قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
دعاية مجلة قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    انقسام حكومة جنوب إفريقيا بشأن اتفاقية تأشيرة أوكرانيا

    التوغُّل الأوكراني في إفريقيا: أدواته وتداعياته على منظومة الأمن والاستقرار في القارة

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    المعارضة الأوغندية: استقبال مرحّلي أميركا تفوح منه رائحة الفساد

    تدخُّل أوغندا في جنوب السودان وفرض حالة اللادولة

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    مقارنة في مسارات الانتقال السياسي بدول الساحل: النيجر دراسة حالة

    أسطول بحري للجيش الصيني يقوم بزيارة نادرة لـ نيجيريا

    هل تتَّجه الصين إلى توسيع نفوذها العسكري في إريتريا؟

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

    البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء

    التضخم في إفريقيا: أحدث توصيات البنك الدولي تحت المجهر

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    منظمة حقوقية تتهم شرطة أنجولا بارتكاب أعمال قتل وانتهاكات

    تصاعد الاحتجاجات في أنغولا تعكس تراجعًا تاريخيًّا في تأييد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    التجارة الرقمية في إفريقيا بين الطموحات والتحديات: (القرن الإفريقي نموذجًا)

    انقسام حكومة جنوب إفريقيا بشأن اتفاقية تأشيرة أوكرانيا

    التوغُّل الأوكراني في إفريقيا: أدواته وتداعياته على منظومة الأمن والاستقرار في القارة

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    تعزيز دبلوماسية الفضاء: دوافع السنغال للانضمام إلى اتفاقيات “أرتميس” التابعة لوكالة ناسا

    المعارضة الأوغندية: استقبال مرحّلي أميركا تفوح منه رائحة الفساد

    تدخُّل أوغندا في جنوب السودان وفرض حالة اللادولة

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    إسبانيا تبحث عن نفوذ إفريقي: أهداف وتحديات قمة مدريد 2025م

    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    مقارنة في مسارات الانتقال السياسي بدول الساحل: النيجر دراسة حالة

    أسطول بحري للجيش الصيني يقوم بزيارة نادرة لـ نيجيريا

    هل تتَّجه الصين إلى توسيع نفوذها العسكري في إريتريا؟

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

    البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء

    التضخم في إفريقيا: أحدث توصيات البنك الدولي تحت المجهر

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    المساعدات الأمنية لإفريقيا: حرب باردة جديدة أم مصالح عامة محسّنة؟

    منظمة حقوقية تتهم شرطة أنجولا بارتكاب أعمال قتل وانتهاكات

    تصاعد الاحتجاجات في أنغولا تعكس تراجعًا تاريخيًّا في تأييد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

    من هو رو موالد واداجني؟ ولماذا تم اختياره مرشحًا للرئاسة في بنين؟

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج

نظرية ما بعد الاستعمار في ظل تداعيات العولمة: دراسة فلسفية تحليلية من منظور إفريقي

يونيو 3, 2024
في دراسات وبحوث, دراسة سياسية, مميزات
A A
نظرية ما بعد الاستعمار في ظل تداعيات العولمة: دراسة فلسفية تحليلية من منظور إفريقي

إعداد

دعاء عبد النبي حامد

باحثة دكتوراه في الفلسفة الإفريقية الحديثة والمعاصرة – كلية الآداب جامعة القاهرة – مصر.

ظهرت نظرية ما بعد الاستعمار في ظل مرحلة نظرية ما بعد الحداثة والنظرية ما بعد البنيوية؛ بعدما تم إعادة النظر في الحداثة الغربية التي منحت العقل الأوروبي سلطة مطلقة باعتباره المركز، وما نتج عن ذلك من نزعة شوفينية استعلائية على الأمم غير الأوروبية، مما سمح للأمم الأوروبية بتجاهل المجتمعات الأخرى وثقافتها.

وتُعدّ نظرية ما بعد الاستعمار حجر الزاوية في دراسة التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي شهدها العالم النامي بعد انتهاء الاستعمار الأوروبي. وقد تطورت هذه النظرية كرد فعل على الاستعمار ومحاولة فهم تأثيراته طويلة الأمد على الشعوب المستعمرة، وتناولت مجموعة من الموضوعات؛ منها: الهوية الوطنية، والتطور الاقتصادي، والسياسة الدولية.

 تقوم نظرية ما بعد الاستعمار على فكرة أن التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي شهدها العالم النامي لا يمكن فهمها من خلال النظرة الثنائية التي كانت تسود العلاقات بين المستعمِر والمستعمَر. بدلًا من ذلك، تُركّز النظرية على استكشاف كيفية تأثير الاستعمار وتفاعله مع العوامل الداخلية والخارجية في تشكيل الهوية الوطنية، وتحديد المسارات الاقتصادية، وتشكيل العلاقات الدولية. لذلك تُعدّ نظرية ما بعد الاستعمار نزعة ما بعد حداثية لدراسة الإرث الاستعماري والإمبريالي لتُركّز على النتائج المترتبة على حكم واستغلال المجتمعات المستعمرة وأراضيها.

وترتبط العولمة بشكل كبير بنظرية ما بعد الاستعمار؛ حيث إن عمليات العولمة المتسارعة التي بدأت في القرن العشرين أدَّت إلى تفاعل أعمق بين الثقافات والاقتصاديات عبر الحدود الوطنية. ومع ذلك، يؤكد منظرو نظرية ما بعد الاستعمار على أن هذه العولمة لم تكن دائمًا تعبيرًا عن التقدم أو الإيجابية، بل قد ساهمت في تعميق الفجوات الاقتصادية والثقافية بين الدول الغنية والفقيرة، وتوسيع نطاق السيطرة الاقتصادية والثقافية للدول القوية.

اقرأ أيضا

عين على أفريقيا ( سبتمبر 2025) : إفريقيا وفلسطين: ماضٍ نضالي ومصير على المحك

ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

بين لعنة الموارد وفرص التنمية: قراءة في “التقرير الإفريقي لحوكمة الموارد الطبيعيّة لعام 2025م”

اعتبرت الفلسفة الإفريقية نظرية ما بعد الاستعمار فرصة لإعادة تقييم التاريخ والهوية الإفريقية من خلال عدسة جديدة. ومن خلال الفلسفة الإفريقية، تم تفكيك الأفكار السائدة حول الهوية والثقافة الإفريقية، وإعادة بناء نماذج أكثر شمولًا وتمثيلًا للتجارب الإفريقية المتنوعة. كما تسعى الفلسفة الإفريقية إلى استكشاف كيف يمكن للقيم الإفريقية التقليدية أن تؤثر في عملية التنمية والتغيير في القارة، وتُعزّز فهمًا أعمق لتحولات العولمة وتأثيراتها على المجتمعات الإفريقية.

ويُعدّ الفيلسوف الكاميروني أشيل مبيمبي أحد أهم منظّري فلسفة ما بعد الاستعمار في وقتنا الراهن؛ لما له من آراء تحليلية نقدية شاملة لجوانب عديدة من الآثار السلبية الناتجة جراء الاستعمار الغربي والهيمنة الأوروبية على الشعوب المستعمرة من جانب، ونقده للسياسات الإفريقية ما بعد الاستعمار من جانب آخر.

ويضع مبيمبي فكر ما بعد الاستعمار في مصافّ الإبداع، باعتباره حقلاً فكريًّا تطوريًّا في سياق قد غلب عليه التأمل والانتقاء، وجاء عابرًا للأوطان منذ بدايته، مما أكسبَه ميزة الجمع بين مناهضة الإمبريالية وبين التقاطع مع قضايا العولمة.

ولأهمية الدراسة نطرح عدة تساؤلات؛ من أهمها:

  • ما طبيعة نظرية ما بعد الاستعمار؟ ولماذا ظهرت؟ وما أهدافها؟
  • ما العلاقة التي تربط نظرية ما بعد الاستعمار بالعولمة؟
  • ماذا عن الرؤية الإفريقية حول نهاية العالم؟
  • ما رؤية أشيل مبيمبي حول مستقبل إفريقيا والعالم؟

وتحاول الدراسة الإجابة عن هذه الأسئلة مستخدمة في ذلك المنهج التحليلي النقدي:

وتدور الدراسة حول عدة محاور، من أهمها:

  • التعريف بالفيلسوف الكاميروني أشيل مبيمبي وأهم مؤلفاته.
  • طبيعة فكر ما بعد الاستعمار وأهدافه.
  • علاقة نظرية ما بعد الاستعمار بالعولمة.
  • رؤية أشيل مبيمبي حول فكرة نهاية العالم والمستقبل.
  • نقد نظرية ما بعد الاستعمار.

أولًا: من هو أشيل مبيمبي؟

فيلسوف وعالم سياسي وأستاذ جامعي وواحد من أهم مفكري جيله، وله شهرة واسعة في كل أنحاء العالم. يُفكّر في إفريقيا دومًا، ويسعى لجعلها محور اهتمام العالم. يردد دائمًا عبارات فقدان أوروبا لمركزية القيادة في العالم، وأن عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية والسياسية للقارة الإفريقية ستجعلها مؤهلة لقيادة مستقبل الإنسانية([1]).

يركز عمل مبيمبي على إفريقيا وعلاقتها بالغرب، كما يركز في معظم أعماله الفلسفية على موضوع المنحدرين من أصل إفريقي في شكل العبودية الإفريقية في الولايات المتحدة، والموضوع الاستعماري الإفريقي والموضوع الإفريقي ما بعد الاستعمار فيما يتعلق بسلطة الدولة. وضمن الإطار العام للفلسفة الإفريقية يمكن تصنيف أعمال مبيمبي بشكل عام ضمن مناهضة الاستعمار وما بعد الاستعمار)[2](.

وُلِدَ أشيل مبيمبي عام 1957م بالقرب من أوتيلي في الكاميرون الفرنسية، درس في جامعة السوربون في باريس؛ حيث حصل على الدكتوراه في التاريخ في عام 1989م، ثم عمل في العديد من الجامعات، تتنوع اهتماماته بين التاريخ الإفريقي والسياسة الإفريقية والعلوم الاجتماعية. ويحمل مبيمبي الجنسيتين الفرنسية والكاميرونية، كما أنه يتحدث اللغة الإنجليزية والفرنسية.

قضى مبيمبي طفولته في مزرعة والده ضمن عائلة مسيحية قومية، ظلت بعض المشاهد المروّعة من عنف الاستعمار مرسّخة في ذهنه؛ حيث قُتِلَ عمه بجانب الزعيم الثوري روبين أم نيوبي على يد الجيش الفرنسي عام 1958م، وتم سحل جثته عبر القرى بهدف ترهيب السكان، ومن تلك الفترة نشبت رغبته بالتخصص في مادة التاريخ، فانتقل إلى باريس لمواصلة دراسته الجامعية. وعندما ضعفت سيرة شخصية روبين أم نيوبي في الكاميرون، ظل مبيمبي ساعيًا إلى إحياء ذكرى الزعيم الثوري، لكنّ سلطات بلاده رفضت أفكاره وطاردته، إلى أن قررت نفيه مدة عشر سنوات، لا لشيء سوى لنشر مختارات من نصوص روبين، وانعكس هذا القرار على حياته الشخصية؛ إذ إن السلطات منعته من حضور جنازة والده، ما دفَعه لعدم السفر نهائيًّا إلى الكاميرون([3]).

ينتمي مبيمبي إلى الفكر ما بعد الاستعماري، يثير العديد من الإشكاليات الفلسفية التي يقاربها من خلال منهجية التفكيك تارة والتأويل تارة أخرى، وقد ازدادت شهرة مبيمبي مؤخرًا نتيجة إسهاماته الفكرية في مجلة الثقافة العامةPublic Cultur  التي يصدرها قسم الإعلام والثقافة والاتصال التابعة لجامعة نيويورك الأمريكية.

استطاع مبيمبي أن يُطوِّر فلسفة إفريقية فريدة كان لها تأثيرها، ليس في القارة الإفريقية فقط، بل في أوروبا وأمريكا الشمالية أيضًا؛ حيث قدَّم قراءة ظاهرتية لوضعية الإفريقي/ الزنجي الذي يُنظَر إليه على أنه سلعة أو شيء من الأشياء، كما قدَّم قراءة جديدة للتجربة الإفريقية الحية وأشكالها المتعددة من خلال تحليله التاريخي والثقافي الناقد للمفاهيم التي تشكَّلت وفقًا للخطاب الاستعماري، وهي المفاهيم التي تزعم عدم قدرة العقلية الإفريقية على إنتاج أيّ شكل من أشكال المعرفة، كما قدَّم تحليلًا للخطاب الاستعماري الذي أسَّس لتفوقه الفكري السياسي والحضاري والثقافي من خلال رسم صورة ذاتية للأوروبي الغربي الذي تتشكّل هويته وفقًا لمفهوم الغيرية. كان هدف مبيمبي من هذا التنظير المعرفي هو بناء إفريقيا جديدة مُؤهَّلة لقيادة العالم مستقبلًا([4]).

تقلَّد مبيمبي عدة مناصب؛ منها: أستاذ مساعد للتاريخ في جامعة كولومبيا، نيويورك (1988-1991م)، وزميل باحث أول في معهد بروكينغز في واشنطن العاصمة (1991-1992م)، وأستاذ مشارك للتاريخ في جامعة بنسلفانيا (1992-1996م)، والأمين التنفيذي لمجلس تنمية بحوث العلوم الاجتماعية في إفريقيا (CODESRIA) في داكار، السنغال (1996-2000م)، كما كان أستاذًا زائرًا في جامعة كاليفورنيا، بيركلي (2001م)، وجامعة ييل (2003م)، وجامعة كاليفورنيا في أرفين (2004-2005م)، وجامعة ديوك (2006-2011م)، وجامعة هارفارد (2012م). حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة باريس الثامنة (فرنسا) وجامعة لوفان الكاثوليكية (بلجيكا). كما شغل كرسي ألبرت الكبير في جامعة كولن (2019م)، وعمل أستاذًا فخريًّا في جامعة جاكوب فغر زينتروم، جامعة أوغسبورغ (ألمانيا)([5]).

أهم مؤلفات أشيل مبيمبي

1- كتاب ما بعد الاستعمار On the Post-colony 2001

 جاء هذا الكتاب بعد أربعين عامًا من كتاب “فانون معذبو الأرض” عندما تحول عالم فانون المستعمر إلى عالم ما بعد الاستعمار.

يناقش مبيمبي في هذا الكتاب الحالة الإفريقية بعد الاستعمار والنظام السياسي السائد الذي اتبعته الحكومات الإفريقية، اتخذ من دولة الكاميرون نموذجًا يشرح به الحالة المتدنية في السياسة الإفريقية بعد الاستعمار، والتي وصفها مبيمبي بأنها استعمار ما بعد الاستعمار؛ حيث قام الساسة الأفارقة بتطبيق نفس السياسة الاستعمارية من خلال تفعيل نظام الأسطورة، والتي يتم بها إلقاء الخطابات على الجماهير واصفًا صورة المستبد الإفريقي وصورة الحاشية التابعة له، ومن ثَم فإنه يتعامل بإرث الاستعمار في تطبيق نظام الحكم، في الكتاب تشخيص لحالة المستبد، وتشخيص أيضًا للشعب الواقع تحت قبضة المستبد. كما يرى مبيمبي في كتاب ما بعد الاستعمار أن الروايات الاستعمارية تعمل على تجانس الماضي الإفريقي وإضفاء الطابع الأسطوري عليها، وبذلك لا يمكنها إنتاج مستقبل قابل للحياة، فالإحساس بالمستقبل غائب تمامًا، ويسعى مبيمبي إلى استبعاد هذا الطابع الأسطوري من تحليلات ما بعد الاستعمار([6]).

والكتاب في الشكل العام فضح ممارسات السلطة الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستعمار في الكاميرون من خلال تحليل خطاباتها السلطوية التي اعتدت لغة الرمز والعلامة بهدف السيطرة على المواطنين وإخضاعهم للسلطة باستخدام أساليب تبدو منطقية، خاصةً عندما اتخذت تلك الأساليب صور احتفالات للرقص وترديد أناشيد وأداء صلوات تُبارك سلطة الدولة الحاكمة، كما أن مبيمبي لا يُحمِّل المستعمِر وحده ما آلت إليه الأوضاع المتردية في إفريقيا، بل يؤكد على وجود عوامل داخلية ساعدت في ذلك، منها الديون التي يتحمل أعباءها الإفريقي نفسه، وحكم الوصاية المفروضة من البنك وصندوق النقد الدولي، وهي مظاهر تمنع تمتُّع الإفريقي بتقرير مصيره، بل تجعل المجتمعات الإفريقية تحت استعمار من نوع جديد وهو الاستعمار المحلي([7]).

2- نقد العقل الزنجي Critique of Black Reason 2013

في هذا الكتاب يتولى مبيمبي مهمة شديدة الأهمية، ليس فقط تتبع نسب فئة السواد، وإنما تتبع ما يراه عمومية لشرط السواد، نقد العقل الأسود هو مقاربة قوية للعرق والعنصرية، وهو المفتاح الرئيسي للحداثة والرأسمالية، يوضح الكتاب الطرق التي تم من خلالها دمج اللون الأسود في هياكل وتقنيات الحداثة، من تجارة الرقيق عبر الأطلسي واستعمار إفريقيا ومقاومتها، إلى ترسيخ العولمة والليبرالية الجديدة والتداخل المتزايد لرأس المال، والتقنيات الإلكترونية والرقمية والنظام العسكري ما بعد الإمبراطوري، نقد العقل الأسود يتعامل مع السواد كفئة تبرر الإقصاء والتدهور والوحشية، ربما لم تعد أوروبا مركز العالم، وربما تكون التصورات البيولوجية للعرق قد سقطت، ومع ذلك لم يتم القضاء على العرق والعنصرية.

يبرز مبيمبي في هذا الكتاب كيف استغلت الأيديولوجيات الاستعمارية شخصية إفريقيا، مما أدَّى إلى تشكيل تخيلات الرجل الأبيض والخطوط التي تفصل أوروبا عن العالم الخارجي. كما ناقش الكتاب تطور الوعي الأسود وإبعاد الذاتي والتاريخ والهوية السوداء، وإذا كان السواد يدل على القطيعة والخسارة والانفصال عن الذات، فإن مبيمبي يظهر في الوقت ذاته علامة الأمل والحيوية والفداء. كما ناقش مبيمبي تأكيد تعددية العالم، وضرورة أن تظهر بقوة، ويجب أن يتجه السواد إلى النضال من أجل العدالة([8]). الكتاب يهدف إلى وضع الوعي الغربي والوعي الزنجي للنقد، وهو نقد موجه للعقل الغربي والعقل الأسود كلاهما على حد سواء.

  3- سياسات العداوة Necro-politics 2019

أقدم مبيمبي في هذا الكتاب على نقد الديمقراطية، كما قدَّم قواعد جديدة نقدية كي نتمكن من وضع تكوين جديد يكون بديلًا للديمقراطية في الوقت القادم، بالنسبة له فإن أشكال الديمقراطيات المعاصرة قد انتهت بها المطاف إلى أن تصبح مُحاصَرة، بالنسبة له، تقف سياسة الموت على أنها سياسة الإقصاء الانتقائي، أو نفي بعض الجماهير التي تعتبرها الدولة زائدة عن حاجاتها، هذا السياسة تُنتج مجتمع العداء، سياسة تنتهج قتل الفقراء والضعفاء للقضاء على أيّ اتجاه تمرُّد نابع من تلك الفئات. في فصول الكتاب يصف مبيمبي الأنماط التي تتكشف للفصل العنصري العالمي، منتقدًا بشدة الاستغلال الدقيق للآليات السياسية الحيوية للديمقراطية، مشيرًا إلى أن الديمقراطيات تصبح مقبرة عندما تقود حربًا ضد دول أخرى من أجل الحفاظ على أشكال الفصل العنصري العالمي، مستشهدًا بأمثلة مثل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وحرب الخليج ونماذج أخرى([9]).

يرى مبيمبي أن الحرب لم تكن فقط كغاية وضرورة في الديمقراطية، ولكن أيضًا في السياسة والثقافة، حالة الحرب التي تميز عصرنا تطلق مسارات قاتلة تدفع المجتمعات إلى الخروج من الديمقراطية والتحول إلى مجتمعات العداوة كما كان الحال تحت نيران الاستعمار، وقد بيَّن مبيمبي أن العداوة هي عصب الديمقراطيات الليبرالية، كما أوضح أن الديمقراطية الليبرالية لا توجد إلا مُكمّلة بالعبودية والعرق الاستعماري والإمبريالي([10]).

4- الوحشية فقدان الهوية الإنسانية Brutalisme 2020

يحلل مبيمبي في كتابه الوحشية الكارثة البيئية وأزمة المهاجرين والابتكار التكنولوجي واستمرار الفكر الاستعماري الغربي. يأخذ مبيمبي اسم الكتاب من التفكير الهندسي؛ إلا أنه يقصد بالموضوع نمطًا سياسيًّا بحتًا؛ نظرًا لأن السياسة والهندسة مسألة استعداد مقنَّن لمواد وأجسام ومسألة كميات وأحجام ومسافات وقياسات وتوزيع وتعديل الطاقة، والأمر عنده لا يتعلق بوضع علم اجتماع أو اقتصاد سياسي للتوحش ولا برسم لوحة تاريخية، ولا يخص الأمر معالجة العنف بصفة عامة أو أشكال من القسوة والسادية اللتين ولَّدهما الاستبداد، ولكن يهدف إلى طرح أسئلة بخصوص تلك الفترة التي هيمنت عليها ثلاثة تساؤلات مركزية، وهي الحساب في شكله الرقمي، الاقتصاد في شكله البيولوجي العصبي، الكائن الحي فريسة مسار تضخم. ففي هذا الكتاب يركز مبيمبي على ممارسة السلطة باعتبارها تمرينًا لتدمير الكائنات والأشياء والأحلام والحياة في سياق إفريقي معاصر، فهو يرى أن تغيير الإنسانية إلى مادة وطاقة هو المشروع النهائي للوحشية([11]).

يوضح مبيمبي في هذا الكتاب كيف تعمل الوحشية من خلال إجراء ما يسميه (ترسيم الحدود)، وهو تكتيك للسلطة يتضمن إبعادًا متنقلًا للحدود على الأرض والمياه وحتى الأجسام، وهذا يعني امتداد التحيز العنصري والنهب الاستعماري الجديد على نطاق كوكبي، بالنسبة له لم تعد إفريقيا المؤشر الاستثنائي على الافتراس الاستعماري والصراع العرقي ونهب الموارد الطبيعية، بل أصبحت إفريقيا النموذج على حالة كوكبية متزايدة من التجريد من الإنسانية، ومع ذلك يشير مبيمبي إلى أن كل استخدام قمعي للسلطة يشير إلى مقاومة متزايدة للحكومة. أيضًا يؤكد مبيمبي في هذا الكتاب على أن الغرب له واجب أخلاقي لإعادة الفن الإفريقي وإن هذا الاسترجاع يجب أن يقترن باعتراف صادق بتاريخ الاستعمار الهمجي. كما يرى أنه على الرغم من الرؤي الجديدة حول العرق والأنطولوجيا والأزمات المعاصرة تميل الوحشية إلى التمرين على العديد من الشعارات ما بعد الإنسانية([12]).

وفي الحقيقة، إن التوحش الذي ناقشه مبيمبي في هذا الكتاب والمتمثل في التقدم الرقمي وظهور عصر الآلة الرقمية يقودنا إلى القول بأن هذا التقدم المستمر والتطور السريع للآلة، وبزوغ عصر الذكاء الاصطناعي ما هو إلا إذن بانتهاء عصر العقل البشري، وسيحل محله الروبوت الصناعي ذو الذكاء الفائق. وهنا يطرح مبيمبي مشكلة من المشكلات الضخمة التي سيوجهها العقل البشري نتاج التقدم التكنولوجي، والتي بدلًا من أن يعمل هذا التقدم على مساعدة البشرية، فإنه سيؤدى إلى إرجاء العقل البشري جانبًا والاعتماد بشكل أساسي على الآلات الصناعية في الحياة اليومية بصفة عامة، ومن ثم كان هذا التقدم ضد البشرية أكثر من إفادتها.

5- الخروج من الليل المظلم Out of the Dark Night 2021

يقترح مبيمبي في هذا الكتاب من خلال سرد مَرِن ووصفي، إجراء فحص عام للحالة الصحية للقارة، وتحليل القضايا الرئيسية، وفي نفس الوقت الحسَّاسة مثل الاستعمار وإنهاء الاستعمار وتمازج الأجيال، والهدف العام من الكتاب هو الاستجواب حول المجتمعات التي انتهت استعمارها، ثم يتعمق مبيمبي بعد ذلك في حركتين سياسيتين وثقافيتين هما الزنوجة والبان أفريكانيزم (عموم إفريقيا)، واللتين رأى أنهما قادرتان على تدريب أطفال القارة أيديولوجيًّا من أجل تسجيل الانفتاح على العالم والصعود في الإنسانية، لكنهم لم يحققوا أغراضهم، وقد أوضح مبيمبي أن إنهاء الاستعمار كان على المستوى السياسي فقط، ولكنه مثير للجدل على المستوى الثقافي؛ حيث إنه ليس تحرر حقيقي للرجال السود من جميع الأبعاد، ثم بعد ذلك ينتقل مبيمبي إلى مناقشة الدور الاستعماري لفرنسا في القارة وموقفها بعد استقلال مستعمرتها، مؤكدًا أن فرنسا لم تتجاوب مع الدراسات ما بعد الاستعمارية مما يعني أنها تأخذ شكلاً استعماريًّا جديدًا، كما أنها تُصِرّ على النرجسية الثقافية مقتنعة بأنها لا تزال مركز العالم واصفًا تلك الحالة بالشتاء الإمبراطوري الطويل. خارج الليل المظلم يُصوّر إفريقيا ما بعد الاستعمار والأمل في حال الخروج من ظلام الليل حيث نور الشمس([13]).

ومن الملاحظ هنا أن جميع مؤلفاته تدور حول حالة الاستعمار التي تتسم بها القارة الإفريقية، حتى بعد إنهاء الاستعمار السياسي فقط؛ إلا أن الاستعمار المعرفي والوجودي ما يزال موجودًا، لذلك كانت هناك مطالبة بإنهاء الاستعمار على جميع المستويات، كما أن كتبه أيضًا تتسم بتتبع فكرة العنصرية، بدءًا من تجارة العبيد حتى حالة الحرب في العصر الحديث، وكيف أن العرق والعنصرية كان سببًا في وجود الجانب العدائي نحو الآخر المختلف في اللون والثقافة، وكيف أننا وصلنا في القرن الجديد لحالة من التوحش والتي هي أيضًا في الأساس نتيجة تطور الأدوات المستخدمة في سياسة العنف أو سياسة الموت، نجد أيضًا مبيمبي في ظل نقده للعنف الاستعماري، وما بعد الاستعمار يدعو إلى الاعتراف بالإنسانية من أجل الإنسانية والعمل من أجل مستقبل واحد مشترك لجميع البشر دون تمييز عنصري، موجهًا دعوته للقارة الإفريقية أن تحذو حذو جنوب إفريقيا، والتي وجد أنها الدولة الإفريقية الوحيدة التي تضاهي المجتمعات الغربية، كما دعا الأفارقة إلى عدم البحث عن هويتهم الإفريقية داخل بوتقة العرق، لا بد من الخروج من تحت سيطرة العرق؛ حيث إن الهوية في نظره هي نتيجة ممارسات يومية، وليس لها معيار ثابت، ومن هنا يتضح أن هدف مبيمبي إصلاحي في المقام الأول للشأن والحالة الإفريقية.

حصل مبيمبي على العديد من الجوائز من بينها جائزة الإخوة شول Geschwister-Scholl-Preis)) عام 2015م، عن كتاب “نقد العقل الزنجي”، والذي انتقد فيه توسع الرأسمالية العالمية اعتمادًا على تجارة العبيد، مؤكدًا أن الفكر العنصري لم يختفِ بعدُ من العقل الغربي. وحصل أيضًا على جائزة إرنست بلوخ، عام 2018م، وهي من أهم الجوائز الثقافية في ألمانيا، وهي جائزة من أجل دعم الفكر النقدي المرتبط بالواقع في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية.

ثانيًا: ماهية نظرية ما بعد الاستعمار

تطرح نظرية ما بعد الاستعمار مجموعة من القضايا المهمة المتعلقة بدراسة علاقة الأنا بالآخر، وثنائية الشرق والغرب، ودور الاستشراق في تزكية المركزية الغربية قوةً وتفوقًا ومعالجتها وتفكيكها. وتُعدّ تلك النظرية من أهم النظريات الأدبية والنقدية ذات الطابع الثقافي والسياسي في العصر الحديث بعدما هيمنت الميثولوجيا البيضاء على الفكر العالمي، وأصبح الغرب مصدر العلم والمعرفة والإبداع، ومِن ثَم فقد أصبح هو المركز([14]).

ظهر مصطلح ما بعد الاستعمار لأول مرة في بداية السبعينيات، عندما أطلق على الساحة السياسية للأمم التي تخلصت من سطوة الإمبراطوريات الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، وقد اكتسب المصطلح معناه في المجال الثقافي والنقدي في فترة الثمانينيات([15]).

لنظرية ما بعد الاستعمار تعريفات عدة، ومن أهم تعاريفها: إن مصطلح ما بعد الاستعمار يُستخدم ليغطّي كل الثقافات التي تأثَّرت بالعملية الإمبريالية من لحظة الاستعمار حتى وقتنا الحالي؛ وذلك لوجود خط متأصل من الاهتمامات، على مدار العملية التاريخية التي بدأها العدوان الإمبريالي، ومِن ثَم فإن نظرية ما بعد الاستعمار تهدف إلى تحليل كل ما أنتجته الثقافة الغربية باعتبارها خطابًا ذا مقصد، يحمل في ثناياه توجهات استعمارية إزاء الشعوب التي تقع خارج المنظومة الغربية، كما أن المصطلح يشير إلى وجود استعمار جديد يخالف الاستعمار القديم([16]).

تسلح الكتاب من آسيا وإفريقيا بالخطاب ما بعد الاستعماري لمناهضة التمركز الغربي، وتقويض المقولات الفكرية الأوروبية، مستخدمين آليات ومنهجيات متداخلة مثل التفكيكية الثقافية، السياسية، التاريخية، المقارنة، ومِن ثَم فإن حركة ما بعد الاستعمار حركة ثقافية مضادَّة ومقاومة ظهرت في وجه الهيمنة الغربية، ولم يقتصر كتاب هذه النظرية على كتاب العالم الثالث فقط، بل انضم إليهم كتاب من البلاد الغربية أيضًا، ويقوم هذا الخطاب بنقد الخطاب الاستعماري، والتمييز العرقي، والجنسي، والديني، والطبقي([17]).

تنبني نظرية ما بعد الاستعمار في مجال الحقل الثقافي بصفة عامة، وحقل النقد الأدبي بصفة خاصة، على مجموعة من المرتكزات الفكرية والمنهجية يمكن إيجازها في النقاط التالية:

1- فهم ثنائية الشرق والغرب من خلال رصد العلاقات التفاعلية التي توجد بينهما.

2- تفكيك الخطاب الاستعماري، وذلك من خلال فَضْح الخطاب الاستعماري الغربي وتفكيك مقولاته المركزية التي تُعبِّر عن الغطرسة والهيمنة، والاصطفاء اللوني والعرقي والطبقي.

3- الدفاع عن الهوية الوطنية والقومية من خلال رفض الاندماج في الحضارة الغربية منتقدين سياسة الإقصاء والتهميش والهيمنة المركزية([18]).

4- علاقة الأنا بالآخر؛ حيث ترتكز هذه النظرية على مناقشة علاقة الأنا والغير في ضوء مقاربات ما بعد الحداثة كالمقاربة الثقافية، المقاربة التاريخية، المقاربة السياسية، وذلك من أجل فهم العلاقة التفاعلية بين الأنا والآخر.

5- التعددية الثقافية؛ حيث دافع كثير من منظري ما بعد الاستعمار عن التعددية الثقافية، ورفض التمركز الثقافي الغربي والثقافة الواحدة المهيمنة ([19]).

إن حركة ما بعد الاستعمار بجانب كونها تسهم في تحليل ونقد الخطاب الاستعماري، ورفض الهيمنة والمركزية الغربية؛ فإنها في حقيقة الأمر حركة مدافعة وبشدة عن الهوية الثقافية، وتنادي بالحفاظ عليها والتمسك بها في وجه المركزية الأوروبية المتمثلة في الفكر الاستعماري([20]).

توجد عدة نماذج للخطاب ما بعد الاستعمار يعكس تنوُّع الأطروحات والمقاربات التي اتخذها الفلاسفة والمفكرون في هذا المجال. أحد هذه النماذج يعتمد على هوية القوم أو العرق؛ حيث يركز هذا النموذج على الجوانب الثقافية لعادات وتقاليد الشعوب، وتركز دراسات هذا النموذج على تجارب الشتات في القارة الإفريقية وكيفية تأثير الاستعمار على تلك التجارب، كما يسعى هذا النماذج لفهم الوعي الذي كان لدى السود الأفارقة في مقاومة الاستعمار باستخدام اللغة الفرنسية أو اللغة الاستعمارية الأخرى.

أما النموذج الآخر، فيعتمد على الصراع المباشر وغير المباشر بين المستعمِر والمستعمَر، ويتناول قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية. قد يكون هذا الصراع فكريًّا أو عقائديًّا أو ثقافيًّا في المجتمع المستعمر. وتتم دراسته وتحليله باستخدام تقنيات متعددة مثل الحوار والسخرية وغيرها، بهدف فهم ديناميات الصراع وتأثيراته على الهوية الثقافية والسياسية للمجتمعات المستعمرة. هذه النماذج تمثل تحديات وتفاعلات مختلفة تجاه مفهوم ما بعد الاستعمار، وتساهم في إثراء النقاش والتفكير حول الهوية والسيادة والتحرر في عصر ما بعد الاستعمار([21]).

يرى مبيمبي أن فكر ما بعد الاستعمار مُستمَد من نضالات المستعمَرين المناهضين للإمبريالية من ناحية، ومن تراث الفلسفة الغربية -جنبًا إلى جنب- التخصصات التي تُشكِّل العلوم الإنسانية الأوروبية من ناحية أخرى. ويلفت الانتباه في البداية إلى أن نقد الاستعمار، ليس نقدًا للغرب في حد ذاته، بل لشواهد الوحشية التي خرجت من رحم مفهومٍ معين، يطلق عليه مبيمبي نهجًا استعماريًّا جاء ليكبّل العقل والإنسانية والعالمية أجمع([22]).

كان الاستعمار ميدانًا لا علاقة للقانون فيه بالعدالة، بل وعلى النقيض، مثَّل القانون أداةً لإشعال الحروب وإذكائها واستمرارها، نتيجة ذلك، من الممكن القول: إن الفكر ما بعد الاستعماري ليس نقدًا للسلطة، بل هو نقد للقوة، قوة أضلت سبيل الهداية. وبإيجاز شديد، فإن فِكْر ما بعد الاستعمار يفضح مخزون الأباطيل والأدوار الوهمية التي من دونها لم يكن بوُسْع الاستعمار كنظام سلطة تاريخي أن يتحقق. وعلى هذا النحو، يبين لنا ذلك كيف أن النزعة الإنسانية التي تخلَّلت الروح الأوروبية في مستعمراتها ليست سوى محض ازدواجية، تناقض، وتزوير للواقع([23]).

إن ما يميز الفكر ما بعد الاستعماري ويجعله قويًّا سياسيًّا هو ارتباطه بالنضالات الاجتماعية التاريخية للمجتمعات المستعمَرة، وخاصةً إعادة قراءته لممارسة التفكير في إطار ما يُعرَف بحركات التحرر. وبناءً على ذلك، فإنه نظام تفكير لا يزال يتبع منظورات متعددة، تُشدِّد على أن الوسيلة الحقيقية للتعلم تكمن في اكتساب الطرق التي تهدف إلى تغيير العالم. فإن هذا الفكر كنظام لا يزال يتّبع منظورات متعددة، تُشدِّد على أن الوسيلة الحقيقية للتعلم تكمن في اكتساب الطرق التي تهدف إلى تغيير العالم. إنه نهج فكري يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالذاتية والوجود بحد ذاته، وبالطريقة التي يمكن بها تجاوز جدلية السيد والعبد، والمستعمر والمحلي([24]).

يهدف مشروع مبيمبي لما بعد الاستعمار إلى استعادة الأفارقة الإحساس بكمالهم وصلاحيتهم كأفراد مواطنين أفارقة مستقلين، كما اقترح على المستوى الاجتماعي التركيز على الممارسات اليومية المعاصرة التي تسمح للأفارقة بالتواصل بفاعلية غير مسبوقة مع العالم والمحافظة على هذه العلاقات. يتفق مبيمبي بشكل كبير على أن نظرية ما بعد الاستعمار تركز على الآثار المستمرة للاستعمار، ولكنها تُقدّم مقاربة مختلفة من حيث التركيز على تحليل الممارسات اليومية التي ينخرط فيها الأفارقة، وكيفية تفاعلهم مع تراث عمليات الاستعباد والاستعمار([25]).

يصف مبيمبي مفهوم ما بعد الاستعمار على وجه التحديد باعتباره مسارًا تاريخيًّا معينًا، مسار مجتمعات خرجت مؤخرًا من تجربة الاستعمار والعنف التي انطوت عليها العلاقة الاستعمارية، ويتعين القول: إن حقبة ما بعد الاستعمار تعددية على نحو فوضوي، بالإضافة إلى طرق متميزة لتكاثر الهويات وتحولها ووضعها في التداول، فهذه الحقبة كثيرة الدلالات([26]).

يرى مبيمبي أننا يمكن أن نُميّز بين ثلاث لحظات مركزية في تطور الفكر ما بعد الاستعماري:

اللحظة الأولى هي لحظة النضالات المناهضة للاستعمار.

أما اللحظة الثانية والتي حدثت بشكل عام في الثمانينيات فهي لحظة التأويل والتفسير، والتي كانت ذروتها في نشر تحفة إدوارد سعيد “الاستشراق”، والذي أرسى أُسس ما كان سيصبح تدريجيًّا “نظرية ما بعد الاستعمار”.

 واللحظة الثالثة تتمثل في الواقع المركزي في عصرنا وهي العولمة والتوسع المعمم في شكل سلع والاستيلاء على مجمل الموارد الطبيعية والإنتاج البشري وباختصار الاستيلاء على مجمل الكائن الحي، فنظرية ما بعد الاستعمار كوكبة فكرية تنبع قوتها وضعفها من التجزئة ذاتها، فقد نتجت عن تداول المعرفة بين القارات ومن خلال مختلف التقاليد المناهضة للإمبريالية، فهي كنظرية تضع نصب أعينها على شيئين هما؛ كشف العنف المتأصل في فكرة معينة عن العقل والحد الفاصل في ظل الظروف الاستعمارية، الفكر الأخلاقي الأوروبي عن قراراته العلمية والسياسية، أما الشيء الثاني فهي تُصِرّ على فكرة الإنسانية([27]).

يهدف مبيمبي بتركيزه على مناقشة ما بعد الاستعمار إلى إصلاح مفهومي العصر والمدة، وليس المقصود بالعصر حقبة زمانية، بل المراد بها عدد من العلاقات وتكوين أحداث مرئية ومحسوسة ومنتشرة ومتعددة الوجوه، وباعتبار ما بعد الاستعمار عصرًا، فهو يشمل مددًا متعددة تضم انقطاعات وانتكاسات وحالات جمود وتقلبات متراكبة يتخلل بعضها البعض الآخر، أيضًا أراد أن يطرح مسألة الإحلال، والتي لا يراد بها الإشارة إلى تغيير المكان أو الانتقال أو استحالة وجود أيّ مركزية عدا مركزية مؤقتة ومخصوصة يُعاد تعريفها بشكل دائم، وقد انطلق من فكرة وجود علاقة وثيقة بين الذات والزمن؛ بحيث يمكن للمرء أن يتصور بطريقة ما الذاتية نفسها بأنها زمنية، وتسأل مبيمبي عن مجموعة العلامات المميزة التي وضعت على العصر الإفريقي الحالي شكله المميز وغرابة أطواره ومفرداته وسحره وجعلته مصدرًا للرعب والدهشة والبهجة في آنٍ واحدٍ([28]).

هدفت نظرية ما بعد الاستعمار إلى تفكيك الخطاب الاستعماري، أي التكوين العقلي والتمثيلات والأشكال الرمزية التي كانت بمثابة البنية التحتية للمشروع الإمبراطوري، فهي تسعى لكشف مخزون الأكاذيب التي بدونها كان الاستعمار كتكوين تاريخي للقوة سيفشل. فيمكن للمرء أن يقول: إن فكرة ما بعد الاستعمار هي من عدة جوانب فكرة عالمية حتى ولو لم تستخدم هذا المفهوم في بدايتها، كما يمكن اعتبار ما بعد الاستعمار حلمًا لشكل جديد من أشكال الإنسانية تعتمد قبل كل شيء على مشاركة ما يميزنا، ومن أجل وجود سياسة عالمية من الضروري الاعتراف بالحق العالمي لكل فرد في وراثة العالم بأكمله، وأخيرًا الفكر ما بعد الاستعماري ليس مناهضًا لأوروبا، ولكن يجب تصور أوروبا باعتبارها تعددية([29])، وتلك النظرة تختلف تمامًا عن نظرة أوروبا لنفسها باعتبارها المركز.

سلك مبيمبي مسلكًا مختلفًا عن معظم المقاربات ما بعد الاستعمارية، والسؤال الرئيسي لفكر مبيمبي في مشروعه ما بعد الاستعمار هو: “ما اليوم، وما نحن، اليوم؟ ما هي خطوط الهشاشة والتداعي والشقوق في الحياة الإفريقية المعاصرة؟ وكيف بالإمكان أن يُفضي تجنب ما كان، إلى ولادة أمر آخر؟ لذا فمشروعه هو نقد للخطاب الإفريقي الذي يتناول المجتمع([30]).

ثالثًا: العولمة وعلاقتها بنظرية ما بعد الاستعمار

العولمة عملية انتقال الأفكار والمعلومات والقيم والأذواق على الصعيد العالمي، والذي أدَّى بدوره إلى فقد القدرة على التحكم في تدفق الأفكار والقيم فيما بين المجتمعات؛ حيث حملت العولمة في طياتها أيديولوجية الاختراق الثقافي، لصياغة ثقافة عالمية مندمجة. وقد يتعارض هذا النمط الثقافي مع خصوصية وهوية الشعوب([31]).

العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير الأنماط والنظم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومجموعة القيم والعادات السائدة، وإزالة الفوارق الدينية والقومية والوطنية في إطار تداول النظام الرأسمالي الحديث([32]). كما أن لها هدفًا سياسيًّا وثقافيًّا يهدف إلى إعادة بناء هيكليات أقطار العالم السياسية في صياغة تفكك الأوطان والقوميات إلى كيانات هزيلة قائمة على نزاعات قبلية عرقية أو دينية طائفية أو لغوية ثقافية، بهدف سلب أمم العالم وشعوبها القدرة على مواجهة الزحف المدمر للرأسمالية العالمية، والتي لا تستقر إلا بالتشتت الإنساني([33]). ويثير مصطلح العولمة جدلًا واسعًا على الساحة العالمية في مختلف مجالات الحياة، فهي تعني تعميم نموذج الحضارة الغربية وأنماطها السياسية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية على العالم كله، كما تعني انفتاح العالم على بعضه في التجارة والاقتصاد والسياسة والثقافية دون حواجز أو قيود، فالعولمة ليست غزوًا اقتصاديًّا، بل هي غزو قومي، هذا الغزو يهدف إلى إخضاع الشعوب وهدم الثقافات وتشويهها وطمس معالمها، ومِن ثَم تحقيق التبعية الكاملة للإمبريالية الثقافية الجديدة([34]).

كما كانت العولمة، منذ البداية، مشروعًا أيديولوجيًّا، ساعد على تطبيع الرأسمالية تحت مظلته. وقد جَعَلَت العولمةُ الرأسماليةَ غيرَ مرئية (أو غير مرئية بدرجة غير مسبوقة)؛ حيث خبَّأَتها خلف مجموعة من التغييرات التي تم التعامل معها بوصفها ظواهر شبه طبيعية لا يملك الإنسان إزاءها سوى أقل القليل. كانت جميع الأشياء التي حدثت بوصفها جزءًا من العولمة حقيقية بما فيه الكفاية، ولكنَّ السرد الشامل الكبير للعولمة التي وُضعت فيه تلك الأشياء كان خيالًا؛ وهو خيال فعَّال، ولكنه يظل رغم ذلك خيالًا([35]).

للعولمة أهمية في دراسات ما بعد الاستعمار، وتأتي أهمية العولمة في تلك الدراسات من إظهارها لهيكل علاقات القوة العالمية التي ظلت راسخة في القرن العشرين كإرث للإمبريالية الغربية، أيضًا الطرق التي تشارك بها المجتمعات المحلية مع قوى العولمة تحمل بعض التشابه مع الطرق التي شاركت بها المجتمعات المستعمرة تاريخيًّا قوى الهيمنة الإمبريالية وامتلكتها، وتوضح تلك الدراسات أن العولمة متعددة الثقافات بنفس الطريقة التي كانت عليها الإمبريالية نفسها، فالعولمة لم تنطلق بعفوية حول العالم لكنها ذات تاريخ متأصل في تاريخ الإمبريالية وفي بنية النظام العالمي وفي أصول الاقتصاد العالمي داخل الأيديولوجية الإمبريالية([36]).

من منظور مبيمبي يمكن اعتبار فكر ما بعد الاستعمار في كثير من وجوهه أسلوب تفكير معولم، حتى ولو لم يشر إلى هذا الاصطلاح منذ البداية. يوضح الفكر ما بعد الاستعمار أن الاستعمار ذاته هو انعكاس تجربة عالمية أسهمت في تعميم التمثيلات والتقنيات والمؤسسات على العالم بأكمله. ويبين النقد ما بعد الاستعماري أن حداثتنا العالمية ينبغي النظر إليها بدقة في سياق ما قبل القرن التاسع عشر، بدءًا من فترة تجارة الرقيق.

إن عصر تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي هو عصر الهجرات الكبرى، رغم وقوعها بالإكراه والقوة. إنه العصر الذي تخالطت فيه أمم وشعوب، بالقسر. وشهد فيه التوالد البديع الذي بزغ في ضوئه العالم الهجين للثقافات الحضرية المعاصرة الكبرى. وحتى قبل أن تكون المستعمرات مختبرات كبرى للحداثة في القرن التاسع عشر، قامت المستوطنات الزراعية بالتمهيد لوعي جديد إزاء الثقافة والعالم([37]).

العولمة وإفريقيا:

يجادل مؤيدو العولمة بأنها تسمح للبلدان النامية ومواطنيها بالتطور اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا لرفع مستويات معيشتهم، ومع ذلك زعم معارضو العولمة أن هذه العملية أفادت الدول المتقدمة عن نظائرها من الدول النامية، ففي العديد من البلدان الإفريقية، أثرت العولمة على الفلسفة الإفريقية والهويات الثقافية لها؛ حيث يشعر البعض أن ثقافتهم يتم استبدالها بقِيَم وفلسفات أجنبية([38]).

وعلى الرغم من أن الذين ينظرون إلى العولمة بعدسة إيجابية ينظرون إليها على أنها عملية تربط جميع الناس في جميع أنحاء العالم؛ حيث يتم من خلالها دمج شعوب العالم في مجتمع عالمي واحد، فإن المفكرين الآخرين الذين شهدوا، على مر السنين الآثار السلبية للعولمة؛ يصفون العولمة على أنها ضمور ثقافي؛ حيث يتم ابتلاع بعض الثقافات مِن قِبَل الآخرين. العولمة إمبريالية غربية تسعى إلى فرض هيمنتها على الدول التي خضعت للاستعمار يومًا ما، وبالتالي فالعولمة هي امتداد للاستعمار الغربي المستمر تحت ستار الاهتمام بالترابط الدولي([39]).

وللعولمة عدة آثار سلبية على القارة الإفريقية، فعلى المستوى السياسي أدت العولمة إلى تهميش القارة الإفريقية؛ بسبب ترجع مكانة القارة وتصنيف دولها في مرتبة أدنى مما كانت عليه. وبخلاف خطورة الآثار السلبية على السياسة الإفريقية؛ إلا أن الآثار الثقافية لم تكن أقل خطورة على الهوية الثقافية للقارة الإفريقية؛ فعلى المستوى التاريخي تعد العولمة استعمارًا ثقافيًّا جديدًا، يهدف إلى إحداث خلل في الهويات الثقافية للشعوب بنشر العولمة الثقافية أحادية القطب بهدف الاستيلاء على حضارة الشعوب الفقيرة، وبالتالي فهي امتداد للاستعمار التقليدي الثقافي القديم. وعلى المستوى الروحي تهدف العولمة إلى نزع الجانب الروحي من الجسد مع إبقاء الجانب المادي والجسدي فقط؛ حيث تنتج العولمة الإنسان المادي الحيواني بالقضاء على الجانب الروحي والنفسي والفكري. وعلى المستوى الاقتصادي تهدف العولمة إلى تأكيد تبعية الشعوب الفقيرة إلى الدول المتطورة، والتي تُغني الشعوب الضعيفة بالماديات مقابل التنازل عن هويتهم الثقافية، وإظهار التبعية الثقافية لتلك الدول المتقدمة. وتُعدّ إفريقيا الأشد ضررًا من العولمة الثقافية؛ حيث يتم طمس معالم الثقافة الإفريقية الراسخة إن لم تكن محاولة لمحوها تمامًا، كما أن للعولمة تأثيرًا كبيرًا في تفجير الصراعات العرقية والقبلية داخل القارة الأمر الذي كشف تعقيد أزمة الهوية داخل المجتمعات الإفريقية متعددة الأعراق، وأصبحت إفريقيا هي الخاسر الأكبر من تلك العولمة الثقافية([40])، ويمكن حصر الآثار السلبية للعولمة في الجانب الثقافي فيما يلي:

أولًا: اختراق البنية الثقافية المحلية، وتفاقم مخاطر الاستلاب والغزو والاستعمار الثقافي، مما يؤدي إلى محو الهوية الحضارية الثقافية للأمة، ونزع الخصوصية الشخصية للشعوب الإفريقية والمتمثلة في اللغة والدين والأخلاق والتاريخ والعادات والتقاليد. وثانيًا: الهيمنة والاستتباع الحضاري، والاستسلام لتلك العملية ثم يأتي فقدان الشعور بالانتماء للوطن، وبالتالي إفراغ الهوية الثقافية من كل محتوى. وثالثًا التقليل من قيمة الثقافات المختلفة وفرض هيمنة الثقافة الواحدة. ورابعًا حرمان الشعوب المتخلفة من اللحاق بركب التقدم؛ نظرًا لانتشار الأمية بها، والعولمة تقوم على تقنيات عالية لا تمتلكها تلك الشعوب([41]).

يتبنَّى مبيمبي موقفًا نقديًّا تجاه العولمة؛ حيث يركز على التأثيرات السلبية التي قد تطرأ على الهويات والثقافات الأصلية في العالم النامي بسبب تفشي العولمة، كما يعتبر أن العولمة الثقافية قد تؤدي إلى تجاهل الثقافات والهويات المحلية، وتشجيع الاستهلاك الثقافي العالمي الواحد على حساب التنوع الثقافي. أيضًا يشير مبيمبي إلى أن العولمة الاقتصادية قد تؤدي إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية بين الدول النامية والدول المتقدمة، وبالتالي تعزيز التبعية الاقتصادية للدول الأقل نموًّا، لذلك يرى أنه يتعين على إفريقيا، بالاعتماد على المقرضين الدوليين أو من دونهم، أن تواجه تحدي القدرة التنافسية لاقتصادها على المستوى العالمي، فلا يمكن النهوض لهذا التحدي بنجاح في الاقتصاد العالمي الحالي دون زيادة في الإنتاجية([42]).

وفقًا لما تقدم يرفض مبيمبي الهيمنة الغربية ذات الاتجاه الواحد، ويؤكد على التعددية الثقافية وضرورة قبول الآخر، كما يؤكد على خطورة العولمة على المجتمعات الإفريقية، ومِن ثَم يجب يقظة إفريقية لتبعيات العولمة السلبية ومجابهتها.

رابعًا: نهاية العالم ومستقبل إفريقيا من منظور أشيل مبيمبي

شاعت فكرة النهايات في كل شيء بما في ذلك نهاية العالم بالانتقال من عصر الحداثة إلى ما بعد الحداثة. ووفقًا للمنظور الفلسفي الحديث، وبعد شيوع فكرة النهاية أصبح نهاية العالم ذات مضمون مختلف عن المنظور الديني؛ حيث يُنظَر للنهاية من حيث التقدم والتطور والحرية والتاريخ، وفي اعتقاد فلاسفة النهايات أن العالم قد وصل بالفعل إلى النهاية. لكن من منظور الفلسفة الإفريقية هناك رأي آخر وهو رأي مستمَدّ من خلال الرؤية المستقبلية للقارة الإفريقية، ومِن ثَم تصبح فكرة نهاية العالم من منظور ما بعد الحداثة لا تتفق شكلًا ومضمونًا مع الفلسفة الإفريقية.

إن فكرة النهاية في الفلسفة الإفريقية، وعلى وجه الخصوص فلسفة ما بعد الاستعمار، اتخذت شكلًا ومضمونًا آخر. تفتح نهاية العالم سؤالًا فلسفيًّا يتعلق بمفهوم العالمية، وهو عنصر أساسي في كل الفلسفة الوجودية، والظاهرياتية، والتأويلية(*). هل نهاية العالم يعني موت شخص ما (نهاية الوجود في العالم)، أم انقراض الكثير أو الكل (نهاية العالم نفسه)؛ يعتقد مبيمبي أن مسألة نهاية العالم يجب أن تُترك مفتوحة، وألا تُحدّد بمعنى معين، فهو يرى أنه لا يوجد عالم واحد فقط كما أننا لا نستطيع التفكير كما لو كان هناك عالم واحد فقط أو شكل واحد فقط من أشكال الوعي بالعالم. ونتيجة ذلك يجب أن تظل مسألة العالم مفتوحة، بل أن تظل هي الأساس. كما أن سجلات العالم(*) نفسها تعددية، فهي متعددة العوالم، وتعدد المحفوظات، وإذا تم قبول ذلك، فمن الممكن أن نعترف بأن هناك عوالم تنتهي وعوالم أخرى تنشأ، وعوالم أخرى في مواقف مختلفة([43]).

إن السمة الرئيسية لما نطلق عليه الأزمنة الحديثة هي أنها بدأت تحت علامة التشتت، والدفع إلى الحركة، والاندفاع إلى التشنج، تحت نيران الرأسمالية، ودورات واسعة من الهجرة الكوكبية، والهجرات القسرية وكذلك الهجرات الطوعية، والمزيد من الهجرات الناجمة عن عنف الحروب، والتحول إلى الديانات التوحيدية، والرغبة في رأس المال مع تكديس القوى العاملة. هذا النزوح الضخم لاستخدام هذا المصطلح (نهاية العالم)، أبعد ما يكون عن الانتهاء. ففي كل مكان نراه من أجزاء مختلفة من العالم صورًا يمكن تسميتها “إفريقية”؛ لأنه اليوم يمكن رؤية صورة البؤس الإفريقي في كل مكان، وإن العالم الذي نتحدث عنه هو نتاج حركة دائرية واسعة النطاق التي وصلت إلى اضطراب هائل لم تترك أيّ منطقة على وجه الأرض، أو أي شخص. حتى لو لم تؤثر هذه الحركة على الأرض كلها بنفس الشدة. ومِن ثَم يوجد ما يسمى بالتداول الذي من خلاله يأتي عالمنا الحديث إلى الوجود. فدستور العالم الحديث في الحركة والتداول وهو دستور عالمي، وفي نهاية العالم عدم القدرة على امتلاك الحق العالمي في التداول([44]).

يعتبر مبيمبي أن فكرة سجلات(*) العالم، وأنواع العالم المتداولة، وأن فكرة نهاية العالم هي تعتمد بشكل حصري على منطقة واحدة من العالم، أي مفهوم إقليمي بالكامل. وبالنظر إلى مجمل أرشيفات العالم، يتضح أنه ليس من الصحيح أن البشرية في مجملها لديها فكرة عن موضوع نهاية العالم، ففي وسط إفريقيا وهي منطقة قديمة جدًّا منذ ملايين السنين، توجد رجال ونساء، يرون القصص ويغنون أغانيهم ويعزفون موسيقاهم، يقدم هذا النوع من الإنتاج الإنساني سجلات غير مكتوبة، فالمحفوظات إذن ليست فقط المكتوبة، وفي هذا النوع من الأرشيف، لن تجد مقولة واحدة حول نهاية العالم، ومِن ثَم، هناك ثقافات ليس لها مكان لهذه الفكرة، هذه الثقافات تعتقد بأن العالم لا ينضب، لا نهاية للعالم، لا نهاية للوقت، وهذا لا يعني أن العالم أبدي، بل يعني انفتاح العالم على ما هو غير متوقع(*).

أيضًا إذا نظرنا إلى الحقيقية التاريخية للعبودية، وهنا يناقش مبيمبي فكرة العبودية، والتي يمكن فهمها أيضًا على أنها تجربة نهاية العالم، فالسؤال هو كيف نعيش في نهاية العالم، العالم الذي حدث بالفعل (العبودية)، كيف نعيش في اليوم التالي لنهاية العالم (انتهاء العبودية)، كيف نعيش خسارة العالم الذي كان لنا، فالملايين من الناس كيف يكسبون بعد خسارة عالمهم، وحديث مبيمبي هنا عن الأفارقة، فخسارتهم لا يمكن تعويضها أبدًا، خسارة دون وسيلة للعودة، الخسارة المطلقة، والحديث هنا عن جنوب إفريقيا؛ حيث عانى الناس من خسارة جذرية، لقد جربوا الفصل العنصري وليس لديهم أيّ ضمان على الإطلاق لاسترداد كل ما فقدوه جراء الفصل العنصري. إن العالم الذي يشير إليه مبيمبي هنا ليس عالمًا موضوعيًّا، لم يفكر في العالم بالمعنى المسند كما كان في الميتافيزيقا الغربية، الراسخ في فكر الوجود، في مسألة الكينونة، والتي هي أحد الأسئلة المركزية للتوحيد، فإن الوجود هو بالضرورة سؤال واحد. لكنَّ العالم الذي يتحدث عنه الواحد والجوهر فكر من خارج العلاقة، وفي طريقة التفكير هذه تكون تركيبات العالم هي السؤال الرئيسي، أنه سؤال حول تكوين العالم وليس نهاية العالم([45]).

يفكر مبيمبي من خلال تجربته في إفريقيا، في التهديد المتمثل في تشخيص العالم الذي أحدثته الرأسمالية الغربية والاستعمار أو تعرض مجموعة من العوالم للخطر باسم العالم الواحد. إن عصرنا يتميز بشكل عميق بالهيمنة الأوروبية والغربية على العالم بأَسْره من خلال الرأسمالية، والتي هي القوة الدافعة للعولمة المعاصرة. ويتبع مبيمبي الطريقة التي تدمر بها الهيمنة الرأسمالية ذات الأصل الأوروبي مناطق مختلفة غير أوروبية ولكنها تسبب الدمار في أوروبا والغرب أنفسهم، لكن مبيمبي يرفض مسألة نهاية العالم باعتبارها رؤية غربية –وحتى مسألة العالم– باعتبارها متجذرة بعمق في الميتافيزيقا الأوروبية، ويبحث بدلًا من ذلك عن طرق أخرى للتفكير، على سبيل المثال، في سياسة التداول والسجلات المشاركة من أجل التعبير عن الواقع بمصطلحات إفريقية على وجه التحديد([46]).

نهاية العالم والمستقبل:

إن فكرة نهاية العالم تتعارض مع الحديث عن المستقبل؛ يرى مبيمبي أن هناك تطورات وتغيرات كثيرة تحدث في إفريقيا على أصعدة مختلفة، سواء على الجانب التكنولوجي أو الجانب الاقتصادي، وأن هذه التغيرات سيكون لها تأثير ليس فقط على إفريقيا في حد ذاتها، وإنما سيؤثر على كوكبنا، فهناك إجماع ضمني على أن مصير الكوكب سينتهي إلى حد كبير في إفريقيا، سيشكل التحول العالمي للمأزق الإفريقي الحدث الثقافي والفلسفي الرئيسي للقرن الحادي والعشرين. هذا الانعطاف العالمي هو نتيجة تحوُّل مفاهيمي مستمر لم يكتمل بعدُ، ويُعلّق على هذا التحول بأنه:

أولًا، يُنظر إلى إفريقيا تدريجيًّا على أنها المكان الذي يتعرّض فيه مستقبل الكوكب للخطر.

ثانيًا، يُنظر إلى مستقبل إفريقيا داخل القارة نفسها بشكل متزايد على أنه مليء بالإمكانات غير المتوقعة، والعوالم المحتملة. فقد يعتقد الكثير أنه من خلال التنظيم الذاتي يمكننا في الواقع إنشاء عدد لا يُحصَى من نقاط التحول التي قد تؤدي إلى تغييرات عميقة في الاتجاه الذي تتخذه القارة.

ثالثًا، هناك مؤخرًا إجماع ضمني، لا سيما بين المؤسسات المالية الدولية والخبراء، على أن تمثل إفريقيا آخر حدود الرأسمالية، وبالرغم من وجود اختلاف في وجهات النظر في العنصر الثالث، إلا أنه توجد أدلة تدعمه، منها تسارع النبض الاقتصادي لإفريقيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وارتفاع الناتج المحلي، والتي من المحتمل أن تصبح إفريقيا مصدرًا مهمًّا لزيادة الاستهلاك العالمي([47]).

إن تطور الرأسمالية في إفريقيا يعتبر جانبًا مهمًّا من جوانب التحول التاريخي العالمي في ثروات البشرية التي تجري الآن بفضل صعود الصين والهند، فقد أصبحت الصين في الوقت الحالي لاعبًا بارزًا أكثر من غيرها في صناعة مستقبل إفريقيا([48]).

وفيما يخص النظام البيئي في إفريقيا يرى مبيمبي، أن الأفارقة كانوا يتعايشون مع درجة عالية من التقلبات المناخية والمخاطر المرتبطة بها ويتأقلمون معها منذ قرون، إلا أن التغيرات المناخية وحدوث الكوارث المناخية خلال القرن العشرين أدت إلى زيادة التركيز على المخاطر، فهي تهدّد بتقويض الأصول الطبيعية لإفريقيا (إنتاجية الأراضي، الثروة الحيوانية، والمياه، وموارد الطاقة) (القدرات الصحية والتغذية والتعليم) مع وضع المنطقة في فخ التنمية البشرية المنخفضة. باختصار تعد القارة مركزية بالنسبة للأزمة البيئية العالمية، ورغم ذلك فإن القارة لها حلول أكثر فاعلية للفخ الإيكولوجي العالمي الذي يطغى على القرن الحادي والعشرين، وذلك لأن إفريقيا هي موطن ثاني لأكبر كتلة من الغابات الاستوائية في العالم، كما أن سعة تخزين الكربون في البيئات الحيوية الإفريقية كبيرة، ففي الوقت الذي تتزايد فيه الانبعاثات العالمية بسرعة، تعد الآلة العملاقة لاحتجاز الكربون مثل الأراضي الزراعية، والتي تعتبر أحد العناصر الأساسية في التحكم في المناخ([49]).

وعن مستقبل الحياة يرى مبيمبي أنه لفترة طويلة كان الجنس البشري مهتمًّا بكيفية ظهور الحياة وتوزيعها المكاني وظروف تطورها ومرونتها، اليوم أصبح هناك تغيير واضح؛ حيث تمت إعادة تشكيل السكان من خلال علم تحسين النسل الليبرالي الجديد. وبسبب النظام الجديد لتوزيع المواد الكيميائية والمغذيات والمواد الملوثة، لا يتم تقليص الحياة فقط، بل تتم إزاحة الحدود القديمة، وتؤدي الاستمرارية وعدم الانفصال بين الكائنات الحية وبيئتها بسرعة إلى ظهور بيولوجيا جديدة تمامًا لهذا العالم، بالإضافة إلى طرق جديدة لتقسيم الأرض نفسها. وبسبب الاكتشافات الحديثة في العلوم المختلفة والنتائج المترتبة على تلك الاكتشافات أدت إلى إعادة تقييم الفكرة السائدة عن البيئة الصالحة للسكن، وما هي متطلبات الحياة باختصار البحث عن طرق جديدة لتصور الحياة والتي من المحتمل أن تصبح حالة الكوكب الجديدة([50]).

أما عن مستقبل العقل؛ فهناك الكثيرون يدركون أن إدراك العقل قد وصل إلى أقصى حدوده. كان يُنظَر إلى العقل دائمًا على أنه أعلى مَلَكات الإنسان، وهو الذي فتح الأبواب للمعرفة والحكمة والفضيلة، والأهم من ذلك الحرية. اليوم العقل هو قيد التجريب؛ حيث إنه يتم استبدال العقل وتصنيفه بشكل متزايد بواسطة العقلانية الأداتية، لم يعد الدماغ البشري هو الموقع المميز للعقل؛ حيث تم تنزيل الدماغ البشري في ماكينات، كما تم التنازل تدريجيًّا عن قدر هائل من القوة إلى التجريدات من جميع الأنواع، يتم تحدي الأساليب القديمة من خلال أساليب تنشأ من خلال التكنولوجيا وداخلها بشكل عام والتقنيات الرقمية بشكل خاص. لقد أدى التكاثر الحسابي للعقل إلى أن العقل لم يعد مجرد مجال للنوع البشري، أصبح الآن نشاركه مع العديد من الفاعلين الآخرين، وأصبح تفسير الواقع يتم بشكل متزايد من خلال الإحصاء والبيانات الوصفية والرياضيات. أيضًا أصبح الآن كثير من الناس يديرون ظهورهم للعقل لصالح أنماط أخرى من التعبير والإدراك، فهم يطالبون بإعادة تأهيل العاطفة، في العديد من الصراعات السياسية المستمرة في عصرنا. إن العقل كان سببًا لمحاربة الأسطورة والخرافات والظلام([51]).

وهنا يشير مبيمبي إلى الخطر الذي يكمن خلف التقدم التكنولوجي والتطور السريع والمتواصل للآلة الذكية هذا التطور يُشكّل تهديدًا محتملًا لقيمة وقامة العقل البشري ذاته؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح مسيطرًا بدلًا من أن تكون الآلة تحت سلطة العقل البشري، ولعل تجربة أيلون ماسك بزرع شريحة إلكترونية في دماغ بشري تطبيق حي لمثل هذا الخطر.

أما عن مستقبل الديمقراطية، فيرى مبيمبي أن عصرنا الحالي سيشهد نهاية الديمقراطية؛ حيث تحولت الديمقراطيات إلى حصون مؤمنة؛ في حالات الطوارئ الدائمة تخوض حربًا مستمرة على الإرهاب، وتخلق الديمقراطية عالمًا خاليًا من العلاقات يقودها البحث المهووس عن العدو، وتتحول المجتمعات الديمقراطية إلى مجتمعات عداء، وفي ذلك تأكيد على الميل الديمقراطي للعنف والعداء، والذي يعتبر ظاهرة ليست بجديدة، ومن تلك الصورة نجد مبيمبي مدافعًا عن زوال الديمقراطية، لكن الزوال هذا مقرون بصوت ديمقراطي لأنه يرى في الديمقراطية الأمل الوحيد في المستقبل، لذلك، يعتقد مبيمبي أن الديمقراطية في جوهرها تحدد الحادث الأخلاقي على أساس الاعتراف بالآخر في تفرُّده. يتوقف مستقبل الديمقراطية على مسألة كيفية التعامل مع الآخر، وتتطلب إعادة قراءة التاريخ الذي يفترض أننا نتشارك التاريخ والمستقبل([52]).

ويرفض مبيمبي الديمقراطية بصورتها الحالية، والتي هي بمثابة استمرارية لماضٍ استعماري طويل، لذلك يدعو إلى تحول في الديمقراطية، تحوُّل يعترف بالإنسانية ككل.

وعن مستقبل العنصرية يرى مبيمبي أيضًا أن العبودية كانت تُستعمَل دائمًا كمكمّل لرأس المال، وكانت الطبقة والعرق يشكلان عنصرين تبادليين، وكان صراع الطبقات لا ينفصل عن صراع الأعراق. واليوم هناك أنواع جديدة من العنصرية، والتي لم تعد بحاجة إلى الارتكاز البيولوجي لإضفاء الشرعية على نفسها، وإنما يمكنها أن تنادي لمطاردة الأجانب. في ظل الأزمة الحالية في الغرب، يشكل هذا النمط من العنصرية إضافة للنزعة الوطنية، في الوقت الذي أفرغت العولمة الليبرالية الجديدة النزعة الوطنية بل والديمقراطية ببساطة من كل محتوى حقيقي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تؤكد التطورات الحديثة في مجالات علم الوراثة الفكرة القائلة بأن مصطلح العرق مصطلح لا معنى له.([53])

إن المستقبل في إفريقيا يكمن في التحديات التي تواجهها والأساليب التي ستتبعها القارة من أجل مواجهة تلك التحديات من خلال اختراع تصور جديد بديل للحياة والقوة على الكوكب، وتجديد التضامن الذي يتجاوز الانتماءات العشائرية والعرقية، وتعبئة الموارد الدينية لروحانيات الخلاص، وتوطيد مؤسسات المجتمع المدني عبر الوطنية، وتطوير القدرة على الاحتشاد لا سيما في اتجاه الشتات. كما يتعين على إفريقيا أن توجه نظرها نحو الجديد. وسيتعين عليها أن تعد نفسها لتحقيق ما لم يكن ممكنًا من قبل، وسيتعين عليها أن تفعل ذلك بوعي أنها تفتح عصورًا جديدة لنفسها وللعالم([54]).

يرى مبيمبي أن الغرب مدين لإفريقيا رغم رفضه الاعتراف بذلك الدين، الغرب يدين ببعض الديون مهما كانت، وهي مجموعة الديون التي تراكمت في ثنايا احتلال العالم والتي يجرها منذ ذلك الحين لا يستطيع أحد اليوم إنكار أن الغرب استفاد كثيرًا في بناء حضارته بالأيادي الإفريقية منذ تجارة الرقيق مرورًا بعصر الاستعمار، لا أحد يستطيع إنكار سرقة الغرب لممتلكات وثروات الشعوب المستعمرة، واليوم يدعي معظم المدافعين عنه بأن إفريقيا مدينة له “بالحضارة”، وأن بعض الأفارقة قد حصلوا على مصلحة من الأضرار المقترفة ضدهم، اليوم يريد الغرب التخلص من الأفارقة، بل ويريد أيضًا رد “آثارهم”، وكأنه في النهاية يريد القول “بما إنني لم أتسبب لهم في أي ضرر، فإنني لا أدين لهم بأي شيء مطلقًا”([55]).

يؤكد مبيمبي أن أوروبا أخذت من إفريقيا كثيرًا من أشياء والتي لا يمكن أبدًا أن تعيدها إليها، وإنه يجب على الأفارقة تعلم العيش مع هذه الخسارة. ويعتقد أن باسترجاع ما أخذته أوروبا دون تفاهم، سينتج عن ذلك أنها ستُسلب من حق تذكيرها بالحقيقة، وما من أحد يطالبها بالاعتذار، ولكن لكي يتم نسج علاقات جديدة، عليها أن تعترف بالحقيقة؛ إذ إنها هي معلمة المسؤولية وستلاحقنا حتى نهاية الأزمان، وأن الاعتراف بها سيؤدي إلى الالتزام بإصلاح نسيج ووجه العالم([56]).

خامسًا: نقد نظرية ما بعد الاستعمار

وعلى الرغم من أن نظرية ما بعد الاستعمار ذات أهمية قصوى في نقد الاستعمار ومخلفاته؛ إلا أنها لم تَسْلم من توجيه النقد لها؛ حيث إن الإذعان ما بعد الاستعماري يخفق أولًا في تقديم علل التشابهات بين الثقافات والمجتمعات المشتركة في تجربة الاستعمار. ثانيًا يخفق في تعليل الاختلافات أيضًا؛ وذلك لأن كلاً من الذاتية والسلطة يسيران بشكل مختلف ومتفاوت جدًّا عبر الثقافات والتواريخ([57]).

أيضًا تم توجيه النقد لنظرية ما بعد الاستعمار كونها تعيد الأنساق الإقصائية للتاريخ الكوني؛ حيث تتجاهل تواريخ لا تُحصى ولا تُسجَّل. وأخيرًا عندما تنحرف نظرية ما بعد الاستعمار عن الغاية المهمة للاستعمار تصبح يوتوبيا على نحو زائف. مجمل القول تفشل نظرية ما بعد الاستعمار في تفسير الخلافات المتزايدة بين وداخل المجتمعات المعاصرة، واستمرار التشكيلات الاستعمارية في كل مكان في العالم، كما أنها تتجاهل الاستعمار الجديد المستمر بواسطة التعاونيات عبر الوطنية، وتقسيم العمل الدولي وربط العالم الرأسمالي بأسواق العمل في العالم الثالث([58]).

وعلى الرغم من أن أشيل مبيمبي من أشهر المُنظِّرين للفكر ما بعد الاستعماري، وأنه طوّر مفهوم ما بعد الاستعمار؛ بحيث اعتبر مبيمبي أن الفترات متشابكة ما قبل الاستعمار وخلال الاستعمار وما بعد الاستعمار، وعلى الرغم من أنه قدَّم جهودًا من أجل إعادة الوعي الزنجي، وبخلاف نقده للحداثة الغربية وما آلت إليه، وعلى الرغم من جهوده في رسم خريطة لكيفية ممارسة السلطة في فترة ما بعد الاستعمار ومن نقده الصريح للسلطة السياسية الموالية للسياسة الاستعمارية؛ إلا أنه لم يَسْلم من النقد؛ حيث تم نقد عمل مبيمبي على أنه لا يؤدي إلى سياسة نَشِطة، والتي تعالج قضايا العنف والقمع في فترة ما بعد الاستعمار([59]).

وبتوجيه النقد لمبيمبي باعتبار مشروعه “ما بعد الاستعمار” يحتل مساحة غامضة ومتناقضة في مكانٍ ما بين المذاهب الفلسفية، وبسبب هذا الغموض فشل مبيمبي في نواياه المعلنة في التفكير من خلال التجربة الحية لإفريقيا ما بعد الاستعمار في تحديد شرط (شكل جديد من الكتابة الإفريقية)، كما أنه يقلل عمدًا من تقدير حجم الأعمال المهمة التي تمت كتابتها عن إفريقيا. وأيضًا نجد مبيمبي قد استخدم مجموعة من الأدوات النظرية مستمدة إلى حد كبير من مصادر أوروبية قد لا تتفق مع طبيعة الإشكالية الإفريقية وهو الأمر الذي يتشابه فيه مبيمبي مع جميع كُتّاب نظرية ما بعد الاستعمار([60]).

إن مشروع مبيمبي لفتح حقبة جديدة من الكتابة الإفريقية تتجاوز الاستعمار، من وجهة نظر البعض؛ محكوم عليه بالفشل؛ حيث ارتكب خطأً مزدوجًا يتمثل في محاولة محو الماضي تمامًا فضلًا عن عدم توفير أيّ أساس موضوعي لمزيد من التطور. وبرغم النقد الموجَّه لعمل أشيل مبيمبي، فإن عمله يشير مع ذلك إلى التقدم للأمام، بالنسبة للتفكير الإفريقي، وفكر ما بعد الاستعمار ككل.([61])

بناءً على ما تقدم يمكننا القول: إنه بخلاف أوجه النقد التي طالت نظرية ما بعد الاستعمار ورؤية أشيل مبيمبي ما بعد الاستعمارية؛ إلا أنه تظل نظرية ما بعد الاستعمار إحدى النظريات المهمة في كشف وفضح الممارسات الاستعمارية ومحاولات السيطرة والهيمنة الأوروبية على الشعوب والأراضي المستعمرة، كما أنها كشفت الوجه القبيح للعنصرية الغربية المتمثلة في فكرة التفوق والتمركز الأوروبي. وأيضًا تعتبر نظرية ما بعد الاستعمار صحوة نحو الوعي الذاتي وعي الشعوب المستعمرة بذاتها وبقيمتها الثقافية والتاريخية وقدرتها العقلية، لذلك تُعدّ نظرية ما بعد الاستعمار جرس إنذار للشعوب التي حصلت على استقلالها للشعور بذتها وقيمتها وحقيقتها التاريخية، ومِن ثَم تقدير ثقافتها ولغاتها الأصلية على الرغم من استخدام كُتّاب ما بعد الاستعمار لغة المستعمر ذاته.

خاتمة:

ظهرت نظرية ما بعد الاستعمار كحقل أدبي، ثم امتدت للعلوم الإنسانية وسائر المعارف الأخرى، وتعد نظرية ما بعد الاستعمار نظرية مزامنة لنظرية ما بعد الحداثة، والتي تركز على تحليل ونقد ما أحدثته الحداثة الأوروبية على الشعوب المستعمرة.

وتعتبر نظرية ما بعد الاستعمار إطارًا نقديًّا مهمًّا لفهم التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي شهدها العالم النامي بعد نهاية الاستعمار. تُركّز هذه النظرية على استكشاف تأثيرات الاستعمار على الهويات والثقافات المحلية، وتحديد كيفية تشكيل العولمة الحالية للعالم النامي.

ارتبطت العولمة بشكل وثيق بنظرية ما بعد الاستعمار؛ حيث تعتبر عوامل العولمة سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو سياسية جزءًا من التحديات التي تواجه الهويات الثقافية المحلية. تساعد هذه العلاقة في فهم كيف يتفاعل التاريخ المستعمر مع التاريخ العالمي المعاصر، وكيف يتشكل العالم النامي في ظل هذه الديناميات المعقدة. ويمكننا القول: إن نظرية ما بعد الاستعمار بجانب كونها نظرية ناقدة للاستعمار والإرث الاستعماري تُعدّ نقدًا للعولمة بصفتها استعمارًا جديدًا كهيمنة أوروبية يتجسد في توسع السيطرة الثقافية، والاقتصادية، والسياسية للقوى الغربية على العالم.

شاعت مع نظرية ما بعد الحداثة فكرة نهاية العالم؛ إلا أن فكرة نهاية العالم ليس لها مكان في الثقافات الإفريقية، كما أنها لا تتفق مع فكرة الحديث عن المستقبل ولا الحديث عن التقدم، وقد يكون هناك بالتأكيد نهايات لبعض الأشياء وتغيير في بعض الأماكن، لكنَّ تلك النهايات تعتبر إيذانًا ببدايات جديدة، لذلك فإن فكرة نهاية العالم في فلسفة ما بعد الحداثة فكرة فارغة من المعنى من المنظور الفلسفي الإفريقي في ظل التقدم والتطور السريع الذي يلحق بالبشرية.

وأخيرًا يمكننا القول: إنه على الرغم من التحديات التي تواجهها القارة الإفريقية؛ إلا أنها تمتلك المقومات الثقافية والاقتصادية والبيئية التي تجعلها في المقدمة لتقود مستقبل العالم الجديد، وكما قال مبيمبي فإن مستقبل العالم سوف يبدأ من إفريقيا.

للمزيد الاطلاع على:

  • الكاميرون -فرنسا: كل شيء على المحك
  • إشكاليات “المستعمِر والمستعمَر” واختراع إفريقيا: جدل ألبرت ميمي و فالنتين-إيف موديمبي
  • قمة “إفريقيا- فرنسا”: بين استراتيجية الإليزيه الجديدة وتخوين “أشيل مبيمبي”

………………………………………………

([1]) الصديق، حسن. (2017). ” فلاسفة أفارقة سعوا إلى استكمال تحرير القارة السوداء. مجلة أفكار: العدد 14. ص 39.

([2] (Gerber, Schalk. (2019). toward a postcolonial universal ontology: nots on the thought of Achille Mbembe. P. 2.

([3]) سوفاج، غريغوار. من هو أشيل مبيمبي مهندس القمة الفرنسية الافريقية التي تستضفها مدينة مونبلييه؟، نشر في أكتوبر 2021م، https://www.france24.com.

([4]) مبيمبي، أشيل. (2022). ما بعد الاستعمار (أفريقيا والبحث عن الهوية المسلوبة). (ط1). ترجمة: الأيوبي، أمين، مراجعة خالد قطب. بيروت: ابن النديم للنشر والتوزيع. ص 12.

([5]) Wiser.wits.ac.za/users/a

([6]) Halloran Paddy O. (2015). Book review (Dreaming the post-colony by Achille Mbembe). Journal of Asian and African Studies. p 1: 6.                                                                                                                                           

([7]) مبيمبي، ما بعد الاستعمار إفريقيا والبحث عن الهوية المسلوبة، ص15.

  ([8])Busbridge, Rache.(2019).  Book review (Critique of Black Reason by Achille Mbembe). Australian Catholic University, Melbourne, Thesis Eleve . vol. 152.No. (1). p 126: 128.                                                                                  

 ([9]) Das, Saswat Samay. (2022). Book review (Necroplitics by Achille Mbembe). Africa Spectrum, vol. 57. Issue (2).p 220: 222.                                                                                                                                                                            

([10]) مبيمبي، أشيل. (2019). سياسات العداوة، ترجمة طواهري ميلود، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، الطبعة الأولى، ص 14، 143.

([11]) مبيمبي، أشيا. (2021). الوحشية فقدان الهوية الإنسانية (ط1). ترجمة نادرة السنوسي. ابن النديم للنشر والتوزيع. الجزائر. 2021م ص17، 23، 26.

 ([12])Quigley, Gabriel. (January 2022). Book review (Brutalism by Achille Mbembe). Chicago Journals.

 ([13])Liberat,Ermelinda. (2020). Book review “Out of the dark night” by Achille Mbembe, Brazilian Jouenal of African studies، 2020، vol. 5، no. 9، p 233: 236.                                                                                                 

([14]) حمداوي، جميل. (2018). نظرية ما بعد الاستعمار الأطروحة في خدمة علم الاستغراب. مجلة الاستغراب. ص 58.

([15]) بن أحمد، محمد أنور، بن على، أمير حافظ. (2016). خطاب ما بعد الاستعمار في الآداب، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بماليزيا، المؤتمر الدولي للغة والسياحة، ص 95.

([16]) حمداوي، جميل. مرجع سابق، ص 59.

([17]) بن أحمد، محمد أنور، ص 98.

([18]) حمداوي، جميل. مرجع سابق، ص 61،60.

([19]) المرجع السابق. ص 64، 62.

([20]) Bill Ashcroft; Gareth Griffiths and Helen T. IFFIN. . (2007)Post- Colonial Studies the key concepts, Routiedge ,London and New York ,second edition. p 56.

([21]) بن أحمد، محمد أنور. مرجع سابق. ص 104:105.

([22]) مبيمبي، أشيل. (2022). ماهية فكر ما بعد الاستعمار. ترجمة: عبد الرحمن المري. منصة إدراك المعرفية. ص 2.

(([23] المصدر السابق. ص 3، 5.

 ([24]) السابق. ص 7.

([25]) Ashcroft, Bill; Griffiths, Gareth; and IFFIN, Helen T. Post- Colonial Studies. p 175, 176.

([26]) مبيمبي، ما بعد الاستعمار- إفريقيا والبحث عن الهوية المسلوبة. ص145.

 ([27]) Mbembe, Achille. (2021). Out of The Dark Night، Columbia University Press. New York. 2021. p 67: 71.

([28]) مبيمبي. ما بعد الاستعمار. ص 42.

([29]) out of the dark night. p 72:76.

(([30]  مبيمبي، أشيل. (2022). ماهية فكر ما بعد الاستعمار. ترجمة: عبد الرحمن المري. منصة إدراك المعرفية. ص 24، 25.

([31])  سليماني، محمد. مخاطر العولمة على تراث وهوية الشعوب. المجلة الجزائرية للدراسات الإنسانية، المجلد 2. العدد 2. 2020. ص 322 ،321.

([32])  عبدالوهاب، رانية محمد طاهر. (2015). مشكلات الهوية الثقافية في إفريقيا، ص 13. موقع Research gate.

([33])  جابر، محمد. (2018). أثر العولمة على أنماط الهوية الإفريقية بين الواقع والمأمول، مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل المركز الديمقراطي العربي، المجلد 1. العدد 4. ص176.

([34])  حداد، شفيعة. (2019). تأثير العولمة في بعدها الثقافي الهوياتي على الهوية الثقافية الوطنية، المجلة الجزائرية للأمن الإنساني. المجلد4، العدد2. ص 239: 243.

([35])  كازدين، إريك & زيمان، إمري. (2016). ما بعد العولمة. ترجمة: إمبابي، أميرة أحمد. مؤسسة هنداوي. ص 11.

 ([36]) Bill Ashcroft; Gareth Griffiths and Helen T IFFIN, Post Colonial Studies the key concepts, p. 102.

 ([37])  ماهية فكر ما بعد الاستعمار. ص9، 10.

 ([38])     Munyaradzi Mawere & Tapuwa R. Mubaya, African Philosophy and thought systems: a search for a culture and philosophy of belonging, p 187.                                                                                                   

([39]) Ibid, p 194.

([40])  جابر، محمد. مرجع سابق، ص 180، 181.

([41])  رانية محمد طاهر عبدالوهاب، مرجع سابق، ص 13، 14.

([42])  مبيمبي. ما بعد الاستعمار. ص 99.

([43])  Mbembe, Achille. (2017). The End of the world contemporary philosophy and art. Rowman& Little field, London, New York. P. 7.

 (*) الفلسفة الوجودية تهتم بالوجود الإنساني والسؤال الرئيسي الذي تدور حوله الوجودية هو أيهم الأسبق الوجود أم الماهية، أما الظاهرتية أو الفينومينولوجية فتتبع منهج الظواهر وينصب الاهتمام بالظاهرة ذاتها، وعن التأويلية فيقصد به التفسيرية وجميعها مذاهب فلسفية.

([44])  Mbembe, A. 2017. P.23-24.

 (*) سجلات العالم يُقصَد بها أرشيف العالم، أو بمعنى أدق أرشيف به سجلات تاريخية بالأحداث الخاصة بالعالم، ولكل إمبراطورية سجلها الخاص كالإمبراطورية الفرنسية، كما أن لكل دولة سجلها الخاص بالأحداث التي مرت بها، ويضرب مبيمبي مثلًا بجنوب إفريقيا وبأحداث الفصل العنصري. أما ما يقصد به بالعوالم المتداولة فهو تغير نظام الأمم، فهناك عوالم اندثرت وهناك عوالم أخرى جاءت بعدها، ومن ثم يوجد تداول بين العوالم المختلفة، والعوالم متعددة من وجهة النظر الإفريقية كما يمثلها أشيل مبيمبي؛ حيث يوجد عالم إفريقي وآخر أوروبي وآخر آسيوي وهكذا، فالعالم ليس المقصود به الكرة الأرضية كعالم واحد ولكن المقصود العوالم المختلفة والمتعددة ذات الثقافات المتنوعة والتي تعيش جميعها على كوكب واحد (الأرض).

([45])  Ibid. p. 26, 29.

 ([46]) Achille Mbembe, The End of The world contemporary philosophy and art, p 9.

([47]) Mbembe, Achille. (Spring 2016). Africa in the new century. The Massa Chusetts Review, vol. 57, no. 1. P. 96.

 ([48]) Ibid، p 99.

  ([49])  Mbembe, A., 2016, P.101.

([50]) Achille Mbembe, Futures of life and futures of reason, public culture, Duke university press, January 2021, vol. 33, no. 1(93), p. 14.

 ([51])  Achille Mbembe, Achille. (2021). Futures of life and futures of reason, public culture, Duke university press, vol. 33, no. 1(93). P. 27.

 ([52]) Gadeke, Dorthea.  (2018). How to think the world? Achille Mbembe on race, democracy and the African      rolein global thought. Wiley constellation., p. 498, 502.

([53]) مبيمبي، أشيل. سياسات العداوة، ترجمة طواهري ميلود، ابن النديم للنشر والتوزيع، بيروت، 2019، الطبعة الأولى، ص 222.

([54])  Mbembe, Achille. (2016). Future knowledges. African Studies Association Annual Meeting Abiola Lecture. P. 230.

([55])  مبيمبي، أشيل. (2022). ما بعد الاستعمار (إفريقيا والبحث عن الهوية المسلوبة). ص 314.

([56])  المصد السابق. ص 322.

([57]) غاندي، ليلا. (2021). نظرية ما بعد الكولونيالية مدخل نقدي (ط1). ترجمة: أحمامة، لحسن. المملكة العربية السعودية: صفحة سبعة للنشر والتوزيع.

([58]) المرجع السابق. ص189، 192.

([59])  Ashcroft, Bill; Griffiths, Gareth; and IFFIN, Helen T. p 178.

 ([60]) Weate, Jeremy. (2003). Postcolonia theory on the brink: Acritique of Achille Mbembe s on the postcolony. African Identities, vol. 1, No. 1. p 3.                                                                                              

  ([61])Ibid, p 16.

المصدر: قراءات افريقية
كلمات مفتاحية: الفلسفة الإفريقية - نظرية ما بعد الاستعمار – العولمة – الرأسمالية - نهاية العالم – المستقبل.
ShareTweetSend

مواد ذات صلة

الصحافة الإسرائيلية وجدل متزايد حول الأولويات والقرارات المتعلقة بإفريقيا

الصحافة الإسرائيلية وجدل متزايد حول الأولويات والقرارات المتعلقة بإفريقيا

سبتمبر 25, 2025
قراءة في كتاب “إفريقيا في الاقتصاد العالمي”:  رأس المال الهارب، التبعية المالية، وحدود التحرُّر

قراءة في كتاب “إفريقيا في الاقتصاد العالمي”: رأس المال الهارب، التبعية المالية، وحدود التحرُّر

سبتمبر 24, 2025
تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

سبتمبر 24, 2025
الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

سبتمبر 23, 2025
ساموري توري: بونابرت إفريقيا

ساموري توري: بونابرت إفريقيا

سبتمبر 23, 2025
تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

سبتمبر 22, 2025

ابحث في الموقع

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
يشغل حاليا

تويتر

Follow @qiraatafrican

الأكثر قراءة (أسبوع)

صمود الأبطال: ثورة الشيمورنجا الأولى ضد الاستعمار البريطاني في زيمبابوي خلال القرن التاسع عشر

صمود الأبطال: ثورة الشيمورنجا الأولى ضد الاستعمار البريطاني في زيمبابوي خلال القرن التاسع عشر

أكتوبر 20, 2024

حظر اتحاد “فيسي” الإيفواري.. واتارا يدهس “بيادق” غباغبو على رقعة الحرم الجامعي!

أكتوبر 22, 2024

صناعة الطباعة في إفريقيا جنوب الصحراء وعوامل دَفْعها

أكتوبر 6, 2024

الاتحاد الإفريقي والشراكات في مجال إصلاح قطاع الأمن

أكتوبر 22, 2024

الانتخابات التشريعية في السنغال: الرهانات في مبارزة عن بُعْد بين عثمان سونكو وماكي سال

أكتوبر 21, 2024

ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

سبتمبر 28, 2025

فيسبوك

‎قراءات إفريقية‎
  • قراءات تاريخية
  • متابعات
  • مكتبة الملفات
  • منظمات وهيئات
  • الحالة الدينية
  • حوارات وتحقيقات
  • أخبار
  • الحالة الدينية
  • المجتمع الإفريقي
  • ترجمات
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • ثقافة وأدب

الأقسام

  • المجلة
  • كتاب قراءات
  • الموسوعة الإفريقية
  • إفريقيا في المؤشرات
  • دراسات وبحوث
  • نظرة على إفريقيا
  • الصحافة الإفريقية

رئيس التحرير

د. محمد بن عبد الله أحمد

مدير التحرير

بسام المسلماني

سكرتير التحرير

عصام زيدان

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية. تطوير شركة بُنّاج ميديا.

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
  • الموسوعة الإفريقية
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • دراسات وبحوث
  • ترجمات
  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الأخبار
    • الحالة الدينية
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • مكتبة الملفات
    • منظمات وهيئات
    • نظرة على إفريقيا
    • كتاب قراءات إفريقية

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية بواسطة بُنّاج ميديا.