قراءات إفريقية
على الرغم من أن تنزانيا لم تزل تحت سلطة ذات الحزب السياسي؛ إلا أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تختلف بشكل واضح عن نظيرتها منذ خمس سنوات؛ فالرئيسة الحالية هي نائبة الرئيس الفعلي للبلاد، وقد اعتلت المنصب بعد وفاة الرئيس ماجوفولي في 2021م، لكنّ سامية حسن أرادت فترة ثانية من خلال خوضها الانتخابات الرئاسية.
منذ خمس سنوات كانت الانتخابات تنافُسية إلى حدٍّ كبير، والأحزاب المُعارِضَة الكبرى في قلب السباق الرئاسي، ورغم التوقُّعات بفوز الحزب الحاكم إلا أن الأحزاب المعارضة لم تكن على الهامش([1])، أما الآن فيذهب الحزب الحاكم للانتخابات دون منافسٍ تقريبًا.
في هذا التحقيق نُسلّط الضوء على الانتخابات الرئاسية القادمة في تنزانيا، ونتساءل: أين المعارضة من هذا السباق الرئاسي؟ وما أبرز التحديات التي تواجه تنزانيا والحزب الحاكم في الفترة المقبلة؟
هذا وأكثر تتناوله “قراءات إفريقية” في هذا التحقيق.
من رئيس انتقالي إلى رئيس منتخب!
في أغسطس الماضي ووسط حشود كبيرة من التنزانيين؛ أطلقت “سامية حسن” حملتها الانتخابية للترشح لفترة رئاسية ثانية، وسوف يتوجه التنزانيون إلى صناديق الاقتراع في 29 أكتوبر الجاري، لكنّ هذه الانتخابات لا تحمل الكثير من المفاجآت؛ فقد أمضت الرئيسة “سامية” السنوات الأربع الماضية في إزالة العقبات التي من شأنها أن تُعيق فوزها بولاية جديدة بهدوء وحسم.
ينص القانون التنزاني على أنه يجوز لنائب الرئيس الذي يخلف رئيسًا متوفًى أن يشغل منصبه لفترتين كاملتين، إذا لم يبلغ سلفه منتصف مدة ولايته، كما كان الحال مع ماجوفولي، ورغم ذلك افترض الكثيرون داخل الحزب الحاكم أن سامية ستتنحى عن منصبها في عام 2025م.
فعندما تولت “سامية” الرئاسة في مارس 2021م، اعتُبرت على نطاق واسع شخصية انتقالية حذرة ومُصالحة، وقد دفعت خطواتها الأولى؛ بما في ذلك إعادة فتح المجال الإعلامي، والتواصل مجددًا مع المانحين الدوليين؛ إلى توقع بقائها كرئيسة مؤقتة لولاية واحدة فقط.
لكن خلف بوادر الانفتاح أعادت “سامية” تشكيل آلية الدولة بهدوء، وأُحيل أبرز الموالين لماجوفولي إلى التقاعد، أو نُقلوا إلى مناصب أخرى، بينما عزّزت سلطتها بالتعيينات الإستراتيجية في الأجهزة الأمنية والقضاء واللجنة الانتخابية([2]).
كما خفَّفت “سامية” بعض إجراءات ماجوفولي الصارمة، بما في ذلك رَفْع الحظر عن التجمعات السياسية، وتخفيف الضغط عن منظمات المجتمع المدني([3])، ورغم أنها أظهرت صورةً من الانفتاح إلا أنها لم تُحْدِث تغييرًا حقيقيًّا في ميزان القوى، والنتيجة هي أن الرئيسة سامية تترشح لفترة رئاسية ثانية، ولا ينافسها إلا مرشحين ثانويين غير معروفين.
في حديثه لـ“قراءات إفريقية”، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة ساسكس البريطانية، د. دان باجيت([4]): إن القلق الأساسي بخصوص انتخابات 2025م هو ما إذا كان لدى تنزانيا أيّ خيار ديمقراطي حقيقي؛ حيث قام النظام بتفكيك المنافسة الانتخابية بشكل منهجي من خلال التلاعب والترهيب واستبعاد مرشحي المعارضة الواعدين، ويُجسِّد ذلك الانتخابات المحلية في 2024م؛ حيث حصد “الحزب الحاكم CCM” 99% من المقاعد وسط مزاعم بالتلاعب بالنتائج، وهذا يثير مخاوف الناخبين بشأن نزاهة العملية الانتخابية نفسها.
ويعتقد د. دان أن الإصلاحات التي قامت بها “سامية حسن” كانت مجرد استعراضات وليست تغييرًا حقيقيًّا، بل صُمِّمَتْ لخَلْق انطباع بالإصلاح مع حَجْب تغيير ديمقراطي جوهري، وأضاف أن تراجعها الانتقائي عن إجراءات ماجوفولي؛ مثل إعادة ترخيص بعض وسائل الإعلام ورفع الحظر على التجمعات؛ كان مجرد لفتات رمزية، بينما تجنَّبت الإصلاحات القانونية الحقيقية، وظلت البنية الاستبدادية للنظام على حالها.
أين المعارضة؟
تظل السياسة المعارضة في تنزانيا تعاني من القمع والقوانين التقييدية، وقد أفسحت “سامية حسن” في بداية مدتها المجالين السياسي والمدني، وشكلت فريق عمل معنيّ بالإصلاحات السياسية، وسُمح بالتجمعات العامة بعد حظرها عام 2016م.
وقد عزَّزت هذه الإصلاحات فرص المعارضة لكسب مزيد من الدعم ضد الحزب الحاكم، وعلى رأسهم حِزْبَا المعارضة الرئيسيان: حزب الديمقراطية والتقدم “تشاديما”، وحزب التحالف من أجل التغيير والشفافية.
إلا أن الأوضاع تغيرت قبل انتخابات 2025م، وتم استبعاد حزب تشاديما من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وأيضًا من أيّ انتخابات فرعية خلال الخمس سنوات القادمة؛ بسبب عدم توقيع الحزب على “مدونة السلوك الانتخابي”، وهو قانون أخلاقي انتخابي مطلوب للمشاركة في الانتخابات.
كما تم اعتقال زعيم الحزب “تندو ليسو” في أبريل الماضي بتهمة الخيانة ونشر معلومات زائفة عبر الإنترنت؛ لدعوته لمقاطعة الانتخابات القادمة بسبب ما وصفه بأنه تزوير أو تسييس للعملية الانتخابية، في حين ينفي “ليسو” التُّهَم المُوجَّهة إليه، مؤكدًا أنها ذات دوافع سياسية تهدف إلى إقصائه من المشهد العام.
كما تم إقصاء “لوهاجا مبينا” مرشح حزب المعارضة “التحالف من أجل التغيير والشفافية”، والذي انضم إليه في أغسطس الماضي بعد خروجه من الحزب الحاكم، وقد قرّرت اللجنة الانتخابية استبعاده لعدم التزامه بلوائح الحزب، رغم حكم المحكمة بأن إلغاء ترشيحه مِن قِبَل اللجنة الانتخابية غير دستوري، مما أثار انتقادات واسعة من المعارضة ومراقبي الانتخابات، الذين وصفوا القرار بأنه سياسي ومحاولة لإضعاف المنافسة.
يرى د. دان باجيت أن المناخ السياسي في تنزانيا يزداد قمعًا؛ حيث تجاوزت “سامية حسن” الخطوط الحمراء للعملية الديمقراطية التي لم تُخترق منذ عام 1992م، وأبرزها منع المعارضة الرئيسية من الترشح للرئاسة، وهذا يُحْدِث اختلالًا في التوازن؛ حيث أُلغيت المنافسة الانتخابية الحقيقية.
وأردف د. دان أن “سامية حسن” تُمثّل استمرارية لإستراتيجية ماجوفولي الاستبدادية، لكنّها في الواقع أصبحت أكثر تطرفًا؛ فقد اتهمت قادة المعارضة بالخيانة مرتين خلال أربع سنوات، وهو أمر لم يفعله ماجوفولي، وبينما أوقفت بعض الأدوات القمعية في البداية إلا أنها استخدمت أدوات أخرى بكثافة أكبر.
ما الذي ينتظر تنزانيا؟
مع تفكك المعارضة وهيمنة الحزب الحاكم فعلى الأغلب ستظفر “سامية حسن” بولاية جديدة بسهولة، ورغم أن ضعف المنافسة قد ينعكس على نِسَب المشاركة الشعبية في الانتخابات؛ إلا أن غالبية التنزانيين قد لا يهتمون كثيرًا بمن يحكم بقَدْر اهتمامهم بالحفاظ على السلم والاستقرار.
يرى مراقبون أن من أبرز إنجازات الرئيسة سامية أنها أعادت الاعتبار لصورة تنزانيا الدولية، فالمانحون الغربيون الذين تراجعوا في عهد ماغوفولي قد تقبّلوها، ونجحت في تأمين برامج جديدة لصندوق النقد الدولي، وجذبت المستثمرين لمشاريع الطاقة، ورسَّخت مكانة تنزانيا كلاعب إقليمي في شرق إفريقيا.
وفي حين تحظى بالإشادة بسبب أسلوبها الدبلوماسي، يزعم المنتقدون أنها لم تفعل الكثير لمعالجة القضايا البنيوية مثل البطالة بين الشباب، وارتفاع تكاليف المعيشة، والفساد في الحكومة المحلية.
وعن التحديات التي ستواجه الرئيسة سامية في ولايتها الثانية؛ يقول الباحث في الشأن الإفريقي، شمسان التميمي، لـ”قراءات إفريقية”: إن “سامية” عليها إقناع المجتمع الدولي بنزاهة الانتخابات؛ لأن ما حدث من إغلاق مكاتب حزب تشاديما ومحاكمة “تندو ليسو” واعتقالات شخصيات أخرى؛ قد تؤدي إلى فقدان الثقة في العملية الانتخابية مما يتطلب إجراءات شفافة لاستعادة المصداقية.
وأردف “التميمي” أن “سامية حسن” سيكون عليها خلق توازن بين الدعم الدولي والاستقرار الداخلي؛ لأنها تعتمد على دعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتمويل مشاريع تنموية، لكنّ التراجع الديمقراطي قد يُعرِّض هذه المساعدات للخطر، وأنها ستحتاج إلى إصلاحات حقيقية للحفاظ على الدعم الدولي وتهدئة السخط الداخلي من الشباب والمعارضة.
في حين تُواجه تنزانيا العديد من التحديات على المستوى السياسي والاقتصادي، ورغم الأوضاع السياسية العامة التي قد تُهدّد مستقبل الديمقراطية في البلاد إلا أن ما يَهُم التنزانيين حقًّا هو أوضاع المعيشة والخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والمياه والطرق؛ لأنها تمسّ حياتهم اليومية.
فنجد حوالي 38٪ من التنزانيين يصفون أوضاعهم المعيشية بأنها سيئة، بينما نسبة مماثلة تراها جيدة([5])، كما يرى حوالي 70% من السكان أن تنزانيا تسير في الاتجاه الصحيح رغم الصعوبات الاقتصادية([6]).
وبالحديث عن التحديات السياسية يرى شمسان التميمي أنها تتركز في الخلافات والانقسامات داخل الحزب الحاكم؛ حيث وصلت الخلافات ذروتها بين “الحلف الماجوفولي”، والذي يمثله عدد من أعضاء الحزب الحاكم مثل بوليبول سفير تنزانيا السابق لدى كوبا([7])، وغيرهم.
كما أشار إلى الخلافات حول الحكم الذاتي والانتخابات المحلية في زنجبار، مع تقارير عن قمع عنيف للاحتجاجات؛ تخلق عدم استقرار إقليمي، وأضاف “التميمي” أن الحكومة عليها تلبية توقعات الشباب السياسية والاقتصادية؛ نظرًا لزيادة نسبة الشباب إلى 60% تحت 25 عامًا.
بينما أحال “التميمي” التحديات الاقتصادية إلى بطالة الشباب التي تصل إلى 10- 15%، ونقص فرص العمل خارج المجال الزراعي، كما أن الاعتماد على الزراعة غير الحديثة يَحُدّ من النمو المستدام.
وقال: إن هناك صعوبات في تنويع مجالات الاقتصاد وجذب الاستثمار؛ حيث إن السياسات الضريبية المعقدة والبيروقراطية تُعيقان الاستثمار الأجنبي.
وأكد “التميمي” أنه رغم النمو الاقتصادي الجيد لتنزانيا (5.5- 6% سنويًّا)؛ إلا أن البلاد تحتاج إلى إصلاحات هيكلية لتلبية احتياجات سكانها الشباب وتعزيز الاستقرار السياسي قبل الانتخابات.
وختامًا.. فإن تنزانيا تُعدّ دولة محورية في منطقة شرق إفريقيا التي تنعم باستقرار نسبي، وأيّ اضطرابات من شأنها أن تؤثر على دول المنطقة بأكملها، ورغم ما يبدو من هدوء الشارع التنزاني إزاء تشديد قبضة الدولة وتهديد الديمقراطية إلا أن ذلك قد يكون له تداعيات مستقبلية غير جيدة على الحياة السياسية في تنزانيا، فهل تعود “سامية حسن” في ولايتها الثانية لسياسة الانفتاح، أم تستمر على تشديد القبضة الأمنية وغلق المجال السياسي.
…………………….
[1]https://qiraatafrican.com/4525/%d8%aa%d9%86%d8%b2%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%82%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b2/
[2] https://www.theafricareport.com/392951/tanzania-election-how-samia-has-dismantled-the-opposition-ahead-of-polls/
[3]https://qiraatafrican.com/4553/%d8%b3%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d9%88%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8f%d9%83%d9%85-%d9%87%d9%84-%d8%aa%d8%b4%d9%87%d8%af-%d8%aa%d9%86%d8%b2%d8%a7%d9%86/
[4] https://profiles.sussex.ac.uk/p621116-daniel-paget
[5]https://www.afrobarometer.org/articles/tanzanians-happy-with-governments-economic-management-but-vast-majority-were-short-of-cash-at-least-once-over-the-last-year/?utm_source=chatgpt.com
[6] https://www.afrobarometer.org/publication/ad931-despite-mixed-assessments-of-living-conditions-tanzanians-say-country-is-on-the-right-path/?utm_source=chatgpt.com
[7]https://www.thecitizen.co.tz/tanzania/news/national/polepole-resigns-from-diplomatic-role-cites-leadership-concerns-as-ccm-responds-5116550?utm_source=chatgpt.com