تيريفي جيبريسوس
محاضر في جامعة جريفيث([1])
ترجمة: قراءات إفريقية
حاولت إثيوبيا مرتين إنجاح التحوُّل نحو الديمقراطية؛ أولاها كانت في عام 1991م عندما أطاحت حكومة مدنية بالنظام العسكري الديكتاتوري آنذاك. والأخرى كانت في عام 2018م عندما تولى “آبي أحمد” منصب رئيس الوزراء، بعد احتجاجات مستمرة ضد الحكومة القمعية آنذاك.
ولكن في كلتا المحاولتين، وطبقًا لمراقبين، وعلى الرغم من التفاؤل والإثارة التي صاحبت تلك التجربتين؛ إلا أنهما فشلتا في تحقيق تحوُّل ديمقراطي حقيقي في البلاد.
ويظل السؤال: هل لا يزال بإمكان إثيوبيا أن تصل إلى المعادلة الصحيحة لتحقيق الديمقراطية؟
طبقًا لعلماء التحوُّل الديمقراطي هناك أربعة شروط أساسية لإنجاز ذلك، وهي: تحقيق النمو الاقتصادي على مدى زمني كبير؛ التزام النُّخَب السياسية بالتسامح، والتسويات السلمية، واحترام القواعد والممارسات الديمقراطية؛ استقلال المؤسسات السياسية؛ وأخيرًا قدرة المنظمات الدولية مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، على إجبار النُّخَب السياسية في البلاد على التمسك بالقِيَم الديمقراطية.
ولكن، في رأيي، وبناءً على أبحاثي السابقة، فإن إثيوبيا لا تَستوفي أيًّا من الشروط المذكورة؛ فبدلًا من ذلك، أصبح الحكم الديمقراطي مستحيلًا تقريبًا بسبب الفقر، واستمرار ثقافة حلّ الخلافات السياسية بالصراع والعنف، وغياب المؤسسات السياسية القوية، والاستقطاب السياسي والعرقي.
إن وجود حكومة ديمقراطية في إثيوبيا من شأنه أن يساعد على ضمان عيش الناس في بلد يحترم حقوق الإنسان وكرامته، ومن شأنه أن يساعد على إطلاق العنان للمساءلة والاستقرار والنمو الاقتصادي.
محاولات فاشلة:
في عام 1991م، عانت البلاد من حرب أهلية استمرت 17 عامًا كانت قد بدأت في عام 1974م؛ حيث تَمكَّن المنتصرون في الحرب، جبهة تحرير شعب تيغراي، من فرض سيطرتهم على البلاد من خلال تشكيل حزب سياسي ائتلافي، وهو حزب الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية.
وقد أجرت الحكومة الجديدة إصلاحات جذرية، وسمحت للأحزاب السياسية والاتصالات الإذاعية والإعلامية بالحرية، وشجَّعت المنشورات الخاصة، وسمحت بالمظاهرات العامة، ولكنْ لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أصبحت الحكومة الجديدة استبدادية، واضطهدت المنافسين السياسيين، وبالرغم من إجرائها انتخابات بصورة دورية، إلا أنها افتقدت الحرية والنزاهة، فيما انتهكت حقوق الإنسان والحريات السياسية، وتم تقييد حرية الاتصال السياسي.
ونتيجة لذلك، اندلعت الاحتجاجات التي بدأت في عام 2015م، والتي أسفرت عن تعيين “آبي أحمد” رئيسًا للوزراء في عام 2018م، وحينذاك بدأت محاولة ثانية لدفع إثيوبيا نحو الديمقراطية. كما ذكرت صحيفة الجارديان في المملكة المتحدة آنذاك، واصفة الوضع بأن “شيئًا غير عادي يحدث في إثيوبيا… يبدو أن الاستبداد ووحشية الدولة يُفْسِحان المجال لشيء يشبه الديمقراطية”.
ولكن مرة أخرى، هذا لم يَدُمْ طويلا؛ فبدلاً من ذلك، تفاقمت مشكلات النظام السياسي، ومرَّت البلاد بحرب أهلية استمرت عامين من 2020 إلى 2022م بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير شعب تيغراي، تلتها حرب عصابات أخرى بدأت بين الحكومة الفيدرالية ومجموعة شبابية من الأمهرة تُدْعَى “فانو” بعد ذلك بوقت قصير.
متطلبات التحول الديمقراطي:
يشير التاريخ إلى أن تحوُّل الدول نحو الديمقراطية لا يتم إلا بالشروط سابقة الذكر، بالرغم من أنها ليست على نفس القَدْر من الأهمية ولا الترتيب؛ فغانا -على سبيل المثال- قد لا يكون لديها اقتصاد قوي، ولكن لديها نُخَب سياسية استطاعت أن تلعب وفقًا لقواعد الحكم الديمقراطي، في حين أن شرط النمو الاقتصادي يُعدّ من الأسباب الرئيسية للتحوُّل الديمقراطي؛ فإذا ما كان المجتمع متقدمًا اقتصاديًّا، بشكل عام، فنجد أن الناس يريدون الديمقراطية؛ وذلك لأن الحكومة غير الديمقراطية وغير المستقرّة تُهدّد أمنهم الاقتصادي، ونتيجة لذلك، لا يشارك المواطنون في الأنشطة التي تتعارض مع ترسيخ الديمقراطية.
وتُعدّ إثيوبيا واحدة من أفقر البلدان في العالم، وبالرغم من أنه لا يوجد رقم مُؤكَّد ليكون عتبة اقتصادية لنجاح التحول الديمقراطي؛ إلا أن إحدى الدراسات وجدت أن الدولة التي يبلغ دخل الفرد فيها عشرة آلاف دولار أمريكي سيصبح لديها عمومًا فرصة أكبر لتبنّي انتخابات تنافسية، ولك أن تعلم أن دخل الفرد في إثيوبيا هو 1011 دولارًا أمريكيًّا. ومن ناحية أخرى فإن النمو الاقتصادي هو أساس المؤسسات السياسية والمدنية القوية، وكلها أمور مهمة للانتقال إلى الديمقراطية وتعزيزها.
لكنّ النمو الاقتصادي يحتاج إلى وقت، فلقد أضر عدم الاستقرار السياسي المستمر في إثيوبيا بإمكانياتها في مجال التنمية الاقتصادية، وفي العقدين السابقين لعام 2018م، نما اقتصادها بقوة، مما أدَّى إلى خفض معدل الفقر الوطني من 39% إلى 24%. وقد أدَّى عدم الاستقرار السياسي وعوامل أخرى منذ ذلك الحين إلى زيادة معدلات الفقر إلى 32% بحلول عام 2021م.
دور النُّخَب السياسية في التحول الديمقراطي:
إذا كانت النُّخَب السياسية ملتزمة بالتداول السلمي وتسوية النزاعات والتعاون البنّاء، فيمكن لأيّ بلد أن ينجح في الانتقال إلى الديمقراطية؛ فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أنه عندما تنقسم النُّخَب السياسية، فإن البلاد تصبح استبدادية، والحرب الأهلية الحالية في السودان تُقدِّم مثالًا لما يمكن أن يحدث عندما تتقاتل النخب السياسية على السلطة.
وفي إثيوبيا، غالبًا ما تؤدي الخلافات السياسية إلى العنف أو إلى جهود حكومية عنيفة لإسكات المعارضة وتدميرها. وفي عام 1991م، عندما لم تتمكن الجبهة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية وغيرها من الجماعات السياسية من إيجاد أرضية مشتركة، قامت النخبة الحاكمة بالقضاء على المعارضين، وهذا سمح لها بحكم البلاد بمفردها لمدة 28 عامًا. وبالمثل، عندما لم تتمكَّن النُّخَب السياسية في المحاولة الثانية من التداول السلمي للسلطة والتسوية والتعاون، اندلعت الحرب.
المؤسسات السياسية:
إن المؤسسات السياسية القوية –مثل القضاء المستقل والشرطة والوكالات الانتخابية–، تدعم وتُعزّز التحول الديمقراطي، كما أنها تساعد في استدامتها؛ حيث تمنع المؤسسات السياسية القادة الاستبداديين من اضطهاد المنافسين السياسيين، وتساعد في حل أيّ صراعات بين النخب المتنافسة.
الضغط الخارجي:
أفضل مثال على ذلك كان في عام 2022م؛ فقد انتهت الحرب الأهلية بين تيغراي والحكومة الإثيوبية عندما أجبرت الجهود التي قادها الاتحاد الإفريقي في جنوب إفريقيا الجانبين على الوصول إلى الاتفاق.
ومع ذلك، فمن الصعب الانتقال إلى الديمقراطية بالاعتماد على الضغوط الخارجية وحدها، والتي يجب أن تكون مستمرة ومتَّسقة، فلم يتمكن أيّ بلد في إفريقيا من أن يصبح ديمقراطيًّا ويظل ديمقراطيًّا على أساس الضغوط الخارجية بمفردها.
ماذا بعد؟
لا يمكن للتحول الديمقراطي أن ينجح في إثيوبيا إلا عندما يحدث واحد على الأقل من ثلاثة أشياء:
أولًا: يحتاج اقتصاد البلاد إلى النمو لفترة زمنية كبيرة.
ثانيًا: يجب أن يتم دَمْج الهويات العرقية والدينية المتنوعة من خلال سياسات تُشجِّع على تهدئة الصراعات العِرْقية.
ثالثًا: يتعين على المجتمع، وبشكل أكثر تحديدًا، النخبة السياسية، الالتزام بالتسامح والتسوية واحترام المبادئ الديمقراطية. كل ذلك سيستغرق وقتًا طويلاً لتحقيقه.
وفي الوقت نفسه، تواجه البلاد خيارين غير مواتيين: إما دعم حكومة غير ديمقراطية لتعزيز النظام السياسي، ثم مساعدتها تدريجيًّا على تحقيق أهدافها الديمقراطية. أو محاولة الانتقال إلى نظام آخر، مما قد يؤدي إلى الفوضى وانتشار العنف في المجتمع؛ فالتحول الديمقراطي غير المناسب من شأنه أن يُدمِّر النظام السياسي.
ومن هذا المنطلق، يتعين على النخب السياسية في إثيوبيا أن تتبنَّى الحوار والنقاش والتسوية، ويمكن للقوى الخارجية أن تُشكِّل دعمًا من خلال دفع النُّخب السياسية إلى التحرُّك في هذا الاتجاه.
…………………………..
[1]– نشر على موقع “ذي كونفرسيشن” بتاريخ 21 سبتمبر 2025، على الرابط: https://theconversation.com/ethiopias-two-bids-at-democracy-have-failed-what-it-will-take-to-succeed-263817