الأفكار العامة:
– محاكمة تاريخية غير مسبوقة ضد الجرائم المُرتكَبَة إبَّان الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
– تأكيد القرار التاريخي على ضرورة عدم الإفلات من العقاب على الفظائع المرتكَبة في جنوب إفريقيا قبل عام 1994م أو بعده.
– تجاذب قانوني حول القضية نتيجة الطعن عليها من محامي المتّهمين بعدم إمكانية إحياء الملف نتيجة التقادم من جهة، ورفض المحكمة الطعن لعدم وجود التقادم في الجرائم المُرتكَبَة ضد الإنسانية والقتل، من جهة أخرى.
– تمهيد قرار المحكمة العليا الطريق لمزيد من الملاحقات القضائية بشأن الجرائم ضد الإنسانية.
– توجيه تُهَم ارتكاب جرائم عادية إلى روريش ومفالابيتسا؛ لضمان عدم الإفلات من العقاب في حال تعذُّر استيفاء الحد الأدنى من الجرائم ضد الإنسانية.
– إعلان الرئيس، سيريل رامافوزا، عن رغبة الحكومة في تشكيل لجنة تحقيق حول مزاعم التدخل السياسي في الجهود المبذولة لمحاكمة تلك القضايا.
بقلم: أوتيليا آنا مونغانيدزي *
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
المحاكمة الأولى على جرائم ضد الإنسانية المرتكَبَة خلال الفصل العنصري تُعيد الأمل للضحايا وأُسَرهم. ففي شهر أبريل الماضي، أكَّدت المحكمة العليا في جنوب إفريقيا أنه يمكن محاكمة المتهمين بقتل ثلاثة من النشطاء الشباب المناهضين للفصل العنصري وجرح طالب آخر قبل 43 عامًا.
وكان الضحايا أعضاء في مؤتمر طلاب جنوب إفريقيا (COSAS) وكان المتهمان، فيما يُعرَف محليًّا باسم قضية COSAS 4، قد طالبا بتنحية رئيس المحكمة، ولكن تم رفض طلبهما.
هذا القرار مهم، ليس فقط لأن عائلات الضحايا تنتظر العدالة منذ ما يقرب من نصف قرن، ولكن أيضًا لأن التُّهَم تشمل القتل والفصل العنصري كجرائم ضد الإنسانية. وهذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها محكمة في جنوب إفريقيا في قضية جنائية تنطوي على جرائم ضد الإنسانية.
كما ستكون هذه هي المرة الأولى في أيّ مكان في العالم التي يُحاكَم فيها الفصل العنصري، باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
وعلى الرغم من أن قضية كوساس 4 تتعلق بحادث واحد فقط، فإن قرار المحكمة العليا يُمهِّد الطريق لمزيدٍ من الملاحقات القضائية للجرائم ضد الإنسانية في جنوب إفريقيا. وتحليلها يجعل الأمر أكثر وضوحًا.
محاكمة الفصل العنصري الأولى من نوعها باعتباره جريمة ضد الإنسانية:
في 15 فبراير 1982، زُعم أن أربعة طلاب منتمين إلى منظمة كوساس، وهم يوستيس “بيمبو”، ماديكيلا ماثلابو (17 سنة)، وبيتر نتشينغو ماتاباني (18 سنة)، وفانيانا نهلابو (18 سنة)، وزانديسيلي موسي (19 سنة)، تم استدراجهم إلى منجم في كروغرسدورب غرب جوهانسبرغ. وتم تفجير المتفجرات في المنجم فور وصولهم، مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم، وإصابة موسي بجروح خطيرة.
وكان اثنان من الجناة الخمسة المزعومين، وهما كريستيان سيبرت روريش وتلهوميدي إفرايم مفالابيتسا، يعملان لصالح نظام الفصل العنصري في ذلك الوقت. وقد ارتبط اسمهما بهذه الحادثة على مدى عقود من الزمن، وذلك في أعقاب ما كشفت عنه لجنة الحقيقة والمصالحة في عام 1999م. وقد تُوفّي الأشخاص الثلاثة الآخرون المتورطون منذ ذلك الحين.
ورغم ذلك، لم يتم اتهامهم في النهاية حتى عام 2021م. ويُعزَى هذا التأخير إلى التدخل السياسي المزعوم بين عامي 2003 و2017م، وعدم تعاون جهاز الشرطة واختلاف وجهات النظر حول ما إذا كان يمكن توجيه الاتهام للمتهمين بجرائم ارتُكِبَتْ قبل نهاية الفصل العنصري.
وكانت القضية محل طعن قانوني مِن قِبَل المتهمين الاثنين؛ فقد دفَع محاموهما بعدم إمكانية اتهامهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية نتيجة انقضاء قانون التقادم، باعتبار أن الجرائم المُرتكَبة حدثت منذ أكثر من عشرين عامًا.
ولم تؤيد المحكمة العليا في جوهانسبرغ هذا الرأي، فحكمت لصالح هيئة الادعاء الوطنية (NPA) التي رأت أنه لا يوجد تقادم فيما يتعلق بالجرائم المُرتكَبة ضد الإنسانية، شأنها في ذلك شأن الجرائم الخطيرة الأخرى مثل القتل.
قرار المحكمة العليا يُمهّد الطريق لمزيد من الملاحقات القضائية بشأن الجرائم ضد الإنسانية:
كما دفَع المتهمون بأن الحادث المزعوم وقع قبل عضوية جنوب إفريقيا في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الفصل العنصري. وجادلوا بأن الجرائم المرتكَبة بعد دخول نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ في 1 يوليو 2002م هي وحدها التي يمكن مقاضاة مرتكبيها.
وردّت النيابة العامة الوطنية بأن الفصل العنصري وغيره من الجرائم ضد الإنسانية جزء من القانون الدولي العرفي، وأن الدستور يُلزم محاكم جنوب إفريقيا باحترام القانون الدولي. وعليه يتعين الالتزام بالتحقيق في هذه الجرائم ومقاضاة مرتكبيها. وقد حكمت المحكمة لصالح الشرطة الوطنية الشعبية، ممهدةً بذلك الطريق أمام الملاحقات القضائية في العديد من القضايا التي تعود إلى حقبة الفصل العنصري؛ حيث تُشكّل الجرائم المزعومة جرائم دولية.
تم تقديم الحجج نفسها في عام 2019م مِن قِبَل مركز التقاضي في جنوب إفريقيا في قضية جواو رودريغز المتهم بقتل الناشط المناهض للفصل العنصري أحمد تيمول أثناء احتجازه لدى الشرطة في عام 1971م. وعلى الرغم من أن القضية وصلت إلى مرحلة متقدمة، إلا أن رودريغز تُوفّي قبل أن تتم محاكمته.
ويؤكد القرار التاريخي الصادر عن اللجنة الرابعة “للجنة الخاصة 4” على ضرورة عدم الإفلات من العقاب على الفظائع التي ارتُكِبَتْ في جنوب إفريقيا قبل عام 1994م أو بعده. وهذه خطوة مهمة في البحث عن المساءلة والعدالة. ومع ذلك، فهي بلا شك الجزء “الأسهل”؛ إذ سيكون من الصعب إثبات أن هذه الفظائع تُشكِّل جرائم ضد الإنسانية.
يجب على الادعاء أن يُثبت أن الجرائم ارتُكِبَت كجزء من هجوم واسع النطاق وممنهج ضد السكان المدنيين. وعليه يتعين التوضيح أن الاختطاف والقتل والإصابة في قضية “كوساس 4” لم تكن حادثة معزولة بل جزء من سياسات وممارسات حكومة الفصل العنصري.
وفي عام 2003، أحالت لجنة العفو التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة 300 ملف إلى الشرطة الوطنية.
ولضمان عدم إفلات المتهمين من العقاب في حال تعذُّر استيفاء الحد الأدنى من الجرائم ضد الإنسانية، وُجهت إلى روريش ومفالابيتسا أيضًا تهم ارتكاب جرائم عادية، بما في ذلك الاختطاف والقتل. وفي حال إدانتهما بأي من هذه التهم، فإنهما يواجهان عقوبة السجن مدى الحياة.
وهذا يعني أن المحاولات الرامية إلى منع المقاضاة في المستقبل على الجرائم التي ارتُكِبَتْ خلال حقبة الفصل العنصري محكوم عليها بالفشل؛ وذلك لثلاثة أسباب:
أولًا: بموجب دستور جنوب إفريقيا، يُشكّل القانون الدولي العرفي جزءًا من قانون جنوب إفريقيا، وتعتبر الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الفصل العنصري، جرائم دولية أساسية.
ثانيًا: الدولة ملزمة بالتحقيق في الجرائم الدولية المرتكبة في جنوب إفريقيا ومقاضاة مرتكبيها.
وأخيرًا، يسري هذا الالتزام بغض النظر عن وقت ارتكاب الجرائم؛ إذ لا يوجد حد زمني لمحاكمة الجرائم الدولية.
هل بالإمكان سيادة العدالة حتى بعد مرور عقود من الزمن؟
يبعث قرار المحكمة العليا برسالة قوية مفادها أنه بالإمكان سيادة العدالة حتى بعد مرور عقود من الزمن. وهذا القرار يُعدّ ثمرة مثابرة العائلات والمدعين العامين الذين احترموا (أخيرًا) التزامات الدولة، وقاضٍ طبّق القانون بلا خوف. من المهم أن نلاحظ أن هذا القرار يشير بوضوح إلى الطريق أمام المحاكم الأخرى للتعامل مع الجرائم ضد الإنسانية.
كما يعزز هذا القرار قضية المنظمات الجنوب إفريقية مثل مركز الموارد القانونية ومؤسسة حقوق الإنسان ومركز التقاضي الجنوب إفريقي ومركز الدراسات القانونية التطبيقية التي تواصل الدفاع عن أُسَر ضحايا جرائم حقبة الفصل العنصري.
وفي أعقاب الإجراءات القانونية التي اتخذها الناجون وأُسَر الضحايا، أعلن الرئيس سيريل رامافوزا، أن الحكومة ستُشكّل لجنة تحقيق في مزاعم التدخل السياسي في الجهود المبذولة لمحاكمة هذه القضايا.
في نهاية المطاف، يجب تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، الذين غالبًا ما يعتمد تعافيهم على إثبات الحقيقة والمساءلة. وإن قرار لجنة CSAS 4 هو بالضبط ما كانت تأمله لجنة العفو التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة عندما سلمت 300 ملف إلى الهيئة الوطنية للتحقيق في عام 2003م لإجراء المزيد من التحقيقات.
ويجري حاليًّا النظر في العديد من القضايا الأخرى. ولا تخلو هذه القضايا من الصعوبات، ولكن في الوقت الحالي هناك شيء واحد واضح (على الأقل من الناحية القانونية): لا يزال من الممكن مقاضاة الفصل العنصري والجرائم التي ارتُكِبَت خلال حقبة الفصل العنصري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
* أوتيليا آنا مونغانيدزي، رئيسة قسم المشاريع الخاصة.
رابط المقال: