثالثًا: انعكاس الاتفاقية على منطقة القرن الإفريقي: خطوة إستراتيجية تثير ردود فعل متباينة
تعاني كلّ من أرض الصومال وتايوان من غياب الاعتراف الدولي بهما؛ حيث تخضع قضيتهما للمواءمات والمصالح الدولية. لذلك، تَعتبر كلّ من هرجيسا وتايبيه هذه الاتفاقية تتويجًا جديدًا لسعيهما نحو الشرعية السياسية الدولية. وتمثل بالنسبة لأرض الصومال تأكيدًا على مبدأ استقلالها المعلَن عن الصومال منذ عام 1991م، وعلى ابتعادها عن توجهات مقديشيو السياسية، أما بالنسبة لتايوان فإنها بمثابة مناورة سياسية لمواجهة الصين في منطقة جيوسياسية هامة تَعتبرها بكين جزءًا مؤثرًا في مصالحها الإستراتيجية.
وتتعدد الاتجاهات والآراء تجاه السيناريوهات المتوقعة لهذه الاتفاقية وجدواها لمصالح الأطراف الدولية المتعددة في القرن الإفريقي. حيث يرى (الاتجاه الأول) أنها تُمهِّد الطريق لتحالفات جديدة، وتدعم سياسات تايوان لبناء تحالفات مع دول ديمقراطية أخرى، وبخاصة القوى الغربية المناوئة للصين، لتعزيز شرعيتها الدبلوماسية وضماناتها الأمنية.
يستند هذا الاتجاه إلى أن الاتفاقيات التي وقَّعتها تايوان وأرض الصومال منذ عام 2020م جاءت بدعم أمريكي غربي واضح قائم على مساندة الحكم الذاتي في كلتا المنطقتين، وإيصال رسالة إلى بكين مفادها أن الغرب قادر على بناء شراكة واسعة مع تايوان بشكل غير مباشر. وهو ما يُظْهِر قدرة هذه القوى على مواجهة الصين في القرن الإفريقي، في ظل التقارير التي تشير إلى أن أرض الصومال قدَّمت عرضًا للولايات المتحدة يتضمَّن إقامة قاعدة عسكرية وصفقة معادن مقابل الاعتراف بها.
بينما يرى (الاتجاه الثاني) أنها لن تُترجَم واقعيًّا إلى مشاريع ذات جدوى للطرفين؛ حيث لن تمنح الطرفين، وبخاصة تايوان، سوى ميزة دبلوماسية محدودة، وستبقى بعيدة عن المسار السياسي الدولي، خاصةً أن أولويات أرض الصومال تنموية في الأساس، لا سيما في مجالات تعزيز الخدمات اللوجستية لميناء بربرة، وهو ما قد تجد تايوان صعوبة في تحقيقه بفاعلية تضمن لها شراكة أوسع في ظل وجود مصالح لقوى أخرى أكثر نفوذًا سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي.
وبالإضافة إلى هذه الآراء، فإن هذه الاتفاقية تُعمِّق المنافسة الجيوسياسية في المنطقة؛ حيث تبدي بعض الأطراف انخراطًا حذرًا في تعاملها مع قضية أرض الصومال، فبينما تُظهر الولايات المتحدة دعمها لأرض الصومال، فإنها في الوقت ذاته تُفضِّل التعامل مع الصومال المُوحَّد وإبقاء هذه القضية مُعلَّقة دون حلول جذرية للاستفادة من الطرفين([11])، في حين تتخذ أطراف أخرى، مثل الصين، إجراءات حازمة للتصدي للتوسع الدبلوماسي التايواني. وبناءً على ذلك، ثمة مجموعة من السيناريوهات المحتملة التي قد تُسْفِر عنها هذه الاتفاقية، وهي على النحو التالي:
1-إعادة رسم خطوط التنافس الإقليمي والدولي في القرن الإفريقي: قد تنشئ الاتفاقية خطّ صدعٍ جديدًا في القرن الإفريقي، تتشابك فيه نزاعات السيادة مع المنافسة الإستراتيجية الأوسع بين الولايات المتحدة والصين. وقد يؤدي الاتفاق إلى ربط نزاع السيادة المحلي بين مقديشو وهرجيسا بالصراع الإستراتيجي الأكبر بين الولايات المتحدة والصين، وقد يصبح مضيق باب المندب ساحةَ تنافسٍ مباشرٍ بين محور يضم (تايوان – أرض الصومال – دعم أمريكي وغربي ضمني) ومحور آخر يضم (الصين – الصومال). ([12])
ويتقاطع هذا الاتفاق مع تداعيات مذكرة التفاهم المُوقَّعة بين إثيوبيا وأرض الصومال عام 2024م، والتي نصّت على اعتراف أديس أبابا المحتمل بهرجيسا، وذلك في إطار سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري في القرن الإفريقي([13])، لكنّ هذا الاتفاق، في الوقت ذاته، يُعزّز مخاوف جيبوتي التي ترى في صعود ميناء بربرة تهديدًا لهيمنتها على تجارة إثيوبيا.
2-تعزيز جهود تايوان وأرض الصومال في مساعيهما نحو الاعتراف الدولي: قد تسهم الاتفاقية في تجسيد مبدأ السيادة لكل من تايبيه وهرجيسا، مما يزيد من قدرتهما على إقامة اتفاقيات وعلاقات تعزز التعاون الأمني والتبادل التقني إلى جانب المشروعات الاقتصادية؛ أي أن مثل هذه الاتفاقيات تُسهم في إرساء معالم دولتين قائمتين بحكم الأمر الواقع؛ حيث تمنح الاتفاقية تايوان موطئ قدم إستراتيجيًّا عند ممر بحري يمر عبره نحو اثني عشر بالمئة (12%) من تجارة العالم، بالقرب من قاعدة الصين العسكرية في جيبوتي.
ويسعى كلا الجانبين (أرض الصومال وتايوان) إلى تقديم أنفسهما كطرفين داعمين للسياسات الأمريكية والغربية المناوئة للصين في منطقة القرن الإفريقي. ففي حين رسّخت بكين حضورًا قويًّا في جميع أنحاء القارة الإفريقية عبر مبادرة الحزام والطريق ومن خلال سياساتها العسكرية، فإن مواقفهما تتيح للولايات المتحدة والغرب فرصًا لمواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا.([14])
3- رد فعل صيني صومالي منسّق: قُوبِلَت الاتفاقية بإدانات شديدة من جانب كلٍّ من الصين والصومال؛ إذ تعتبرها بكين تحديًا لمصالحها في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، لا سيما أنها قد تناوئ مشروع الحزام والطريق(*).
وكذلك، قد تلجأ الصين إلى سحب استثماراتها من أرض الصومال للضغط على وضعها الداخلي، وستدعم بكين موقف مقديشيو في تكثيف جهودها الدبلوماسية للتصدي للاتفاقية، بما في ذلك منع حاملي جوازات السفر التايوانية من دخول أراضيها؛ حيث ترى مقديشيو أن أيّ اتفاق أجنبي تُبرمه هرجيسا دون موافقتها يُعدّ تعديًا على سيادتها. لذلك، وصفت الاتفاق بأنه “انتهاك صارخ” لوحدة أراضيها.
وختامًا، يمكن القول: إن هذه الاتفاقية البحرية بين تايوان وأرض الصومال تمثل رسالة سياسية موجهة إلى القوى الدولية، وعلى رأسها الصين، مفادها أن الكيانات غير المعترَف بها رسميًّا قادرة على بناء شراكات دولية ذات مغزى.
ورغم التهديدات المحيطة بها، فإن هذه الاتفاقية قد تُشكِّل بوابة لتحالفات جديدة، وتعيد رسم خريطة النفوذ الدولي في منطقةٍ تُعدّ من أكثر المناطق حساسيةً من الناحية الجيوسياسية في العالم. فالاتفاقية لا تُعزّز فرص إقامة تحالف إستراتيجي فحسب، بل تعمل أيضًا بوصفها محفزًا لتحولات أوسع، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات وإعادة تشكيل المشهد الإستراتيجي للمنطقة.
ويوضح تحليل SWOT التالي مدى جدوى هذه الاتفاقية:
(من إعداد الباحث)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
[1]– تايوان ترحب بعلاقاتها الدبلوماسية مع أرض الصومال والصين تعترض، قراءات صومالية، 2 يوليو، 2020، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/oMpH9
[2]– عبد الرحمن حسن، تايوان وأرض الصومال والصراع الدولي حول القرن الإفريقي، أفريكا برس، 2021-04-10، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/njAaP
[3]– صبري عفيف، التجربة الديمقراطية في “أرض الصومال”.. دراسة تحليلية في البناء السياسي والتحديات – (1991– 2025)، مجلة بريم، (عدن: مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، العدد (15)، مايو/ حزيران (2025) ص21.
[4] Taiwan Awards Scholarships to 32 Somaliland Youths for University Education, Horn Observer, 18 August 2024,at: https://shorturl.at/5SvJw
[5] The Taiwan-Somaliland Pact: A New Geopolitical Flashpoint in the Horn of Africa, Horn Diplomat, July 30, 2025,at: https://shorturl.at/q1ait
[6] Taiwan and Somaliland Sign Historic Coast Guard Deal to Boost Maritime Security and Blue Economy, Somali Magazine, July 25, 2025,at:https://shorturl.at/iAvBZ
[7] Vladyslav Bondarenko, Somalia’s coastal crisis: Voices from the edge of the sea, Global Voices,22 June 2025,at:https://shorturl.at/4D8j0
[8] Taiwan, Somaliland, and the Era of Illiberal Globalization, Saxafi Media, August 2, 2025,at: https://shorturl.at/9vwpu
[9] Beyond Non-Recognition: How Taiwan–Somaliland maritime pact challenges diplomatic norms amid global hegemonies, Addis Standard, August 4, 2025,at:https://shorturl.at/q2ZZv
[10] idem.
[11]– محمد عبد الكريم، الولايات المتحدة وأرض الصومال: في انتظار جودو!، مصر360، -28 أبريل 2025، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/FlHOm
[12] The Taiwan-Somaliland Pact: A New Geopolitical Flashpoint in the Horn of Africa, Horn Diplomat, op.cit.
[13]– أحمد عسكر، ّ قراءة أولية في اتفاق إثيوبيا و”أرض الصومال”، تقديرات إستراتيجية (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يناير 2024) ص3.
[14] Mariam Robly, The Strategic Implications of Somaliland’s Recognition: A Comprehensive Analysis, Somaliland Chronicle ,December 20, 2024,at:https://shorturl.at/D5c4Q
* – يهدف التحالف الأمريكي مع أرض الصومال إلى خدمة المصالح الأمريكية الحاسمة في الحفاظ على التوازن الإقليمي ومنع هيمنة الصين على الطرق البحرية الحيوية.