مع قرب نهاية رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين في نوفمبر المقبل تصدرت مسألة التنافس الدولي على المعادن الإفريقية، بقيادة الولايات المتحدة والصين بشكل أساسي لفريقي التنافس، تقييمات مختلفة لأجندة الدولة الإفريقية التي تولت للمرة الأولى رئاسة هذه المجموعة التي تضم أكبر 20 اقتصاد في العالم.
ويتناول المقال الأول جهد قطاعات التعدين الإفريقية الانتقال إلى مرحلة “الانتقال الطاقوي العادل”، والذي يسعى لتحقيق موازنة بين مقدرات الإنتاج الهائلة لتلك الدول للمعادن الخام وحاجتها لتحقيق تحول صناعي لاستغلال هذه الموارد محليًا.
أما المقال الثاني فيتناول التنافس الحاد، بمظاهر ناعمة أحيانًا، بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين من جهة أخرى، للاستيلاء على الموارد المعدنية الهامة التي تمتلكها القارة الإفريقية ودولها.
ويتناول المقال الثالث موجز مقابلة مع أحد المعنيين بقطاع التعدين الإفريقي ورؤيته لقطاع تعدين النحاس وآفاق توسعه في السنوات القليلة المقبلة لخدمة التطورات التكنولوجية العالمية بالأساس، وبغض النظر عن تكريس ذلك لتهميش القارة ودولها على المدى المتوسط على أقل تقدير.
معادن إفريقيا الهامة تسعى لانتقال طاقوي عادل([1]):
يطلق عليها مناطق التضحيات: وهي تلك الأقاليم التي يتم التضحية فيها بسلامة سكانها والبيئة المحيطة بهم باسم الصالح العام. ويحدث ذلك غالبًا في إفريقيا، حيث تعد الكثير من المعادن “هامة” للانتقال الطاقوي، والتي لا غنى عنها للبطاريات، وتوربينات الرياح، ولوحات الطاقة الشمسية، حيث يتم استخراجها جميعًا من هذه المناطق.
وربما تكون تلك المعادن أدوات رئيسة للوقود الأحفوري الذي تم التخلي عن استخادمه، لكن سلسلة غمدادها تخفي في الغالب تناقضًا، ففي محاولة لمكافحة تغير المناخ، ينتهي بنا الحال إلى القضاء على صحة وبيئة وحقوق المجتمعات التي تعيش وسط مناطق الاستخراج نفسها.
بأي حال فإن الانتقال العادل لا يزال امرًا ممكنًا. وجاء ذلك في خلاصة ورقة موجزة حملت عنوان: Reimagining Africa’s Critical Mineral Value Chains: From Extraction to Equitable Green Industrialisation in a Multipolar World وقام بها خبراء من Power Shift Africa ومركز ECCO للتفكير في شؤون المناخ.
ومثلت الوثيقة، التي تم تطويرها كجزء من T20 وهي مجموعة بحث وتحليل تقدم مقترحات وتوصيات لقمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا، دعوة للدول الإفريقية والشركاء الدوليين لإعادة التفكير في مجمل سلسلة إمداد المعادن الهامة، من الاستخراج إلى المعالجة، حتى تصبح محركًا للتحول الصناعي المستدام، والتنوع الاقتصادي وتكوين قيمة مضافة على المستوى المحلي.
موارد إفريقيا:
تملك القارة الإفريقية وحدها نحو 30% من احتياطات المعادن العالمية، بما فيها الكثير من المواد الخام الهامة المطلوبة للانتقال الطاقوي.
وكما ورد في مستقبل المعادن الهامة الصادر عن وكالة الطاقة الدولية International Energy Agency (IEA) Critical Mineral Outlook فإن إفريقيا توفر 11% من افنتاج العالمي من الليثيوم، و17% من غنتاج النحاس، بينما يأتي نحو ثلاثة أرباع الكوبالت في العالم من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
بأي حال فإن أغلب هذه المعادن توجد في لقارة في حالتها الخام دون قيمة مضافة تذكر. وفي العام 2024 وصلت القيمة السوقية الإجمالية لإنتاج معادن الطاقة في إفريقيا إلى ما يقرب من 50 بليون دولار من الاستخراج، ولا يكرر منها سوى ما قيمته 16 بليون دولار.
ويعد هذا الموضوع بين أولويات رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين، والتي ستنتهي في نوفمبر 2025. وقد أكد الرئيس سيريل رامافوسا على الحاجة لتحويل ثروة إفريقيا المعدنية إلى محرك للتنمية الشاملة والمستدامة. وأكد رامافوسا: “نحن بحاجة لإطار لمجموعة العشرين حول التحول الصناعي الاخضر والاستثمارات من أجل ضمان التقدم نحو صفقة كبرى تعزز القيمة المضافة للمعادن الهامة بالقرب من مصادر الاستخراج.” ومع تزايد استخراج المعادن من اجل تلبية الحاجات للانتقال الطاقوي، فإن الدول والمجتمعات المحلية ترى أنه يجب الاستفادة من هذه الموارد في الحد الأقصى.
الصين وأمريكا تتسابقان على معادن إفريقيا الهامة([2]):
تزداد أهمية المعادن النادرة، مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والنحاس والعناصر الأرضية النادرة ومجموعة معادن البلاتينيوم، لدى الصناعات التكنولوجية الحديثة.
كما أنها مكون رئيس لصناعات تتراوح بين الالكترونيات والاتصالات إلى الطاقة المتجددة والدفاع ونظم الفضاء. ويتزايد الطلب العالمي على مثل هذه المعادن، وكذلك المنافسة على الحصول عليها.
ويتركز إمداد وإنتاج هذه المعادن بشكل كبير في الجنوب العالمي. ويأتي أغلب إنتاج العالم من الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ والتي تنتج وحدها نحو ثلاثة أرباع الناتج العالمي من الكوبالت. وتنتج أستراليا نحو نصف غنتاج العالم من الليثيوم. بينما تنتج شيلي ربع إنتاج العالم، وتليها الصين التي تستحوذ إنتاجيًا على نسبة 18%.
وتهيمن الصين على سلسلة الإمداد عبر استثمارات ضخمة في عمليات التعدين، لاسيما في إفريقيا. والصين مسئولة وحدها عن تكرير نحو 90% من العناصر الأرضية النادرة والجرافيت، وما بين 60-70% من إنتاج العالم من الليثيوم والكوبالت.
كما تبنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي –وهما من أهم شركاء الدول الإفريقية تجاريًا- سياسات لتأمين حصولهما على على هذه الموارد الإفريقية.
ويظل السؤال المهم (في السياق الحالي) هو ما الذي يجب على الدول الإفريقية القيام به للاستفادة من هذا الطلب على المعادن الهامة، لاسيما في دفع مسار تنميتها للأمام.
ولقد تناولنا هذه المسألة، باعتبارنا باحثون في شؤون التنمية، في إصدار خاص حول الأهمية المتزايدة للمعادن الهامة في إفريقيا أصدره المجلس الهندي للشؤون العالمية Indian Council of World Affairs.
وفي إصدار آخر نظرنا في كيف يمكن لدبلوماسية الموارد الصاعدة أن تعزز مكانة إفريقيا في الاقتصاد العالمي كمصدر مجدر للمواد الخام.
وقدمنا توصية بان تحدد الدول الإفريقية لنفسها كيف يمكنها الاستفادة من هذه المنافسة العالمية. ويتضمن ذلك تطوير استراتيجيات وطنية تؤكد على القيمة المضافة والمكاسب المحلية. كما يجب أن تبدأ هذه الاستراتيجيات الوطنية في تموضع الدول الإفريقية من أجل تحقيق مكاسب من مواردها على نحو يتجاوز القيمة المضافة.
وتبرز المنافسة على معادن إفريقيا بالغة الأهمية ضرورة إحداث إصلاحات في الحوكمة والتعاون الإقليمي من أجل جعل الثروة المعدنية إزدهار مستدام، وتفادي تكرار “لعنة موارد” أخرى.
ظهور “النظام العالمي الجديد”:
يتصاعد دور “نظام عالمي جديد” تقوده الصين لمواجهة النفوذ الغربي (الذي تقوده الولايات المتحدة). وتظهر الدول الشرقية ودول الجنوب العالمي هذا التغير عبر تجمعات مثل البريكس وتعاون الجنوب- الجنوب في التكنولوجيا والتنمية.
وقد قوت الصين نفوذها في الجنوب العالمي عبر مبادرات مثل “مبادرة الحزام والطريق” الذي تم إطلاقه في العام 2013 ومثل مشروعًا طموحًا في البنية الأساسية يربط قارات العالم برًا وبحرًا.
ومنذ ذلك التاريخ تم توقيع أكثر من 200 اتفاقًا بين الصين وأكثر من 150 دولة في العالم و30 منظمة عالمية. وقد وسعت هذه المبادرة وصول الصين للموارد (الإفريقية تحديدًا في هذا المقام). وكان ذلك في الغالب مقابل حصول تلك الدول على بنية تحتية تنموية تربط أقاليم التعدين بالموانئ.
وفي إفريقيا، استثمرت الصين بقوة في التعدين والبنية الأساسية. وأنفقت شركات الصين نحو 4.5 بليون دولار في مشروعات الليثيوم في كل من زيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وناميبيا.
كما شمل اهتمام الصين الاستراتيجي الدول الغنية بالموارد مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وزيمبابوي، وزامبيان وجنوب إفريقيا، وغانا.
وقد احتفت الصين مؤخرًا بالذكري الثمانون على نهاية الحرب العالمية الثانية باستعراض عسكري. وقد أظهر الاستعراض قوة الصين العسكرية مع تحذير الرئيس الصيني شي من أن الصين “لا يمكن إيقافها” unstoppable.
ووجدت الصين تشجيعًا على ذلك بفضل نفوذها ووصولها إلى المعادن الهامة، مما قوّى بالتالي قدرتها على الحصول على المعدات العسكرية والتكنولوجيات المتقدمة الأخرى.
المنافسة على معادن إفريقيا الهامة:
تملك إفريقيا حوالي 30% من احتياطات المعادن الهامة عالميًا، مما جعلها في قلب تنافس جيوسياسي. وقد سعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعقد اتفاقات مع الدول الإفريقية من أجل تأمين احتياجاتها وخفض اعتمادها على الصين.
ووقع الاتحاد الأوروبي شراكات استراتيجية مع كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا، وناميبيا، وزامبيا. بينما عقدت الصين 11 اتفاقًا ثنائيًا مع الدول الإفريقية في قطاع التعدين وحده. بينما للولايات المتحدة اتفاقًا ثلاثيًا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا.
وتهدف مثل هذه الاتفاقية إلى دعم سلسلة قيمة متكاملة للسياسارات الكهربائية، والبطاريات. كما وقعت مؤخرًا اتفاقًا بعنوان “المعادن مقابل السلام” مع جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا لمساعدتهما في إنهاء عقود من الصراع في شرقي الكونغو.
ورغم حاجة الدول الإفريقية للدعم لتحويل مواردها إلى رخاء اقتصادي، فقد وجد بحثنا أن هذه الشراكات تهدد بتعزيز مكانة إفريقيا الهامشية في سلسلة القيمة العالمية. إذ تؤدي في الغالب إلى إعادة إنتاج الظروف التي تذكر بعهد الاستعمار: التبعية، واستخراج الموارد، واختلالات توازن القوة.
ماذا بعد؟
يؤكد بحثنا على أن النزاع بين النظامين العالميين بقيادة الولايات المتحدة من جهة والصين من الجهة الأخرى سوف يعتمد على أمور قليلة. ومنها السيطرة على التكنولوجيات الصاعدة. وتشمل تلك التكنولوجيات الطاقة المتجددة، والدفاع والفضاء، والذكاء الاصطناعي- والتي تعتمد جميعها، بدورها، على المعادن الهامة. إن الاستخدام الموسع، والسيطرة، على مثل هذه المعادن وسلاسل إمدادها سوف يكون محددًا رئيسًا في القوة العالمية.
إن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على المعادن الهامة سوف تزداد حدة. غير أنه من الأهمية بمكان هنا ملاحظة أن الدول الإفريقية لا تزال محايدة. ويجب على الدول الإفريقية ذلك، وألا تنخرط إلا في شراكات مهامة وذات منافع متبادلة تحقق بشكل حقيقي تقدم بلادهم واقتصاداتها.
كما يجب على الدول الإفريقية أن تحدد بوضوح أولوياتها في قطاع استخراج المعادن. وبدون تبني استراتيجيات واضحة فإن القوى الخارجية سوف تواصل تكريس مستقبل إفريقيا لصالحها. كما ستظل القارة عالقة في أسر التبعية، بدلًا من تمكينها من تحقيق قيمة حقيقية من ثروتها المعدنية.
أخيرًا، يجب على الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروربي، بدلًا من مجرد المنافس على معادن إفريقيا الهامة، أن تنخرط بشكل عادل مع الدول الإفريقية في قطاع الاستخراج من أجل ضمان تحقيق تنمية عادلة في أرجاء القارة الإفريقية مستقبلًا.
النحاس يغذي نمو قطاع التعدين في إفريقيا([3]) :
تمثل صناعة النحاس حدود النمو الرئيس التالي في قطاع لاتعدين في إفريقيا، حسبما يؤكد أتول آريا Atul Arya نائب رئيس وكبير خبراء الطاقة في S&P Global Commodity Insights.
وفي مقابلة أجراها آريا، خلال انعقاد أسبوع التعدين الإفريقي African Mining Week الذي شهدته مدينة كيب تاون في الأسبوع الثاني من أكتوبر الجاري، وصف النحاس بأنه “فرصة مغيرة للعبة” بالنسبة لإفريقيا من أجل جذب استثمارات جديدة، مدفوعة بتصاعد الطلب العالمي المرتبط بالتقدم التكنولوجي. “إن النحاس هو أساس الذكاء الاصطناعي وضروري للغاية للكثير من التطبيقات الأخرى. ويخلق ذلك فرصًا كبيرة للمستثمرين، ولاسيما في زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تمتلك بدورها موارد هائلة من الكوبالت” حسب آريا.
وتشكل اتجاهات أخرى مستقبل التعدين في إفريقيا بما في ذلك الإصلاحات التنظيمية، وتركيز أقوى على اسلاتفادة المحلية، والتعاون الإقليمي في مسائل الطاقة وبنية النقل الأساسية والتكيف مع الذكاء الاصطناعي. كما توقع آريا زيادة في الاستثمارات ابلريطانية في أرجاء قطاع التعدين الأفريقي، مدفوعة بالإصلاحات التنظيمية المستمرة في المملكة المتحدة والتي تستهدف تيسير توسع الشركات البريطانية في الأسواق الإفريقية.
وأضاف آريا: “هناك منافسة متزايدة- ليس فحسب فيما بين الشركات التي تدخل إفريقيا لكن أيضًا بين الدول الفريقية نفسها- حول مسألة كيفية بناء العلاقات. كما تكثف الإدارة الأمريكية اهتمامها بمعادن إفريقيا الهامة من أجل الطاقة والدفاع، مع تنويع علاقاتها بعيدًا عن الصين.”
وأكد أن أحد أكبر التحديات أمام دول إفريقيا الغنية بالموارد سيكون مسألة كيف ستقوم بتركيز جهودها في ضوء التوقعات المتنوعة للغاية بشأن مستقبل ثرواتها المعدنية الهامة للغاية.
…………………………………
[1] Lucrezia Lenardon, The Africa of Critical Minerals Seeks a Fair Energy Transition, October 10, 2025 https://www.renewablematter.eu/en/africa-critical-minerals-seeks-fair-energy-transition
[2] Boafo, James and Spencer, Rochelle, China and the US are in a race for critical minerals. African countries need to make the rules, The Conversation, October 12, 2025 https://theconversation.com/china-and-the-us-are-in-a-race-for-critical-minerals-african-countries-need-to-make-the-rules-265318
[3] Copper to Fuel Africa’s Mining Sector Growth, Energy Capital Power, October 13, 2025 https://energycapitalpower.com/copper-to-fuel-africas-mining-sector-growth/