الأفكار العامة:
– مطالبة البنك الدولي للاقتصادات الإفريقية باستجابات عاجلة ومنسقة لمواجهة تهديد التضخم للتوازنات الاجتماعية.
– التضخم وسوء الإدارة ونقص الفرص الاقتصادية تؤجّج الاستياء الاجتماعي المتزايد في إفريقيا، وتهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلدان الإفريقية.
– مكافحة الحكومات للتوفيق بين الإدارة النقدية الحصيفة والتعبئة الضريبية العادلة، والحد من عدم المساواة.
– مواجهة البنوك المركزية الإفريقية معضلة الحد من التضخم وترسيخ التوقعات مع دعم النشاط الاقتصادي.
– ضعف النظم المالية، وعدم تكافؤ الفرص في الحصول على الائتمان، والافتقار إلى التنويع الاقتصادي، من الاعتبارات المؤدية إلى الحدّ من تأثير أسعار الفائدة الرئيسية على النشاط الحقيقي.
– من إمكانية شفافية الديون التقليل من تكاليف الاقتراض وجذب الاستثمارات.
– ضرورة إعادة الدول الإفريقية النظر في عقدها الضريبي في مواجهة انخفاض المساعدة الإنمائية الرسمية.
بقلم: كوامي موديست
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تُواجه البنوك المركزية الإفريقية معضلة معقدة. ومع تهديد التضخم للتوازنات الاجتماعية، يطالب البنك الدولي باستجابات عاجلة ومنسَّقة من الاقتصادات الإفريقية. يُوضّح الإصدار رقم 31 من تقرير نبض إفريقيا: إستراتيجيات التوفيق بين الصرامة النقدية والعدالة الضريبية.
يُقدّم تقرير “نبض إفريقيا” الصادر عن البنك الدولي في أبريل 2025م ملاحظة واضحة؛ مفادها أن التضخم وسوء الإدارة ونقص الفرص الاقتصادية يُؤجّجان الاستياء الاجتماعي المتزايد في إفريقيا؛ مما يُهدّد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلدان الإفريقية. ومع دخول ملايين الشباب سوق العمل المشبع كل عام؛ تكافح الحكومات للتوفيق بين الإدارة النقدية الحصيفة والتعبئة الضريبية العادلة والحد من عدم المساواة.
في ضوء التوصيات الرئيسية للتقرير، لا سيما بالنسبة للبلدان المذكورة في التقرير (جنوب إفريقيا وغانا ونيجيريا وكينيا وموزمبيق)، وغيرها؛ سيتم تسليط الضوء على التحديات الهيكلية التي تَعُوق القدرة على الصمود الاقتصادي في القارة.
السياسة النقدية: توازن هشّ في مواجهة التضخم
يشير البنك الدولي إلى أن البنوك المركزية الإفريقية تُواجه معضلة معقدة؛ تتمثل في ضرورة “الحد من التضخم، وترسيخ التوقعات مع دعم النشاط الاقتصادي”. في سياق عالمي يتسم بسياسات تجارية مقيَّدة وأسعار فائدة مرتفعة مطولة في الولايات المتحدة تعمل على تعزيز الدولار وتعريض العملات الإفريقية لخطر خفض قيمتها؛ وعليه فإن هذه المؤسسات تتعرض إلى ضغوط متناقضة.
ففي جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، لا تزال التوقعات ضمن نطاق مستهدف تحظى بالأولوية. يفضل البنك المركزي لجنوب إفريقيا (SARB) التواصل الواضح للحفاظ على التوقعات في النطاق المستهدَف (3- 6%)، وبالتالي تجنُّب الحلقة المفرغة من الزيادات في الأسعار.
يشار إلى أن “ربط التوقعات في نطاق مستهدَف” يشير إلى إستراتيجية البنوك المركزية للتأثير على توقعات الفاعلين الاقتصاديين (الأسر والشركات والأسواق) حتى يؤمنوا باستقرار الأسعار في المستقبل. في جنوب إفريقيا، يعني هذا الإعلان بوضوح عن هدف التضخم واستخدام الأدوات النقدية (أسعار الفائدة) لإبقاء التضخم الحقيقي ضمن هذا النطاق، لتجنُّب دوامة التضخم الذاتي (ارتفاع الأجور أو الأسعار خوفًا من التضخم في المستقبل)، وتثبيت العملة.
تؤكد أحدث المراسلات الرسمية، بما في ذلك بيان السياسة النقدية الصادر في مارس 2025م، أن التضخم لا يزال منخفضًا في النصف الأدنى من هذا النطاق المستهدَف (3-6%)، وأن توقعات التضخم لعام 2025م تبلغ حوالي 3.6%.
على العكس من ذلك، فإن غانا ونيجيريا، اللتين تواجهان تضخمًا “مستمرًّا” (أكثر من 20% في عام 2024م)، ليس لديهما خيار سوى الحفاظ على سياسة نقدية تقييدية، على الرغم من التكلفة على الاستثمار والاستهلاك. ومن الضروري تشديد السياسة النقدية لفترة طويلة.
أما كينيا وموزمبيق؛ حيث يتم التحكم في التضخم بشكل أفضل، فإنهما يتمتعان بهامش من المرونة من أجل التخفيف الحذر، شريطة عدم تكرار أخطاء المديونية المفرطة السابقة. بيد أن هذه الإستراتيجيات المتباينة تحجب واقعًا مشتركًا واحدًا يتمثل في الفعالية المحدودة للأدوات النقدية من دون إصلاحات بنيوية.
كما يؤدي ضعف النظم المالية، وعدم تكافؤ فرص حصول المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم على الائتمان، والافتقار إلى التنويع الاقتصادي، إلى الحد من تأثير أسعار الفائدة الرئيسية على النشاط الحقيقي. كما يشير التقرير، فإن “الاستقرار النقدي ضروري، ولكنه غير كافٍ لتلبية الحاجة المُلِحَّة لخلق فرص عمل لعشرات الملايين من الشباب الأفارقة”. وعليه، فإن ترسيخ التوقعات لا يكفي: بل يجب أيضًا أن يرى السكان تحسنًا ملموسًا في حصولهم على الفرص الاقتصادية.
وتضعف الإستراتيجيات بفعل عوامل خارجية؛ حيث يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى تعزيز الدولار، مما يزيد من مخاطر انخفاض قيمة العملات المحلية. وقد حذَّر البنك الدولي من أن “الآثار التضخمية للسياسات التجارية التقييدية العالمية قد تُؤخّر جولة التيسير”، التي بدأت في أواخر عام 2024م. والحاصل أن الاعتماد على الصدمات الخارجية يُؤكّد الحاجة المُلِحَّة إلى تنويع الاقتصادات وتعزيز المؤسسات النقدية.
ضرورة إعادة تحديث العقد الاجتماعي القائم:
في مواجهة انخفاض المساعدة الإنمائية الرسمية، تحتاج الدول الإفريقية إلى إعادة النظر في “عقدها الضريبي”. ويشدد تقرير البنك الدولي على الحاجة إلى “تعبئة عادلة للموارد المحلية” لتمويل الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم والطاقة). لكن المؤسسة المصرفية أشارت إلى أن “دافعي الضرائب سيكونون أكثر ميلًا لدفع الضرائب في حال وثوقهم بعدالة النظام واستخدام الأموال”.
في غانا ونيجيريا؛ حيث ترتفع معدلات الفساد الضريبي، يمكن أن تؤدي الإصلاحات الرقمية (الإبلاغ الإلكتروني والدفع عبر الإنترنت) إلى خفض تكاليف الامتثال والحد من الابتزاز. ويوصي البنك أيضًا بتوسيع القاعدة الضريبية من خلال الأدوات التصاعدية (ضريبة الدخل، ضريبة الأملاك)، والقضاء على الثغرات الضريبية غير الفعَّالة. غير أن هذه التدابير قد تُواجه صعوبات في الإدارات الضريبية الهشَّة، كما هو الحال في موزامبيق؛ حيث يعرقل عدم تخصص المفتشين والتواطؤ عملية التعبئة.
تُمثّل شفافية الديون تحديًا آخر “الكشف الكامل عن البيانات وإجراءات الاقتراض الجماعي”، ويمكن أن يقلل من تكاليف الاقتراض ويجذب الاستثمارات. ويكمن التحدي في التوفيق بين الصرامة المالية والاستثمارات الاجتماعية في سياق “تضغط فيه مدفوعات الفائدة على المجال الضريبي”.
ضرورة المساءلة:
ويؤكد تقرير”نبض إفريقيا” أن الفساد يقوّض النمو والمساواة والأمن؛ مما يؤدي إلى تأجيج انعدام الثقة في الدولة. كما أن الحملات المناهضة للفساد، والتي غالبًا ما تكون محدودة بالمصالح السياسية، تكافح من أجل تحقيق إصلاحات دائمة. وفي هذا السياق، يدعو البنك الدولي إلى اتباع نهج “تدريجي ومستهدَف” يجمع بين الشفافية الضريبية وحماية المبلغين عن المخالفات وتقنيات الكشف عن الاحتيال.
وفي كينيا؛ حيث تم إطلاق مبادرات الحوكمة المفتوحة (البوابات الإلكترونية للمواطنين، وعمليات التدقيق العامة) يظل التأثير بطيئًا في غياب “ضوابط وتوازنات قوية”. وأكد البنك أن “الشفافية لا تكون فعَّالة بالكامل إلا إذا كانت مصحوبة بقضاء مستقل وإعلام حر”. ومع ذلك، في بلدان مثل نيجيريا وغانا، تتعرض استقلالية المؤسسات القضائية والسلطات التنظيمية للخطر بسبب الميزانيات غير الكافية والضغوط السياسية.
في مواجهة التحديات العابرة للحدود الوطنية (التهرب الضريبي، والتدفقات المالية غير المشروعة، والطاقة)، يدعو البنك الدولي إلى استجابة جماعية. وتُعتبر اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بمثابة رافعة أساسية “لاستغلال اقتصاديات الحجم وتحفيز الابتكار”. إن التعاون في مجال الطاقة، من خلال التجمعات الإقليمية، يمكن أن يُعوِّض عن انسحاب المساعدات الدولية، وخاصة في بلدان مثل موزمبيق، التي تتمتع بثروة من الموارد، ولكنها تُواجه عجزًا في الوصول إليها.
وهكذا يكشف التقرير عن أن إفريقيا تقف عند مفترق طرق. ورغم أن التوصيات النقدية والمالية تُوفّر سبلاً عملية، فإن نجاحها سوف يعتمد على قدرة الدول على استعادة ثقة المواطنين من خلال الحكم الشامل. ويشير البنك الدولي إلى أنه “لا توجد حلول سريعة للحكم الضعيف”، ولكن الجمع بين الشفافية والمساءلة والتعاون الإقليمي من شأنه أن يؤدي إلى إحداث نتائج حميدة. وبالنسبة للدول المذكورة أعلاه، فإن التحدي يتمثل في ترجمة هذه المبادئ إلى إجراءات ملموسة، وإلا فإن التضخم في الأسعار سوف يؤجّج التوترات الاجتماعية.
……………………………..
المصدر: البنك الدولي على الرابط التالي: