قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
دعاية مجلة قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    الأذرع الروسية الثلاثة: التنافس على ترويكا الساحل

    جنوب إفريقيا تتواصل مع “حماس” وتبحث توصيل المساعدات الإنسانية إلى فلسطين

    هل يجب على إفريقيا أن تتوقف عن الاستعانة بمصادر خارجية لتغيير مستقبلها؟

    شركات إفريقيا جنوب الصحراء وظاهرة “الوسط المفقود”

    شركات إفريقيا جنوب الصحراء وظاهرة “الوسط المفقود”

    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    عين على إفريقيا (18-27 ديسمبر 2023م): إفريقيا بين التطلع لدور دوليّ والأزمة الاقتصادية وحلول الشراكات

    التأشيرات الذهبية في إفريقيا جنوب الصحراء: آلية جديدة لجذب الاستثمار

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    جيش مدغشقر يستولي على السلطة ويعلق عمل مؤسسات الدولة

    مدغشقر ما بعد راجولينا: ولادة نظام أم عودة الفوضى؟

    دوافع انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا (إيكاس) وتداعياته المُحتمَلة

    تصدُّع التكامل الإقليمي: دلالات وتحوُّلات قمة “الإيكاس” الاستثنائية السابعة

    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    لماذا تتنافس شركات الأسلحة الأوروبية على السوق الإفريقية؟

    تحليل اتجاهات الإنفاق العسكري في إفريقيا جنوب الصحراء وأثره على الأمن الإقليمي

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    رئيس مدغشقر يخطط لـ”حوار وطني” مع إعلان المحتجين عن إنذار نهائي

    مدغشقر.. مرآة جيل متمرد على النخب السياسية الفاسدة

    رئيس وزراء إثيوبيا يتعهد مجددا بتفكيك كل القوات الإقليمية

    بعد محاولتين فاشلتين… هل تنجح إثيوبيا في تحقيق الديمقراطية؟

    من يشكل التحدي الأكبر لـ”بيا” في الانتخابات الرئاسية بالكاميرون؟

    من يشكل التحدي الأكبر لـ”بيا” في الانتخابات الرئاسية بالكاميرون؟

    الجنايات الدولية تعتزم إغلاق مكتبها في الكوت ديفوار خلال 2025

    انسحاب دول الساحل من المحكمة الجنائية الدولية: ما أسباب الجدل المستمر حول دورها وشرعيتها؟

    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني “إكواس” من تأشيرة الدخول

    الأذرع الروسية الثلاثة: التنافس على ترويكا الساحل

    جنوب إفريقيا تتواصل مع “حماس” وتبحث توصيل المساعدات الإنسانية إلى فلسطين

    هل يجب على إفريقيا أن تتوقف عن الاستعانة بمصادر خارجية لتغيير مستقبلها؟

    شركات إفريقيا جنوب الصحراء وظاهرة “الوسط المفقود”

    شركات إفريقيا جنوب الصحراء وظاهرة “الوسط المفقود”

    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    التنافس الصيني–الياباني في إفريقيا بعد قمة (تيكاد-9): قراءة تحليلية في أدوات النفوذ وفرص القارة

    عين على إفريقيا (18-27 ديسمبر 2023م): إفريقيا بين التطلع لدور دوليّ والأزمة الاقتصادية وحلول الشراكات

    التأشيرات الذهبية في إفريقيا جنوب الصحراء: آلية جديدة لجذب الاستثمار

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    إعلان نيويورك وحلّ الدولتين: هل فشلت إفريقيا في صياغة موقف مُوحَّد؟

    رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا يقيل رئيس الوزراء ويحل الحكومة

    انتخابات بلا معارضة: كوت ديفوار على شفير العنف

    الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

    صراع الفيلة..العوامل الهيكلية والاقتصادية للصراع في جنوب السودان

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    اقتصاديات السجون في إفريقيا جنوب الصحراء

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    جيش مدغشقر يستولي على السلطة ويعلق عمل مؤسسات الدولة

    مدغشقر ما بعد راجولينا: ولادة نظام أم عودة الفوضى؟

    دوافع انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا (إيكاس) وتداعياته المُحتمَلة

    تصدُّع التكامل الإقليمي: دلالات وتحوُّلات قمة “الإيكاس” الاستثنائية السابعة

    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    احتجاجات جيل “زد” في مدغشقر… قراءة في الأسباب والانعكاسات والتحولات

    الكونغو الديمقراطية تستعين بمستثمرين سعوديين في مجال التعدين

    زاما زاما: الوجه الخفي للتعدين غير القانوني في جنوب إفريقيا

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    الانتخابات الرئاسية في مالاوي 2025م: تحليل للمشهد السياسي، والسيناريوهات المحتملة

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    رواندا والسيادة الرقمية: من مشروع وطني إلى نفوذ إقليمي

    بوروندي تعلن الانسحاب من عملية الاتحاد الإفريقي المرتقبة في الصومال

    تداعيات رَفْض إدارة “ترامب” دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على الأمن الإقليمي

    3 أحزاب سياسية تتنافس على منصب الرئيس في إقليم أرض الصومال الانفصالي

    انعكاسات الاتفاق البحري بين تايوان وأرض الصومال على التوازنات في القرن الإفريقي

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

    ما بعد فرنسا: مَلامح النظام الأمني الجديد في إفريقيا جنوب الصحراء

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    لماذا تتنافس شركات الأسلحة الأوروبية على السوق الإفريقية؟

    تحليل اتجاهات الإنفاق العسكري في إفريقيا جنوب الصحراء وأثره على الأمن الإقليمي

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    الفيدرالية والتعدُّدية العِرْقية… مآلات وآفاق التجربتين النيجيرية والإثيوبية في بيئة إفريقية متغيّرة

    طبيعة العلاقة بين اللغة العربية ولغة الأورومو

    فاعلية الخطاب الإعلامي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها: غرب إفريقيا نموذجًا

    مطالبات بزيادة أمن الطاقة النووية في إفريقيا وسط السعي إلى امتلاكها

    الطاقة النووية في إفريقيا بين الطموح والتحديات: دراسة في تجربة كلّ مِن نيجيريا وجنوب إفريقيا

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    توسّع جماعة شرق إفريقيا: بين الطموحات والتحديات

    هيئة حقوقية رسمية تتهم القوات الإثيوبية بمقتل 45 مدنيًا في ولاية أمهرة

    المُصالَحة الوطنية والسياسية في شرق إفريقيا: دراسة مقارنة بين إثيوبيا وتنزانيا

    الصومال يطبق لوائح بحرية جديدة لتعزيز مراقبة الأنشطة على سواحله

    الانتخابات في الصومال: جدلية “صوت واحد لكل مواطن” بين الطموح السياسي وتحديات الواقع

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    بين التسوية والانفجار: دراسة مقارنة في إدارة النزاعات الأهلية في إثيوبيا ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    رئيس مدغشقر يخطط لـ”حوار وطني” مع إعلان المحتجين عن إنذار نهائي

    مدغشقر.. مرآة جيل متمرد على النخب السياسية الفاسدة

    رئيس وزراء إثيوبيا يتعهد مجددا بتفكيك كل القوات الإقليمية

    بعد محاولتين فاشلتين… هل تنجح إثيوبيا في تحقيق الديمقراطية؟

    من يشكل التحدي الأكبر لـ”بيا” في الانتخابات الرئاسية بالكاميرون؟

    من يشكل التحدي الأكبر لـ”بيا” في الانتخابات الرئاسية بالكاميرون؟

    الجنايات الدولية تعتزم إغلاق مكتبها في الكوت ديفوار خلال 2025

    انسحاب دول الساحل من المحكمة الجنائية الدولية: ما أسباب الجدل المستمر حول دورها وشرعيتها؟

    البحرية السنغالية توقف قاربين للمهاجرين يحملان 272 شخصا

    ثلاث ركائز أساسية لتعزيز الأمن البحري في إفريقيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تحديات العودة إلى النظام الدستوري في غينيا

    تقرير: دول الخليج تعزز موقعها في إفريقيا باستثمارات تتجاوز 100مليار دولار

    الشراكة الإستراتيجية في قطاع المواد الخام بين الاتحاد الأوروبي وزامبيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    التحدّيات المتنامية للاستثمار الأجنبي في إفريقيا

    جنوب إفريقيا تتحرك بشكل حاسم لمعالجة الجريمة وسط مخاوف من وحشية الشرطة

    قرار تاريخي ضد جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج

أنتينور فريمان: وإعادة بناء العلوم الاجتماعية والإنسانية في الفكر الإفريقي

أ.ناصر كرم رمضانبقلم أ.ناصر كرم رمضان
يونيو 14, 2021
في شخصيات
A A
أنتينور فريمان: وإعادة بناء العلوم الاجتماعية والإنسانية في الفكر الإفريقي
0
مشاركات
81
مشاهدات
انشره على الفيسبوكانشره على تويترانشره على الواتساب

يعتبر “أنتينور فريمان” (1850-1911م) Anténor Firmin أعظم مفكِّر ورجل دولة من أصول إفريقية في “هايتي” في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى طروحاته التي قدَّمها في كتابه “المساواة بين الأعراق البشرية” (1885م)، وتفكيكه المتقن للعِرْق، ودَحْضه للتسلسل الهرمي العِرْقِيّ، والمفاهيم المزدوجة التي اخترعها علماء الأنثروبولوجيا الغربيون الأوائل، وأضفوا عليها مظهرًا علميًّا. وكذلك تحليله للاستخدامات الأيديولوجية للعِرْق؛ لأغراض الغزو والسيطرة على الشعوب غير الغربية.

وهكذا قدَّم “فريمان” من خلال هذا العمل التأسيسي حُجته للمساواة بين الأعراق والتي تمتد ضمنيًّا بين الأمم والشعوب؛ نظرًا لأن النظام العالمي في حينها قد تمَّ بناؤه على العلاقات غير المتكافئة بين الدول، نتيجة سيطرة الدول الغربية على الترتيب العالمي.

وتعتبر فكرة “فريمان” عن المساواة بين الأعراق والأمم لها أهمية كبيرة فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية الحديثة. ومن خلال فهم “فريمان” لدور العرق في العلاقات بين الأمم، يمكن فحص الآثار المترتبة على مفهومه للمساواة المطلقة بحكم القانون والأمر الواقع بين الأعراق والأمم في الجغرافيا السياسية في عصره، وكذلك للنظام العالمي الحالي. وبالنظر إلى أن الترتيب العالمي اليوم يدور حول الأنظمة السياسية الوطنية بدلاً من الأعراق، فإن فكرة “فريمان” عن المساواة بين الدول كأساس للنظام الجيوسياسي العالمي قد تكون إرثه الفكري الأكثر ديمومة، مما يجعله ليس فقط عالم أنثروبولوجيا رائدًا ومناهضًا لعلم الأعراق الزائف، ولكن بوصفه سياسيًّا وفيلسوفًا لعالم معاصر لا يزال يتسم بتقارير عن الهيمنة والتبعية بين الأمم.

أولًا: النشأة والسمات والخبرات الشخصية لـ”فريمان”:

وُلِدَ “جوزيف أوجست أنتينور فريمان” Joseph Auguste Anténor Firmin في “الرأس الهايتي” Cap-Haitian، حيث الإقليم الشمالي لدولة “هايتي”، في 18 أكتوبر سنة 1850م لعائلة متواضعة الإمكانيات. كان باحثًا وموظفًا حكوميًّا وسياسيًّا، ترك وراءه مجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية التي انغمس فيها على المستوى الوطني، بالإضافة إلى المشاركة المدنية والقيادة الأخلاقية وغيرها، بالإضافة إلى تناوله للأسئلة السياسية والفلسفية المهمة حول الحكم الرشيد. ولا تزال أفكاره وأعماله المتفردة والمستنيرة ذات صلة بواقعنا المعاصر.

كان أسلاف “فريمان” من أوائل الأشخاص المنحدرين من أصول ودماء إفريقية في الشتات، الذين فازوا بحريتهم من القوى الاستعمارية الأوروبية. حدث هذا التحرُّر المستحق من الاستعباد والقمع الوحشي بعد اثني عشر عامًا من الحرب الثورية والنضال المسلح.

كان “فيرمان” طالبًا مجتهدًا؛ بدأ التدريس في سنّ السابعة عشرة. وبعد دراسة المحاسبة، حصل على عمل في مكتب الجمارك في “هايتي”، ثم كاتبًا في شركة خاصة. وسرعان ما ترك العمل بالقطاع الخاص لتدريس اليونانية واللاتينية والفرنسية.

دفعه اهتمامه بالسياسة ومناصرة “الحزب الليبرالي” Liberal Party إلى تأسيس صحيفة “رسول الشمال” Le Messager du Nord، حيث عكست مقالاته حساسيته المفرطة لمسألة اللون. وبعد انتخابات فاشلة للبرلمان في سنة 1879م، رفض منصبًا للعمل ضمن الحكومة، وغادر إلى “سانت توماس” St. Thomas ثم إلى “باريس”، حيث أصبح عضوًا في “جمعية الأنثروبولوجيا” Anthropological Society الفرنسية.

وفي سنة 1885م؛ نشر “فريمان” كتابه “المساواة بين الأعراق البشرية: أنثروبولوجيا وضعية” De l’égalité des races humaines: Anthropologie positive، والذي تم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية بعنوان The Equality of Human Races: Positivist Anthropology، لدَحْض الطروحات التي قدّمها الكاتب الفرنسي “الكونت آرثر دي جوبينو” (1816-1882م) Count Arthur de Gobineau في كتابه “حول عدم المساواة بين الأعراق البشرية” Essai sur l’Inégalité des Races Humaines (On the Inequality of Human Races).

وبعد عودة “فريمان” إلى “هايتي”، عيَّنه الرئيس “لويس هيبوليت” Louis Hyppolite وزيرًا للمالية والعلاقات الخارجية في سنة 1889م؛ وشغل المنصب حتى سنة 1891م. وتميز “فريمان” بكفاءته وسلوكه ونزاهته خلال فترة ولايته؛ حيث أعاد تنظيم الإدارة، وخلق مناخًا من الثقة، ممَّا أدَّى إلى انتعاش اقتصاد البلاد. بالإضافة إلى ذلك، قاوم ببراعة الضغوط التي مارستها الحكومة الأمريكية لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء “سان نيكولا” Saint-Nicolas.

سافر “فريمان” إلى “فرنسا” في أكتوبر 1891م، وألقى عدة محاضرات حول تاريخ “هايتي”، والاستعمار، وحرب الاستقلال، والاقتصاد، والعلاقات الدولية. وحين عودته إلى “هايتي” مارس العمل بالمحاماة، ومن ثَمَّ بدأ عمله الدبلوماسي كمبعوث فوق العادة، ومبعوث مفوّض في باريس، وشارك في توقيع معاهدة “سان دومينجو” سنة 1895م.

تم نفيه في سنة 1902م إلى “سانت توماس”، نتيجة صراع سياسي بين مرشحي الرئاسة في “هايتي”، وخلال سنوات نفيه وضع تصوُّرًا لمشروع كونفدرالية كاريبية. واستند في تصوره إلى التاريخ المشترك لهذه الجزر. وكذلك الهوية والاقتصاد والمصالح الخاصة.

عاد “فريمان من المنفى في سنة 1908م. وفي سنة 1910م أُرسل إلى “لندن” كمبعوث فوق العادة. لكنه في العام التالي عاد إلى “بورتريكو”، ثم إلى “سان توماس”، لتنتهي حياته بعد ذلك بوقتٍ قصير في سنة 1911م.

ثانيًا: السياق الفكري والسياسي والتاريخي المعاصر لـ”فريمان”:

على الرغم من نَشْر العمل الرئيسي “المساواة بين الأعراق البشرية: أنثروبولوجيا وضعية” لـ”أنتنور فريمان” في باريس سنة 1885م، إلا أنه تم تجاهل النص التأسيسي في الأنثروبولوجيا الوضعية ورفضه إلى حدّ كبير. لكن مؤخرًا فقط تم استرداد المخطوطة، وترجمتها وتقديمها إلى اللغة الإنجليزية بواسطة Asselin Charles (2000م)، أي بعد مائة وخمسة عشر عامًا من نشرها الأصلي.

ويعتبر “فريمان” أحد الأعضاء الهايتيين الثلاثة في “جمعية الأنثروبولوجيا بباريس” Paris Anthropology Society، والذي ظل اسمه مدرجًا في قوائمها حتى وفاته في سنة 1911م. وعلى الرغم من كونه عضوًا في الجمعية وحضوره العديد من اجتماعاتها، تم إسكات صوته بشكل فعَّال مِن قِبَل العنصريين المنادين بالأنثروبولوجيا الفيزيقية المهيمنة في ذلك الوقت.

وبفحص بعض المحاضر التي سجلت المداولات بين أعضاء الجمعية؛ تم تسجيل واقعتين ظهر فيهما “فريمان” ليتحدث. في مرحلة ما، ظهر متمسكًا بموقفه في تحدّي التصنيف البيولوجي للعرق؛ حيث الأنثروبولوجيا الفيزيقية السائدة لـ”بروكا” (1824-1880م) Paul Broca، ومرة أخرى عندما واجهته “كليمنس روير” (1830-1902م) Clémence Royer (امرأة رائدة في العلوم، قامت بترجمة أصل الأنواع لداروين إلى الفرنسية)، والتي سألت “فريمان”: عما إذا كانت قدرته الفكرية ووجوده في الجمعية نتيجة لامتلاكه أصول بيضاء؟

كان تاريخ نشر كتابه يعطيه ميزة كنص رائد في الأنثروبولوجيا؛ حيث إنه يقع ضمن الإطار الزمني للنصوص التأسيسية الأخرى في هذا المجال، مثل “المجتمع القديم: أبحاث في ارتقاء السلالات البشرية من الهمجية إلى البربرية إلى الحضارة”Ancient Society: Researches in the Lines of Human Progress from Savagery, through Barbarism to Civilization (1877م)، للمُنظِّر الاجتماعي الرائد وعالم الأنثروبولوجيا الأمريكي “لويس هنري مورجان” (1818-1881م) lewis henry morgan، بالإضافة إلى العمل الرائد “الأنثروبولوجيا” Anthropology (1881م) لمؤسِّس علم الأنثروبولوجيا الثقافية “إدوارد بيرنت تايلور” (1832-1917م) Edward Burnett Tylor.

وعلى الرغم مِن تعدُّد كتابات دراسات “فرانز بواس” (1858-1942م) Franz Boas، عالم الأنثروبولوجيا؛ الألماني المولد؛ والأمريكي الجنسية؛ ورائد علم الأنثروبولوجيا الحديث، أُطلق عليه لقب “أبو الأنثروبولوجيا الأمريكية”، إلا أنه لم يقدّم دراسته “عقل الإنسان البدائي: الخصائص الوراثية والسمات اللغوية والثقافية للأعراق البشرية” The Mind of Primitive Man: Hereditary Characteristics, Linguistic and Cultural Traits of the Human Races، إلا في سنة 1911م، وهو العام نفسه الذي تُوفِّي فيه “فريمان”.

كما نشر “بول توبينارد” (1830-1911م) Paul Topinard، أحد علماء الأنثروبولوجيا الفيزيقية العنصريين الفرنسيين، كتابه “عناصر الأنثروبولوجيا العامة” Éléments d’anthropologie générale (1885م)، والذي خصَّص له “فريمان” قدرًا كبيرًا من نَقْده. وهو العام نفسه الذي أصدر فيه “فريمان” كتابه عن المساواة بين الأعراق.

ثالثًا: منطلقات “فريمان” الفكرية:

كان “فريمان” نتاجًا للجيل الثالث من الهايتيين بعد الاستقلال الذين كانوا يفتخرون بشكل مبرّر بالإنجاز البطولي لأول جمهورية سوداء في العالم؛ حيث أصبحت هايتي مستقلة في الأول من يناير 1804م. وأثناء عمله كدبلوماسي في باريس في الفترة (1884-1888م)؛ تم قبوله في “جمعية الأنثروبولوجيا” في باريس. وخلال تلك السنوات، كانت جمعية الأنثروبولوجيا في باريس مكرَّسة بشكل أساسي لقياسات الأنثروبولوجيا العنصرية، والتفسيرات العرقية للبيانات الفيزيقية للبشرية.

في مقدمة كتابه، كتب “فريمان” عن فترة إقامته في باريس كدبلوماسي، أنه قرأ الطبعة الثانية من كتاب “جوبينيو” حول “اللامساواة بين الأعراق البشرية”، وفكَّر في بداية الأمر بالتدخّل لدى جمعية الأنثروبولوجيا، والتي كان أحد أعضائها في سنة 1884م، وعبّر عن ذلك بقوله: “كنت أفكر في إثارة نقاش داخل الجمعية حول مسألة تقسيم العرق البشري إلى أعراق أعلى وأعراق أدنى؛ لكنني خشيت حين أخاطر، أن يُنظر إليَّ على أنني متطفل، وأدركت لاحقًا أنني كنت محقًّا في هذا التردد، وتفطنت إلى فكرة تأليف هذا الكتاب”.

إذًا، فإن كتابه “المساواة بين الأعراق البشرية” كان استجابة عامة في مواجهة الفكر العرقي والعنصري الأوروبي في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، يشير العنوان إلى أن دحضه العلمي كان موجهًا بشكلٍ خاصّ إلى عمل “جوبينو”، الذي أكَّد عمله المكون من أربعة مجلدات بعنوان: “مقال عن اللامساواة بين الأعراق البشرية” (1853-1855) على التراتبية الهرمية للأعراق من الأبيض إلى الأصفر إلى الزنجي، بالإضافة إلى التفوق العرقي للشعوب الآرية. لكن “فريمان” تكهَّن في مواجهة ذلك باتساع نطاق وتطوُّر الأنثروبولوجيا إلى ما وراء “العلم” الفيزيقي العنصري الضيق؛ حيث النقد العلمي الذي يسمح بالمقارنات، وأن يقول الأسود والأبيض والأصفر والأسمر كلمتهم بحرية”.

وعلى عكس أفكار “جوبينو” عن التسلسل الهرمي العرقي ودونية الزنوج، أكد عمل “فريمان” أن “جميع الشعوب تتمتَّع بنفس الميزات ونفس العيوب، دون تمييز في اللون أو الشكل التشريحي. وهو ما يؤكّد أن المساواة الطبيعية موجودة بين كل الأعراق”.

تردد “فريمان” في طرحه بين تعددية الأصل ووحدته، لكنَّه لم يجد ثمة فرق بين الطرحين لتحديد موقفه من تقييم مفهوم العرق، فقد رأى أن “مصطلح العرق منقوص”، وركَّز بدلًا من ذلك على “اختلاط الأفكار”: “فكرة [الصنف] التي كانت تبدو دقيقة في علم الحيوان، تم نقضها، وبالتالي زعزعتها حسب نظرية التحوّلية، فبالتبعية تصبح فكرة العرق غير دقيقة، مظلمة ومبهمة ومخادعة ووهمية حين يتم تطبيقها على الإنسان”.

احتوى كتابه على (662) صفحة من النص الذي تم تقسيمه إلى عشرين فصلًا، أهمها على الإطلاق فصل عن “الأنثروبولوجيا كتخصص”، و”معايير تصنيف الأعراق البشرية”، و”الترتيب المصطنع للأعراق البشرية”، و”مقارنة بين الأعراق البشرية على أساس تكوينهم البدني”، و”مصر والحضارة”، و”دور العرق الأسود في تاريخ الحضارة”.

ومن خلال دراسة طروحاته في كتابه؛ يمكن تناول أهم القضايا التي شغلت فكره من خلال العناصر التالية:

1- مناهضة العبودية

كتب “فريمان” بقوة ضد العبودية بوصفها مؤسسة مرتبطة بعقيدة عدم المساواة بين الأعراق؛ حيث أدان “الطرح المناهض للفلسفة والعلم الزائف لعدم المساواة بين الأعراق، والذي لا يقوم إلا على فكرة استغلال الإنسان للإنسان. وحدها المدرسة الأمريكية كانت منسجمة مع هذا الطرح”، بجانب الفكر الأوروبي الذي دافع بدون مبرّر عن العبودية داخل الولايات المتحدة. وأشار “فريمان” إلى أنَّ المشاعر المؤيدة للعبودية يمكن العثور عليها في إسهامات علماء الأنثروبولوجيا البيض. وفي نهاية كتابه قام بالإشارة إليها بقوله: “بعد استعراضنا لجميع الحجج التي شكلت نظريات عدم المساواة بين الأعراق، يبدو أن أيًّا منها لا يصمد أمام أبسط الاختبارات”.

إن تعاطف “فريمان” مع من عانوا من العبودية كان عميقًا وراسخًا، سواء من خلال مناقشة الأساطير العرقية عن الانقياد، أو التراخي، أو الجهل الزائف في مواجهة الهيمنة الوحشية التي مُورِسَتْ على العبيد من قبل مُلّاكهم. وقد أثنى بشكل خاص على إنجازات هايتي؛ حيث إن الأشخاص مختلطو الأعراق انتصروا على معاناتهم بوصفهم “خلاسيين” Mulattos.

بالنسبة لـ”فريمان” فقد وفَّرت العبودية السياق الرئيسي للثورة الهايتية المجيدة؛ حيث الاستقلال وتحرير وتبرئة العرق الزنجي. وبالنسبة له أيضًا؛ لم يكن استقلال الدولة الهايتية هدفًا مستقلًا بذاته، لكنه حسب وجهة نظره يصبّ في مصلحة “إعادة تأهيل إفريقيا”. كما أن “فريمان” كان يدرك أن عبء العنصرية والدونية العِرْقِيَّة يعاني منه السود في إفريقيا كما في هايتي، وأن هايتي من الممكن أن تكون نموذجًا جيدًا للزنوج الآخرين وللأفارقة كذلك. وتساءل: ألم يقدّم شعب هايتي الأسود أدلة على ذكاء العرق ونشاطه؟

وحول إفريقيا كتب: “نعم، على مدى أربعمائة عام، أشعل العرق الأبيض دون شفقة أو رحمة حربًا داخلية في إفريقيا، مما أدَّى إلى أن يطارد الزنجي أخاه الزنجي، ويلاحقه مثل لعبة بلا هوادة أو رحمة من أجل إرضاء الجشع الأبيض الساعي إلى الاتجار بالبشر، وهو ما أدَّى إلى تدمير كل الحضارات والثقافات الأصلية. ثم تم الدفع على مدار قرنين بالزوارق المحملة بالماشية البشرية في اتجاه شواطئ هذه الجزيرة (الأمريكتين) التي ارتوت بدماء ساكنيها من الهنود حين واجهوا جشع الرجل الأبيض”.

ويكشف هذا المقطع عن النزعة الإنسانية الأساسية والوضعية العلمية التي تكمن وراء كتاب “فريمان” عن المساواة بين الأعراق البشرية، وعن مدى بشاعة العبودية، ومدى الدمار الذي أحدثته في إفريقيا وأمريكا على حدٍّ سواء، وهو ما يعطي كتاب “فريمان” ديمومة تجعل منه صالحًا لتفسير كثير من واقعنا المعاصر.

2- الأنثروبولوجيا الوضعية Positivist Anthropology

ناقش كتاب “فريمان”: “المساواة بين الأعراق البشرية: الأنثروبولوجيا الوضعية”، أربعة موضوعات تصلح للدراسة الميدانية، بما في ذلك الأنثروبولوجيا الفيزيقية، وعلم الآثار، واللغويات، وعلم الأعراق البشرية. قدَّم من خلالها “فريمان” دراسة شاملة وصفها في العنوان الفرعي لكتابه بالأنثروبولوجيا الوضعية.

ويتضح من الفصل الأول، والمخصَّص لـ”الأنثروبولوجيا كنظام”، أن هدف “فريمان” هو تقديم دراسة شاملة عن الإنسانية، لتتسع بحيث تشمل جميع العلوم الأخرى التي تشكل “روافد لها”.

قام “فريمان” في كتابه بمراجعة وتقييم التقاليد الفلسفية والرؤى العلمية التي شكَّلت علم الأنثروبولوجيا الناشئ منذ “إيمانويل كانط” (1724-1804م) Immanuel Kant وحتى “هربرت سبنسر” (1820-1903م) Herbert Spencer.

وعرّف “فريمان” الأنثروبولوجيا: بأنها “دراسة الإنسان في أبعاده الجسدية والفكرية والأخلاقية حسبما وجد في أيّ من الأعراق المختلفة التي تشكِّل الجنس البشري”. ومن خلال هذا التصوُّر لعلم الأنثروبولوجيا الواسع والمتكامل؛ ميز “فريمان” بين “الإثنوجرافيا” Ethnography: وصف الشعوب؛ و”الإثنولوجيا” Ethnology: الدراسة المنهجية لهذه الشعوب من منظور العرق. حيث يأتي دور عالم الأنثروبولوجيا بمجرد أن ينتهي عالم الإثنوجرافيا وعلم الأعراق البشرية من عملهم. وتطرح الأنثروبولوجيا عدة أسئلة: “ما هي الطبيعة الحقيقية للإنسان؟ وإلى أيّ مدى، وتحت أيّ ظروف يمكنه تطوير إمكاناته؟ وهل كل الأعراق البشرية قادرة على الارتقاء إلى نفس المستوى الفكري والأخلاقي؟ حيث إن الأنثروبولوجيا هي النظام الذي يمكنه تقديم إجابات أفضل حول المشكلة الكبرى المتعلقة بأصل الإنسان وطبيعته ومكانته في الطبيعة.

وعلى الرغم من أن “مارفن هاريس” (1927-2001م) Marvin Harris ينسب الفضل إلى “إميل دوركايم” (1858-1917م) Émile Durkheim في تأسيس “علم الاجتماع” بدلًا من اختزال دراسة الإنسان بيولوجيًّا في مدرسة الأنثروبولوجيا الفرنسية العنصرية، فقد يكون الفضل يعود جزئيًّا إلى “أنتينور فريمان”؛ الذي أسَّس دراسته العلمية للإنسانية على حجته المضادة للبيولوجيا من أجل المساواة بين البشر على أُسُس “وضعية” Positivism. حيث جادل بأن المساواة العرقية يجب أن تقوم على استخدام الحقائق العلمية، وليس الافتراضات المسبقة حول الاختلافات العنصرية أو التأكيدات الفلسفية الناتجة عن الاختلاف العرقي، مستخدمًا في ذلك أفكار “أوجست كونت” (1798-1857م) Auguste Comte.

ويُعْرف “أوجست كونت” بأنه مؤسّس أو المؤسّس لعلم الاجتماع، الذي ألهمت كتاباته في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر عددًا من علماء الاجتماع، بما في ذلك علماء الأنثروبولوجيا (إلى جانب فريمان) بدايةً من “جون ستيوارت ميل” (1806-1873م) John Stewart Mill وحتى “ليفي برول” (1857-1939م) Lévy-Bruhl و”مارسيل موس” (1872-1950م) Marcel Mauss و”إميل دوركايم”.  والذي أكد أن الجنس البشري جزء من العالم الطبيعي، ويجب دراسته على هذا النحو، وهو منظور شاركه فيه جميع علماء الاجتماع تقريبًا في القرن التاسع عشر. فالوضعية عند “كونت” هي إحدى فلسفات العلوم التي تستند إلى رأي يقول: إنه في مجال العلوم الاجتماعية، كما في العلوم الطبيعية، فإن المعرفة الحقيقية هي المعرفة والبيانات المستمدة من التجربة الحسية، والمعالجات المنطقية والرياضية لمثل هذه البيانات تعتمد على الظواهر الطبيعية الحسية، وخصائصها، والتي يمكن التحقق منها من خلال الأبحاث والأدلة التجريبية. وبالتالي فإن “كونت” نجح في إيلاء هذه المنهجية للعلوم الاجتماعية، وجعلها جزءًا من العلوم الطبيعية التي انفصلت عن التقليد الذي كان مرتبطًا سابقًا بالفلسفة الأخلاقية. كانت هذه المنهجية التجريبية ووضع الأنثروبولوجيا كعلم اجتماعي جديد في العلوم الطبيعية مفيدًا لـ”فريمان”.

وبعد “كونت” و”المدرسة الوضعية” Positivist School، شجَّع “فريمان” الدراسة الشاملة للإنسانية من المنظورات الكونية والبيولوجية والاجتماعية والفلسفية. ومن خلال كتابه، مارس “فريمان” العلم الوضعي، وقام بفحص جداول بيانات قياس الجمجمة المقارنة، وأشار إلى مخالفاتها والوسائل التي تلاعب بها “بول بروكا” و”صمويل مورتون” (1799-1851م) Samuel Morton وغيرهما من العلماء العنصريين، واستنتج أن هذا المؤشر يوفر لعلماء الأنثروبولوجيا أرضية غير كافية لتقسيم الأعراق إلى مجموعات متمايزة. مشيرًا إلى أن التصنيف العقلاني مستحيل عندما تكون البيانات المستخدمة لتكوينه “ليست خاطئة وغير منتظمة فحسب، بل متناقضة أيضًا في كثير من الأحيان”. ويتنبأ بتكوين مختلف للمجتمع العلمي في القرن العشرين، ويعلق:

“هل يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا الاستمرار في تسجيل هذه الأرقام دون تعديل تلك النظريات الجازمة التي تم وضعها في السابق؟ سوف يصطدم ما تم تقديمه من نظريات في القرن العشرين بنقد العلماء من السود والبيض والصُفر والسُمر”. لذلك، تابع “فريمان” دراسة تلك “المذاهب الأنثروبولوجية التي اتخذت عباءة الاسم المهيب للعلم بينما اغتصبت مكانته بالفعل بأسلوب غير علمي”.

شكَّلت انتقادات “فريمان” علامات مهمة في مرحلة حاسمة من مراحل تطور الفكر الزنجي، في مواجهة أيديولوجية الهيمنة الاستعمارية لأوروبا؛ حيث شكَّلت أفكاره ضربة قاصمة للطروحات العنصرية التي ازدهرت في النصف الثاني للقرن التاسع عشر. متحررًا بشكلٍ كليّ من النظريات الأنثروبولوجية؛ رفض “فريمان” الاستنتاجات التي توصَّل إليها الرجل الأبيض من دونية العرق الزنجي، وطالب كأول زنجي برؤية أنثروبولوجية مستقلة وذات سيادة للسود والأفارقة على حدٍّ سواء: “إن الأنثروبولوجيا كعلم تم إخفاء فوائده خلف آراء [مورتون] و[رينان] و[بروكا] و[كاروس] و[كاترفاج] و[بوكنر] و[جوبينيو] وكل كاتب مغرور ادعى أن الإنسان الأسود كان مقدّرًا له أن يكون موطئ قدم تحت سلطة الإنسان الأبيض، حينها فقط أستطيع أن أنعتها بالأنثروبولوجيا الكاذبة، وأنها لا تستحق أن تُنعت بوصف العلم”.

3- تيار الزنوجة وحركة الجامعة الإفريقية Négritude and Pan-Africanism

يتم تعريف “فريمان” على أنه من أوائل مناصري الوحدة الإفريقية أكثر من كونه عالمًا في الأنثروبولوجيا. ويلاحظ ” كوثارد” G. R. Couthard أن: “الكُتّاب مثل [أنتينور فريمان] و[هانيبال بريس] Hannibal Price و[كلود مكاي] Claude McKay و[جورج بادمور] George Padmore و[جان برايس مارس] Jean Price-Mars كانوا في طليعة إعادة تقييم الثقافة الإفريقية قبل فترة طويلة من الصحوة القومية داخل إفريقيا؛ حيث تم تطوير مفهوم [الزنوجة] Négritude في منطقة البحر الكاريبي”.

وإذ بالرغم من أن “جان برايس مارس” (1876-1969م) يُنسب إليه الفضل عادةً في كونه مؤسس “الأصلانية” Indigénisme حسبما أشاد به “ليوبولد سنجور” (1906-2001م) Léopold Senghor باعتباره “أبو الزنوجة”، فمن المحتمل أن “فريمان” وغيره من العقول اللامعة لمفكري هايتي في القرن التاسع عشر وضعوا الأساس الفكري لما كان سيصبح “حركة الزنوجة”. وتتحدث أربعة فصول على الأقل (من أصل عشرين) من كتاب “المساواة بين الأعراق البشرية” مباشرة عن الدور الأساسي الذي لعبه العرق الأسود في تاريخ العالم وحضارته.

كما تُظهر القراءة السريعة ليس فقط لهذه الفصول ولكن للمجلد بأكمله؛ أن “فريمان” كان من أوائل الداعين إلى “الزنوجة”. فإلى جانب أفكاره التي أعلن عنها بوضوح في سنة 1885م، حضر “فريمان” كذلك أول مؤتمر للجامعة الإفريقية في لندن سنة 1900م، والذي حضره كذلك “وليم ديبوا” W.E.B. DuBois.

ولو لم يكن منشغلًا بالسياسة الهايتية، وانتهى به الحال بمنفاه في “سانت توماس”، لربما استمر “فريمان” في المشاركة على المستوى الدولي مع الحركة الإفريقية الناشئة. إذ في خطاب ألقاه في “جامعة غانا” في سبتمبر 1964م، اعترف “كوامي نكروما” (1909-1972م) Kwame Nkrumah بـ”فريمان” كرائد للوحدة الإفريقية في العالم الجديد: “دعونا لا ننسى المساهمات المهمة للآخرين في العالم الجديد، على سبيل المثال، أبناء إفريقيا في هايتي مثل [أنتينور فريمان] والدكتور [جان برايس مارس]، وآخرين في الولايات المتحدة مثل [ألكسندر كروميل]، و[كارتر وودسون] والدكتور [ديبوا]”.

وبالرغم من أن “برايس مارس” أسَّس دراسة الإثنولوجيا والدين والفولكلور الهايتيين داخل القارة الإفريقية، إلا أنه صوَّر الهايتيين على أنهم جزء من الإنسانية دون الحاجة إلى “النويرية” Noirism. ويوازي هذا الرأي وجهة نظر “فريمان”، الذي كان تأكيده الوضعي على أن الأعراق متساوية بيولوجيًّا؛ وهو ما يقابله واجب أخلاقي مفاده أن العقل والروح وكذلك الإنسانية موحدة، وتعتمد تراثًا مشتركًا. فقد كتب في خاتمة كتابه “المساواة بين الأعراق البشرية”: “بالعودة إلى الحقيقة، سوف يدركون أن البشر في كل مكان يتمتعون بنفس الميزات والعيوب دون تمييز على أساس اللون أو الشكل التشريحي. فالأعراق متساوية. وجميعها قادر على الارتقاء إلى أنبل الفضائل، والوصول إلى أعلى مستوى من التطوّر الفكريّ. وهم قادرون كذلك على السقوط في حالة من التدهور التام. وعلى الحقيقة هناك سلسلة غير مرئية تربط جميع أعضاء الجنس البشري ببعضهم البعض في دائرة واحدة مشتركة. يبدو أنها من أجل الازدهار والنمو، لذا يجب على جميع البشر أن يهتموا بتقدم وسعادة بعضهم البعض، وتنمية مشاعر الإيثار؛ التي هي أعظم إنجازات قلب وعقل الإنسان”.

4- المسألة المصرية The Egyptian Question

في الفصل التاسع من كتاب “المساواة بين الأعراق البشرية”، بقوة فكرية ووضوح وتألق، يدافع “فريمان” عن سواد مصر الفرعونية وتأثير “حضارة كيميت” Kemetic على اليونان القديمة، بالإضافة إلى مساهمات مصر القديمة في حضارات العالم.

ويشير “فريمان في المقام الأول إلى أن “المسألة المصرية” شكَّلت أزمة فكرية ونفسية في علم المصريات الغربي وطروحات القرن التاسع عشر. فقد كان من الواضح أن هذا المأزق يتعلق بعاملين أساسيين: الأصل، والهوية الثقافية (أي لون البشرة) لسكان مصر القديمة. في المقابل، ترك اللغز المصريّ بصمة لا تُمْحَى على عقل وفكر المتشككين الغربيين فيما يتعلق بالإبداع في الحضارة المصرية القديمة.

واستطاع “فريمان” أن يربط “المسألة المصرية” وتفسيرها بـ”إشكالية البياض” White problem؛ حيث سعى إلى تقديم ردّ علميّ يمكن قبوله في مواجهة الاعتقاد السائد بين الأدباء البيض بأن “السود ليس لديهم تاريخ اجتماعي؛ وبالتالي لم يكن لهم ثمة تأثير على مسيرة الإنسانية”. وفي مقابل ذلك أعلن “فريمان” أن مشكلة البيض تكمن في سوء الإدراك بأنَّ العرق الأسود قد ساهم “بحجره في بناء الصرح”.

لكنه يمتد إلى التعميم، حين يخبرنا “فريمان” أن التحيُّز الأبيض ومعاداة الغرب للأفريقانية Africanism متجذرة بعمق في التضامن العرقي الأوروبي والتفوق العرقي، وهو ما أطلق عليه “الاتحاد القوقازي” Caucasian union، والذي اعتبره “أسوأ شكل من أشكال التمركز حول الذات”.

وحين أراد “فريمان” وصف منطق التضامن الأوروبي، استنتج أنه في العادة يحتقر العلماء والباحثين الغربيين “كل ما لم يكن أوروبيًّا”. وأشار بذكاء إلى أن “جميع الدول الأوروبية البيضاء تميل بشكل طبيعي إلى الاتحاد من أجل السيطرة على بقية العالم والأعراق البشرية الأخرى.. وذلك من أجل شلّ أيّ تقدُّم منافس”.

هناك معنى للاستدلال هنا على أن “فريمان” ربط المسألة المصرية بـ”الرسالة الحضارية” الأوروبية والهيمنة الاستعمارية والاستعمار. وحاول “فريمان” من خلال كتابه الكشف عن الطرق المختلفة التي أعاد بها العلماء الأوروبيون صياغة التاريخ المصري القديم لتحقيق مكاسبهم الخاصة فحسب.

ويفتتح “فريمان” الفصل التاسع “مصر والحضارة” Egypt and Civilization من كتابه بتوضيح ممتاز، وقياس منطقي مفصل بقوله: “إن الحقيقة أبدية؛ وهو ما يجعلها راسخة عبر الزمان والمكان، وإلا فلا يمكن التحقق من صِحّتها بالمنطق.. فعندما يؤكّد المرء أن العرق الأسود أدنى من جميع الأعراق الأخرى، يجب عليه أن يثبت صحة هذا الرأي في الماضي كما يحاول اليوم”.

وللتعبير عن الأمر بطريقة مختلفة، فإن السجل التاريخي للماضي، وتجربة السود عبر الزمان والمكان لا يؤكدان ولا يبرران موقف العنصريين البيض بأن السود أدنى منزلة من البيض. في الفقرة أعلاه، يشير “فريمان” ضمنيًّا إلى إبراز الإنجازات التاريخية للعرق الإفريقي ورفض الغطرسة البيضاء. ومع ذلك، فإن هدفه النهائي بشكل متزامن هو نقد لأيديولوجية تفوق البيض، وتَحدّي لمزاعم العلم الزائف التي يتم تقديمها وانتشارها باعتبارها ادعاءات حقيقية وحصرية، وإعادة بناء التاريخ والثقافة الإفريقية من وجهة نظر مصر الكلاسيكية والوكالة السوداء.

ويتابع “فريمان” الحديث بطرح سؤال بلاغيّ آخر؛ كيف يمكن “لعرق يعتبره الأوروبيون أقل شأنًا، أن يُنتج أُمَّة تدين لها أوروبا اليوم بكل شيء، حيث إن مصر مسؤولة عن الإنجازات الفكرية والأخلاقية الأصلية التي شكَّلت أُسُس الحضارة الحديثة. ويؤكد “فريمان” أن بقايا العصور القديمة تشهد بالفعل على وجود فترة من التاريخ كان فيها السود “يرفعون شعلة الحضارة المبكرة”.

إن ما دفع “فريمان” إلى إفراد جزء كبير من كتابه وبحثه لدراسة “المسألة المصرية” هو الادعاء الغربي بأن العرق الأسود ليس له تاريخ، حتى إن الفيلسوف “جورج هيجل” (1770-1831م) Georg Hegel ذكر أن “القارة الإفريقية كانت مكانًا بلا تاريخ”.

وفي مواجهة ذلك افترض “فريمان” أن الحضارة المصرية كانت حضارة سوداء، وأن العرق الأسود قد قدَّم مساهمات ملحوظة للحضارة العالمية من خلال الحضارة المصرية، وهو ما يتم رفضه وتقويضه في الطروحات الفكرية الغربية. كما كانت معارضته التنقيحية مدفوعة برغبة حقيقية في تصحيح المنظور الأوروبي للتاريخ والثقافة الإفريقية، بالإضافة إلى تثمين الإنجازات السوداء في تاريخ البشرية. من خلال القيام بذلك، كان عالم الأنثروبولوجيا والمفكر الهايتي يفكّك بشكل متزامن علم المصريات الغربي، ويعيد تشكيل السرد التاريخي المصري الإفريقي القديم. فمن الواضح أن “فريمان” لم يكن يمتلك عقدة النقص التي اتسم بها غيره من المفكرين الأمريكيين من أصل إفريقي. ولم يُخيفه كذلك الفكر والسلوك السائد لمناصري الترتيب العرقي والتسلسل الهرمي.

5- خطاب المركزية الإفريقية The Afrocentric Discourse

كان الهدف الرئيسي الذي سعى إليه “فريمان” في كتابه “المساواة بين الأعراق” هو تفكيك أفكار “جوبينيو” العنصرية، مثل عقيدة الدونية الفطرية للعرق الأسود، والتفوق الفطري للعرق الآري (الأبيض)، وتحدي العنصرية الشديدة للأصوات والأيديولوجيات الخطرة، والعنصرية العلمية في القرن التاسع عشر. كما كان هدفه الثاني هو التأكيد على الفخر الأسود، والإنجاز التاريخي والمساهمات الفكرية لمصر القديمة والشعوب من أصل إفريقي عبر الزمان والمكان. وهدفه الثالث هو إثبات أن “مبررات الأبيض” White Reason كانت منحرفة وغير كافية. وهدفه الرابع هو التأكيد على أن “البياض” Whiteness كان المشكلة المركزية للحداثة، وأكبر تهديد لازدهار الإنسان وتضامنه. والهدف النهائي لـ”فريمان” هو تحدّي الغطرسة الغربية وزعزعة استقرارها ورفض ادعائها بالتفوق الأنطولوجي Ontological Superiority.

في مقال حديث، يُكرّم “موليفي أسانتي” Molefi Kete Asante، الشخصية الأكثر تمثيلاً للمركزية الإفريقية في الفكر الإفريقي بقوله: “إن المفكر الهايتي [أنتينور فريمان] في سنة 1885م؛ حين قدَّم كتابه الشهير [المساواة بين الأعراق البشرية]، كان يدافع عن جميع السود، في الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة المتحدة ونيجيريا، ضد الاعتداءات العنصرية والتعليقات المتحيّزة”.

ويضع “موليفي أسانتي” “فريمان” كأحد رواد أيديولوجية “المركزية الإفريقية” من خلال التقاط التقارب والتوازي معها في خمسة أفكار أو اهتمامات رئيسية: (1) المشكلة مع علم المصريات الغربي والتأريخ في بناء التاريخ والثقافة الإفريقية، (2) تصوّره لنظرية المعرفة البديلة القائمة على الظواهر الإفريقية المصرية والتحقيق، (3) إشارته إلى أهمية التاريخ المصري القديم لفهم التاريخ الإفريقي الحديث، وتاريخ العرق الأسود عبر الزمان والمكان، (4) أشادته بالدور الفكري وبأهمية مصر القديمة في ولادة اليونان الكلاسيكية وروما، (5) وأن العرق الأسود لعب دورًا فريدًا في الحضارة العالمية من خلال تقديم مساهماته المتميزة. ما هي إذن المركزية الإفريقية؟

تُعرّف المركزية الإفريقية في المقام الأول على أنها “أيديولوجية وحركة ثقافية وفكرية وتعليمية تسعى إلى تسليط الضوء على الهوية من خلال المساهمات الخاصة للثقافات الإفريقية في تاريخ العالم”. ويجادل أصحاب هذه الأيديولوجية بأن المجتمع العلمي الغربي يستهين بالحضارات الإفريقية، ويشارك -بوعي أو بدون وعي- في مؤامرة لإخفاء المساهمات الإفريقية في التاريخ البشري. ومن هذا التعريف تُصبح المركزية الإفريقية توجُّهًا فكريًّا يسعى إلى إلغاء نموذج المركزية الأوروبية، عن طريق تحويل جغرافية العقل وخطاب الحضارة إلى أهمية مصر القديمة في ولادة العالم الحديث.

بهذا المعنى يعتبر “فريمان” متبنّيًا لأيديولوجية المركزية الإفريقية؛ حيث جادل هو وغيره حول التأثير المفترض لمصر القديمة -التي أكدوا أنها كانت سوداء- على الحضارة اليونانية القديمة. ويؤكد نموذج المركزية الإفريقية أطروحة التوحيد الثقافي لإفريقيا القارية بجانب الشتات الأسود؛ ويثمن دعاة هذه المدرسة الفكرية التراث الإفريقي واستمرارية التقاليد والقيم الثقافية الإفريقية في الشتات الإفريقي، وكذلك بقايا الحضارة المصرية. كما يهتم مشروع المركزية الإفريقية بشكلٍ أساسيّ بالمسألة الشائكة المتعلقة بالأصل الإفريقي الأسود للحضارة وسواد مصر الفرعونية.

وفقًا لذلك استخدم “فريمان” الحضارة المصرية القديمة كرمز للفخر الأسود، ولتوبيخ العقيدة السائدة للدونية الفطرية للسود. فبالنسبة له، كانت الإنجازات الإفريقية في التاريخ هدفًا للإلهام الأسود في الشتات. لذا فقد أكد “فريمان” على الروابط المباشرة بين مصر وإفريقيا، وكذلك التقاليد الثقافية والممارسات الدينية المشتركة بين مصر وقارتها الإفريقية.

رابعًا: دلالات “فريمان” الفكرية

“أنتينور فريمان” مؤسِّس منسيّ للأنثروبولوجيا. كان من الممكن أن تكون مساهمته في الأنثروبولوجيا الفرنسية مثمرة، لكن تم تجاهله. ويبدو أن أعضاء جمعية الأنثروبولوجيا في باريس لم يهتموا أو يطّلعوا أبدًا على كتابه “المساواة بين الأعراق”، ولم يتمكّنوا من تلقّي رسالته. لقد ضاعت إشاراته ومساهماته الرائدة في الأنثروبولوجيا التجريبية والحرجة، خاصة فيما يتعلق بالعرق، في التطور السائد لهذا التخصُّص في أوروبا وأمريكا الشمالية، في السنوات التكوينية للقرن التاسع عشر، وبالتالي لعقود التوحيد والنمو للأنثروبولوجيا في القرن العشرين.

ومع ذلك، لم يتم نسيان “فريمان” في هايتي، سواء كسياسي أو دبلوماسي أو باحث. ولا يزال “أنتينور فريمان” وعلماء آخرون من القرن التاسع عشر، مثل “لويس جوزيف جانفييه” (1855-1911م) Louis-Joseph Janvier و”هانيبال برايس” (1875-1946م) Hannibal Price، يُذْكَرُون ويُوَقَّرُون في هايتي اليوم.

في حَشْد حُجَجه الرائدة والدقيقة والصارمة للقضاء على وصمة العار العِرْقِيَّة، والقوالب النمطية للدونية المتأصلة لدى السود؛ استخدم “أنتينور فريمان” أفضل البيانات العلمية المتاحة في فرنسا خلال أواخر القرن التاسع عشر. بجانب عقله الذكي، وفائض من الكبرياء العرقي الإفريقي، والوعي بالهوية وتقرير المصير، أنجز مهمته في الدراسة والبحث لمدة ثمانية عشر شهرًا للانتهاء من العمل الهائل “المساواة بين الأعراق البشرية: الأنثروبولوجيا الوضعية”.

وتجدر الإشارة إلى ملاحظة أن “فريمان كان جاهلًا إلى حد كبير بجغرافيا القارة الإفريقية المعاصرة له؛ حيث كانت القارة تتنازعها القوى الأوروبية الكبرى في عام 1884م في “مؤتمر برلين”. كما أن الأسطورة والشعوب المتدنية وحكايات البشاعة هي التي ميَّزت وجهات النظر الأوروبية حول إفريقيا. وهو ما لم يَكْتُمه في دراسته حين أعلن في كتابه: “أريد أن يقتصر بحثي على المجالات المعروفة بشكل عام؛ حيث يمكن إجراء مناقشات جادة مع الأدلة والتحقق”. وهكذا، التفت إلى الماضي المجيد لإفريقيا لدعم نظريته المناهضة للعنصرية. وكرَّس الكثير من الاهتمام لحضارة وادي النيل القديمة.

وعلى الرغم من ذلك لا يزال هذا النص الرائد قائمًا حتى يومنا هذا كما كان قبل أكثر من قرن من الزمان، كمثال للتضحية البشرية والتفاني والتصميم والمرونة الفكرية لمفكر ذي أصول إفريقية وقف شامخًا لمناصرة قضايا الحرية والأخوة والمساواة الإنسانية للجميع. وعاش عمل وإرث “أنتينور فريمان” رغم نسيانه لزمن طويل.

لذا تأتي هذه الدراسة للتعريف بأحد المثقفين المنسيين في الفكر السياسي الإفريقي، والذين تجرأوا على الاختلاف مع الرأي العام في عصره، وشرع في مناقشة الخطاب الخطير للعِرْق ومغالطة تفوُّق البِيض؛ حيث سبق “فريمان” جميع المفكرين في عصره بكتابه “المساواة بين الأعراق البشرية” سنة 1885م.

وختامًا:

كان “جوزيف أنتينور فريمان” الناقد الفكري والسياسي من أصول إفريقية في القرن التاسع عشر؛ أول “عالم أنثروبولوجيا أسود” و”عالم مصريات أسود” يفكّك التفسير الغربي للتاريخ العالمي، ويتحدَّى البناء الأيديولوجي للطبيعة البشرية، ونظريات المعرفة في العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية. وبصفته مفكِّرًا مناهضًا للعنصرية، ومفكِّرًا عالميًّا في الوقت نفسه، تتحدَّى كتابات “فريمان” الأفكار الغربية عن الوضع الاستعماري، والإنجاز العرقي، وخيال الحداثة لسردٍ خطيّ قائم على المقدمات الزائفة للتطور الاجتماعي والتنمية، والتاريخ الاستعماري ونظرية المعرفة، والتطور الفكريّ للعرق الأبيض؛ حيث صاغ “فريمان” طريقًا بديلًا لدراسة المسارات التاريخية العالمية، والحياة السياسية، والمجتمعات البشرية والتفاعلات، والعلاقات والديناميكيات الدبلوماسية بين الأمم والأعراق.

__________________________

أهم المراجع المستخدمة في البحث:

Bernasconi, Robert. A Haitian in Paris: Anténor Firmin as a philosopher against racism. Routledge, 2013

Boaduo, Nana Adu-Pipim. “Undeniable Complacency of Western World Anthropology Scholars Ignorance in Acknowledging the Equality of Human Races: Revisiting AnténorFirmin in the New Millennium.” Journal of Pan African Studies 7.2 (2014):‏ pp. 34-44

Charles, Asselin. “Race and Geopolitics in the Work of Anténor Firmin.” Journal of Pan African Studies 7.2 (2014): pp.‏ 68-88

Firmin, Joseph-Anténor. The equality of the human races (positivist anthropology). Taylor & Francis, 2000

Fluehr-Lobban, Carolyn. “Anténor Firmin and Haiti’s contribution to anthropology.” Gradhiva. Revue d’anthropologie et d’histoire des arts 1 (2005): pp. 95-108

Fluehr‐Lobban, Carolyn. “Anténor Firmin: Haitian pioneer of anthropology.” American Anthropologist 102.3 (2000): pp. 449-466

Harrison, Anthony Kwame. “Still Singing “Kiss My Ass” to a Wagner Melody: Anténor Firmin, Bronislaw Malinowski, and the Establishment of Twentieth Century Ethnography.” Journal of Pan African Studies 7.2 (2014): pp. 89-108

Joseph, C. “Antenor Firmin, the Egyptian Question and Afrocentric Imagination.” The Journal of Pan-African Studies 7.2 (2014): pp. 127-176

Obenga, Theophile. “Hommage à Anténor Firmin (1850-1911), égyptologue haïtien1/Homage to Anténor Firmin (1850-1911), Haitian Egyptologist.” Africology: The Journal of Pan African Studies 7 (2014): pp. 108-126

Russell, Camisha. “Positivism and Progress in Firmin’s Equality of the Human Races.” Journal of Pan African Studies 7.2 (2014): pp. 45-67

Williams, Gershom. “Deconstructing pseudo-scientific anthropology: Antenor firmin and the reconceptualization of African humanity.” The Journal of Pan African Studies 7.2 (2014): pp. 9-32

أ.ناصر كرم رمضان

أ.ناصر كرم رمضان

باحث في الفكر السياسي والثقافة الإفريقية-كلية الدراسات الإفريقية العليا-مصر

مواد ذات صلة

ساموري توري: بونابرت إفريقيا

ساموري توري: بونابرت إفريقيا

سبتمبر 23, 2025
نغوغي واثيونغو وتخليص العقل الإفريقي من الاستعمار

نغوغي واثيونغو وتخليص العقل الإفريقي من الاستعمار

أغسطس 14, 2025
في مئوية فرانز فانون: فلسطين والمناهضة الدائمة للاستعمار

في مئوية فرانز فانون: فلسطين والمناهضة الدائمة للاستعمار

يوليو 27, 2025
“ليما غبوي” ودورها في إنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا

“ليما غبوي” ودورها في إنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا

يونيو 26, 2025
جوزيف ناي: الإفريقانية في أَسْر وهم “القوة الناعمة”

جوزيف ناي: الإفريقانية في أَسْر وهم “القوة الناعمة”

مايو 22, 2025
آثول فوجارد..شعلة مضيئة في ظلام التمييز العنصري بجنوب إفريقيا

آثول فوجارد..شعلة مضيئة في ظلام التمييز العنصري بجنوب إفريقيا

أبريل 17, 2025

ابحث في الموقع

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
يشغل حاليا

تويتر

Follow @qiraatafrican

الأكثر قراءة (أسبوع)

جيش مدغشقر يستولي على السلطة ويعلق عمل مؤسسات الدولة

جيش مدغشقر يستولي على السلطة ويعلق عمل مؤسسات الدولة

أكتوبر 13, 2025

الأذرع الروسية الثلاثة: التنافس على ترويكا الساحل

أكتوبر 15, 2025

الانتخابات التشريعية في السنغال: الرهانات في مبارزة عن بُعْد بين عثمان سونكو وماكي سال

أكتوبر 21, 2024

الاتحاد الإفريقي والشراكات في مجال إصلاح قطاع الأمن

أكتوبر 22, 2024

صمود الأبطال: ثورة الشيمورنجا الأولى ضد الاستعمار البريطاني في زيمبابوي خلال القرن التاسع عشر

أكتوبر 20, 2024

حظر اتحاد “فيسي” الإيفواري.. واتارا يدهس “بيادق” غباغبو على رقعة الحرم الجامعي!

أكتوبر 22, 2024

فيسبوك

‎قراءات إفريقية‎
  • قراءات تاريخية
  • متابعات
  • مكتبة الملفات
  • منظمات وهيئات
  • الحالة الدينية
  • حوارات وتحقيقات
  • أخبار
  • الحالة الدينية
  • المجتمع الإفريقي
  • ترجمات
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • ثقافة وأدب

الأقسام

  • المجلة
  • كتاب قراءات
  • الموسوعة الإفريقية
  • إفريقيا في المؤشرات
  • دراسات وبحوث
  • نظرة على إفريقيا
  • الصحافة الإفريقية

رئيس التحرير

د. محمد بن عبد الله أحمد

مدير التحرير

بسام المسلماني

سكرتير التحرير

عصام زيدان

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية. تطوير شركة بُنّاج ميديا.

Welcome Back!

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In

Add New Playlist

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
  • الموسوعة الإفريقية
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • دراسات وبحوث
  • ترجمات
  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الأخبار
    • الحالة الدينية
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • مكتبة الملفات
    • منظمات وهيئات
    • نظرة على إفريقيا
    • كتاب قراءات إفريقية

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية بواسطة بُنّاج ميديا.