بقلم: بول نجي
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
استأنف الرئيس الكاميروني “بول بيا”، البالغ من العمر 92 عامًا، نشاطه الميداني بحملة انتخابية في منطقة أقصى الشمال، المعروفة بثقلها الانتخابي، في أول مشاركة ميدانية له منذ انطلاق الموسم الانتخابي قبل أكثر من أسبوع.
وقد ابتعد “بيا” مؤخرًا عن المشهد السياسي، موكلاً وزراءه بإدارة حملاته في مختلف أنحاء البلاد، بينما غادر في رحلة خاصة إلى أوروبا دامت عشرة أيام.
ومع بداية حملته، اختار “بيا” عرض إنجازاته عبر فيديو من إنتاج الذكاء الاصطناعي، ما أثار انتقادات في ظل النزول الميداني المكثَّف لمنافسيه من المعارضة.
ورغم الدعوات المتكررة لتنحيه بعد 43 عامًا في الحكم، أكد الرئيس الكاميروني عزمه على الاستمرار، مشددًا على التزامه بقضايا الشباب والنساء، ومعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تُواجه البلاد.
وتأتي زيارته للمنطقة في سياق توتر مع حلفائه في الشمال، الذين أعربوا عن استيائهم من أسلوبه في إدارة الحكم. ومع ذلك، يظل “بول بيا”، الذي لم يعرف الهزيمة في أيّ اقتراع، المُرشّح الأوفر حظًّا للفوز في انتخابات 12 أكتوبر.
من هم أبرز المرشحين؟
من بين 83 مرشحًا قدموا ترشيحاتهم إلى الهيئة الانتخابية” إليكام”، تمت الموافقة على 12 فقط. وتتراوح الأسباب التي قدمتها لجنة الانتخابات لاستبعاد 71 مرشحًا آخرين من بين عدم اكتمال الملفات وعدم دفع الوديعة المطلوبة، بما في ذلك الترشيحات المتعددة من نفس الحزب. ومن بين جميع المرشحين، هناك ستة يُعتبرون هم المنافسين الرئيسيين:
1- “بول بيا”
“بول بيا”، البالغ من العمر 92 عامًا، هو أكبر رئيس دولة في العالم سنًّا. ظل في السلطة لما يقرب من 43 عامًا، منذ عام 1982م. يترأس “بيا” حزب الحركة الديمقراطية للشعب الكاميروني الحاكم، المهيمن على المشهد السياسي. ويُعتبر على نطاق واسع المرشح الأوفر حظًّا بعد خروج منافسه الرئيسي، موريس كامتو، من السباق.
لم يخسر السياسي المخضرم أيّ انتخابات منذ عودة السياسة التعددية في عام 1990م. ورغم ذلك، شابت انتصاراته مزاعم تزوير الانتخابات، والتي نفاها حزبه والحكومة دائمًا. وأعلن “بيا” عن نيته الترشح، وقال: إن ولايته الثامنة ستُركّز على تحقيق الرفاهية للمرأة والشباب.
2- بيلو بوبا مايجاري
بيلو بوبا مايجاري، 78 عامًا، هو سياسي متمرس من منطقة شمال الكاميرون الغنية بالأصوات.
وهو رئيس حزب الاتحاد الوطني للديمقراطية والتقدم الذي تأسس عام 1990م. خدم في حكومتي الرئيسين الكاميرونييين أحمدو أهيدجو و”بول بيا”.
وكان أيضًا أول رئيس وزراء لـ”بيا” بين عامي 1982 و1983م. ومنذ عام 1997م، شكَّل “مايجاري” تحالفًا مع حزب “بيا”، مما ساعد الأخير على الفوز بعدد كبير من الأصوات في شمال البلاد.
لكن هذا التحالف السياسي انتهى في يونيو/ حزيران الماضي، بعد ضغوط داخل حزبه لإجباره على الترشح كمرشح مستقل.
في أثناء عمله وزير دولة للسياحة والترفيه، أعلن “مايجاري” استقالته، وأعلن نفسه مرشحًا ضد “بيا”، الذي واجهه سابقًا في الانتخابات الرئاسية عام 1992.
3- عيسى تشيروما بكاري
ومن بين حلفاء “بيا” السابقين الذين فاجأ ترشيحهم الكثيرين “عيسى تشيروما باكاري”، البالغ من العمر 75 عامًا. ومثل “مايجاري”، فهو من شمال البلاد، ولعب دورًا مؤثرًا في مساعدة “بيا” على الفوز بأصوات تلك المنطقة.
وبعد أن خدم في الحكومة لمدة 20 عامًا، أنهى “تشيروما” أخيرًا تعاونه مع الزعيم البالغ من العمر 92 عامًا، واستقال من منصبه وزيرًا للتوظيف والتدريب المهني؛ ليُعْلن ترشحه.
وانتقد تشيروما، الذي يرأس جبهة الإنقاذ الوطني في الكاميرون، أسلوب “بيا” في الحكم، وركز حملته الرئاسية على الوعد بإصلاح النظام الذي وصفه بأنه” خانق”.
4- كابرال ليبي
كابرال ليبي، رئيس الحزب الكاميروني للمصالحة الوطنية، هو عضو برلماني ديناميكي يحاول للمرة الثانية الوصول إلى أعلى منصب في البلاد.
في عام 2018م، كان أصغر المرشحين التسعة للرئاسة؛ حيث كان عمره 38 عامًا فقط، وحصل على المركز الثالث بنسبة 6% من الأصوات.
وواجَه ترشيح ليبي في انتخابات هذا العام تحديًا مِن قِبَل مؤسس شبكة PCRN روبرت كونا، الذي شكَّك في شرعية النائب لقيادة الحزب.
لكنّ المجلس الدستوري رفَض طلب كونا، وأيَّد قرار الهيئة الانتخابية بالسماح لـ”ليبي” بالترشح.
5-أكيري مونا
كان أكيري مونا مرشحًا في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٨م، لكنَّه انسحب في اللحظة الأخيرة، وأعلن دعمه لكامتو. هذه المرة، يُعلن مونا، وهو محامٍ دولي ملتزم بمكافحة الفساد، أنه ينوي الترشح ضد “بيا” بنفسه.
ينتمي الرجل البالغ من العمر 72 عامًا إلى عائلة من السياسيين: كان والده الراحل، سليمان تاندينج مونا، رئيس وزراء غرب الكاميرون بعد الاستقلال، ونائب رئيس جمهورية الكاميرون الفيدرالية، ورئيس الجمعية الوطنية.
بصفته رئيسًا للجمعية الوطنية، أدَّى سليمان مونا اليمين الدستورية أمام “بيا” عندما تولى الرئاسة بعد استقالة أحمدو أهيدجو.
وتعهد مونا بتطهير الدولة ثنائية اللغة من الفساد وسوء الإدارة؛ باعتبار أنهما شوَّها صورتها الدولية.
6-جوشوا أوسيه
يترشح جوشوا أوسيه للرئاسة للمرة الثانية بعد أن باءت محاولته الأولى في عام 2018م بالفشل.
يقود حزب الجبهة الديمقراطية الاجتماعية(SDF) ، خلفًا لزعيم المعارضة الراحل جون فرو ندي. وكان الحزب في السابق حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، لكنّ نفوذه تراجَع منذ ذلك الحين، وتفاقم بسبب الصراعات الداخلية وطرد العديد من أعضائه عام ٢٠٢٣م.
جاء أوسيه، 56 عامًا، في المركز الرابع في انتخابات 2018 بنسبة 3% من الأصوات، لكنه يأمل في التغلب على “بيا” من خلال الوعد بالإصلاحات الاجتماعية والمؤسسية.
مَن يشكل التحدي الأكبر لـ”بيا”؟
على مدى عدة عقود من الزمن، تمكّن الرئيس “بيا” من الاحتفاظ بالسلطة، مما يجعل من الصعب عليه خسارة الانتخابات.
ويبدو أن قرار اثنين من الشخصيات السياسية البارزة بالترشح ضده، وهما بيلو بوبا مايجاري وعيسى تشيروما باكاري، قد أدَّى إلى تعقيد موقفه، لكنّ بعض المحللين يعتقدون أنهما لا يُشكِّلان تهديدًا خطيرًا لـ”بيا”.
وتقول الدكتورة بيبي هيوز، المحللة السياسية في معهد نكافو للسياسة في الكاميرون: إن تحالفهما مع النظام الحالي يُقلّل من مصداقيتهما لدى الناخبين المعارضين.
وفي تصريحها لبي بي سي، قالت: “يحتاج الكاميرونيون إلى أكثر من مجرد استقالة ليثقوا بهما. كلاهما كان جزءًا من النظام وشاهدا معاناة الأمة”.
وأشارت أيضًا إلى أن المرشحين الشماليين قد يكونان جزءًا من مؤامرة سياسية يديرها النظام.
ولكن مسؤولين في الحزب الحاكم قدموا الانقسام على أنه حقيقي، معترفين بأن الحزب الحاكم ربما يواجه صعوبة في الفوز بنفس عدد الأصوات في الشمال كما كان الحال من قبل.
ونظرًا لاستبعاد كامتو، المنافس الرئيسي لبيا في عام 2018، فإن كابرال ليبي، الذي جاء في المركز الثالث، ربما يكون هو التهديد الرئيسي له هذا العام.
ورغم أنه لم يحصل سوى على 6% من الأصوات، إلا أن التطور السياسي الذي حققه “ليبي” منذ ذلك الحين كان محل إشادة.
فقد قاد حزبه إلى النصر، ففاز بخمسة مقاعد برلمانية وسبعة مقاعد في المجالس المحلية في الانتخابات التشريعية والبلدية لعام ٢٠٢٠م. ومنذ انضمامه إلى البرلمان، تحدَّى الحكومة في قضايا سياسية رئيسية، واعدًا بتغييرات جذرية في حال تولّيها السلطة.
ورغم ذلك، تعتقد الدكتورة هيوز أن رؤية “ليبي” غامضة، ونوهت بـ”أكيري مونا” كمرشح أكثر إقناعًا، ويحمل خطة أكثر وضوحًا لهذه الأمة التي يبلغ عدد سكانها نحو 30 مليون نسمة.
وقالت: إن “مونا تتمتع بخبرة دولية واسعة وشخصية دبلوماسية، وهذا ما تحتاجه الأمة اليوم”، مُرحِّبًا بالخطة الخمسية الانتقالية التي وضعها المحامي الشهير، والتي تهدف إلى” إعادة الأمة إلى المسار الصحيح”.
هل يمكن للمعارضة أن تتحد؟
تاريخيًّا، كانت المعارضة الكاميرونية منقسمة، وخاصةً خلال الانتخابات، وهو ما يقول المحللون: إنه وضعها في وضع غير ملائم.
في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لهذا العام، كثر الحديث عن ضرورة توحيد المعارضة وتنسيق إستراتيجياتها لمواجهة “بيا”. ولكن مع إعطاء كل مرشح الأولوية لمصالحه الخاصة، من غير الواضح ما إذا كان معظمهم، أو حتى جميعهم، على استعداد للتعاون، رغم أن ذلك قد يساعد الرئيس الحالي.
وقال زعيم المجتمع المدني فيليكس أغبور بالا: “إذا لم تتحد، فقد يعني ذلك نهاية مسيرتها السياسية أو حزبها”.
وقال لبي بي سي: “يجب على كامتو وآخرين إيجاد شخصية في المعارضة قادرة على تولي زمام الأمور. عليهم أن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن يتغلبوا على غرورهم الشخصي، وأن يجدوا مرشحًا توافقيًّا قادرًا على منافسة الحزب الحاكم في 12 أكتوبر”.
وتعتقد الدكتورة هيوز أن كامتو يجب أن يستخدم نفوذه لحشد الدعم لتشكيل ائتلاف معارض؛ لأنه أصبح الآن خارج المنافسة. وتؤكد أن “التغيير لا ينبغي أن يأتي معه [كامتو] فحسب، بل يمكن أن يأتي من خلاله”.
وأضافت أن تشكيل ائتلاف معارض أمر ممكن، مشيرة إلى اجتماع حضره شخصيات من المعارضة في الثاني من أغسطس في بلدة فومبان في المنطقة الغربية.
وقال برينس مايكل إيكوسو، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المتحد، الذي حضر الاجتماع، لبي بي سي: إن الهدف هو وضع الأساس لـ”مرشح توافقي”.
ورغم أنه لم يتم ترشيح أي مرشح محدد حتى الآن، فقد تم تحديد المعايير التي سيتم النظر فيها.
وقال إيكوسو: “نريد شخصية تستجيب لتطلعات الكاميرونيين، شخصية مرنة للعمل مع الآخرين، شخصية ثنائية اللغة وقادرة على حشد المرشحين الآخرين والجهات الفاعلة السياسية”.
وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1992م، حظي جون فرو ندي، زعيم المعارضة الكاريزمي، بدعم من اتحاد التغيير، وهو تحالف من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
ورغم أنه لم يكن مرشح المعارضة الوحيد، يقول المحللون: إن الائتلاف ساعده في تأمين 36% من الأصوات، وهو أقل بقليل من نسبة 40% التي حصل عليها “بيا”.
كانت هذه أقرب منافسة لـ “بيا” حتى الآن؛ حيث أعلن “فرو ندي” فوزه، لكن السلطات نفت التزوير، وأكدت فوز “بيا”. ويرى كثيرون أنه إذا لم تتحد المعارضة كما في 1992، سيحقق “بيا” فوزًا سهلاً في انتخابات 12 أكتوبر الجاري؛ لأن لديه الخبرة والموارد والدعم؛ بحسب الدكتورة هيوز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:https://www.bbc.com/afrique/articles/c1jn514kn3po