إن القضية المركزية المشتركة بين كل الحركات الشعبوية تتمثل في ادعائها الالتزام بإعطاء التمثيل والسلطة لأولئك الذين تم نسيانهم أو الإساءة إليهم أو تهميشهم بسبب الوضع الراهن. أي أنهم باختصار صوت من لا صوت لهم ونصير من لا ناصر لهم أو معين. ومع ذلك، فإن الواقع العملي يشير إلى أن هذه الحركات نادراً ما تفي بهذا الالتزام، على الغالب الأعم. ومع ذلك، هناك فجوة في فهمنا للسبب وراء ذلك.
ويسعى هذا المقال إلى تحليل تراجع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والصعود البارز للأحزاب الشعبوية في جنوب أفريقيا، مع التركيز على حزب امكونتو ويسوزي وحزب المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية وحركة التضامن البيضاء. ففي الانتخابات الوطنية الأخيرة، خسر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى، حيث حصل على نحو 40% فقط من الأصوات، الأمر الذي يشير إلى استياء واسع النطاق إزاء حكمه.
إن نجاح الحركات الشعبوية الجديدة لا ينبع من الكاريزما التي يتمتع بها قادتها فحسب، بل وأيضاً من قدرتهم على استغلال إخفاقات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وفي حين أن صعود الشعبوية قد يؤدي إلى حراك سياسي نشط، فإنه يفرض أيضا مخاطر كبيرة نظرا لخطاب هذه الأحزاب الجديدة الراديكالي والإقصائي غالبا.
أولًا: تراجع حزب المؤتمر الوطني
ظل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يمثل الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا منذ نهاية نظام الفصل العنصري عام 1994، لكنه شهد مؤخرًا انخفاضًا كبيرًا في الدعم. ويتجلى هذا التراجع في خسارة الحزب لأغلبيته البرلمانية للمرة الأولى في الانتخابات الوطنية التي أجريت في 29 مايو 2024، حيث حصل على نحو 40% من الأصوات. وتجبر هذه النتيجة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على البحث عن شركاء في الائتلاف للحكم، مما يشير إلى تحول كبير في سياسة جنوب إفريقيا.
وهناك عدة عوامل تساهم في تراجع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي:
- تفشي البطالة: إحدى القضايا الحاسمة هي ارتفاع معدل البطالة، وخاصة بين الشباب. إن ما يقرب من 40% من الشباب في جنوب إفريقيا عاطلون عن العمل، وهو ما يعكس عجز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عن خلق ما يكفي من فرص العمل.
- إمدادات الكهرباء: فشل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أيضًا في بناء شبكة كهرباء مناسبة قادرة على توفير الطاقة المستمرة لمدن البلاد. ويشكل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي مصدرا كبيرا للإحباط بالنسبة لمواطني جنوب إفريقيا.
- ارتفاع معدلات الجريمة: تشهد جنوب إفريقيا معدلًا مرتفعًا من جرائم العنف والسطو، مما يجعلها واحدة من أخطر البلدان في العالم. وقد أدى عجز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عن خفض معدلات الجريمة إلى تآكل ثقة الجمهور في حكمه.
- صعود الأحزاب الشعبوية: لا يرجع تراجع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في المقام الأول إلى زيادة الدعم لمنافسه التقليدي، التحالف الديمقراطي، الذي حصل على حوالي 23% من الأصوات. وبدلاً من ذلك، حول العديد من الناخبين السود دعمهم إلى الأحزاب الشعبوية مثل حزب جاكوب زوما أومكونتو ويسيزوي (إم ك) وحزب يوليوس ماليما المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية. وقد استفادت هذه الأحزاب من الاستياء الشعبي من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من خلال تقديم نفسها كبدائل تمثل الصوت الحقيقي للسود في جنوب إفريقيا.
ويمكن النظر إلى نجاح هذه الأحزاب الشعبوية على أنه خصم استراتيجي من رصيد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لصالح فصائل مختلفة انشقت عنه بدلا من ظهور حركات سياسية جديدة تماما. ويعكس هذا التشرذم المصالح المتنوعة داخل مجتمع جنوب إفريقيا، والتي تمكن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في السابق من توحيدها تحت ائتلاف واسع النطاق.
ويشير صعود حزب جاكوب زوما والمناضلون من أجل الحرية الاقتصادية إلى تحول نحو سياسات أكثر شعبوية، مع التركيز على النداءات المباشرة للشعب والحلول المبسطة للمشاكل المعقدة. وباختصار فإن جذور تراجع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ترجع إلى فشله في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية وصعود الأحزاب الشعبوية التي اجتذبت الناخبين المحبطين من خلال الوعد بمعالجة هذه القضايا بشكل أكثر فعالية واستهداف الأعداء المتصورين داخل البلاد وخارجها.
وعلى أية حال كما يذكرنا آدم برزورسكي في كتاب صدر حديثا عن أزمة الديمقراطية العالمية، فإن الضغوط البنيوية النابعة من النظام العالمي تنكسر دائمًا عبر السياقات السياسية الوطنية. لم تكن الموجة الشعبوية متجانسة، ولكنها اشتملت على أشكال مختلفة من الشعبوية، متجذرة في قواعد اجتماعية مختلفة وتتطور على طول مسارات سياسية متميزة. ليس من الواضح ما إذا كان أي من هذه الأمور يوفر إشارة واضحة إلى الاتجاه الذي تتجه إليه جنوب إفريقيا.
ثانيًا: الشعبوية الانتخابية
اتخذت الحملة الانتخابية في جنوب إفريقيا منحى شعبويًا، حيث طرح المرشحون وعودا حدية مثل عقوبة الإعدام وطرد الأجانب أمام الناخبين الذين سئموا من ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة وانتابهم الشعور بالضيق الوطني. وقد ظهرت مجموعة من أحزاب المعارضة، التي غالباً ما تدافع عن سياسات الهوية أو المشاعر المعادية للمهاجرين، خلال حملاتها الانتخابية قبل 29 مايو الماضي. وعلى سبيل المثال أطلق جاكوب زوما، الرئيس السابق، مقطع فيديو على تطبيق تيك توك ادعى أنه لم تكن هناك “جريمة” في جنوب إفريقيا “قبل قدوم الرعايا الأجانب”. وكان قد اقترح في وقت سابق إرسال الأمهات المراهقات إلى جزيرة روبن، حيث أمضى نيلسون مانديلا سنوات في السجن، لإكمال دراستهن. ويبدو أن حزب زوما الذي اطلقه في ديسمبر 2023 يحمل اسم رمح الأمة وهو الاسم الذي أطلق على الجناح المسلح المنحل لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي زمن التفرقة العنصرية. ويُنظر إلى الحزب، الذي حمل راية التحول الاقتصادي الجذري، على نطاق واسع على أنه يغازل المشاعر الشوفينية بين شعب الزولو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد.
وبالتوازي مع ذلك، فإن التحالف الوطني – الذي يستخدم في كثير من الأحيان الشعار المناهض للهجرة ” أباهامبي”، ويعني “عليهم أن يرحلوا” بلغة الزولو – قد ناشد في المقام الأول المجتمعات التي تعرف بأنها “ملونة”، في حين دعمت جبهة الحرية بلاس، وهو حزب أفريكاني يميني،(كيب ايكست)، استقلال كيب الغربية عن بقية جنوب إفريقيا.
ولا يخفى أن جنوب إفريقيا تستضيف عددًا من المهاجرين أكبر من أي دولة أخرى في القارة. وكانت كراهية الأجانب مشكلة مستمرة في مختلف المقاطعات حيث تم استخدام المواطنين الأجانب من زيمبابوي وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأماكن أخرى ككبش فداء للبطالة المزمنة، التي تعاني منها البلاد. وفي حديثه أمام لجنة في كيب تاون في مايو الماضي، قال زعيم التحالف الوطني، غايتون ماكنزي،: “سوف أقوم بخفض البطالة بين الشباب إلى النصف من خلال الترحيل الجماعي لكل هؤلاء الأجانب غير الشرعيين حتى يحصل شبابنا على عمل”.
لقد برزت عملية دودولا كحزب ذو قضية واحدة شارك أعضاؤه بنشاط في أعمال العنف الأهلية ضد المهاجرين. وفي أوائل يناير 2024، توجه أعضاء من عملية دودولا وحزب التحالف الوطني إلى نقطة بيتبريدج الحدودية مع زيمبابوي، وكان بعضهم مسلحًا بالبنادق، لمنع الزيمبابويين الذين لا يحملون وثائق صالحة من دخول البلاد. وانتشرت مقاطع الفيديو الخاصة بالحراس على نطاق واسع، وانتشرت الوسوم المعادية للأجانب التي تدعم جهودهم على منصات التواصل الاجتماعي.
وتتسم كراهية الأجانب في جنوب إفريقيا بطبيعتها العنيفة بشكل خاص. وفقا لمرصد جامعة ويتواترسراند، أدت الهجمات المعادية للأجانب إلى مقتل 669 شخصا، ونهب 5310 متجرا، ونزوح 127572 شخصا بين عامي 1994 ومارس 2024. وفي مايو 2008 وحده، وقعت هجمات في 135 موقعا على الأقل في جميع أنحاء البلاد. ولم يستهدف مرتكبو مثل هذه الهجمات الأشخاص البيض، بل المهاجرين من بلدان إفريقية أخرى وبدرجة أقل من بلدان جنوب آسيا، الذين ألقوا باللوم عليهم في زيادة الجريمة وارتفاع معدل البطالة في جنوب إفريقيا.
ثالثًا: الشعبوية القومية المتطرفة
إن كلمة امكونتو ويسوزي والتي تعني “رمح الأمة”، تلخص نوعاً من الشعبوية المتشابكة بعمق مع القومية المتطرفة لمؤسسها جاكوب زوما. أطلق زوما، الذي شغل منصب رئيس جنوب إفريقيا من عام 2009 إلى عام 2018، حزب (ام ك) في عام 2023 بعد خروج مضطرب من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وكانت رئاسته مليئة بمزاعم الفساد، وبلغت ذروتها بتهم جنائية وإدانة بتهمة ازدراء المحكمة. وعلى الرغم من هذه الخلافات، يحتفظ زوما بشعبية كبيرة، وخاصة بين سكان الزولو، الذين ينظرون إليه باعتباره بطلاً وطنيا ناضل مع مانديلا ومدافعاً عنيدا عن هوية جنوب إفريقيا الأصيلة. كان هذا التأييد واضحا جدًا لدرجة أن إدانته عام 2021 أثارت الاضطرابات الأكثر دموية في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري، مما أدى إلى مقتل أكثر من 350 شخصًا خلال أعمال شغب واسعة النطاق.
وترتبط الهوية السياسية لحزب (إم ك) ارتباطًا وثيقًا بشخصية زوما، التي تمزج بين تقليدية الزولو ومزيج من المحافظة الاجتماعية والخطاب الاقتصادي اليساري. ويشمل ذلك الدعوة إلى تعدد الزوجات، مما يعكس ممارساته الزوجية، ومعارضة الزواج بين الشواذ جنسيا، وتعزيز السياسات الرامية إلى إعادة التوزيع الاقتصادي. ويتسم الإطار الإيديولوجي للحزب بالغموض، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن أجندته تتمحور حول قيادة زوما الكاريزمية والمثيرة للجدل في كثير من الأحيان. وقد تميز رحيله عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بإدانات حادة للرئيس الحالي سيريل رامافوزا وحكم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي ادعى أنه أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة والعنصرية وانقطاع التيار الكهربائي، واصفا الحكومة بأنها يقودها “الخائنون والمتعاونون مع الفصل العنصري”. ووعدت حملة زوما “بالتحرر الكامل” مما يصوروه على أنهم نخبة فاسدة، متعهدين بصياغة مستقبل أفضل لمواطني جنوب إفريقيا. وبالفعل ترددت أصداء هذه الرسالة بعمق بين الناخبين الذين خاب أملهم إزاء فشل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة. وعلى الرغم من الحظر الذي فرضته المحكمة على الترشح للبرلمان، ظهر اسم زوما على بطاقات الاقتراع كزعيم لحزب (إم ك)، مما يسلط الضوء على الخصوصيات والعيوب المحتملة في النظام الانتخابي في جنوب أفريقيا.
وكان النجاح الأبرز الذي حققه الحزب على حساب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وخاصة في إقليم كوازولو ناتال، حيث استحوذ الحزب على الحصة الأكبر من الأصوات. وتؤكد هذه المنطقة، معقل زوما، على نفوذه الدائم والدعم الإقليمي لخطابه القومي المتطرف . وبينما يبحث حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عن شركاء في الائتلاف للحفاظ على الحكم، فإن السؤال الذي يلوح في الأفق هو ما إذا كان (إم ك) وزوما يمكن اعتبارهما حليفين و الاعتماد عليهما. إن جاذبية زوما الشعبوية، والتي ترتكز على الوعود بالعدالة الاقتصادية والتحول الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع قيادته المثيرة للجدل والمستقطبة، تمثل فرصة وتحدياً للمشهد السياسي في جنوب إفريقيا. إن قدرته على حشد الدعم الجماهيري والتحريض على اضطرابات كبيرة تؤكد القوة الهائلة التي لا يمكن التنبؤ بها للقومية الراديكالية التي يجسدها حزب رمح الأمة.
رابعًا: الشعبوية الفاشية
يتشكل المشهد السياسي في جنوب إفريقيا بشكل متزايد من خلال صعود حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية، وهو حزب تمزج علامته الشعبوية بين الخطاب الراديكالي والسياسات المثيرة للجدل تحت قيادة جوليوس ماليما. وقد أثارت رؤية الحزب للتحول الاقتصادي والسياسي والاجتماعي نقاشات حول ما إذا كان الحزب يمثل قوة ديمقراطية أو ينحرف نحو الميول الفاشية. وفي أغلب الأحيان تم تصنيف حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية، الذي تأسس عام 2013، على أنه حزب شيوعي وشعبوي. ومع ذلك، ربما يكون من الأفضل فهم الحزب على أنه حركة شعبوية قومية عرقية تلقي باللوم في افتقار جنوب إفريقيا إلى التنمية العادلة على كل من النخبة الفاسدة في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، والأهم من ذلك، على البيض في جنوب إفريقيا.
تعكس السياسات الرئيسية لحزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية في عام 2024 نزعتها القومية الشعبوية، وخاصة دعوتها لإصلاح الأراضي دون تعويض المزارعين البيض الذين فقدوا أراضيهم، وتخطط لتأميم أهم الصناعات في البلاد بما في ذلك البنوك والمناجم، وتهدف إلى إنهاء جهود المصالحة بين السود و البيض والتحرك نحو منح السود “العدالة”، وما تسميه “التنمية الصناعية المحمية الضخمة” التي تهدف إلى خلق فرص عمل لجميع الأفارقة وإنهاء عدم المساواة في الدخل بين المجموعات العرقية. وعلى الرغم من الخطاب الاشتراكي، فإن المخطط الاقتصادي للحزب يتوافق بشكل أوثق مع الدولة النقابوية – وهو نموذج تقوم فيه الدولة بدور مركزي في تنسيق وتوجيه الأنشطة الاقتصادية. ويتضمن هذا النهج سياسات مثل الانضمام إلى النقابات بشكل الزامي، والسياسات الصناعية الحمائية، والاستعانة بعمال القطاع الخاص في وظائف الدولة. وتتصور الرؤية الاقتصادية للحزب إعادة تنظيم اقتصادي تقودها الدولة وتركز على تمكين السود، مع حصص عنصرية محددة في إدارة وملكية الشركات.
إن النظرة الاجتماعية لحزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية متجذرة في الشعبوية المشحونة بالعنصرية والتي تعطي الأولوية للسود في جنوب إفريقيا مع تأطير القضايا الاقتصادية والاجتماعية من حيث النضال العنصري. وقد أدى هذا الخطاب، إلى جانب خطاب ماليما الصدامي والعنيف في بعض الأحيان، إلى استقطاب مجتمع جنوب إفريقيا. إن وضع ماليما كمدافع عن مصالح السود، إلى جانب ولعه بالترف ومزاعم الفساد، يسلط الضوء على العلاقة المعقدة مع النظام الاقتصادي ذاته الذي ينتقده. ويعكس أسلوب حياته وقاعدة دعم الجبهة، التي تتكون في الغالب من الشباب السود من الطبقة المتوسطة الحضرية، تناقضًا بين الخطاب البروليتاري للحزب والدعم الديموغرافي الفعلي له. وعلى الرغم من أن الحزب يبدو أنه فشل في زيادة حصته من الأصوات بشكل كبير مقارنة بالانتخابات السابقة في عام 2019، إلا أن الجبهة تظل حركة سياسية مؤثرة، وستمارس مع حزب زوما دورًا رئيسيًا في تحديد من يحكم جنوب إفريقيا.
خامسًا: الشعبوية البيضاء
تمثل حركة التضامن التي ترفع شعار “اجعل الأفريكانيين أفضل مرة أخرى” أحد تيارات الشعبوية الصاعدة في جنوب إفريقيا والتي تقوم على أساس عرقي ولغوي. إن أغلبية أعضائها هم من البيض الناطقين باللغة الأفريكانية ــ أولئك الذين يطلقون على أنفسهم اسم “الأفريكانيين”، والذين استفادوا تاريخياً من الفصل العنصري ــ والذين يشعرون بالغربة ثقافياً والانفصال سياسياً في جنوب إفريقيا التي تحكمها الأغلبية السوداء. ولهذا السبب فإنهم ينجذبون إلى القومية الثقافية وشعبوية الأقلية التي تتبناها حركة التضامن. وتضم الحركة حوالي 300 ألف عضو. وهذا ليس سوى جزء صغير من 4.6 مليون شخص أبيض في جنوب إفريقيا – وجزء صغير من حوالي 7 ملايين متحدث باللغة الأفريكانية من كافة الأعراق والألوان.
على الصعيد العالمي، غالبًا ما تكون الشعبوية اليمينية مناهضة للتعددية الثقافية والدولة. ويستخدم الشعبويون عادة لغة قومية وأفكار الضحية. إنهم يتحدثون من حيث “نحن” و”هم”، حيث يتم تصوير “نحن” على أننا مجموعة متجانسة وموحدة من الأشخاص الذين يعانون بطريقة أو بأخرى من الحرمان الثقافي أو الاقتصادي من قبل “هم”، أو النخبة أو مجموعة ثقافية أخرى. ومن يتحدث يدعي أنه الممثل الشرعي “للشعب” الذي ينبغي أن يكون مسؤولا عن وضع الأمور في نصابها الصحيح ــ مثل ترامب، الذي يدعي أنه يتحدث باسم “الأميركيين” ويعد بجعل “أمريكا أعظم مرة أخرى”. وهناك خطاب مماثل موجود في حزب البديل من أجل ألمانيا أو أولئك الذين قادوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة.
إن سياسات حركة التضامن متشابهة إلى حد كبير مع اليمين الغربي، ولكن في حالتها، فإن المحورين الاقتصادي والثقافي كلاهما عنصريان. وإذا انتقدوا الدولة ونخبتها، فإنهم يقصدون السياسيين السود. وإذا تحدثوا عن تهديد ثقافي، فإنهم يقصدون السود في جنوب إفريقيا. لذا فإن هذا يرتبط بالسياسة العنصرية التي شكلت جنوب إفريقيا لفترة طويلة من خلال الاستعمار والفصل العنصري.
وختامًا فقد أظهرت الانتخابات العامة التي أجريت في جنوب إفريقيا أواخر مايو الماضي معضلة حزب المؤتمر الوطني الذي أصبح كالهرة التي طردت أولادها. فقد كان نمو الخطاب الشعبوي الذي جسده كل من حزب زوما وحزب ماليما على حساب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي كان سدا منيعًا في السابق. ومن الجدير بالذكر أن كلاً من زوما وماليما كانا من رجال حزب المؤتمر الوطني الإفريقي السابقين الذين انقلبوا ضد الحزب، وهما يقدمان رؤيتهما اليوم باعتبارهما منقذين لشعب جنوب إفريقيا الحقيقي والأفارقة الأصليين الذين يحاربون فساد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والقمع الأبيض. وكما هو الحال دائما هناك بديل. كما أن عمليات إعادة الاصطفاف الأوسع الجارية تخلق أيضًا إمكانية إعادة الاصطفاف بين صفوف اليسار.
لقد تم طوال الفترة الديمقراطية بأكملها، إضعاف الحركة الاشتراكية بسبب انقساماتها، التي قسمت “اليسار المستقل” المتجذر في الحركات الاجتماعية والأحزاب الراديكالية الصغيرة، من “اليسار الرسمي” المتحالف مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والذي له قاعدة في النقابات والحزب الشيوعي. إن انقسام تحالف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يجعل من الممكن لهذين النصفين من اليسار أن يجدا بعضهما البعض مرة أخرى ويبثوا حياة جديدة في سياسات الصراع الطبقي. على أن الفشل في تحقيق ذلك سوف يجعل من جنوب إفريقيا أرضًا خصبة لنمو التيارات الشعبوية المتطرفة اليمينية منها واليسارية على السواء.