تتعدّد مشكلات الزراعة في دول حوض النيل، بعض هذه المشكلات طبيعية, مثل التعرية, والجفاف, وتدهور التربة, وتناقص خصوبتها, وتدهور الموارد المائية, والتغيّرات المناخية.. إلخ، وبعضها مشكلات بشرية ناجمة عن الضغط البشري على الموارد الزراعية، والذي كان له تداعياته التي ظهرت في بعض المشكلات, منها: التفتّت, والتبعثر الحيازي, وتناقص الدخل الزراعي, وانخفاض الإنتاجية الزراعية, وتخلّف الميكنة الزراعية, وتدني كفاءة استخدام المياه, وسوء أحوال غالبية المزارعين, ونقص الغذاء, وتزايد الواردات الزراعية التي أغلبها واردات غذائية، وهذه المشكلات كان لها تداعياتها على كثير من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دول حوض النيل.
تشهد التربة في دول حوض النيل ضغطاً زراعياً يؤدي إلى استنزاف العناصر الغذائية بها |
وتمثّل الزراعة في دول حوض النيل أهمية بالغة؛ لأن أكثر من 70% من السكان في تلك الدول يعتمدون على الزراعة, بشكل مباشر أو غير مباشر, بوصفها مصدراً للعمل والدخل وتحسين مستوى المعيشة، في ظل ارتفاع معدلات الفقر في غالبية هذه الدول، ومما يزيد من ضرورة الاهتمام بالزراعة في حوض النيل تحديات النمو السكاني وعدم الاستقرار السياسي والتدهور البيئي؛ بالإضافة إلى التغيرات المناخية وما تحمله من خطورة على الموارد المائية المهدّدة بالتناقص وتأثيرها في الإنتاج الزراعي بشكل عام(1).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذه المشكلات يجمعها قدر واضح من الارتباط، لدرجة تؤكد ضرورة النظر إليها كمنظومة متشابكة يجمعها العديد من علاقات التأثر والتأثير، وهذا أحد الأبعاد المهمة في الدراسات الجغرافية التي تؤكد أنه يصعب النظر إلى المشكلة ودراستها من منظور أحادي الجانب، بل لا بد من دراستها من منظور شمولي، أو من خلال دراسة دائرة التسبّب المتراكم للمشكلة, والذي يُعَد أحد التوجهات البحثية الجغرافية المعاصرة.
ويقدّم هذا البحث لبعض مشكلات الزراعة في دول حوض النيل، وهذه المشكلات لها أبعادها الجغرافية من حيث وجود تفاوت مكاني في حدّة هذه المشكلات في دول الحوض المختلفة، كما أن لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ويقدّم هذا البحث لبعض هذه المشكلات ليس بطبيعتها المنفردة؛ بل من خلال المنظور المركّب لهذه المشكلات.
ويقدّم البحث كذلك لأوضاع التربة ومشكلاتها في دول حوض النيل، كما يقدّم لأوضاع العاملين بالزراعة, وأوضاع الحيازة الزراعية، ومحدودية استخدام الأسمدة والميكنة الزراعية، وتدني الإنتاجية الزراعية، وارتفاع نسبة الواردات الزراعية من إجمالي الواردات، وتدنّي كفاءة استخدامات المياه، وتأثير الزيادة السكانية والتغيّرات المناخية في الزراعة.
ويستند البحث على خبرة الباحث في كتابة العديد من المقالات والبحوث حول مشكلات الزراعة، بالإضافة إلى بعض الدراسات ومصادر البيانات والمعلومات العالمية.
أوضاع التربة ومشكلاتها في دول حوض النيل:
تتسم الأراضي الزراعية في دول حوض النيل بمحدوديتها، حيث تتراوح نسبة الأراضي الزراعية عام 1980م بين 35.8% من إجمالي المساحة في بورندي كحدٍّ أقصى، و 2.3% في مصر كحدٍّ أدنى, كما يوضح ذلك الجدول والشكل الآتي، كما بلغت نسبة الأراضي الزراعية في دول الحوض 20.4% كمتوسط، وبالرغم من ارتفاع نسبة الأراضي الزراعية في دول الحوض كمتوسط عام 1997م لتصل إلى 25.3%؛ فإن هذه النسبة تُعَد محدودة في ظل النمو السكاني في دول الحوض ومعاناة الكثير من السكان من أوضاع سوء التغذية، ويُضاف إلى ما سبق تخلّف الأساليب الزراعية المستخدمة, وظهور كثير من مظاهر تدهور الأراضي الزراعية في غالبية دول حوض النيل.
جدول يوضح تطور استخدام الأرض في دول حوض النيل في عامي 1980م و 1997م