تشغل منطقة شرق الكونغو الديمقراطية حربٌ تدور رحاها دون انقطاعٍ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، تتراوح صورها بين الحرب الساخنة والمباشرة، والحرب بالوكالة، وترجع مُحفّزاتها الأولى إلى حرب الكونغو الأولى (1996- 1997م)، والثانية خلال (1998- 2003م).
وهي حرب لم تُنهها محاولات إرساء السلام والتسوية سواء بتوقيع وقف إطلاق النار بين الطرفين وانسحاب القوات الرواندية في 2003م، أو بتوقيع اتفاق سلام يُتيح تفكيك حركة 23 مارس مقابل إعادة دمجها داخل الجيش الوطني الكونغولي في 2013م؛ حيث عادت حركة 23 مارس في ديسمبر 2021م بقوة متصاعدة، وبلغت أشدّها بحلول يناير 2025م؛ حيث استولت الحركة في 27 يناير الماضي على مدينة غوما -أكبر مدينة في مقاطعة كيفو الشمالية-، وتَمكَّنت من الاستيلاء على مدينة بوكافو في مقاطعة كيفو الجنوبية في 14 فبراير 2025م، ووسط ذلك، تعالت تهديدات حركة 23 مارس بنقل القتال إلى العاصمة كينشاسا؛ حيث قال كورنيلي نانجا -وهو أحد القادة السياسيين في الجماعة المتمردة: “هدفنا هو الوصول إلى كينشاسا، والاستيلاء على السلطة وقيادة البلاد”.([1])
ديناميات عدة:
يبدو أن جولة الحرب المشتعلة في شرق الكونغو الديمقراطية واستمرارها للعام الرابع منذ عودة حركة 23 مارس في 2021م مرة أخرى بعد تفكيكها في 2013م دون أيّ اعتبار للتحركات الإقليمية ودعوات وقف إطلاق النار، يثير تساؤلات عديدة حول مُحفّزات ومُحرّكات الحرب القائمة، وبصدد ذلك، يمكن تقدير مجموعة من المُحفّزات التي تُؤجّج الحرب في الشرق الكونغولي وتزيد من احتمالات بقائها مستقبلًا، كما يلي:
1- التدافع نحو الموارد والمعادن
تُغذّي المواد الخام الحروب وتُموّلها في إفريقيا، وفي شرق الكونغو الديمقراطية، يتدافع الفاعلون من الدول وغير الدول نحو الوصول للموارد والمعادن الكونغولية، بما في ذلك: الذهب والكولتان المُستخدَم في صناعة المفاعلات النووية ومحركات الطائرات والصواريخ والأجهزة العالية الدقيقة، وكان في قلب الفاعلين: دول من الجوار الكونغولي، تزحف نحو السيطرة على الموارد والثروات الكونغولية، وكان على رأس تلك الدول: أوغندا وبوروندي ورواندا.
أما بشأن الأخيرة، فقد سعت إلى ضمان وصولها لمعادن الكونغو الديمقراطية لضمان تحوُّلها إلى مركز إقليمي لتجهيز وتجارة الموارد الطبيعية. ولأجل ذلك، اختارت دعم حركة 23 مارس في حربها ضد القوات الكونغولية بشكلٍ يضمن سيطرتها على المواقع الإستراتيجية، والوصول من خلالها إلى المعادن والموارد الكونغولية، وقد وثَّقت تقارير الأمم المتحدة أنه منذ سيطرة حركة 23 مارس في مايو 2024م على منجم روبايا -أكبر منتج للكولتان في الكونغو الديمقراطية، والذي ينتج 1000 طن من الكولتان-، أنها تُصدِّر حوالي 120 طنًّا من الكولتان من هذا المنجم إلى رواندا شهريًّا([2])
2- إجراءات التسوية الهشَّة
ترد التحليلات عودة حركة 23 مارس، وعودة الحرب مرة أخرى إلى الشرق الكونغولي، إلى استعصاء أزمة الشرق الكونغولي على الحل وإجراءات التسوية الهشَّة للحرب منذ بدايتها؛ فرغم توصُّل أطراف الحرب إلى اتفاقات سلام متعددة عام 2003 و2013م، وأخيرًا في العام 2024م؛ إلا أن أطراف الحرب لم تستطع استثمار فرص بناء السلام، وفشلت في استئصال مُحرّكات الحرب وأسبابها الجذرية؛ فاتفاق السلام المُوقَّع عام 2013م انهار بسبب غياب إجراءات السلام العملية، فالحكومة الكونغولية لم تُحقّق أيًّا من بنود اتفاق السلام المُوقَّع 2013م مع حركة 23 مارس، ولم تقم بدمج مقاتليها في الجيش الوطني، ولم تنجح في تنفيذ برامجها المعنية بنزع السلاح والتسريح، ولم تُنْهِ توترات علاقاتها مع الجارة رواندا، وهو ما مهَّد لعودة حركة 23 مارس من جديد لتناوئ وتُهدّد استقرارها منذ 2021م، وحفَّز رَفْضها باستمرار للامتثال لنداءات وقف إطلاق النار.([3])
3- استيراد المرتزقة الأجانب
يُنظَر إلى لجوء الكونغو الديمقراطية إلى استيراد المرتزقة الأجانب لاستخدامهم في حربها ضد 23 مارس كأحد موانع إرساء السلام وأحد مُحرّكات الحرب القائمة؛ فاستيراد الكونغو الديمقراطية من رومانيا وبلغاريا وجورجيا وبيلاروسيا بدعوى تدريب القوات المسلحة وتحديث قدراتها الدفاعية والأمنية منذ يناير 2022م؛ يثير ارتياب رواندا بشأن ما تستعدّ له الكونغو الديمقراطية، وتَعتبره إعلانًا للحرب أو تلويحًا بالتحلل من الجهود الدبلوماسية الإقليمية؛ مما يدفع الجانب الرواندي من الاستمرار المتزايد في دعم حركة 23 مارس بالعتاد والسلاح والذخائر، وتنشيط قدراتها الدفاعية وتعزيز منظومة دفاعها الجوي كمحاولة لتكييف موقفها وإجراءاتها الاحترازية، ولعل ذلك يُعدّ أحد أسباب استمرار رواندا في دعم حركة 23 مارس، ومِن ثَم استمرار الحرب في الشرق الكونغولي.
4- التقارب بين الكونغو الديمقراطية وأوغندا
ترى رواندا أن شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بمثابة مجال نفوذها التقليدي، وستتدخل فيه بمجرد أن ترى نفوذها مُهدَّدًا، وفي سياق ذلك، شكَّلت مجريات التقارب المصلحي بين الكونغو الديمقراطية وأوغندا محور قلق وعداء لجارتهما رواندا؛ حيث اعتبرته الأخيرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وطموحاتها الإقليمية ومساعيها للسيطرة على الموارد والذهب والمعادن الموجودة في منطقة البحيرات العظمى، وتأججت تلك النظرات مع تقارب الكونغو الديمقراطية وأوغندا واشتراكهما في العمليات العسكرية ضد القوات المتحالفة الديمقراطية، ناهيك عن صفقات التعدين والشراكة الاقتصادية بما في ذلك صفقة الكونغو الديمقراطية مع شركة الهندسة الأوغندية “دوت سيرفيز” في نوفمبر 2020م واتفاقية تعبيد الطرق لأكثر من 220 كيلو مترًا من الطرق، وفي ظل ذلك يدفع التقارب الكونغولي مع أوغندا وبوروندي إلى الحفاظ على حلفائها من حركة 23 مارس، ومِن ثَم تغذية الحرب القائمة.([4])
5- تعثُّر الحوار بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس
راهنت الكونغو الديمقراطية على تدابيرها وشراكاتها العسكرية وجهودها الدبلوماسية في قدرتها على إجبار رواندا على توقيع اتفاق سلام والتوقف عن دعم حركة 23 مارس، وإجبارها على سحب قواتها من الكونغو الديمقراطية، ورفضها المستمر لإجراء حوار مع حركة 23 مارس؛ باعتبارها حركة مدعومة من رواندا وليست كونغولية، وساهمت الرهانات الكونغولية في إطالة أمد الحرب وإفشال التوصل لاتفاقات سلام عملية على غرار ما حدث في ديسمبر 2024م؛ حيث انهار اتفاق السلام الذي كان من المقرر التوقيع عليه وقتها؛ بسبب رفض الكونغو إجراء الحوار المباشر مع حركة 23 مارس باعتبارها دُمًى أو قِطَع قماش فارغة بأيدي رواندا.([5])
6- تهاون المجتمع الدولي
ساهمت تحركات المجتمع الدولي وفاعليه الإقليميين والدوليين الهادئة والمتهاونة؛ في تصعيد الحرب في الشرق الكونغولي واستمرارها؛ فعلى عكس جولات الحرب التي جرت قبل 2013م، لم تشهد حرب في الشرق الكونغولي في جولتها المؤخرة منذ 2021م ضغوطًا عملية وتحركات لوقفها وإنهائها بقدر ما تشهده من نداءات شَجْب وإدانة ودعوات لوقف إطلاق النار؛ فالمقارن لردود الفعل الدولية والإقليمية الراهنة لجولة الحرب السابقة التي جرت عام 2013م، وجولة الحرب الراهنة يلمس تراجعًا كبيرًا في ردود الفعل وأوزانها؛ فإزاء الجولة الأولى، قطَع المانحون 240 مليون دولار أمريكي من المساعدات لرواندا بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من بدء التمرُّد قبل الاستيلاء على غوما، وهو ما لم يتحقق في الوقت الراهن رغم دخول جولة الحرب عامها الرابع، بل زادت المساعدات المُقدَّمة لرواندا، ووقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية بقيمة 900 مليون دولار أمريكي للاستثمار في رواندا، كما دعم الجيش الرواندي في موزمبيق في حدود 40 مليون يورو، ودفعت بريطانيا العظمى 360 مليون دولار أمريكي لاتفاقية تتعلق بطالبي اللجوء في بريطانيا.([6])
7- تراخي الخيار العسكري الكونغولي
ساهمت إخفاقات الحكومة الكونغولية بشكلٍ أو بآخر في إذكاء الحرب القائمة، فبخلاف جولة الحرب التي اندلعت في العام 2013م؛ حيث تمكنت الحكومة الكونغولية من تحقيق نجاحات عملية على حساب حركة 23 مارس، وإجبارها على التوقيع على اتفاق سلام وتفكيكها مقابل دمجها، دفعت العودة القوية لحركة 23 مارس مؤخرًا في نجاح الحركة في الزحف إلى شرق الكونغو والتفوق العسكري والغلبة، وتعكس تلك التحركات ضَعْف وهشاشة المؤسسات الأمنية الكونغولية، وافتقار أفرادها إلى قوة الردع والحسم والتدريب الكافي لاستعادة السلام والانخراط في الحروب اللاتناظرية واللامتكافئة، فالجيش الكونغولي وأفراده المُقدَّرون بنحو 120.000 جندي، وغيرهم من الحلفاء العسكريين من بوروندي وأوغندا وقوات حفظ السلام الأممية وقوات الساميدرك (قيد الانسحاب)؛ جميعهم غير قادرين على بسط سيطرتهم على كامل الشرق الكونغولي، ووقف تقدُّم حركة 23 مارس. ويكفي القول: إن حركة 23 مارس نجحت في معاركها الدائرة منذ يناير الماضي في السيطرة على مدينتي غوما وبوكافو، ونجحت في التمدد في 7 أقاليم من أصل 8 في جنوب كيفو بحلول 12 مارس 2025م.([7])
8- تركات الاستعمار والإبادة الجماعية
لا تزال تركات الاستعمار وتبعات الإبادة الجماعية التي جرت في تسعينيات القرن 20 تلقي بآثارها على الحرب القائمة في الشرق الكونغولي؛ فلا يزال الرئيس الرواندي يَستخدم انتشار القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تشكَّلت عقب الإبادة الجماعية من مليشيات الهوتو، والتي تُقدَّر فقط بنحو 500 إلى 1000 مقاتل ذريعة لدعم حركة 23 مارس، ويطالب باستمرار بتحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، كما أن راوية رواندا الكبرى لا تزال تجد لها مكانًا في مدركات صانع القرار الرواندي الذي يُشكّك في الحدود بين رواندا والكونغو، ويعتبر مناطق في الشرق الكونغولية أجزاء من رواندا.
ويكفي الإشارة إلى تصريحات الرئيس الرواندي الذي قال سابقًا: “لقد تم تقسيم بلدينا بسبب الحدود الاستعمارية، وكان جزء كبير من رواندا يقع خارج حدودها؛ في شرق الكونغو وجنوب غرب أوغندا وأماكن أخرى”، وفي ظل تلك الفرضية، تدعم رواندا حركة 23 مارس بالسلاح والعتاد؛ حيث قدرت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة وجود ما يتراوح بين 3000 و4000 جندي رواندي في جمهورية الكونغو الديمقراطية في أوائل عام 2024م. وعقب الاستيلاء على مدينتي جوما وبوكافو، ربما زاد هذا العدد إلى ما لا يقل عن 6000 إلى 7000 جندي.
تحركات إقليمية:
كان لانتصارات حركة 23 مارس على حساب القوات المسلحة الكونغولية وشركائها منذ نهاية يناير، صداها في المجتمع الدولي؛ فسقوط مدينة غوما وتهديدات حركة 23 مارس بالوصول إلى العاصمة كينشاسا على بعد 1600 كيلو متر أحدثا دويًّا دوليًّا وإقليميًّا وأثارا ردود فعل، أدانت وفرضت عقوبات اقتصادية. وعلى إثر ذلك، أُجريت مناقشات بين الفاعلين الإقليميين مِن قِبَل جماعة شرق إفريقيا وجماعة تنمية إفريقيا الجنوبية في تنزانيا في 8 فبراير 2025م؛ حيث انعقدت قِمّتهما المشتركة التي أكَّدت دور عمليتي السلام: لواندا ونيروبي، وأصدرت توجيهاتها بدَمْجهما وكلفت الرؤساء المشاركين، بالتشاور مع الاتحاد الإفريقي، بدراسة وتعيين قادة إضافيين، وأمرت باستئناف المفاوضات المباشرة والحوار مع جميع الأطراف الحكومية وغير الحكومية في إطار عملية لواندا/نيروبي”.([8])
وفي 24 فبراير2025م، أوصى الخبراء الأمنيين والعسكريين للمُنظّمتين باتباع نَهْج تدخل تدريجي على مراحل فورية ومتوسطة وطويلة المدى، يتم خلالها إنشاء آلية مراقبة معزّزة في إطار آلية التحقق المشتركة المُوسَّعة، ونَشْر فريق تقييم فني مشترك في كيفو لتقييم الظروف الأمنية والإنسانية، والإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار الدائم، وإنشاء إطار سياسي على الفور لتوجيه جهود تحقيق الاستقرار.([9])
تحركات دولية:
وبالنظر إلى النتائج العملية، تبدو تحركات الفاعلين الإقليميين محدودة التأثير، ولا تخرج عن كونها قرارات شفيهة، ولا تدخل حيّز التنفيذ، فعلى النقيض من إعلان أنجولا تعثُّر إجراء حوار مباشر بين الحكومة الكونغولية وحركة 23 مارس في 18 مارس، مما دفَعها إلى إنهاء دورها كوسيط في الأزمة، أسفرت تحركات الفاعلين الدوليين عن خطوات أولية وتمهيدية لبدء حوار سلام؛ إذ كشفت محادثات الدوحة عن آفاق جديدة للحوار بين طرفي الحرب في 23 مارس 2025م؛ حيث أعلنت حركة 23 مارس انسحابها من وسط واليكالي والمناطق المحيطة بها، في مقاطعة شمال كيفو بعد ثلاثة أيام من السيطرة عليها، وأكد المتحدث باسم القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية الامتناع عن القيام بأي عمل هجومي ضد القوات المعادية من أجل تشجيع خفض التصعيد وإعطاء الأولوية لمناقشات السلام ونتائج المناقشات التي بدأت في قطر والولايات المتحدة الأمريكية([10]).
كما أعلن الطرفان في بيان مشترك في 23 أبريل الماضي أنهما أجريا مناقشات “صريحة وبنَّاءة”، وأنهما يلتزمان بالوقف الفوري للأعمال العدائية والرفض القاطع لكل خطابات الكراهية والترهيب، كما انتهي وزيرا خارجية الكونغو الديمقراطية ورواندا برعاية واشنطن إلى التوقيع على إعلان مبادئ، التزما فيه بالاعتراف المتبادل بسيادتهما وسلامة أراضيهما، ومعالجة المشكلات الأمنية، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتسهيل عودة النازحين، ودعم بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتطوير اتفاق سلام.([11])
انعكاسات محتملة:
جدير بالذكر أن التحركات الجارية نحو السلام سواء برعاية قطر أو الولايات المتحدة الأمريكية لم تمنع وقوع الاشتباكات في 2 مايو الجاري؛ حيث اشتبك المتمردون مع الجيش الكونغولي وسيطر على لونياسينج في منطقة لوبيرو (شمال كيفو) قبل أن يستردّها الجيش في 4 مايو([12])، كما أنها لم تَنل رضا وترحيب المعارضة الكونغولية ولا الجماعات المسلحة الأخرى؛ ففي 28 أبريل، صرح المتحدث باسم “إطار التشاور للقوى السياسية والاجتماعية” أنه أُحِيط علمًا بهاتين الخطوتين الجديدتين الهادفتين إلى استعادة السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأكد أنه لا يمكن تحقيق السلام على حساب السيادة الوطنية والمصالح الحيوية لجمهورية الكونغو الديمقراطية([13]).
وفي 29 أبريل الماضي، قال “تحالف حركات ماي ماي وازاليندو”: إنه يعارض أيّ حوار أو اتفاق سياسي مع حركة إم23 وحلفائهم الروانديين؛ لكونها تُسفر عن اتفاقات لا تُحقّق سلامًا وتُرسي عنفًا وتُرسّخ الإفلات من العقاب.([14])
وباعتبار التحركات الأخيرة برعاية واشنطن والدوحة خطوات أولية تُمهّد للتوصل لاتفاق أو مجرد تحركات غير كافية لإنهاء القتال في الشرق الكونغولي؛ يمكن القول: إن استمرار الحرب في الشرق الكونغولي دون إنهاء حقيقي لإطلاق النار يُنْذِر بعددٍ من الانعكاسات المحتملة، من أهمها ما يلي:
1-التوترات الإقليمية
تستقطب سياقات الشرق الكونغولية الأمنية والغنية بالموارد أنظار الأطراف الإقليمية القريبة منه؛ فأوغندا لا تُمانع من الانخراط في الحرب الدائرة في سياق تنافسها مع الجانب الرواندي حول الموارد والنفوذ والمعادن الكونغولية، وبموجب شراكتها مع الكونغو الديمقراطية في حربهما المشتركة ضد القوات المتحالفة الديمقراطية، ففي 4 فبراير، أعلنت قوات الدفاع الشعبية الأوغندية في 4 فبراير2025م أنها ستتبنَّى موقفًا دفاعيًّا مُتقدِّمًا في شرق الكونغو الديمقراطية لمنع الجماعات المسلحة الأخرى من استغلال الوضع ومصالح أوغندا([15]).
كما أن بوروندي تبدو متأهّبة للولوج إلى الحرب بدعوى تعزيز التعاون الأمني والعسكري، وهو ما كشف عنه في إعلان الرئيس إيفاريست ندايشيميي في 31 يناير 2025م؛ حيث قال: “إذا استمرت رواندا في تحقيق انتصارات في أراضينا وفي بلادنا، فسوف يصل الأمر أيضًا إلى بوروندي”، مضيفًا أن بلاده لن تسمح لنفسها بالانجرار إلى حرب عامة، واعتبر أن المنطقة بأكملها مُعرَّضة للتهديد: “لدينا تهديد في المنطقة، وليس الأمر يقتصر على بوروندي فقط؛ تنزانيا، أوغندا، كينيا، والمنطقة بأكملها معنية بهذا الأمر”.([16])
2- عسكرة الشرق الكونغولي
تجبر نتائج الحرب الدائرة الكونغو الديمقراطية على استجلاب واستقطاب قوى إقليمية لمساندتها في فرض القوة وحلحلة الصراع، ونتيجة لذلك، تنتشر جيوش أجنبية عدة بإيعاز أو بدون إيعاز من الكونغو الديمقراطية في شرق الكونغو الديمقراطية، فإزاء الحرب القائمة، أرسلت رواندا ما بين سبعة آلاف و12 ألف جندي لدعم حركة إم23، وحتى أوائل فبراير2025م، كان لدى بوروندي ما بين 10 آلاف و12 ألف رجل مقاتل، وأرسلت أوغندا جنودًا مما رفَع عدد قواتها إلى 5000 – 6000، كما أن هناك نحو 11 ألف جندي من قوات حفظ السلام في شرق الكونغو، في شمال كيفو وإيتوري، ولا تزال الكونغو الديمقراطية تستدعي قوات أجنبية لمساعدتها؛ فحديثًا طلبت من تشاد تقديم الدعم العسكري، واقترحت صفقة لمقايضة المعادن بالمساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية. ولا شك أن ذلك ينذر بمزيد من عسكرة الشرق الكونغولي واستمرار تدافع القوات الأجنبية إليها.([17])
3-توتر علاقات رواندا بشركائها الأوروبيين
أدَّى عدم امتثال رواندا وحركة 23 مارس للنداءات والدعوات الدولية والإقليمية إلى تعرُّضها إلى إدانات وشَجْب واستنكار دولي وإقليمي، وهو ما تجاوز إلى التهديد بفرض العقوبات أو فرضها فعليًّا مِن قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أن استمرار تلك الحرب بهذه الوتيرة يدفع العلاقات الرواندية وشركائها لا سيما الأوروبيين نحو التوتر، لكون علاقات الشركاء الأوروبيين مع رواندا التي تُواجه اتهامات بدعم حركة 23 مارس والتدخل في شرق الكونغو الديمقراطية في حرجٍ أمام المجتمع الدولي، بل جعلها تواجه اتهامات بالمساهمة في دعم حركة التمرد، وتعمل على تقويض سلامة الكونغو.
وفي 25 فبراير 2025م، اعتبرت رواندا فرض المملكة المتحدة عقوبات على رواندا انحيازًا واضحًا، وأن إجراءاتها العقابية لا تساعد في إيجاد حلول دائمة للأزمة الأمنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي 22 فبراير 2025م، اعتمد البرلمان الرواندي قرارًا يرفض موقف البرلمان الأوروبي بشأن الأزمة الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية.([18]) وفي 17 مارس، أعلنت بلجيكا عن قرار متبادل مع رواندا بقطع العلاقات الدبلوماسية.([19])
4-تأخير انسحاب المونسكو
تتهيَّأ الكونغو الديمقراطية منذ يناير 2025م إلى مرحلة أكثر حرجًا أمنيًّا، كما أنها على عتبة تحولات سياسية وأمنية شديدة عقب إعلان الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي في 13 مارس 2025م إنهاء ولاية “الساميدرك”، وهو ما يؤشر لانهيار الحل العسكري واختلال توازن القوى لصالح حركة 23 مارس وتمدُّد المليشيات والعمليات الإرهابية بشكلٍ يزيد من انعدام الأمن الكونغولي، ومِن ثَم يدفع إلى تمسك الكونغو الديمقراطية بقوات البعثة الأممية باعتبارها الحليف الأممي المتبقي، ونتيجة لذلك، فإنه يتوقع أن تُخفّف الحكومة الكونغولية انتقاداتها للبعثة الأممية، وتُخفّف المطالبات الداعية بانسحابها لمنع وقوع القوات الكونغولية فريسة أمام حركة 23 مارس بمفردها دون أيّ مساعدة أو عون خارجي.([20])
5- تأزم إنساني
تستمر الأوضاع الإنسانية نحو التأزم والتعقيد مع استمرار حرب الشرق الكونغولي، وفي 27 فبراير؛ أطلقت خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية لعام 2025م في كينشاسا، بهدف حَشْد 2.54 مليار دولار لمساعدة 11 مليون شخص، بما في ذلك 7.8 مليون نازح داخليًّا، وهناك 21.2 مليون كونغولي متضررون من أزمات متعددة، منها: الصراعات المسلحة، والكوارث الطبيعية، وتفشي الأوبئة.([21])
وبحسب تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لعام 2024م؛ فقد عانى 25.6 مليون شخص بالفعل من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما في ذلك 3.1 مليون شخص في حالة طوارئ.([22])
6-استقطاب الفاعلين الدوليين
لم تكن مجريات الصراع القائم في الشرق الكونغولي، وما يطبعه من حرب وكالة بين رواندا والكونغو الديمقراطية، بعيدة عن أنظار الأطراف الفاعلة في النظام الدولي؛ فبين الحين والآخر، تُمثّل بيئة الصراع والحرب القائمة في الشرق الكونغولي إحدى ساحات النفوذ والتنافس الدولي بين القوى الغربية من جهة (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي) المؤيدة للكونغو الديمقراطية، على حساب المصالح والطموحات الرواندية المدعومة من غريم الغرب التقليدي؛ روسيا وحليفتها إفريقيا الوسطى.
7- تأكل شرعية النظام الكونغولي
تؤدي وقائع الشرق الكونغولي، وما ينجم عنه من تأزم أمني وإنساني، إلى تزايد الاحتجاجات واشتعال موجات الغضب الداخلية تجاه الحكومة الكونغولية، بشأن عدم قدرتها على كبح وإنهاء الصراع في الشرق الكونغولي، وقد تدفع تلك الاحتجاجات مستقبلًا إلى استمرار تآكل شرعية النظام الكونغولي وإحراجه شعبيًّا بعد تساقط وعوده المتكررة بشأن إرساء السلام والأمن في الشرق.
خلاصة القول، يمكن القول: إن الحرب بالوكالة في الشرق الكونغولي تُعدّ حلقة ملتهبة من حلقات الصراع في منطقة البحيرات العظمى، تتغذَّى على الصراع حول الهيمنة والنفوذ والمعادن ومخلفات الإبادة الجماعية والروايات الاستعمارية.
وقد شهدت الأزمة تحولات متناقضة وانعطافات خطرة ما بين تصعيد الاشتباكات وتمدد حركة 23 مارس، وبين محادثات الحوار السياسي والسلام برعاية قطر والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل مؤشرات عدم اليقين المستقبلي لمحادثات السلام الجارية واتفاق السلام المحتمل؛ يمكن القول: إن الحرب الدائرة تنذر على المدى القريب باستمرار تدافع الأطراف الإقليمية والدولية نحو الشرق الكونغولي، واستمرار عسكرته؛ مما يُحتّم تآكل شرعية النظام الكونغولي وإحراجه شعبيًّا، وتؤشر لزيادة التوترات بين رواندا وشركائها الأوروبيين وبين رواندا ودول الجوار الكونغولي بما في ذلك بوروندي وأوغندا.
…………………..
[1] Media: EAC and SADC postpone joint meeting of foreign ministers on DRC conflict, AFRINZ Ru, 28 February 2025, https://bitl.to/4AOt
[2] Le M23 est-il une rébellion ?, , Actualite CD, février 2025, https://bitl.to/45Gz
[3] Est de la RDC: l’EAC appelle à un règlement pacifique des conflits et exhorte le gouvernement Congolais à s’engager directement avec toutes les parties prenantes y compris le M23, , Actualite CD, 30 janvier 2025, https://bitl.to/4BDM
[4] Southern Africa regional bloc to withdraw troops from DRC amid M23 advance, AL Jazeera, 13 Mar 2025, https://l.muz.kr/UAi
[5] RDC: “J’ai ordonné que tous les plans et instructions concernant un prétendu dialogue avec les terroristes du M23 soient complètement brulés et immédiatement” (Guy Kabombo Mwadiamvita), Actualite CD, janvier 2025, https://bitl.to/4APF
[6] Tshisekedi à Munich: L’Union africaine doit cesser d’être un simple spectateur et jouer un rôle actif pour contraindre le Rwanda à mettre fin à son soutien au M23, Actualite CD, 15 février 2025. https://bitl.to/4AOu
[7] Trois assises diplomatiques sous tension pour tenter de résoudre la crise dans l’est de la RDC, Actualite CD, 14 mars 2025, https://bitl.to/4BVC
[8]Sommet SADC-EAC sur la RDC: les chefs des armées vont se réunir dans cinq jours afin de fournir les directives pour un cessez-le-feu “immédiat” et “inconditionnel”, Actualite CD, 8 février 2025, https://bitl.to/4AP1
[9] EAC, SADC call for immediate ceasefire in eastern DRC amid escalating crisis, the Eastleigh Voice, 8 February 2025, https://bitl.to/4AP2
[10] Le Qatar salue les déclarations de la RDC et du Rwanda sur leur engagement en faveur de la désescalade et la réduction des tensions après l’annonce du M23 de son retrait de Walikale-centre, Actualite CD, 24 mars 2025, https://l.muz.kr/ePP
[11] RDC et Rwanda s’engagent à soumettre un projet d’accord de paix commun d’ici au 2 mai, Actualite CD, 25 avril 2025, https://l.muz.kr/o25
[12] RDC : L’AFC/M23 avance vers le Nord du lac Édouard et prend le contrôle de Lunyasenge), Actualite CD, 4 mai 2025, https://l.muz.kr/auj
[13] Communiqué Kinshasa-AFC/M23 et Accord des principes Kinshasa-Kigali: Lubaya et Kikuni insistent sur l’intégration des initiatives régionales et nationales en cours, Actualite CD 28 avril 2025, https://l.muz.kr/ghkc
[14] RDC-M23: à Beni-Butembo émerge l’idée de s’opposer aux accords politiques, rappelant que les précédents n’ont pas pu ramener la paix, 30 avril 2025, https://l.muz.kr/XaGW
[15] Ugandan army deploys to town in northeast DR Congo amid fears of wider conflict, , Actualite CD, 02/03/2025, https://bitl.to/4APB
[16] Le président burundais met de nouveau en garde le Rwanda, VOA, 12 février 2025, https://bitl.to/4BRY
[17]Tshisekedi skips crisis summit as M23 tightens grip on eastern DRC, 29/01/2025, https://bitl.to/4APK
[18] Le Parlement rwandais rejette la résolution du Parlement européen sur la crise à l’est de la RDC, Actualite CD,, 22 février 2025, https://bitl.to/4AP5
[19] Le Parlement rwandais rejette la résolution du Parlement européen sur la crise à l’est de la RDC, , Actualite CD, 22 février 2025, https://bitl.to/4BDS
[20] Blue Helmets in eastern Congo: Unloved, but still needed, DW, 1 February 2025, https://bitl.to/4APA
[21] RDC: 2,54 milliards USD nécessaires pour financer les opérations humanitaires en 2025 en faveur 11 millions de personnes affectées par les crises, Actualite CD, Access date March 2025, https://bitl.to/45HD
[22] Est de la RDC : plus de 60 000 personnes ont fui la RDC vers le Burundi en 2 semaines (HCR), Actualite CD, 28 février 2025, https://bitl.to/45Gt